فصل: باب: ما ينبغي للمسلمين نصرته وبمن يبدءون

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح السير الكبير **


  باب الدعاء إلى الإسلام

لم يذكر هذا الباب في عامة النسخ قال محمد - رحمة الله عليه -‏:‏ ولو أن قوماً من أهل الحرب بلغهم الإسلام ولم يدروا كيف هو فغزاهم المسلمون فدعوا إلى أن يسلموا فأبى الأمير الذي على المسلمين أن يجيبهم إلى ذلك حتى قاتلهم وظهر عليهم فإنه ينبغي أن يعرض عليهم الإسلام فإذا أسلموا خلى سبيلهم وسلم لهم أموالهم وذراريهم وأراضيهم لأن القتال شرع لأجل الإسلام على ما قال صلى لاله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا‏:‏ لا إله إلا الله ‏"‏ وهؤلاء لما سألوا الإسلام فقد رغبوا فيه فكان يجب على الإمام أن يصف لهم الإسلام قبل المقاتلة حتى يسلموا فإذا قاتلهم ولم يصف لهم الإسلام فقد أخطأ فيه فعليه أن يرجع عن خطئه فيعرض عليهم الإسلام بعد الظهور عليهم فإن أسلموا صاروا كأنهم أسلموا قبل الظهور عليهم فبقوا أحراراً كما كانوا وإن أبوا أن يسلموا جعلوا ذمة لأنهم وقعوا في أيدي المسلمين آمنين لأن قتالهم حرام على الإمام لما دعوا إلى الإسلام فلا يجعلون فيئاً ولكن يجعلون ذمة فإن أخطأ الإمام فسباهم وخمسهم وقسمهم أولم يفعل فإنه ينبغي له أن يرجع عن خطئه فيعرض عليهم الإسلام لما قلنا‏:‏ إنه أخطأ حيث سباهم وهم راغبون في الإسلام والخطأ لا يستدام ولكنه يرجع عنه فإن أسلموا خلى سبيلهم وأبطل القسمة فيهم ورد عليهم أموالهم وإن أبو الإسلام جازت قسمتهم ولا يجعلهم ذمة بعد ذلك لأن الأمان لم يثبت لهم صريحاً ليمنعهم الأمان من القسمة إنما يثبت الأمان حكماً بطلبهم الإسلام ولما أبوا الإسلام فقد ظهر أن طلبهم لم يكن طلب رغبة في الإسلام وإنما كان طلبهم دفع القتال عن أنفسهم فنزلوا منزلة قوم لم تبلغهم الدعوة غزاهم المسلمون ولم يطلبوا منا الإسلام فيعرض الإسلام عليهم فإن أسلموا فهم أحرار وإن أبو الإسلام جعلوا ذمة فإن قسمهم الإمام جازت قسمة الإمام لما أن الموضع موضع الاجتهاد فإنهم أهل حرب ليس لهم صريح الأمان فنفذ حكم الإمام للاجتهاد فكذلك هاهنا فإن جهل الإمام فقتل مقاتلتهم قبل أن يعرض عليهم الإسلام فلا شيء عليه في ذلك لأن قتلهم وهم أهل حرب لا أمان لهم فلا يكون في قتلهم شيء كما لو أسر المسلون قوماً من المشركين فأراد الإمام قتلهم فقالوا‏:‏ نحن نسلم لم يكن للإمام أن يقتلهم حتى يعرض عليهم الإسلام فإن قتلهم قبل أن يعرض عليهم الإسلام لم يكن عليه شيء في قتلهم إلا أنه قد أساء فيما صنع فكذلك ها هنا ولو قتلهم بعد ما أسلموا فإن كان قتلهم بعد ما أخرجهم إلى دار الإسلام ضمن قيمتهم فيكونون فيئاً لمن أصابهم لأنه يقوم بالإحراز بدار الإسلام إلا أنه يسقط القصاص لأجل الشبهة لأنه قتل عن رأي واجتهاد ولم يقتل جزافاً فإن قتلهم في دار الحرب لم يكن عليه ضمان قتلهم للمسلمين لأن التقوم بالإحراز بدار الإسلام فأجابهم الإمام إلى ذلك فقالوا‏:‏ أنظرونا يوماً أو يومين أو ثلاثة فذلك إلى الإمام إن شاء أنظرهم وإن شاء لم ينظرهم لأن المرتد لو استنظر الإمام أنظره الإمام إن شاء فها هنا أولى فإن لم ينظرهم حتى قاتلهم فظهر عليهم وسباهم وخمسهم وقسمهم فذلك له جائز لأن الإمام لما أجابهم إلى أن يصف لهم الإيمان فقد فعل ما عليه فلما استمهلوا بعد إجابة الإمام لهم فالتفريط جاء من قبلهم فلا يمنع الإمام تفريطهم من مقاتلتهم فجاز للإمام قتالهم فإذا ظهر عليهم جاز لهم قسمتهم لأنهم وقعوا في أيدينا وقتالهم للمسلمين حلال فلم يثبت لهم حكم الأمان فحل له القسمة بخلاف الفصل الأول فإنهم طلبوا منا ما به حقن دمائهم وأموالهم في الحال من غير استمهال فإذا لم يجبهم الإمام إلى ذلك فالنقص جاء من قبل الإمام فعلى الإمام أن يرجع عما قضى ويردهم أحراراً إن أسلموا وإلا جعلهم ذمة فإن كان القوم قد عرض ذلك الأمر عليهم وعرفوا إلى ما يدعون فلما أتاهم المسلمون وحاصروهم قالوا لهم‏:‏ نحن نسلم فاعرضوا علينا الإسلام حتى نجيبكم إليه فإن الإمام ينبغي له أن يفعل ذلك لأنهم ربما يسلمون فيكفيه مؤنة القتال فإن أبى المسلمون وأميرهم أن يفعلوا ذلك وقاتلوهم وأسروهم قبل أن يسلموا فهذا جائز لهم لأنهم قد عرفوا الإمام من قبل فأمكنهم أن يسلموا في الحال قبل العرض عليهم فإذا لم يسلموا فالتقصير جاء من قبلهم فلم يحرم قتلهم وسبيهم لتقصير من جهتهم بخلاف ما تقدم لأنهم لم يعرفوا الإسلام من قبل ولا يمكنهم أن يسلموا من غير عرض فالتقصير وجد من جهة المسلمين فلهذا حرم قتلهم وسبيهم ولو أن قوماً من المشركين كانوا في قاصية من الأرض لم يبلغهم الإسلام ولم يدعوا إليه أتاهم المسلمون لم يسع المسلمين أن يقاتلوهم حتى يدعوهم إلى الإسلام لما روينا في الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا بعث سرية قال لهم‏:‏ إذا حاصرتم حصناً أو مدينة فادعوهم إلى الإسلام ولأنهم لا يدرون لماذا يقاتلون ولو علموا أنهم يقاتلون لأجل الإسلام ريما ينقادون للإسلام ولا يحتاج المسلمون إلى القتال فإن قاتل المسلمون المشركين الذين لم تبلغهم الدعوة قبل أن يدعوهم فظهروا عليهم فقد أخطأ المسلمون في ذلك لما قلنا‏:‏ إن الواجب عليهم الدعاء إلى الإسلام فينبغي للإمام أن يعرض عليهم الإسلام فإن أسلموا خلى سبيلهم لأنهم غير راغبين عن الإسلام فصاروا كأنهم وقعوا في أيدي المسلمين بعد ما أسلموا فيجب تخلية سبيلهم ورد أموالهم وأراضيهم فإن أبوا الإسلام جعلهم ذمة يؤدون الخراج ولم يردهم حرباً بعدما ظفر بهم لما قلنا‏:‏ إن الإمام قاتلهم والقتال حرام عليهم فصاروا في عصمة وأمان فلا يغنمون فإن رأى الإمام قسمتهم أو قتل مقاتلتهم ففعل ذلك ثم رفع ذلك إلى حاكم آخر يرى ما صنع باطل أجاز ما صنع من ذلك لأن الإمام حكم فيهم بالقسمة في موضع الاجتهاد ولأنهم أهل الحرب وكونهم من أهل الحرب سبب يحل لحل قتالهم وسبيهم إلا بعارض وذلك العارض هو الاستخبار والاستفهام وهذا العارض معدوم فقد استحل قتالهم وسبب الاستحلال قائم فكان هذا موضع الاجتهاد فينفذ حكمه فلا ينقض بعد ذل ثم لا يجب ضمان من قتل منهم عندنا وعند الشافعي - رحمة الله عليه - يضمن ديات القتلى قبل الدعوة لأنهم متمسكون بدين نبي من الأنبياء - صلوات الله عليهم - فيضمن الدية إلا أنا نقول بأنهم اعتقدوا ديناً باطلاً واعتقاد الدين الباطل كفر فكان كافراً فلا يجب بقتله شيء ثم عند الشافعي - رحمة الله عليه - يجب على القاتل مثل دية المسلم في قول بعضهم وقال بعضهم‏:‏ مثل دية الكتابي وقال بعضهم‏:‏ يجب مثل دية المجوس لأنه أقل الديات في دار الحرب فصار الحربي على ثلاثة أصناف‏:‏ صنف لم تبلغهم الدعوة ولم يسلموا أي لم يعلموا حتى يجيبوا فهؤلاء ينبغي للإمام أن يبلغهم الدعوة فإن قتلهم وسباهم قبل الدعوة ورأى ذلك صواباً فإن ذلك لا يرد وإن أسلموا وقوم لم تبلغهم الدعوة أو بلغتهم الدعوة ولم يعرفوا ما تفسيره فسألوا المسلمين أن يخبروهم بدينهم فيتابعوهم عليه فهؤلاء لا ينبغي للإمام أن يقتلهم ويأسرهم حتى يفهمهم فإن أسرهم ثم عرض عليه الإسلام فأسلموا فإنه يرد تلك القسمة وقوم قد دعوا إلى الإسلام غير مرة وعلموا ما يدعون إليه فسألوا المسلمين حتى يجيبوهم فالأفضل للمسلمين أن يدعوهم فإن لم يفعلوا ذلك حتى قاتلوهم وأسروهم جاز ذلك للمسلمين ولا يردون أحراراً بعد ذلك لأن التفريط من جهتهم وإن أسلموا قال‏:‏ ولو أن قوماً من أهل الحرب الذين لم تبلغهم الإسلام ولا الدعوة أتوا المسلمين في دارهم يقاتلهم المسلمون بغير دعوة ليدفعوا عن أنفسهم فقتلوا منهم وسبوا وأخذوا أموالهم فهذا جائز يخمس ذلك ويقسم ما بقي بين من أصابه لأن المسلم لو شهر سيفه على مسلم حل للمشهور عليه سيفه قتله للدفع عن نفسه فها هنا أولى والمعنى في ذلك أنهم لو اشتغلوا بالدعوة إلى الإسلام فربما يأتي السبي والقتل على حرم المسلمين وأموالهم وأنفسهم فلا يجب الدعاء بخلاف ما إذا كانوا يغزون في بلادهم فإنه لا ينبغي للمسلمين أن يقاتلوهم حتى يدعوهم لأنهم لا يقاتلون دفعاً وإنما يقاتلون لأجل الإسلام فلا بد من الدعاء إلى الإسلام ولو أن قوماً من مشركي العرب من عبدة الأوثان لم تبلغهم دعوة الإسلام إلا أنهم قد سمعوا بالإسلام ولم يدروا ما هو فأغار عليهم المسلمون فظفروا عليهم فينبغي للإمام أن يعرض عليهم الإسلام فإن أسلموا خلى سبيلهم لأنهم وقعوا في أيدينا بغير قتال ولا محاربة ولم يوجد منهم إباء الإسلام أيضاً فإن أبو أن يسلموا حبسوا في السجن إلى أن يسلموا ولا يقتلون لأنه لا وجه بأن يضرب عليهم الجزية لقوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ لا يجتمع في جزيرة العرب دينان ‏"‏ ولا وجه إلى أن يقتلوا لأنهم وقعوا في أيدينا لا على وجه المحاربة فكانوا بمنزلة المستأمنين فلم يبق وجه إلا الحبس فإن ماتوا على الكفر لم يجر على ذراريهم سبي وصارت أموالهم مواريث لورثتهم لأنهم في حكم المستأمنين وأموال المستأمنين وذراريهم لا تستغنم فإن رأى الإمام رأى الإمام حين أبوا الإسلام أن يقتل المقاتلة ويسبي الذرية ويقسم الأرضين والأموال ففعل جاز ما صنع من ذلك لأنهم وقعوا في أيدي المسلمين وهم أهل حرب ولا أمان لهم قصداً فكان هذا موضع اجتهاد في قتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم فإن فعل ذلك عن رأي واجتهاد جاز وكذلك قوم من المرتدين لحقوا بنساء مرتدات فولد لهم أولاد ثم مات المرتدون وبقي أولادهم على دينهم لا يعرفون الإسلام لم يسع المسلمين أن يقاتلوهم حتى يدعوهم إلى الإسلام لأنه لم يظهر منهم إباء الإسلام فإن قاتلوهم بغير دعوة وظهروا عليهم عرض عليهم الإسلام فإن أسلموا سلمت لهم أموالهم وذراريهم لأنهم غير راغبين عن الإسلام فصاروا كما لو أسلموا قبل السبي والأخذ فإن أبو حبسوا لأنه لا وجه لجعلهم ذمة لأنهم مرتدون والمرتدون لا يضرب عليهم الجزية ولا يقتلون لأنهم لم يصفوا الإسلام بأنفسهم فلا يقتلون على ردتهم وإن رأى الإمام قتلهم وسبي ذراريهم وقسمة مالهم ففعل ذلك جاز لأن الموضع موضع الاجتهاد على ما قلنا أنهم أهل الحرب ولا أمان لهم صريحاً وكذلك قوم من مشركي العرب من عبدة الأوثان دعاهم المسلمون إلى الإسلام فأبوا أن يجيبوا إليه فقاتلوهم وحصروهم فقالوا للمسلمين‏:‏ ننزل على حكم الله - تعالى - فقالوا لهم‏:‏ انزلوا فنزلوا فإن المسلمين يعرضون عليهم الإسلام فإن أسلموا فلا سبيل عليهم لما قلنا وإن أبو أن يسلموا أجبروا على الإسلام وحبسوا حتى يسلموا لأنه لا وجه للقتل لأنهم خرجوا على أمان ولا وجه لضرب الجزية عليهم لأنهم من مشركي العرب ولا وجه لردهم إلى حصنهم لأنه ليس من حكم الله - تعالى - أن يتركوا ليعودوا إلى دار الحرب فيكونوا حرباً لنا فلم يبق وجه إلا الحبس فمن مات منهم ورث ماله ورثته لأنهم في حكم المستأمنين وإن رأى إمام من أئمة المسلمين أن يقبل من مشركي العرب الجزية جاز ذلك وإن كان هذا خطأ لأن للاجتهاد فيه مدخلاً قال الله - تعالى -‏:‏ ‏{‏قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّه‏}‏ إلى أن قال‏:‏ ‏{‏حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ‏}‏ التوبة‏:‏ 29 وليس فيه تخصيص ولأن مشركي العرب والعجم أهل دين واحد وإن اختلفت آراؤهم ونحلهم وكذلك أولاد المرتدين إن رأى الإمام أن يجعلهم ذمة جاز ذلك لأن الموضع موضع الاجتهاد وكذلك لو أن الإمام رأى سبي مشركي العرب فخمسهم وقسمهم جاز ذلك وليس لوال آخر أن يبطل ما وضع لأن هذا موضع اجتهاد فإنهم أهل حرب ولأن المذهب عن الشافعي - رحمة الله عليه - أن يجوز استرقاق مشركي العرب وكذلك إن نزلوا على حكم الله فرأى الإمام أن يخمسهم ويقسمهم ففعل جاز ذلك وليس لوال آخر أن يبطله لما قلنا أن هذا مما يسع فيه اجتهاد الرأي والله تعالى أعلم‏.‏

  باب‏:‏ ما ينبغي للمسلمين نصرته وبمن يبدءون

وقال محمد - رحمة الله عليه - إذا دخل العسكر من المسلمين أرض الحرب فأخبروا أن المشركين قد أتوا بعض أرض المسلمين أو بعض ثغورهم فإن خاف أهل العسكر على أهل الثغر ألا يطيقوا العدو الذي أتاهم فالواجب عليهم أن ينفروا إليهم ويدعوا غزوهم لأنهم إذا خافوا على أهل الثغر فإنه يفرض على كل مسلم أن ينفر إليهم وينصرهم ودخولهم دار الحرب للعدو نافلة لهم أو من فروض الكفاية وفرض العين لا يترك بالنافلة أو بما هو من فروض الكفاية ولأنهم لو نفروا إلى أهل الثغر يحصل فيه شيئان اثنان قتال المشركين ونجاة المسلمين ولو مضوا على غزوهم لا يحصل فيه إلا قتال المشركين فكان الاشتغال يما يحصل فيه نجاة المسلمين مع قتال المشركين أولى وإن كانوا لا يخافون على أهل الثغر أو كان أكبر الرأي منهم أن القوم ينتصفون منهم فلا بأس بأن يمضوا على غزوهم ويدعوهم لأن ما من عسكر يخرجون إلى أرض الحرب إلا ويتوهم أن العدو يميلون إلى بعض ثغور المسلمين ومع هذا لا يمنعون عن الخروج فكذلك لا يميلون عن المضي فيه إذ لو لم يمضوا لهذا المعنى يؤدي إلى ترك الجهاد أصلاً ولأنهم لو مضوا في وجههم تحصل النكاية على العدو من وجهين فإن أهل الثغور ربما يظفرون بمن أتاهم والعسكر كذلك بالذين قصدوهم وكلما كانت النكاية بالعدو أكثر كان ذلك أحسن وإن كانوا يخافون على أهل الثغر إن لم يمنعهم المسلمون وكان قربهم من المسلمين إن أعانوهم ينتصفون من العدو أو كان أكبر الرأي أن أولئك المسلمين يقصدونهم كانوا في سعة من المضي إلى غزوهم لما قلنا‏:‏ إن فيه النكاية بهم من وجهين وإن كان أكبر الرأي منهم أن أولئك المسلمين لا ينصرونهم فالواجب عليهم أن يرجعوا عن غزوهم لما قلنا وإنما يعمل بأكبر الرأي هاهنا لأن القلب حكم فيما ليس فيه دليل ظاهر يوجب العمل بالظاهر والدليل الظاهر معدوم هاهنا فكان القلب حكما فيه ولو أن عسكرين من المسلمين دخلوا أرض الحرب متفرقين كل عسكر من ناحية فبلغ أحد العسكرين أن العدو تفرقوا فرقتين فأتى فريق منهم ثغراً من ثغور الذين خرجوا منه أو غيره وأتى فريق منهم العسكر الآخر للذين دخلوا معهم وخافوا علي الفريقين جميعاً إن لم يعينوهم فإنه ينظر إن كان هذا العسكر بحال لو تفرقوا فرقتين فتذهب فرقة إلى العسكر الآخر وفرقة إلى الثغر فظنوا أنهم ينتصفون من عدوهم تفرقوا فرقتين فيأتي كل فريق منهم إحدى الطائفتين حتى يعينوهم على عدوهم لأن فيه النكاية لكل عدو ولا نجاة لكل فريق من المؤمنين فكان عليهم أن يفعلوا ذلك وإن كانوا لو تفرقوا فريقين لم يغنوا شيئاً فيما يظنون فإنهم لا يتفرقون ولكن يأتون أهل العسكر الذين في دار الحرب فيعينوهم ويدعون أهل الثغر لأن الخوف عليهم أشد وهم من المدد أبعد فإن أهل الثغر ربما يعينهم المسلمون أو ينحازون إلى المسلمين والعسكر الذين أتاهم العدو في دار الحرب لا يعينهم المسلمون ولا يجدون ملجأ ينحازون إليه فكان العسكر الآخر أولى بالإعانة لهم من أهل الثغر وإن كان أكبر الرأي من أهل العسكر الذين في دار الحرب أنهم لا ينتصفون من عدوهم أتوا أهل الثغر وتركوهم لأن أهل العسكر لا يحتاجون إلى إعانتهم وأهل الثغر يحتاجون إلى الإعانة والنصرة فالميل إليهم أولى وإن كان أكبر الرأي من أهل هذا العسكر أن الفريقين جميعاً لا ينتصفون من عدوهم إلا أن أهل العسكر الآخر إلى أرض المسلمين أقرب والمسلمون الذين يعينونهم أقرب إليهم وأهل الثغر أبعد من أرض المسلمين وجب على أهل هذا العسكر أن يعينوا أهل الثغر لأن الخوف على أهل الثغر أشد والمدد منهم أبعد فإعانتهم أوجب عليهم وإن كان الأمر أن قد استويا في الفريقين يعني الخوف عليهما والرجاء لهما على السواء فالواجب على أهل هذا العسكر أن يعينوا أقرب الفريقين منهم على عدوهم لأن عدوهم أقرب العدوين من هذا العسكر والله - تعالى - أمر بقتال الأقرب من العدو وقال الله - تعالى -‏:‏ ‏{‏ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ‏}‏ ولأنهم لو أتوا أقرب الفريقين ربما يهزمون ذلك العدو ثم يذهبون إلى الفريق الآخر فينصرونهم فيكون فيه النكاية بالعدوين جميعاً وإن كان الأبعدون الخوف عليهم أشد كانوا أولى بالنصرة من الأقربين وإن كانوا في القرب منهم على السواء والخوف عليهم سواء أتوا أهل الثغر لأن الضرر على المسلمين في هلاك أهل الثغر أكثر فكان الذب عن حرم المسلمين وما فيه إعزاز لجميع المسلمين أولى ولو أن عساكر ثلاثة من المسلمين دخلوا أرض العدو ودخل كل فريق منهم ناحية من النواحي فأتى العدو عسكرين من تلك العساكر وتركوا العسكر الثالث فأخبر العسكر الثالث بكثرة العدو فإن كان الرأي من أهل العسكر الثالث أن أهل العسكرين ينتصفون من العدو مضوا على غزوهم لأن العسكرين الآخرين لا يحتاجان إلى إعانتهما وإن كان أكبر الرأي منهم أن أحد الفريقين ينتصف والآخر لا ينتصف أتوا الفريق الآخر الذي لا ينتصف لما قلنا‏:‏ إن فيه نكاية للعدو ونجاة المسلمين وإن كان أكبر الرأي منهم أن الفريقين لا ينتصفون ممن أتاهم وإن تفرقوا لم يغنوا شيئاً فإن كان أحد العسكرين أقرب إلى دار الإسلام أتوا العسكر الآخر وتركوهم لما قلنا‏:‏ إن الخوف عليهم أكبر وإذا كان حال العسكرين حالاً واحدة أتوا أقرب العسكرين منهم وإن كان العسكر الآخر يهلك لأن عدو ذلك العسكر أقرب منهم فإن كان الذين يلونهم قليلاً والآخرون كثيراً بدئ بالأقرب فالأقرب ولم ينظر القليل والكثير لأن حق الأقرب أوجب إلا أن كان هذا يضر بالمسلمين إضراراً شديداً ويخافون أن يهلك المسلمون به ويذلون فإذا كان الأمر هكذا أتوا الكثير لأن المصلحة للمسلمين في هذا أكثر وأعم وإن كان الذين يلونهم أكثر والأبعدون أقل لا يكون الأبعد أولى بالنصرة ولكن الأقربين أولى لأن رب قليل ينتصفون من كثير ورب كثير لا ينتصفون من قليل فحق النصرة لا يتعلق بالقلة والكثرة إنما يتعلق بالقرب والبعد والله تعالى الموفق‏.‏