فصل: باب النفل في دار الحرب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح السير الكبير **


  باب النفل وما كان للنبي خالصاً

قال‏:‏ لا بأس بأن يعطي الإمام الرجل المحتاج إذا أبلى من الخمس ما يعينه ويجعله نفلاً له بعد الغنيمة لأنه مأمور بصرف الخمس إلى المحتاجين وهذا محتاج‏.‏

وإذا جاز صرفه إلى محتاج لم يقاتل فلأن يجوز صرفه إلى محتاج قاتل وأبلى بلاء حسناً كان أولى‏.‏

وهذا لأن بقتاله وقتال أمثاله حصل هذا الخمس‏.‏

وهو نظير من وجد ركازاً فرآه الإمام محتاجاً وصرف الخمس إليه‏.‏

فإن ذلك يجوز‏.‏

ورد بنحوه أثر علي رضي الله عنه أنه قال للواجد‏:‏ خمسها لنا وأربعة أخماسها لك وسنتمها لك‏.‏

ثم هذا تأويل ما رواه سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ لا نفل إلا من الخمس ‏"‏‏.‏

وعن سعيد قال‏:‏ كان النفل من الخمس‏.‏

يعني النفل بعد الإصابة للمحتاجين كان يكون من الخمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبين بهذا أن من جوز التنفيل بعد الإصابة من جملة الغنيمة استدلالاً بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نفل بعد الغنيمة فقد أخطأ‏.‏

لأنه ترك التأمل ولم يدر أنه من أي محل نفل وقد كان تنفيله مما كان له خاصة وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حظوظ من الغنائم‏:‏ الصفي وخمس الخمس وسهم كسهم أحد الغانمين‏.‏

ومعنى الصفي‏:‏ أنه كان يصطفي لنفسه شيئاً قبل القسمة من سيف أو درع أو جارية ونحو لك المرباع منها والصفايا وحكمك والنشيطة والفضول فانتسخ ذلك كله سوى الصفي‏.‏

فإنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبق بعد موته بالاتفاق‏.‏

حتى أنه ليس للإمام الصفي بعد وفاة الرسول عليه السلام وإنما الخلاف في سهمه من الخمس أنه هل بقي للخلفاء بعده وقد بينا ذلك في السير الصغير‏.‏

وذكر عن الزهري قال‏:‏ كانت بنو النضير خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فقسمها بين المهاجرين ولم يعط أحداً من الأنصار منها شيئاً إلا سهل بن حنيف وسماك بن خرشة أبا دجانة فإنهما كانا محتاجين فأعطاهما‏.‏

وبيانه أن ذلك كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ‏}‏ الحشر آية‏:‏ 6‏.‏

فإنهم ما فتحوا بني النضير عنوة وقهراً وإنما صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لهم ما حملت الإبل وإلا الحلقة‏.‏

وما سوى ذلك فهو لرسول الله عليه السلام‏.‏

وإنما حملهم عن ذلك ما ألقى الله من الرعب في قلوبهم‏.‏

فإن قيل‏:‏ ففي زماننا لو حاصر الإمام حصناً ثم صالحهم على مثل هذا هل تكون الأموال له خاصة أم تكون غنيمة للجيش‏.‏

قلنا‏:‏ بل تكون غنيمة لأن خوفهم من منعة الإمام لا من نفسه ومنعته بالجيش‏.‏

فأما في ذلك الوقت فمنعة رسول الله ما كان بمن حوله من الناس ولكنهم كانوا يأمنون به‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏}‏ المائدة‏:‏ 67 وقد روي أنه فيما صنع استرضى الأنصار أيضاً‏.‏

فإن المهاجرين كانوا نازلين مع الأنصار في بيوتهم وقال عليه السلام للأنصار‏:‏ ‏"‏ إما أن أقسم بني النضير بين المهاجرين برضاكم ليتحولوا إليها فتسلم لكم منازلكم وإما أقسمها بين الكل وهم يسكنون معكم في منازلكم على حالهم ‏"‏ فقام سعد بن معاذ وقال‏:‏ يا رسول الله‏!‏ بل نرضى بأن تقسمها بينهم ويكونون معنا في منازلنا أيضاً‏.‏

وفيه نزل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ‏}‏ الحشر‏:‏ 9‏.‏

وقد روي أن النبي عليه السلام أعطى يومئذ سعد بن معاذ سيف ابن أبي الحقيق نفله إياه‏.‏

وإنما أعطاه تنفيلاً بعد الإصابة لأنه كان له خاصة‏.‏

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏:‏ كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث صفايا‏:‏ بنو النضير وفدك وخيبر‏.‏

وكانت بنو النضير حبساً لنوائبه‏.‏

أي محبوسة لذلك كالموقوفة‏.‏

وكانت فدك لابن السبيل‏.‏

والمراد بنوائبه جوائز الرسل والوفود الذين كانوا يأتونه‏.‏

وأما خيبر فجزأها ثلاثة أجزاء‏:‏ جزءان للمهاجرين وجزء كان ينفق على أهله منه‏.‏

فإن فضل رده على فقراء المهاجرين‏.‏

وإنما أراد بهذا بعض خيبر لا كلها فقد اتفقت الروايات على أنه قسم الشق والنطاة على ثمانية عشر سهماً بين المسلمين‏.‏

وقد بينا هذا في أول القسمة‏.‏

وذكر عن عروة أن النبي عليه السلام أقطع الزبير عامراً ومواتاً من أموال بني النضير‏.‏

وعن الزهري أن النبي عليه السلام أقطع لأبي بكر وعمر وسهيل وعبد الرحمن بن عوف أموالاً من أموال بني النضير عامرة‏.‏

وفي بعض الروايات‏:‏ غامرة وهي الخراب التي يبلغها الماء‏.‏

قال محمد رحمه الله‏:‏ فمن يسمع هذه الآثار يتوهم أنه نفل بعد الإصابة على وجه نصب الشرع ولا نعلم أنه إنما فعل ذلك لأنه كان خالص حقه‏.‏

فإذا تأمل ما يروى عن عمر رضي الله عنه قال‏:‏ يا رسول الله‏!‏ ألا تخمس ما أصبت من بني النضير كما خمست ما أصبت من بدر قال‏:‏ لا أجعل شيئاً جعله الله لي دون المؤمنين مثل ما هو لهم‏.‏

وتلا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى‏}‏ الحشر‏:‏ 7‏.‏

ثم ذكر‏:‏ عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن الأنفال فقال‏:‏ لا نفل بعد رسول الله‏.‏

وإنما أراد به ما بينا أن ما كان خالصاً لرسول الله عليه السلام فليس لأحد بعده مثل تلك الخصوصية لينفل منه كما كان ينفل رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وذكر عن ابن الحنفية أن النبي عليه السلام نفل يوم بدر سعد بن أبي وقاص سيف العاص بن سعيد‏.‏

وإنما يحمل هذا على أنه إنما نفله من الخمس لأنه كان محتاجاً أو على أن غنائم بدر كانت مفوضة إليه كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ‏}‏ الأنفال‏:‏ 1‏.‏

وعلى أنه اصطفى ذلك لنفسه ثم أعطاه سعداً‏.‏

وهو نظير ما يروى أنه اصطفى يوم بدر ذا الفقار ثم وفي رواية نبيه بن الحجاج بخلاف ما يزعم الروافض أن ذا الفقار كان نزل من السماء لعلي رضي الله عنه وذلك كذب وزور‏.‏

ومبنى مذهب الروافض على الكذب‏.‏

وإنما سمي ذا الفقار لكسر فيه‏.‏

وعلى هذا أيضاً يحمل حديث الزهري أن النبي عليه السلام لما أمر يوم بدر أن يردوا ما في أيديهم من الغنائم ثم جاء أبو أسيد الساعدي بسيف ابن عائذ المخزومي حتى ألقاه في الغنائم وكان رسول الله لا يسأل شيئاً إلا أعطاه‏.‏

فجاءه الأرقم بن أبي الأرقم وعرف ذلك السيف فسأل النبي عليه السلام فأعطاه إياه‏.‏

وعليه يحمل أيضاً حديث سلمة بن الأكوع قال‏:‏ جاء عين من المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم في سفر‏.‏

فأكل معهم وخالطهم ثم ذهب‏.‏

فقال رسول الله عليه السلام‏:‏ ‏"‏ الحقوه فاقتلوه ‏"‏‏.‏

وكان سلمة سباقاً يسبق الفرس عدواً‏.‏

فلحقه وأخذ بخطام ناقته فقتله‏.‏

وأتى رسول الله عليه السلام بناقته وسلبه فنفله إياه‏.‏

وكأنه جعل هذا من الخمس ثم نفله إياه لحاجته‏.‏

وللإمام رأي في مثل هذا‏.‏

وذكر عن عكرمة قال‏:‏ لما كان في حصار بني قريظة قال رجل من اليهود‏:‏ من يبارز فقام إليه الزبير بن العوام‏.‏

فقالت صفية‏:‏ واحدي‏!‏ فقال رسول الله عليه السلام‏:‏ أيهما علا صاحبه يقتله فعلاه الزبير فقتله‏.‏

ونفله رسول الله عليه السلام سلبه‏.‏

وذكر الواقدي في المغازي أن من زعم أن هذا كان في بني قريظة فقد أخطأ وإنما كان هذا بخيبر‏.‏

فقد كانت المبارزة والقتال يومئذ‏.‏

فأما بنو قريظة فلم يخرج أحد منهم للمبارزة والقتال‏.‏

وصفية كانت أم الزبير ولم يكن لها ولد سواه فتأسفت عليه حين خرج للمبارزة وقالت‏:‏ واحدي‏.‏

أي وا أسفا على واحد لي لا ولد لي سواه‏.‏

فطيب رسول الله عليه السلام قلبها بما قال‏.‏

ثم نفل الزبير سلبه‏.‏

وكان ذلك بالطريق الذي قلنا إنه جعله مما كان له خاصة ثم نفله إياه‏.‏

وذكر عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله عليه السلام بعث بعثاً قبل نجد فغنموا إبلاً كثيرة فكانت سهامهم اثني عشر بعيراً‏.‏

ونفلوا بعيراً بعيراً وتأويل هذا أنهم نفلوا ذلك من الخمس لحاجتهم أو نفلوا ذلك بينهم بالسوية‏.‏

وقد كانوا رجالة كلهم أو فرساناً كلهم‏.‏

وعندنا مثل هذا التنفيل بعد الإصابة يجوز لأنه في معنى القسمة‏.‏

وإنما لا يجوز النفل بعد الإصابة إذا كان فيه تخصيص بعضهم‏.‏

قال‏:‏ ولو أن إماماً نفل من الغنيمة بعد الإصابة قبل القسمة بعض من كان له جزاء أو عناء على وجه الاجتهاد والنظر منه ثم رفع إلى وال آخر لا يرى التنفيل بعد الإصابة فإنه يمضي ما صنع ولا يرده لأنه أمضى تنفيلاً مجتهداً فيه وقضاء في المجتهدات نافذ بمنزلة ما لو قضى على الغائب بالبينة فإنه ينفذ قضاؤه لكونه مجتهداً فيه‏.‏

واستدل عليه بحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال‏:‏ بارزت دهقاناً فقتلته فنفلني أميري سلبه‏.‏

فأجاز ذلك عمر رضي الله عنه وقد صح من مذهب عمر رضي الله عنه أنه كان لا يجوز التنفيل بعد الإصابة عل ما روينا من قوله‏:‏ لا نفل بعد الغنيمة‏.‏

فلو كان هو الوالي ما نفل إليه شيئاً بعد الإصابة ولكن لما نفله الأمير وأمضاه أجاز ذلك عمر رضي الله عنه‏.‏

وذكر عن شبر بن علقمة قال‏:‏ بارزت رجلاً من الأعاجم فقتلته فنفلني سعد سلبه‏.‏

ثم رفع ذلك إلى عمر فأمضاه‏.‏

وإذا قال الأمير لأهل العسكر جميعاً‏:‏ ما أصبتم فهو لكم نفلاً بالسوية بعد الخمس فهذا لا يجوز لأن المقصود من التنفيل التحريض على القتال وإنما يحصل ذلك إذا خص البعض بالتنفيل فأما إذا عمهم فلا يحصل به ما هو المقصود بالتنفيل وإنما في هذا إبطال السهمان التي أوجبها رسول الله عليه السلام وإبطال تفضيل الفارس على الراجل وذلك لا يجوز‏.‏

وكذلك إن قال‏:‏ ما أصبتم فلكم ولم يقل‏:‏ بعد الخمس‏.‏

فهذا لا يجوز لأن فيه إبطال الخمس التي أوجبها الله تعالى في الغنيمة‏.‏

وذكر عن مكحول قال‏:‏ لا يصلح للإمام أن ينفل كل شيء إلا الخمس‏.‏

لأنه حق على قوي المسلمين أن يرده على ضعيفهم‏.‏

ومعنى هذا أنه لا ينبغي له أن يقول‏:‏ من أصاب شيئاُ فهو له بعد الخمس‏.‏

لأن التنفيل على هذا الوجه يكون إبطالاً لحق ضعفاء المسلمين‏.‏

وذلك لا يجوز على ما روي أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أرأيت الرجل يكون حامية القوم وآخر لا يقدر على حمل السلاح أيسوى بينهما في الغنيمة فقال عليه السلام‏:‏ وهل تنصرون وترزقون قال‏:‏ والنفل في الأموال كلها من الذهب والفضة وغير ذلك‏.‏

وإذا قال الإمام‏:‏ من قتل قتيلاً فله سلبه‏.‏

فقتل رجل قتيلاً وكان معه دراهم أو دنانير أو فضة سيف أو سوار من ذهب أو قرط ذهب أو منطقة من فضة أو ذهب فذلك كله له‏.‏

وعلى قول أهل الشام لا نفل في ذهب ولا فضة‏.‏

وإنما النفل فيما يكون من الأمتعة فأما في أعيان الأموال فلا‏.‏

والذهب والفضة عين مال فيكون حكم الغنيمة مقرراً فيها‏.‏

وقاسوا هذا بإباحة التناول لكل واحد من الغانمين بقدر الحاجة فإن ذلك يثبت في الطعام والعلف دون الذهب والفضة حتى لو أراد بعضهم أن يرفع الدراهم من الغنيمة فيشتري بها طعاماً لنفسه لم يكن له ذلك ولكنا نقول‏:‏ التنفيل لتحريض على المخاطرة بالروح في قتال العدو‏.‏

وفي هذا المعنى يستوي الأموال بل الذهب والفضة أولى‏.‏

لأنه إنما يخاطر بأعز الأشياء عنده فإذا علم أنه لا يسلم له المال النفيس يمتنع من هذه المخاطرة‏.‏

وقد بينا أن السلب اسم لما يسلب‏.‏

فكل ما يكون مع الحربي إذا قتله فقد استلبه منه‏.‏

ويستحق كل ذلك بمطلق اسم السلب‏.‏

ثم استدل عليه‏:‏ بحديث عمر رضي الله عنه في قصة البراء بن مالك حين قتل مرزيان الزارة‏.‏

وذكر أنه كان عليه منطقة ذهب فيها جوهر فقوم فبلغ ثلاثين ألفاً‏.‏

وقد ذكر قبل هذا أنه كان بلغ أربعين ألفاً فإما أن يقال ثلاثون ألفاً قيمة المنطقة فقط وأربعون قيمة جميع السلب‏.‏

أو يقال ما سبق فوهم من الراوي‏.‏

والصحيح ما ذكر هنا‏:‏ فقد قال في الحديث عن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ بعثنا إلى عمر بالخمس ستة آلاف درهم‏.‏

فبهذا التفسير يتبين أن قيمة السلب كان ثلاثين ألفاً‏.‏

وقد روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم نفل ابن مسعود سيف أبي جهل يوم بدر وكان عليه فضة‏.‏

فدل بهذا على أنه يجوز التنفيل في الذهب والفضة‏.‏

وذكر‏:‏ عن مكحول قال‏:‏ لا سلب إلا لمن أسر علجاً أو قتله‏.‏

ولا يكون السلب في يوم هزيمة أو فتح‏.‏

ويصلح في السلب الثياب والسلاح والمنطقة والدابة وما كان مع العلج بعد هذا فلا سلب فيه ولا سلب في السلعة‏.‏

أما قوله لا سلب إلا لمن أسر علجاً أو قتله فهو كما قال‏.‏

لأن التنفيل إنما يكون باعتبار الجزاء والعناء وإنما يحصل ذلك بالأسر والقتل‏.‏

وأما قوله‏:‏ لا سلب في يوم هزيمة ولا فتح‏.‏

فالمراد به أنه لا ينبغي للإمام أن ينفل الأسلاب من القتلى والأسرى في الهزيمة‏.‏

ولكن ينبغي أن يقول‏:‏ من قتل قتيلاً أو أسر قبل الهزيمة أو الفتح فله سلبه ليتم النظر منه للمسلمين‏.‏

وهذا لأنه لا يحتاج في قتل المنهزم إلى عظيم جزاء وعناء وكذلك بعد الفتح‏.‏

فأما إذا أطلق وقال‏:‏ من قتل قتيلاً فله سلبه ومن أسر أسيراً فهو له‏.‏

فلكل مسلم ما شرط الإمام له سواء كان ذلك منه في حالة الهزيمة أو غيرها لأن اللفظ عام وبمجرد المقصود لا يثبت تخصيص العام بل يجب إجراؤه على عمومه‏.‏

ألا ترى أن المسلمين يوم بدر أسروا كثيراً منهم بعد الهزيمة بل كانت عامة الأسراء بعد الهزيمة‏.‏

ثم سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسرى لمن أسروهم حتى أخذوا فداءهم‏.‏

وأما قوله‏:‏ يصلح من السلب السلاح والثياب والمنطقة والدابة فما كان مع العلج بعد هذا فلا سلب فيه فهو كما قال‏.‏

والمراد أن ما معه مما خلفه في المعسكر ليس عليه ولا على فرسه الذي خرج يقاتل عليه فليس ذلك من السلب لأن السلب اسم لما يسلب منه‏.‏

فإنه يتناول ما معه خاصة مما إذا قتل هو لا يبقى مانع يمنع ذلك من القاتل‏.‏

وهذا غير موجود فيما خلفه في المعسكر فإنهم يمنعون ذلك من القتل‏.‏

فلا يتمكن هو من أخذه بقتل العلج‏.‏

وكذلك إن كان معه بغلة عليها متاعه فليس ذلك من سلبه‏.‏

ويحتمل أن يكون هذا هو المراد بقوله لا سلب في السلعة يعني أنه لا يقود هذا مع نفسه لحاجته إليه في القتال فيكون بمنزلة السلع التي يحملها للتجارة‏.‏

والأظهر أن المراد من قوله‏:‏ لا سلب في السلعة ما يكون معه من المال العين وهذا مذهب أهل الشام لا نأخذ به فأما عندنا ما معه في حقوة فهو من السلب يسلم للقاتل‏.‏

  باب النفل في دار الحرب

قال‏:‏ كل أمير كان في أرض الحرب يلي سرية أو جنداً فله أن ينفل منها أصحابه قبل إصابة الغنيمة‏.‏

وهو في ذلك بمنزلة الإمام لأنه فوض إليه تدبير القتال والتنفيل من تدبير القتال لما بينا أن المقصود به التحريض على القتال‏.‏

فكل أمير في ذلك بمنزلة الإمام‏.‏

ألا ترى أنه إذا أمرهم بشيء في القتال كان عليهم طاعته في ذلك كما تجب طاعة الإمام فيما يأمر به فكذلك في التنفيل هو بمنزلة الإمام‏.‏

ولو أن أمير الشام بعث جنداً إلى أرض الحرب وأمر عليهم أميراً ولم يأذن لأميرهم أن ينفل ولم ينهه عن ذلك فرأى أميرهم أن ينفل جاز تنفيله وإن كره ذلك بعض من تحت رايته لأنه ما أمر بأن يتبع رأيهم وإنما أمروا أن لا يخالفوه فيما يراه صواباً ولأنه ولي القتال فيدخل فيه ما يحصل به التحريض على القتال‏.‏

وإن نهاه الذي وجهه أن ينفل فليس له أن ينفل أحداً شيئاً لأن سبب الإمارة التقليد وهو يقبل التخصيص بمنزلة تقليد القضاء فإنه يقبل التخصيص‏.‏

ولأن إنما صححنا تنفيله قبل النهي بطريق الدلالة فيسقط اعتبارها عند التنصيص بخلافها‏.‏

فإن رضي جميع من معه جاز تنفيله من أنصبائهم بعد رفع الخمس لأن لهم ولاية على أنفسهم وإنما يعمل رضاه في حقهم‏.‏

فأما الخمس حق غيرهم فلا يعمل فيه رضاهم بالتنفيل‏.‏

وإن كره ذلك بعضهم وأذن فيه بعضهم فله أن ينفل من حصص الذين أذنوا له في ذلك‏.‏

لما بينا أن ولايتهم مقصورة على حصصهم دون حصص الباقين ممن كره تنفيله‏.‏

قال‏:‏ ولو أن أمير المصيصة بعث سرية لم يكن له أن ينفل بعضهم على بعض‏.‏

يريد به أنه لا ينبغي له أن ينفل السرية ما أصابوا‏.‏

بخلاف ما إذا دخل الإمام مع الجيش دار الحرب ثم بعث سرية ونفل لهم ما أصابوا فإنه يجوز لأن السرية المبعوثة من المصيصة يختصون بما أصابوا قبل تنفيل الإمام وليس لأهل المصيصة معهم شركة في ذلك‏.‏

فإن المصيصة من دار الإسلام ومن يتوطن في دار الإسلام لا يشارك الجيش فيما أصابوا فليس في هذا التنفيل إلا إبطال الخمس‏.‏

وأما السرية المبعوثة من الجيش في دار الحرب فلا يختصون بالمصاب قبل تنفيل الإمام وإنما هذا التنفيل للتخصيص على وجه التحريض لهم فكان مستقيماً‏.‏

ثم لا ينبغي للإمام أن ينفل أحداً شيئاً إلا ببلاء يبليه‏.‏

وذلك لا يحصل في التنفيل للسرية المبعوثة في دار الإسلام ويحصل في السرية المبعوثة من الجيش في دار الحرب لأنهم دخلوا جميعاً للقتال ثم اختصت السرية بالتقديم في نحو العدو فيكون ذلك إظهار البلاء منهم فإذا نفلهم على ذلك كان صحيحاً بمنزلة التنفيل في السلب للقاتل‏.‏

ألا ترى أنه إذا برز علج من الصف ودعا إلى البراز فقال الأمير‏:‏ من برز إليه فقتله فله سلبه فذلك تنفيل صحيح لأن الذي يبرز إليه يظهر فضل بلاء بصنعه فلا يجوز للأمير أن ينفله على ذلك‏.‏

وكذلك لو حاصروا حصناً فكره القوم التقدم فيقول الأمير‏:‏ من تقدم إلى القتال أو إلى الباب أو إلى حصر الحصن فله كذا‏.‏

فذلك تنفيل مستقيم لما فيه من معنى التحريض والمنفعة للمسلمين‏.‏

وكل من فعل ذلك استحق ما سمي له من المصاب قبل الخمس والقسمة‏.‏

فأما ما ليس فيه منفعة للمسلمين فلا ينبغي فيه التنفيل لأنه لا مقصود فيه سوى إبطال الخمس أو تفضيل الفارس على الراجل وذلك غير صحيح‏.‏

ولو أن أمير العسكر في دار الحرب وجه سريتين بعد الخمس إحداهما يمنة والأخرى يسرة ونفل لإحداهما الثلث بعد الخمس مما يصيبون ولأخرى الربع بعد الخمس فهو جائز لأن التنفيل للترغيب في الخروج وذلك يختلف باختلاف الطريق في القرب والبعد والوعورة والسهولة والخوف والأمن وباختلاف حال المبعوث إليهم في المنعة والقوة والأمير ناظر لهم فيجوز أن يفاوت في النفل بحسب ذلك‏.‏

فإن جاءت كل سرية بمال أخذ الخمس من ذلك ثم أعطوا نفلهم بينهم بالسوية لا يفضل فيه الفارس على الراجل لأن الاستحقاق بالتسمية بخلاف الغنيمة فاستحقاقها باعتبار العناء والقوة وهو بمنزلة تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث والتسوية بين الذكر والأنثى في الوصية‏.‏

ثم ما بقي بعد ذلك يقسم بني أصحاب السريتين والجيش على سهام الغنيمة لأنهم اشتركوا في إحرازها بالدار‏.‏

فإن ذهب رجل ممن بعثه الأمير في سرية الربع مع أصحابه سرية الثلث فأصابوا غنائم ففي القياس لا شيء لهذا الرجل من النفل لأن استحقاق النفل بالتسمية وما سمى الإمام له شيئاً في أصحاب سرية الثلث وهو لم يخرج مع الذين سمى لهم نفلاً معهم فهو قياس ما لو تخلف مع العسكر ولم يخرج أو خرج رجل من العسكر مع أصحاب سرية الثلث ولم يؤمر بالخروج أصلاً فكما لا يستحق هناك النفل فكذلك هنا‏.‏

ولم يبين وجه الاستحسان هنا‏.‏

فقال بعض مشايخنا‏:‏ على طريقة الاستحسان يكون له النفل مع أصحاب سرية الثلث‏.‏

لأن تسمية الإمام لهم ما كان باعتبار أعيانهم بل لتحريضهم على الخروج إلى الطريق الذي وجهوا إليه وقد وجد هذا في حق الواحد‏.‏

والأصح أن للاستحسان فيه وجهاً آخر فسره في آخر الكتاب فنبينه عند ذلك‏.‏

ولو أن الإمام قال‏:‏ من شاء فليخرج في هذه السرية ومن شاء في هذه فلجميع من خرجوا النفل الذي نفلوا لأنهم خرجوا بإذن الإمام فبهذا تبين ضعف الاستحسان الذي ذكرنا في المسألة الأولى لأن فيه تسوية بين ما إذا عين الإمام للخروج قوماً في كل جانب وبين ما إذا لم يعين وجعل الأمر مفوضاً إلى رأيهم‏.‏

ولو بعث سرية وعليهم أمير ونفلهم الثلث بعد الخمس ثم إن أمير السرية نفل قوماً نفلاً لفتح الحصن أو للمبارزة ولم يكن أمره الأمير بذلك فإن نفل أمير السرية يجوز من حصة السرية من النفل ومن سهامهم بعد النفل ولا يجوز من سهام أهل العسكر مما أصابوا لأنه أمير على السرية فهو في حق العسكر بمنزلة واحد من أصحاب السرية فلا ينفذ تنفيله عليهم‏.‏

وهو في حق السرية بمنزلة أمير العسكر فيجوز تنفيله فيما هو حقهم وحقهم ما نفل هلم وما يصيبهم من السهام بالقسمة فينفذ تنفيل أميرهم من ذلك خاصة‏.‏

ولو أن السرية لما بعدوا من العسكر مسيرة يوم فقدوا رجلاً منهم‏.‏

فقالوا لبعضهم‏:‏ أقيموا على صاحبنا هاهنا‏.‏

وبعضهم ذهبوا حتى أصابوا غنائم ورجعوا إلى أصحابهم وقد وجدوا الرجل كانوا شركاء كلهم في النفل لأنهم فارقوا المعسكر جملة وأحرزوا المصاب بالمعسكر جملة فكانوا شركاء في النفل بمنزلة ما لو باشر القتال بعضهم والبعض كانوا رداءاً لهم وهذا لأن إحراز المصاب بالمعسكر في استحقاق النفل بمنزلة الإحراز بدار الإسلام في استحقاق السهم‏.‏

ولو وقعت هذه الحادثة لبعض العسكر في دار الحرب ثم اجتمعوا عند إحراز الغنائم بدار الإسلام كانوا شركاء في الغنيمة فهذا مثله‏.‏

وعلى هذا لو أصاب الرجل المفقود غنائم والذين قاموا لانتظاره غنائم والسري كذلك‏.‏

ثم التقوا قبل أن ينتهوا إلى المعسكر فلهم النفل من جميع ذلك بينهم بالسوية كما لو لم يتفرقوا لأنهم اشتركوا في إحراز المصاب بالمعسكر‏.‏

ولو لم يلتقوا حتى أتى كل فريق المعسكر فلكل فريق النفل مما أصاب خاصة لأنه تفرد بإحراز ذلك بالمعسكر‏.‏

والإمام إما نفل نفل لهم الثلث مما أصابوا فذلك يتناول كل فريق منهم‏.‏

ثم الباقي يكون بينهم وبين أهل العسكر على سهام الغنيمة‏.‏

وعلى هذا لو أن السرية بعد ما بعدت من المعسكر تفرقوا سريتين وبعدت إحداهما عن الأخرى بحيث لا تقدر إحداهما على عون الأخرى فإن التقوا قبل أن ينتهوا إلى المعسكر كان لهم النفل في جميع ذلك بينهم بالسوية‏.‏

بمنزلة ما لو كانوا مجتمعين حين أصابوا‏.‏

وإن لم يلتقوا حتى أتى كل فريق المعسكر فلكل فريق النفل مما أصابوا خاصة وكذلك لو التقوا في مكان دون المعسكر بحيث يراهم أهل المعسكر لو قوتلوا لنصروهم وما لو التقوا في المعسكر سواء لأن ما قرب من المعسكر بمنزلة جوف المعسكر فهذا على معنى أن إحراز المصاب بالمعسكر يحصل بالاتصال إلى ذلك الموضع وقد تفرد به كل فريق‏.‏

قال‏:‏ ولو أن هذه السرية حين بعدوا من المعسكر وأصابوا غنائم لم يقدروا على الرجوع إلى المعسكر فخرجوا إلى دار الإسلام من موضع آخر ولم يلتقوا مع أهل العسكر‏.‏

فالغنيمة كلها لهم يخمس ما أصابوا والباقي بينهم على سهام الغنيمة دون أهل العسكر لأنهم تفردوا بالإحراز بدار الإسلام وهو سبب تأكد الحق‏.‏

فإن قالوا‏:‏ سلم لنا نفلنا أولاً لم يسلم لهم ذلك لان الغنيمة لما صارت لهم كلها بطل التنفيل بمنزلة ما لو كانوا دخلوا من أرض الإسلام‏.‏

ولو أن الإمام بعث سرية من دار الإسلام فنفل لهم الثلث بعد الخمس أو قبل الخمس كان هذا التنفيل باطلاً لأنه ما خص بعضهم بالتنفيل ولا مقصود من هذا التنفيل سوى إبطال الخمس وإبطال تفضيل الفارس على الراجل‏.‏

وذلك لا يجوز‏.‏

بخلاف ما إذا التقوا في دار الحرب‏.‏

ففي التنفيل هناك معنى التخصيص لهم لأن الجيش شركاؤهم في الغنيمة ففي التنفيل يخصهم ببعض المصاب وذلك مستقيم‏.‏

ولو أن السرية أصابت الغنائم في موضع كان أهل العسكر فيه ردءاً لهم يقدرون على أن يغيثوهم إذا استغاثوا ثم خرجوا بالغنيمة إلى دار الإسلام قبل أن يأتوا المعسكر فأهل المعسكر شركاؤهم في المصاب لأنهم اشتركوا في الإصابة حكماً حين كانوا ردءاً لهم وقت الإصابة بخلاف الأول‏.‏

وإذا ثبتت الشركة بينهم فلأصحاب السرية نفلهم بمنزلة ما لو رجعوا بالمصاب إلى العسكر وهو بمنزلة المدد يلحق الجيش بعد الإصابة فإنهم يشتركون في المصاب‏.‏

وإن كان المدد لم يلحق الجيش ولم يقربوا منهم حتى خرجوا فلا شركة لهم في المصاب‏.‏

وإن قربوا منهم بحيث لو استغاثوا بهم أغاثوهم ثم خرج الجيش قبل أن يجتمعوا فلهم الشركة في المصاب لأنهم حين قربوا منهم فكأنهم خالطوهم في الحكم وإنما حصل الإحرز بقوة الجماعة‏.‏

قال‏:‏ ولو أن أمير السرية المبعوثة من العسكر في دار الحرب نفل قوماً ما صعدوا الحصن بالسلاليم حتى فتحوه فنفله جائز في حصة أصحاب السرية كما بينا‏.‏

وإن لم ترجع السرية إلى المعسكر حتى خرجوا إلى دار الإسلام جاز نفل أميرهم في جميع ما أصابوا لأنه لا شركة لهم لأهل العسكر معهم في المصاب وإنما الحق لهم خاصة‏.‏

ونفل الأمير جائز عليهم وقد يبطل نفل أمير العسكر لهم لفوات ما هو المقصود بالتنفيل حتى اختصوا بالسرية في المصاب دون العسكر‏.‏

فإن قيل‏:‏ كان ينبغي أن يجوز تنفيل أمير السرية في جميع المصاب وإن رجعوا إلى العسكر لأنهم لو لم يرجعوا كان المصاب لهم خاصة وإنما يثبت للعسكر الشركة معهم بالرجوع وقد سبق تنفيله الرجوع إليهم فلا يتضمن هذا التنفيل إبطال حق ثابت لهم‏.‏

قلنا‏:‏ هم لا يستحقون الشركة بالرجوع إليهم خاصة بل إذا رجعوا إليهم كانوا بمنزلة الردء لهم فكأنهم لم يزالوا معهم‏.‏

وبهذا يتبين أن الحق كان ثابتاً لهم ولو كان الاستحقاق بالرجوع إليهم لما استحقوا إلا أن يلقوا قتالاً فيقاتلوا عن الغنيمة بمنزلة التجار والأسراء من المسلمين‏.‏

والذين أسلموا في دار الحرب إذا التحقوا بالجيش بعد الإصابة لم يستحقوا الشركة إلا أن يلقوا قتالاً‏.‏

وهاهنا لما استحقوا عرفنا أن الطريق فيه ما ذكرنا‏.‏

وعلى هذا لو بعث الإمام سرية من دار الإسلام ونفل لهم الثلث وقال‏:‏ تقدموا حتى نلحقكم فأصابوا غنائم ثم تبعهم العسكر فإن التقوا في دار الحرب فلهم النفل وإن لم يلتقوا بدار الحرب بأن أخطأ العسكر الطريق أوبدا للإمام أن لا يبعث أهل العسكر فلا شيء لأصحاب السرية من النفل لأن المصاب غنيمة لهم خاصة‏.‏

وإذا التقوا في دار الحرب فالمصاب بينهم وبين العسكر فيحصل ما هو المقصود بالتنفيل فلهذا استحقوا نفلهم‏.‏

وهذا بناء على مذهبنا وأما على قول أهل الشام فلا نفل للسرية الأولى المبعوثة من دار الإسلام‏.‏

ويروون فيه أثراً بهذه الصفة‏.‏

وتأويله عندنا‏:‏ لا نفل للسرية المبعوثة من دار الإسلام إذا لم يلتحق بهم الجيش في دار الحرب لأن في هذا التنفل إبطال الخمس وإبطال تفضيل الفارس على الراجل‏.‏

ولو قال الإمام لهم‏:‏ لا خمس عليكم فيما أصبتم أو الفارس والراجل سواء‏.‏

فيما أصبتم كان ذلك باطلاً منه فكذلك كل تنفيل لا يفيد إلا ذلك‏.‏

فإن قيل‏:‏ أليس أن في قول الأمير‏:‏ من قتل قتيلاً فله سلبه إبطال الخمس عن الأسلاب ومع ذلك كان مستقيماً قلنا‏:‏ هناك المقصود بالتنفيل التحريض على القتال أو تخصيص القاتلين بإبطال شركة أهل العسكر عن الأسلاب ثم تثبيت إبطال حق أرباب الخمس عن خمس الأسلاب تبعاً وقد يثبت تبعاً ما لا يثبت مقصوداً بمنزلة الشرب والطريق في البيع والوقوف في المنقول يثبت تبعاً للعقار وإن كان لا يثبت مقصوداً‏.‏

والذي يوضح هذا أن الإمام لو ظهر على بلدة من بلاد أهل الحرب كان له أن يجعلها خراجاً ويبطل منها سهام من أصابها والخمس‏.‏

ولو أراد أن يقسم أربعة أخماسها بين الغانمين ويجعل حصة الخمس خراجاً للمقاتلة الأغنياء لم يكن له ذلك لأنه ليس في هذا الإبطال الخمس مقصوداً وذلك لا يجوز‏.‏

وفي الأول إبطال الخمس يثبت تبعاً لإبطال حق الغانمين في الغنيمة فيجوز وإن كان في الموضعين يخلص المنفعة للمقاتلة‏.‏

ولو قال الإمام للسرية المبعوثة من أرض الإسلام‏:‏ من قتل قتيلاً فله سلبه ومن أصاب منكم شيئاً فهو له دون من بقي نم أصحابه كان هذا جائزاً لأن في هذا التنفيل معنى التخصيص‏.‏

فإن المقاتل والمصيب يختص بالنفل ويحصل به معنى التحريض‏.‏

بخلاف ما إذا نفل لهم الثلث لأنه ليس في ذلك التنفيل تخصيص البعض ولا إبطال حق أحد من الغانمين‏.‏

ولو بعث الإمام رجلاً أو رجلين من أرض الإسلام لقتال وأصابوا غنائم خمس ما أصابوا لأنهم أصابوا على وجه إعزاز الدين فإنهم حين خرجوا بإذن الإمام كانوا ظاهرين بقوة الإمام فعلى الإمام أن يمدهم إذا حزبهم أمر فلهذا يخمس ما أصابوا بخلاف ما يصيب المتلصص الخارج بغير إذن الإمام‏.‏

ولو قال الإمام لهم‏:‏ ما أصبتم فهو لكم على سهامكم ولا خمس فيه فهو جائز‏.‏

بخلاف ما إذا كانوا أهل منعة‏.‏

فقال لهم الإمام ذلك فإنه لا يجوز لأن الذين لا منعة لهم إنما يثبت الخمس فيما أصابوا باعتبار إذن الإمام‏.‏

فللإمام أن يبطل بقوله ما كان وجوبه باعتبار قوله‏.‏

فأما وجوب الخمس فيما أصابوا أهل المنعة فلم يكن بإذن الإمام فإنهم لو خرجوا مغيرين بغير إذنه خمس ما أصابوا لأنهم إذا كانوا أهل منعة فمعنى إعزاز الدين يحصل بقتالهم فإن كانوا خرجوا بغير إذن الإمام فلا يجوز أن يسقط حق أرباب الخمس من مصابهم بإسقاط الإمام أيضاً‏.‏

وهذا المعنى وهو أن الإمام هناك كالمبين لهم بقوله‏:‏ لا خمس عليكم أنه لا يريد أن يمدهم وأن يغيثهم إذا استغاثوا به فالتحقوا في ذلك بالمتلصصين وانعدم به السبب الذي كان يجب الخمس لأجله في مصابهم‏.‏

وفي حق أهل المنعة لم ينعدم السبب بقول الإمام لأن السبب قوتهم ومنعتهم وذلك باق بعد قول الإمام‏:‏ أبطلت الخمس عنكم‏.‏

ولو بعث الإمام سرية في دار الحرب ونفلهم الربع بعد الخمس كان جائزاً‏.‏

وكان ينبغي على قياس ما تقدم أن لا يجوز لأن في هذا التنفيل تخصيص حق أهل العسكر بالإبطال دون حق أرباب الخمس‏.‏

وإذا كان لا يجوز تخصيص حق أرباب الخمس بالإبطال بسبب التنفيل فكذلك ينبغي أن لا يجوز تخصيص حق أهل العسكر بالإبطال ولكن الفرق بينهما أن أرباب الخمس يستحقون بغير قتال ولا عناء من جهتهم فلا يجوز إبطال حقهم إلا تبعاً لحق المقاتلة‏.‏

وأما المقاتلة فإنما يستحقون أربعة الأخماس بالعناء والقتال فيجوز أن يخص بعضهم بشيء قبل الإحراز لفضل عناء كان منه وإن كان فيه إبطال حق الباقين‏.‏

ولو بعث الإمام سرية في دار الحرب وقال‏:‏ لكم مما أصبتم الربع بعد الخمس وبعث سرية أخرى وقال‏:‏ لكم الثلث بعد الخمس‏.‏

فضل رجل من كل سرية الطريق ووقع مع السرية الأخرى فذهب معهم‏.‏

وأصابت كل سرية الغنائم ثم لم يلتقوا حتى انتهوا إلى العسكر‏.‏

فإن ما أصابت كل سرية يقسم على رءوسهم ويدخل فيهم الرجل الذي التحق بهم على قدر ما جعل لهم الإمام في الاستحسان‏.‏

وهذا الذي بينا أنه الوجه الصحيح من الاستحسان فيما سبق‏.‏

فإن كان ممن جعل له الإمام الثلث أخذ الثلث من حصته وإن كان ممن جعل له الربع أخذ الربع وكان ما بين الربع إلى الثلث من نصيبه غنيمة لجماعة المسلمين‏.‏

يعني أهل العسكر لأن نفل كل واحد منهم في المصاب فيجعل فيما يستحقه كل واحد منهم كان شركاؤه كانوا في مثل حاله في حكم النفل حتى إذا كانت كل سرية مائة رجل قسم مصاب كل سرية على مائة سهم ليتبين مصاب كل واحد منهم فيأخذ نفله من جزئه ثلثاً كان أو ربعاً ثم الباقي يكون غنيمة‏.‏

وإن لحق رجل من إحدى السريتين بالأخرى خاصة قسم مصابهم على مائة سهم وسهم لأن عددهم مائة و واحد‏.‏

فتكون القسمة على عدد رءوسهم‏.‏

ثم يأخذ الرجل اللاحق بهم من جزئه ما كان سمى الإمام له من النفل لأن استحقاقه بالتسمية ولكن عند الإصابة إنما يستحق من جزئه بالنفل مقدار ما سمى له ولا يلتفت إلى نفل الذين كانوا معه لأن الإمام فرق بينهم في التسمية ولا يجوز أثبات المساواة بينهم في المستحق بالتسمية‏.‏

فإن التقت السريتان قبل أن يقربوا من المعسكر فالجواب فيه على ما بينا إلا في خصلة واحدة‏.‏

وما أصاب اللاحق بالسرية من النفل ضمه إلى نصيب أصحابه الذين كان أخرجه الإمام معهم فاقتسموا نفلهم بالسوية على ما كان جعل لهم الإمام وإن لم تصب تلك السرية شيئاً دخلت معه في نفله‏.‏

لما بينا أن الإحراز بالمعسكر هنا حصل بهم جميعاً فكأنهم اشتركوا في الإصابة‏.‏

وهو نظير ما لو ضل رجل منهم الطريق فذهب وحده فأصاب غنيمة ولم تصب السرية شيئاً ثم التقوا قبل أن ينبهوا إلى المعسكر فإنهم يدخلون معه في النفل‏.‏

بمنزلة ما لو أصابوه جميعاً‏.‏

ولو لم يلقوه حتى انتهوا إلى المعسكر كان النفل له خاصة‏.‏

ولو أن السريتين أصابتا الغنيمة وهما متقاربتان بحيث يغيث بعضهم بعضاً إلا أن كل سرية أصابت غنيمة على حدة لم يدخل بعضهم في نفل بعض لأن استحقاق النفل بالتسمية‏.‏

الا ترى أن الغمام لو سمى النفل لبعض السرية خاصة لم يكن للباقين معهم شركة في ذلك وإن شاركوهم في الإصابة حقيقة‏.‏

فكذلك هاهنا‏.‏

وإن شاركت إحدى السريتين الأخرى في الإصابة حكماً باعتبار القرب لم يكن للبعض أن يدخل في نفل البعض‏.‏

ألا ترى أن السريتين لو قاتلتا في موضع يقدر أهل العسكر على أن يعينوهما لم يكن لأهل العسكر معهم شركة في النفل باعتبار هذا القرب فكذلك الحكم فيما بين أهل السريتين‏.‏

ولكنهم لو أصابوا جميعاً غنيمة واحدة قسمت على عدد رءوسهم ليتبين محل النفل لكل سرية فإن محل النفل ما أصابت‏.‏

وإنما يتبين مصاب كل سرية بهذه القسمة‏.‏

ثم تأخذ كل سرية نفلها مما أصابها والباقي بينهم وبين جميع أهل العسكر‏.‏

وقد بينا أن في النفل يستوي الفارس والراجل‏.‏

إلا أن يكون الأمير بين لهم بأن يقول‏:‏ لكم الربع بعد الخمس للفارس منكم سهم الفارس وللراجل سهم الراجل لأن الاستحقاق باعتبار التسمية‏.‏

فإذا فضل بعضهم على بعض في التسمية ثبت الاستحقاق بتسميته وإذا لم يفضل ثبت الاستحقاق لهم بالسوية ولا يقال‏:‏ وإن لم يبين الإمام فينبغي أن يكون الاستحقاق لهم على هذا بناء على الاستحقاق الثابت لهم من الغنيمة لأن كل واحد منهما يستحق بسبب القتال وهذا لأن النفل غير الغنيمة فإن هذا شيء رضخ لهم الإمام باعتبار جزائهم وعنائهم‏.‏

ومن أصلنا أن المطلق لا يحمل على المقيد في حكمين مختلفين وإن كانا في حادثة واحدة فلا يجوز أن يجعل التقييد في الغنيمة بمنزلة التقييد في النفل ولكن يعتبر في النفل إطلاق التسمية فيكون بينهم بالسوية‏.‏

ألا ترى أنه لو قال‏:‏ من قتل قتيلاً فله سلبه فاعتور القتيل فارس وراجل حتى قتلاه كان سلبه بينهما نصفين ولو قال الأمير لقوم من أهل الذمة بعثهم سرية‏:‏ لكم الربع مما أصبتم فكان فيهم فرسان ورجالة كان الربع بينهم بالسوية وكذلك في حق المسلمين‏.‏

فإن قال قائل‏:‏ ليس لأهل الذمة سهام معروفة ليعتبر النفل بها بخلاف المسلمين‏.‏

قلنا أرأيتم لو بعث الإمام سرية فيها مائتا رجل‏:‏ مائة مسلمون ومائة من أهل الذمة ونفلهم الربع‏.‏

فإن قسم النفل بينهم فجعل لأهل الذمة نصفه بينهم بالسوية وللمسلمين نصفه وفضل فيه الفارس على الراجل كأن الراجل من أهل الذمة قد أخذ أكثر مما يأخذ راجل المسلمين وقد عملا عملاً واحداً وأجزيا جزاء واحداً فأي فعل يكون أقبح من هذا‏.‏

فكأنه أشار في هذا إلى مخالف له في هذه المسألة‏.‏

ولكن لم يبين من المخالف والأشبه أن يكون المخالف له من يقول بأن المطلق يحمل على المقيد وإن كانا في حادثين‏.‏

وقد بيناه في أصول الفقه والله أعلم بالصواب‏.‏