فصل: باب من يجب على المسلمين نصرتهم وما لا يكون فيئاً

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح السير الكبير **


  باب من يجب على المسلمين نصرتهم وما لا يكون فيئاً

إذا أخذ من دارنا أو من غيرها ولو أن قوماً من أهل الحرب لا منعة لهم دخلوا إلينا بأمان فأغار أهل دار حرب أخرى على دار الإسلام وأصابوا أولئك المستأمنين فأحرزوهم بدارهم واستعبدوهم ثم ظفر المسلمون عليهم فعليهم تخلية سبيل المستأمنين لأنهم سبوا من دار الإسلام وقد كانوا في حكم أهل الإسلام حين سبوا والحرية لا تبطل بمثل هذا السبي ثم قد بينا أن المستأمنين فينا إذا لم يكونوا أهل منعة فحالهم كحال أهل الذمة في وجوب نصرتهم على أمير المسلمين ودفع الظلم عنهم لأنهم تحت ولايته ألا ترى أنه كان يجب على الإمام والمسلمين اتباعهم لاستنقاذهم من أيدي المشركين الذين قهروهم ما لم يدخلوا حصونهم ومدائنهم كما يجب عليهم ذلك إذا وقع الظهور على المسلمين أو على أهل الذمة وبهذا تبين أيضاً وجوب تخلية سبيلهم إذا أصبناهم فهل رأيت قوماً يجب على المسلمين نصرتهم إذا أخذوهم كانوا فيئاً لهم هذا مما لا يجوز القول به وكذلك لو أن هؤلاء المستأمنين كانوا من أهل دار الموادعة دخلوا إلينا بتلك الموادعة لأن تلك الموادعة توجب الأمان لهم في دارنا فكانوا بمنزلة المستأمنين في وجوب نصرتهم وعلى هذا لو أسلم أهل الدار الذين أسروهم فإن الإمام يحكم عليهم بأن يخلوا سبيلهم فيكونوا أحراراً على ما كانوا عليه قبل أن يسبوا سواء كانت مدة الموادعة قائمة أو قد انقضت لأنهم حين كانوا في دارنا بأمان ولا منعة لهم فحالهم كحال أهل الذمة في وجوب نصرتهم وأهل الحرب لا يملكونهم بالسبي لتأكد حريتهم بدار الإسلام فإذا أسلموا كان عليهم تخلية سبيلهم وكذلك لو لم يسلموا ولكن دخل إليهم مسلم بأمان فاشتراهم بمال أو فداهم كان هذا وما لو فدى الحر المسلم أو الذمي الأسير بماله في جميع ما ذكرنا سواء وكذلك لو أن الذين أسروهم خرجوا إلينا بأمان ومعهم بعض هؤلاء الأسراء فإنهم يؤخذون من مجاناً لأنه ظالم في حبسهم وحالهم في ذلك كحال أهل الذمة إذ لا يجوز إعطاء الأمان علي التقرير على الظلم بحبس الحر المأسور ولو كان في المستأمنين المأسورين عبد مملوك والمسألة بحالها لم يجبر المستأمن الذي أسره على بيعه إذا دخل إلينا بأمان وهو معه بخلاف ما إذا كان العبد مسلماً أو ذمياً لأنه يملكه بالإحراز في الفصول كلها إلا أن المسلم والذمي لا يقر في ملك الحربي فكان مجبراً على بيعه لذلك فأما إذا كان العبد حربياً فالحربي يقر في ملك الحربي وقد تم ملكه بالإحراز فلهذا لا يجبر على بيعه توضيحه‏:‏ أنه إنما يجبر على بيعه ليعود كما كان وها هنا كان حربياً قبل أن يؤسر ولو أجبر على بيعه في دار الإسلام باعه من المسلمين أو من أهل الذمة فلا يعود حربياً كما كان فهذا لا يجبر على بيعه قال‏:‏ ولو أن الموادعين لم يخرجوا إلينا حتى أغار عليهم أهل حرب أخرى في دارهم فأسروا معهم أسيراً ثم ظهر المسلمون عليهم فاستنقذوهم من أيديهم كانوا عبيداً للمسلمين لأنهم ما كانوا أصابوهم من دار الإسلام فإن دار الموادعين دار الحرب لا يجري فيها حكم المسلمين وإنما كانت الموادعة بيننا وبينهم ولم يكن فيما بينهم موادعة فتم إحراز القاهرين لهم ثم وقع الظهور عليهم فكانوا مماليك للمسلمين ثم قد بينا أنهم لو كانوا أهل منعة في دارنا بأمان فظهر عليهم أهل حرب آخرون وأحرزوهم كانوا مماليك لهم فإذا كانوا في دار الموادعة ومنعة أنفسهم حين وقع الظهور عليهم أولى وهذا لأنا إنما التزمنا للموادعين ترك التعرض لهم لا أن ننصرهم من عدوهم وهذا بخلاف ما إذا دخل بعضهم دارنا بحكم الموادعة لأن الداخلين لما لم يكونوا أهل منعة مفقد التزمنا نصرتهم بالأمان الثابت لهم في دارنا حكماً ولو كان الذين أغاروا على الموادعين قوماً من الخوارج ثم ظهر عليهم أهل العدل ردوهم إلى مأمنهم أحراراً لا سبيل عليهم أما إذا أغاروا عليهم في دار الإسلام فهو غير مشكل وأما إذا أغاروا عليهم في دار الموادعة فلأنا قد التزمنا لهم بالموادعة ترك التعرض وألا يظلمهم أحد من المسلمين والخوارج منهم فكان على إمام أهل العدل دفع ظلمهم عن الموادعين إذا تمكن منهم كما عليه دفع ظلم أهل العدل عنهم إذا تمكن منهم بخلاف أهل الحرب فإنه ليس على إمام المسلمين دفع ظلم أهل الحرب عنهم بسبب الموادعة لأنه ما التزم ذلك لهم والذي يوضع الفرق أن أمان الخوارج يثبت في حق أهل العدل فكذلك أمان أهل العدل يثبت في حق الخوارج عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ يسعى بذمتهم أدناهم وإذا ظهر حكم أمانهم في حق الخوارج لم يملكوهم بالأسر فلهذا وجب ردهم أحراراً كما كانوا قال‏:‏ ولو أن حربياً دخل إلينا بأمان ومعه عبد له فأسر عبده أهل حرب آخرون وأحرزوه ثم وقع العبد في الغنيمة ومولاه في دار الإسلام أو قد رجع إلى دار الحرب فإن حضر قبل القسمة أخذه بغير شيء وإن حضر بعد القسمة أخذه بالقيمة إن شاء لأنه لما كان حاله كحال الذمي ما دام مستأمناً فينا في نفسه إذا صار مقهوراً فكذلك في ماله إذا وقع الظهور عليه فإن حكم الأمان يعم المال والنفس ثم إنما ينتهي حكم الأمان برجوعه إلى دار الحرب وفيما يرده مع نفسه فأما فيما لم يرده فحكم الأمان قائم كأنه لم يرجع إلى دار الحرب فلهذا كان الحكم فيه ما بينا وعلى هذا لو كان العبد دخل إلينا بأمان ولم يكن مولاه معه لأن حكم الأمان ثابت فيه ما لم يرجع إلى دار الحرب فإنا قد التزمنا تبليغه مأمنه وقد انعدم ذلك حين أحرزه أهل حرب آخرون ولهذا إذا وقع في الغنيمة وجب رده على مولاه قبل القسمة بغير شيء وبعد القسمة بالقيمة وكذلك لو كان العبد من أهل دار الموادعين دخل إلينا بتلك الموادعة وحده أو مع مولاه ثم أسره أهل الحرب لأنه كان آمناً فينا بتلك الموادعة فهو في الحكم كالمستأمن فينا وكذلك لو دخل مسلم دار القاهرين بأمان فاشتراه منهم كان لمولاه أن يأخذه بالثمن إن شاء في جميع هذه الفصول لأنه الآن بمنزلة عبد المسلم أو الذمي وقد أصيب من دارنا وإنما الفرق بينهما في الحرف الذي قلنا أن الأسير إذا دخل إلينا بأمان وهو معه لم يكن مجبراً على بيعه بخلاف ما إذا كان لمسلم أو ذمي بأمان فأما فيما سوى ذلك فالحكم سواء والله باب مواريث القتلى إذا لم يدر أيهم قتل أولاً وإذا قتل جماعة من المسلمين ذوي القرابة ولا يعلم أيهم قتل أولاً فإنه لا يرث بعضهم من بعض ولكن ميراث كل واحد منهم لورثته الأحياء لأن كل أمرين حدثا ولا يعرف التاريخ بينهما فإنه يجعل كأنهما حدثا معاً لفقه وهو أنه يحال بالحادث على أقرب الأوقات فإن التاريخ لا يثبت إلا بحجة ثم شرط التوريث بقاء الوارث حياً بعد موت لمورث فما لم يعلم هذا الشرط يقيناً لإنسان بعينه لا يجعل وارثاً إلا ترى أن المفقود لا يرث أحداً من أقاربه ما لم يعلم حياته بعينه بعد موت المورث والأصل فيه حديث خارجة بن زيد عن أبيه زيد بن ثابت - رضي الله تعالى عنه - قال‏:‏ أمرني أبو بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - بتوريث أهل طاعون عمواس كانت القبيلة تموت بأسرها فورثت الأحياء الأموات ولم أورث الأموات بعضهم بعضاً قال خارجة بن زيد‏:‏ وأنا ورثت أهل الحرة فورثت الأحياء الأموات ولم أورث الأموات بعضهم بعضاً وذكر آثاراً في الكتاب بالإسناد عن الصحابة والتابعين - رضي الله تعالى عنهم - لإثبات الأصل الذي قلنا قال‏:‏ وكل نسب ادّعاه السبي إذا تصادقوا عليه ولم يعرف إلا بقولهم فإنهم لا يتوارثون بذلك ما خلا الأبوة والنبوة إلا أن تقوم البينة من المسلمين على ذلك النسب فحينئذ يجري التوارث وهذا بناء على ما عرفناه في الدعوى أن إقرار الرجل يصح بأربعة نفر‏:‏ بالأب والابن والزوجة والمولى وإقرار المرأة يصح بثلاثة نفر‏:‏ بالأب والزوج والمولى ولا يصح إقرارها بالابن لأنها تحمل نسبه على غيرها وهو صاحب الفراش فأما الإقرار بما سوى ذلك من الرابات لا يصح من واحد منهما‏.‏

لإن المقر إنما يحمل النسب على غيره والأصل فيه ما روي أن امرأة سبيت ومعها صبي حاملته وكانت تقول‏:‏ ابني فأعتقا وكبر الغلام فمات وترك مالاً فقيل لها‏:‏ خذي ميراثك فتحرجت من ذلك وقالت‏:‏ لم يكن ابني إنما كان ابن دهقان القرية وكنت ظئراً له فكتب في ذلك إلى عمر - رضي الله تعالى عنه - فكتب - رضي الله تعالى عنه - ألا يورث الحميل إلا ببينة فصار هذا أصلاً فيما قلنا لأن الحميل محمول النسب إلى الغير فعيل بمعنى المفعول أو حامل نسبه على غيره فعيل بمعنى فاعل وكل ذلك جائز وإذا مات الرجل في دار الحرب فقسم ميراثه على غير قسمة ميراث أهل الإسلام بأن أعطى الذكور من الأولاد دون الإناث أو الولد دون الأبوين أو دون الزوجة ثم أسلموا بعد تمام القسمة فالقسمة ماضية على ما صنعوا ولو لم يقسموا حتى أسلموا فإنما يقسم الميراث بينهم على حكم الإسلام لأنهم بالإسلام يلتزمون أحكام المسلمين فذلك يلزمهم في تصرف يباشرونه في المستقبل دون ما باشروه قبل الإسلام بمنزلة المعاملة بالخمر والخنزير وغير ذلك والأصل فيه حديث عمرو بن دينار - رحمه الله تعالى - أن لنبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إيما ميراث اقتسم في الجاهلية فهو على قسمة الجاهلية وما أدرك الإسلام فهو على قسمة الإسلام يعني‏:‏ ما أدرك الإسلام بأن أسلم المستحقون قبل القسمة وهذا بخلاف ما إذا اقتسم أهل الذمة مواريثهم على غير قسمة المسلمين ثم اختصموا في ذلك فإن الإمام يبطل قسمتهم ويقسم الميراث بينهم على قسمة المسلمين لأن أهل الذمة قد التزموا أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات فكان حكمهم كحكم المسلمين إلا ما صار مستثنى لمكان عقد الذمة كالتصرف في الخمر والخنزير ونكاح المحارم فأم أهل الحرب ما كانوا ملتزمين لحكم الإسلام قبل أن يسلموا فلهذا كان الحكم فيهم على ما بيننا ولا يتوارث أهل الحرب وأهل الذمة وإن دخلوا إلينا بأمان لأنهم أهل دارين مختلفين فإن المستأمن فيهما من أهل دار الحرب وتباين الدار تأثيره في قطع العصمة والولاية فوق تأثير تباين الدين فكما لا يتوارث أهل ملتين فكذلك لا يتوارث أهل الدارين وعلى هذا أهل الحرب فإنهم لا يتوارثون فيما بينهم إذا كانوا أهل دور مختلفة لأن حكم اختلاف الدار فيهم باختلاف المنعة فإن دارهم ليست بدار أحكام حتى يجمعهم حكم بخلاف دار الإسلام فإما إذا صاروا أهل الذمة فإنهم يتوارثون بالقرابة لأنهم صاروا من أهل دار الإسلام وهم أهل ذمة واحدة فإن الكفر كله ملة واحدة فلهذا جرى التوارث فيما بينهم والله أعلم‏.‏

قال الشيخ الإمام - رضي الله عنه -‏:‏ اعلم بأن أكثر مشاكل هذا الباب قد بيناه في شرح المختصر في كتاب المفقود وإنما نذكرها هنا ما لم نبينه ثمة فمن ذلك‏:‏ أن امرأة الأسير إذا ثبت عندها ارتداد زوجها إلى دين الكفر اعتدت بثلاث حيض وتزوجت وإذا ثبت عندها موته اعتدت بأربعة أشهر وعشرا ثم تزوجت ولها الميراث في الوجهين لأن حاله بعد ما أسر وفقد كحاله إذا كان معها إلى أن ارتد أو مات فإن الأسر لا يؤثر في قطع عصمة النكاح إلا أن موت الزوج يثبت عندها بخبر الواحد إذا كان عدلاً فأما ردة الزوج لا تثبت عندها إلا بشهادة شاهدين رجلين أو رجل وامرأتين على رواية هذا الكتاب وعلى رواية كتاب الاستحسان سوى بين الفصلين وقال‏:‏ يثبت ذلك بخبر الواحد إذا كان عدلاً لأنه بخبرها بأمر ديني فإن حل التزوج وحرمته أمر ديني ألا ترى أن ردة المرأة عند الزوج تثبت بخبر الواحد لهذا المعنى فأما في هذه الرواية نفرق فنقول‏:‏ إن ردة الرجل يتعلق بها استحقاق القتل فكان حكمه أغلظ من حكم ردة المرأة فلهذا لا تثبت بخبر الواحد إلا أنها تثبت الآن بشهادة رجل وامرأتين وبالشهادة على الشهادة لأن المقصود هو القضاء بقسمة الميراث وذلك يثبت مع الشبهات فلهذا أثبتنا بحجة فيها شبهة ألا ترى أنهم لو شهدوا به عند القاضي قضى بقسمة ماله بين ورثته المسلمين فكذلك إذا شهدوا به عندها قلنا‏:‏ يكون لها أن تتزوج بعد انقضاء عدتها فإن رجع بعد ذلك مسلماً وقال‏:‏ قد كذبت عليّ البينة ليقبل ذلك منه وكان ذلك بمنزلة إسلامه ابتداء فلا ترد عليه امرأته إلا بنكاح جديد سواء تزوجت أو لم تتزوج ولو شهد هذان الشاهدان بردته عند قوم ثم غابا أو ماتا فليس يسع أولئك القوم أن يشهدوا على ردته لأنهما لم يشهداهم على شهادتهما فإن أشهداهم على ذلك فحينئذ يسعهم أن يشهدوا على شهادتهما كما في سائر الأحكام فأما إذا أخبر بموته مسلم عدل فلا خلاف أنه يسعها أن تعتد وتتزوج لأنه لا يتعلق بما أخبر به حق يطلب الرجل به بخلاف الردة إلا أن هذا الخبر إنما يعتمد إذا قال عانيته ميتاً أو شهدت جنازته فأما إذا قال‏:‏ أخبرني به مخبر فإنه لا يعتمد على ذلك فأما إذا أخبر قوماً عن معاينة يسعهم أن يشهدوا على موته عند القاضي إلا أنهم إذا بينوا للقاضي أنهم سمعوا ذلك من واحد فإن القاضي لا يقضي بشهادتهم كما لو جاء ذلك المخبر فأخبر القاضي به وهو بمنزلة الشهادة على الملك باعتبار اليد يجوز ولكن إذا أخبر القاضي أنه يشهد بالملك له لأنه رآه في يده لم يعتمد القاضي شهادته والذي يخبر عن موته معاينة إنما يعتمد خبره إذا لم يكن متهماً في ذلك الخبر فأما إذا كان متهماً بأن كان أحد ورثته أو موصى له بمال فإنه لا يعتمد خبره فإن يجر بذلك إلى نفسه مغنماً فيكون متهماً في خبره كالفاسق ثم القاضي يقضي لامرأة الأسير والمفقود بالنفقة في ماله إذا كان النكاح معلوماً له بينهما سواء كانت مسلمة أو كتابية وكذلك يقضي بنفقة الأبوين والولد بالنص فإن استوفوا النفقة زماناً ثم قامت البينة على قتل الأسير أو المفقود قبل النفقة عليهم فإن الإمام يضمنم ما أخذوا لأنه تبين أنهم أخذوا ذلك بغير حق ولا يمكن أن يحسب ذلك من ميراثهم إذ لا يجري التوارث مع اختلاف الملة فلهذا ضمنهم ذلك‏.‏

فكذلك إن قامت البينة على ردة الأسير في دار الحرب قبل النفقة لأن ذلك كموته في حكم استحقاق النفقة فإن قالت الزوجة‏:‏ حاسبوني بما أخذت من نفقتي لعدتي لم يلتفت إلى قولها لأنها إنما تستوجب نقفة العدة على المرتد ما دام في دار الإسلام فأما بعد اللحاق بدار الحرب فلا بمنزلة ما لو طلقها ثلاثاً ثم لحق بدار الحرب مرتداً فإنها لا تستوجب النفقة عليه بعد ذلك لأن لحوقه بدار الحرب مرتداً كموته وإذا كان للأسير مال وديعة في يد إنسان هو مقر به ومال دين على إنسان هو مقر به فإنما يفرض القاضي النفقة لزوجته وأولاده ووالديه في الوديعة دون الدين لأن الوديعة أمانه إن قال من في يده ضاعت صدق والدين مضمون في ذمة الغريم فكان النظر للأسير في أن يجعل النفقة في الوديعة ويشهد على إقرار المدين حتى يأمن فوات الدين بجحوده وإن رأى أن يأخذ الوديعة من يد من فيء يده وأني ضعها على يدي نفسه ويأمر بالإنفاق من الدين الغريم لم يكن له بأس أيضاً لأنه ناظر لكل من عجز عن النظر لنفسه ثم لا يصدق المدين فيما يدّعي أنه أنفق من الموادعة مع يمينه لأن المدين إنما ينفق من ملك نفسه على أن يكون ذلك مضموناً له في ذمة صاحب الدين ثم يصير قصاصاً وهو لا يصدق فيما يدّعي من الدين لنفسه في ذمة غيره إلا بحجة فأما المودع أمين ينفق من ملك الغير بأمره أو بأمر من يقوم مقامه وهو القاضي والقول قول الأمين مع اليمين ألا ترى أن المدين لو أدّعى قضاء الدين لم يصدق إلا بحجة والمودع إذا ادّعى رد الموادعة مكان مصدقاً مع اليمين فإن جاء الأسير بعد ما أنفق الغريم أو المودع بأمر القاضي فجحد نكاح المرأة ولم يكن لها على ذلك بينة وحلف الأسير ما هي له بامرأة على قول من يرى الاستحلاف في باب النكاح فله أن يرجع على الغريم والمودع بما له لأن ولاية الأمر للقاضي بالإنفاق كان بسبب النكاح نظراً منه للغائب ولم يثبت النكاح فتبين أنه أنفق ملكه على غيره بغير أمر صحيح شرعاً فصار ضامناً له ذلك ويرجع بما يضمن على من أنفق عليه لأن أخذ المال منه لنفسه فكان ضامناً للمأخوذ فإن كان المنفق معسراً فأراد الأسير تضمين المرأة ماله فله ذلك في الموادعة دون الدين لأنها أخذت عين ماله من المودع وأنفقت على نفسها فكانت ضامنة له وإنما أخذت من المدين مال المدين فأما دين الأسير في ذمة المدين فلا سبيل له على تضمين المرأة وإنما يطالب الغريم بما له وفي الموادعة إذا اختار الأسير تضمينها ثم أراد الرجوع عن ذلك وتضمين المودع لم يكن له ذلك لأنها في حقه كالغاصب مع غاصب الغاصب فبعد ما اختار تضمين أحدهما لم يكن له أن يرجع عن ذلك ويضمن الآخر لأن اختياره تضمين أحدهما يكون إبراء منه للآخر ولو كان الأسير لم يجحد نكاح المرأة ولكنه أقام البينة أنه كان أعطاها النفقة لمدة معلومة قبل أن يؤسر أو كان طلقها وانقضت عدتها قبل أن يؤسر فلا ضمان له على الغريم المودع فيما أنفقا بأمر القاضي ولكنه يرجع على المرأة بما أخذت لأن في الفصل الأول وجوب الضمان عليهما كان باعتبار إقرارهما بأصل النكاح فإنهما لو أنكرا ذلك لم يأمرهما القاضي بإنفاق شيء عليها وقد ظهر الآن أنهما كذبا فيما أقرا به على الأسير فلهذا ضمن وها هنا لم يظهر كذبهما فيما أقرا به من أصل النكاح وإنما أثبت الزوج عارضاً مسقطاً للنفقة عنه هو نظير الشاهدين بالقتل خطأ إذا قضى القاضي بالدية بشهادتهما واستوفى ثم جاء المشهود بقتله حياً كانا ضامنين للمال وبمثله لو أقام المشهود عليه البينة أنه كان المجروح عفا عن الجراحة وما يحدث منها قبل موته لم يكن على الشهود ضمان في ذلك فهذا قياسه فإن كان الغريم أو المستودع قال‏:‏ إني قد شهدت نكاحها حين تزوجها ولست أدري أطلقها أو لم يطلقها فإن القاضي يأمره بالإنقاق لأن ما عرف بثبوته فالأصل بقاؤه حتى يوجد الدليل المزيل وكذلك لو قال‏:‏ هي امرأته للحال فإن أقام الأسير البينة أنه كان طلقها ثلاثاً قبل أن يؤسر وانقضت عدتها فلا ضمان له على الغريم والمستودع في الفصلين وليس له أن يحتج عليهما في الفصل الثاني فيقول‏:‏ إنهما قد كذبا في إقرارهما أنها زوجته للحال فإنا أضمنتهما بهذا الإقرار من قبل أن هذا غير محتاج إليه فإنه بعد ما أقر بأصل النكح سواء هي امرأته في الحال أو قال لا أدري ما حالها الآن فإن القاضي يأمره بالإنفاق وما لا يكون محتاجاً إليه فالشهادة به وجوداً وعدماً بمنزلة واحدة وقد كانا في أصل الإقرار بالنكاح صادقين فلهذا لم يضمنا شيئاً وهذا نظير رجل مات فادّعت امرأة أنها امرأته وأقامت البينة فورثها القاضي ميراث النساء ثم قامت البينة أن الزوج كان طلقها ثلاثاً في صحته فليس للورثة تضمين الشهود شيئاً سواء شهدوا على أصل النكاح أو شهدوا على أنها امرأته يوم مات لأن المعتبر شهادتهما بأصل النكاح وقد كانا صادقين في تلك الشهادة وبمثله لو اسلم حربي ووالي رجلاً ثم مات فشهد شاهدان أن هذا الرجل مولاه ووارث لا يعلمون له وراثً غيره وقضى القاضي له بالميراث ثم أقام رجل آخر البينة أنه كان ناقض الأول الولاء ووالى هذا الثاني وعاقده ثم مات وهو مولاه ووارث فإن القاضي يجعل الميراث للثاني دون الأول ويكون للثاني الخيار إن شاء ضمن الشاهدين الأولين وإن شاء ضمن القابض للمال لأنهما لو شهدا على أصل الولاء لم يقض القاضي بالميراث للأول ما لم يشهد على أنه مولاه ووارث يوم مات وقد تبين أنهما كذباً في هذه الشهادة فكانا ضامنين وهذا هو الحرف الذي يدور عليه الفصول أنه متى ظهر كذب الشاهد فيما كان الاستحقاق بعد بعينه كان ضامناً للمشهود به وإذا لم يظهر