فصل: باب من النفل الذي يصير لهم ولا يبطل

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح السير الكبير **


  باب النفل الذي يبطل بأمر الأمير

والذي لا يبطل ولو أرسل الأمير في دار الحرب سرية من المعسكر ونفلهم الربع فلما بعدوا منه خاف عليهم فأرسل سرية أخرى وقال‏:‏ الحقوا بأصحابكم فما أصبتم فأنتم شركاؤهم في ذلك كله من النفل وغيره فأدركوهم بعدما أصابوا الغنيمة‏.‏

ورجعوا إلى المعسكر جملة فلا شيء للسرية الثانية من النفل لأن أصحاب السرية الأولى قد تأكد حقهم في المنفل بنفس الإصابة على وجه لا يشركهم في ذلك غيرهم‏.‏

بمنزلة تأكد حق الغانمين بالإحراز ولو أراد الإمام أن يثبت الشركة بين المدد والجيش بعدما أحرزوا الغنيمة بالدار لم يملك ذلك بقوله فهذا مثله‏.‏

وإن غنموا جميعاً بعدما لحقوهم فلهم النفل في الغنيمة الثانية لأن ثبوت الحق المنفلين بالإصابة وقد أشركوا جميعاً في الإصابة والتنفيل من الإمام لهم جميعاً في الدفعتين‏.‏

قال‏:‏ فإن كانت السرية الأولى مائة فارس والثانية خمسين فارساً وخمسين راجلاً فلما أتوهم لم يعلموهم بما جعل لهم الإمام من النفل حتى أصابوا غنائم فإنهم تقسم بين السريتين أولاً على سهام الفرسان والرجالة ثم ينظر إلى ما أصاب السرية الأولى فيعطون من ذلك نفلهم لا ينقصون منه شيئاً وإلى ما أصاب السرية الثانية فيعطون منه نفلهم أيضاً ثم الباقي يخمس ويقسم بين السريتين وأهل العسكر على قسمة الغنيمة لأن السرية الأولى استحقوا ربع ما يصيبون بالتنفيل الأول فكما لا يملك الأمام إبطال حقهم بالرجوع عن ذلك التنفيل بعد علمهم فكذلك لا يملك إدخال ضرر النقصان عليهم باشتراك الغير معهم بدون عملهم‏.‏

لأن الاشتراك والإبطال كل واحد منهما خطاب من الإمام إياهم فلا يثبت حكمه في حقهم ما لم يعلموا به بمنزلة خطاب الشرع في حق المخاطبين‏.‏

ولو أخبرت السرية الثانية السرية الأولى بما جعل لهم الأمير من الشركة معهم في النفل قبل أن يصيبوا الغنيمة والمسألة بحالها فالنفل بينهم بالسوية‏.‏

وهذا لأن التنفيل الأول من الإمام لم يكن لازماً قبل الإصابة‏.‏

ألا ترى أنه لو رجع عنه بعلمهم كان صحيحاً فكذلك إذا نقص حقهم بالاشتراك بعلمهم‏.‏

وكذلك إذا أعلموا بذلك أمير السرية الأولى‏.‏

فإن إعلام أميرهم كإعلام جماعتهم إذ الأمير نائب عنهم‏.‏

وكذلك إن أظهروا ذلك حتى علم به عامتهم لأنه يتعذر عليهم إعلام كل واحد من آحادهم وإنما يمكنهم إظهار ذلك الخبر في عامتهم‏.‏

فإذا فعلوا ذلك فهو بمنزلة الواصل إلى كل واحد منهم كالخطاب الشائع في دار الإسلام يشترك في حكمه من علم به ومن لم يعلم ممن أسلم من أهل المدينة حتى يلزمه قضاء الصلوات المتروكة بعد الإسلام بخلاف من أسلم في دار الحرب والفرق باعتبار شيوع الخطاب‏.‏

ولو كان الأمير قال للسرية الثانية‏:‏ أنتم شركاؤهم في النفل‏.‏

لكم ثلثاه ولهم ثلثه‏.‏

والمسألة بحالها‏.‏

فإن كانوا لم يعلموهم حين أدركوهم حتى أصابوا غنائم فللسرية الأولى نفلهم مما أصابوا كاملاً لأن حكم الخطاب بالتفضيل لا يثبت في حقهم ما لم يعلموا لما فيه من الإضرار بهم‏.‏

فإنه ينتقص حقهم بذلك‏.‏

وإن كانوا أعلموهم ذلك ثبت حكم الخطاب في حقهم فيكون النفل بينهم على الثلث والثلثين كما بين الإمام‏.‏

قال‏:‏ ولو جاز من الإمام أن ينقص حق السرية الأولى بغير علمهم لجاز أن يقول للسرية الثانية النفل كله لكم دون الأولى فلا ينبغي لأحد أن يجيز هذا لأن ما هو المقصود بالتنفيل - وهو التحريض - يفوت بتجويز هذا فإن السرية لا يعتمدون ذلك التنفيل بعدما بعدوا من الإمام إذا كان هو متمكناً من إبطاله بغير علمهم‏.‏

أرأيت لو قال لأهل العسكر بعدما مضت السرية الأولى‏:‏ قد أبطلت نفلها‏.‏

كان يصح ذلك في حقهم قبل أن يعلموا به‏.‏

فكما لا يصح منه الإبطال فكذلك لا يصح منه تحويله إلى السرية الثانية قبل علم السرية الأولى به‏.‏

ولو علموا به صح ذلك كله إبطالاً كان ذلك أو نفلاً إلى غيره‏.‏

ألا ترى أنه لو قال لرجل‏:‏ إن قتلت هذا القتيل فلك سلبه‏.‏

فلما خرج للمبارزة قال‏:‏ قد أبطلت نفله لم يبطل ذلك ما لم يعلم به المبارز فكذلك ما سبق‏.‏

ولو بعث أمير المصيصة سرية منها‏.‏

وهي اسم بلدة من دار الإسلام في وسط الروم‏.‏

فنفل أصحاب الخيل دون الرجالة لم يجز لأن هذه السرية مبعوثة من دار الإسلام‏.‏

وهذا تنفيل عام‏.‏

فإن أهل السرية أصحاب الخيل كلهم‏.‏

وقد بينا أن التنفيل العام في مثل هذه السرية لا يجوز لأنه ليس فيه إلا إبطال الخمس وتفضيل الفارس على الراجل‏.‏

ولكنه لو أرسل معهم قوماً من أصحاب المجانيق وقوماً يحضرون الحصن فنفلهم شيئاً لجزائهم وعنائهم فهذا جائز لأنه تنفيل خاص لبعض أهل السرية‏.‏

بمنزلة قوله‏:‏ من قتل قتيلاً فله سلبه وهذا‏.‏

بخلاف السرية المبعوثة في دار الحرب لو نفل أصحاب الخيل جاز لأن التعميم في حقهم لا يمنع صحة التنفيل إذ المقصود قطع شركة الجيش معهم‏.‏

وكذلك إن نفل أصحاب الخيل العرب على البراذين جاز‏.‏

والعراب أفراس العرب والبراذين أفراس العجم وأفراس العرب أقوى في الطلب والهرب والبراذين أصبر على القتال وألين عند العطف والتنفيل بحسب العناء والجزاء فلا بأس للإمام أن يختص أحد الفريقين بالفعل على حسب ما يرى فيه من النظر‏.‏

والله أعلم‏.‏

  باب نفل الأمير

وإذا قال الأمير‏:‏ من قتل قتيلاً فله سلبه ثم لقي الأمير رجلاً فقتله فله السلب استحساناً‏.‏

وفي القياس‏:‏ لا يستحق لأن الغير إنما يستحق بإيجابه وهو لا يملك الإيجاب لنفسه بولاية الإمارة‏.‏

بمنزلة القاضي لا يملك أن يقضي لنفسه‏.‏

ألا ترى أنه لو خص نفسه فقال‏:‏ إن قتلت قتيلاً فلي سلبه لم يصح ذلك‏.‏

ولو كان هو كغيره في هذا الحكم يصح إيجابه خاصاً كان أو عاماً كما في حق غيره‏.‏

ولأن التنفيل للتحريض وإنما يحرض غيره على القتال لا نفسه‏.‏

فالإمارة تكفيه لذلك‏.‏

ووجه الاستحسان أنه وجب النفل للجيش بهذا اللفظ وهو رجل منهم فيستحق كما يستحق غيره‏.‏

ألا ترى أن فيما يجب شرعاً وهو السهم هو كواحد من الجيش فارساً أو راجلاً فكذلك فيما يستحق بالإيجاب‏.‏

أرأيت لو برز علج ودعا إلى البراز‏.‏

فقال الأمير‏:‏ من قتله فله سلبه فلم يتجاسر أحد على الخروج حتى خرج هو بنفسه فقتله كان لا يستحق سلبه وهذا بخلاف ما إذا خص نفسه لأنه منهم فيما يخص به نفسه من التنفيل بمنزلة القاضي يكون منهماً فيما يقتضي به لنفسه‏.‏

فأما عند التعميم فتنتفي التهمة فيثبت الحكم في حقه كما يثبت في حق غيره‏.‏

ألا ترى أن إباحة التناول من الطعام والعلف يثبت في حق الإمام كما يثبت في حق العسكر باعتبار أنه لا تتمكن تهمته فيما لا يختص الأمير به‏.‏

وإذا خص غيره بالتنفيل لا تتمكن التهمة في ذلك ولا يخرج فعله من أن يكون واقعاً بصفة النظر‏.‏

ولو كان قال‏:‏ من قتل منكم قتيلاً فله سلبه ثم قتل الأمير قتيلاً لم يكن له سلبه لأنه خصهم بقوله‏:‏ منكم فلا يتناوله حكم الكلام بخلاف الأول‏.‏

ألا ترى أن من قال لعبده‏:‏ اعتق مماليكي فقال العبد لسائر المماليك‏:‏ أنتم أحرار‏.‏

لم يدخل هو في جملتهم لهذا المعنى‏.‏

ولو قال‏:‏ إن قتلت قتيلاً فلي سلبه ثم لم يقتل أحداً‏.‏

حتى قال‏:‏ ومن قتل منكم قتيلاً فله سلبه‏.‏

ثم قتل الأمير بعد ذلك قتيلاً استحق سلبه لأن التنفيل صار عاماً باعتبار كلاميه ولا فرق بين تنفيل العام بكلامين وبينه بكلام واحد‏.‏

وهذا لأن كلامه الأول لم يكن صحيحاً للتهمة المتمكنة بسبب التخصيص وقد زال ذلك بكلامه الثاني وبعد ما انعدم المانع من صحة الإيجاب يكون الإيجاب صحيحاً عاماً في حقهم‏.‏

ولو كان قتل قتيلين‏:‏ أحدهما قبل الكلام الثاني والأخر بعده فله سلب القتيل الثاني دون الأول لأن القتل الذي جعله سبباً تم منه في الأول قبل صحة الإيجاب‏.‏

فصار ذلك السبب غنيمة‏.‏

ثم صح الإيجاب بالكلام الثاني فيجعل عند الكلام الثاني كأنه أنشأ تنفيلاً عاماً الآن فإنما يستحق به سلب ما نفل بعد ذلك‏.‏

لأن التنفيل لا يعمل فيما صار غنيمة قبله باعتبار أن الكلام غير متناول له ولو كان متناولاً له لم يصح أيضاً لأنه تنفيل بعد الإصابة‏.‏

ولو قال‏:‏ إن قتلت قتيلاً فلي سلبه‏.‏

ومن قتل منكم قتيلاً فله سلبه‏.‏

ثم قتل الأمير قتيلين ورجل من القوم قتيلين فللأمير سلب الأول دون الثاني لأنه أوجب لنفسه بحرف لا يقتضي التكرار وهو حرف الشرط‏.‏

ألا ترى أن من قال لزوجته‏:‏ إن دخلت الدار فأنت طالق‏.‏

فدخلت دخلتين لم تطلق إلا واحدة‏.‏

أوجب للقوم بكلمة من وهي عامة كما بينا فيتناول كل قتيل كل واحد منهم حتى لو قتل رجل عشرين قتيلاً كان له أسلابهم جميعاً‏.‏

ولو قال لرجل منهم‏:‏ إن قتلت قتيلاً فلك سلبه‏.‏

فقتل رجلين كان له سلب الأول خاصة‏.‏

لما بينا أنه علق استحقاقه بالشرط وذلك ينتهي بقتل الأول وليس في لفظه ما يدل على التكرار والعموم‏.‏

ولو قال لجميع أهل العسكر‏:‏ إن قتل رجل منكم قتيلاً فله سلبه فقتل رجل عشرة منهم استحق أسلابهم جميعاً‏.‏

وهذا استحسان‏.‏

وفي القياس‏:‏ لا يستحق إلا القتيل الأول كما لو خصه بالإيجاب بهذا اللفظ‏.‏

ووجه الاستحسان أنه لما من يقصد لإنسان بعينه فقد خرج الكلام منه عاماً‏.‏

ألا ترى أنه يتناول جميع المخاطبين‏.‏

فكما يعم جماعتهم يعم جماعة المقتولين بخلاف الأول ألا ترى أن في هذا الفصل إن قتل عشرة من المسلمين عشرة منهم استحق كل واحد منهم سلب قتيله‏.‏

فكذلك إذا كان الواحد هو القاتل لعشرة‏.‏

وحقيقة معنى الفرق أن مقصود الإمام هنا تحريضهم على المبالغة في النكاية فيه‏.‏

وفي معنى النكاية لا فرق بين أن يكون القاتل للعشرة عشرة من المسلمين أو واحداً منهم‏.‏

وفي الأول مقصوده معرفة ذلك الرجل وجلادته وذلك يتم بدون إثبات معنى العموم في المقتولين‏.‏

ولو قال لعشرة هو أحدهم‏:‏ من قتل منا قتيلاً فله سلبه‏.‏

أو إن قتل رجل منا قتيلاً فله سلبه ثم قتل بنفسه قتيلين أو ثلاثة استحق اسلابهم لأن معنى التهمة قد انتفى باشتراك التسعة مع نفسه في الإيجاب وصار كلامه عاماً باعتبار المعنى الذي قلنا‏.‏

فيستحق هو من سلب المقتولين ما يستحقه تسعة معه إذا قتلوا‏.‏

ولو قال لرجل بعينه‏.‏

إن قتلت قتيلاً فلك سلبه فقتل قتيلين معاً‏.‏

فله سلب أحدهما لأن هذا الإيجاب لا يتناول إلا الواحد ثم يختار أي السلبين شاء لأن الحق ثابت له فالخيار في البيان إليه‏.‏

ولا يقال‏:‏ كان ينبغي أن يكون الخيار إلى الإمام شاء لأن الحق ثابت له فالخيار في البيان إليه‏.‏

ولا يقال‏:‏ كان ينبغي أن يكون الخيار إلى الإمام لأنه هو الموجب له‏.‏

وهذا لأن مثل هذا الكلام من الإمام على وجه بيان السبب وإنما يكون الخيار لم باشر السبب وأكثر ما فيه أنه يختار أفضلهما سلباً ولو لم يقتل إلا ذلك الرجل بضربته كان مستحقاً لسلبه‏.‏

فإن قتل معه غيره لا يجوز أن يصير محروماً لأنه أظهر زيادة القوة بما صنع‏.‏

وكذلك لو قال‏:‏ إن أصبت أسيراً فهو لك‏.‏

فأخذ أسيرين معاً‏.‏

فله أن يختار أرفعهما لهذا المعنى‏.‏

ولو خرج أمير العسكر في سرية ونفل لهم الربع فأصابوا غنائم‏.‏

كان للأمير النفل مع السرية لأنه أوجب النفل لأصحاب السرية‏.‏

وهو واحد منهم‏.‏

وبهذا الفصل يتبين ما سبق أنه عند التعميم يكون الإمام في استحقاق النفل كغيره‏.‏

والكلام في فصل السرية أظهر فإن استحقاقهم للنفل على هيئة استحقا الغنيمة‏.‏

ألا ترى أن المباشر منهم والردء في ذلك سواء‏.‏

ثم في استحقاق الغنيمة الإمام بمنزلة الجيش‏.‏

فكذلك في استحقاق السرية إذا خرج وهو معهم‏.‏

والله أعلم بالصواب‏.‏

  باب من النفل الذي يصير لهم ولا يبطل

إذا نفل بعضهم دون بعض ولو قال الأمير‏:‏ إن قتل رجل فله سلبه‏.‏

فقتل رجلان قتيلاً واحداً فلهما سلبه لأنه حين أخرج الكلام مخرج العموم فقد قصد به التحريض على النكاية‏.‏

وفي هذا لا فرق بين أن يكون القاتل واحداً أو جماعة إلا أن يبين فيقول‏:‏ إن قتل رجل منكم وحده قتيلاً فحينئذ لا شيء للقاتلين من السلب لأنه تبين بهذه الزيادة أن مقصوده التحريض على إظهار الجلادة بالاستبدال القتل وبالاشتراك لا يحصل ذلك‏.‏

ولو برز عشرة للقتال فقال الأمير لعشرة من المسلمين‏:‏ إن قتلتموهم فلكم أسلابهم‏.‏

فقتل رجل رجلاً منهم استحق كل قاتل سلب قتيله خاصة لأن تعميم العشرة بالخطاب بمنزلة تعميم الكل بقوله‏:‏ من قتل قتيلاً فله سلبه‏.‏

وهذا لأن العدد إذا قوبل بذي عدد ينقسم الآحاد على الآحاد‏.‏

كقول الرجل‏:‏ أعط هؤلاء العشرة هذه العشرة الدارهم‏.‏

والفعل المضاف إلى جماعة بعبارة الجمع يقتضي الانقسام على الأفراد‏.‏

كما قال‏:‏ ركب القوم دوابهم فإنه يفهم منه ركوب كل أحد دابته‏.‏

ولو قتل تسعة من المسلمين تسعة منهم وقتل المشرك المسلم العاشر أو هرب فلم يقدر عليه فلكل واحد من القاتلين سلب قتيله لأن المقصود من هذا الكلام جعل القتل سبباً لاستحقاق السلب لا اشتراط قتلهم حتى لا يبقى منهم أحد‏.‏

إلا أن يبين ذلك فيقول‏:‏ لكم أسلابهم إن قتلتموهم كلهم ولم تغادروا منهم أحداً‏.‏

فحينئذ يتبين بتنصيصه أنه علق الاستحقاق بشرط قتل الكل والشرط يقابل المشروط جملة ولا يقابله جزواً فجزواً‏.‏

وما لم يتم الشرط لا يثبت شيء من الجزاء‏.‏

فأما إذا لم يبين فإنما يحمل مطلق كلامه على ما هو المفهوم عادة وهو التحريض على دفع شرهم عن المسلمين بقتلهم فبقدر ما حصل من المقصود يستحق السلب‏.‏

وكذلك لو قال لسرية‏:‏ ائتوا حصن كذا فإن قتلتم وفتحتموه فلكم الربع‏.‏

فقتلوا بعضهم أو قتلوا رأسهم وتفرق جمعهم وفتحوا الحصن فلهم النفل لأن ما هو المفهوم من كلامه قد حصل وهو تقريق الجمع وفتح الحصن بالقتال‏.‏

وإن فتحوا الحصن بغير قتال لم يكون لهم نفل لأن ما جعله سبب الاستحقاق لهم وهو القتال لم يوجد‏.‏

ألا ترى لو قال‏:‏ إن قتلتم مقاتلته وسبيتم ذريته فلكم كذا‏.‏

فقتلوا البعض وسبوا من بقي منهم كان لهم النفل ولو أخذوهم بغير قتال لم يكن لهم نفل ولو أخذوهم بغير قتال لم يكن لهم نفل لما قلنا‏.‏

ولو قال‏:‏ إن قتل إنسان منكم قتيلاً فقتل رجلان من المسلمين قتيلاً كان سلبه بينهما نصفين ولو قتل مسلم ومشرك مشركاً أخطأ به فقتله مع المسلم كان نصف السبب للمسلم ونصفه في الغنيمة لأن في حق المسلم يجعل كأن القاتل معه مسلم‏.‏

وفي حصة المشرك يجعل كأن القاتل معه مشرك‏.‏

وهذا لأن الإيجاب بالتنفيل من الإمام كان للمسلمين فإنما يستحق المسلم بقدر ما باشر من السلب‏.‏

وإنما باشر هو قتل نصف النفس حين شارك غيره فيه‏.‏

ألا ترى أنه لو قتل مسلماً خطأ مع غيره كان عليه نصف الدية فإذا كان فيما يجب من الغرم بالقتل يجعل هذا قاتلاً نصف النفس فكذلك فيما يستحق من الغنم به‏.‏

ولو قال‏:‏ من قتل بطريقاً فله سلبه فقتل مشركاً ليس ببطريق لم يستحق السلب لأن المقصود التحريض على قتل من تنكسر شوكتهم بقتله ولم يحصل هذا المقصود‏.‏

ألا ترى أنه لو قال‏:‏ من قتل الملك فله سلبه‏.‏

فقتل رجلاً غير الملك لم يستحق شيئاً ولو قال‏:‏ من قتل بطريقاً فله من الغنيمة ألف درهم فقتل رجل بطريقاً استحق ما أوجب له الإمام من الغنيمة ألف درهم لمباشرته سلبه ولكن مما يغنمون بعد هذا حتى لو لم يغنموا بعد هذا شيئاً لم يعطه مما كانوا غنموا قبل هذا شيئاً لأن سهام المسلمين قد وجبت فيه وهذا التنفيل فيما كانوا غنموا لأنه يكون تنفيلاً بعد الإصابة وذلك لا يجوز ولو قال‏:‏ من قتل منكم صعلوكاً فله سلبه‏.‏

فقتل رجل بطريقاً أو قتل الملك لم يستحق شيئاً لأنه أوجب له سلب الصعلوك‏.‏

وسلب الملك والبطريق أفضل من سلب الصعلوك لا محالة فبإيجاب الأدنى لا يستحق الأعلى‏.‏

بخلاف ما لو قال‏:‏ من قتل صعلوكاً فله مائة درهم فقتل رجل بطريقاً فإنه يستحق المائة لأنه أتى بما شرط عليه وزيادة‏.‏

فانكسار شوكتهم بقتل البطريق أظهر منه بقتل الصعلوك‏.‏

والمسمى بمقابلته وهو المائة معلوم‏.‏

والمسائل بعد هذا إلى آخر الباب مبينة على أصل وهو أنه‏:‏ إن أوجب له بالتنفيل شيئاً بعينه لم يستحق شيئاً آخر سواء أتى بأدون مما شرط عليه أو أعلى لأن محل الاستحقاق لم يوجد والإيجاب لا يعمل بدون المحل‏.‏

وإن كان أوجب له مالاً مسمى فإن أتى بخلاف ما شرط لم يستحق شيئاً من المسمى لأن مع مخالفة الجنس لا يحصل الامتثال‏.‏

وإن كان ما أتى به من جنس ما شرطه عليه‏:‏ فإن كان أدون مما شرط عليه في المنفعة لم يستحق شيئاً لأنه لم يمتثل الأمر ولم يحصل المقصود بكماله‏.‏

فإن كان أعلى مما شرط عليه استحق المسمى لأنه أتى بالمشروط وزاد عليه‏.‏

فإذا قال‏:‏ من قتل شيخاً فله سلبه فقتل شاباً استحقه لأنه أتى بالمشروط وزيادة فإن النكاية وإظهار الجلادة في قتل الشاب أكثر والسلب لا يتفاوت بالشباب والشيخوخة‏.‏

وإن قال‏:‏ من قتل شاباً فقتل شيخاً لم يستحق لأن ما أتى به أدنى مما شرط عليه في معنى النكاية والجلادة‏.‏

ولو قال‏:‏ من جاء بأسير فهول له‏.‏

فجاء بوصيف أو على عكس هذا لم يستحق شيئاً لأن المحل الذي أوجب صفة النفل فيه لم يوجد فإن الأسير غير الوصيف‏.‏

وكذلك لو قال‏:‏ من جاء بوصيف فهو له فجاء برضيع أو على عكس هذا لم يكن له لأن الوصيف غير الرضيع‏.‏

فالمحل الذي أوجب حقه لم يوجد‏.‏

ولو قال‏:‏ من جاء بألف درهم فله منها مائة‏.‏

فجاء بألف دينار لم يكن له منها شيئاً لأنه أوجب له بعض ما يأتي به من الدراهم وبين الدراهم والدنانير مخالفة في الجنس‏.‏

ولو قال‏:‏ من جاء بوصيف فله مائة درهم فجاء بوصيفة لم يستحق شيئاً لان الذكور والإناث من بني آدم جنسان مختلفان لتباين المقصود‏.‏

ولهذا لو اشترى شخصاً على أنه عبد فإذا هي أمة لم ينعقد البيع ومع اختلاف الجنس لا يتحقق الامتثال‏.‏

ولو قال‏:‏ من جاء بشاب فله مائة درهم فجاء بشيخ لم يستحق شيئاً‏.‏

ولو كان على عكس هذا استحق لأن الجنس واحد والشاب فيما هو المقصود هاهنا خير من الشيخ‏.‏

فإذا جاء بما هو أزيد من المشروط عليه استحق النفل‏.‏

وإن جاء بأنقص منه لم يستحق بمنزلة ما لو قال‏:‏ من جاء بألف درهم غلة فله مائة درهم‏.‏

فجاء بألف درهم جياد أخذ مائة درهم غلة لأن الجنس واحد وما جاء به أفضل ولكن لا يستحق إلا قدر ما سمي له وذلك مائة درهم غلة‏.‏

وكذلك لو قال‏:‏ من جاء بألف درهم غلة فله عشرها‏.‏

فجاء بألف نقد بيت المال استحق عشرها من دراهم غلة لأن ما أوجب له الفضل والاستحقاق بالتسمية ولا يثبت إلا بقدر المسمى‏.‏

ولو قال‏:‏ من جاء بألف درهم جياد فله مائة‏.‏

فجاء بألف غلة لم يكن له شيء لأن ما جاء به دون ما شرط عليه‏.‏

ولو قال‏:‏ من جاء بعشر شياة فله شاة‏.‏

فجاء بعشر بقرات لم يستحق شيئاً لاختلاف الجنس‏.‏

وكذلك لو قال‏:‏ من جاء بعشرة أثواب ديباج فله كذا فجاء بعشرة أثواب بزيون لم يكن له شيء‏.‏

وكذلك إن كان على عكس هذا لأن الجنس مختلف‏.‏

ولو قال‏:‏ من جاء بعشرة أثواب بزيون أحمر فجاء بالأخضر أو الأصفر فإن كان الأحمر أفضل ما جاء به لم يستحق شيئاً‏.‏

وإن كان مثل ما جاء به أو دونه استحق ما سمي له لأن الجنس واحد وإنما الاختلاف في الصفة هنا‏.‏

ألا ترى أن من اشترى ثوب بزيون على أنه أحمر فإذا هو أخضر فإن البيع يكون صحيحاً‏.‏

وكذلك على هذا الأصل البغل والفرس والحمار‏.‏

ولو قال‏:‏ من جاء بفرس فله مائة فجاء ببرذون لم يستحق شيئاً وإن كان على عكس هذا استحق لأن الجنس واحد والفرس أفضل من البرذون‏.‏

بخلاف ما إذا جاء بحمار أو بغل فإنه لا يستحق شيئاً لأن الجنس مختلف‏.‏

ولو قال‏:‏ من جاء بفرس فله مائة‏.‏

فجاء رجل بفرس فإنما يعطى نفله مما يغنمون بعد هذا‏.‏

حتى إذا لم يغنموا شيئاً آخر فإن نفله من الفرس خاصة دون ما غنموا قبل هذا‏.‏

فإن كان الفرس لا يساوي مائة لم يزد على مقدار ثمنه شيئاً وإن كان يساوي مائة أو أكثر فرأى الإمام أن يجعل الفرس فيما غنموا قبل هذا ويعطيه المائة منها فذلك مستقيم لأن له ولاية بيع الغنائم وهذا التصرف منه بمنزلة بيع شيء من الغنائم بمثل قيمته فيجوز‏.‏

وإن كانت المائة أكثر من قيمة الفرس لم يعطه من الغنيمة إلا مقدار قيمة الفرس لأن له ولاية المبادلة بشرط النظر لا بالمحاباة الفاحشة‏.‏