فصل: باب ما يحل للمسلمين أن يدخلوه دار الحرب من التجارات

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح السير الكبير **


  باب ما يحل للمسلمين أن يدخلوه دار الحرب من التجارات

وقد بينا أنه لا يستحب للمسلمين أن يدخلوا دار الحرب شيئاً مما فيه منفعة أهل الحرب لأن ذلك يقويهم على عبادة غير الله تعالى‏.‏

فإن أدخلوا ذلك دارهم لم يمنعوا ما خلا الكراع والسلاح ونعني بالكراع‏:‏ الخيل والبغال والحمير والإبل والدواب التي يحمل عليها المتاع ونعني بالسلاح‏:‏ ما يكون معداً للقتال به وما يكون من جنس الحديد فإن ذلك يقويهم على قتالهم المسلمين وقد أمرنا بدفع قتالهم فمن ضرورة ذلك كراهة الاشتغال بما يقويهم على القتال‏.‏

وما سمينا من الدواب يحمل متاعهم ويقويهم على الحرب والفيلة كذلك لأنها يقاتل بها ويقاتل عليها وتحمل أثقالهم ويستوي في ذلك الصغير والكبير لأن الصغير يكبر فيحمل ويقاتل عليه فإن كان شيء من الدواب لا يصلح لذلك ولا يلقح أيضاً وإنما يشترونه للأكل خاصة فلا بأس بإدخالهم بلادهم بمنزلة سائر الأطعمة‏.‏

والسبي من النساء والرجال والصبيان لا ينبغي أن يدخل شيء منه من دار الحرب إن كان صغيراً طفلاً أو شيخاً فانياً سواء كانت عندهم منعة أو لم يكن لأنهم صاروا من أهل دار الإسلام فلا ينبغي أن يدخلوا دار الحرب ليباعوا منهم بعدما صاروا من أهل دارنا‏.‏

وأجناس السلاح ما صغر منه وما كبر حتى الإبرة والمسلة في كراهة الحمل إليهم سواء لأن التقوي بهم على قتال المسلمين يحصل‏.‏

والحديد كذلك لأنه أصل ما يتخذ منه الأسلح‏.‏

والحرير والديباج كذلك لأنه يصنع منه الرايات‏.‏

والسلاح والقز الذي غير معمول كذلك لأنه يتخذ منه الخفتانات‏.‏

فإن كان خزاً من إبريسم أو ثياباً رقاقاً من القز فلا بأس بإدخالها إليهم لأن ذلك لا يتقوى به على القتال وإنما يستعمل في اللبس فهو نظير ما يستعمل للأكل‏.‏

والجعاب وجفون السيوف وغلفها يكره حمل شيء من ذلك إليهم لأن هذا يستعمل للتقوى به على القتال والحاصل أن ما ليس بسلاح بعينه فإن كان الغالب عليه أن يراد لغير السلاح وقد يراد للسلاح فلا بأس بإدخاله إليهم لأن الحكم للغالب والنادر لا يظهر في مقابلة الغالب‏.‏

فإن أدخل ذلك رجل من المسلمين أو من أهل الذمة فعلم به أدب بالضرب والحبس لأنه ارتكب ما هو حرام وقصد به الإضرار بالمسلمين إلا أن يكون جاهلاً فيعذر لجهله ويعلم ذلك لأن هذا حكم خفي يشتبه على أكثر الناس فالسبيل فيه الإنذار في المرة الأولى قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ‏}‏ ق‏:‏ 28 فإن عاد فحينئذ يؤدب بالضرب والحبس ولا بأس بإدخال القطن والثياب إليهم لأن الغالب فيه الاستعمال للبس لا للقتال‏.‏

فإن كان الغالب عندهم أنهم يقاتلون بالخفتانات المحشوة بالقطن لم يحل إدخال شيء من ذلك إليهم ولا بأس بإدخال الصفر والشبه والرصاص إليهم لأن هذا لا يستعمل للسلاح في الغالب‏.‏

فإن كانوا يجعلون عظم سلاحهم من ذلك لم يحل إدخال شيء من ذلك إليهم لأن المعتبر عادة كل قوم فيما يبتنى عليه مما يكره أو لا يكره‏.‏

والقنا والنشاب من القصب الغير المعمول لا يحل إدخال شيء من ذلك إليهم لأن الغالب عليه أن يتخذ منه السلاح‏.‏

ولا يحل إدخال النسور الحي والمذبوح منها وأجنحتها إليهم لأن الغالب عليه أن يدخل الريش النشاب والنبل‏.‏

وكذلك العقبان إذا كان يجعل من ريشها ذلك أيضاً وإن كانت إنما يدخل للصيد فلا بأس بإدخالها بمنزلة الغنم التي يحمل إليهم للأكل لأنه إنما يصطاد بما يؤكل والحكم في البزاة والصقور كذلك والتاجر من المسلمين إذا أراد أن يدخل إليهم بأمان على فرس ومعه سلاح وهو لا يريد بيعه منهم لم يمنع من ذلك لأن المسافر يحتاج إلى أن يستصحب هذه الأشياء لمنفعة نفسه فلا يكون ممنوعاً عنه في دار الحرب كما لا يكون ممنوعاً عنه في دار الإسلام‏.‏

ولكن هذا إن كان يعلم أن أهل الحرب لا يتعرضون له في ذلك وكذلك سائر الدواب لأنه يحتاج إلى أن يحمل عليها البز وغيره مما يريد التجارة فيه ولكن إن اتهم على شيء من ذلك يستحلف بالله ما يدخله للبيع ولا يبيعه في دار الحرب حتى يخرجه إلا من ضرورة فإن حلف على ذلك فقد انتفت هذه التهمة فترك ليدخله دار الحرب وإن أبى أن يحلف لم يترك ليدخل دار الحرب شيئاً من ذلك وكذلك إذا أراد حمل الأمتعة إليهم في البحر في السفن لأن السفينة مركب يتقوون بها على حمل الأثقال وقد يستعملونها للقتال فيستحلف بالله ما يريد بيعها ولا يبيعها حتى يخرجها إلا من ضرورة‏.‏

وإن أدخل معه غلاماً أو غلامين لخدمته لم يمنع من ذلك للحاجة إليه فإنما يمنع من ذلك ما يريد التجارة فيه فإن اتهم استحلف فأما الذمي إذا أراد الدخول إليهم بأمان فإنه يمنع من أن يدخل فرساً معه أو برذوناً أو سلاحاً لأن الظاهر من حاله أنه يدخل ذلك إليهم للبيع فيهم بخلاف المسلم فإن دينه هناك يمنعه من ذلك وها هنا دينه لا يمنعه من ذلك بل يحمله عليه إلا أن يكون معروفاً بعداوتهم مأموناً على ذلك فحاله حينئذ كحال المسلم ولا يمنع من أن يدخل بتجارته على البغال والحمير والعجلة والسفن‏.‏

لأن الظاهر أن هذا لا يحمله إليهم لتقويتهم به على المسلمين بل لحاجته وكما يحتاج إليه فيه الإدخال يحتاج إليه في الإخراج لما يأتي به من السلع‏.‏

بخلاف السلاح والفرس فالظاهر هناك أنه يدخله للتجارة لا للحاجة لأنه يستغني في تحصيل حاجته عن ذلك ويستحلف أيضاً على ما يدخله إيهم من البغال والسفن والرقيق أنه لا يريد بهم البيع ولا يبيعهم حتى يخرجهم إلا من ضرورة لأن الواجب على المسلمين الأخذ بالاحتياط في هذا الباب على أقصى الوجوه الذي يقدرون عليه‏.‏

والحربي المستأمن في دارنا إذا أراد الرجوع إلى دار الحرب بشيء مما ذكرنا فإنه يمنع من ذلك لأنه من أهل تلك الدار وإنما يأتيهم ليقيم فيهم فيكون محارباً للمسلمين كغيره فهو يتقوى بما يدخله من ذلك على قتال المسلمين فلهذا منع من جميع ذلك‏.‏

إلا أن يكون مكارياً سفناً أو دواب من مسلم أو ذمي فحينئذ حال المكاري في إدخال ذلك دار الحرب لمنفعة الحربي كحاله في إدخال ذلك لمنفعة نفسه والظاهر من حاله أنه قصد تحصيل الكراء لنفسه وأنه يرجع بما يدخل به فلهذا لا يمنع منه وإذا كان أهل الحرب إذا دخل عليهم التاجر بشيء من ذلك لم يدعوه يخرج به ولكنهم يعطونه ثمنه فإنه يمنع المسلم والذمي من إدخال الخيل والسلاح والرقيق إليهم ولا يمنع من إدخال البغال والحمير والثور والبعير إليهم لأن هذا مما لا بد له منه فقد لا يتقوى على المشي ولا يمكنه أن يحمل الأمتعة على عاتقه وحال تحقق الضرورة مستثنى من الخطر ولا تتحقق مثل هذه الضرورة في الخيل والسلاح لأن المقصود يحصل بدونه وإنما ينتفي به معنى التجمل والترفه أو زيادة الاحتياط‏.‏

ثم يمنع من إدخال دواب يحمل عليها أمتعة التجارة لأن ذلك لا يتحقق فيه الضرورة أيضاً إنما تتحقق الضرورة في دابته التي يركبها خاصة لأنه يضيع إن لم يركب فأما أمتعة التجارة فهو يتمكن من أن يحمل منها على دابته مع نفسه ما لا حمل له ولا مؤنة والمقصود من الإذن له في الدخول إليهم ما يخرجه لينتفع المسلمون لا ما يدخله مما ينتفع به أهل الحرب‏.‏

وكذلك لا يمنع من إدخال سفينة واحدة يركبها يكون فيها متاعه لأن ذلك لا بد له منه‏.‏

فإن أراد إدخال أخرى منع من ذلك لأن لا تتحقق الضرورة فيها وهذا كله استحسان وفي القياس‏:‏ يمنع من جميع ذلك لما فيها من قوة أهل الحرب على قتال المسلمين‏.‏

ولا رخصة فيه شرعاً ولا يمكن من أن يدخل إليهم خادماً في هذه الحالة مسلماً كان أو كافراً لأن الضرورة لا تتحقق فيه وإنما يراد به معنى التجمل والترفه ولأن المنع في حق من هو من أهل دار الإسلام أظهر من المنع في الفرس والسلاح‏.‏

ولو دخل الحربي إلينا بأمان ومعه كراع أو سلاح ورقيق لم يمنع من أن يرجع بما جاء به لأنا أعطيناه الأمان على نفسه وما معه فكما لا يمنع من الرجوع إلى دار الحرب للوفاء بالأمان فكذلك لا يمنع من أن يرجع بما جاء به فإن آلة القتال لا تكون أقوى من المقاتل فإن باع ذلك كله بدراهم ثم اشترى بها كراعاً أو سلاحاً أو رقيقاً مثل ما كان له أو أفضل مما كان له أو اشترى مما كان له فإنه لا يترك ليدخل شيئاً من ذلك دال الحرب ولكنه يجبر على بيعه لأنه ما استحق بالأمان إدخال هذه العين مع نفسه دار الحرب وما كان له من الحق في العين الأول فقد سقط حين أخرجه من ملكه بيعاً بالدراهم فكان هذا‏.‏

وما لو أدخل الدراهم دارنا واشترى بها هذه الأشياء سواء وكذلك لو اشترى شيئاً مما باعه بعينه أو استقال المشتري البيع فيه فأقاله قبل القبض أو بعده أو رده المشتري عليه بخيار رؤية أو بخيار شرط اشترطه المشتري لنفسه لأن خروجه من ملك الحربي قد تم في هذا الموضع وصار ملكاً للمسلم وصار المسلم أحق بالتصرف فيه فيسقط حق الحربي في إعادته إلى دار الحرب والتحق بما كان مملوكاً للمسلم من الأصل فباعه من الحربي‏.‏

وإن كان الحربي يشترط الخيار لنفسه ثم نقض البيع بحكم يختاره فله أن يعود به إلى داره لأنه ما خرج عن ملكه بالبيع إذا شرط الخيار فيه لنفسه بل هو أحق بإمساكه والتصرف فيه فيبقى باعتبار حق الإعادة الذي كان ثابتاً له قبل البيع‏.‏

ولو كان باعه بيعاً فاسداً ثم نقض البيع قبل القبض فكذلك الجواب لأنه لم يخرج من ملكه لمجرد البيع الفاسد‏.‏

وإن كان المشتري قبض ذلك فإن كان ذلك بيعاً يملك المشتري المبيع به قبل القبض حتى أنه لو أعتقه ينفذ عتقه فيه لم يترك الحربي ليرجع به دار الحرب لأن المسلم قد ملكه عليه وذلك مسقط لحقه في إعادته إلى داره‏.‏

وإن كان بيعاً لا يملك به بعد القبض كالبيع بالدم والميتة فله أن يعيده إلى دار الحرب لبقاء حقه فيه ببقاء ملكه ولو استبدل الحربي بسيفه فرساً فإن أدخله إلى دار الحرب فالأصل في هذا الجنس أنه متى استبدل بسلاحه سلاحاً من غير ذلك الجنس لم يمكن من أن يرجع إلى دار الحرب ولكن يجبر على بيعه سواء كان ما حصله لنفسه خيراً مما أخرجه من ملكه أو شراً منه لأن هذا الجنس لم يثبت له فيه بعقد الأمان حق الإعادة إلى دار الحرب ويجبر على بيعه ولأنه قد يكون من الجنس الذي أخرجه مع نفسه في دارهم كثيراً ويعز فيهم الجنس الآخر ولا يوجد وهو يريد أن يحصل ذلك لهم ليتقووا به على قتال المسلمين‏.‏

فإن كان ما استبدل به من جنس ما أدخله فإن كان مثل ما أدخله أو شراً مما أدخله لم يمنع من أن يرجع به إلى داره وإن كان خيراً مما أدخله منع من ذلك لأنه استحق بالأمان إعادة هذا الجنس مع نفسه إلى داره وإنما يعتبر العين إذا كان مفيداً فأما إذا لم يكن مفيداً كان المعتبر فيه الجنس وفيما يتبقى من هذا الجنس عين ما جاء به أو مثله سواء وكذلك في الضرر على المسلمين فأما إذا كان خيراً منها فهو يريد بهذا زيادة الإضرار للمسلمين فهو ممنوع عن ذلك فلا بد من أن يثبت حق المنع باعتبار هذه الزيادة وهي لا تنفصل عن الأصل فثبت المنع في الكل بمنزلة الموهوب إذا ازداد زيادة متصلة فإنه لا يرجع الواهب في الأصل كما لا يرجع في الزيادة فإن صار ممنوعاً من الرجوع به إلى دار الحرب كان مجبراً على بيعه‏.‏

وإن استبدل بها مثله ثم تقايلا البيع فله أن يعود بما رجع إليه إلى داره لأن سلاحه بعينه ولأنه مثل الأول الذي أخرجه بالإقالة من ملكه‏.‏

وإن استبدل به خيراً منه أو شراً منه ثم تقايلا البيع فيه لم يكن له أن يخرجه إلى داره في الوجهين أما إذا كان استبدل خيراً منه فلأن الإقالة كالبيع المبتدأ في حق غير المتعاقدين فيجعل في حق الشرع كأنه اشترى هذا السلاح ابتداء وهذا لأنه قد سقط حقه بالتصرف الأول وصار ممنوعاً من إدخال ما حصل له دار الحرب فلا يعود حقه بالإقالة‏.‏

وإن كان ما استبدل به شراً منه فهذه الإقالة في حق الشرع كالبيع المبتدأ وقد استبدل في هذه الإقالة بسلاحه الرديء سلاحاً جيداً فلا يمكن من إدخاله دار الحرب وحكم الاستبدال بالكراع مثل حكم الاستبدال بالأسلحة في مراعاة الجنس والاختلاف في جميع ما ذكرنا فأما إذا استبدل بحماره أتاناً أو بفرسه الذكر فرساً أنثى منع من إدخاله دار الحرب وإن كان دون ما أدخله في القيمة لأن في هذا منفعة النسل وليس في الذي أعطاه منفعة النسل وربما يكون مقصوده من هذا الاستبدال تحصيل هذه المنفعة لهم فمنع منه كما يمنع عند اختلاف الجنس‏.‏

وإن استبدل ببغله الذكر بغلة أنثى مثله أو دونه لم يمنع من إدخاله دار الحرب لأن هذا مما لا يلقح وليس فيه معنى النسل أصلاً‏.‏

وإن استبدل بماذيانه فحلاً منع من إدخاله دار الحرب لأن ما أخذه مما تلقح وذلك معدوم فيما أعطى‏.‏

وإن استبدل بفرسه برذوناً أو ببرذونه فرساً منع من إدخاله دار الحرب لأن في كل واحد منهما نوع منفعة ليست في الآخر فإن البرذون ألين عطفاً وأصبر على القتال والفرس أقوى في حالة الطلب والهرب والظاهر أنه ما قصد بهذا الاستبدال تحصيل هذه المنفعة التي لم تكن حاصلة لهم‏.‏

وإن استبدل بفرسه الأنثى فرساً أنثى دونها في الجري ولكنها أثبت منها وأرجى للنسل منع من أن يدخلها دارهم لأن فيما أخذ نوع منفعة ليست فيما أعطى فصار الحاصل أن بعد الاستبدال هو مجبر على بيع ما أخذه إلا أن يعلم أنه مثل ما أعطى في جميع وجوه الانتفاع أو دونه فإن الاحتياط في هذا الباب واجب وتمام الاحتياط فيما قلنا‏.‏

فأما في الرقيق فسواء استبدلهم بجنس آخر أو بجنس ما هو عنده مما هو مثل ما عنده أو دونه أو أفضل منه فإنه يمنع من إدخاله دار الحرب ويجبر على بيعه لأن ما أخذه من الرقيق فهو من أهل دارنا مسلماً كان أو ذمياً والمستأمن ممنوع من استدامة الملك فيمن هو من أهل دارنا على كل حال بخلاف ما سبق من الكراع والسلاح وكونه من أهل دارنا معنى يختص به بنو آدم دون الجمادات وسائر الحيوانات فلهذا بينا الجواب هناك على اعتبار زيادة المنفعة في المبيع‏.‏

ولو أن مستأمنين من الروم دخلا دارنا بأمان ومع أحدهما رقيق ومع الآخر سلاح فتبادلا الرقيق بالسلاح أو باع كل واحد منهما متاعه من صاحبه بدراهم لم يمنع كل واحد منهما من أن يدخل دار الحرب بما حصل لنفسه لأن المشتري فيما حصل له بهذا التصرف قام مقام البائع وقد كان البائع ممكناً من إعادته إلى دار الحرب فبتمكن المشتري أيضاً منه‏.‏

وإن اشترى أحدهما من صاحبه متاعه هو ومسلم أو معاهد لم يكن للحربي أن يدخل شيئاً من ذلك دار الحرب لأن شريكه فيه مسلم ولا يمكنه إدخال حصته دار الحرب حتى يدخل حصة المسلم وقد امتنع إدخال حصة المسلم من ذلك دار الحرب فمن ضرورته أن يمتنع الإدخال في حصة الحربي ايضاً فيجبر على بيع نصيبه من مسلم أو ذمي إلا أن يكون شيئاً من ذلك مما يقسم من سهام أو نشاب فحينئذ يكون للحربي أن يطالب شريكه بالقسمة وبعد القسمة يدخل نصيبه دار الحرب إما لأن القسمة في هذا بمنزلة ما يخص الحربي هو الذي يملكه بالعقد فيدخل دار الحرب كما لو اشتراه وحده أو في هذه القسمة معنى المعاوضة فكأن المسلم سلم له نصف ما يملك بمثله مما أخذه من نصيبه وقد بينا أن مثل هذا الاستبدال لا يمنعه من إدخال ما صار له دار الحرب‏.‏

وإن لم تستقم القسمة بينهما حتى زاد أحدهما صاحبه دراهم فإن كان المسلم هو الذي أعطى الحربي دراهم لم يمنع من أن يدخل ما صار له من ذلك دار الحرب لأن الحربي يصير بائعاً بعض نصيبه من شريكه بالدراهم وذلك لا يمنعه من إدخال ما بقي في ملكه دار الحرب‏.‏

وإن كان الحربي هو الذي أعطى الدراهم منع من ذلك لأنه صار مشترياً بعض ما صار للمسلم بما أعطاه من الدراهم ولأن الحربي إذا أعطي الدراهم فقد أخذ من السلاح خيراً مما كان له في ملكه بالشراء فكان هذا بمنزلة استبداله مع المسلم سلاحه بسلاح هو خير منه وإذا كان أخذ الدراهم فقد أخذ بهذا الاستبدال سلاحاً هو شر من سلاحه مع اتفاق الجنس فلا يمنع من أن يدخل ذلك داره‏.‏

والكراع إذا كان مما يقسم بمنزلة السهام والنشاب لأنه يجري فيها قسمة الجزء‏.‏

ولو كان اشترى الحربي مع المسلم من الحربي رقيقاً ثم اقتسما فليس للحربي أن يدخل ما أصابه دار الحرب ها هنا في الوجوه كلها أما على قول أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه فلأن الرقيق لا يقسم قسمة واحدة وعلى قولهما وإن كان يقسم قسمة واحدة فقبل القسمة صار كل واحد منهما مشتركاً بينهما نصفين فصار كل واحد منهما ذمياً باعتبار ملك المسلم أو المعاهد في نصفه وقد بينا أن الحربي لا يمكن من إدخال أحد ممن هو من أهل دارنا دار الحرب‏.‏

قال‏:‏ ولو أن حربياً من الروم دخل إلينا بكراع أو سلاح أو رقيق فأراد أن يدخل ذلك أرض الترك أو الديلم أو غيرهم من أعداء المسلمين ليبيعه منهم منع من ذلك لأنه فيما يدخل دارهم من ذلك بمنزلة مسلم أو ذمي يريد إدخال شيء من ذلك دارهم وقد بينا أنه ممنوع من ذلك والحربي كذلك‏.‏

وهذا لأنه بعقد الأمان استحق التمكن من إعادة ذلك إلى داره إن شاء ففي هذا الحكم الواحد هو يفارق المسلم والمعاهد فأما في إدخال ذلك داراً أخرى فليس مما استحقه بعقد الأمان فيكون هو في ذلك كالمسلم أو المعاهد ولأنه إذا أدخل ذلك داراً أخرى فإنما يريد أن يحدث لهم بذلك قوة على قتالنا فيمنع منه وينعدم هذا المعنى فيما إذا عاد به إلى داره‏.‏

وكذلك لو أراد أن يدخل ذلك إلى دار حربهم موادعين للمسلمين لأنهم في حكم المحاربين وإن تركوا القتال بسبب الموادعة إلى مدة ألا ترى أنه لو أراد مسلم إدخال شيء من ذلك إليهم منع‏.‏

وإن أراد أن يدخل ذلك أرضاً أهلها ذمة للمسلمين لم يمنع من ذلك لأن تلك الأرض من دار الإسلام والمستأمن في دارنا لا يمنع من أن يتجر في دار الإسلام في أي نواحيها شاء‏.‏

ولو كان أحد المستأمنين فينا من الروم والآخر من الترك ومع أحدهما رقيق ومع الآخر كراع أو سلاح فتبادلا أو اشترى كل واحد منهما متاع صاحبه بدراهم لم يترك واحد منهما ليخرج بما اشترى إلى داره لأن كل مشتر قام مقام بائعه فقد بينا أن كل واحد ممنوع من إدخال ذلك في الدار التي منها المشتري بخلاف ما إذا كانا من أهل دار واحدة وهذا لأن قصد كل واحد منهما بهذا التصرف أن يقوي أهل داره علينا بما يدخله فيهم من سلاح هو خلاف جنس ما خرج به وفي هذا المعنى لا فرق بين أن تكون مبادلتة من أهل دار واحدة وهذا لأن قصد كل واحد منهما مع المسلم أو المستأمن غير أهل داره‏.‏

وإن كانا تبادلا كراعاً بكراع من صنعه مثله أو سلاحاً بسلاح من صنعة مثله فلكل واحد منهما أن يدخل ما أخذ داره لأن هذه المبادلة لو كانت بينه وبين مسلم لم يمنع من إدخال ما حصل له داره‏.‏

فكذلك إن كان مع مستأمن وإن كان أحدهما أفضل من الآخر فللذي أخذ أخسهما أن يدخل بالذي أخذ دار الحرب وليس للذي أخذ أفضلهما ذلك ولكنه يجبر على بيعه بمنمزلة ما لو كانت هذه المبادلة بين المستأمن والمسلم وكذلك في حكم الرد بخيار الرؤية وخيار الشرط والعيب هذا بمنزلة ما لو كانت هذه المبادلة بينه وبين مسلم في جميع ما ذكرنا بخلاف ما إذا تبادلا رقيقاً برقيق وهما سواء أو أحدهما أفضل من الآخر فإن هناك لا تجعل المبادلة بينهما بمنزلة المبادلة بين المسلم والمستأمن والمعاهد لأن هناك ما يخرج من ملك المسلم أو المعاهد كان من أهل دارنا وما يدخل في ملكه يصير من أهل دارنا وهاهنا ما يخرج من ملك أحدهما إلى ملك الآخر لم يكن من أهل دارنا فقلنا‏:‏ عند تحقق المساواة لا يمنع كل واحد منهما من أ يدخل داره ما صار له وإن كان أحدهما أفضل من الآخر لم يمنع الذي أخذ أخسهما من أن يخرج به إلى داره ومنع الذي أخذ أفضلهما من ذلك لأجل الزيادة المتمكنة فيما صار له‏.‏

ولو كانا تبادلا عبداً بأمة لم يكن لكل واحد منهما أن يدخل ما أخذ داره لأن اختلاف الذكورة والأنوثة في بني آدم اختلاف جنس واحد ولهذا لو اشترى شخصاً على أنه عبد فإذا هي أمة كان البيع باطلاً ولأن في كل نوع منهما نوع منفعة غير منفعة صاحبه فالجارية تطلب للنسل والغلام يطلب للقتال فلهذا منع كل واحد منهما من أن يدخل داره ما حصل له بهذا التصرف والله تعالى أعلم‏.‏