فصل: باب ما يصدق فيه المسلم على إسلام الكافر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح السير الكبير **


  باب ما يصدق فيه المسلم على إسلام الكافر

قال محمد - رحمة الله عليه -‏:‏ إذا سبى المسلمون سبياً من الروم فشهد رجل من المسلمين حراً وعبداً ومحدوداً في قذف أو امرأة من المسلمين حرة أو أمة بعد أن يكون الشاهد رضا من المسلمين أن هذا الأسير من المشركين أسلم قبل أن يموت ووصف الشاهد إسلامه صلى عليه المسلمون واستغفروا له لأن الصلاة على الميت أمر من أمور الدين وقول الواحد العدل في أمور الدين مقبول كما يقبل في الأخبار عن طهارة الماء ونجاسته وكما يقبل في هلال رمضان وكما يقبل في رواية الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدل عليه ما روي عن سعيد بن ذي لقوة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استغفر للنجاشي ثلاث مرات حين أتاه جعفر بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - وأخبره بأنه قد صدق به ثم قال في الكتاب‏:‏ ووصف الشاهد إسلامه قال‏:‏ هذا على وجهين إن كان الشاهد فقيهاً لا يستفسر بل يجري على إبهامه أنه أسلم قبل أن يموت وأما إذا كان الشاهد جاهلاً فإنه ينبغي أن يستفسر فإن فسر الشاهد ووصف إسلامه على المقدار المفروض جازت شهادته ولو كان حياً فشهد له شاهد أنه أسلم قبل أن يؤسر لم يكن حراً بشهادة الواحد حتى يشهد مسلمان ممن تجوز شهادتهما في الحقوق وذكر في الباب الذي يليه أن الإمام إذا فتح حصناً فشهد رجل مسلم عدل لواحد أنه كان حربياً فأسلم قبل أن يؤسر قال‏:‏ إن شهد قبل أن يقسم أو يباع تقبل شهادته وإن شهد بعد ما قسم أو بيع لا تقبل شهادته فقد قسم الجواب ثمة وأطلق الجواب هاهنا فمنهم من قال‏:‏ ما ذكر هاهنا محمول على أنه شهد بعد القسمة والبيع فلا تقبل شهادته أما إذا أشهد قبل القسمة أو قبل البيع تقبل شهادته فإذا حمل على هذا صارت المسألتان على رواية واحدة والثانية تكون تفسيراً للأولى وكان أبو بكر الأعمش يقول في المسألة اختلاف روايتين في هذا الباب إذا شهد واحد على أنه أسلم قبل القسمة لا تقبل شهادته وفي الباب الثاني‏:‏ إذا شهد واحد تقبل فالوجه لما ذكر هاهنا وهو أنه بالأسر ثبت فيه حق الغانمين وفي قبول شهادته إبطال حق الغانمين فلا يبطل إلا بالشهادة التي تبطل بها الحقوق في الأحكام كما أنه لا تقبل شهادته بعد البيع والقسمة ولم يبطل به ملك المشتري ولا الذي وقع سهمه وهذا كما يقال في الشهادة القائمة على استهلال الصبي أنها مقبولة في حق الصلاة على الصبي في قولهم جميعاً غير مقبولة في حق التوريث عند أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - وكذلك هاهنا يقبل قول الواحد في حق الصلاة على الميت ولا يقبل في إبطال الأسر والوجه للرواية الأخرى أنه وإن ثبت فيه حق المسلمين بالأسر فإنه ليس يحق لرجل خاص بل الحق فيه لجماعة المسلمين فهو بشهادته ليس يبطل حقاً خاصاً لرجل معين فجعل بمنزلة الشهادة في أمر من أمور الدين فيقبل إذ حرمة الاسترقاق من أمور الدين بخلاف ما بعد القسمة لأنه يبطل ملكاً خالصاً لرجل معين فلا يقبل في ذلك إلا ما يقبل في الأحكام من شهادة رجلين أو رجل وامرأتين ولأن قول هذا الرجل لا يكون أقل حالاً من السيماء ولو كان عليه سيماء المسلمين فإنه لا يجعل فيئاً فبقول المسلم العدل أولى فأما الفاسق من المسلمين فلا تقبل شهادته في مثل هذا ولا يصلى عليه ولا يستغفر له بشهادته لأن الفاسق يتبين في نبئه وإن كان في أمر من أمور الدين وهذا فصل ينبغي أن يحفظ فإنه ذكر الطحاوي في مختصره أن الواحد إذا شهد برؤية هلال رمضان تقبل شهادته وعليه أن يصوم وإن كان فاسقاً لأن له حظاً من هذه الشهادة فلا يكون متهماً فيقبل وقد روي عن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - لو أن رجلاً أسلم في أرض الحرب ولا يعلم أن عليه الصوم والصلاة فأخبره مسلم أن عليك الصوم والصلاة كان عليه أن يصوم وإن كان المخبر فاسقاً والله تعالى الموفق‏.‏

قال محمد بن الحسن - رحمه الله تعالى -‏:‏ وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان أو كان فيهم أسيراً أو أسلم في دار الحرب وقد كان من أهل الحرب فوجده المسلمون في دار الحرب ومعه رجال ونساء فقال‏:‏ هؤلاء عبيدي وإمائي اشتريتهم من أهل الحرب ولا يعلم ذلك إلا بقوله فإن صدقه الرجال والنساء بما قال فهم رقيقه كما قال وذلك لأن الأمان بالإيمان أعلى حالاً من الأمان بالاستئمان ولو أن واحداً من أهل الحصن أمنه الإمام على نفسه وماله ثم فتح المسلمون الحصن فقال الذي أومن‏:‏ هؤلاء عبيدي وإمائي وصدقوه بذلك كان آمناً بجميع ما قال فها هنا أولى والمعنى فيه أنهم لما صدقوه فقد ظهر له اليد فيهم لأن أقصى ما يظهر من ثبوت اليد على العبد والأمة أن يكون بحضرته يخدمانه وثران له باليد وقد وجد هذه الصفة هاهنا فصاروا في يده واليد تدل على الملك فكانوا ملكاً له وملك المسلم لا يسبى ولا يستغنم وإن كذبوه بما قال فهم فيء أجمعون لأنهم لما جحدوا دعواه لم يصيروا في يده فقد ادّعى شيئاً لا دليل له عليه من يد أو غيرها فلم يصدق وإذا لم يصدق فهؤلاء أحرار حربيون ولا أمان لهم فيسبون ولا شيء لهذا المستأمن أو المسلم معهم ولكنهم يخمسون وما بقى فهو للمسلمين الذين أصابوا ذلك على سهام الغنيمة لأن هذا المستأمن أو المسلم لم يدخل مع المسلمين دار الحرب للغزو وإنما هو لاحق بهم وقد ذكرنا أن الأسير أو المستأمن إذا لحق بالجند فإنه لا حق له فيما كانوا أصابوا من الغنائم من قبل إلا أن يلقوا قتالاً فحينئذ يصير شريكهم فيما أصابوا فكذلك هاهنا وإن صدقه بعضهم وكذبه بعضهم فالذين صدقوه عبيد له وأما الذين كذبوه فهم فيء لأن البعض معتبر بالكل والكل لو صدقوه كانوا عبيداً له ولو كذبوه جميعاً كانوا فيئاً كلهم فإذا وجد التصديق من البعض والتكذيب من البعض رد كل واحد من ذلك إلى أصله وكذلك ما وجد في يده من مال دراهم أو دنانير أو ثياب أو بقر فقال‏:‏ هذا لي اتجرت في هذه البلاد فأصبته فالقول فيه قوله وهو له لما قلنا‏:‏ إن اليد دليل على الملك في الحربي أو من على ماله فهذا أولى فلأن يكون للمسلم دليلاً على ملكه أولى ولو وجد المسلمون في دار الحرب أسيراً مسلماً أو مسلماً مستأمناً أو مسلماً قد أسلم من أهل الحرب وقد وجد معه من الدراهم والدنانير وسبى من الرجال والنساء وذلك ليس في يده أو لا يدري أفي يده ذلك أم لا فادعى أنه له وصدقه بذلك الرجال والنساء فإنه لا يصدق على شيء من هذا وذلك جميعاً فيء للمسلمين الذين أصابوه لأن المسلمين لما وجدوهم فقد صاروا فيئاً لهم في الظاهر فلا يصدق المدعي على ما ادعى بغير دليل فإذا كانوا عنه غائبين ليسوا في يده أو لم يدر أنهم في يده أولاً ولم يوجد دليل يدل على الملك فلم يصدق فإن أقام البينة على أن ذلك له أو أقام البينة على أن ذلك في يده يوم افتتح الحصن أو أقام البينة على أن المنزل الذي وجد ذلك فيه منزلة قبلت شهادة شهودة في ذلك ورد ذلك كله إليه لأن الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ولو كان المال في يده معاينة أو الرجال والنساء في يده معاينة وصدقوه بذلك كان القول قوله ولم يصر شيء من ذلك فيئاً فكذلك إذا أثبت ذلك بالبينة ثم هذا الجواب يستقم في المستأمن والأسير على قول الكل فأما في الذي أسلم في دار الحرب فإن شهدوا أن ذلك كان في يده يوم فتح الحصن فكذلك يستقيم الجواب على قول الكل أنه يرد إليه المال فأما إذا شهدوا أنه له فإن الجواب الذي ذكر أنه يرد إليه مستقيم على قول محمد - رحمة الله عليه - فأما على قول أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - لا يستقيم هذا الجواب ويكون فيئاً لأن المذهب عند أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - أن كل ما كان ملكاً له وهو في يد غيره من أهل الحرب أو لم يعرف أنه في يد المسلم يكون فيئاً وعند محمد - رحمة الله عليه - لا يكون فيئاً فيكون كمال الحربي المستأمن وهنا هنا لم نعرف أنه في يد هذا المسلم وإن عرف أنه ملكه بالبينة فيكون فيئاً عند أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - وعند محمد - رحمه الله - لا يكون فيئاً فإن شهدوا أن هؤلاء الرجال والنساء كانوا في يده حين افتتح الحصن أو في منزله ولم يشهدوا أنهم عبيده وإماؤه وهم ينكرون أن يكونوا عبيداً له وإماءه وقالوا‏:‏ إنا كنا أحراراً لم ينتفعوا بذلك وكانوا فيئاً للمسلمين لأنهم لم يثبتوا للمدعي إلا مجرد اليد واليد في بني آدم لا تدل على أنه مملوك وهي دالة على الملك لذي اليد بعدما ثبت كونه مملوكاً فإنه ذكر في الجامع الصغير إذا كان في يد رجل صبي صغير يعبر عن نفسه أو رجل بالغ فزعم ذو اليد أنه عبده وقال الصبي‏:‏ لا بل أنا حر الأصل فالقول قول الصبي أنّه حر ولو أنه أقر أنه عبد ولكنه قال‏:‏ أنا عبد فلان لرجل آخر غير ذي اليد وفلان يدعي فالقول قول الذي العبد في يده وكذلك ذكر عقيبه كل شيء رأيته في يد غيرك وسعك أن تشهد بالملك له ما خلا العبد والأمة فإذا لم تدل اليد على الملك كان القول قولهم أنا أحرار وصاروا فيئاً للمسلمين قال‏:‏ ولا يقبل في هذا إلا شهادة العدول من المسلمين لأن هذه الشهادة تبطل حق الاستغنام على المسلمين فلا يقبل على إبطال حق المسلمين إلا شهادة المسلمين وكذلك الذمي يوجد في دار الحرب مستأمناً أو أسيراً فيدعي مثل ما يدعي المسلم فهو بمنزلة المسلم في جميع ما وصفت لك ما صدق فيه المسلم صدق فيه الذمي وما لا فلا لأن مال الذمي معصوم عن الاستغنام كمال المسلم فيستوي الجواب في الذمي والمسلم جميعاً ولو أن المسلم أو الذمي وجد المسلمون معه امرأة في دار الحرب فسألوه عنها فقال‏:‏ هذه امرأتي تزوجتها في دار الحرب وصدقته المرأة في ذلك فهي امرأته لأنهما تصادقا على النكاح والنكاح يثبت بالتصادق والمرأة فيء صدقته على النكاح أو كذبته لأن تزويجه لو كان ظاهراً عياناً لم يخلصها من السبي فإذا لم يكن ظاهراً أولى قال‏:‏ ولا تزويجه إياها أماناً لها لأنه تروجها في دار الحرب ولو أفصح لها بالأمان في دار الحرب لم يجز أماه على المسلمين كذا هاهنا لا تصير بالتزويج آمنة في حق المسلمين أولى فإن كان معها أولاد صغار فقال‏:‏ هؤلاء أولادي منها وصدقته المرأة بذلك فالأولاد أحرار لا سبيل عليهم فإن كان الأب مسلماً فهم مسلمون بإسلامه وإن كان الأب ذميّاً فهم ذميون بذمته لأن الأولاد في يدها فلما صدقته على دعواه فقد صارت هي والأولاد الذين في يدها في يد الزوج وإذا أثبت اليد للزوج كان القول قوله فيما في يده فيكون حراً لأنه ولد بين أبوين حرين لأن الأب حر مسلم أو ذمي والمرأة وإن كانت حربية فهي حرة إلى أن ظهر المسلمون عليها وإذا ولدت حرة كان هذا الولد حراً مسلماً أو ذميّاً تبعاً لأبيه والحر المسلم أو الذمي لا يسترق وإن كانت حبلى فهي وما في بطنها فيء للمسلمين الذين أصابوها لأن الولد ما دام في بطنها فهو جزء من أجزائها وبعض من أبعاضها يفصل عنها المقراض ثم هي إذا صارت فيئاً فالولد الذي هو بعضها يصير فيئاً تبعاً لها فإذا ولد فإن كان أبوه مسلماً كان مسلماً لأن الولد يتبع خير الأبوين ديناً لأن الإسلام لا ينافي الرق والسبي فيكون عبداً لمن أصابه وإن كان ذمياً فهو ذمي أيضاً وإن كانت المرأة معروفة أنها في يد المسلم أو الذمي أو وجدها المسلمون أمة ومعها أولادها صغار فقال المسلم والذمي‏:‏ هو امرأتي وهؤلاء ولدي وكذبتهما بما قالا وقالت‏:‏ هؤلاء ولدي ولست لهذا المدعي بزوجة ولا هؤلاء أولاد له فإن النكاح لا يثبت لتكذيبها ثم القياس أن الأولاد فيء معها للمسلمين وفي الاستحسان الأولاد أولاد المسلم والذمي أحرار لا سبيل عليهم والمرأة فيء فوجه القياس في ذلك أن الأولاد في حجرها وفي يدها وإذا لم يثبت النكاح بينهما لم يثبت للمسلم عليها يد فلا يثبت له يد على الأولاد الذين في يدها فقد ادعى الأولاد وليس له عليهم يد فلا يصدق ووجه الاستحسان في ذلك وهو أنه عرف كون المرأة في يده وكونها في يده يوجب كون الأولاد في يده وإذا صاروا في يده كان القول قوله في حرية الأولاد والنسب فكان تكذيبها بمنزلة تصديقها إذ أمر الحرية أوسع وأسهل ألا ترى أن العبد المأذون له في التجارة إذا كان في يده صبي صغير فقال‏:‏ هذا لقيط التقطته قبل قبوله وكان حراً وإن كان العبد لا يملك تحريره وإعتاقه وما ذلك إلا لسعة أمر الحرية ولو ادّعى أنها أم ولده وأن هؤلاء ولده منها وهي معروفة أنها في يد المسلم وأنكرت ذلك فإنها فيء للمسلمين لما قلنا‏:‏ إن اليد فيها غير دالة على الرق فكان القول قولها ألا ترى أنه لو ادّعى أنها أمته وأنكرت هي كان القول قولها أنها حرة فكانت فيئاً وكذلك إذا أنكرت أمومية الولد فالأولاد أولاده أحرار لا سبيل عليهم في الاستحسان لما قلنا‏:‏ إنه عرف له يد فيها فكن يثبت بذلك يده على الأولاد الذين في يدها فكان القول قوله فيها وإن صدقته أنها أم ولد له فإن القول قول المسلم ولا تكون فيئاً والأولاد أحرار لأنه لو ادّعى بعد ظهور يده فيها أنها أمته وصدقته في ذلك كان القول قوله ولم تكن فيئاً فلأن يصدق على أنها أم ولده أولى فإن لم تكن في يد المسلم أو الذمي أو لا يدري أكانت في يده أو لم تكن فقال‏:‏ هذه زوجتي أو أم ولدي وهذه الولد الذين في يدها ولدي فإن أقرت بذلك كانوا ولده وثبت نسب الولد وكانوا أحراراً لا سبيل عليهم لأن الأولاد يحتاجون إلى ثبوت نسب ويثبت النسب بتصديق ذي اليد وإذا ثبت النسب فهم ذميون أو مسلمون فلا يسترقون وأما المرأة فإن ادّعى النكاح كانت فيئاً لأن النكاح الظاهر لا يمنع السبي والاسترقاق فهاهنا أولى ألا يمنع وإن أقرت أنها أم ولد له كانت أم ولد له لا سبيل عليها في الاستحسان لأن أمومية الولد تثبت تبعاً للنسب والنسب قد ثبت فثبتت أمومية الولد تبعاً له وأم الولدلا تسبى وإن كذبته بما قال كانت المرأة وولدها فيئاً للمسلمين ولا يصدق على ما ادّعى من ذلك لأنه ادّعى وليس له فيها وفي أولادها يد ظاهرة وذو اليد كذبه في ذلك فلا تقبل دعواه بغير دليل كما لا تقبل متى وقعت الدعوى بهذه الصفة في دار الإسلام إلا أن يقيم البينة على ما ادّعى من ذلك فالأولاد أحرار وكانت الجارية أم ولد له وتكون الزوجة فيئاً لأن الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة فإن أقام البينة أن ذلك كان في يده أو في منزله يوم ظهر عليه كان الجواب فيه كالجواب فيما إذا عرف أنها في يده بغير بينة سواء فإن صدقته صارت أم ولد له والأولاد ثابتو النسب منه أحرار لا سبيل عليهم وأما الزوجة تكون فيئاً وإن كذبته فالأولاد أحرار وهي فيء لا تصير أم ولد لأن الرق لا يثبت بمجرد اليد مع الإنكار والله أعلم‏.‏

وقال‏:‏ وإذا وجد في يد المسلم الذي وصفت لك رجل أو امرأة فقال‏:‏ هذا عبدي أو أمتي جئت بها من دار الإسلام وصدقته بذلك العبد أو الأمة فهو مصدق على ما قال من ذلك لأنه لو قال‏:‏ اشتريتهم من دار الحرب وصدقوه في ذلك صدق فلأن يصدق هاهنا أولى وكذلك الذمي يصدق في ذلك لأنه يساوي المسلم في عصمة ماله فكذلك يساويه في حكمه فإن كان في يد أحدهما امرأة كبيرة فقال‏:‏ هذه امرأتي جئت بها معي من دار الإسلام وصدقته المرأة بذلك فهو مصدق في ذلك لا سبيل عليها لأن إقرار الرجل جائز بأربع‏:‏ بالمرأة والأب والابن ومولى العتاقة فعمل إقراره بأنها امرأتي ويثبت النكاح بينهما بتصادقهما وإذا ثبت النكاح بقيت على الحرية ضمناً تبعاً لها كما لو كانت معروفة بأنها امرأته وكذلك لو كان مع أحدهما امرأة كبيرة فقال‏:‏ هذه ابنتي أو أختي أو أمي أو عمتي أو ذات رحم محرم مني وصدقته بذلك فهي حرة لا سبيل عليها إما إذا قال‏:‏ هذه ابنتي فلأن النسب قد يثبت فصارت كالابنة المعروفة وأما في ذوات الرحم المحرم فالقرابة التي تدعى لا تثبت لو كانت الدعوى في دار الإسلام فكذلك لا تثبت إذا كانت الدعوى في دار الحرب إلا أنه إنما يقبل قوله فيهن لأن الحربي لو استأمن على نفسه وماله فخرج إلى دار الإسلام فقال‏:‏ هذه أخواتي وعماتي وخالاتي قبل قوله فيهن وصرن آمنات تبعاً له لما أن الظاهر أنهن لا يخرجن إلى دار الإسلام إلا بمحرم وكذلك يقبل قول الذمي والمسلم فيهن في دار الحرب ويجعلن تبعاً له في الخروج إلى دار الإسلام لأن الظاهر أنهن لا يخرجن بأنفسهن فإذا كان مع أحدهما رجل كبير فقال‏:‏ هذا ابني أو شيخ فقال‏:‏ هذا أبي فصدقه الرجل بذلك فهو حر لا سبيل عليه لأن الأبوة والبنوة تثبت بتصادقهما لما قلنا‏:‏ إن إقرار الرجل بالابن والأب جائز في دار الإسلام فكذلك جائز في دار الحرب وإذا ثبت النسب ثبتت الحرية تبعاً له فلا يسترق لما مر فإن قال‏:‏ هذا أخي أو عمي أو خالي أو رجل من المسلمين دخل معي أو كانت معه امرأة فقال‏:‏ هذه امرأة من المسلمين أو من أهل الذمة دخلت معي فإن كان مسلماً صدق على ذلك كله إذا صدقه بذلك الذي معه وإن كان الرجل الذي يقول هذا للمسلمين ذميّاً لم يصدق لأن الذمي المستأمن لو خرج برجال إلى دار الحرب فقال‏:‏ هؤلاء إخواني وأعمامي لم يقبل قوله ولم يكونوا تعباً له في الأمان فكذلك قول الذمي لا يقبل فيهم في دار الحرب ولا يكونون تبعاً له ولا يقبل قوله أيضاً من حيث الشهادة لأنها شهادة في أمر من أمور الدين ولا شهادة لأهل الذمة في أمور ديننا ألا ترى أنه لو أخبر بنجاسة الماء لم يقبل خبره فكذلك هاهنا فأما قول المسلم‏:‏ إنه عمي أو رجل من المسلمين دخل معي شهادة منه في أمر من أمور الدين وقول الواحد في أمور الدين مقبول فإن كان الرجل الذي مع الذمي يدعي الإسلام وعليه سيماء المسلمين في لباسه وهيئته صدق أنه مسلم ولم يكن فيئاً لأنه يقبل قول الرجل‏:‏ إنه مسلم إذا كان عليه علامة الإسلام ووقع في القلب أنه مسلم فإذا كان مع السيماء قولا ذمي أولى أن يصدق وإن كان الذي مع الذمي لم يدع أنه مسلم ولكن ادعى أنه ذمة للمسلمين وصدقه الذمي بما قال لم يصدق الذمي لما قلنا‏:‏ إن قول الذمي في أمر من أمور الدين لا يقبل وإن كان عدلاً إلا أن يكون لأهل الذمة زي ولباس غير زي أهل الحرب ولباسهم وأنهم يعرفون به أنهم ليسوا على ما عليه أهل الحرب من ذلك وكان أكبر الرأي والظن أنه من أهل الذمة خلي سبيله ولم يجعل فيئاً لما قلنا‏:‏ إن هذا أمر من أمور الدين وكذلك العبد المسلم إذا كان عدلاً قبلت شهادته فيها لأن هذا من أمور الدين وما هو من أمور الدين فقول العبد فيه مقبول كما يقبل في هلال رمضان وفي رواية الأخبار وكذلك لو أن جلاً مسلماً عدلاً شهد لبعضهم أنه كان حربياً فأسلم وادعى الحربي ذلك ولم يكن عليه سيماء المسلمين صدق المسلم على ذلك وخلي سبيل الأسير إذا لم يجر فيه قسمة ولا بيع فأما إذا جرى فيه قسمة أو بيع لم يصدق على ذلك لأن قبل القسمة هي شهادة على أمر من أمور الدين فيقبل قوله وبعد القسمة فيه إبطال ملك المسلم فلا يبطل ملكه إلا بشهادة رجلين قال‏:‏ ولك شيء صدق فيه المسلم المعروف أو الذمي المعروف فالرجل إذا كان عليه سيماء المسلمين ولا يعرف أنه مسلم يصدق فيه يعني فيما في يده من الأموال والرقيق لأنه إذا حكم بإسلامه بالسيماء صار بمنزلة المسلم المعروف ألا ترى أنه يصلى عليه إذا مات ولا يجري عليه سبي كالمسلم فكذلك هاهنا يجعل كالمسلم المعروف وكل شيء صدق فيه الذمي المعروف فالمسلم المعروف مصدق فيه وإن كان غير عدل لأن الذمي العدل لا يكون أعلى حالاً من المسلم الذي ليس بعدل ألا ترى أن الذمي العدل لو أخبر بنجاسة الماء لا يقبل قوله كما لا يقبل قول الفاسق ثم لما صدق فيه الذمي العدل فلأن يصدق المسلم الذي ليس بعدل أولى وكل شيء مما وصفت لك لا يصدق فيه المسلم إلا أن يكون عدلاً فإن الذمي لا يصدق فيه وإن كان عدلاً حتى لو شهد الفاسق أن هذا الحربي أسلم قبل أن يؤسر لم يصدق فيه والذمي وإن كان عدلاً لا يصدق فيه لأن المسلم الفاسق أعلى حالاً من الذمي العدل فلما لم يقبل قوله في ذلك فلأن لا يقبل قول الذمي أولى وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان أو كان أسيراً فيهم أو أسلم رجل منهم فظهر المسلمون على بعض تلك الحصون وفي يده رجال ونساء فقال‏:‏ هؤلاء بني وبناتي وعماتي وخالاتي وقال‏:‏ إني وجدتهم في دار الحرب ولم يسلموا فهم فيء ولا يكون ضمه إياهم إليه أماناً لهم لأن هؤلاء ليسوا بتبع له في الإسلام فلم يصيروا مسلمين بإسلامه فبقوا كأهل الحرب لا أمان لهم ولو ثبت لهم الأمان ثبت بالضم إلى نفسه ولو صرح لهم بالأمان لا يجوز أمانه على المسلمين فالضم إلى نفسه أولى ألا يوجب لهم أماناً في حق المسلمين فأما ولده الصغير فإن كان مسلماً فهو مسلم مثله لا يجري عليه شسبييء وإن كان ذميّاً فهو ذمي مثله لا يجري عليه سبي لأنه بالضم إلى نفسه صار تبعّا له وبالتبعية ثبت الإسلام والذمة فلا يسبون فإن قال المسلم‏:‏ وجدتهم أسراء في أيدي أهل الحرب وهم مسلمون وليس عليهم سيماء المسلمين فإن كان المسلم عدلاً حراً أو عبداً فهو مصدق وإن كان غير عدل من المسلمين أو كان ذميّاً عدلاً لم يصدقا على شيء من ذلك بخلاف ما إذا قال‏:‏ وجدتهم أسراء في أيدي المشركين فقد أقر أن أهل الحرب جعلوهم تبعاً لأنفسهم عبيداً وهذا منه شهادة لهم بمنزلة ما لو شهد أنهم كانوا حربيين وأسلموا قبل أن يؤسروا وهي شهادة على أمر من أمور الدين فتقبل إذا كان عدلاً ولا تقبل إذا كان فاسقاً أو ذميّاً وهذا المعنى معدوم فيما إذا قال جئت بهم من دار الإسلام فيصدق ليه عدلاً كان أو فاسقاً ذميّاً كان أو مسلماً للمعنى الذي بينا وأما أولاده الصغار فلا يكونون فيئاً لأن الولد الصغير صار في يده تبعاً فيصير مسلماً بإسلامه أو يكون عليهم سيماء المسلمين فيكونون أحراراً بحكم السيماء لا بقول الفاسق المسلم والذمي ولو أخذهم المسلمون وليس عليهم سيماء يعرفون بها من لباس ولا خضاب ولا قراءة قرآن فشهد لهم بما ادعوا من ذلك أهل الحرب الذين كانوا معهم أو قوم من أهل الذمة أو قوم مستأمنون من أهل الحرب وكتب بذلك أهل الحرب إلى إمام المسلمين لم يقبل شيء من ذلك وكانوا فيئاً لأن هذه شهادة منهم على أمر من أمور الدين وفيه إبطال حق المسلمين وكل ذلك شهادة مردودة فإن جاء من ذلك أمر مشهود معروف يشهد عليه العوام من أهل الحرب فيقع في قلوب المسلمين أنه حق فالقوم أحرار لا سبيل عليهم لأن الإشهاد بخبر العوام يوجب من العلم أكثر مما توجبه السيماء والعلامة لأن العوام منهم لا يتواطئون على الكذب والسيماء قد تختلف ثم بالسيماء يحكم بكونهم مسلمين فبالشهرة الأولى ألا ترى أن مسلماً غريباً لو نزل في قوم مسلمين وأخبرهم أنه فلان ابن فلان الفلاني لم يسع لأحد من القوم أن يشهد له على نسبه بقوله فإن كان معارفه قوم من أهل الذمة فأخبروا بذلك أهل محلته حتى صار معروفاً مشهوراً ووقع في قلوب أهل المحلة أنه صادق وسع لأهل المحلة أن يشهدوا على نسبه لاشتهار وقع بخبر أهل الذمة فكذلك الإسلام إذا اشتهر بقولهم حكم بإسلامه ولو أن قوماً من أهل الحرب أسرهم المسلمون وليس عليهم سيماء أهل الإسلام ولا أهل الذمة فادعوا أنهم مسلمون أو أهل ذمة فلم يصدقوا بذلك لم يدعوا ذلك حتى أخرجهم الإمام إلى دار الإسلام فلم يقسمهم ولم يبعهم حتى شهد رجل من المسلمين عدل على بعضهم أنه مسلم أو أنه رجل من أهل الذمة صدق بشهادته وخلي سبيله وشهادته بذلك في دار الإسلام أو في دار الحرب سواء لأن نفس الإخراج إلى دار الإسلام لا يجعله ملكاً لرجل خاص فلم يتأكد ذلك الحق الثابت العام فالشهادة وقعت على إسلامه والحق فيه للجماعة فتقبل كما تقبل إذا وقعت في دار الحرب فإن باعهم أو قسمهم ثم إن رجلاً من المسلمين شهد لبعضهم أنه مسلم أو ذمي لم تقبل شهادته لأنه صار ملكاً خاصاً لرجل منهم فلا يبطل ملكه إلا بشهادة رجلين وقد ذكرنا في الباب الذي قبله أن في المسألة اختلاف الروايتين وإذا شهدوا بعد البيع أو بعد القسمة يبطل البيع والقسمة لأنه ظهر أن البيع والقسمة جرى فيهوهو حر فكان باطلاً فإن تفرق المسلمون عوض ذلك الذي وقع في سهمه قيمته من بيت المال وعوض المشتري مثل الثمن من بيت المال لأنه استحق نصيبه ولا يقبل في هذا شهادة أهل الذمة وإن كان الذي اشتراه ذميّاً لأن هذه الشهادة وقعت على المسلمين‏.‏

ألا ترى أنها لو قبلت يرجع المشتري على المسلمين في بيت مالهم بالثمن ولو أن رجلاً أخذه المسلمون وهو من أهل الحرب فادعى أن رجلاً من المسلمين أمنه وهو في الحصن قبل أن يؤخذ فسئل ذلك المسلم عما ادعى من الأمان فأقر أنه أمنه لم يصدق على ذلك حتى يشهد رجلان مسلمان غير الذي أمنه على الأمان لأن الذي أمنه يشهد على فعل نفسه وهو العقد الذي عقده فقوله مردود ويبقى بعد مجرد دعوى الحربي من غير دليل فلا يصدق وهذا بخلاف ما إذا شهد مسلم أنه أسلم قبل أن يؤسر فإن شهادته تقبل ويخلى سبيله وهاهنا إذا شهد رجل مسلم عدل غير الذي أمنه على الأمان فإنه لا تقبل شهادته حتى يشهد رجلان عدلان ووجه الفرق في ذلك وهو أن الأمان لا يخرجه من أن يكون حربياً فإن الحربي وإن أومن فهو حربي من أهل الحرب إلا أنه اعترض عارض يمنع حكم هذا السبب ويبطله فلا يبطل حكم السبب إلا شهادة رجلين فأما الإسلام يخرجه من أن يكون من أهل الحرب فلما ادعى أنه مسلم فقد أنكر سبب قيام الرق فيه وكونه من أهل دار الحرب فشهادة المسلم أنه من أهل دار الإسلام شهادة علي أمر من أمور الدين فيقبل فيه قول الواحد فإن شهد جماعة كثيرة وهم عبيد أو محدودون في قذف وهم عدول غير فساق أمضيت شهادتهم لأن الجماعة الكثيرة لا يتوهم فيهم تواطؤهم على الكذب لأنهم لو اجتمعوا على ذلك لفشا سرهم فقول الجماعة يوجب العلم في قلوب الناس فيحكم به كما يحكم بالسيماء التي توجب العلم أنه مسلم فإذا قسم أو بيع فإذا وجب فيه ملك لرجل مسلم أو معاهد لم تقبل إلا شهادة رجلين مسلمين عدلين لما مر وإذا وجد المسلمون رجلاً من أهل الحرب في دار الحرب ليس عليه سيماء المسلمين ولا سيما أهل الذمة فقال‏:‏ أنا رجل ذمي وشهد له رجل مسلم عدل أنه مسلم كان الرجل المأخوذ فيئاً ولم يكن مسلماً ولا ذميّاً لأن ما ادعاه المأخوذ لم يشهد به الشاهد والذي شهد به الشاهد فقد كذبه فيه المأخوذ فلم يثبت لا الإسلام ولا الذمة فبقي حربياً يسترق ولو شهد له المسلم العدل أنه ذمي وقال المأخوذ‏:‏ أنا رجل مسلم ولست كما قال الشاهد فالقياس في هذا أنه فيء للمسلمين ولكن في الاستحسان أجعله مسلماً ولا أسبيه فوجه القياس فيه أنهما اختلفا في السبب فلما ادعاه المأخوذ لم يشهد له الشاهد فلم يثبت وما شهد له به الشاهد لم يدعه المأخوذ فلم يثبت واحد منهما فيكون فيئاً دليله الفصل الأول ووجه الاستحسان في ذلك وهو أن التوفيق ممكن بين الدعوى والشهادة لأن الذمي قد يسلم بعد الذمة فيجعل كأنه كان ذمياً كما شهد به الشاهد ثم أسلم في الحال فلما كان التوفيق ممكناً يوفق فأما في الفصل الأول التوفيق غير ممكن لأن بعد الإسلام لا يكون ذمة فاعتبر التكاذب في السبب ولأن في الإسلام ذمة وزيادة لأن الذمة هي العهد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ من أخفر ذمة مسلم كان عليه كذا وكذا ‏"‏ غير أن الإسلام أعلى الذمتين فإن شاهده قد شهد ببعض ما ادعاه المدعي والشاهد إذا شهد ببعض ما ادعاه المدعي تقبل شهادته بمقدار ما شهد فكذلك هاهنا ثبت بشهادته الذمة فبعد ذلك حكم بإسلامه بعد ثبوت الذمة إذ الذمي قد يسلم بعد الذمة فلهذا قبلت شهادته استحساناً ولو قال‏:‏ أنا ذمي ولست بمسلم فشهد شاهدان عدلان مسلمان أنه مسلم جعلته مسلماً لأنه يثبت الإسلام بشهادة الشهود فجحوده بعدما ثبت الإسلام بشهادة الشهود ردة منه فيجعل كأنه كان مسلماً ثم ارتد والعياذ بالله فيقاس بسائر المرتدين فإن أسلم فهو حر وإن لم يرجع إلى الإسلام قتل‏.‏

قال‏:‏ ولو أن رجلاً من المسلمين أخذ في دار الحرب ومعه بقر وغنم ورمك يسوقها قوم فقال‏:‏ هذا كله لي وهؤلاء أجرائي قوم من أهل الذمة دخلوا معي من دار الإسلام وصدقوه بما قال فالقوم قولهم ولا سبيل عليهم لأن هذه السائمة في أيدي القوم والقوم لما صدقوه فقد أقروا أنهم في يد هذا المسلم وأن ما في أيديهم من السائمة في يده وقد ذكرنا أن المسلم المستأمن إذا ادعى أن ما في يده له صدق في ذلك وإن كذبه الذين ذلك في أيديهم فقالوا‏:‏ نحن ذمة كما قال وجميع ما في أيدينا لنا فالقول قولهم وهم ذمة وذلك لأن المسلم قد شهد لهم بالذمة فتثبت الذمة بشهادته وإن أثبتت الذمة وقد أنكروا الإجازة لم يصر ما في أيديهم من السائمة في يد المسلم فتكون السائمة لهم ولو قال المسلم المعروف‏:‏ هؤلاء الذين يسوقون السائمة قوم من أهل الحرب استأجرتهم ليسوقوها وهي كلها لي وصدقه بذلك الذين معهم ولا يعرف أن ذلك في يده إلا بقولهم فجميع البقر والغنم فيء ولا يصدق على شيء من ذلك لأن الأجراء لا يصيرون آمنين بعقد الإجارة لأن الأمان لا يثبت لهم ولو صرح لهم بالأمان في دار الحرب فبعقد الإجارة أولى لا يثبت لهم الأمان فإذا لم يثبت لهم الأمان صاروا فيئاً للمسلمين والسائمة التي في أيديهم تصير فيئاً معهم فإن كان يعلم أن ذلك كان في يديه فدفعه إليهم بشهادة رجلين فهو له لأنه إذا عرف ذلك كانت يدهم يد هذا المسلم فصار كأنه في يد هذا المسلم والمسلم لا يغنم ما في يده أيضاً والذين يسوقون ذلك فيء للمسلمين وإن علم أنهم أجراء له لأن عقد الإجازة يتضمن لهم الأمان والأمان لا يثبت لهم في دار الحرب فإن أخرجهم المسلم إلى دار الإسلام صاروا آمنين لأن صريح الأمان يصح من المسلم في دار الإسلام فكذلك يثبت بعقد الإجارة والله الموفق‏.‏