فصل: باب الحبيس في سبيل الله

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح السير الكبير **


  باب الحبيس في سبيل الله

قال محمد - رحمه الله تعالى -‏:‏ لا بأس بأن يحبس الرجل فرسه وسلاحه في سبيل الله فيقول‏:‏ ذلك حبيس على من غزا ويدفعه إلى رجل يقوم بذلك ويعطيه من احتاج إليه وذلك لأن هذا من القرب ومن وقوف السلف من الصحابة نحو عمر وعلي وعبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنهم - ومن التابعين إبراهيم النخعي وعامر الشعبي - رحمه الله عليهم - هؤلاء كلهم حبسوا في سبيله ثم هذا على قول محمد - رحمه الله تعالى - لا يشكل فإن عنده وقف المنقول جائز سواء جرى العرف فيه أو لم يجر كوقف غير المنقول وكذلك جائز عند أبي يوسف - رحمه الله تعالى - لأن عند أبي يوسف وقف المنقول باطل إلا ما جرى العرف فيه وهو قد جرى العرف من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم والتابعين - يحبس السلاح والكراع فيجوز عنده حبس الكراع والسلاح وما عدا ذلك لا يجوز وأما عند أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - الحبس ليس بشيء فإن فعل ذلك فإن ملكه لا يزول بالحبس حتى أن له أن يبيعه إن شاء وإن مات يورث عنه فيكون الحبس على معنى العارية وإباحة الانتفاع كسائر الوقوف على مذهبه ثم على قول محمد - رحمه الله تعالى - لا يصير حبساً إلا بالتسليم وهو إلى قيم إلى متولي الغزاة أو بنصب واحد يقوم به فيسلمه إلى رجل منهم بريد الغزو فيدفعه إليه أو إلى قيم الأوقاف فيزيل يده عنه لأن عنده التسليم شرط في الوقوف كما في سائر الأوقاف وعند أبي يوسف - رحمه الله - التسليم ليس بشرط لصحة الوقف ولكن الإشهاد يكفي فكذلك التسليم في الحبس ليس بشرط ثم إن فعل ذلك في صحته كان من جميع ماله لأن تبرعات الصحيح من جميع المال وإن فعل ذلك في مرضه أو أوصى بعد موته كان ذلك من ثلث ماله كسائر تبرعاته لأن التبرع في المرض وصية والوصية تعتبر من الثلث قال محمد - رحمه الله -‏:‏ وإذا جعل الرجل حبيساً في سبيل الله فلا بأس بأن يسمه حبيساً لفلان ابن فلان حتى إن ضل أو سرقه سارق رد على صاحبه وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكان يسم إبل الصدقات بيده وروي عن عمر - رضي الله تعالى عنه - أنه وسم بيده حتى روي أنه حبس ثلاثين ألف بعير وثلاثمائة فرس موسوماً في أفخاذهن حبيس في سبيل الله وروي عن عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - من عنده وقد وسمت في أفخاذهن عدة الله ولأن السمة وإن كان فيها إيلام الحيوان ففيها منفعة للمسلمين لأنه إذا كان عليها سمة لا يقصد أحد غصبها ولا يرغب في سرقتها ولو ضلت عرفت بالسمة فترد على صاحبها ولا بأس بإيلام الحيوان لمنفعة المسلمين خصوصاً إذا كان أمراً من أمور الدين ومنهم من يقول‏:‏ هذا على قولهما لأن عندهما الإشعار في باب المناسك لا يكره فكذلك السمة وأما على قول أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - الإشعار يكره فكذلك السمة مكروهة لأنها مثلة ثم السمة وإن كانت في موضع تتمرغ بها الدابة فلا بأس بذلك لأن قصد صاحبها بالسمة الله المعرفة لا التهاون باسم الله تعالى فلم يكن به بأس وهذا يبين لك الجواب في مسألة أخرى وهو أن الرجل إذا كان له خاتم مكتوب عليه اسم من أسماء الله تعالى فإن جواب العلماء أنه يكره له أن يدخل الخلاء والخاتم في أصبعه أو أن يأتي أهله معه بل الواجب عليه أن ينزعه من أصبعه تعظيماً لاسم الله تعالى وفيما ذكر ها هنا دليل على أنه لا يكره أن يدخل الخلاء أو أن يأتي أهله وهو متختم بذلك بالخاتم ولكن جواب العلماء ما بيناه عن سليمان ابن يسار أنه كان لا يرى بالبدل بالحبيس بأساً ويكرهه من غير علة وعن الحسب البصري - رضي الله تعالى عنه - أنه كان لا يرى بالبدل بالحبيس بأساً ويكرهه من غير علة إذا مرض فأما إذا كان بغير علة فإنه يكره استبداله لأن الذي حبسه رضي بحبسه لا باستبداله وأما إذا كان بعلة فإن كانت العلة مما يتوهم زوالها نحو المرض فإنه يكره له أن يبدل عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - وعند أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - لا يكره لأن الحبس عند لازم حتى كان لصاحبه أن يبيعه فلما كان لصاحبه أن يبيعه والرجوع فيه فكذلك الاستبدال وأما عندهما الحبس لازم ولو شاء صاحبه أن يبيعه بعدما مرض لا يكون له ذلك فكذلك لا يكون لغيره وهكذا روي عن مكحول أنه قال‏:‏ لا تبيعوا شيئاً من حبيس الدواب ولا تستبدلوها فلا يجوز استبدالها إلا إذا كانت العلة بحيث لا يتوهم زوالها بأن صار بحال لا يستطاع حبيساً مكانه إن قدر على ذلك وإن لم يقدر عليه يغزي بذلك الثمن عن صاحبه لأن مقصود صاحبه هو القتال عليه وإذا صار بحال لا يستطاع القتال عليه لو لم تجز المبادلة في هذه الحالة أدى إلى تفويت غرض صاحبه فلا يكون بالمبادلة بأس وروي عن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - أنه قال‏:‏ لا بأس باستبدال الوقف لما روي عن علي - رضي الله تعالى عنه - أنه وقف على والديه الحسن والحسين - رضي الله تعالى عنهما - فلما خرج إلى صفين قال‏:‏ إن نأت بهم الدار بيعوه واقسموا ثمنه بينهم ولم يكن شر البيع في أصل الوقف ثم أمر بالبيع والله الموفق‏.‏

والحبس في الحياة والصحة قال محمد - رحمه الله تعالى -‏:‏ إذا أوصى الرجل فقال‏:‏ ثلث مالي وصية في سبيل الله ثم مات فثلث ماله في سبيل الله كما أوصى لأنه أوصى بثلث ماله في طاعة الله تعالى والوصية في طاعة الله جائزة ويعطي الثلث أهل الحاجة لأن المال في سبيل الله يكون صدقة الصدقة مصرفها الفقراء وأهل الحاجة ثم يعطي أهل الحاجة ممن يغزو في سبيل الله لما قلنا‏:‏ إن عند الإطلاق في سبيل الله يراد به الجهاد فيصرف إلى أهل الحاجة من الغزاة والمجاهدين ويعي كل رجل منهم ما يقويه لأن التصدق على المسكين إذا وجب فإنه لا ينقص من قوت اليوم لأن الغناء لا يقع بدونه ولهذا يجب في كفارة اليمين أن يطعم كل مسكين مقدار قوت يومه وذلك نصف صاع من الحنة فإن أحبوا زادوه على ذلك لأنه محل ينصرف الجميع إليه فيكون محلاً لصرف الزيادة ألا ترى‏:‏ أنه لو أوصى بثلث ماله للفقراء فصرف الكل إلى فقير واحد جاز عند أبي يوسف - رحمه الله تعالى - وعند محمد - رحمه الله تعالى - لا يجوز إلا أن يصرف إلى الاثنين ولو دفع زكاة المال كله إلى فقير واحد جزأه فثبت أن لواحد محل لصرف الكل إليه فكان محلاً لصرف الزيادة إليه فإن الزيادة على القوت يكون ما يأخذ له لأن الصدقة في سبيل الله تمليك ألا ترى أن الله تعالى جعل الصدقة المفروضة في سبيل الله وتلك الصدقة شر صحتها التمليك كذلك ها هنا والصدقة تملك بالقبض فإذا قبض صارت له فإن خلف لنفقة أهله من تلك الدراهم جاز وإن قضى بها حوائجه جاز لأنه تصرف في ملك نفسه لكن الأفضل أن يخرج بها في سبيل الله تحصيلاً لمراد الميت فإن خرج بها في سبيل الله ثم رجع وفي يده من المال شيء فهو له لأنه لو لم يخرج به إلى الجهاد كان له فإذا رجع وبقي فضل بعد رجوعه كان له لأنه فضل عن ملكه وإن مات يورث عنه قال‏:‏ ولا ينبغي أن يعطي منه غنياً يغزو به في سبيل الله لما قلنا‏:‏ إن الثلث في سبيل الله صدقة وصرف الصدقة محلها الفقراء دون الأغنياء دليله الزكاة وسائر الصدقات قال‏:‏ وكذلك الرجل إذا جعل في حياته وصحته ماله في سبيل الله فإنه ينبغي أن يتصدق بجميع ماله ويمسك ما بقوته فإذا أفاد مالاً تصدق بمثل ما كان أمسك وذكر في كتاب الهبة إذا قال الرجل‏:‏ مالي في المساكين صدقة يلزمه التصدق بمال الزكاة من السوائم ومال التجارة ولا ينصرف إلى ما سواه من رقيقه وعقاره فمنهم من قال‏:‏ ما ذكر ها هنا جواب القياس وما ذكر في الهبة جواب الاستحسان ومنهم من قال‏:‏ اختلاف الجواب لاختلاف الموضوع فموضوع مسألة الهبة أنه قال‏:‏ مالي صدقة في المساكين فالصدقة كانت في لفظة نصاً وذكر المال عند إيجاب الصدقة يراد به مال الزكاة وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً‏}‏ التوبة‏:‏ 103 والمراد منه مال الزكاة وموضوع المسألة ها هنا أنه قال‏:‏ مالي في سبيل الله فليس في لفظه ذكر الصدقة نصاً وليس لهذا الإيجاب أصل في كتاب الله تعالى ليعتبر به فيصرف إلى كل ما يقع عليه اسم المال ومنهم من قال‏:‏ بأن بين المسألتين اختلافاً في الرواية وهو أنه أضاف الإيجاب إلى ماله فينصرف إلى كل ما يقع عليه اسم المال واسم المال يقع على غير مال الزكاة من الرقيق والعقار قال صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ من ترك مالاً فلورثته ثم انصرف ذلك إلى أنواع مال الميت وكذلك لو قال‏:‏ أوصيت بثلث مالي لفلان أو للمساكين كان له الثلث من كل مال فإذا كان اسم المال يقع عليه تناول الإيجاب فيلزمه التصدق بجميع ماله ووجه رواية كتاب الهبة وهو أن هذا الإيجاب إيجاب الصدقة بماله فيعتبر بإيجاب الله تعالى للصدقة في مال عباده وذلك ينصرف إلى مال الزكاة فكذلك ها هنا انصرف إلى مال الزكاة ثم في هذه الرواية يمسك ما يقوته لأنه لو لم يمسك قوته لاحتاج إلى السؤال وليس للإنسان أن يعرض نفسه للسؤال ولأنه إذا تصدق بجميع ماله يحل له التناول من مال غيره فلأن يتناول من مال نفسه كان أولى فإذا أفدا مالاً مثل ما كان أمسك تصدق بذلك القدر لأن ذلك القدر صار مال الفقراء وكان الواجب عليه الصرف إليهم فإذا أتلفه صار ديناً عليه فيجب قضاؤه ثم المشايخ قالوا في قدر قوته الذي يمسك فإن كان الرجل زارعاً يمسك قوت سنة لأن الظاهر أن يده لا تصل إلى ما يقوته إلا بعد سنة وإن كان الرجل تاجراً يمسك قوت شهر لأن التاجر يأكل من ربحه ولا يربح في كل يوم ولكن في الغالب لا يمضي شهر إلا ويربح وإن كان الرجل معاملاً يمسك قوت ثلاثة أيام لأنه قد يستعمل في يوم وقد لا يستعمل في يوم ولكن في الظاهر لا يمضي أكثر من ثلاثة أيام إلا ويستعمل ولو قال‏:‏ جميع ما أملك في المساكين صدقة ففيه روايتان في رواية يجب عليه أن يتصدق بجميع ما كان يملك من ماله وفي رواية ينصرف إلى مال الزكاة وقد مر الوجه في رواية كتاب الهبة ثم يعطي ماله المحتاجين ممن يغزو في سبيل الله لما قلنا وإن أعطاه المساكين ممن لا يغزو أجزأ ذلك لأن الصدقة على المساكين الذين لا يغمزون طاعة وقد ذكرنا أن كل طاعة من سبيل الله وإن مات قبل أن ينفذ كان ميراثاً عنه وليس عليهم أن ينفذوا من ذلك شيئاً إلا أن يشاءوا ذلك لأن الصدقة المنذورة لا تكون أفضل من الصدقة المفروضة ولو مات وعليه زكاة تسقط بموته ولا تصير ديناً في التركة فهذا أولى والمعنى في ذلك أن الصدقة لا تصير ملكاً للفقراء إلا بالقبض فما لم يقبض وينفذ فهي باقية على ملك الميت فتصير ميراثاً عنه ثم الورثة ملكوا المال إرثاً فلا يجب عليهم التنفيذ من مالهم قال‏:‏ ولو أن رجلاً أوصى عند موته فقال‏:‏ غزوا عني غزوة أو قال‏:‏ اغزوا عني بثلث مالي فإذا قال‏:‏ اغزوا عني غزوة وأعطى رجلاً نفقة غزوة يغزو بها لا يملك الذي يغزو بها ذلك المال لأنه قال‏:‏ اغزوا عني والغزو عنه إنما يكون إذا غزا بماله فينفق ماله في الغزو وليصل إليه ثواب النفقة في الغزو فلو ملك الغازي ذلك المال الغزو عن الغازي لا عن الآمر ألا ترى‏:‏ أنه إذا قال‏:‏ احجوا عني رجلاً حجة من مالي فأعطي رجلاً نفقة الحج فإن الحاج لا يملك تلك النفقة ولكن يملك الإنفاق في طريق الحج لا غير حتى يقع الحج عن المحجوج عنه فكذلك ها هنا ولكن يعي أدنى ما يكون من نفقة الغزو فيغزو عنه لأن ذلك القدر متيقن والزيادة على ذلك ملك الورثة فلا يغزو من مال الورثة ألا ترى أن في الوصية بالحج يعطى الحاج أدن ما يكون من نفقة الحج كذا هذا يعطى أدنى ما يكون من نفقة الغزو ولا ينفق شيئاً من تلك النفقة على أهله ولا ينفقها إلا على نفسه لأنه لم يملك النفقة ليصرفها إلى حيث شاء وإنما أمره بالإنفاق في الغزو عنه فلا ينفقها في غير ما أمر كالحاج عن الغير لا ينفق المال إلا على نفسه في طريق الحج فكذلك ها هنا قال‏:‏ وله أن ينفق على نفسه راجعاً ألا ترى أن الحاج عن الغير ينفق ذاهباً وراجعاً فكذلك ها هنا فإن فضل شيء من النفقة رده على الورثة لأنه لم يملك المال بالقبض إنما كان له حق الصرف إلى نفقة الغزو وقد انقضى أمر الغزو فهذا فضل مال الميت فيرده إلى ورثته ألا ترى أن الحاج عن الغير يرد فضل النفقة إلى ورثة المحجوج عنه فكذلك ها هنا إلا أن يسلم له الورثة فحينئذ يكون له وإن قال‏:‏ اغزوا عني بثلثي في سبيل الله أعطى ثلثه من يغزو في سبيل الله يعطون نفقاتهم ويشتري لهم الخيل لأنه أوصى بجميع ثلثه في نفقة الغزو فيصرف جميع ذلك إليه بخلاف الأول فإنه أوصى بغزوة واحده فلا يعي إلا نفقة غزوة واحدة ويشتري لهم الخيل لأن أمر الغزو يلتئم بالخيل‏.‏

ألا ترى أن في الوصية بالحج بثلث ماله يشتري للحاج بعيراً يركبه كما أن سفر الحج يقطع بالبعير فكذلك ها هنا ثم يعطون الثلث كله في سنة واحدة ليغزوا عنه لأن ذلك أسرع لتنفيذ وصيته وتحصيل مراده وهذا والحج سواء فإذا رجعوا ردوا ما في أيديهم حتى يبعث إلى قوم آخرين حتى لا يبقى من الثلث شيء لما قلنا‏:‏ إن سبيل هذا الثلث أن ينفذ في أمر الغزو فيصرف الباقي إليه حتى يفنى كله في أمر الغزو فإن لم تبق نفقة وبقيت الخيل بيعت حتى يدعي أثمانها قوماً يغزون بها لأن تلك الخيل اشتريت من ثلث ماله فتصرف أثمانها إلى حيث يصرف الثلث فإن بقي في أيديهم من نفقاتهم شيء رد حتى يغزو بما بقي قال‏:‏ وينبغي للرجل الذي يوصى إليه أني غزو عنه غزوة من منزل الرجل الموصي لأنه لو غزا بنفسه غزا من منزله فكذلك غيره إذا غزا عنه يغزو من منزله ألا ترى أن في باب الحج يحج من منزله فكذلك ها هنا فإن بقي من الثلث شيء لا يبلغ منفقة من يخرج من منزل الموصي دفع ذلك الوصي إلى رجل يغزو عنه من حيث يبلغ النفقة كما في الوصية بالحج سواء قال‏:‏ وإن أوصى بثلثه في سبيل الله فليس ينبغي للوصي أن يعطي أحداً من الورثة من ذلك شيئاً وإن كان محتاجاً لأنه لو دفع إليه صارت وصية له والوصية للوارث لا تجوز فإن كانت الورثة كلهم كباراً فأجازوا للوصي أن يعطيه المحتاجين من الورثة ففعل ذلك فلا بأس به لأن الوصية للوارث إنما لا تجوز لحق الورثة فإذا أجازوا فقد أبطلوا حق أنفسهم فتجوز الوصية وإن كان لوصي محتاجاً فأخذ لنفسه بعض الثلث ليغزو به في سبيل الله فلا بأس بذلك إذا لم يكن وارثاً لأن قول الموصي‏:‏ أوصيت بثلثي في سبيل الله ليس فيه أمر بتمليك الغير فهو كقوله‏:‏ ضعه حيث شئت ولو قال له‏:‏ ضعه حيث شئت كان له أن يضعه في نفسه وفي غيره فكذلك ها هنا وإن كرهت الورثة ذلك فذلك لا يضر لأن الرأي والتدبير إلى الوصي لا إلى الورثة لأنه لا شيء لهم من الثلث فلا يعتبر رضاهم وكراهتهم كما إذا كان الآخذ أجنبياً وكذلك إن أعطي ابنه أو أباه أو مكاتبه فهو جائز لأنه لو صرفه إلى نفسه جاز فكذلك إذا صرفه إلى هؤلاء أولى أن يجوز وإن أعطى عبده فإن كان لمولى محتاجاً جاز وإن أعطاه وهو غني لم يجز وضمن المال لأن الصرف إلى عبده كالصرف إلى نفسه لأن الملك يقع له لا للعبد ولو صرفه إلى نفسه وهو فقير جاز ولو كان غنياً لم يجز فكذلك ها هنا وإن أعطاه وهو لا يعلم أنه غني سأله فأعطاه أجزأه لأنه لو أعطاه زكاة ماله وهو لا يعلم أنه غني جاز عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - وعند أبي يوسف - رحمه الله - لا يجوز فكذلك الصدقة فإن قيل‏:‏ الوصي إنما يعطي عن أمر الميت والميت إنما أمره بالوضع في الفقراء فمتى وضعه في غيرهم صار واضعاً بغير أمره فينبغي ألا يجوز عن الميت والجواب عنه أن أمعن بن يزيد السلمي إنما أخذ الصدقة من وكيل أبيه وكان أبوه عنى غيره حيث قال‏:‏ إياك ما أردت بها ومع ذلك أجاز له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال‏:‏ يا يزيد لك ما نويت فثبت أن الوكيل وصاحب المال في ذلك سواء ولو أوصى الميت أن يغزو لي غزوة في سبيل الله فأراد بعض الورثة أن يكون هو الذي يغزو عنه فليس له ذلك إلا أن يجيز ذلك له الورثة لأن الوارث وإن كان لا يملك العين يحصل له فيها منفعة والوارث محجور النفع عن مورثه في مرض موته فإن أجاز له الورثة أن يكون هو الذي يغزو عنه وهم كبار بعد وفاة الموصي يجوز له أن يغزو ويرد ما بقي من النفقة لأن المنع كان لحق الورثة ولم يبق لهم حق بعد الإجازة فيجوز له أن يغزو وإن كان الوارث غنياً بخلاف ما إذا قال‏:‏ ثلثي وصية في سبيل الله فإنه لا يعطي الوارث إن كان غنياً وإن أجازه الورثة كلهم لأن ذلك المال إنما يدفع إليه بعد الإجازة على وجه الصدقة والصدقة محلها الفقراء دون الأغنياء فلا يصير الغني محلاً لها بإجازة الورثة فأما ها هنا المال ليس يدفع إليه على وجه التمليك وإنما يدفع إليه على وجه الإباحة وما كان على وجه الإباحة يستوي فيه الغني والفقير دليله السقاية الموقوفة فإنه يجوز للغني أن يشرب من مائها كما يجوز للفقير ألا ترى أن في الفصل ما فضل من النفقة يرد إلى الورثة فكان دليلاً على ما قلنا فإن غزا بها الوارث قبل أن يجيز الورثة ثم علمت الورثة بعد ما غزا ورجع فأجازوا لم يجز ذلك وكان ضامناً لما أنفق حتى يغزو عنه غزوة أخرى لأن الإجازة ترد على الموقوف وبالغزوة قد نفذت عن الوارث ولم تتوقف فلا ترد عليها الإجازة وكذلك لو كان صغيراً فيهم لم تجز غزوته لأن الإجازة قد عدمت منه فإن كبر فأجاز لم تجز أيضاً لما قلنا‏:‏ أن الغزوة لم تتوقف فلا ترد عليها الإجازة وكذلك إن أوصى بماله في سبيل الله لم يجز إن يعي أحد من الورثة حتى يجيزوا كلهم لأنه لو أعطى المال كان وصية للوارث وذلك لا يجوز إلا بإجازة الورثة ولو أوصى بأن يغزو عنه غزوة فغزا عنه الوصي وليس بوارث جاز ذلك ويرد فضل النفقة لأنه ليس في لفظه ما يدل على إخراج الوصي من الوصية فكان له أن يصرفه إلى نفسه كا لو قال ضعه حيث شئت قال‏:‏ فإن أوصى أن يغزى عنه غزوة فاغزوا رجلاً يرابط عنه ولا يدخل أرض العدو فذلك جائز لأن الربا من الغزو فصار كأنه أغزى رجلاً دخل أرض العدو فإن قالت الورثة‏:‏ يرابط يوماً واحداً وقال الوصي‏:‏ يرابط أربعين يوماً فإن القاضي يجيز من ذلك أدنى الرباط وذلك ثلاثة أيام لأن الواجب هو أقل الرباط لأن ما يبقى بعد رجوعه مع الغازي يصرف للورثة إرثاً بينهم فلا يقطع حقهم عن شيء من التركة إلا بيقين وأدنى الرباط ثلاثة أيام لأنه أقل المقادير التي وردت في الشريعة كما في مدة السفر ومدة الخيار ولأن الإنسان لا يسمى مرابطاً برباط ساعة أو ساعتين ويسمى مرابطاً إذا رابط أياماً فيجب أن يرابط عن الميت ما يقع عليه اسم الأيام وأقل ذلك ثلاثة أيام فيجب رباطه ثلاثة أيام لهذا المعنى لأن الآثار قد اختلفت في الرباط فإنه روي أنه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ من رابط يوماً في سبيل الله كان كصيام العمر وقيامه أو قال كلاماً هذا معناه ومن رابط أربعين يوماً كان له كذا وكذا ومن رابط ثلاثة أيام كان له كذا فإن اختلف الوارث والوصي يؤخذ بأوسط الأعداد وذلك ثلاثة أيام لأنه أقل من الأكثر وأكثر من الأقل فيقضى به لقوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ خير الأمور أوساطها وإن كان الذي أوصى به منزله في الثغر الذي يرابط فيه فالقياس أنه إذا غزا عنه رجل يرابط في الثغر ولا يدخل أرض العدو جاز وفي الاستحسان لا يجوز حتى يغزى عنه رجلاً يدخل أرض العدو وجه القياس فيه ما قلنا‏:‏ إن الرباط من الغزو فوجب أن يجوز إذا غزا رجل يرابط ولا يدخل أرض العدو دليله ما إذا كان منزل الموصي في غير موضع الرباط ووجه الاستحسان في ذلك أن الميت أوصى بأن يغزى عنه غزوة فكان عليهم أن يأتوا بما يستحق اسم الغزو والرجل متى رابط في مصر نفسه وفي موضعه لم يسم غازياً عند الناس وإنما يسمى إذا دخل أرض العدو فما لم يغز عنه رجل يدخل أرض العدو لا يثبت اسم الغزو عليه فلا يجوز فأما إذا سافر إلى مصر ورابط فيه يسمى غازياً عند الناس فإذا غزا عنه رجل خرج إلى الرباط فقد استحق اسم الغزو فيكفي ذلك ولأن الموصي إذا لم يكن منزله في موضع الرباط وهو في مصر من أمصار المسلمين فإنه يتخير على الرباط وعلى الدخول في أرض العدو وفي مجاهدة الكفار فانصرفت وصيته إلى النوعين من الغزو على الرباط والجهاد فمتى رابط عنه جاز ومتى دخل أرض العدو وجاهد جاز فأما إذا كان منزله في موضع الرباط فإن تحسره على ما فاته من الجهاد أكثر من تحسره على ما يفوته من الرباط فتعين الجهاد لوصيته دون الرباط فما لم يجاهد فيه لا يجوز نظيره أن الطواف للآفاق بمكة أفضل من الصلاة لأن تحسره على ما يفوته من الطواف أكثر فإنه يمكنه أداء الصلاة بغير مكة ولا يمكنه الطواف إلا بمكة فكان أكبر همه هو الطواف فاشتغاله به أولى فإن المكي قلما يتحسر على ما يفوته من الطواف فإن الطواف له ممكن في كل وقت والصلاة لها رفعة عظيمة فكانت الصلاة له أفضل كذلك ها هنا ولو كان أوصى بثلثه أن يغزو عنه فرأى الوصي أن يدفع إلى من يرابط أربعين ليلة أو أكثر أو إلى من يغزو إلى دار الحرب فذلك جائز عندنا على ما رأى الوصي وإن أبى ذلك الورثة لأن مصرف هذا كله إلى الغزو ولا يرجع إلى الورثة منه شيء فلم يكن منهم رأي ولا تدبير وكان للوصي أن يفعل ما يرى بخلاف ما إذا قال‏:‏ اغز عني غزوة فإن الثلث كله لا يصرف إلى الجهاد ألا ترى‏:‏ أن فضل النفقة يرد إلى الورثة فكان لهم رأي وتدبير حتى لا يقطع حقهم قال‏:‏ الميراث وإذا أوصى الرجل بثلث ماله في سبيل الله يضعه حيث أحب فذلك إلى الوصي فإن جعله الوصي لنفسه وهو محتاج أو لابنه أو لغيرهم جاز ما صنع من ذلك لأن الميت لو لم يقل يضعه حيث أحب كان للوصي أني جعله لنفسه ولابنه فإذا قال‏:‏ يضعه حيث أحب وقد فوض إليه الرأي على العموم أولى أن يكون له ذلك وإن جعله الوصي لرجل غني وهو يعرف لم يجز ذلك لما قلنا إن المال في سبيل الله يكون صدقة ومحل الصدقة الفقير دون الغنى وقيل للوصي ضعه فيمن أحببت من الفقراء لأن الدفع لم يصح كأنه لم يدفع ولو لم يدفع يصرفه إلى من شاء من الفقراء كذلك ها هنا فإن قالت الورثة‏:‏ قد جعله الموصي في الأغنياء فبطلت فنأخذ الثلث ميراثاً لم يكن لهم ذلك لأنه مخالف حين وضعه في الأغنياء وبالخلاف لم يخرج عن الوصاية ولا خرج المال عن الوصية فكان له أن يضعه بعد ذلك في الفقراء ولو جعله الوصي لبعض الورثة وهم أغنياء لم يجز ذلك وكان له أن يجعله لمن شاء من الفقراء إلا أن الوصي لو وضع فيه وهو أجنبي لم يجز لأنه لو كان غنياً أجنبياً فلا يجوز فإذا كان وارثاً غنياً أولى ألا يجوز ولو أن الوصي جعله لبعض الورثة وهم فقراء ليغزوا به في سبيل الله قيل للورثة‏:‏ أتجيزون ما صنع الوصي فإن أجازوه جاز لأن الوارث إذا كان فقيراً فهو محل الصدقة إلا أنه لم يجعل له لكونه وصية والوصية تجوز للوارث بإجازة الورثة وإن لم يجيزوه رجع إلى الميراث ولم يكن للوصي أن يجعله لغير الورثة بعد ذلك بخلاف الفصل الأول إذا جعله الموصي لغني كان له أن يجعله بعد ذلك للفقير ووجه الفرق في ذلك أن قول الميت ثلثي في سبيل الله يقتضي الوضع في أهل الحاجة فهو في الوضع في الأغنياء غير مأمور وفي الوضع في الفقراء مأمور فمتى وضعه في غني فإنما وضعه بغير أمر الميت صار مخالفاً وصار كأنه لم يضع فله أن يضعه فيمن أمر بالوضع فيه فأما إذا وضعه في وارث فقير فقد وضعه في محله فلم يصر مخالفاً لأمر الميت فصار دفعه ووضع الميت فيه سواء والميت لو وضعه فيه كانت وصية للوارث والوصية للوارث إذا لم يجزها الورثة تصير ميراثاً كذلك ها هنا وإذا أوصى الميت أني جعل فرسه حبيساً في سبيل الله أو سلاحه في سبيل الله أو يجعل مصحفه حبيساً يقرأ فيه القرآن أو دار يسكنها الغزاة أو يؤاجر فيكون أجرها في سبيل الله أو ارض تزرع فتكون غلتها في سبيل الله أو أوصى أن يجعل عبده وقفاً في سبيل الله أو يخدم الغزاة أو يؤاجر فتقسم غلته في سبيل الله أو غير ذلك مما يتقرب به العبد إلى ربه وكذا حبس الفأس والقدوم والمزاد والطنجير والشفرة فهذا كله جائز عند محمد - رحمه الله - من الثلث وعند أبي يوسف رحمه الله ما كان من ذلك داراً أو عقاراً فحبس جائز وما كان من ذلك منقولاً فلا يجوز حبسه إلا الكراع والسلاح وقال أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه -‏:‏ الحبس باطل في المنقول وغير المنقول إلا الغلة فإنه جائز نحو إن أوصى بغلة عبد أو دار أو أرض في سبيل الله فإنه جائز وتعطى الغلة للفقراء في سبيل الله أما محمد - رحمه الله تعالى - فإنه يجيز الوقف في الحياة وبعد الممات لما فيه من القربة وكذلك الحبس في سبيل الله جائز لأن معنى القربة موجود فيه يدل عليه ما روي عن حفصة - رضي الله تعالى عنها - أنها سبلت مصحفاً لها وأما أبو يوسف - رحمه الله تعالى - فلأن المذهب عنده أن وقف المنقول باطل فكذلك حبس المنقول في سبيل الله باطل وكان يقول‏:‏ القياس ألا يجوز وقف الأراضي لما فيه من تعطيل الملك ولا تمليك ممن أحد إلا أن الشرع عطل ملكنا عن المساجد لقربة تعلقت بها عائد نفعها إلينا من حيث الثواب فجوزنا في مثله في وقف الأراضي لأنها من جنس المساجد فإنها تبقى وعائد نفعها كالمساجد فأما الأموال المنقولة ما وجدنا فيها قربة أوجبها الله تعالى إلا قربة تقع بتمليك الفقير فكذلك لا يجوز إيجاب القربة من العبد إلا على وجه التمليك إذ إيجاب العبد من القرب معتبر إيجاب الله تعالى فأما أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - فإنه كان لا يجيز الوقف والحبس في حالة الحياة فلا يجوز عنده إذا أوصى بعد موته إلا ما كان له أصل في الشريعة والوصية بالغلة لها أصل في الشريعة فإنه لو أوصى بأن يصرف غلة بستانه على الفقير فذلك جائز لما يقع فيه من التمليك فكذلك حبس الأراضي والعبد والدار لتكون غلتها في سبيل الله يجوز لأن فيه معنى التمليك لأن الغلة يتصدق بها على أهل الحاجة ممن يغزو فتصير ملكاً لمن يأخذها يصنع بها ما شاء فأما ما ليس فيه معنى تمليك الشيء ولكن فيه انتفاع بالعين نحو سكنى الدار وركوب الفرس وقراءة المصحف ولبس السلاح وخدمة العبيد لا أصل في جوازه في الشرع إذا وقع لأقوام مجهولين فإنه لو أوصى بخدمة عبيده لقوم بغير أعيانهم لا يجوز ذلك وإذا كانوا معلومين جاز وها هنا وقع الحبس لأقوام مجهولين فلا يجوز والمعنى في ذلك أنه إذا لم يكن فيه تمليك العين لم يكن صدقة ألا ترى أنه يدخل فيه الغني والفقير فلا يجوز إذا وقع لقوم بغير أعيانهم ومن أخذ الفرس الحبيس ليركبه في سبيل الله فنفقته عليه حتى يرده لأنه هو المنتفع به والنفقة على من يحصل له المنفعة ألا ترى أن العبد الموصى بخدمته نفقته على الموصى له بالخدمة ما دام يخدمه لأنه هو المنتفع به ولو استعار فرسه منه في حال حياته كانت نفقته على المستعير فكذلك الغازي نفقته عليه وكذلك السلاح يكون وقفاً في سبيل الله من الثلث فمن أخذه كان عليه حفظه وإصلاحه حتى يرده لما قلنا‏:‏ إنه هو المنتفع به ما لم يرده فإذا أخذه غيره كانت النفقة على الثاني فإن ركب الوصي الفرس وتسلح بالسلاح فلا بأس بذلك إذا كان الوصي غير وارث لأنه ليس في كلام الموصي ما يوجب خروج هذا الوصي عن الوصية فصار هذا وقوله‏:‏ ضع فرسي وسلاحي في سبيل الله حيث شئت سواء ولا ينبغي أن يعطيه وارثاً للميت إلا أن يرضى جميع الورثة وهم كبار لأن فيه وصية بالمنفعة للوارث والوصية بالمنفعة للوارث لا تجوز إلا بإجازة الورثة فإن أعطاه الوصي بعض الورثة بغير رضى بقيتهم فنفق الفرس تحته كان للورثة أن يضمنوا قيمة الفرس إن شاءوا الوصي الذي أعطى وإن شاءوا الوارث الذي يركب لأن الوصي متعد في الدفع والوراث متعد قال‏:‏ يالقبض فيضمن كل واحد منهما لتعديه كما قلنا في الغاصب وغاصب الغاصب والمستعير من الغاصب فأيهما ضمنوه القيمة أمر القاضي فاشترى بالقيمة فرساً آخر فجعل حبيساً في سبيل الله لأن هذا بدل عن الفرس فيصرف إلى فرس آخر ليقوم مقامه حتى لا تنقطع الصدقة عن الواقف فإن ضمن الوارث القيمة فأراد أن يرجع بها على الوصي لم يكن له ذلك لأن الفرس نفق بفعله وجنايته فلا يرجع بما ضمن على غيره كغاصب الغاصب والمستعير من الغاصب إذا ضمن فلا يرجع به على أحد وإن ضمن الوصي فأراد أن يرجع بالقيمة على الوارث كان له ذلك لأنه بالضمان ملك فيرجع عليه كما قلنا في الغاصب إذا ضمن ورجع به على غاصب الغاصب فإن قيل‏:‏ لم لا يكون هذا بمنزلة الغاصب إذا وهب الغصب لرجل فأتلفه الموهوب له ثم ضمن الغاصب فإنه لا يرجع على الموهوب له بشيء فلم يرجع هنا قلنا‏:‏ إذا غصب الغاصب أو أعار فقد قصد أن تكون الصلة منه لا من غيره فإذا ملك المال بالضمان فقد تمت الصلة منه فلا يرجع عليه بشيء وأما ها هنا إنما أعاره ليكون صلة من الميت لا منه وبالضمان لم تتم الصلة فصار كأنه قبضه بغير حق وبغير إذنه فيرجع عليه ونظيره رجل أكره رجلاً على أن يهب مال رجل لأخر فوهب ثم إن المكره ضمن لصاحب المال فإنه يرجع بالمال الموهوب على الموهب له لما قلنا‏:‏ إنه لم يقصد بأن تكون الصلة منه إنما قصد بأن تكون الصلة من صاحب المال فإذا ملكه رجع فكذلك ها هنا قال‏:‏ وإذا أوصى بعبد له في سبيل الله تعالى من ثلث ماله يداوي الجرحي وكان طبيباً أو يسقى الماء للغزاة في سبيل الله أو يؤاجر فيصرف غلته في سبيل الله فهذا كله جائز عند محمد - رحمه الله تعالى - لما قلنا‏:‏ أن هذا من القرب فأما الغلة في عطاها الغزاة لأن الغلة صدقة تمليك ومحل الصدقة الفقير دون الغني وأما الماء فيسقى الغزاة ومن استسقاه من الأغنياء والفقراء وكذلك يخدم الغزاة من استخدمه من غني أو فقير لأن هذا ليس بصدقة تمليك بل هي إباحة انتفاع وما كان طريقة الإباحة يستوي فيه الغني والفقير كالماء الموضوع على الطريق فإنه يباح شربه للغني والفقير جميعاً وكذلك الغني له أن يستقي الماء من نهر الغير ومن حوض الغير كالفقير سواء وأفضل ذلك أن يكون لأهل الحاجة لأن الغني يقع له الكفاية بدون ذلك بأن يشتري له عبداً فيخدمه والفقير لا يستغني عنه فكان المحتاج أولى بالخدمة له وإن جعل الميت الكراع أو السلاح أو غيره مما وصفت لك حبيساً في سبيل الله تعالى في حياته وصحته فإن ذلك باطل وإذا مات كان ميراثاً في قول أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - لأن الوقف عنده باطل إلا أن يكون موصى به والموصى به هو الغلة وقد عدم ها هنا فبطل وأما أبو يوسف - رحمه الله تعالى - لا يجيز وقف المنقول إلا في الكراع والسلاح والحبيس هناك كراع وسلاح فجاز عندهما إلا أن عند محمد - رحمه الله تعالى - الإخراج من يده شرط بأن يدفعه إلى غيره ليكون هو القيم عليه وعند أبي يوسف - رحمه الله تعالى - ليس بشرط ولكن الإشهاد يكفي فأبو يوسف - رحمه الله تعالى - يقول‏:‏ إن القيم إنما يقبضه بأمره فكان يد القيم كيد الواقف فإذا كانت يده كيده فلا فائدة في التسليم إليه ومحمد - رحمه الله تعالى - يقول‏:‏ أجمعنا على أنه لو جعل داره مسجداً فإنه لا يصير مسجداً إلا أن يأذن للناس بالدخول والصلاة فيه فإذا أذن لهم بالصلاة فيه يصير مسجداً ولا يقال‏:‏ إنهم يصلون بإذنه فيجعل كصلاته بنفسه بل لم يجعل هكذا فكذلك ها هنا ولأن الأموال لا تبقى محفوظة كما جعلت على أي وجه صارت ولا بأس بأن ينتفع بذلك كله القيم وولده ووالده لأنه لو فعل هذا في مرضه قد ذكرنا أن للقيم أن ينتفع به فإذا فعل في حياته وصحته أولى وكذلك لوارثه أن ينتفع به إذا سلم لهم ذلك القيم الذي ولاه لأن ما حبسه في حياته وصحته لم يكن وصية ألا ترى أنه لا يعتبر من الثلث ويبدأ به قبل الدين ولو أراد إبطاله في حياته لم ينفذ وما لم يكن وصية فالورثة وغيرهم فيه سواء وإن مات القيم في حياة الذي حبس ذلك أو بعد موته فالأمر فيه إلى من ولاه القيم ذلك لأنه هو القيم في حال حياته فالقائم مقامه يكون هو القيم بعدواته فالوصي إذا مات وأوصى إلى رجل فإن الوصي الثاني يكون هو ألوى من غير فكذلك ها هنا وهذا بخلاف القاضي إذا فوض القضاء إلى غيره ثم مات فإن الثاني لا يكون قاضياً وذلك لأن الإمام الذي ولي القاضي الأول كان له ولاية بعد توليه القضاء ولم يخرج الأمر من يده بدليل أن له أن يعزله في حال حياته ويولي غيره فلما كانت ولايته باقية لم يجز متولية القاضي غيره إلا بإذن الإمام فأما ها هنا ليس للذي حبس ولاية بعدما أخرج من يده ألا ترى أنه لو أراد أن يعزله ويستبدل غيره لم يكن له ذلك فلما كانت الولاية للقيم دون الذي حبس كان له التفويض إلى غيره فإن مات من غير تولية منه لأحد فإن القاضي يجعل القيم في ذلك من أحب وليس للذي حبسه من ذلك شيء هكذا ذكر محمد وذكر الخصاف في كتابه وهلال أيضاً في كتابه أن الذي حبسه له أن يولي غيره فوجه تلك الرواية وهو أن هذا القيم لو ولى غيره ثم مات جازت توليته وإنما ولاه لولاية مستفادة من جهة الذي حبس فلما جاز لغيره أن يولي غيره بولاية فلأن يجوز للذي حبس أني ولي غيره بولاية نفسه كان أولى والوجه لما ذكرنا ها هنا وهو أنه حبسه وسلمه إلى القيم فقد أخرج الحبيس عن ملكه ويده وصار هو وسائر الأجانب فيه سواء وكما أن التدبير ليس إلى سائر الأجانب فكذلك لا يكون التدبير إليه وإن جعله حبيساً واشترط في ذلك أنه هو القيم فيه فهذا باطل في الحكم لأنه لما شرط أن يكون هو القيم في ذلك فلم يوجد الإخراج من يده والتسليم إلى غيره وإن دفع ذلك إلى قيم يقوم به واشترط أنه مات قبل الذي حبس ذلك كان الأمر إلى الذي حبس ذلك يجعل فيه من أحب جاز ما اشترط من ذلك لأنه إنما أخرج عن يده بهذا الشرط فيراعي شرطه كما لو شرط شرطاً آخر لأن شروط الواقف تراعى ثم هذا الشرط لا يمنع جوازه عند محمد - رحمه الله تعالى - لأنه لما أخرجه من يده فقد تم الوقف والحبس فصار هو كواحد من الناس فكان العود إلى يده كالعود إلى يد غيره لا يبطل الحبس فالعود إلى يده مثله وكذلك إذا شرط قيماً بعد قيم فذلك إليه وليس للقيم الأول أن يجعلها إلى غير ما شرط الذي حبسها لأن شرطه كما روعي في حق القيم الأول فكذلك يراعى في حق القاني وقد وجد من وقوف السلف هكذا يدل عليه أن مثل هذا الشرط جائز في ولاية السلطنة والإمارة فإنه روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه بعث سرية وأمر عليهم زيد بن حارثة ثم قال‏:‏ فإن قتل فجعفر بن أبي طالب فإن قتل فعبد الله بن رواحة وكان كما قال وحكي أن سليمان بن عبد الملك لما حضره الموت أوصى أن يكون الخليفة بعده ابن عمه عمر بن عبد العزيز فكرهت ذلك إخوته هشام بن عبد الملك ومسلمة بن عبد الملك فقال سليمان‏:‏ ثم بعده فلان ابن فلان ثم أنت يا هشام ثم قال‏:‏ أرضيت يا أصلع فلما جاز مثل هذا الشرط في ولاية السلطنة فلأن يجوز في هذه الولاية أولى وإذا دفع الرجل إلى رجل مالاً فقال‏:‏ خذ هذا المال فجاهد به في سبيل الله أو قال‏:‏ اغز به في سبيل الله فأخذه الرجل فاشترى به متاعاً وكراعاً وسلاحاً ثم مات أحدهما فقال الذي أعطى المال إن كان حياً أو ورثته إن كان ميتاً إما أعطاه المال قرضاً ليجاهد به عن نفسه وقال المعطي أو ورثته‏:‏ إما أعطاه إياه على وجه الصدقة في سبيل الله تعالى فالقول قول المعطي في ذلك أو ورثته لأن قوله فجاهد به في سبيل الله إضافة الجهاد إلي فعل المعطي لا إلى المال لأن هذا ليس بأمر بأن يأتي فعل الجهاد وإذا كان الجهاد مضافاً إلى فعله لا إلى المال لم يصر دافعاً للمال في سبيل الله ليصير صدقة فبقى قوله‏:‏ خذ هذا المال مجرداً وهو كلام يحتمل القرض ويحتمل الصدقة فكل واحد منهما متبرع والقرض أقل التبرعين لأنه يوجب البدل والصلة لا توجب البدل فحمل على الأقل لأن الأقل تعين وهذا كرجل زوج ابنته وسلمها إلى الزوج مع جهازها ثم ماتت الابنة فقال الزوج‏:‏ كان المال صلة لها فلي منه الميراث وقال الأب‏:‏ لا بل مكنت أعرتها فالقول قول الأب لما أن العارية تبرع والهبة تبرع والعارية أقلهما فحمل على الأقل فكذلك ها هنا فإن كان المعطي حياً حلف البتة بالله ما أعطاه إلا على وجه القرض ثم أخذ ماله لأنه حلف على فعل نفسه فيحلف على التبعات وحلفت الورثة على علمهم ما يعلمون أن صاحبهم أعطاه إياه على وجه الصلة ثم يأخذون المال لأنهم حلفوا على فعل الغير ومن حلف على فعل الغير يحلف على العلم وإن تصادقا المعطي والمعطى له أن المعطي أعطاه إياه ولم ينو قرضاً ولا غيره فالمال قرض ولا يكون صلة لما قلنا أنه أقل التبرعين وكان على الأقل حتى يثبت الأكثر وهذا فصل ينبغي أن يحفظ فإنه لا رواية له إلا في هذا الموضع واستدل في الكتاب فقال‏:‏ ألا ترى أن رجلاً لو أعطى رجلاً مالاً فقال‏:‏ حج به أو أنفقه على نفسك مع عيالك كان ذلك قرضاً إلا أن ينوي به الصلة كذلك ها هنا ولو قال له خذ هذا المال فهو لك في سبيل الله ومات الذي أخذه قبل أن يشتري منه شيئاً فهو له وهو ميراث لورثته لأن قوله‏:‏ هو لك تمليك منه لأن اللام للملك كما إذا قال داري لك تسكنها كان تمليكاً للرقبة وقوله‏:‏ في سبيل الله عبارة عن الصدقة فكأنه قال‏:‏ خذ هذا المال فهو لك صدقة ولا يكون قرضاً وكذلك لو قال‏:‏ خذ هذا المال في الغزو في سبيل الله أو قال في الجهاد في سبيل الله كان المال صدقة لأنه أضاف الجهاد أو الغزو إلى المال وأمره أن يأخذ في هذا الوجه هذا رجل جعل ماله في سبيل الله فكان صدقة لأنه أمره بالأخذ لله والمال المأخوذ لله لا يكون إلا صدقة على عباده ولو كان قال‏:‏ خذ هذا المال فاغز به عني في سبيل الله ثم مات أحدهما قبل أن يشتري به رد ذلك المال على المعطي أو على ورثته لأنه أمره بالغزو عنه والغزو عنه لا يكون إلا بعد أن تكون النفقة من ماله ويكون الغازي نائباً عنه في الإنفاق فبقى المال على ملكه إلا أنه لما مات انقطع أمره فيرد المال إلى ورثته فإن اشترى بذلك المال سلاحاً أو كراعاً ثم مات أحدهما أخذ جميع ما اشترى لأنه اشتراه بأمره لأن الأمر بالغزو أمر بشراء ما يحتاج إليه في الغزو والشراء وقع للآمر فيكون له ألا ترى أنه لو غزا وفضل من ذلك فضل رد إليه فدل على أن الشراء وقع له ولو اشترى به متاعاً أو سلاحاً ثم بدا للمعطي أن يأخذه ممن ويدفعه إلى غيره كان له ذلك لأن المشتري متملكه فله أن يأخذه ويعطيه غيره فإن قال المعطي‏:‏ رد علي مالي ولك ما اشتريت فإنه لا حاجة لي فيه لم يكن له إلا ما اشترى لأن المشتري وكيل له في الشراء فالمشتري وقع له ذلك فلم يكن له أن يمنع منه ولو قال المعطي أعطيك مالك ولي ما اشتريت لم يكن له ذلك ملأنه وكيل له بالشراء والوكيل بالشراء لا يحبس ما اشترى عن الموكل ولو قال له‏:‏ خذ هذا المال فجاهد به أو اغز به فاشترى به المعطي متاعاً أو سلاحاً أو كراعاً ليغزو به فقال له صاحب المال‏:‏ إنما أعطيتك لتغزو عني فرد على المتاع وقال المعطي‏:‏ أعطيته لنفسي صلة أو قرضاً فلا سبيل لك على المتاع فالقول قول رب المال وله أن يأخذ المتاع والسلاح والكراع لأن قوله‏:‏ فجاهد به يحتمل معنى الجهاد عن المعطى ويحتمل الجهاد عن المعطي وهو المجمل فكان البيان إنه ولأن ما ادّعاه المعطي لا يوجب زوال المال عن ملكه وما ادّعاه المعطي يوجب زواله عن ملكه إلى بدل أو إلى غير بدل فهو يدّعي أكبر الأمرين فلا يصدق إلا ببينة وإذا حبس الرجل فرسه في سبيل الله فدفعه إلى رجل حبيساً في سبيل الله فهو جائز لو قال‏:‏ إن استغنيت أو حضرتك الوفاة فادفعه إلى غيرك حبيساً في سبيل الله فهو جائز لأن المحبس هكذا شرط وشرطه معتبر ألا ترى أن الواقف إذا جعل وقفاً على قوم بأعيانهم على أنهم إن استغنوا عنه فيصرف إلى الفقراء جاز من الواقف هذا الشرط فكذلك ها هنا فإن مات صاحب الفرس الذي جعله حبيساً لم يكن ميراثاً لورثته وكان حبيساً في سبيل الله لأن الزوال قد تم فلا يصير ميراثاً فإن مات الذي أعطاه إياه صار حبيساً على من أعطاه الميت أو على من أوصى له به حبيساً ليس لصاحبه الذي حبس عليه سبيل لأن الشرط قد وجد فإن استغنى الذي جعله صاحبه حبيساً في يده أو ترك الجهاد فرجع إلى أهله لزمه أن يدفعه إلى غيره يكون حبيساً للشرط الذي وجد من المحبس فإن دفعه إلى غيره ثم بدا للأول أني رجع إلى الجهاد فأراد أن يأخذ الحبيس فليس له ذلك لأن الأول إنما كان أولى به من الثاني لثبوت يده عليه ولما سلمه إلى الثاني فقد زالت يده وصار اليد للثاني فكان هو أولى بإمساكه من الأول فإن كان صاحب الفرس شرط للأول أنه إن جعله لغيره ثم احتاج إليه أو رجع إلى الغزو كان أحق به كان هذا الشرط جائزاً لأن صاحب الفرس هكذا شرط يراعى شرطه كما في الوقف إذا جعله على أولاد فلان فإن استغنوا فهو لفلان فإن احتاج الأولاد دخلوا في الوقف ثانياً جاز وكان على الشرط الذي شرطه كذلك ها هنا ولو أن رجلاً حبس فرساً أو أرضاً أو جعلها وقفاً في سبيل الله عشرين سنة ثم هي مردودة على صاحبها الذي حبسها أو على ورثته إن هلك أو جعل حبيساً على قوم بأعيانهم على أنهم إن هلكوا رجع الحبيس على الذي حبسها كان هذا حبساً باطلاً له أن يأخذه إن شاء وإن مات كان ذلك ميراثاً لأنه لم يؤبد ما حبس والمذهب عند محمد - رحمه الله تعالى - أن التأبيد شرط لجواز الوقف وإنما كان التأبيد من شرطه لأنه صدقة موقوفة فيعتبر بالصدقة المملوكة والصدقة المملوكة لا يجوز توقيتها فكذلك الصدقة الموقوفة وعند أبي يوسف - رحمه الله - يجوز الوقف مؤقتاً ومؤبداً لأن في هذا تمليك المنافع وقد جاز مؤبداً فلأن يجوز مؤقتاً أولى ألا ترى أن الإجارة تجوز مؤقتة ولا تجوز مؤبدة ثم التأبيد لما لم يبطل الوقف فالتوقيت أولى ألا يبطلها ولو أن رجلاً حبس فرساً له في سبيل الله أبداً ودفعه إلى رجل حبسه عليه على أنه إن مات واستغنى عنه دفعه إلى غيره لا يرجع إلى صاحبه ولا إلى ورثته فهذا جائز مستقيم لأنه أبده والحبس مؤبداً جائز فإذا أخذ صاحب الحبيس الفرس فلم يغز سنته تلك فدفعه إلى غيره يغزو عليه أعاره إياه فلا بأس بذلك لأنه استغنى حيث لم يغز تلك السنة فله أن يدفعه إلى غيره ولأنه قد ملك منافع الغرس في باب الغزو بدليل أنه ليس لصاحب الفرس أن يأخذ منه الفرس ما دام هو حياً يغزو فله أن يملك تلك المنافع غيره ألا ترى أن المحبس عليه لا يكون أقل حالاً من المستعير والمستعير للدابة إذا لم يشترط ركوب نفسه كان له أن يعير غيره فها هنا ألوى ولا ينبغي له أن يؤاجره لأن مقصود صاحب الفرس حصول الثواب له وإذا غزا الثاني ببدل لا يحصل للمحبس ثواب في الأجر ولأنه ملك منافع هذا الفرس بغير بدل فلا يقدر أن يملك غيره ببدل ألا ترى أن المستعير يملك أن يعير ولا يملك الإجارة فكذلك ها هنا فإن دفعه إلى غيره يغزو عليه بأجر فركبه الذي استأجره فعطب في يده من ركوبه أو من غير ذلك فرفع ذلك إلى القاضي فإن القاضي له أن يضمن أيهما شاء إن شاء ضمن المؤاجر وإن شاء ضمن المستأجر لأن كل واحد منهما متعد في الفرس فإن ضمن المؤاجر لا يرجع على المستأجر لأن كل واحد منهما متعد في الفرس فإن ضمن المؤاجر لا يرجع على المستأجر بشيء لأنه بالضمان ملكه من الابتداء فصار كأنه آجر فرس نفسه ومن آجر فرس نفسه فعطب في يد المستأجر لم يضمن المستأجر كذلك ها هنا وإن ضمن المستأجر القيمة رجع المستأجر بالقيمة على المؤاجر لأنه مغرور من جهته والمغرور يرجع على الغر بما غره ثم يشتري القاضي بالقيمة فرساً آخر فيجعله حبيساً على الذي كان آجره لأن الفرس الثاني قائم مقام الأول والفرس الأول لو كان حياً كان حبيساً على الذي آجره فكذلك الثاني يكون حبيساً عليه ويتقدم إليه فيه ألا يؤاجره لأنه تعاطى ما لا يحل فللقاضي أن ينصحه في المستقبل وتكون الأجرة للمؤاجر على المستأجر لأنه هو العاقد والأجر يكون للعاقد ألا ترى أنه لا يكون أشقى حالاً من الغاصب والغاصب لو آجر المغصوب وسلم كان الأجر للغاصب كذا ها هنا ولا يعجبني أن يأكله المؤاجر ولكنه يتصدق به لأنه استفاده من كسب خبيث فسبيله التصدق به كما في الغاصب ولو قتل الفرس غير الذي حبس عليه أو ركبه غيره بغير أمره فعطب تحته كان ضامناً بقيمته يأخذها الذي حبس عليه فيشتري بها فرساً آخر فيكون حبيساً في يده لأن الذي حبس عليه لا يكون أقل حالاً من المودع ولو كانت وديعة في يده فقتله غيره كان للمودع حق الخصومة وأخذ القيمة كذا ها هنا ولو أن رجلين في يد كل واحد منهما فرس حبيس على هذه الصفة دفع كل واحد منهما الفرس الذي في يده إلى صاحبه على أن يغزو عليه على أن يعطي الآخر فرسه كان هذا شرطاً فاسداً لا ينبغي لهما ذلك لأنهما لما شرطا ذلك شرطاً بينهما صارت مبادلة المنافع بالمنافع ومبادلة المنافع بالمنافع إجارة فسادة كبيع السكنى بالسكنى وليس للذي حبس عليه أن يؤاجره إجارة جائزة ولا فاسدة فإن عطب أحدهما ضمن القيمة فكان الأمر فيه كما وصفنا لأن كل واحد منهما متعدّ وإن سلما كان لكل واحد منهما أجر مثل الفرس الذي أعطاه صاحبه لأن الإجارة فاسدة وفي الإجارة الفاسدة يجب أجر المثل ويتصدق كل واحد منهما بالأجر ولا يجبر عليه ولو كان كل واحد منهما دفع فرسه إلى صاحبه من غير شرط اشترطه كل واحد منهما على صاحبه فغزا كل واحد منهما على الفرس الذي أعطاه صاحبه فهذا لا بأس به لأنه إذا لم يجر بينهما شرط لم يصرمبادلة المنفعة بالمنفعة لتصير إجارة ولكنه يجعل محض إعارة وقد ذكرنا أن للذي حبس عليه أن يعيره ليغزو به ولو أن رجلاً جعل خيلاً له حبيساً في سبيل الله ودفعها إلى وكيل له يكون هو الذي يوزعها بن الغزاة إذا غزوا ولم يشترط ردها إليه فهذا جائز لأنه وجد الإزلة من يده إلى يد قيم الحبس فيجوز كما لو وقف أرضاً أو داراً وأخرجها إلى قيم جاز ذلك لما أن التسليم قد وجد ولهذا قال أبو يوسف - رحمه الله تعالى -‏:‏ إن التسليم ليس بشرط لأن الثاني وكيله ويتصرف فيه بأمره كما شرط هو فكانت يده كيده فلا فائدة في التسليم والجواب عنه ما قلنا ولا بأس بأن يوزعها بين الغزاة من الأغنياء والفقراء لأن هذا إباحة وليس بتمليك وكل قربة كانت على سبيل الإباحة استوى فيها الغني والفقير كالسقاية وكذلك لو جعل خاناُ لنزول الناس فيه أو مقبرة يقبر فيها موتى المسلمين فإنه يسكن خانة الغني والفقير ويقبر في مقبرته الغني والفقير فإن دفع الوكيل إلى رجل فرساً فقال‏:‏ اركبه في سبيل الله فليس له أن يحمل عليه غيره لأنه إنما أعطاه لينتفع به في هذا الغرو ثم يرده على الوكيل فهو مستعير والمستعير إذا شرط ركوب نفسه ليس له أن يركب غيره كذلك ها هنا وإن اعطاه إياه فقال‏:‏ خذه في سبيل الله ولم يشترط عليه أن يكون هو الذي يركبه فلا بأس بأن يحمل عليه غيره ممن يغزو في سبيل الله لأن الإباحة وقعت مطلقة فكان له أن يركبه بنفسه وأن يركب غيره كما في عارية الدابة إذا وقعت مطلقة ولو أعطى رجلاً فرساً في سبيل الله وأعطى الآخر فرساً مله في سبيل الله فقال الرجلان كان واحد منهما لصاحبه‏:‏ أعطيك فرس يتغزو عليه على أن تعطيني فرسك أغزو عليه فأخذاهما فغزوا عليهما فالقياس أن يكون باطلاً وإن عطب الفرسان يضمنان إلا أنه يجوز ذلك استحساناً ولا يضمنان شيئاًَ فوجه القياس له في ذلك أنهما لما شرطا ذلك الشرط فيما بينهما صارت مبادلة المنفعة بالمنفعة فتصير في حكم الإجارة كما لو كان المحبس رجلين ووجه الاستحسان في ذلك وهو أنه اعتبر حال الذي حبس فلا يكون إجارة لأنه رجل واحد فكانت الأفراس كلها ملكاً له وإن لم يعتبر حاله لزوال الأفراس عن ملكه واعتبر حال لقيم فيها كان هو أيضاً واحداً فلا يقع فيه معنى الإجارة إذ الرجل لا يؤاجر بعض أفراسه ببعض فأما إذا كان الفرسان لرجلين فقد وجدت صورة الإجارة لأن منافع الفرسين لماكين مختلفين فكان له حكم الإجارة فلم يجز قال‏:‏ ولو أنهما آجرا الفرسين بدراهم فآجر كل واحد منهما صاحبه فرسه بدارهم يغزو عليه كانا ضامنين لأن هذه الإجارة بأداء دراهم من مالهما وليست بمال صاحب الفرسين فقد وقعت إجارة ملك الغير بملك الغير فوجد معنى الإجارة فيه‏.‏

وليس للوكيل الأول الذي دفعت إليه الخيل أن يؤاجر شيئاً من هذه الخيول للغزو وإن أجرها كان ضامناً لما قلنا‏:‏ إن الإجارة تبطل معنى الثواب والذي حبس قصد به الثواب فإن احتاجت إلى نفقة فرأى أن يؤاجرها لبعض منافع الناس غير الجهاد بمقدار نفقتها حتى يدفعها إلى من يغزو عليها فلا بأس بذلك لأن الحال حال الضرورة ومتفعة الأجرة ترجع إلى الدابة فكان هذا أرفق بالدابة فيجوز وهذا كما ذكر في كتاب الوقف إذا جعل الرجل خاناً وقفاً لمارة الطريق فاحتاج إلى المرمة فإنه لا بأس للقيم أني يؤجرها منازل الخان بمقدار ما يحتاج إلى المرمة فكذلك ها هنا ولا بأس بأن يأمر القاضي الوكيل بذلك لأن القاضي ولي كل مال أعدّ للمسلمين كما هو ليّ كل غائب ولا بأس بأن يفعل هذا الوكيل أيضاً بغير أمر القاضي لأن هذا مما يصلح الدابة وقد وجد الرضاء من المالك دلالة في كل ما يصلح الدابة لأنه لا يبقى حبيساً إلا بعد السعي في إصلاحه فإن كان الذي حبسها شرط له حين وكله بها ودفعها إليه أن يؤاجرها في نفقتها فذلك جائز وأحرى أني جوز إجازة الوكيل لأنه وجد منه صريح الأمر بالإجارة والصريح أقوى من الدلالة وإن شاء آجرها بنفقتها ولا يستأمر في ذلك القاضي لما قلنا‏:‏ إنه مأذون من جهة الذي حبس دلالة فلا يحتاج إلى استثمار القاضي وإذا أعطى الرجل فرساً يجعل حبيساً في سبيل الله فإن استغنى أو ما دفعه إلى غيره حتىي كون حبيساً أبداً فليس لصاحب الحبيس أن يركبه في حوائجه في المصرفي القياس وفي الاستحسان‏:‏ له أن يركبه في حوائجه في المصر وما حول المصر من شهود الجنازة والتشييع ونحوه فوجه القياس فيه وهو أن المالك أذن له بالركوب في الحروب ولم يأذن له في الركوب في حوائجه فوجب ألا يجوز له الركوب في حوائجه إلا بإذنه كما لو ركبه وأراد به سفراً وكما لو أعار فرسه ليركبه في طريق كذلك ليس له أن يركبه في طريق آخر فكذلك ها هنا ووجه الاستحسان في ذلك وهو أن هذا القدر من الركوب ينفع الفرس ولا يضره لأن رب فرس إذا ربط في المربط ولا يركب عليه يصيبه مرض ويفسد سيره وفي ركوبه في الأحايين منفعة له ورياضة والملك كان كالراضي في كل ما يرجع نفعه إلى الفرس ولأنا لو قلنا‏:‏ بأنه لا يجوز له قليل الركوب في غير الغزو أدى إلى منع الناس عن قبول مثل هذه الأفراس إذ لا يرغبون إليها متى علموا أن النفقة واجبة عليهم وقليل الركوب وكثيره في غر الغزو حرام عليهم وما أدى إلى الضيف والحرج وتنفير الناس عنه كان حكمه ساقطاً ولأن المالك لما حبسه عليه مع علمه أن الذي حبسه عليه لا يجد بداً من قليل الركوب عليه في غير الغزو يكون كالراضي بركوبه ذلك القدر في غير الغزو وكان سبيله سبيل العبد المأذن من حيث إنه يملك التبرع بشيء يسير ولا يملك التبرع بالشيء الكثير وإن كان الملك ليس بثابت مله لما أنه لا بد للتجار من ذلك فصار كالمأذون من جهة المولى دلالة وإن لم يوجد منه الإذن إفصاحاً وصريحاً وذلك لأن هذا في حد الكثرة لأن له بداً من ذلك الركوب والقليل هو المستحسن دون الكثير فإن ركبه ليسقيه أو ليشتري له علفاً أو حمل عليه علفاً له أو بعض المنافع للفرس فلا بأس بذلك في القياس والاستحسان لأن منفعة هذا الركوب ترجع إلى الدابة فلا يكون به بأس في القياس والاستحسان وكان هذا بمنزلة رجل اشترى فرساً فوجد به عيباً فركبه ليسقيه أو ليحمل طعامه لم يمنع ذلك من الرد بالعيب لما أن ذلك الركوب لمنفعة الدابة فكان ذلك من أسباب البر فكذلك ها هنا إلا أنه جعل مسألة الرج بالعيب في كتاب البيوع على القياس والاستحسان وقد جعل الجواب ها هنا جواباً واحداً في القياس والاستحسان جميعاً وإن كان يركبه ليرعب به العدو في المصر أو خارج المصر أو كان يرى أن لهم عيوناً في الثغر فركبه لذلك فهذا لا بأس به لأن هذا الركوب من الجهاد وكذلك السيف يجعل حبيساً في سبيل الله فإن كان تقلده إياه يفسد السيف أو يضربه أو يحمائله فلا يلبسه لأن لبسه لمنفعة نفسه ليس من الجهاد في شيء وإن كان لبسه لا يضره فلا بأس بذلك لأنه قليل منفعة فلا بأس به كما قلنا في ركوب الفرس إذا كان قليلاً وإن كان يلبسه ليرهب به العدو فله ذلك لإن إرهاب العدو من أمر الجهاد واستعماله في أمر الجهاد لا بأس به وإن جعل نبلاً وقوساً حبيساً في سبيل الله لم يعجبني أن يرمي صاحبها بالنبل والقوس بين الغرضين وإن كان يتعلم بذلك الرمي وهو مما يتقوى به العدو لأن هذا مما يفسد النبل والقوس والرمي بين الغرضين ليس من الجهاد فلم يكن له إفساده في غير أمر الجهاد بخلاف ما إذا ركب الفرس والحبيس في حوائجه في المصر فإنه لا بأس به لأن ذلك الركوب مما لا يفسده بل يصلحه حتى إذا كان ركوبه يفسده يمنع من ذلك كما لو ركبه لتعلم الفروسية أو ركبه يوماً أو أكثر في حوائجه وإن كان في يد رجل فرس في سبيل الله فسمع الرجل بعلف رخيص يباع في غير موضع المصر فإن كان ذلك الموضع في المصر أو قريباً منه في بعض قراه فلا بأس بهذا لأن هذا من منافع لادابة ولو ركبه في حاجته في المصر لا بأس به فما ظنك إذا كان ركوبه لمنفعة الدابة وإن كان موضعاً بعيداً يسافر عليه لم يعجبني أن يفعل ذلك لأن هذه المسافرة عليه من غير ضرورة فلا تجوز ألا ترى أنه لو جاز مثل هذا لجاز له أن يأتي به بعض الكور التي بينها وبين مصره عشرة أيام وأكثر وهذا أقبح وإن كان المسلمون في موضع لا يقدرون فيه على العلف إلا من مسيرة أيام فلا بأس بأن يركبه إلى ذلك الموضع ليحمل عليه علفه لأن هذا موضع الضرورة والضرورات تبيح المحظورات ولا بأس بأن يركبه أيضاً راجعاً مع العلف لأنه لما جاز له أن يركبه ذاهباً لما أنه يحتاج إلى حفظ الدابة فلأن يجوز له أن يركبه راجعاً أيضاً مع العلف فهو يحتاج إلى حفظ الدابة والحمل أولى ولكن لا ينبغي له أن يحمله من العلف ما لا يطيق إذا ركب عليه من ذلك لأن هذا استهلاك للدابة ألا ترى أنه لا يحل له مثل ذلك في دابة نفسه فففي دابة الحبيس أولى وإذا أعطى الرجل سيفاً حبيساً في سبيل الله وعلى السيف حلية فليس ينبغي له أن يعرض للحلية لأن الحلية تبع للسيف والسيف حبيس غير مملوك فالحلية مثله فلا يتصرف فيه تصرف الملاك ولكن يستعمله في أمر الجهاد بحليته كما إذن له فإن احتاج السيف إلى مرمة فغن مرمته عليه ولا يعرض لحليته لأنه هو المنتفع به فكانت النفقة عليه كما قلنا في المستعير ألا ترى أن الفرس لو كان حبيساً في يده واحتاج إلى النفقة كانت نفقته عليه ولا يعرض للفرس بأجارته كذلك ها هنا فمرمة السيف عليه ولا يتعرض للحلية فإن كان السيف إنما أعطاه وكيلاً له يدفعه إلى غيره ممن يغزو في سبيل الله ثم يرده على الوكيل فليس للوكيل أيضاً أن يعرض لحليته بصدقة ولا بغيرهأ لأنه فوض إليه الدفع إلى من يغزو ولم يفوض إليه التصدق فلا يتعدى أمرموكله فإن احتاج السيف إلى مرمة في إصلاحه وإصلاح جفنه فرأى الوكيل أن يصلحه من حليته فلا بأس بذلك فيأخذ من حليته بقدر ما يحتاج إليه من المرمة فيرمه بذلك ويدع ما بقي حتى يحتاج إلى مرمة أخرى لأن منفعة السيف ليست للوكيل ليكون إصلاحه من ماله فيكون إصلاحه من السيف كالفرس إذا احتاج إلى نفقة فإنه ينفق عليه من منافعه بأن يؤاجره فيصرف غلته إلى نفقته وكذلك الأراضي الموقوفة مرمتها في غلتها وليس هناك غلة سوى الحلية فيصلحه من الحلية فإن كان إذا نزع بعض الحلية انتزعت كلها وأجرى للمرمة بعضها رمم السيف بما يحتاج إليه ثم ليمسك الفضل عنده ولم يتصدق به حتى إذا احتاج إلى مرمة فيرمه بها لأن الحلية ما جعلت للصدقة وإنما جعلت في الغزو فلا تصرف إلا في أمر الغزو ولو أن رجلاً جعل فرساً له حبيساً في سبيل الله ودفعه إلى وكيل مله يدفعه إلى بعض من يخرج في سبيل الله فحطم الفرس أو أصابه عيب لا يقدر ان يغزو عليه ولكنه يصلح للركوب في المصر أو للعجلة فلا بأس بأن يبيعه الوكيل ويشتري بثمنه فرساً آخر يغزو عليه في سبيل الله لأنه لو لم يبعه لهلك الفرس فانقطعت صدقة الذي حبس فكان له استبداله ليبقي صدقته فكان بمنزلة الوصي في ذلك فإن كان الثمن الذي يبيع به لا يبلغ ثمن فرس يغزوعليه في سبيل الله فإن كان يطمع أن يصاب فرس وقف حتى يصاب فرس يغزى عليه في سبيل الله لأنه يمكن إدامة هذه الصدقة بشراء فرس آخر فيوقف ولا يعطل وإن كان يعلم أنه لا يصاب به فرس بأن قل ذلك جداً رد الفرس على صاحبه الذي كان حبسه في سبيل الله ولا يتصدق بذلك على المساكين لأنه جعله حبيساً ليغزى عليه لا للتمليك والصدقة وإذا صار بحال لا يغزى عليه عاد إلى ملك الذي حبس كالعواري وهذا علي قياس ما قال به محمد - رحمه الله تعالى - في رجل جعل في أرضه مسجداً وصلى فيه الناس ثم ضرب ما حوله واتخذت مرزارع وضرب المسجد فإن كان يطمع أن يعود إله أهله ويصلوا فيه فإنه لا يعود ملكاً لصاحبه وإن كان لا يطمع في ذلك عاد ملكاً عند محمد - رحمه الله تعالى - فلصاحبه أن يأخذه ويبيعه أو يجعله مزرعة وإن كان ميتاً فلورثته ذلك لما أنه جعله للصلاة لا للصدقة فإذا صار بحال لا يصلى فيه لا يتصدق به ولكن يعود ملكاً فكذلك أمر الفرس وعند أبي يوسف - رحمه الله تعالى - لا يرد الفرس إلى صاحبه ولكن يتصدق به كما لا يعود المسجد ملكاً إذا كان لا يصلى فيه والله أعلم‏.‏