فصل: باب ما يكون إحرازاً منهم وما لا يكون

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح السير الكبير **


  باب ما يكون إحرازاً منهم وما لا يكون

ولو أن أهل الحرب دخلوا دارنا للإغارة فأخذوا أموالاً وسبايا ثم أسلموا قبل أن يدخلوا بذلك دارهم فالإمام يأخذ منهم جميع ما أخذوا فيرده على أهله لأنهم لم يملكوا ما أخذوا حين لم يحرزوه بدارهم فإن الملك يستدعي تمام القهر وذلك لا يسبق الإحراز فكانوا بمنزلة الغاصبين قبل الإحراز ويؤمرون بالرد‏.‏

سواء أسلموا ها هنا أو صاروا ذمة لأن هذا السبب إنما يتقرر ملكهم فيما كان مملوكاً لهم ولا يوجب الملك لهم فيما لم يكن مملوكاً قبله‏.‏

ويستوي إذا كانوا قسموا ذلك في دارنا بينهم أو لم يقسموا لأن المغصوب بالقسمة لا يصير ملكاً للغاصبين فإن قيل‏:‏ أليس أن المسلمين لو قسموا الغنائم في دار الحرب كان ذلك منهم بمنزلة الإحراز في تأكد الحق به فلماذا لا يجعل قسمتهم بمنزلة الإحراز منهم قلنا‏:‏ لأن إقامة القسمة مقام الإحراز يتحقق في حق المسلمين لوجود أمير هو نافذ الحكم بين المسلمين ولا يوجد ذلك في حق أهل الحرب فإنما يعتبر في حقهم تمام السبب حساً وبقسمتهم لا يزداد السبب قوة وحساً‏.‏

وعلى هذا لو دخل مسلم عسكرهم بأمان فاشترى بعض تلك الأمتعة فعليه أن يردها على أهلها بغير شيء لأنهم لم يملكوها قبل الإحراز فلا يملكها المشتري منهم أيضاً وكان هو متبرعاً فيما فدى به ملك الغير بغير أمره فإن كان أهل الحرب قد دخلوا دارهم ثم أسلموا صار ذلك لهم لأنهم بالإحراز قد ملكوا لتمام السبب وهو القهر ثم يتقرر ملكهم بالإسلام لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ من أسلم على مال فهو له وكذلك إن جاءوا ذمة لأن عقد الذمة في تقرر الملك به خلف عن الإسلام فيعمل عمله‏.‏

وكذلك إن استأمنوا إلينا ومعهم ذلك المال لأنهم استفادوا الأمان في أنفسهم وأموالهم‏.‏

وهذا بخلاف ما إذا اشتراها منهم مسلم فإن للمالك القديم أن يأخذه منه بالثمن لأن ملك المالك القديم قد انقطع بالملك الذي حدث لهم فلا يعود حقه في ذلك الملك ما لم يتحول إلى غيرهم وبالشراء يتحول الملك إلى المسلم فيظهر حق المالك القديم على وجه لا يؤدي إلى إلحاق الضرر بالمشتري وذلك في الأخذ بالثمن فأما إذا أسلموا أو صاروا ذمة أو خرجوا بأمان فالملك لم يتحول منهم إلى غيرهم فلهذا لا يظهر حق المالك القديم في الأخذ‏.‏

فإن كان المسلمون دخلوا دارهم مغيرين وأصابوا سبايا من أحرارهم فلم يخرجوهم حتى أسلموا فقد أمنوا من القتل بالإسلام ولكنهم أرقاء لأن الرق قد ثبت فيهم لما صاروا مقهورين والإسلام يمنع ابتداء الاسترقاق ولا يمنع الرق الثابت وهذا بخلاف ما سبق لأن المسلمين إذا قهروهم فقد صاروا مقهورين حساً وحكماً ثم بإسلامهم لا يرتفع القهر حكماً فنفي الرق والقهر منهم في دار الإسلام لا يكون حكماً وإنما يكون حساً والقهر الحسي لا يتم قبل الإحراز‏.‏

وبيان هذا المعنى أن القاهر إذا كان مسلماً فهو محرز بإسلامه فيما يرجع إلى حق الله تعالى ولهذا لا يحل لأحد إخراج مأسورين من أيديهم فأما أهل الحرب فإنما يكون قهرهم باليد لا بالدين‏.‏

ألا ترى أنه يحل لكل واحد منهم أخذ ذلك من أيدهم وأهل الذمة إذا كانوا قاهرين بمنزلة المسلمين في ذلك فإن الذمة خلف عن الإسلام في حصول الإحراز بها في حق الشرع حتى لا يحل لأحد التعرض لهم فيما أخذوا وأنه يخمس ما سبي أهل الذمة كما يخمس ما سبي المسلمون‏.‏

ولو أن أهل منعة من الترك دخلوا الروم فسبوا من أحرارهم فلم يدخلوهم دارهم حتى أسلم السبي فهم أحرار لأنهم ما صاروا محرزين لهم بالدين إذ لا دين لهم وباليد لا يتم القهر قبل الإحراز بالدار‏.‏

فإذا أسلموا تقررت حريتهم حتى لو أدخلوهم دارهم بعد ذلك ثم ظهر المسلمون عليهم كانوا أحراراً أو لو كانوا إنما أسلموا بعدما دخلوا دارهم كانوا عبيداً لهم فإن أسلموا كانوا عبيداً لهم وإن خرجوا إلينا مراغمين فهم أحرار كما هو الحكم في عبد الحربي إذا أسلم لأنهم حين أحرزوهم بدارهم ومنعتهم فقد تم قهرهم ويثبت الرق والملك ثم بمجرد إسلام المملوك لا يزيل الملك الثابت عليه سواء كان ثابتاً لكافر أو مسلم‏.‏

ولو كان أسلم الترك قبل أن يدخلوا الأسراء دارهم ثم أسلم الأسراء بعدهم فهم عبيد لهم لأنهم صاروا محرزين لهم بإسلامهم فكان هذا وما لو كانوا مسلمين عند الأخذ سواء ثم إذا أخرجوهم إلى دار الإسلام فإنه يؤخذ الخمس منهم بمنزلة أهل منعة من المسلمين دخلوا مغيرين دار الحرب بغير إذن الإمام وأصابوا سبايا فكما أن هناك يخمس ما أصابوا والباقي يكون لهم فها هنا كذلك‏.‏

وإن كان إسلام الفريقين بعدما أدخلوهم دارهم ثم خرجوا إلى دارنا فهم عبيد للذين أسروهم ولا خمس فيهم لأنهم ملكوهم بالإحراز بدارهم قبل الإسلام فلم يثبت حكم الغنيمة فيهم فلا يثبت بعد ذلك بإسلامهم بخلاف الأول فهناك لم يملكوهم قبل الإسلام‏.‏

وإن ثبت حقهم فيهم ولكن إنما يثبت الملك بالإحراز بدار الإسلام فيثبت حكم الغنيمة فيما إذا أحرزوا وإذا أسلم الأسراء قبل الترك في أرض الروم ثم أسلم الترك بعدهم فالأسراء أحرار لما بينا أن حريتهم قد تأكدت بالإسلام قبل أن يثبت الرق فيهم بالإحراز‏.‏

ولو أسلم الفريقان معاً أو لا يدرى أيهما أسلم قبل الآخر فهم أحرار لأن حريتهم معلومة والسبب الموجب لرقهم وتقدم إسلام الترك غير معلوم والرق لا يثبت بالشك فإن قيل‏:‏ قهر الترك إياهم معلوم أيضاً وذلك مبطل لحريتهم قلنا‏:‏ قبل الإحراز لا فإن ذلك بعض العلة وببعض العلة لا يثبت شيء من الحكم‏.‏

وإن أسر الترك امرأة من الروم فأسلمت في أيديهم وزوجها في مدينة من مدائن الروم لم تبن من زوجها وإن أخرجها الترك إلى دارهم لأن حريتها تأكدت بالإسلام فلا تصير هي من أهل منعة الترك ولكنها حربية أسلمت في دار الحرب فلا تبين من زوجها حتى تحيض ثلاث حيض أو تخرج إلى دار الإسلام فحينئذ تبين لتباين الدارين حقيقة أو حكماً‏.‏

وإن أسلم الترك قبل إسلامها بانت من زوجها حين أسلمت بعد إسلام الترك أو قبل إسلام الترك إذا أسلم الترك لأن الترك الآن بمنزلة جيش المسلمين دخلوا دار الحرب وهناك لو أسلمت امرأة ثم التحقت بالعسكر كانت حرة وتبين من زوجها لإحرازها نفسها بمنعة المسلمين ولو سبوا امرأة فأسلمت بانت من زوجها لأنها صارت أمة لهم بالسبي يقسمونها ويتحقق تباين الدارين بينها وبين زوجها إذا أسلمت حكماً فكذلك هذا الحكم فيما إذا أسلم الترك ولو لم يسلموا ولم تسلم هي حتى أحرزوها بدارهم فقد بانت من زوجها لأنها صارت أمة لهم فتكون من أهل دارهم وقد بينا أن أهل الحرب باختلاف المنعات أهل دور مختلفة فإذا تحقق تباين الدارين بينها وبين زوجها بانت منه ولأنهم ملكوها بالسبي حين أحرزوها في دارهم‏.‏

فكان هذا وما لو ملكها المسلمون بالسبي بدون زوجها سواء وهناك تبين من زوجها فها هنا كذلك حتى إذا أسلموا وقد أصابت الجارية أحدهم بالقسمة فاستبرأها بحيضة حل له أن يطأها لأنها من أهل الكتاب ولا زوج لها والله أعلم بالصواب‏.‏

  باب ما يقطع من الخشب وما يصاب من الملح وغيره

وإذا خرجت سرية بإذن الإمام لقطع الشجر فوصلوا إلى مكان يخاف فيه المسلمون ثم قطعوا الخشب وجاءوا به فهو غنيمة يخمس لأن الموضع الذي لا يأمن فيه المسلمون من جملة دار الحرب فإن دار الإسلام اسم للموضع الذي يكون تحت يد المسلمين وعلامة ذلك أن يأمن فيه المسلمون فإن قيل‏:‏ كما أن المسلمين لا يأمنون في هذا المكان فكذلك أهل الحرب لا يأمنون فيه قلنا‏:‏ نعم ولكن هذه البقاع كانت في يد أهل الحرب فلا تصير دار الإسلام إلا بانقطاع يد أهل الحرب عنها من كل وجه وهذا لأن ما كان ثابتاً فإنه يبقى ببقاء بعض آثاره ولا يرتفع إلا باعترض معنى هو مثله أو فوقه وإذا ثبت أنه من أرض أهل الحرب فما يكون فيه من الخشب يكون في يد أهل الحرب فهذا مال أصابه المسلمون من أهل الحرب بطريق القهر وهو الغنيمة بعينه‏.‏

فإن كان الأمير إذا بعثهم ليقطعوا الخشب حتى يجعل ذلك سفناً للمسلمين أو مجانيق والمسألة بحالها فإن الإمام يأخذ ما جاءوا به فيجعل في تلك المنفعة التي أرسلهم لها لأنهم امتثلوا أمر الأمير فيما أخذوا ولا يتحقق الامتثال مع القصد إلى الاغتنام وإذا لم يقصدوا الاغتنام بما أخذوا لم يكن ذلك غنيمة‏.‏

وهذا لأن للإمام رأياً فيما يرجع إلى النظر للمسلمين‏.‏

ألا ترى أنه يصح منه التنفيل قبل الإصابة بطريق النظر فكذلك يصح منه جعل المصاب لمنفعة معلومة قبل الإصابة فإن أخذ من ذلك ما يغنيه وبقي فضل فالباقي يكون غنيمة‏.‏

لأن السبب الموجب للاغتنام قد وجد في الكل ولكن في القدر المشغول لحاجة المسلمين يجعل ذلك متقدماً لقصد الإمام وما وراء ذلك يثبت فيه حكم الغنيمة بمنزلة ما يفضل من التركة عن الدين والوصية‏.‏

وكذلك لو كان بعثهم من العسكر في دار الحرب ليأتوا بالخشب أو بالطعام أو بالعلف لمنفعة عينها للمسلمين فإن ما جاءوا به يكون مصروفاً إلى تلك المنفعة فإن فضل منها شيء فهو غنيمة لأهل السرية وأهل العسكر لأنهم قصدوا تحصيل تلك المنفعة لا الاغتنام فإن فضل منها شيء فهو غنيمة حين خرجوا مطيعين للأمير‏.‏

وكذلك لو كان بعثهم من بعض مدائن أهل الثغور وقد أصابهم قحط ليأتوا بالطعام والعلف لأهل المدينة ففعلوا ذلك فإنه يقسم ذلك بين أهل المدينة بغير خمس ولا يقسمه بين أهل السرية وهذا كله إذا بين لهم عند الخروج أنه لماذا يوجههم لأنه إنما ينعدم القصد منهم إلى الاغتنام إذا علموا مراد الأمير فيما أرسلهم لأجله وخرجوا مطيعين له في ذلك فإن كانوا إنما جاءوا بالطعام بعدما استغنى المسلمون عن ذلك فهو بمنزلة الغنيمة الآن لأن السبب الموجب لتقديم أهل المدينة فيه حاجتهم وقد انعدم فكان هذا وما يفضل من المنفعة التي عينها الإمام سواء‏.‏

ولو أن الأمير في هذه الفصول نفلهم بعض ما جاءوا به فذلك صحيح لأنه جعل بعض ما يأتون به مصروفاً إلى منفعة المسلمين وبعضه مصروفاً إليهم بطريق التنفيل ففي كل واحد منهما نظر من الإمام لأنهم قلما يرغبون في الخروج إذا لم يكن لهم نصيب في المصاب والتنفيل للتحريض على الخروج فإن قيل‏:‏ كيف يصح النفل لجماعة السرية المبعوثة من دار الإسلام قلنا‏:‏ إنما لا يصح ذلك فيما هو غنيمة يفضل فيها الفارس على الراجل باعتبار أنه ليس في ذلك التنفيل إلا إبطال الخمس وإبطال تفضيل الفارس على الراجل وهذا المعنى لا يوجد ها هنا لأن ما يأتون به لا يكون غنيمة لمن أصابها بل يكون مصروفاً إلى منفعة المسلمين فلذلك جاز التنفيل فيه لهم‏.‏

ولو جاءوا بذلك بعد ما استغنى عنه المسلمون بطل النفل لأن ما جاءوا به قد صار غنيمة والنفل العام للسرية المبعوثة من دار الإسلام في الغنيمة لا يصح‏.‏

وإن كان قال من أخذ منكم شيئاً فله نصفه والمسألة بحالها فالنفل جائز لأهلها على ما نفلوا لأن هذا نفل خاص لمن يأخذ دون غيره فيتحقق فيه معنى التحريض على الطلب والأخذ وذلك صحيح في الغنائم‏.‏

ولو أن السرية حين خرجت لقطع الخشب في دار الإسلام دون مسالح المسلمين فإن كان أرسلهم لمنفعة عينها كان ما جاءوا به مصروفاً إلى تلك المنفعة وإن كان نفل لهم بعض ذلك أعطاهم النفل وصرف ما بقي إلى تلك المنفعة فإن جاءوا بذلك بعدما استغنى الأمير عما بعثهم لأجله فكل من جاء بذلك من شيء فهو له خاصة لأن ما جاءوا به ليس بغنيمة ها هنا فإنهم أصابوه في دار الإسلام والمباح في دار الإسلام كل من سبقت يده إليه فهو بمنزلة الصيد‏.‏

فإن جاءوا به جميعاً فهو بينهم بالسوية لأن تفضيل الفارس على الراجل في الغنيمة وهذا ليس من جملة الغنيمة فإن قيل‏:‏ فلماذا يصح التنفيل من الإمام فيه قلنا‏:‏ لا على وجه التنفيل ولكن على وجه التحضيض للآخذ ببعض ما يأخذه من المباح وصرف ما بقي إلى المنفعة التي عينها‏.‏

ولو خرجت السرية لقطع الخشب بغير إذن الإمام إلى دار الحرب أو إلى الموضع المخوف فما جاءوا به يكون غنيمة لأنهم أهل منعة جاءوا بمال من دار الحرب بطريق القهر وفي المصاب أهل المنعة يستوي الحال بين ما بعد إذن الإمام وما قبله‏.‏

وإن كانوا أصابوا ذلك في موضع يأمن فيه المسلمون فلكل رجل منهم ما أخذ لأن هذا مباح ملك بالأخذ في دار الإسلام كالصيد والحطب والحشيش‏.‏

فإن كانوا لقوا العدو في ذلك الموضع فقاتلوهم على ذلك حتى أجلوهم عنه فكذلك الجواب لأن ما كان في دار الإسلام فمجرد دخول أهل الحرب إلى ذلك الموضع لا يأخذ حكم دار الحرب فحين أجلوا عنه العدو بالقتال بقي على حكم دار الإسلام كما كان فكل من أخذ منهم شيئاً فهو له‏.‏

وكذلك لو وجدوا العدو قد قطعوه ولكنهم لم يحرزوه في دارهم لأنهم قبل الإحراز لا يملكون ما يصيبون في دار الإسلام فيبقى على ما كان قبل إصابتهم‏.‏

وإن كانوا أحرزوه بدارهم ثم لحقهم المسلمون فأخذوه منهم فهذا غنيمة لأنهم بالإحراز قد ملكوه فأهل السرية إنما أحرزوا ملكهم بطريق القهر فكان غنيمة‏.‏

وعلى هذا حكم الملاحة وهو الموضع الذي يكون فيه الملح من أرض الإسلام أو من أرض الحرب فإن الحكم فيه كالحكم في الخشب في دار الإسلام في جميع ما ذكرنا‏.‏

لأن ذلك مباح يملك بالأخذ كالخشب‏.‏

وكذلك سائر الأموال من ذهب أو من فضة أو من جوهر خرجت سرية في طلبه فإن ما وجدوا من ذلك في أرض الإسلام لا يكون غنيمة إلا أن هذا يخمس لقوله عليه السلام‏:‏ وفي الركاز الخمس‏.‏

وكذلك لو وجدوا ذلك بعد ما استخرجه أهل الحرب ولكنهم لم يحرزوه فإنه يخمس وما بقي فهو لمن أخذه خاصة لأنهم قبل الإحراز لا يملكونه فكان الحكم فيه قبل أخذهم وبعد أخذهم سواء‏.‏

وإن كانت السرية إنما أصابت ذلك في دار الحرب فإنه يخمس ما أصابوا والباقي بينهم على سهام الغنيمة لأنهم أخرجوه من دار الحرب بطريق القهر فقد كانوا أهل منعة‏.‏

وإن لم يكونوا أهل منعة والمسألة بحالها فالمأخوذ لمن أخذه ولا خمس فيه في جميع هذه الفصول لأنهم أصابوا ذلك من دار الحرب على وجه التلصص لا على وجه إعزاز الدين‏.‏

إلا أن يكونوا خرجوا بإذن الإمام فحينئذ يكون لما أصابوا حكم الغنيمة لأن الإمام الآن كالمدد لهم عليه أن ينصرهم‏.‏

وليس له أن يبعثهم إذا لم يعلم القوة منهم فما جاءوا به يكون مأخوذاً على وجه إعزاز الدين والخمس يجب في مثله لأن وجوب الخمس في الغنيمة لإظهار شرفه حتى يعلم أنه كسب حصل بأشرف الجهات‏.‏

وإن كان أمير الثغر هو الذي بعث السرية لقطع الخشب وأخذ الملح ونفل لهم من ذلك فإنه يصح من تنفيله ما يصح من الأمير الأعظم لأنه حين فوض إليه تدبير الثغر فقد أقامه في ذلك مقام نفسه فيصح منه ما يصح من الأمير الأعظم ما لم ينهه عن التنفيل ثم بين ما إذا خص الإمام نفسه أو غيره بالتنفيل وقد بينا حكم ذلك فقال‏:‏ في الجملة لو خص ولده أو والده بالتنفيل فذلك صحيح منه كما لو خص أجنبياً آخر وهذا لتباين الملك بين الولد والوالد بخلاف العبد والمكاتب فإذا كان يصح منه التنفيل في حق نفسه إذا عم به جماعة المسلمين فها هنا أولى لأن منفعته فيما يحصل لولده ووالده دون منفعته فيما يحصل له ثم ذكر حديث سالم بن أبي الجعد‏.‏

أن رجلاً من أشجع جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه الحاجة فقال‏:‏ اصبر ثم ذهب فأصاب من العدو غنيمة وأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فطيبها له فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ‏}‏ الآية الطلاق‏:‏ 2،3

فهذا أصل علمائنا فيما يصيبه الواحد والمثنى من دار الحرب‏.‏

إذا دخلوا على وجه التلصص بغير إذن الإمام بخلاف أهل المنعة وبخلاف ما إذا كان الواحد بعثه الإمام ثم في كل موضع يكون للمصاب حكم الغنيمة فالآخذ وغيره فيه سواء وفي كل موضع لا يكون للمصاب حكم الغنيمة فإن الآخذ يختص به وإن أخذوا جميعاً فذلك بينهم بالسوية لا يفضل فيه الفارس على الراجل لأن هذا التنفيل حكم يختص بالغنيمة كالخمس وهذا ليس بغنيمة بل هو إحراز المباح على وجه التلصص لا على وجه إعزاز الدين فيكون بمنزلة الاصطياد والاحتشاش‏.‏

ولو أخذ واحد منهم شيئاً من ذلك ثم دفعه إلى صاحبه يحفظه له فأمسكه حتى أخرجه فهو للآخذ لأنه صار أحق به حين سبقت يده إليه ثم حفظ صاحبه له بأمره كحفظه له بنفسه إلى أن أخرجه‏.‏

وإن كان صاحبه غلبه فانتزعه منه فهو للذي أخرجه لأن الأول لم يملكه بمجرد الأخذ فإنه لم يكن في منعة المسلمين حتى يصير بالأخذ محرزاً وإنما يحصل إحرازه بالإخراج إلى دار الإسلام وذلك إنما وجد من الغاصب الذي انتزعه منه غير أني أكره للمسلم أن يقهر عليه صاحبه بعدما أخذه لأن يده سبقت إليه وليد المسلم حرمة في حق المسلمين ولأنه أحرزه بالدين وقد بينا أن الإحراز بالدين يثبت في حق الآثم وإن كان لا يعتبر ذلك في حكم الملك والتقوم‏.‏

فإن جاء ناس من المشركين يريدون أخذ ذلك منهم فغلبهم المسلمون حتى دفعوهم عن ذلك فهو للذين أخذوه أيضاً لأن الآخذ قد صار أحق به بذلك الأخذ فلا يتغير ذلك الحكم بالقتال الذي ابتلوا به‏.‏

فإن قيل حين قاتلوا عنه‏:‏ فلماذا لا يجعلون في حكم أهل منعة حتى يكون لمصابهم حكم الغنيمة‏.‏

قلنا‏:‏ لأن هذا شيء وقع اتفاقاً لا قصداً فلا يصيرون به قاهرين حكماً ألا ترى أنهم لو أتوا قوماً من أهل الشرك نياماً فقتلوهم وأخذوا أموالهم كان لكل واحد منهم ما أخذ ولم يكن لذلك حكم الغنيمة فهذا مثله‏.‏

يوضحه أنهم إذا كانوا أهل منعة فإنه لا يختلف الحكم فيما أصابوا بالقتال دفعاً عنه إذا ابتلوا به وعدم القتال وكذلك فيما أصاب الذين لا منعة لهم لا يختلف الحكم بذلك ولو أن هؤلاء الذين لا منعة لهم لحقهم جند المسلمين في دار الحرب بعدما أصاب كل فريق المال فإنه يخمس ما أصابوا ثم ينظر إلى ما أصاب الذين لا منعة لهم فيقسم ذلك بينهم وبين أهل العسكر لأنهم صاروا كالمدد لهم حين التحقوا بهم فيشاركونهم فيما أصابوا إذ الجند قد دخلوا غزاة فأما ما أصاب أهل الجند قبل أن يلتحق بهم اللصوص فلا شركة فيه معهم للصوص إلا أن يلقوا قتالاً فيقاتلوا معهم دفعاً عن ذلك‏.‏

لأنهم ما كانوا غزاة حين دخلوا فلا يصيرون بمنزلة المدد للجيش بل حالهم فيما أصاب الجيش كحال من كان تاجراً في دار الحرب أو أسيراً أو أسلم من أهل الحرب والتحق بالجيش بعد الإصابة وقد بينا أنه لا شركة لهؤلاء في المصاب إلا أن يلقوا قتالاً وأما وجوب الخمس في الكل فلأنه صار محرزاً بقوة الجيش فيتحقق فيه معنى إعزاز الدين‏.‏

ولو أن عسكراً دخلوا أولاً بإذن الإمام أو بغير إذن الإمام ثم دخل على أثرهم رجل أو رجلان بغير إذن الإمام وقد نهى الإمام عن ذلك فإن لحقا بهم قبل الإصابة تثبت الشركة بينهم في المصاب بعد ذلك وإن كان بعد الإصابة لم يشاركوهم في ذلك إلا أن يلقوا قتالاً فيقاتلوا معهم لأنهم متلصصون حين دخلوا بغير إذن الإمام فلا يصيرون مدداً للجيش ما لم يقاتلوا معهم وهذا لأن مدد الجيش غزاة وهم ليسوا بغزاة حكماً حين دخلوا متلصصين فإنما يعتبر فيهم أن يصيروا غزاة حقيقة وذلك بأن يقاتلوا معهم‏.‏

وإن كانوا لحقوهم بإذن الإمام شاركوهم فيما أصابوا لأنهم بنفس الدخول صاروا غزاة الآن فكانوا مدداً للجيش يشاركونهم فيما اصابوا قبل أن يلتحقوا بهم‏.‏

ولو أسلم قوم من المرتدين في دار الحرب ثم التحقوا بالعسكر فحالهم وحال غيرهم ممن يسلم من أهل الحرب سواء لأنهم حين دخلوا دار الحرب مرتدين فقد صاروا أهل حرب فبعد ذلك وإن أسلموا والتحقوا بالجيش لا يكونون غزاة بمنزلة المدد للجيش ما لم يقاتلوا معهم دفعاً عما أصابوا‏.‏

ولو أن قوماً لا منعة لهم دخلوا دار الحرب بغير إذن الإمام وأصابوا شيئاً ثم لحقهم قوم لا منعة لهم أيضاً ولكن بإذن الإمام فالتقوا بعدما أصاب كل فريق شيئاً فإن لم يصيروا أهل منعة بعدما التقوا فما أصاب المتلصصون قبل أن يلتقوا أو بعد ما التقوا يكون لهم خاصة ولا خمس فيه لأنه لا يتغير حكم ما أصابهم بالالتقاء فهؤلاء إذا لم يصيروا بهم أهل منعة فيبقى الحكم فيما أصابوا على ما كان قبل أن يلتحقوا بهم فكل من أخذ شيئاً فهو له خاصة بخلاف ما إذا كان الذين التحقوا بهم أهل منعة فقد تغير صفة إصابتهم وإحرازهم بالالتحاق بهم‏.‏

وما أصاب الذين دخلوا بإذن الإمام قبل الالتقاء وبعده فإنه يخمس ويقسم الباقي بينهم على قسمة الغنيمة كما كان الحكم في مصابهم قبل الالتقاء لأن اللصوص لا يصيرون في حكم المدد لهم حين لم يتغير حالهم بهذا الالتقاء‏.‏

وإن كانوا حين اجتمعوا صاروا أهل منعة وقد أصابوا غنائم قبل أن يلتقوا وبعد ما التقوا خمس ما أصاب الفريقان وكان ما أصاب كل فريق منهم قبل أن يلتقوا بينهم على سهام الغنيمة وما أصابوا بعدما التقوا فهو بينهم جميعاً على سهام الغنيمة لأن الإحراز في جميع المصاب وجد على وجه القهر حين صاروا أهل منعة بعد الاجتماع فيجب الخمس في جميع ذلك‏.‏

إلا أن فيما أصاب كل فريق قبل الالتقاء لا يكون الفريق الآخر في حكم المدد لهم إذ لا منعة لكل فريق على الانفراد فلهذا يقسم ما أصاب كل فريق بينهم خاصة ولا يشاركه فيه الفريق الأول إلا أن يلقوا قتالاً بعدما اجتمعوا فإن لقوا قتالاً بعدما اجتمعوا‏.‏

اشتركوا في جميع ما أصابوا لوجود القتال من كل واحد من الفريقين على وجه الدفع عما أصابه الفريق الثاني وإن كان دخول الفريقين بغير إذن الإمام والمسألة بحالها فهذا وما سبق سواء إلا في حرف واحد وهو أن ما أصاب كل فريق قبل الالتقاء يكون بينهم جميعاً ها هنا على سهام الغنيمة بخلاف الأول لأن ها هنا قد استوى الحكم في مصاب كل فريق قبل الالتقاء فإنما يعتبر في الحكم حال تأكد الحق بالإحراز وهم أهل منعة عند ذلك وقد تم الإحراز بقوتهم فيخمس الكل والباقي بينهم وهناك قد اختلف حكم مصاب كل فريق لأن ما أصاب الذين دخلوا بإذن الإمام له حكم الغنيمة فلا شركة فيه للمتلصصين ما لم يقاتلوا عنه وما أصاب المتلصصون لم يكن له حكم الغنيمة ولا شركة فيه للذين دخلوا بإذن الإمام أيضاً ما لم يقاتلوا دفعاً عنه فإذا فعلوا ذلك فقد صار الكل غنيمة وتم الإحراز في الكل بقوتهم‏.‏

ولو كان أحد الفريقين لهم منعة والآخر لا منعة لهم والمسألة بحالها فإن الذين لا منعة لهم لا يشاركون أهل المنعة فيما أصابوا قبل الالتقاء إلا أن يلقوا قتالاً بعدما التحقوا بهم وأهل المنعة يشاركون الذين لا منعة لهم فيما أصابوا وإن لم يلقوا قتالاً بعد ذلك لأنهم صاروا محرزين لذلك بمنعتهم فصار أهل المنعة في ذلك بمنزلة المدد لهم وفي الأول المتلصصون ما صاروا محرزين بمنعة الذين دخلوا بإذن الإمام إذ لا منعة لهم‏.‏

ولو كان الذين لهم المنعة دخلوا بغير إذن الإمام والذين لا منعة لهم دخلوا بإذنه اشتركوا في جميع ما أصابوا لأن كل فريق بنفس الدخول صاروا غزاة أحد الفريقين باعتبار المنعة والآخر باعتبار إذن الإمام فكان كل فريق كالمدد للفريق الآخر‏.‏

فيما أصابوه‏.‏

ولو دخل كل فريق من الفريقين الذين لا منعة لهم بإذن الإمام فالتقوا بعدما أصاب كل فريق شيئاً فإنه يخمس جميع ما أصابوا والباقي بينهم على قسمة الغنيمة سواء صاروا أهل منعة بالاجتماع أو لم يصيروا أهل منعة لأن إذن الإمام قد جمعهم وكان كل فريق غازياً بنفس الدخول بإذن الإمام فيكون أحد الفريقين بمنزلة المدد للفريق الآخر فيما أصابوا قبل الالتقاء فإن قيل‏:‏ إصابة كل فريق ها هنا وإحرازه لم تكن بمنعة الفريق الآخر فكيف يثبت للفريق الآخر معهم شركة في ذلك قلنا‏:‏ لأنهم باعتبار إذن الإمام صاروا غزاة في دار الحرب والغزاة في دار الحرب بعضهم مدد للبعض من غير اعتبار المنعة‏.‏

ألا ترى أن الجيش لو كانوا دخلوا وأصابوا غنائم ثم التحق بهم رجل أو رجلان بإذن الإمام كان مدداً لهم يشاركهم في المصاب وإن لم يكن لهم منعة بنفسه بخلاف ما إذا دخل بغير إذن الإمام فذلك ما سبق وعلى هذا لو كان كل واحد من الفريقين أهل منعة وقد دخلوا بغير إذن الإمام والتقوا في دار الحرب فإنه يخمس جميع ما أصابوا ويكون الباقي بينهم على سهام الغنيمة‏.‏

لأن كل فريق ها هنا باعتبار المنعة صاروا غزاة كما دخلوا وقد صار بعضهم مدداً للبعض بالالتقاء وإنما تم الإحراز في المصاب بهم جميعاً فكانوا شركاء في المصاب على سهام الغنيمة والله الموفق‏.‏

والذين أسلموا من أهل الحرب قد بينا أن الأسير إذا انفلت فلحق بالجيش الذي دخل معهم قبل أن يخرجوا فهو شريكهم فيما أصابوا حال كونه مأسوراً لأنه انعقد له معهم سبب الاستحقاق حين دخل معهم على قصد القتال وشاركهم في إتمام الإحراز فما اعترض من الأسر بين ذلك يصير كأن لم يكن بمنزلة ما لو مرض وهو في العسكر زماناً ويستوي إن كان دخوله في الابتداء بإذن الإمام أو بغير إذنه لأنه غاز حين دخل معهم على قصد القتال في الوجهين جميعاً ألا ترى أنه لو دخل معهم تاجراً ثم ترك التجارة وقاتل معهم فأسر أو كان أسلم من أهل الحرب والتحق بهم يريد القتال فأسر ثم انفلت قبل أن يخرجوا فإنه يشاركهم فيما أصابوا وإن لم يوجد الإذن من الإمام له في القتال إذا التحق بهم قبل الإحرار والقسمة والبيع‏.‏

فإن خرج ذلك العسكر وهو مأسور ثم انفلت والتحق بعسكر آخر وقد أصابوا غنائم لم يشاركهم إلا أن يلقوا قتالاً فيقال معهم لأنه لم ينعقد له سبب الاستحقاق معهم حتى الآن فيكون حاله في حقهم كحال من أسلم في دار الحرب والتحق بالعسكر وهو لا يصير مدداً لهم بنفس الالتحاق بهم لأن قصده النجاة من المشركين إلا أن يقاتل معهم دفعاً عن المصاب فيكون ذلك دليل كونه قاصداً إلى أن يكون مدداً لهم بنفس الالتحاق بهم لأن قصده النجاة من المشركين إلا أن يقاتل معهم دفعاً عن المصاب فيكون ذلك دليل كونه قاصداً إلى أن يكون مدداً لهم‏.‏

ولو أنه حين انفلت قتل بعض المشركين وأخذ ماله وأخرجه إلى دار الإسلام فهو له ولا خمس فيه بمنزلة حربي أسلم ثم فعل ذلك وهذا لأنه بمنزلة اللص فيما أخذه لأن قصده النجاة منهم دون القتال على وجه إعزاز الدين فإنه مقهور لا منعة له فيهم‏.‏

فإذا كان الأسراء الذين أسلموا أهل منعة والمسألة بحالها خمس جميع ما أصابوا وكان ما بقي بينهم على سهام الغنيمة الآخذ منهم وغير الآخذ فيه سواء ويستوي إن كان كل فريق أهل منعة قبل أن يلتقوا أو حين اجتمعوا صارت لهم منعة لأنهم محاربون في الحقيقة وقد أحرزوا المال بطريق القهر وهم ظاهرون فيتحقق معنى إعزاز الدين فيما أصابوا فلهذا يكون غنيمة‏.‏

ولو تمكن الأسراء من قتل قوم من أهل الحرب غيلة وأخذوا أموالهم لم يكن بذلك بأس لأنهم محاربون لهم ومع ذلك هم مقهورون مظلومون فلهم أن ينتصفوا من بعض من ظلمهم إذا تمكنوا من ذلك‏.‏

فإن فعلوا ذلك ثم خرجوا إلى دارنا ولا منعة لهم فكل من أخذ شيئاً فهو له خاصة وإن اشترك في الأخذ رجلان فارس وراجل فهو بينهما سواء لأن المصاب لم يأخذ حكم الغنيمة حين لم يصيروا أهل منعة بعدما تجمعوا‏.‏

فإن كان الآخذ أعطاه صاحبه ليحمله فهو للأول لأن يد من أخرجه نائبة عن يد الآخذ حين ائتمنه‏.‏

وإن غلبه عليه وأخرجه فهو للذي أخرجه وقد بينا هذا‏.‏

ولو كان الأسراء فعلوا ذلك بعدما حصلت لهم منعة والذين أسلموا فعلوا ذلك ولا منعة لهم ثم التقوا في دار الحرب ثم خرجوا فإنه يخمس جميع المصاب لأنه محرز بالدار بقوم هم أهل منعة فيكون غنيمة‏.‏

ثم ما أصاب الذين لا منعة لهم فهو مقسوم بينهم جميعاً على سهام الغنيمة لأنهم أحرزوا ذلك بمنعة الفريق الآخر وكان الفريق الآخر كالمدد لهم في ذلك باعتبار منعتهم‏.‏

ولا شركة للذين لا منعة لهم مع أصحاب المنعة فيما أصابوا قبل الالتقاء لأنهم ما أحرزوا ذلك بمنعتهم إذ لا منعة للفريق الآخر حتى يجعلوا كالمدد لهم فيما أصابوا‏.‏

إلا أن يلقوا قتالاً بعدما اجتمعوا فحينئذ يشارك بعضهم بعضاً في المصاب لأنهم اجتمعوا في القتال دفعاً عن جميع المصاب فإنهم اشتركوا في الإصابة‏.‏

وهذا إذا كان الذين لقوهم من أهل الحرب فقاتلوهم أهل منعة فإن كانوا لا منعة لهم لا يتغير الحكم بهذا القتال لأن قتالهم للدفع إنما يتغير به الحكم إذا قاتلوا من كان يتوهم منه استنفاذ المال من أيديهم وهذا لا يتحقق فيما إذا لقيهم رجل أو رجلان من أهل الحرب وإنما يتوهم إذا لقيهم أهل منعة‏.‏

وإن كان الفريقان حين أصابوا ما أصابوا لا منعة لكل واحد منهما فلما التقوا صارت لهم منعة فهم شركاء في جميع ما أصابوا لأن بالالتقاء لما تغير حالهم بما حدث لهم من المنعة صار هذا في الحكم وما لو كانوا مجتمعين عند الإصابة سواء وهذا لأن بعضهم صار مدداً للبعض‏.‏

وصار كل فريق متمكناً من إحراز ما أصابه بقوة الفريق الآخر حين صاروا أهل منعة بعدما تجمعوا بخلاف ما سبق‏.‏

وإن كان الإمام أرسل إلى كل فريق يأمرهم أن يقتلوا من قدروا عليه ويأخذوا الأموال ففعلوا وكلا الفريقين لا منعة لهم ولم يلتقوا حتى خرج كل فريق إلى دار الإسلام فما أصاب كل فريق يخمس ويقسم ما بقي بينهم على سهام الغنيمة لأنهم صاروا غزاة حين بلغهم إذن الإمام بمنزلة قوم لا منعة لهم دخلوا دار الحرب بإذن الإمام وهذا لأن على الإمام أن ينصرهم إذا علم بحالهم وأمرهم أن يفعلوا ذلك فكانوا قاهرين باعتبار هذا المعنى‏.‏

وكذلك إن التقوا في دار الحرب فصارت لهم منعة أو لم تصر أو كان أحد الفريقين لهم منعة والآخر لا منعة لهم لأن إذن الإمام قد جمعهم وقد بينا أنهم لو دخلوا ابتداء على هذا الوجه بإذن الإمام كانوا شركاء في المصاب إذا التقوا فكذلك إذا فعلوا في دار الحرب بإذن الإمام ثم التقوا بعد ذلك‏.‏

ولو بعث الإمام قوماً لا منعة لهم من دار الإسلام في طلب الغنيمة فخرج إليهم أسراء وقوم أسلموا وقد أصاب كل فريق شيئاً فإن كان حين اجتمعوا لم يصر لهم منعة أيضاً ثم لقوا قتالاً فأصابوا غنائم فجميع ما أصاب الذين دخلوا بإذن الإمام يخمس والباقي بينهم على سهام الغنيمة لأنهم قاهرون باعتبار أن الإمام‏.‏

وما أصاب الفريق الآخر فهو لهم خاصة الفارس والراجل فيه سواء ولا شركة لغير الآخذ فيه مع الآخذ لأنهم لصوص إذ ليس لهم إذن من الإمام ولا منعة بها يصيرون قاهرين قبل الالتقاء ولا بعده فإن قيل‏:‏ لماذا لم يجعل الذين دخلوا بإذن الإمام في حقهم بمنزلة أهل المنعة حتى يكونوا مدداً لهم قلنا‏:‏ لأن أهل المنعة إنما صاروا مدداً لهم باعتبار أنهم أحرزوا ما أصابوا بقوتهم ومنعتهم وهذا غير موجود ها هنا وإنما يثبت حكم الغنيمة فيما أصاب الذين دخلوا بإذن الإمام لوجود الإذن حكماً وهذا مقصور على مصابهم لا يتعدى إلى مصاب الفريق الآخر‏.‏

فأما إذا كانوا أهل منعة فحكم الغنيمة فيما أصابوا باعتبار منعتهم حساً فيتعدى من ذلك إلى ما أصاب الفريق الآخر حين أحرزوه بمنعتهم‏.‏

فإذا كانوا بعد الاجتماع أهل منعة يخمس جميع ما أصابوا والباقي بينهم على سهام الغنيمة لقوا قتالاً أو لم يلقوا لأن بالالتقاء قد تغير حالهم فقد صاروا به أهل منعة ولهذا تغير الحكم فيما أصاب كل فريق‏.‏

وإن كان الذين دخلوا بإذن الإمام لا منعة لهم والفريق الآخر لهم منعة فإنه يشارك بعضهم بعضاً في جميع المصاب بعدما يرفع الخمس من ذلك لأن الذين دخلوا بإذن الإمام غزاة باعتبار الإذن والآخرون غزاة باعتبار المنعة فكان حالهم بعد الالتقاء كحال قوم لا منعة لهم دخلوا بإذن الإمام والتحقوا بالعسكر بعد إصابة الغنيمة فيشارك بعضهم بعضاً في المصاب فإن كانت المنعة للذين دخلوا بإذن الإمام خاصة والمسألة بحالها فإن أهل المنعة يشاركون الأسراء فيما أصابوا قبل الالتقاء بعدما يرفع منه الخمس لأنهم أحرزوا ذلك بمنعتهم ولا شركة للأسراء فيما أصاب أهل المنعة إلا أن يلقوا قتالاً فيقاتلوا معهم‏.‏

وإن كان لكل فريق منعة فإنه يشارك بعضهم بعضاً فيما أصابوا لأن كل فريق بمنعتهم صاروا مدداً للفريق الآخر وفي مصاب أهل المنعة لا فرق بين وجود الإذن من الإمام وعدم الإذن كما لو كانوا دخلوا في دار الإسلام‏.‏

والله الموفق‏.‏