فصل: الذّكْرُ فِي الْمَجْلِسِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا يَقُولُ مَنْ رَأَى مَا يُعْجِبُهُ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ:

يُذْكَرُ عَنْ أَنَسٍ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ مَا أَنْعَمَ اللّهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً فِي أَهْلٍ وَلَا مَالٍ أَوْ وَلَدٍ فَيَقُولُ مَا شَاءَ اللّهُ لَا قُوّةَ إلّا بِاَللّهِ فَيَرَى فِيهِ آفَةً دُونَ الْمَوْتِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللّهُ لَا قُوّةَ إِلّا بِاللّهِ} [الْكَهْفِ 39].

.فَصْلٌ فِيمَا يَقُولُ مَنْ رَأَى مُبْتَلًى:

صَحّ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ مَا مِنْ رَجُلٍ رَأَى مُبْتَلًى فَقَالَ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي عَافَانِي مِمّا ابْتَلَاكَ بِهِ وَفَضّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا إلّا لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ الْبَلَاءُ كَائِنًا مَا كَانَ.

.فَصْلٌ فِيمَا يَقُولُهُ مَنْ لَحِقَتْهُ الطّيَرَةُ:

ذُكِرَ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ ذُكِرَتْ الطّيَرَةُ عِنْدَهُ فَقَالَ أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ وَلَا تَرُدّ مُسْلِمًا، فَإِذَا رَأَيْتَ مِنْ الطّيَرَةِ مَا تَكْرَهُ فَقُلْ اللّهُمّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إلّا أَنْتَ وَلَا يَدْفَعُ السّيّئَاتِ إلّا أَنْتَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِكَ وَكَانَ كَعْبٌ يَقُولُ اللّهُمّ لَا طَيْرَ إلّا طَيْرُكَ، وَلَا خَيْرَ إلّا خَيْرُكَ وَلَا رَبّ غَيْرُكَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِكَ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنّهَا لَرَأْسُ التّوَكّلِ وَكَنْزُ الْعَبْدِ فِي الْجَنّةِ وَلَا يَقُولُهُنّ عَبْدٌ عِنْدَ ذَلِكَ ثُمّ يَمْضِي إلّا لَمْ يَضُرّهُ شَيْءٌ.

.فَصْلٌ فِيمَا يَقُولُهُ مَنْ رَأَى فِي مَنَامِهِ مَا يَكْرَهُهُ:

صَحّ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الرّؤْيَا الصّالِحَةُ مِنْ اللّهِ وَالْحُلْمُ مِنْ الشّيْطَانِ، فَمَنْ رَأَى رُؤْيَا يَكْرَهُ مِنْهَا شَيْئًا، فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا، وَلْيَتَعَوّذْ بِاَللّهِ مِنْ الشّيْطَانِ فَإِنّهَا لَا تَضُرّهُ وَلَا يُخْبِرْ بِهَا أَحَدًا. وَإِنْ رَأَى رُؤْيَا حَسَنَةً فَلْيَسْتَبْشِرْ وَلَا يُخْبِرْ بِهَا إلّا مَنْ يُحِبّ وَأَمَرَ مَنْ رَأَى مَا يَكْرَهُهُ أَنْ يَتَحَوّلَ عَنْ جَنْبِهِ الّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يُصَلّيَ فَأَمَرَهُ بِخَمْسَةِ أَشْيَاءَ أَنْ يَنْفُثَ عَنْ يَسَارِهِ وَأَنْ يَسْتَعِيذَ بِاَللّهِ مِنْ الشّيْطَانِ وَأَنْ لَا يُخْبِرَ بِهَا أَحَدًا، وَأَنْ يَتَحَوّلَ عَنْ جَنْبِهِ الّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَأَنْ يَقُومَ يُصَلّي، وَمَتَى فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ تَضُرّهُ الرّؤْيَا الْمَكْرُوهَةُ بَلْ هَذَا يَدْفَعُ شَرّهَا. وَقَالَ الرّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبّرْ، فَإِذَا عُبّرَتْ وَقَعَتْ وَلَا يَقُصّهَا إلّا عَلَى وَادّ أَوْ ذِي رَأْي وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إِذَا قُصّتْ عَلَيْهِ الرّؤْيَا، قَالَ اللّهُمّ إنْ كَانَ خَيْرًا فَلَنَا، وَإِنْ كَانَ شَرّا، فَلِعَدُوّنَا وَيُذْكَرُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ عُرِضَتْ عَلَيْهِ رُؤْيَا، فَلْيَقُلْ لِمَنْ عَرَضَ عَلَيْهِ خَيْرًا وَيُذْكَرُ عَنْهُ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ لِلرّائِي قَبْلَ أَنْ يَعْبُرَهَا لَهُ خَيْرًا رَأَيْتَ، ثُمّ يَعْبُرُهَا. وَذَكَرَ عَبْدُ الرّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْبُرَ رُؤْيَا، قَالَ إنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكَ يَكُونُ كَذَا وَكَذَا.

.فَصْلٌ فِيمَا يَقُولُهُ وَيَفْعَلُهُ مَنْ اُبْتُلِيَ بِالْوَسْوَاسِ وَمَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى الْوَسْوَسَةِ:

رَوَى صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ يَرْفَعُهُ إنّ لِلْمَلَكِ الْمُوَكّلِ بِقَلْبِ ابْنِ آدَمَ لَمّةً، وَلِلشّيْطَانِ لَمّةً فَلَمّةُ الْمَلَكِ إيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقّ وَرَجَاءُ صَالِحِ ثَوَابِهِ. وَلَمّةُ الشّيْطَانِ إيعَادٌ بِالشّرّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقّ وَقُنُوطٌ مِنْ الْخَيْرِ فَإِذَا وَجَدْتُمْ لَمّةَ الْمَلَكِ فَاحْمَدُوا اللّهَ وَسَلُوهُ مِنْ فَضْلِهِ وَإِذَا وَجَدْتُمْ لَمّةَ الشّيْطَانِ فَاسْتَعِيذُوا بِاَللّهِ فَاسْتَغْفِرُوهُ وَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ الشّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي، قَالَ ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خِنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوّذْ بِاَللّهِ مِنْهُ وَاتْفُلْ عَنْ يَسَارِكَ ثَلَاثًا وَشَكَا إلَيْهِ الصّحَابَةُ أَنّ أَحَدَهُمْ يَجِدُ فِي نَفْسِهِ- يُعَرّضُ بِالشّيْءِ- لِأَنْ يَكُونَ حُمَمَةً أَحَبّ إلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلّمَ بِهِ فَقَالَ اللّهُ أَكْبَرُ اللّهُ أَكْبَرُ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي رَدّ كَيْدَهُ إلَى الْوَسْوَسَةِ وَأَرْشَدَ مَنْ بُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْ وَسْوَسَةِ التّسَلْسُلِ فِي الْفَاعِلِينَ إِذَا قِيلَ لَهُ هَذَا اللّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ فَمَنْ خَلَقَ اللّهَ؟ أَنْ يَقْرَأَ {هُوَ الْأَوّلُ وَالْآخِرُ وَالظّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الْحَدِيدِ 3]. كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ لِأَبِي زُمَيْلٍ سِمَاكِ بْنِ الْوَلِيدِ الْحَنَفِيّ وَقَدْ سَأَلَهُ مَا شَيْءٌ أَجِدُهُ فِي صَدْرِي؟ قَالَ مَا هُوَ؟ قَالَ قُلْتُ وَاَللّهِ لَا أَتَكَلّمُ بِهِ. قَالَ فَقَالَ لِي: أَشَيْءٌ مِنْ شَكّ؟ قُلْتُ بَلَى، فَقَالَ لِي: مَا نَجَا مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ، حَتّى أَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكّ مِمّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يُونُسَ 94] قَالَ فَقَالَ لِي: فَإِذَا وَجَدْتَ فِي نَفْسِك شَيْئًا، فَقُلْ {هُوَ الْأَوّلُ وَالْآخِرُ وَالظّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} فَأَرْشَدَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ إلَى بُطْلَانِ التّسَلْسُلِ الْبَاطِلِ بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ وَأَنّ سِلْسِلَةَ الْمَخْلُوقَاتِ فِي ابْتِدَائِهَا تَنْتَهِي إلَى أَوّلٍ لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ كَمَا تَنْتَهِي فِي آخِرِهَا إلَى آخِرٍ لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ كَمَا أَنّ ظُهُورَهُ هُوَ الْعُلُوّ الّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ شَيْءٌ وَبُطُونَهُ هُوَ الْإِحَاطَةُ الّتِي لَا يَكُونُ دُونَهُ فِيهَا شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ قَبْلَهُ شَيْءٌ يَكُونُ مُؤَثّرًا فِيهِ لَكَانَ ذَلِكَ هُوَ الرّبّ الْخَلّاقُ وَلَابُدّ أَنْ يَنْتَهِيَ الْأَمْرُ إلَى خَالِقٍ غَيْرِ مَخْلُوقٍ وَغَنِيّ عَنْ غَيْرِهِ وَكُلّ شَيْءٍ فَقِيرٌ إلَيْهِ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَكُلّ شَيْءٍ قَائِمٌ بِهِ مَوْجُودٌ بِذَاتِهِ وَكُلّ شَيْءٍ مَوْجُودٌ بِهِ. قَدِيمٌ لَا أَوّلَ لَهُ وَكُلّ مَا سِوَاهُ فَوُجُودُهُ بَعْدَ عَدَمِهِ بَاقٍ بِذَاتِهِ وَبَقَاءُ كُلّ شَيْءٍ بِهِ فَهُوَ الْأَوّلُ الّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ وَالْآخِرُ الّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ الظّاهِرُ الّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ شَيْءٌ الْبَاطِنُ الّذِي لَيْسَ دُونَهُ شَيْءٌ. وَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَزَالُ النّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتّى يَقُولَ قَائِلُهُمْ هَذَا اللّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ فَمَنْ خَلَقَ اللّهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللّهِ وَلْيَنْتَهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَإِمّا يَنْزَغَنّكَ مِنَ الشّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنّهُ هُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فُصّلَتْ 36]. وَلَمّا كَانَ الشّيْطَانُ عَلَى نَوْعَيْنِ نَوْعٍ يُرَى عِيَانًا، وَهُوَ شَيْطَانُ الْإِنْسِ وَنَوْعٍ لَا يُرَى، وَهُوَ شَيْطَانُ الْجِنّ، أَمَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَبِيّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَكْتَفِيَ مِنْ شَرّ شَيْطَانِ الْإِنْسِ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَالْعَفْوِ وَالدّفْعِ بِاَلّتِي هِيَ أَحْسَنُ وَمِنْ شَيْطَانِ الْجِنّ بِالِاسْتِعَاذَةِ بِاَللّهِ مِنْهُ وَالْعَفْوِ وَجَمَعَ بَيْنَ النّوْعَيْنِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَسُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَسُورَةِ فُصّلَتْ وَالِاسْتِعَاذَةِ فِي الْقِرَاءَةِ وَالذّكْرِ أَبْلَغُ فِي دَفْعِ شَرّ شَيَاطِينِ الْجِنّ، وَالْعَفْوُ وَالْإِعْرَاضُ وَالدّفْعُ بِالْإِحْسَانِ أَبْلَغُ فِي دَفْعِ شَرّ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ. قَالَ:
فَمَا هُوَ إلّا الِاسْتِعَاذَةُ ضَارِعًا ** أَوْ الدّفْعُ بِالْحُسْنَى هُمَا خَيْرُ مَطْلُوبِ

فَهَذَا دَوَاءُ الدّاءِ مِنْ شَرّ مَا يُرَى ** وَذَاكَ دَوَاءُ الدّاءِ مِنْ شَرّ مَحْجُوبِ

.فَصْلٌ فِيمَا يَقُولُهُ وَيَفْعَلُهُ مَنْ اشْتَدّ غَضَبُهُ:

أَمَرَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُطْفِئَ عَنْهُ جَمْرَةَ الْغَضَبِ بِالْوُضُوءِ وَالْقُعُودِ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَالِاضْطِجَاعِ إنْ كَانَ قَاعِدًا، وَالِاسْتِعَاذَةِ بِاَللّهِ مِنْ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ. وَلَمّا كَانَ الْغَضَبُ وَالشّهْوَةُ جَمْرَتَيْنِ مِنْ نَارٍ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ أَمَرَ أَنْ يُطْفِئَهُمَا بِالْوُضُوءِ وَالصّلَاةِ وَالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَتَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} الْآيَةَ [الْبَقَرَةِ 44]. وَهَذَا إنّمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ شِدّةُ الشّهْوَةِ فَأَمَرَهُمْ بِمَا يُطْفِئُونَ بِهَا جَمْرَتَهَا، وَهُوَ الِاسْتِعَانَةُ بِالصّبْرِ وَالصّلَاةِ وَأَمَرَ تَعَالَى بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ الشّيْطَانِ عِنْدَ نَزَغَاتِهِ. وَلَمّا كَانَتْ الْمَعَاصِي كُلّهَا تَتَوَلّدُ مِنْ الْغَضَبِ وَالشّهْوَةِ وَكَانَ نِهَايَةُ قُوّةِ الْغَضَبِ الْقَتْلَ وَنِهَايَةُ قُوّةِ الشّهْوَةِ الزّنَا، جَمَعَ اللّهُ تَعَالَى بَيْنَ الْقَتْلِ وَالزّنَا، وَجَعَلَهُمَا قَرِينَيْنِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَسُورَةِ الْإِسْرَاءِ، وَسُورَةِ الْفُرْقَانِ وَسُورَةِ الْمُمْتَحَنَةِ. وَالْمَقْصُودُ أَنّهُ سُبْحَانَهُ أَرْشَدَ عِبَادَهُ إلَى مَا يَدْفَعُونَ بِهِ شَرّ قُوّتَيْ الْغَضَبِ وَالشّهْوَةِ مِنْ الصّلَاةِ وَالِاسْتِعَاذَةِ.

.فصل الدّعَاءُ لِرُؤْيَةِ مَا يُحِبّ وَمَا يَكْرَهُ:

وَكَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إِذَا رَأَى مَا يُحِبّ، قَالَ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمّ الصّالِحَاتُ. وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ قَالَ الْحَمْدُ لِلّهِ عَلَى كُلّ حَالٍ.

.فصل مَا يَفْعَلُ مَعَ مَنْ صَنَعَ إلَيْهِ مَعْرُوفًا:

وَكَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَدْعُو لِمَنْ تَقَرّبَ إلَيْهِ بِمَا يُحِبّ وَبِمَا يُنَاسِبُ فَلَمّا وَضَعَ لَهُ ابْنُ عَبّاسٍ وَضُوءَهُ قَالَ اللّهُمّ فَقّهْهُ فِي الدّينِ وَعَلّمْهُ التّأْوِيلَ دَعّمَهُ أَبُو قَتَادَة فِي مَسِيرِهِ بِاللّيْلِ لَمّا مَالَ عَنْ رَاحِلَتِهِ قَالَ حَفِظَكَ اللّهُ بِمَا حَفِظْتَ بِهِ نَبِيّه وَقَالَ مَنْ صُنِعَ إلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ جَزَاكَ اللّهُ خَيْرًا، فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثّنَاءِ وَاسْتَقْرَضَ مِنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ مَالًا، ثُمّ وَفّاهُ إيّاهُ وَقَالَ بَارَكَ اللّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِك، إنّمَا جَزَاءُ السّلَفِ الْحَمْدُ وَالْأَدَاءُ وَلَمّا أَرَاحَهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَجَلِيّ مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ صَنَمِ دَوْسٍ، بَرّكَ عَلَى خَيْلِ قَبِيلَتِهِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرّاتٍ.

.الْإِثَابَةُ عَلَى الْهَدِيّةِ:

وَكَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إِذَا أُهْدِيَتْ إلَيْهِ هَدِيّةٌ فَقَبِلَهَا، كَافَأَ عَلَيْهَا بِأَكْثَرَ رَدّهَا اعْتَذَرَ إلَى مُهْدِيهَا، كَقَوْلِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلصّعْبِ بْنِ جَثّامَةَ لَمّا أَهْدَى إلَيْهِ لَحْمَ الصّيْدِ إنّا لَمْ نَرُدّهُ عَلَيْكَ إلّا أَنّا حُرُمٌ وَاللّهُ أَعْلَمُ.
فَصْل:
وَأَمَرَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُمّتَهُ إِذَا سَمِعُوا نَهِيقَ الْحِمَارِ أَنْ يَتَعَوّذُوا بِاَللّهِ مِنْ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ وَإِذَا سَمِعُوا صِيَاحَ الدّيَكَةِ أَنْ يَسْأَلُوا اللّهَ مِنْ فَضْلِهِ. وَيُرْوَى عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ أَمَرَهُمْ بِالتّكْبِيرِ عَنْدَ رُؤْيَةِ الْحَرِيقِ فَإِنّ التّكْبِيرَ يُطْفِئُهُ.

.الذّكْرُ فِي الْمَجْلِسِ:

وَكَرِهَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَهْلِ الْمَجْلِسِ أَنْ يُخْلُوا مَجْلِسَهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَقَالَ مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لَا يَذْكُرُونَ اللّهَ فِيهِ إلّا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ الْحِمَارِ وَقَالَ مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرْ اللّهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ اللّهِ تِرَةٌ وَمَنْ اضْطَجَعَ مَضْجَعًا لَا يَذْكُرُ اللّهَ فِيهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ اللّهِ تِرَة وَالتّرَةُ الْحَسْرَةُ. وَفِي لَفْظٍ وَمَا سَلَكَ أَحَدٌ طَرِيقًا لَمْ يَذْكُرْ اللّهَ فِيهِ، إلّا كَانَتْ عَلَيْهِ تِرَةٌ وَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ، فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ سُبْحَانَكَ اللّهُمّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ إلّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَمُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ مِنْ الْمَجْلِسِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّكَ لَتَقُولُ قَوْلًا مَا كُنْتَ تَقُولُهُ فِيمَا مَضَى. قَالَ ذَلِكَ كَفّارَةٌ لِمَا يَكُونُ فِي الْمَجْلِسِ.

.فصل الدّعَاءُ عِنْدَ الْأَرَقِ:

وَشَكَا إلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْأَرَقَ بِاللّيْلِ فَقَالَ لَهُ إِذَا أَوَيْتَ إلَى فِرَاشِكَ فَقُلْ: اللّهُمّ رَبّ السّمَاوَاتِ السّبْعِ وَمَا أَظَلّتْ وَرَبّ الْأَرَضِينَ السّبْعِ وَمَا أَقَلّتْ وَرَبّ الشّيَاطِينِ وَمَا أَضَلّتْ كُنْ لِي جَارًا مِنْ شَرّ خَلْقِكَ كُلّهِمْ جَمِيعًا مِنْ أَنْ يَفْرُطَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَيّ أَوْ أَنْ يَطْغَى عَلَيّ عَزّ جَارُكَ وَجَلّ ثَنَاؤُكَ وَلَا إلَهَ إلّا أَنْتَ.

.الدّعَاءُ عِنْدَ الْفَزَعِ:

وَكَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُعَلّمُ أَصْحَابَهُ مِنْ الْفَزَعِ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللّهِ التّامّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَمِنْ شَرّ عِبَادِهِ وَمِنْ شَرّ هَمَزَاتِ الشّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ وَيُذْكَرُ أَنّ رَجُلًا شَكَا إلَيْهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ يَفْزَعُ فِي مَنَامِهِ فَقَالَ إِذَا أَوَيْتَ إلَى فِرَاشِكَ فَقُلْ... ثُمّ ذَكَرَهَا، فَقَالَهَا فَذَهَبَ عَنْهُ.

.فَصْلٌ فِي أَلْفَاظٍ كَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَكْرَهُ أَنْ تُقَالَ:

فَمِنْهَا: أَنْ يَقُولَ خَبُثَتْ نَفْسِي، أَوْ جَاشَتْ نَفْسِي، وَلْيَقُلْ لَقِسَتْ.
وَمِنْهَا: أَنْ يُسَمّيَ شَجَرُ الْعِنَبِ كَرْمًا، نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ لَا تَقُولُوا: الْكَرْمُ وَلَكِنْ قُولُوا: الْعِنَبُ وَالْحَبَلَةُ. وَكَرِهَ أَنْ يَقُولَ الرّجُلُ هَلَكَ النّاسُ. وَقَالَ إِذَا قَال ذَلِكَ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ. وَفِي مَعْنَى هَذَا: فَسَدَ النّاسُ وَفَسَدَ الزّمَانُ وَنَحْوُهُ. وَنَهَى أَنْ يُقَالَ مَا شَاءَ اللّهُ وَشَاءَ فُلَانٌ بَلْ يُقَالُ مَا شَاءَ اللّهُ ثُمّ شَاءَ فُلَانٌ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مَا شَاءَ اللّهُ وَشِئْتَ. فَقَالَ أَجَعَلْتَنِي لِلّهِ نِدّا؟ قُلْ مَا شَاءَ اللّهُ وَحْدَهُ. وَفِي مَعْنَى هَذَا: لَوْلَا اللّهُ وَفُلَانٌ لَمَا كَانَ كَذَا، بَلْ وَهُوَ أَقْبَحُ وَأَنْكَرُ وَكَذَلِكَ أَنَا بِاَللّهِ وَبِفُلَانٍ وَأَعُوذُ بِاَللّهِ وَبِفُلَانٍ وَأَنَا فِي حَسْبِ اللّهِ وَحَسْبِ فُلَانٍ وَأَنَا مُتّكِلٌ عَلَى اللّهِ وَعَلَى فُلَانٍ فَقَائِلُ هَذَا، قَدْ جَعَلَ فُلَانًا نِدّا لِلّهِ عَزّ وَجَلّ. وَمِنْهَا: أَنْ يُقَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، بَلْ يَقُولُ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللّهِ وَرَحْمَتِهِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَحْلِفَ بِغَيْرِ اللّهِ. صَحّ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ.
نَصْرَانِيّ، أَوْ كَافِرٌ إنْ فَعَلَ كَذَا. وَمِنْهَا: أَنْ يَقُولَ لِمُسْلِمٍ يَا كَافِرُ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَقُولَ لِلسّلْطَانِ مَلِكُ الْمُلُوكِ. وَعَلَى قِيَاسِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَقُولَ السّيّدُ لِغُلَامِهِ وَجَارِيَتِهِ عَبْدِي، وَأَمَتِي، وَيَقُولَ الْغُلَامُ لِسَيّدِهِ رَبّي، وَلْيَقُلْ السّيّدُ فَتَايَ وَفَتَاتِي، وَلْيَقُلْ الْغُلَامُ سَيّدِي وَسَيّدَتِي.
وَمِنْهَا: سَبّ الرّيحِ إِذَا هَبّتْ بَلْ يَسْأَلُ اللّهَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ وَيَعُوذُ بِاَللّهِ مِنْ شَرّهَا وَشَرّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ.
وَمِنْهَا: سَبّ الْحُمّى، نَهَى عَنْهُ وَقَالَ إنّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ. صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ لَا تَسُبّوا الدّيكَ فَإِنّهُ يُوقِظُ لِلصّلَاةِ. وَمِنْهَا: الدّعَاءُ بِدَعْوَى الْجَاهِلِيّةِ وَالتّعَزّي بِعَزَائِهِمْ كَالدّعَاءِ إلَى الْقَبَائِلِ وَالْعَصَبِيّةِ لَهَا وَلِلْأَنْسَابِ وَمِثْلُهُ التّعَصّبُ لِلْمَذَاهِبِ وَالطّرَائِقِ وَالْمَشَايِخِ وَتَفْضِيلُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ بِالْهَوَى وَالْعَصَبِيّةِ وَكَوْنُهُ مُنْتَسِبًا إلَيْهِ فَيَدْعُو إلَى ذَلِكَ وَيُوَالِي عَلَيْهِ وَيُعَادِي عَلَيْهِ وَيَزِنُ النّاسَ بِهِ كُلّ هَذَا مِنْ دَعْوَى الْجَاهِلِيّةِ. وَمِنْهَا: تَسْمِيَةُ الْعِشَاءِ بِالْعَتَمَةِ تَسْمِيَةً غَالِبَةً يُهْجَرُ فِيهَا لَفْظُ الْعِشَاءِ.
وَمِنْهَا: النّهْيُ عَنْ سِبَابِ الْمُسْلِمِ وَأَنْ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثّالِثِ. وَأَنْ تُخْبِرَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا بِمَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أُخْرَى.
وَمِنْهَا: أَنْ يَقُولَ فِي دُعَائِهِ اللّهُمّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْتَ وَارْحَمْنِي إنْ شِئْتَ. أَحَدًا بِوَجْهِ اللّهِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يُسَمّيَ الْمَدِينَةَ بِيَثْرِبَ.
وَمِنْهَا: أَنْ يُسْأَلَ الرّجُلُ فِيمَ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ إلّا إِذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ.
وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ صُمْتُ رَمَضَانَ كُلّهُ أَوْ قُمْتُ اللّيْلَ كُلّهُ فَصْلٌ وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَكْرُوهَةِ الْإِفْصَاحُ عَنْ الْأَشْيَاءِ الّتِي يَنْبَغِي الْكِنَايَةُ عَنْهَا بِأَسْمَائِهَا الصّرِيحَةِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَقُولَ أَطَالَ اللّهُ بَقَاءَك، وَأَدَامَ أَيّامَكَ وَعِشْتَ أَلْفَ سَنَةٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَقُولَ الصّائِمُ وَحَقّ الّذِي خَاتَمُهُ عَلَى فَمِ الْكَافِرِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَقُولَ لِلْمُكُوسِ حُقُوقًا. وَأَنْ يَقُولَ لِمَا يُنْفِقُهُ فِي طَاعَةِ اللّهِ غَرِمْتُ أَوْ خَسِرْتُ كَذَا وَكَذَا: وَأَنْ يَقُولَ أَنْفَقْتُ فِي هَذِهِ الدّنْيَا مَالًا كَثِيرًا.
وَمِنْهَا: أَنْ يَقُولَ الْمُفْتِي: أَحَلّ اللّهُ كَذَا، وَحَرّمَ اللّهُ كَذَا فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيّةِ وَإِنّمَا يَقُولُهُ فِيمَا وَرَدَ النّصّ بِتَحْرِيمِهِ.