فصل: باب المفاداة بالصغير والكبير من السبي وغير ذلك

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح السير الكبير **


  باب المفاداة بالصغير والكبير من السبي وغير ذلك

قال‏:‏ ولا بأس لأمير السرية أن يفادي الأسراء بالأسراء إذا طلب ذلك أهل الحرب وطابت أنفس السرية بذلك الرجال من الأسارى والنساء والصبيان في ذلك سواء ما لم يحكم بإسلامهم لأنه فوض إليه تدبير الحرب وتوفير المنفعة على المسلمين والمفاداة بالأسارى في دار الحرب من تدبير الحرب وفيه منفعة للمسلمين لأن المسلمين الذين يأخذونهم بالمفاداة أعظم غناء بالمسلمين مما يعطون إلا أنه يشترط رضاء أهل السرية في ذلك لثبوت حقهم في المأسورين فينبغي أن يسترضيهم في المفاداة لما فيها من إسقاط حقهم عما ثبت حقهم فيه‏.‏

وكذلك بعد الإخراج إلى دار الإسلام ما لم يحكم بإسلام الأسارى حتى أن الصبيان من السبي إذا كان معهم الآباء والأمهات لا يحكم لهم بالإسلام حتى يصفوا الإسلام بأنفسهم فتجوز المفاداة بهم وكذلك إن ماتت آباؤهم وأمهاتهم في دارنا لأن معنى التبعية بالموت لا ينقطع في حكم الدين‏.‏

ألا ترى أن أولاد أهل الذمة لا يحكم لهم بالإسلام وإن مات آباؤهم وأمهاتهم في دارنا وهم صغار وكذلك إن كان آباؤهم وأمهاتهم معهم فطلب المشركون المفاداة الصبيان خاصة فلا بأس بذلك وإن كان في ذلك تفريق بينهم وبين آبائهم لأن هذا التفريق بحق وتخليص المسلمين من أسراء المشركين أفضل وأعظم أجراً من ترك التفريق بحق وتخليص المسلمين من أسراء المشركين أفضل وأعظم أجراً من ترك التفريق بين الصبيان والآباء‏.‏

ولكن لا يجوز مفاداة صبيانهم بالمال كما لا يجوز مفاداة البالغين منهم لأن الصغير يكبر فيكون منه القتال ويكون له النسل بخلاف الشيخ والشيخة اللذين لا يرجى لهما نسل‏.‏

لأنه ليس في ردهما على المشركين من معنى التقوي على القتال بشيء وفي الصغار يتحقق ذلك المعنى‏.‏

ولو أبى أهل السرية أو العسكر المفاداة بالأسارى فليس لأميرهم أن يفادي بهم إلا أن يعوضهم من ذلك ما خلا خصلة واحدة الرجال من أهل الحرب الذين أسرهم المسلمون لا بأس بالمفاداة بهم قبل القسمة وإن لم يرض به أهل العسكر والسرية لأن لأميرهم أن يقتل الرجال من الأسراء وفي القتل إبطال حق أهل العسكر منهم من غير منفعة تخليص المسلمين من المشركين فلأن يجوز المفاداة وفيه منفعة التخليص كان أولى بخلاف السبي من النساء والصبيان والأموال من الكراع والسلاح وغير ذلك فإنه ليس له أن يبطل حق الغانمين منهم إلا بعوض فكذلك لا يكون له أن يفادي الأسراء بهم إلا بطيب أنفس الغانمين أو بعوض إن أبوا ذلك وذلك العوض يكون من مال بيت المال وبعد القسمة ليس له أن يفادي بالرجال أيضاً إلا برضاء من وقع في سهمه لأنه حين قسمهم فقد حرم عليه قتلهم فكان حالهم بعد القسمة كحال النساء والصبيان‏.‏

فإن أبى من وقع في سهمه الرجال المفاداة بهم وأبى المشركون أن يردوا أسراء المسلمين إلا بأولئك فينبغي للإمام أن يشتريهم بمال بيت المال من مواليهم ثم يفادي بهم فإن أبوا أن يبيعوه قومهم قيمة علج ثم أخذهم بتلك القيمة شاء مواليهم أو أبوا لأن المفاداة بهم تستحق بعوض على الموالي يعطيهم الإمام من بيت المال فإذا أبوا ناب الإمام منابهم في ذلك كالذمي إذا أسلم عبده فأبى أن يبيعه ناب الإمام منابه في ذلك لامتناعه مما هو مستحق‏.‏

وكذلك لو طلب المشركون المفاداة بعبيد كفار من أهل الذمة بقوم من أهل الذمة فإن الإمام يسترضيهم في ذلك لأن المفاداة بأحرار أهل الذمة يجوز برضائهم فبعبيدهم عند رضاء المولى أجوز‏.‏

ولا يعتبر فيه رضاء العبيد لأنهم مماليك ولا قول للمملوك في نقله من ملك إلى ملك في الرضاء والسخط وإن لم يرض الموالي بذلك اشتراهم منهم بمال بيت المال فإن أبوا أن يبيعوهم قومهم قيمة عدل لأنه لما ثبت له هذه الولاية في أملاك المسلمين لتخليص أسراء المسلمين به من ذل المشركين فلأن يثبت له هذه الولاية في ملك أهل الذمة كان أولى‏.‏

ولو أن أمير العسكر فادى الأسارى بقوم أحرار من المسلمين قبل البيع والقسمة فقال أهل العسكر‏:‏ نحن نأخذ قيمتهم من هؤلاء المسلمين لم يلتفت إلى قولهم لأنهم فودوا بغير أمرهم ولو فودوا بملك خاص للمسلمين بغير أمرهم لم يرجع عليهم بشيء من عوض ذلك فإذا فودوا بما هو من الغنيمة كان أولى فإن كانوا أسلوا الإمام أن يفاديهم به على أن يكون ذلك ديناً للغزاة عليهم فهو على ما شرطوا وكان عليهم قيمة ما فودوا به على أن يؤخذ ذلك منهم فيجعل في الغنيمة يقسم ويخمس ما بقي بين من أصابه لأن حكم البدل حكم المبدل‏.‏

ولو كان مكان الأحرار من أسراء المسلمين عبيد أو إماء والمسألة بحالها فإن ما يأخذه الأمير من العبيد والإماء يجعلهم في الغنيمة بمنزلة ما لو اشتراهم بما أعطي من الأسراء ثم يكون لمواليهم الخيار بين أن يأخذوهم بقمية الأسراء الذين فداهم الإمام بهم ثم يجعل ما يؤخذ منهم في الغنيمة وبين أن يتركوهم ويستوي إن كان قيمة أسراء المشركين مثل قيمة العبيد والإماء من المسلمين أو أقل أو أكثر مما يتغابن الناس فيه أو لا يتغابن لأنه قد كان له ولاية قتل أسراء المشركين وفيه إبطال حق الغانمين عنهم بغير عوض فلأن يكون ذلك له بعوض وهو أقل من قيمتهم كان أول‏.‏

ولو كانت هذه المفاداة بالنساء والصبيان فإن كانت القيمة متساوية أو كان التفاوت يسيراً فلا بأس به للأمير من غير رضى أهل العسكر بمنزلة بيعه الغنائم وإذا كان ما يعطي أكثر قيمة مما لا يتغابن الناس فيه فإنه لا يحل للإمام أن يفعل ذلك بغير رضاء أهل العسكر إلا أن يشاء أن يزيدهم من بيت مال المسلمين بقدر ما يفي من قيمة أسرائهم اعتباراً للبعض بالكل ثم يجمع ذلك فيرفع الخمس منه ويقسم الأربعة الأخماس بين من أصابه وفكاك كل أسير من المسلمين على الأرض التي يقاتل من ورائها يؤخذ ذلك من خراجها فيفدي به الأسير المسلم الذي يقاتل عنها لأن التمكن من أخذ الخراج باعتبار الحماية وذلك بالمقاتلة الذين يقاتلون عن تلك الأراضي فإذا وقعت الحاجة إلى مفاداتهم كان ذلك الخراج متعيناً لمفاداتهم ليكون الغرم بمقابلة الغنم‏.‏

فإذا لم يكن لها خراج فذلك في خراج غيرها من أرض الإسلام لأنه إذا قاتل عن شيء من أرض المسلمين فهو يقاتل عنها كلها لأن أهل الحرب يقصدون الاستيلاء على جميع أرض الإسلام لو قدروا على ذلك فالذين يقاتلونهم من المسلمين يدفعونهم عن جميع أرض الإسلام ثم استدل على اعتبار رضاء المسمين في المفاداة بقصة سبي هوازن فقد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ستة آلاف من سبي هوازن حين أسلموا والقصة في ذلك أن وفدهم الذين جاءوا قالوا‏:‏ يا رسول الله إن في هذه الحظائر بعض عماتك وخالاتك ولو كنا منحنا للنعمان بن المنذر أو غيره من ملوك العرب لكان يراعي ذلك لنا وأنت أبر الناس وأوصلهم وإنما قالوا ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مسترضعاً فيهم فلما سمع ذلك رق لهم وقال‏:‏ إذا صلينا الظهر فقوموا وأعيدوا مقالتكم هذه ففعلوا ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ قد كنت منتظراً لكم فأبطأتم المجيء حتى جرى في السبي سهام المسلمين فأما ما كانت لي ولقريش فقد سلمت لكم فلما سمع المسلمون ذلك قال المهاجرون والأنصار‏:‏ وقد سلمنا ما كان لنا أيضاً فقال عيينة بن حصن‏:‏ أما أنا وبنو فزارة فلا وقال الأقرع بن حابس‏:‏ أما أنا وبنو تميم فلا فلما اختلفوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ هؤلاء قوم قد جاءوا مسلمين فردوا عليهم سبيهم ومن أبى ذلك فله علينا مكان كل رأس ستة قلائص نعطيه من أول غنيمة نصيبها ألا ترى أنه لو طلب رضاءهم ومن أبى التزم له عوضاً حتى ردهم على قومهم فصار هذا أصلاً في الحكم الذي بيناه في الباب والله تعالى الموفق‏.‏