فصل: نَوْعَا مَرَضِ الْقَلْبِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.الْمَرَضُ نَوْعَانِ:

الْمَرَضُ نَوْعَانِ مَرَضُ الْقُلُوبِ وَمَرَضُ الْأَبَدَانِ وَهُمَا مَذْكُورَانِ فِي الْقُرْآنِ.

.نَوْعَا مَرَضِ الْقَلْبِ:

وَمَرَضُ الْقُلُوبِ نَوْعَانِ مَرَضُ شُبْهَةٍ وَشَكّ وَمَرَضُ شَهْوَةٍ وَغَيّ وَكِلَاهُمَا فِي الْقُرْآنِ. قَالَ تَعَالَى فِي مَرَضِ الشّبْهَةِ {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضًا} [الْبَقَرَةُ 10] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلِيَقُولَ الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللّهُ بِهَذَا مَثَلًا} [الْمُدّثّرُ 31] وَقَالَ تَعَالَى فِي حَقّ مَنْ دُعِيَ إلَى تَحْكِيمِ الْقُرْآنِ وَالسّنّةِ فَأَبَى وَأَعْرَضَ {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ} [النّورُ 48 و49] فَهَذَا مَرَضُ الشّبُهَاتِ وَالشّكُوكِ. فَقَالَ تَعَالَى: {يَا نِسَاءَ النّبِيّ لَسْتُنّ كَأَحَدٍ مِنَ النّسَاءِ إِنِ اتّقَيْتُنّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الْأَحْزَابُ 32]. فَهَذَا مَرَضُ شَهْوَةِ الزّنَى وَاللّهُ أَعْلَمُ.

.فصل مَرَضُ الْأَبْدَانِ:

وَأَمّا مَرَضُ الْأَبَدَانِ فَقَالَ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النّورُ 61] وَذَكَرَ مَرَضَ الْبَدَنِ فِي الْحَجّ وَالصّوْمِ وَالْوُضُوءِ لِسِرّ بَدِيعٍ يُبَيّنُ لَك عَظَمَةَ الْقُرْآنِ وَالِاسْتِغْنَاءَ بِهِ لِمَنْ فَهِمَهُ وَعَقَلَهُ عَنْ سِوَاهُ وَذَلِكَ أَنّ قَوَاعِدَ طِبّ الْأَبْدَانِ ثَلَاثَةٌ حِفْظُ الصّحّةِ وَالْحِمْيَةُ عَنْ الْمُؤْذِي وَاسْتِفْرَاغُ الْمَوَادّ الْفَاسِدَةِ فَذَكَرَ سُبْحَانَهُ هَذِهِ الْأُصُولَ الثّلَاثَةَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثّلَاثَةِ. فَقَالَ فِي آيَةِ الصّوْمِ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَر} [الْبَقَرَةُ 184] فَأَبَاحَ الْفِطْرَ لِلْمَرِيضِ لِعُذْرِ الْمَرَضِ وَلِلْمُسَافِرِ طَلَبًا لِحِفْظِ صِحّتِهِ وَقُوّتِهِ لِئَلّا يُذْهِبَهَا الصّوْمُ فِي السّفَرِ لِاجْتِمَاعِ شِدّةِ الْحَرَكَةِ وَمَا يُوجِبُهُ مِنْ التّحْلِيلِ وَعَدَمِ الْغِذَاءِ الّذِي يُخْلِفُ مَا تَحَلّلَ فَتَخُورُ الْقُوّةُ وَتَضْعُفُ فَأَبَاحَ لِلْمُسَافِرِ الْفِطْرَ حِفْظًا لِصِحّتِهِ وَقُوّتِهِ عَمّا يُضْعِفُهَا. وَقَالَ فِي آيَةِ الْحَجّ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [الْبَقَرَةُ 196] فَأَبَاحَ لِلْمَرِيضِ وَمَنْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ مِنْ قَمْلٍ أَوْ حِكّةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ فِي الْإِحْرَامِ اسْتِفْرَاغًا لِمَادّةِ الْأَبْخِرَةِ الرّدِيئَةِ الّتِي أَوْجَبَتْ لَهُ الْأَذَى فِي رَأْسِهِ بِاحْتِقَانِهَا تَحْتَ الشّعَرِ فَإِذَا حَلَقَ رَأْسَهُ تَفَتّحَتْ الْمَسَامّ فَخَرَجَتْ تِلْكَ الْأَبْخِرَةُ مِنْهَا فَهَذَا الِاسْتِفْرَاغُ يُقَاسُ عَلَيْهِ كُلّ اسْتِفْرَاغٍ يُؤْذِي انْحِبَاسُهُ. وَالْأَشْيَاءُ الّتِي يُؤْذِي انْحِبَاسُهَا وَمُدَافَعَتُهَا عَشَرَةٌ الدّمُ إذَا هَاجَ وَالْمَنِيّ إذَا تَبَيّغَ وَالْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَالرّيحُ وَالْقَيْءُ وَالْعُطَاسُ وَالنّوْمُ وَالْجُوعُ أَدْنَاهَا وَهُوَ الْبُخَارُ الْمُحْتَقَنُ فِي الرّأْسِ عَلَى اسْتِفْرَاغِ مَا هُوَ أَصْعَبُ مِنْهُ كَمَا هِيَ طَرِيقَةُ الْقُرْآنِ التّنْبِيهُ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى.

.الْحِمْيَةُ:

وَأَمّا الْحِمْيَةُ: فَقَالَ تَعَالَى فِي آيَةِ الْوُضُوءِ {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمّمُوا صَعِيدًا طَيّبًا} [النّسَاءُ 43] فَأَبَاحَ لِلْمَرِيضِ الْعُدُولَ عَنْ الْمَاءِ إلَى التّرَابِ حِمْيَةً لَهُ أَنْ يُصِيبَ جَسَدَهُ مَا يُؤْذِيهِ وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى الْحِمْيَةِ عَنْ كُلّ مُؤْذٍ لَهُ مِنْ دَاخِلٍ أَوْ خَارِجٍ فَقَدْ أَرْشَدَ- سُبْحَانَهُ- عِبَادَهُ إلَى أُصُولِ الطّبّ وَمَجَامِعِ قَوَاعِدِهِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ هَدْيَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ذَلِكَ وَنُبَيّنُ أَنّ هَدْيَهُ فِيهِ أَكْمَلُ هَدْيٍ.

.طِبّ الْقُلُوبِ:

فَأَمّا طِبّ الْقُلُوبِ فَمُسَلّمٌ إلَى الرّسُلِ صَلَوَاتُ اللّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَلَا سَبِيلَ إلَى حُصُولِهِ إلّا مِنْ جِهَتِهِمْ وَعَلَى أَيْدِيهِمْ فَإِنّ صَلَاحَ الْقُلُوبِ أَنْ تَكُونَ عَارِفَةً بِرَبّهَا وَفَاطِرِهَا وَبِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ وَأَنْ تَكُونَ مُؤْثِرَةً لِمَرْضَاتِهِ وَمُحَابّهِ مُتَجَنّبَةً لِمَنَاهِيهِ وَمَسَاخِطِهِ وَلَا صِحّةَ لَهَا وَلَا حَيَاةَ الْبَتّةَ إلّا بِذَلِكَ وَلَا سَبِيلَ إلَى تَلَقّيهِ إلّا مِنْ جِهَةِ الرّسُلِ وَمَا يُظَنّ مِنْ حُصُولِ صِحّةِ الْقَلْبِ بِدُونِ اتّبَاعِهِمْ فَغَلَطٌ مِمّنْ يَظُنّ ذَلِكَ وَإِنّمَا ذَلِكَ حَيَاةُ نَفْسِهِ الْبَهِيمِيّةِ الشّهْوَانِيّةِ وَصِحّتُهَا وَقُوّتُهَا وَحَيَاةُ قَلْبِهِ وَصِحّتُهُ وَقُوّتُهُ عَنْ ذَلِكَ بِمَعْزِلٍ وَمَنْ لَمْ يُمَيّزْ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا فَلْيَبْكِ عَلَى حَيَاةِ قَلْبِهِ فَإِنّهُ مِنْ الْأَمْوَاتِ وَعَلَى نُورِهِ فَإِنّهُ مُنْغَمِسٌ فِي بِحَارِ الظّلُمَاتِ.

.فَصْلٌ: طِبّ الْأَبْدَانِ:

وَأَمّا طِبّ الْأَبْدَانِ فَإِنّهُ نَوْعَانِ:
نَوْعٌ قَدْ فَطَرَ اللّهُ عَلَيْهِ الْحَيَوَانَ نَاطِقَهُ وَبَهِيمَهُ فَهَذَا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى مُعَالَجَةِ طَبِيبٍ كَطِبّ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالْبَرْدِ وَالتّعَبِ بِأَضْدَادِهَا وَمَا يُزِيلُهَا.
وَالثّانِي: مَا يَحْتَاجُ إلَى فِكْرٍ وَتَأَمّلٍ كَدَفْعِ الْأَمْرَاضِ الْمُتَشَابِهَةِ الْحَادِثَةِ فِي الْمِزَاجِ بِحَيْثُ يَخْرُجُ بِهَا عَنْ الِاعْتِدَالِ إمّا إلَى حَرَارَةٍ أَوْ بُرُودَةٍ أَوْ يُبُوسَةٍ أَوْ رُطُوبَةٍ أَوْ مَا يَتَرَكّبُ مِنْ اثْنَيْنِ مِنْهَا وَهِيَ نَوْعَانِ إمّا مَادّيّةٌ وَإِمّا كَيْفِيّةٌ أَعْنِي إمّا أَنْ يَكُونَ بِانْصِبَابِ مَادّةٍ أَوْ بِحُدُوثِ كَيْفِيّةٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنّ أَمْرَاضَ الْكَيْفِيّةِ تَكُونُ بَعْدَ زَوَالِ الْمَوَادّ الّتِي أَوْجَبَتْهَا فَتَزُولُ مَوَادّهَا وَيَبْقَى أَثَرُهَا كَيْفِيّةً فِي الْمِزَاجِ. وَأَمْرَاضُ الْمَادّةِ أَسْبَابُهَا مَعَهَا تَمُدّهَا وَإِذَا كَانَ سَبَبُ الْمَرَضِ مَعَهُ فَالنّظَرُ فِي السّبَبِ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ أَوّلًا ثُمّ فِي الْمَرَضِ ثَانِيًا ثُمّ فِي الدّوَاءِ ثَالِثًا. أَوْ الْأَمْرَاضُ الْآلِيّةُ وَهِيَ الّتِي تُخْرِجُ الْعُضْوَ عَنْ هَيْئَتِهِ إمّا فِي شَكْلٍ أَوْ تَجْوِيفٍ أَوْ مَجْرًى أَوْ خُشُونَةٍ أَوْ مَلَاسَةٍ أَوْ عَدَدٍ أَوْ عَظْمٍ أَوْ وَضْعٍ فَإِنّ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ إذَا تَأَلّفَتْ وَكَانَ مِنْهَا الْبَدَنُ سُمّيَ تَأَلّفُهَا اتّصَالًا وَالْخُرُوجُ عَنْ الِاعْتِدَالِ فِيهِ يُسَمّى تَفَرّقَ الِاتّصَالِ أَوْ الْأَمْرَاضُ الْعَامّةُ الّتِي تَعُمّ الْمُتَشَابِهَةَ وَالْآلِيّةَ. وَالْأَمْرَاضُ الْمُتَشَابِهَةُ هِيَ الّتِي يَخْرُجُ بِهَا الْمِزَاجُ عَنْ الِاعْتِدَالِ وَهَذَا الْخُرُوجُ يُسَمّى مَرَضًا بَعْدَ أَنْ يَضُرّ بِالْفِعْلِ إضْرَارًا مَحْسُوسًا. وَهِيَ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَضْرُبٍ أَرْبَعَةٌ بَسِيطَةٌ وَأَرْبَعَةٌ مُرَكّبَةٌ.
فَالْبَسِيطَةُ الْبَارِدُ وَالْحَارّ وَالرّطْبُ وَالْيَابِسُ.
وَالْمُرَكّبَةُ الْحَارّ الرّطْبُ وَالْحَارّ الْيَابِسُ وَالْبَارِدُ الرّطْبُ وَالْبَارِدُ الْيَابِسُ.
وَهِيَ إمّا أَنْ تَكُونَ بِانْصِبَابِ مَادّةٍ أَوْ بِغَيْرِ انْصِبَابِ مَادّةٍ وَإِنْ لَمْ يَضُرّ الْمَرَضُ بِالْفِعْلِ يُسَمّى خُرُوجًا عَنْ الِاعْتِدَالِ صِحّةً.

.أَحْوَالُ الْبَدَنِ:

وَلِلْبَدَنِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ حَالٌ طَبِيعِيّةٌ وَحَالٌ خَارِجَةٌ عَنْ الطّبِيعِيّةِ وَحَالٌ مُتَوَسّطَةٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ. فَالْأُولَى: بِهَا يَكُونُ الْبَدَنُ صَحِيحًا وَالثّانِيَةُ بِهَا يَكُونُ مَرِيضًا. وَالْحَالُ الثّالِثَةُ هِيَ مُتَوَسّطَةٌ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ فَإِنّ الضّدّ لَا يَنْتَقِلُ إلَى ضِدّهِ إلّا بِمُتَوَسّطٍ وَسَبَبُ خُرُوجِ الْبَدَنِ عَنْ طَبِيعَتِهِ إمّا مِنْ دَاخِلِهِ لِأَنّهُ مُرَكّبٌ مِنْ الْحَارّ وَالْبَارِدِ وَالرّطْبِ وَالْيَابِسِ وَإِمّا مِنْ خَارِجٍ فَلِأَنّ مَا يَلْقَاهُ قَدْ يَكُونُ مُوَافِقًا فَسَادٍ فِي الْعُضْوِ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ ضَعْفٍ فِي الْقُوَى أَوْ الْأَرْوَاحِ الْحَامِلَةِ لَهَا وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى زِيَادَةِ مَا الِاعْتِدَالُ فِي عَدَمِ زِيَادَتِهِ أَوْ نُقْصَانُ مَا الِاعْتِدَالُ فِي عَدَمِ نُقْصَانِهِ أَوْ تَفَرّق مَا الِاعْتِدَالُ فِي اتّصَالِهِ أَوْ اتّصَالُ مَا الِاعْتِدَالُ فِي تَفَرّقِهِ أَوْ امْتِدَادُ مَا الِاعْتِدَالُ فِي انْقِبَاضِهِ أَوْ خُرُوجُ ذِي وَضْعٍ وَشَكْلٍ عَنْ وَضْعِهِ وَشَكْلِهِ بِحَيْثُ يُخْرِجُهُ عَنْ اعْتِدَالِهِ.

.وَظِيفَةُ الطّبِيبِ:

فَالطّبِيبُ هُوَ الّذِي يُفَرّقُ مَا يَضُرّ بِالْإِنْسَانِ جَمْعُهُ أَوْ يَجْمَعُ فِيهِ مَا يَضُرّهُ تَفَرّقُهُ أَوْ يَنْقُصُ مِنْهُ مَا يَضُرّهُ زِيَادَتُهُ أَوْ يَزِيدُ فِيهِ مَا يَضُرّهُ نَقْصُهُ فَيَجْلِبُ الصّحّةَ الْمَفْقُودَةَ أَوْ يَحْفَظُهَا بِالشّكْلِ وَالشّبَهِ وَيَدْفَعُ الْعِلّةَ الْمَوْجُودَةَ بِالضّدّ وَالنّقِيضِ وَيُخْرِجُهَا أَوْ يَدْفَعُهَا بِمَا يَمْنَعُ مِنْ حُصُولِهَا بِالْحِمْيَةِ وَسَتَرَى هَذَا كُلّهُ فِي هَدْيِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَافِيًا كَافِيًا بِحَوَلِ اللّهِ وَقُوّتِهِ وَفَضْلِهِ وَمَعُونَتِهِ.

.فصل التّدَاوِي:

فَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِعْلُ التّدَاوِي فِي نَفْسِهِ وَالْأَمْرُ بِهِ لِمَنْ أَصَابَهُ مَرَضٌ مِنْ أَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ وَلَا هَدْيِ أَصْحَابِهِ اسْتِعْمَالُ هَذِهِ الْأَدْوِيَةِ الْمُرَكّبَةِ الّتِي تُسَمّى أقرباذين بَلْ كَانَ غَالِبُ أَدْوِيَتِهِمْ بِالْمُفْرَدَاتِ وَرُبّمَا أَضَافُوا إلَى الْمُفْرَدِ مَا يُعَاوِنُهُ أَوْ يَكْسِرُ سَوْرَتَهُ وَهَذَا غَالِبُ طِبّ الْأُمَمِ عَلَى اخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا مِنْ الْعَرَبِ وَالتّرْكِ وَأَهْلِ الْبَوَادِي قَاطِبَةً وَإِنّمَا عَنِيَ بِالْمُرَكّبَاتِ الرّومُ وَالْيُونَانِيّونَ وَأَكْثَرُ طِبّ الْهِنْدِ بِالْمُفْرَدَاتِ. وَقَدْ اتّفَقَ الْأَطِبّاءُ عَلَى أَنّهُ مَتَى أَمْكَنَ التّدَاوِي بِالْغِذَاءِ لَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَى الدّوَاءِ وَمَتَى أَمْكَنَ بِالْبَسِيطِ لَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَى الْمُرَكّبِ.
قَالُوا: وَكُلّ دَاءٍ قُدِرَ عَلَى دَفْعِهِ بِالْأَغْذِيَةِ وَالْحِمْيَةِ لَمْ يُحَاوَلْ دَفْعُهُ بِالْأَدْوِيَةِ.
قَالُوا: وَلَا يَنْبَغِي لِلطّبِيبِ أَنْ يَوْلَعَ بِسَقْيِ الْأَدْوِيَةِ فَإِنّ الدّوَاءَ إذَا لَمْ يَجِدْ فِي فَزَادَتْ كَمّيّتُهُ عَلَيْهِ أَوْ كَيْفِيّتُهُ تَشَبّثَ بِالصّحّةِ وَعَبِثَ بِهَا. وَأَرْبَابُ التّجَارِبِ مِنْ الْأَطِبّاءِ طِبّهُمْ بِالْمُفْرَدَاتِ غَالِبًا وَهُمْ أَحَدُ فِرَقِ الطّبّ الثّلَاثِ. وَالتّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ أَنّ الْأَدْوِيَةَ مِنْ جِنْسِ الْأَغْذِيَةِ فَالْأُمّةُ وَالطّائِفَةُ الّتِي غَالِبُ أَغْذِيَتِهَا الْمُفْرَدَاتُ أَمْرَاضُهَا قَلِيلَةٌ جِدّا وَطِبّهَا بِالْمُفْرَدَاتِ وَأَهْلُ الْمُدُنِ الّذِينَ غَلَبَتْ عَلَيْهِمْ الْأَغْذِيَةُ الْمُرَكّبَةُ يَحْتَاجُونَ إلَى الْأَدْوِيَةِ الْمُرَكّبَةِ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنّ أَمْرَاضَهُمْ فِي الْغَالِبِ مُرَكّبَةٌ فَالْأَدْوِيَةُ الْمُرَكّبَةُ أَنْفَعُ لَهَا وَأَمْرَاضُ أَهْلِ الْبَوَادِي وَالصّحَارِي مُفْرَدَةٌ فَيَكْفِي فِي مُدَاوَاتِهَا الْأَدْوِيَةُ الْمُفْرَدَةُ فَهَذَا بُرْهَانٌ بِحَسْبِ الصّنَاعَةِ الطّبّيّةِ.

.فَضْلُ طِبّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى طِبّ الْأَطِبّاءِ:

وَنَحْنُ نَقُولُ إنّ هَاهُنَا أَمْرًا آخَرَ نِسْبَةُ طِبّ الْأَطِبّاءِ إلَيْهِ كَنِسْبَةِ طِبّ الطّرْقِيّةِ وَالْعَجَائِزِ إلَى طِبّهِمْ وَقَدْ اعْتَرَفَ بِهِ حُذّاقُهُمْ وَأَئِمّتُهُمْ فَإِنّ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ بِالطّبّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هُوَ قِيَاسٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هُوَ تَجْرِبَةٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هُوَ إِلْهَامَاتٌ وَمَنَامَاتٌ وَحَدْسٌ صَائِبٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أُخِذَ كَثِيرٌ مِنْهُ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الْبَهِيمِيّةِ كَمَا نُشَاهِدُ السّنَانِيرَ إذَا أَكَلَتْ ذَوَاتَ السّمُومِ تَعْمِدُ إلَى السّرَاجِ فَتَلَغُ فِي الزّيْتِ تَتَدَاوَى بِهِ وَكَمَا رُئِيَتْ الْحَيّاتُ إذَا خَرَجَتْ مِنْ بُطُونِ الْأَرْضِ وَقَدْ عَشِيَتْ أَبْصَارُهَا تَأْتِي إلَى وَرَقِ الرازيانج فَتُمِرّ عُيُونَهَا عَلَيْهَا. وَكَمَا عُهِدَ مِنْ الطّيْرِ الّذِي يَحْتَقِنُ بِمَاءِ الْبَحْرِ عِنْدَ انْحِبَاسِ طَبْعِهِ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمّا ذُكِرَ فِي مَبَادِئِ الطّبّ. وَأَيْنَ يَقَعُ هَذَا وَأَمْثَالُهُ مِنْ الْوَحْيِ الّذِي يُوحِيهِ اللّهُ إلَى رَسُولِهِ بِمَا يَنْفَعُهُ وَيَضُرّهُ فَنِسْبَةُ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الطّبّ إلَى هَذَا الْوَحْيِ كَنِسْبَةِ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعُلُومِ إلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ بَلْ هَاهُنَا مِنْ الْأَدْوِيَةِ الّتِي تَشْفِي مِنْ الْأَمْرَاضِ مَا لَمْ يَهْتَدِ إلَيْهَا عُقُولُ أَكَابِرِ الْأَطِبّاءِ وَلَمْ تَصِلْ إلَيْهَا عُلُومُهُمْ وَتَجَارِبُهُمْ وَأَقْيِسَتُهُمْ مِنْ الْأَدْوِيَةِ الْقَلْبِيّةِ وَالرّوحَانِيّةِ وَقُوّةِ الْقَلْبِ وَاعْتِمَادِهِ عَلَى اللّهِ وَالتّوَكّلِ عَلَيْهِ وَالِالْتِجَاءِ إلَيْهِ وَالِانْطِرَاحِ وَالِانْكِسَارِ بَيْنَ يَدْيِهِ وَالتّذَلّلِ لَهُ وَالصّدَقَةِ وَالدّعَاءِ وَالتّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالْإِحْسَانِ إلَى الْخَلْقِ وَإِغَاثَةِ الْمَلْهُوفِ وَالتّفْرِيجِ عَنْ الْمَكْرُوبِ فَإِنّ هَذِهِ الْأَدْوِيَةَ قَدْ جَرّبَتْهَا الْأُمَمُ عَلَى اخْتِلَافِ أَدْيَانِهَا وَمِلَلِهَا فَوَجَدُوا لَهَا مِنْ التّأْثِيرِ فِي الشّفَاءِ مَا لَا يَصِلُ إلَيْهِ عِلْمُ أَعْلَمِ الْأَطِبّاءِ وَلَا تَجْرِبَتُهُ وَلَا قِيَاسُهُ. وَقَدْ جَرّبْنَا نَحْنُ وَغَيْرُنَا مِنْ هَذَا أُمُورًا كَثِيرَةً وَرَأَيْنَاهَا تَفْعَلُ مَا لَا تَفْعَلُ الْأَدْوِيَةُ الْحِسّيّةُ بَلْ تَصِيرُ الْأَدْوِيَةُ الْحِسّيّةُ عِنْدَهَا بِمَنْزِلَةِ أَدْوِيَةِ الطّرْقِيّةِ عِنْدَ الْأَطِبّاءِ وَهَذَا جَارٍ عَلَى قَانُونِ الْحِكْمَةِ الْإِلَهِيّةِ لَيْسَ خَارِجًا عَنْهَا وَلَكِنّ الْأَسْبَابَ مُتَنَوّعَةٌ فَإِنّ الْقَلْبَ مَتَى اتّصَلَ بِرَبّ الْعَالَمِينَ وَخَالِقِ الدّاءِ وَالدّوَاءِ وَمُدَبّرِ الطّبِيعَةِ وَمُصَرّفِهَا عَلَى مَا يَشَاءُ كَانَتْ لَهُ أَدْوِيَةٌ أُخْرَى غَيْرَ الْأَدْوِيَةِ الّتِي يُعَانِيهَا الْقَلْبُ الْبَعِيدُ مِنْهُ الْمُعْرِضُ عَنْهُ وَقَدْ عُلِمَ أَنّ الْأَرْوَاحَ مَتَى قَوِيَتْ وَقَوِيَتْ النّفْسُ وَالطّبِيعَةُ تَعَاوُنًا عَلَى دَفْعِ الدّاءِ وَقَهْرِهِ فَكَيْفَ يُنْكِرُ لِمَنْ قَوِيَتْ طَبِيعَتُهُ وَنَفْسُهُ وَفَرِحَتْ بِقُرْبِهَا مِنْ بَارِئِهَا وَأُنْسِهَا بِهِ وَحُبّهَا لَهُ وَتَنَعّمِهَا بِذِكْرِهِ وَانْصِرَافِ قُوَاهَا كُلّهَا إلَيْهِ وَجَمْعِهَا عَلَيْهِ وَاسْتِعَانَتِهَا بِهِ وَتَوَكّلِهَا عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهَا مِنْ أَكْبَرِ الْأَدْوِيَةِ وَأَنْ تُوجِبَ لَهَا هَذِهِ الْقُوّةُ دَفْعَ الْأَلَمِ بِالْكُلّيّةِ وَلَا يُنْكِرُ هَذَا إلّا أَجْهَلُ النّاسِ وَأَغْلَظُهُمْ حِجَابًا وَأَكْثَفُهُمْ نَفْسًا وَأَبْعَدُهُمْ عَنْ اللّهِ وَعَنْ حَقِيقَةِ الْإِنْسَانِيّةِ وَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللّهُ السّبَبَ الّذِي بِهِ أَزَالَتْ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ دَاءَ اللّدْغَةِ عَنْ اللّدِيغِ الّتِي رُقِيَ بِهَا فَقَامَ حَتّى كَأَنّ مَا بِهِ قَلَبَةٌ. فَهَذَانِ نَوْعَانِ مِنْ الطّبّ النّبَوِيّ نَحْنُ بِحَوْلِ اللّهِ نَتَكَلّمُ عَلَيْهِمَا بِحَسْبِ الْجَهْدِ وَالطّاقَةِ وَمَبْلَغِ عُلُومِنَا الْقَاصِرَةِ وَمَعَارِفِنَا الْمُتَلَاشِيَةِ جِدّا وَبِضَاعَتِنَا الْمُزْجَاةِ وَلَكِنّا نَسْتَوْهِبُ مَنْ بِيَدِهِ الْخَيْرُ كُلّهُ وَنَسْتَمِدّ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنّهُ الْعَزِيزُ الْوَهّابُ.

.فصل الْحَثّ عَلَى التّدَاوِي وَرَبْطِ الْأَسْبَابِ بِالْمُسَبّبَاتِ:

رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ لِكُلّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ.
وَفِي الصّحِيحَيْنِ: عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «مَا أَنْزَلَ اللّهُ مِنْ دَاءٍ إلّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً» وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: مِنْ حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَاءَتْ الْأَعْرَابُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَتَدَاوَى؟ فَقَالَ: «نَعَمْ يَا عِبَادَ اللّهِ تَدَاوَوْا فَإِنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إلّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ» قَالُوا: مَا هُوَ؟ قَالَ: «الْهَرَمُ». وَفِي لَفْظٍ: «إنّ اللّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إلّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَه».
وَفِي الْمُسْنَدِ: مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَرْفَعُهُ: «إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إلّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ» عَنْ أَبِي خُزَامَةَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا وَدَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ وَتُقَاةً نَتّقِيهَا هَلْ تَرُدّ مِنْ قَدَرِ اللّهِ شَيْئًا؟ فَقَالَ: «هِيَ مِنْ قَدَرِ اللّهِ».

.مَعْنَى لِكُلّ دَاءٍ دَوَاءٌ:

فَقَدْ تَضَمّنَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ إثْبَاتَ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبّبَاتِ وَإِبْطَالَ قَوْلِ مَنْ أَنْكَرَهَا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ لِكُلّ دَاءٍ دَوَاءٌ عَلَى عُمُومِهِ حَتّى يَتَنَاوَلَ الْأَدْوَاءَ الْقَاتِلَةَ وَالْأَدْوَاءَ الّتِي لَا يُمْكِنُ لِطَبِيبٍ أَنْ يُبْرِئَهَا وَيَكُونُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ قَدْ جَعَلَ لَهَا أَدْوِيَةً تُبْرِئُهَا وَلَكِنْ طَوَى عِلْمَهَا عَنْ الْبَشَرِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ إلَيْهِ سَبِيلًا لِأَنّهُ لَا عِلْمَ لِلْخَلْقِ إلّا مَا عَلّمَهُمْ اللّهُ وَلِهَذَا عَلّقَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الشّفَاءَ عَلَى مُصَادَفَةِ الدّوَاءِ لِلدّاءِ فَإِنّهُ لَا شَيْءَ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ إلّا لَهُ ضِدّ وَكُلّ دَاءٍ لَهُ ضِدّ مِنْ الدّوَاءِ يُعَالَجُ بِضِدّهِ فَعَلّقَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْبُرْءَ بِمُوَافَقَةِ الدّاءِ لِلدّوَاءِ وَهَذَا قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى مُجَرّدِ وَجُودِهِ فَإِنّ الدّوَاءَ مَتَى جَاوَزَ دَرَجَةَ الدّاءِ فِي الْكَيْفِيّةِ أَوْ زَادَ فِي الْكَمّيّةِ عَلَى مَا يَنْبَغِي نَقْلُهُ إلَى دَاءٍ آخَرَ وَمَتَى قَصَرَ عَنْهَا لَمْ يَفِ بِمُقَاوَمَتِهِ وَكَانَ الْعِلَاجُ قَاصِرًا وَمَتَى لَمْ يَقَعْ الْمُدَاوِي عَلَى الدّوَاءِ أَوْ لَمْ يَقَعْ الدّوَاءُ عَلَى الدّاءِ لَمْ يَحْصُلْ الشّفَاءُ وَمَتَى لَمْ يَكُنْ الزّمَانُ صَالِحًا لِذَلِكَ الدّوَاءِ لَمْ يَنْفَعْ وَمَتَى كَانَ الْبَدَنُ غَيْرَ قَابِلٍ لَهُ أَوْ الْقُوّةُ عَاجِزَةً عَنْ حَمْلِهِ أَوْ ثَمّ مَانِعٌ يَمْنَعُ مِنْ تَأْثِيرِهِ لَمْ يَحْصُلْ الْبُرْءُ لِعَدَمِ الْمُصَادَفَةِ وَمَتَى تَمّتْ الْمُصَادَفَةُ حَصَلَ الْبُرْءُ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَابُدّ وَهَذَا أَحْسَنُ الْمَحْمِلَيْنِ فِي الْحَدِيثِ.
وَالثّانِي: أَنْ يَكُونَ مِنْ الْعَامّ الْمُرَادِ بِهِ الْخَاصّ لَا سِيّمَا وَالدّاخِلُ فِي اللّفْظِ أَضْعَافُ أَضْعَافِ الْخَارِجِ مِنْهُ وَهَذَا يُسْتَعْمَلُ فِي كُلّ لِسَانٍ وَيَكُونُ وَضَعَ لَهُ دَوَاءً فَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْأَدْوَاءُ الّتِي لَا تَقْبَلُ الدّوَاءَ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الرّيحِ الّتِي سَلّطَهَا عَلَى قَوْمِ عَادٍ: {تُدَمّرُ كُلّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبّهَا} [الْأَحْقَافُ 25] أَيْ كُلّ شَيْءٍ يَقْبَلُ التّدْمِيرَ وَمِنْ شَأْنِ الرّيحِ أَنْ تُدَمّرَهُ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ. وَمَنْ تَأَمّلَ خَلْقَ الْأَضْدَادِ فِي هَذَا الْعَالَمِ وَمُقَاوَمَةَ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ وَدَفْعَ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَتَسْلِيطَ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ تَبَيّنَ لَهُ كَمَالُ قُدْرَةِ الرّبّ تَعَالَى وَحِكْمَتُهُ وَإِتْقَانُهُ مَا صَنَعَهُ وَتَفَرّدُهُ بِالرّبُوبِيّةِ وَالْوَحْدَانِيّةِ وَالْقَهْرِ وَأَنّ كُلّ مَا سِوَاهُ فَلَهُ مَا يُضَادّهُ وَيُمَانِعُهُ كَمَا أَنّهُ الْغَنِيّ بِذَاتِهِ وَكُلّ مَا سِوَاهُ مُحْتَاجٌ بِذَاتِهِ.