فصل: دُعَاءُ الْإِيَابِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.هَلْ التّشْمِيتُ عَلَى مَنْ سَمِعَ حَمْدَ الْعَاطِسِ؟

وَقَدْ اخْتَلَفَ النّاسُ فِي مَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا: أَنّ الْعَاطِسَ إذَا حَمِدَ اللّهَ فَسَمِعَهُ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ دُونَ بَعْضٍ هَلْ يُسَنّ لِمَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ تَشْمِيتُهُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ وَالْأَظْهَرُ أَنّهُ يُشَمّتُهُ إذَا تَحَقّقَ أَنّهُ حَمِدَ اللّهَ وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ سَمَاعَ الْمُشَمّتِ لِلْحَمْدِ وَإِنّمَا الْمَقْصُودُ نَفْسُ حَمْدِهِ فَمَتَى تَحَقّقَ تَرَتّبَ عَلَيْهِ التّشْمِيتُ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُشَمّتُ أَخْرَسَ وَرَأَى حَرَكَةَ شَفَتَيْهِ بِالْحَمْدِ. وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فَإِنْ حَمِدَ اللّهَ فَشَمّتُوهُ هَذَا هُوَ الصّوَابُ.

.هَلْ يُسْتَحَبّ تَذْكِيرُ الْعَاطِسِ بِالْحَمْدِ:

الثّانِيَةُ إذَا تَرَكَ الْحَمْدَ فَهَلْ يُسْتَحَبّ لِمَنْ حَضَرَهُ أَنْ يُذَكّرَهُ الْحَمْدَ؟ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيّ: لَا يُذَكّرُهُ قَالَ وَهَذَا جَهْلٌ مِنْ فَاعِلِهِ. وَقَالَ النّوَوِيّ: أَخْطَأَ مَنْ زَعَمَ إبْرَاهِيمَ النّخَعِيّ. قَالَ وَهُوَ مِنْ بَابِ النّصِيحَةِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالتّعَاوُنِ عَلَى الْبِرّ وَالتّقْوَى، وَظَاهِرُ السّنّةِ يُقَوّي قَوْلَ ابْنِ الْعَرَبِيّ لِأَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يُشَمّتْ الّذِي عَطَسَ وَلَمْ يَحْمَدْ اللّهَ وَلَمْ يُذَكّرْهُ وَهَذَا تَعْزِيرٌ لَهُ وَحِرْمَانٌ لِبَرَكَةِ الدّعَاءِ لَمّا حَرَمَ نَفْسَهُ بَرَكَةَ الْحَمْدِ فَنَسِيَ اللّهَ فَصَرَفَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْسِنَتَهُمْ عَنْ تَشْمِيتِهِ وَالدّعَاءِ لَهُ وَلَوْ كَانَ تَذْكِيرُهُ سُنّةً لَكَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَوْلَى بِفِعْلِهَا وَتَعْلِيمِهَا، وَالْإِعَانَةِ عَلَيْهَا.

.فصل الرّدّ عَلَى مَنْ عَطَسَ مِنْ الْيَهُودِ:

وَصَحّ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ الْيَهُودَ كَانُوا يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَهُ يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ يَرْحَمُكُمْ اللّهُ فَكَانَ يَقُولُ يَهْدِيكُمْ اللّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُم.

.فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَذْكَارِ السّفَرِ وَآدَابِهِ:

.الِاسْتِخَارَةُ:

صَحّ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ إذَا هَمّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمّ لْيَقُلْ اللّهُمّ إنّي أَسْتَخِيرُك بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلّامُ الْغُيُوبِ اللّهُمّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي، وَعَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاقْدُرْهُ لِي، وَيَسّرْهُ لِي، وَبَارِكْ لِي فِيهِ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُهُ شَرّا لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي، وَعَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنّي، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمّ رَضّنِي بِهِ قَالَ وَيُسَمّي حَاجَتَهُ قَالَ رَوَاهُ الْبُخَارِيّ. فَعَوّضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُمّتَهُ بِهَذَا الدّعَاءِ عَمّا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيّةِ مِنْ زَجْرِ الطّيْرِ وَالِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ الّذِي نَظِيرُهُ هَذِهِ الْقُرْعَةُ الّتِي كَانَ يَفْعَلُهَا إخْوَانُ الْمُشْرِكِينَ يَطْلُبُونَ بِهَا عِلْمَ مَا قُسِمَ لَهُمْ فِي الْغَيْبِ وَلِهَذَا سُمّيَ ذَلِكَ اسْتِقْسَامًا، وَهُوَ اسْتِفْعَالٌ مِنْ الْقَسْمِ وَالسّينُ فِيهِ لِلطّلَبِ وَعَوّضَهُمْ بِهَذَا الدّعَاءِ الّذِي هُوَ تَوْحِيدٌ وَافْتِقَارٌ وَعُبُودِيّةٌ وَتَوَكّلٌ وَسُؤَالٌ لِمَنْ بِيَدِهِ الْخَيْرُ كُلّهُ الّذِي لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إلّا هُوَ وَلَا يَصْرِفُ السّيّئَاتِ إلّا هُوَ الّذِي إِذَا فَتَحَ لِعَبْدِهِ رَحْمَةً لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ حَبْسَهَا عَنْهُ وَإِذَا أَمْسَكَهَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ إرْسَالَهَا إلَيْهِ مِنْ التّطَيّرِ وَالتّنْجِيمِ وَاخْتِيَارِ الطّالِعِ وَنَحْوِهِ. فَهَذَا الدّعَاءُ هُوَ الطّالِعُ الْمَيْمُونُ السّعِيدُ طَالِعُ أَهْلِ السّعَادَةِ وَالتّوْفِيقِ الّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنْ اللّهِ الْحُسْنَى، لَا طَالِعُ أَهْلِ الشّرْكِ وَالشّقَاءِ وَالْخِذْلَانِ الّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ. فَتَضَمّنَ هَذَا الدّعَاءُ الْإِقْرَارَ بِوُجُودِهِ سُبْحَانَهُ وَالْإِقْرَارَ بِصِفَاتِ كَمَالِهِ مِنْ كَمَالِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَالْإِقْرَارَ بِرُبُوبِيّتِهِ وَتَفْوِيضَ الْأَمْرِ إلَيْهِ وَالِاسْتِعَانَةَ بِهِ وَالتّوَكّلَ عَلَيْهِ وَالْخُرُوجَ مِنْ عُهْدَةِ نَفْسِهِ وَالتّبَرّي مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوّةِ إلّا بِهِ وَاعْتِرَافَ الْعَبْدِ بِعَجْزِهِ عَنْ عِلْمِهِ بِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَيْهَا، وَإِرَادَتِهِ لَهَا، وَأَنّ ذَلِكَ كُلّهُ بِيَدِ وَلِيّهِ وَفَاطِرِهِ وَإِلَهِهِ الْحَقّ. وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ، عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ اسْتِخَارَةُ اللّهِ وَرِضَاهُ بِمَا قَضَى اللّهُ وَمِنْ شَقَاوَةِ ابْنِ آدَمَ تَرْكُ اسْتِخَارَةِ اللّهِ وَسَخَطُهُ بِمَا قَضَى اللّهُ فَتَأَمّلْ كَيْفَ وَقَعَ الْمَقْدُورُ مُكْتَنِفًا بِأَمْرَيْنِ التّوَكّلِ الّذِي هُوَ مَضْمُونُ الِاسْتِخَارَةِ قَبْلَهُ وَالرّضَى بِمَا يَقْضِي اللّهُ لَهُ بَعْدَهُ وَهُمَا عِنْوَانُ السّعَادَةِ. وَعِنْوَانُ الشّقَاءِ أَنْ يَكْتَنِفَهُ تَرْكُ التّوَكّلِ وَالِاسْتِخَارَةِ قَبْلَهُ وَالسّخَطُ بَعْدَهُ وَالتّوَكّلُ قَبْلَ الْقَضَاءِ. فَإِذَا أُبْرِمَ الْقَضَاءُ وَتَمّ انْتَقَلَتْ الْعُبُودِيّةُ إلَى الرّضَى بَعْدَهُ كَمَا فِي الْمُسْنَدِ، وَزَادَ النّسَائِيّ فِي الدّعَاءِ الْمَشْهُورِ وَأَسْأَلُكَ الرّضَى بَعْدَ الْقَضَاءِ وَهَذَا أَبْلَغُ مِنْ الرّضَى بِالْقَضَاءِ فَإِنّهُ قَدْ يَكُونُ عَزْمًا فَإِذَا وَقَعَ الْقَضَاءُ تَنْحَلُ الْعَزِيمَةُ فَإِذَا حَصَلَ الرّضَى بَعْدَ الْقَضَاءِ كَانَ حَالًا أَوْ مَقَامًا. وَالْمَقْصُودُ أَنّ الِاسْتِخَارَةَ تَوَكّلٌ عَلَى اللّهِ وَتَفْوِيضٌ إلَيْهِ وَاسْتِقْسَامٌ بِقُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَحُسْنُ اخْتِيَارِهِ لِعَبْدِهِ وَهِيَ مِنْ لَوَازِمِ الرّضَى بِهِ رَبّا، الّذِي لَا يَذُوقُ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِك، وَإِنْ رَضِيَ بِالْمَقْدُورِ بَعْدَهَا، فَذَلِكَ عَلَامَةُ سَعَادَتِهِ. وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ لَمْ يُرِدْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَفَرًا قَطّ إلّا قَالَ حِينَ يَنْهَضُ مِنْ جُلُوسِهِ اللّهُمّ بِكَ انْتَشَرْتُ وَإِلَيْكَ تَوَجّهْتُ، وَبِكَ اعْتَصَمْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكّلْتُ اللّهُمّ أَنْتَ ثِقَتِي، وَأَنْتَ رَجَائِي، اللّهُمّ اكْفِنِي مَا أَهَمّنِي وَمَا لَا أَهْتَمّ لَهُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنّي، عَزّ جَارُكَ وَجَلّ ثَنَاؤُكَ وَلَا إلَهَ غَيْرُكَ اللّهُمّ زَوّدْنِي التّقْوَى، وَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَوَجّهْنِي لِلْخَيْرِ أَيْنَمَا تَوَجّهْتُ ثُمّ يَخْرَجُ.

.فصل الذّكْرُ عِنْدَ رُكُوبِ الرّاحِلَةِ:

وَكَانَ إِذَا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ كَبّرَ ثَلَاثًا، ثُمّ قَالَ سُبْحَانَ الّذِي سَخّرَ لَنَا هَذَا، وَمَا كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنّا إلَى رَبّنَا لَمُنْقَلِبُونَ. ثُمّ يَقُولُ اللّهُمّ إنّي أَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرّ وَالتّقْوَى، وَمِنْ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللّهُمّ هَوّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنّا بُعْدَهُ اللّهُمّ أَنْتَ الصّاحِبُ فِي السّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ اللّهُمّ اصْحَبْنَا فِي سَفَرِنَا، وَاخْلُفْنَا فِي أَهْلِنَا. وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنّ وَزَادَ فِيهِنّ آيِبُونَ تَائِبُونَ، عَابِدُونَ لِرَبّنَا حَامِدُونَ. وَذَكَرَ أَحْمَدُ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ أَنْتَ الصّاحِبُ فِي السّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ، اللّهُمّ إنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الضّبْنَةِ فِي السّفَرِ وَالْكَآبَةِ فِي الْمُنْقَلَبِ اللّهُمّ اقْبِضْ لَنَا الْأَرْضَ وَهَوّنْ عَلَيْنَا السّفَرَ. وَإِذَا أَرَادَ الرّجُوعَ قَالَ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبّنَا حَامِدُونَ. وَإِذَا دَخَلَ أَهْلَهُ قَالَ تَوْبًا تَوْبًا، لِرَبّنَا أَوْبًا، لَا يُغَادِرُ عَلَيْنَا حَوْبًا. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: أَنّهُ كَانَ إِذَا سَافَرَ يَقُولُ اللّهُمّ إنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ وَمِنْ الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ وَمِنْ دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ وَمِنْ سُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ. فَصْلٌ وَكَانَ إِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرّكَابِ لِرُكُوبِ دَابّتِهِ قَالَ بِسْمِ اللّهِ فَإِذَا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا، قَالَ الْحَمْدُ لِلّهِ ثَلَاثًا اللّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا، ثُمّ يَقُولُ سُبْحَانَ الّذِي سَخّرَ لَنَا هَذَا، وَمَا كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنّا إلَى رَبّنَا لَمُنْقَلِبُون ثُمّ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلّه ثَلَاثًا، اللّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا، ثُمّ يَقُولُ سُبْحَانَ اللّهِ ثَلَاثًا، ثُمّ يَقُولُ لَا إلَهَ إلّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إنّي كُنْتُ مِنْ الظّالِمِينَ سُبْحَانَكَ إنّي ظَلَمْتُ نَفْسِي، فَاغْفِرْ لِي، إنّهُ لَا يَغْفِرُ الذّنُوبَ إلّا أَنْتَ.

.تَوْدِيعُ الْمُسَافِرِ:

وَكَانَ إِذَا وَدّعَ أَصْحَابَهُ فِي السّفَرِ يَقُولُ لِأَحَدِهِمْ أَسْتَوْدِعُ اللّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ. وَجَاءَ إلَيْهِ رَجُلٌ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي أُرِيدُ سَفَرًا، فَزَوّدْنِي. فَقَالَ زَوّدَكَ اللّهُ التّقْوَى. قَالَ زِدْنِي. قَالَ وَغَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ. قَالَ زِدْنِي. قَالَ وَيَسّرَ لَكَ الْخَيْرَ حَيْثُمَا كُنْت.
وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ إنّي أُرِيدُ سَفَرًا، فَقَالَ أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللّهِ وَالتّكْبِيرِ عَلَى كُلّ شَرَفٍ فَلَمّا وَلّى، قَالَ اللّهُمّ ازْوِ لَهُ الْأَرْضَ وَهَوّنْ عَلَيْهِ السّفَرَ.

.الذّكْرُ عِنْدَ عُلُوّ الثّنَايَا وَالْهُبُوطِ:

وَكَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا عَلَوْا الثّنَايَا، كَبّرُوا، وَإِذَا هَبَطُوا، سَبّحُوا، فَوُضِعَتْ الصّلَاةُ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ أَنَسٌ كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إِذَا عَلَا شَرَفًا مِنْ الْأَرْضِ أَوْ نَشْزًا، قَالَ اللّهُمّ لَكَ الشّرَفُ عَلَى كُلّ شَرَفٍ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى كُلّ حَمْدٍ.

.كَيْفِيّةُ السّيْرِ:

وَكَانَ سَيْرُهُ فِي حَجّهِ الْعَنَقَ فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً رَفَعَ السّيْرَ فَوْقَ ذَلِكَ وَكَانَ لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ وَلَا جَرَس.

.كَرَاهَةُ السّفَرِ وَحِيدًا:

وَكَانَ يُكْرَهُ لِلْمُسَافِرِ وَحْدَهُ أَنْ يَسِيرَ بِاللّيْلِ فَقَالَ لَوْ يَعْلَمُ النّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا سَارَ أَحَدٌ وَحْدَهُ بِلَيْلٍ. بَلْ كَانَ يَكْرَهُ السّفَرَ لِلْوَاحِدِ بِلَا رُفْقَةٍ وَأَخْبَرَ أَنّ الْوَاحِدَ شَيْطَانٌ. وَالِاثْنَانِ شَيْطَانَانِ وَالثّلَاثَةُ رَكْبٌ.

.دُعَاءُ النّزُولِ:

وَكَانَ يَقُولُ إِذَا نَزَلَ أَحَدُكُمْ مَنْزِلًا فَلْيَقُلْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللّهِ التّامّاتِ مِنْ شَرّ مَا خَلَقَ فَإِنّهُ لَا يَضُرّهُ شَيْءٌ حَتّى يَرْتَحِلَ مِنْهُ. وَلَفْظُ مُسْلِمٍ مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمّ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللّهِ التّامّاتِ مِنْ شَرّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرّهُ شَيْءٌ حَتّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ.

.دُعَاءُ إدْرَاكِ الْمُسَافِرِ اللّيْلُ:

وَذَكَرَ أَحْمَدُ عَنْهُ أَنّهُ كَانَ إِذَا غَزَا أَوْ سَافَرَ فَأَدْرَكَهُ اللّيْلُ قَالَ يَا أَرْضُ رَبّي وَرَبّكِ اللّهُ، أَعُوذُ بِاَللّهِ مِنْ شَرّكِ وَشَرّ مَا فِيكِ وَشَرّ مَا خُلِقَ فِيكِ وَشَرّ مَا دَبّ عَلَيْكِ أَعُوذُ بِاَللّهِ مِنْ شَرّ كُلّ أَسَدٍ وَأَسْوَدَ وَحَيّةٍ وَعَقْرَبٍ وَمِنْ شَرّ سَاكِنِ الْبَلَدِ وَمِنْ شَرّ وَالِدٍ وَمَا وَلَدَ.

.التّعْرِيسُ وَالسّفَرُ فِي الْخِصْبِ:

وَكَانَ يَقُولُ إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ فَأَعْطُوا الْإِبِلَ حَظّهَا مِنْ الْأَرْضِ وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السّنَةِ فَبَادِرُوا نِقْيَهَا. وَفِي لَفْظٍ فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السّيْرَ وَإِذَا عَرّسْتُمْ، فَاجْتَنِبُوا الطّرِيقَ فَإِنّهَا طُرُقُ الدّوَابّ وَمَأْوَى الْهَوَامّ بِاللّيْلِ.

.دُعَاءُ الدّخُولِ إلَى قَرْيَةٍ:

وَكَانَ إِذَا رَأَى قَرْيَةً يُرِيدُ دُخُولَهَا قَالَ حِينَ يَرَاهَا: اللّهُمّ رَبّ السّمَاوَاتِ السّبْعِ وَمَا أَظْلَلْنَ، وَرَبّ الْأَرَضِينَ السّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ وَرَبّ الشّيَاطِينِ وَمَا أَضْلَلْنَ وَرَبّ الرّيحِ وَمَا ذَرَيْنَ إنّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّهَا وَشَرّ مَا فِيهَا.

.دُعَاءُ بُدُوّ الْفَجْرِ فِي السّفَرِ:

وَكَانَ إِذَا بَدَا لَهُ الْفَجْرُ فِي السّفَرِ قَالَ سَمِعَ سَامِعٌ بِحَمْدِ اللّهِ وَحُسْنِ بَلَائِهِ عَلَيْنَا، رَبّنَا صَاحِبْنَا وَأَفْضِلْ عَلَيْنَا عَائِذًا بِاَللّهِ مِنْ النّار وَكَانَ يَنْهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوّ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوّ. وَكَانَ يَنْهَى الْمَرْأَةَ أَنْ تُسَافِرَ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَلَوْ مَسَافَةَ بَرِيدٍ.

.السّرْعَةُ فِي الْإِيَابِ:

وَكَانَ يَأْمُرُ الْمُسَافِرَ إِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ مِنْ سَفَرِهِ أَنْ يُعَجّلَ الْأَوْبَةَ إلَى أَهْلِهِ.

.دُعَاءُ الْإِيَابِ:

وَكَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ سَفَرِهِ يُكَبّرُ عَلَى كُلّ شَرَفٍ مِنْ الْأَرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمّ يَقُولُ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آيِبُونَ تَائِبُونَ، عَابِدُونَ لِرَبّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ.

.النّهْيُ عَنْ طُرُوقِ الْأَهْلِ لَيْلًا:

وَكَانَ يَنْهَى أَنْ يَطْرُقَ الرّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا إِذَا طَالَتْ غَيْبَتُهُ عَنْهُمْ. الصّحِيحَيْنِ: كَانَ لَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ لَيْلًا يَدْخُلُ عَلَيْهِنّ غُدْوَةً أَوْ عَشِيّةً.

.مَسَائِلُ تَتَعَلّقُ بِالْقُدُومِ مِنْ السّفَرِ:

وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ يُلَقّى بِالْوِلْدَانِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ. قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ وَإِنّهُ قَدِمَ مَرّةً مِنْ سَفَرٍ فَسُبِقَ بِي إلَيْهِ فَحَمَلَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمّ جِيءَ بِأَحَدِ ابْنَيْ فَاطِمَةَ إمّا حَسَنٌ وَإِمّا حُسَيْنٌ فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ. قَالَ فَدَخَلْنَا الْمَدِينَةَ ثَلَاثَةً عَلَى دَابّةٍ. وَكَانَ يَعْتَنِقُ الْقَادِمَ مِنْ سَفَرِهِ وَيُقَبّلُهُ إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهِ. قَالَ الزّهْرِيّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ الْمَدِينَةَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَيْتِي، فَأَتَاهُ فَقَرَعَ الْبَابَ فَقَامَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُرْيَانًا يَجُرّ ثَوْبَهُ وَاَللّهِ مَا رَأَيْتُهُ عُرْيَانًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ فَاعْتَنَقَهُ وَقَبّلَه. قَالَتْ عَائِشَةُ لَمّا قَدِمَ جَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ تَلَقّاهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَبّلَ مَعًا بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَاعْتَنَقَهُ. قَالَ الشّعْبِيّ وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ تَعَانَقُوا. وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ، فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْن.

.فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَذْكَارِ النّكَاحِ:

ثَبَتَ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ عَلّمَهُمْ خُطْبَةَ الْحَاجَةِ الْحَمْدُ لِلّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَسَيّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللّهُ فَلَا مُضِلّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ، وَأَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمّ يَقْرَأُ الْآيَاتِ الثّلَاثَ {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنّ إِلّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عِمْرَانَ 102]، {يَا أَيّهَا النّاسُ اتّقُوا رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النّسَاءِ 1] {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الْأَحْزَابِ 70- 71]. قَالَ شُعْبَةُ: قُلْت لِأَبِي إسْحَاقَ هَذِهِ فِي خُطْبَةِ النّكَاحِ أَوْ فِي غَيْرِهَا؟ قَالَ فِي كُلّ حَاجَةٍ. وَقَالَ إِذَا أَفَادَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً أَوْ خَادِمًا، أَوْ دَابّةً فَلْيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا، وَلْيَدْعُ اللّهَ بِالْبَرَكَةِ وَيُسَمّي اللّهَ عَزّ وَجَلّ وَلْيَقُلْ اللّهُمّ إنّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّهَا وَشَرّ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ وَكَانَ يَقُولُ لِلْمُتَزَوّجِ بَارَكَ اللّهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ. وَقَالَ لَوْ أَنّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ، قَالَ بِسْمِ اللّهِ اللّهُمّ جَنّبْنَا الشّيْطَانَ وَجَنّبْ الشّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنّهُ إنْ يُقَدّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا.