فصل: باب ما يجب من النصرة للمستأمنين وأهل الذمة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح السير الكبير **


  باب ما يجب من النصرة للمستأمنين وأهل الذمة

قال الشيخ الإمام‏:‏ - رحمه الله تعالى -‏:‏ الأصل أنه يجب على إمام المسلمين أن ينصر المستأمنين ما داموا في دارنا وأن ينصفهم ممن يظلمهم كما يجب عليه ذلك في حق أهل الذمة لأنهم تحت ولايته ما داموا في دار الإسلام فكان حكمهم كحكم أهل الذمة إلا أنه لا يجب القصاص على الذمي بقتل المستأمن ولا على المسلم لانعدام المساواة بينهما في حق صفة الحقن وعليه يبتنى حكم القصاص فأما المستأمن إذا قتل مستأمناً في دارنا فعليه القصاص ويستوفيه وارث المقتول إذا كان معه وكذلك إذا قطع طرفه فعليه القصاص لوجود المساواة بينهما في صفة الحقن‏.‏

فإن قيل‏:‏ فقد بقي في دم المستأمن شبهة الإباحة لأنه محارب ممكن من الرجوع إلى دار الحرب وذلك مانع من وجوب القصاص عليه بقتله على كل حال قلنا‏:‏ لا كذلك فإن هذه الشبهة إنما تظهر في حق من يعتقد ذلك لا في حق من لا يعتقده وكما أن معنى المحاربة مبيح فنفس الكفر مهدر بدليل أن النساء والصبيان من أهل الحرب لا يضمن قاتلهم شيئاً من كفارة ولا دية لوجود المهدر ثم الذمي إذا قتل ذمياً يلزمه القصاص بالاتفاق لأنه لا يعتقد كون كفره مهدراً فلم يورث ذلك شبهة في حقه فكذلك معنى المحاربة فيما بين المستأمنين لا يورث شبهة ولكن لتحقق المساواة بينهما في صفة الحقن يجب القصاص على بعضهم بقتل البعض سواء كانوا من أهل دار واحدة أو من أهل دارين لأن وجوب القصاص باعتبار أن على إمام المسلمين نصرتهم ما داموا في دارنا وفي هذا لا فرق بين أن يكونوا من أهل دار واحدة أو من أهل دارين ولو كانوا أهل منعة دخلوا إلينا بأمان ليجتازوا إلى أرض أخرى فيقاتلوا أهلها ثم أغار عليهم في دار الإسلام أهل حرب آخرين فأسروهم فليس علينا نصرتهم وإن قدرنا على ذلك بخلاف أهل الذمة لأن أهل الذمة صاروا منا داراً وقد التزموا حكم الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات فيجب على الإمام نصرتهم كما يجب عليه نصرة المسلمين فأما المستأمنون فهم من أهل دار الحرب إلا أنهم للحال في دارنا بأمان وإنما يجب علينا نصرتهم ودفع ظلم من هو من أهل دارنا عنهم والذين ظلموهم هناك ليسوا من أهل دارنا ولا تحت ولايتنا فلا يجب علينا دفع ظلمهم عنهم وهذا لأن لدار الإسلام داراً معادية وهي دار الحرب فمن هو من أهل دار الإسلام إنما يتمكن من المقام فيها بدفع ظلم أهل دار المعادية عنه فأما من ليس من أهل دارنا فهو إنما دخل دارنا مجتازاً أو ليقضي حاجته ثم ليعود إلى داره ففي تحصيل هذا المقصود لا حاجة إلى دفع ظلم أهل دار المعادية عنه وإنما تتحقق الحاجة إلى دفع ظلم من في دارنا عنه وما يثبت من الحكم باعتبار الحاجة فثبوته بحسب الحاجة والدليل على الفرق أن الذين ظهروا على المستأمنين فأحرزوهم بدارهم لو أسلموا كانوا عبيداً لهم والذين ظهروا على أهل الذمة وأحرزوهم لو أسلموا كانوا أحراراً وكذلك لو ظهرنا عليهم مما أخذوا من المستأمنين فيكون لنا تملكهم عليهم بالإحراز ولا يملك أهل الذمة عليهم بالإحراز بل يكونون أحراراً نرد عليهم أموالهم قبل القسمة بغير شيء وبعد القسمة بالقيمة فعرفنا أن أهل الذمة في وجوب القيام بنصرتهم كالمسلمين بخلاف المستأمنين والذي يقرر ما قتلنا أن الذين ظهروا على أهل الذمة لو مروا بأهل منعة من المسلمين في دار الحرب كان عليهم أن يقوموا باستنقاذ أهل الذمة من أيديهم لا يسعهم إلا ذلك بمنزلة ما لو وقع الظهور على المسلمين ولو كانا إنما ظهروا على المستأمنين في دارنا ثم مروا بهم على قوم ممتنعين من المسلمين في دار الحرب لم يكن عليهم القيام باستنقاذهم من أيديهم ولو كانوا في أمان من أهل الحرب لم يكن لهم أن ينقضوا العهد لاستنقاذ المستأمنين من أيديهم بخلاف أهل الذمة فهناك عليهم أن ينقضوا العهد ويقاتلوا عن ذراري أهل الذمة كما يقاتلون عن ذراري المسلمين وإنما حال المستأمنين في دارنا كحال الموادعين ولو أن الإمام وادع أهل بلدة من أهل الحرب بمال أو بغير مال ثم قصدهم مسلم أو ذمي بظلم فعلى الإمام دفع ذلك عنهم ولو أغار عليهم قوم من أهل الحرب لم يكن على إيمان المسلمين أن يدفع ظلمهم عنهم فبه يتضح ما ذكرنا من الفرق بين الموادعين وبين المستأمنين في دارنا في فصل وهو أنه‏:‏ لو قتل رجل من الموادعين رجلاً منهم في دار الموادعة لم يكن عليه القصاص ولو قتل المستأمن مستأمناً في دارنا يجب عليه القصاص لأن أهل دار الموادعة ما لزموا شيئاً من حكم الإسلام فإنهم وادعونا على ألا تجري عليهم أحكامنا فكانت دارهم دار حرب على حالها والقتل في دار الحرب ليس بموجب للقصاص فأما المستأمنون فهم في دار الإسلام وحكم الإسلام يجري عليهم ما داموا في دارنا فيما فيه حق العباد والقصاص بهذه الصفة قال‏:‏ ولو أن قوماً من أهل الحرب لهم منعة دخلوا دارنا بأمان فشرطوا علينا أن نمنعهم مما نمنع منه المسلمين وأهل الذمة فعلينا الوفاء لهم بهذا الشرط حتى إذا أغار عليهم أهل الحرب فعلينا القيام بدفع الظلم عنهم لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ المؤمنون عند شروطهم وهذا لأن الالتزام بسبب الأمان التزام بالشرط فينظر إلى الشرط كيف كان وكذلك لو وادعونا على مال معلوم بهذا الشرط فعلى الإمام أن يفي لهم بالمشروط عليهم إن قجر على ذلك وإن لم يقدر عليه فليس له أن يطالبهم بشيء من مال المشروط عليهم لأنهم التزموا ذلك بمقابلة الحماية فإذا عجز عن حمايتهم لم يكن له أن يأخذ منهم شيئاً من المال كما لا يأخذ من أرباب المواشي من المسلمين الزكاة ولا يأخذ من أهل الذمة الجزية والخراج إذا كان عاجزاً عن حمايتهم بأن غلب عليهم أهل البغي ولو كان المستأمنون في دارنا قوماً لا منعة لهم والمسألة بحالها فعلى الإمام أن يدفع عنهم من الظلم ما يدفعه عن أهل الذمة حتى إذا ظهر أهل الحرب عليهم ثم ظهر عليهم المسلمون ردوهم أحراراً وإن كانوا أخذوا أموالهم فوجدوا ذلك في الغنيمة قبل القسمة يأخذونه بغير شيء وبعد القسمة بالقيمة بخلاف ما سبق لأن هؤلاء في منعة المسلمين والحرية المتأكدة بمنعة المسلمين لا تنتقض بالقهر وكذلك المال المأخوذ ممن منعة المسلمين لا يبطل حق المالك القديم عنه وفي الأول هم كانوا ممتنعين بمنعتهم لا بمنعة المسلمين وقد بينا أنهم أهل حرب وإن كانوا في أمان منا فلم تكن حريتهم متأكدة بمنعة المسلمين فلهذا كان الحكم فيهم ما بينا ولو أن الذين ظهروا عليهم من أهل الحرب في هذا الفصل مروا بهم على منعة للمسلمين في دار الحرب كان عليهم القيام بنصرتهم وتخليصهم من أيديهم كما في حق أهل الذمة بخلاف ما سبق والله أعلم‏.‏