فصل: (مَا نَزَلَ فِي الْخَنْدَقِ وَبَنِيّ قُرَيْظَةَ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» (نسخة منقحة)



.[أَمْرُ عَطِيّةَ وَرِفَاعَةَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَمَرَ بِقَتْلِ كُلّ مَنْ أَنْبَتَ مِنْهُمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي شُعْبَةُ بْنُ الْحَجّاجِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَطِيّةَ الْقُرَظِيّ، قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَمَرَ أَنْ يُقْتَلَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ كُلّ مَنْ أَنْبَتَ مِنْهُمْ وَكُنْت غُلَامًا، فَوَجَدُونِي لَمْ أُنْبِتْ فَخَلّوْا سَبِيلِي. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي أَيّوبُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ أَخُو بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ أَنّ سَلْمَى بِنْتَ قَيْسٍ، أُمّ الْمُنْذِرِ أُخْتَ سُلَيْطِ بْنِ أُخْتَ سُلَيْطِ بْنِ قَيْسٍ- وَكَانَتْ إحْدَى خَالَاتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ صَلّتْ مَعَهُ الْقِبْلَتَيْنِ وَبَايَعَتْهُ بَيْعَةَ النّسَاءِ- سَأَلَتْهُ رِفَاعَةَ بْنَ سَمَوْأَلَ الْقُرَظِيّ وَكَانَ رَجُلًا قَدْ بَلَغَ فَلَاذَ بِهَا، وَكَانَ يَعْرِفُهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَالَتْ يَا نَبِيّ اللّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي، هَبْ لِي رِفَاعَةَ، فَإِنّهُ قَدْ زَعَمَ أَنّهُ سَيُصَلّي وَيَأْكُلُ لَحْمَ الْجَمَلِ قَالَ فَوَهَبَهُ لَهَا، فَاسْتَحْيَتْهُ.

.[قَسْمُ فَيْءِ بَنِي قُرَيْظَةَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَسَمَ أَمْوَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَنِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَعْلَمَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سُهْمَانَ الْخَيْلِ وَسُهْمَانَ الرّجَالِ وَأَخْرَجَ مِنْهَا الْخُمُسَ فَكَانَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِفَارِسِهِ سَهْمٌ وَلِلرّاجِلِ مَنْ لَيْسَ لَهُ فَرَسٌ سَهْمٌ. وَكَانَتْ الْخَيْلُ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ سِتّةً وَثَلَاثِينَ فَرَسًا، وَكَانَ أَوّلَ فَيْءٍ وَقَعَتْ فِيهِ السّهْمَانُ وَأُخْرِجَ مِنْهَا الْخُمْسُ فَعَلَى سُنّتِهَا وَمَا مَضَى مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهَا وَقَعَتْ الْمَقَاسِمُ وَمَضَتْ السّنّةُ فِي الْمَغَازِي. صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَعْدَ بْنَ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ أَخَا بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ بِسَبَايَا مِنْ سَبَايَا بَنِي قُرَيْظَةَ إلَى نَجْدٍ، فَابْتَاعَ لَهُمْ بِهَا خَيْلًا وَسِلَاحًا.

.[شَأْنُ رَيْحَانَةَ]:

قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ اصْطَفَى لِنَفْسِهِ مِنْ نِسَائِهِمْ رَيْحَانَةَ بِنْتَ عَمْرِو بْنِ خُنَافَةَ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَمْرِو بْنِ قُرَيْظَةَ فَكَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى تُوُفّيَ عَنْهَا وَهِيَ فِي مِلْكِهِ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَرَضَ عَلَيْهَا أَنْ يَتَزَوّجَهَا، وَيَضْرِبَ عَلَيْهَا الْحِجَابَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ بَلْ تَتْرُكُنِي فِي مِلْكِك، فَهُوَ أَخَفّ عَلَيّ وَعَلَيْك، فَتَرَكَهَا. وَقَدْ كَانَتْ حِينَ سَبَاهَا قَدْ تَعَصّتْ بِالْإِسْلَامِ وَأَبَتْ إلّا الْيَهُودِيّةَ فَعَزَلَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ لِذَلِكَ مِنْ أَمْرِهَا. فَبَيْنَا هُوَ مَعَ أَصْحَابِهِ إذْ سَمِعَ وَقْعَ نَعْلَيْنِ خَلْفَهُ فَقَالَ إنّ هَذَا لِثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْيَةَ يُبَشّرُنِي بِإِسْلَامِ رَيْحَانَةَ فَجَاءَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ أَسْلَمَتْ رَيْحَانَةُ فَسَرّهُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهَا.

.[مَا نَزَلَ فِي الْخَنْدَقِ وَبَنِيّ قُرَيْظَةَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي أَمْرِ الْخَنْدَقِ، وَأَمْرِ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْ الْقُرْآنِ الْقِصّةَ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ، يَذْكُرُ فِيهَا مَا نَزَلَ مِنْ الْبَلَاءِ وَنِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ وَكِفَايَتِهِ إيّاهُمْ حِينَ فَرّجَ ذَلِكَ عَنْهُمْ بَعْدَ مَقَالَةِ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ النّفَاقِ {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} وَالْجُنُودُ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ وَبَنُو قُرَيْظَةَ، وَكَانَتْ الْجُنُودُ الّتِي أَرْسَلَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مَعَ الرّيحِ الْمَلَائِكَةَ. يَقُول اللّهُ تَعَالَى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنّونَ بِاللّهِ الظّنُونَ} جَاءُوهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ بَنُو قُرَيْظَةَ، وَاَلّذِينَ جَاءُوهُمْ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ. يَقُولُ اللّهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللّهُ وَرَسُولُهُ إِلّا غُرُورًا} لِقَوْلِ مُعَتّبِ بْنِ قُشَيْرٍ إذْ يَقُولُ مَا قَالَ {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النّبِيّ يَقُولُونَ إِنّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلّا فِرَارًا} لِقَوْلِ أَوْسِ بْنِ قَيْظِيّ وَمَنْ كَانَ عَلَى رَأْيِهِ مِنْ قَوْمِهِ {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا} أَيْ الْمَدِينَةِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَقْطَارُ الْجَوَانِبُ وَوَاحِدُهَا: قُطْرٌ، وَهِيَ الْأَقْتَارُ وَوَاحِدُهَا: قَتَرٌ. قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
كَمْ مِنْ غِنًى فَتَحَ الْإِلَهُ لَهُمْ بِهِ ** وَالْخَيْلُ مُقْعِيَةٌ عَلَى الْأَقْطَارِ

وَيُرْوَى: عَلَى الْأَقْتَارِ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. {ثُمّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ} أَيْ الرّجُوعَ إلَى الشّرْكِ {لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبّثُوا بِهَا إِلّا يَسِيرًا وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللّهِ مَسْئُولًا} فَهُمْ بَنُو حَارِثَةَ، وَهُمْ الّذِينَ هَمّوا أَنْ يَفْشَلُوا يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ بَنِي سَلِمَةَ حَيْنَ هَمّتَا بِالْفَشَلِ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمّ عَاهَدُوا اللّهَ أَنْ لَا يَعُودُوا لِمِثْلِهَا أَبَدًا، فَذَكَرَ لَهُمْ الّذِي أَعْطَوْا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتّعُونَ إِلّا قَلِيلًا} {قُلْ مَنْ ذَا الّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ وَلِيّا وَلَا نَصِيرًا قَدْ يَعْلَمُ اللّهُ الْمُعَوّقِينَ مِنْكُمْ} أَيْ أَهْلَ النّفَاقِ {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلّا قَلِيلًا} أَيْ إلّا دَفْعًا وَتَعْذِيرًا {أَشِحّةً عَلَيْكُمْ} أَيْ لِلضّغَنِ الّذِي فِي أَنْفُسِهِمْ {فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} أَيْ إعْظَامًا لَهُ وَفَرَقًا مِنْهُ {فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} أَيْ فِي الْقَوْلِ بِمَا لَا تُحِبّونَ لِأَنّهُمْ لَا يَرْجُونَ آخِرَةً وَلَا تَحْمِلهُمْ حِسْبَةٌ فَهُمْ يَهَابُونَ الْمَوْتَ هَيْبَةَ مَنْ لَا يَرْجُو مَا بَعْدَهُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: {سَلَقُوكُمْ} بَالَغُوا فِيكُمْ بِالْكَلَامِ فَأَحْرَقُوكُمْ وَآذَوْكُمْ. تَقُولُ الْعَرَبُ: خَطِيبٌ سَلّاقٌ وَخَطِيبٌ مُسْلِقٌ وَمِسْلَاقٌ. قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ ابْنِ ثَعْلَبَةَ:
فِيهِمْ الْمَجْدُ وَالسّمَاحَةُ وَالنّجْ ** دَةُ فِيهِمْ وَالْخَاطِبُ السّلّاقُ

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. {يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا} قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ {وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدّوا لَوْ أَنّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلّا قَلِيلًا} ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} أَيْ لِئَلّا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا عَنْ مَكَانٍ هُوَ بِهِ.
ثُمّ ذَكَرَ الْمُؤْمِنِينَ وَصِدْقَهُمْ وَتَصْدِيقَهُمْ بِمَا وَعَدَهُمْ اللّهُ مِنْ الْبَلَاءِ يَخْتَبِرُهُمْ بِهِ فَقَالَ {وَلَمّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} أَيْ صَبْرًا عَلَى الْبَلَاءِ وَتَسْلِيمًا لِلْقَضَاءِ وَتَصْدِيقًا لِلْحَقّ لَمّا كَانَ اللّهُ تَعَالَى وَعَدَهُمْ وَرَسُولُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} أَيْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ وَرَجَعَ إلَى رَبّهِ كَمَنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ وَيَوْمَ أُحُدٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: {قَضَى نَحْبَهُ} مَاتَ وَالنّحْبُ النّفْسُ فِيمَا أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ وَجَمْعُهُ نُحُوبٌ. قَالَ ذُو الرّمّةِ:
عَشِيّةَ فَرّ الْحَارِثِيّونَ بَعْدَمَا

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَهَوْبَرُ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ أَرَادَ يَزِيدَ بْنَ هَوْبَرٍ. وَالنّحْبُ أَيْضًا: النّذْرُ. قَالَ جَرِيرُ بْن الْخَطْفِيّ:
بِطِخْفَةَ جَالَدْنَا الْمُلُوكَ وَخَيْلُنَا ** عَشِيّةَ بِسْطَامٍ جَرَيْنَ عَلَى نَحْبِ

يَقُول: عَلَى نَذْرٍ كَانَتْ نَذَرَتْ أَنْ تَقْتُلَهُ فَقَتَلَتْهُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ وَبِسْطَامٌ بِسْطَامُ بْنُ قَيْسِ بْنِ مَسْعُودٍ الشّيْبَانِيّ وَهُوَ ابْنُ ذِي الْجَدّيْنِ. حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّهُ كَانَ فَارِسَ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ. وَطِخْفَةُ: مَوْضِعٌ بِطَرِيقِ الْبَصْرَةِ وَالنّحْبُ أَيْضًا: الْخِطَارُ وَهُوَ الرّهَانُ. قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
وَإِذْ نَحَبَتْ كَلْبٌ عَلَى النّاسِ أَيّنَا ** عَلَى النّحْبِ أَعْطَى لِلْجَزِيلِ وَأَفْضَلُ

وَالنّحْبُ أَيْضًا: الْبُكَاءُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ يُنْتَحَبُ. وَالنّحْبُ أَيْضًا: الْحَاجَةُ وَالْهِمّةُ تَقُولُ مَا لِي عِنْدَهُمْ نَحْبٌ. قَالَ مَالِكُ بْنُ نُوَيْرَةَ الْيَرْبُوعِي:
وَمَا لِي نَحْبٌ عِنْدَهُمْ غَيْرَ أَنّنِي ** تَلَمّسْت مَا تَبْغِي مِنْ الشّدُنِ الشّجْزِ

وَقَالَ نَهَارُ بْنُ تَوْسِعَةَ أَحَدُ بَنِي تَيْمِ اللّاتِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابَةَ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَؤُلَاءِ مَوَالِي بَنِي حَنِيفَةَ:
وَنَجّى يُوسُفَ الثّقَفِيّ رَكْضٌ ** دِرَاكٌ بَعْدَ مَا وَقَعَ اللّوَاءُ

وَلَوْ أَدْرَكْنَهُ لَقَضَيْنَ نَحْبًا ** بِهِ وَلِكُلّ مُخْطَأَةٍ وِقَاءُ

وَالنّحْبُ أَيْضًا: السّيْرُ الْخَفِيفُ الْمُرّ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} أَيْ مَا وَعَدَ اللّهُ بِهِ مِنْ نَصْرِهِ وَالشّهَادَةُ عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ. يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى: {وَمَا بَدّلُوا تَبْدِيلًا} أَيْ مَا شَكّوا وَمَا تَرَدّدُوا فِي دِينِهِمْ وَمَا اسْتَبْدَلُوا بِهِ غَيْرَهُ. {لِيَجْزِيَ اللّهُ الصّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا وَرَدّ اللّهُ الّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ} أَيْ قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ {لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللّهُ قَوِيّا عَزِيزًا وَأَنْزَلَ الّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} أَيْ بَنِي قُرَيْظَةَ {مِنْ صَيَاصِيهِمْ} وَالصّيَاصِيّ الْحُصُونُ وَالْآطَامُ الّتِي كَانُوا فِيهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ سُحَيْمٌ عَبْدُ بَنِي الْحِسْحَاسِ وَبَنُو الْحِسْحَاسِ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ:
وَأَصْبَحَتْ الثّيرَانُ صَرْعَى وَأَصْبَحَتْ ** نِسَاءُ تَمِيمٍ يَبْتَدِرْنَ الصّيَاصِيَا

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالصّيَاصِيّ أَيْضًا: الْقُرُونُ. قَالَ النّابِغَةُ الْجَعْدِيّ:
وِسَادَةَ رَهْطِي حَتّى بَقِيتُ ** فَرْدًا كَصَيْصِيَةِ الْأَعْضَبِ

يَقُول: أَصَابَ الْمَوْتُ سَادَةَ رَهْطِي. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ أَبُو دَواُدَ الْإِيَادِيّ وَقَارُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالصّيَاصِيّ أَيْضًا: الشّوْكُ الّذِي لِلنّسّاجِينَ فِيمَا أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ. وَأَنْشَدَنِي لِدُرَيْدِ بْنِ الصّمّةِ الْجُشَمِىّ جُشَمُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ:
نَظَرْتُ إلَيْهِ وَالرّمَاحُ تَنُوشُهُ ** كَوَقْعِ الصّيَاصِي فِي النّسِيجِ الْمُمَدّدِ

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالصّيَاصِيّ أَيْضًا: الّتِي تَكُونُ فِي أَرْجُلِ الدّيَكَةِ نَاتِئَةً كَأَنّهَا الْقُرُونُ الصّغَارُ وَالصّيَاصِيّ أَيْضًا: الْأُصُولُ. أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ الْعَرَبَ تَقُولُ جَذّ اللّهُ صِيصِيَتَهُ أَيْ أَصْلَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا} أَيْ قَتَلَ الرّجَالَ وَسَبَى الذّرَارِيّ وَالنّسَاءَ {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} يَعْنِي خَيْبَرَ {وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرًا}

.[وَفَاةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَمَا ظَهَرَ مَعَ ذَلِكَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا انْقَضَى شَأْنُ بَنِي قُرَيْظَة َ انْفَجَرَ بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ جُرْحُهُ فَمَاتَ مِنْهُ شَهِيدًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مُعَاذُ بْنُ رِفَاعَةَ الزّرَقِيّ، قَالَ حَدّثَنِي مَنْ شِئْت مِنْ رِجَالِ قَوْمِي: أَنّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ قُبِضَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةِ مِنْ إسْتَبْرَقٍ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ مَنْ هَذَا الْمَيّتُ الّذِي فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السّمَاءِ وَاهْتَزّ لَهُ الْعَرْشُ؟ قَالَ فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَرِيعًا يَجُرّ ثَوْبَهُ إلَى سَعْدٍ فَوَجَدَهُ قَدْ مَاتَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرّحْمَنِ قَالَتْ أَقْبَلَتْ عَائِشَةُ قَافِلَةً مِنْ مَكّةَ، وَمَعَهَا أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَلَقِيَهُ مَوْتُ امْرَأَةٍ لَهُ فَحَزِنَ عَلَيْهَا بَعْضَ الْحُزْنِ فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ يَغْفِرُ اللّهُ لَك يَا أَبَا يَحْيَى، أَتَحْزَنُ عَلَى امْرَأَةٍ وَقَدْ أُصِبْت بِابْنِ عَمّك، وَقَدْ اهْتَزّ لَهُ الْعَرْشُ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ، قَالَ كَانَ سَعْدٌ رَجُلًا بَادِنًا، فَلَمّا حَمَلَهُ النّاسُ وَجَدُوا لَهُ خِفّةً فَقَالَ رِجَالٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَاَللّهِ إنْ كَانَ لَبَادِنَا، وَمَا حَمَلْنَا مِنْ جِنَازَةٍ أَخَفّ مِنْهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنّ لَهُ حَمَلَةً غَيْرَكُمْ، وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ اسْتَبْشَرَتْ الْمَلَائِكَةُ بِرُوحِ سَعْدٍ وَاهْتَزّ لَهُ الْعَرْشُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُعَاذُ بْنُ رِفَاعَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ لَمّا دُفِنَ سَعْدٌ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَبّحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَبّحَ النّاسُ مَعَهُ ثُمّ كَبّرَ فَكَبّرَ النّاسُ مَعَهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ مِمّ سَبّحْت؟ قَالَ لَقَدْ تَضَايَقَ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ الصّالِحِ قَبْرُهُ، حَتّى فَرّجَهُ اللّهُ عَنْهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمَجَازُ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُ عَائِشَةَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ لِلْقَبْرِ لَضَمّةً لَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْهَا نَاجِيًا لَكَانَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلِسَعْدِ يَقُولُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ:
وَمَا اهْتَزّ عَرْشُ اللّهِ مِنْ مَوْتِ هَالِكٍ ** سَمِعْنَا بِهِ إلّا لِسَعْدٍ أَبِي عَمْرٍو

وَقَالَتْ أُمّ سَعْدٍ حِين اُحْتُمِلَ نَعْشُهُ وَهِيَ تَبْكِيهِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَهِيَ كُبَيْشَةُ بِنْتُ رَافِعِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ بْنِ الْأَبْجَرِ وَهُوَ خُدْرَةُ بْنُ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ:
وَيْلُ أُمّ سَعْدٍ سَعْدًا ** صَرَامَةً وَحَدّا

وَسُوْدُدًا وَمَجْدًا ** وَفَارِسًا مُعَدّا

سُدّ بِهِ مَسَدّا ** يَقُدّ هَامًا قَدّا

يَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُلّ نَائِحَةٍ تَكْذِبُ إلّا نَائِحَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ.

.[شُهَدَاءُ يَوْمِ الْخَنْدَقِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمْ يَسْتَشْهِدْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ إلّا سِتّةُ نَفَرٍ. وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَأَنَسُ بْنُ أَوْسِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ عَمْرٍو، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ سَهْلٍ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. وَمِنْ بَنِي جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ الطّفَيْلُ بْنُ النّعْمَانِ وَثَعْلَبَةُ بْنُ غَنْمَةَ. رَجُلَانِ. بَنِي النّجّارِ ثُمّ مِنْ بَنِي دِينَارٍ: كَعْبُ بْنُ زَيْدٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَقَتَلَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَهْمُ غَرْبٍ وَسَهْمٌ غَرْبٌ بِإِضَافَةِ وَغَيْرِ إضَافَةٍ وَهُوَ الّذِي لَا يُعْرَفُ مِنْ أَيْنَ جَاءَ وَلَا مَنْ رَمَى بِهِ.
وَقُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ: مُنَبّهُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ السّبّاقِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ أَصَابَهُ سَهْمٌ فَمَاتَ مِنْهُ بِمَكّةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ عُثْمَانُ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ مُنَبّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ السّبّاقِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ. سَأَلُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَبِيعَهُمْ جَسَدَهُ وَكَانَ اقْتَحَمَ الْخَنْدَقَ، فَتَوَرّطَ فِيهِ فَقُتِلَ فَغَلَبَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَسَدِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا حَاجَةَ لَنَا فِي جَسَدِهِ وَلَا بِثَمَنِهِ فَخَلّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَعْطَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِجَسَدِهِ عَشْرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ الزّهْرِيّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ، ثُمّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدّ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي الثّقَةُ أَنّهُ حَدّثَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ أَنّهُ قَالَ قَتَلَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَئِذٍ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدّ وَابْنَهُ حِسْلَ بْنَ عَمْرٍو. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدّ، وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ عَبْدٍ.

.[شُهَدَاءُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: خَلّادُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرٍو، طُرِحَتْ عَلَيْهِ رَحًى، فَشَدَخَتْهُ شَدْخًا شَدِيدًا، فَزَعَمُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ «إنّ لَهُ لَأَجْرَ شَهِيدَيْن». وَمَاتَ أَبُو سِنَانِ بْنُ مُحْصَنِ بْنِ حَرْثَانَ أَخُو بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُحَاصِرٌ بَنِي قُرَيْظَةَ فَدُفِنَ فِي مَقْبَرَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ الّتِي يَدْفِنُونَ فِيهَا الْيَوْمَ وَإِلَيْهِ دَفَنُوا أَمْوَاتَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ.

.[بَشّرَ الرّسُولُ الْمُسْلِمِينَ بِغَزْوِ قُرَيْشٍ]:

وَلَمّا انْصَرَفَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَنْ الْخَنْدَقِ؛ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنِي: لَنْ تَغْزُوَكُمْ قُرَيْشٌ بَعْدَ عَامِكُمْ هَذَا، وَلَكِنّكُمْ تَغْزُونَهُم. فَلَمْ تَغْزُهُمْ قُرَيْشٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَانَ هُوَ الّذِي يَغْزُوهَا، حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِ مَكّةَ.

.[مَا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي أَمْرِ الْخَنْدَقِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ]:

.[شِعْرُ ضِرَارٍ]:

وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ بْنِ مِرْدَاسٍ، أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ، فِي يَوْمِ الْخَنْدَقِ:
وَمُشْفِقَةٌ تَظُنّ بِنَا الظّنُونَا ** وَقَدْ قُدْنَا عَرَنْدَسَةً طَحُونَا

كَأَنّ زُهَاءَهَا أُحُدٌ إذَا مَا ** بَدَتْ أَرْكَانُهُ لِلنّاظِرِينَا

تَرَى الْأَبْدَانَ فِيهَا مُسْبِغَاتٍ ** عَلَى الْأَبْطَالِ وَالْيَلَبَ الْحَصِينَا

وَجُرْدًا كَالْقِدَاحِ مُسَوّمَاتٍ ** نَؤُمّ بِهَا الْغُوَاةَ الْخَاطِيِينَا

كَأَنّهُمْ إذَا صَالُوا وَصُلْنَا ** بِبَابِ الْخَنْدَقَيْنِ مُصَافِحُونَا

أُنَاسٌ لَا نَرَى فِيهِمْ رَشِيدًا ** وَقَدْ قَالُوا أَلَسْنَا رَاشِدِينَا

فَأَحْجَرْنَاهُمُ شَهْرًا كَرِيتًا ** وَكُنّا فَوْقَهُمْ كَالْقَاهِرِينَا

نُرَاوِحُهُمْ وَنَغْدُو كُلّ يَوْمٍ ** عَلَيْهِمْ فِي السّلَاحِ مُدَجّجِينَا

بِأَيْدِينَا صَوَارِمُ مُرْهَفَاتٌ ** نَقُدّ بِهَا الْمَفَارِقَ وَالشّئُونَا

كَأَنّ وَمِيضَهُنّ مُعَرّيَاتٍ ** إذَا لَاحَتْ بِأَيْدِي مُصْلِتِينَا

وَمِيضُ عَقِيقَةٍ لَمَعَتْ بِلَيْلٍ ** تَرَى فِيهَا الْعَقَائِقَ مُسْتَبِينَا

فَلَوْلَا خَنْدَقٌ كَانُوا لَدَيْهِ ** لَدَمّرْنَا عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَا

وَلَكِنْ حَالَ دُونَهُمْ وَكَانُوا ** بِهِ مِنْ خَوْفِنَا مُتَعَوّذِينَا

فَإِنْ نَرْحَلْ فَإِنّا قَدْ تَرَكْنَا ** لَدَى أَبْيَاتِكُمْ سَعْدًا رَهِينَا

إذَا جَنّ الظّلَامُ سَمِعْتَ نَوْحَى ** عَلَى سَعْدٍ يُرَجّعْنَ الْحَنِينَا

وَسَوْفَ نَزُورُكُمْ عَمّا قَرِيبٍ ** كَمَا زُرْنَاكُمْ مُتَوَازِرِينَا

بِجَمْعٍ مِنْ كِنَانَةَ غَيْرَ عُزْلٍ ** كَأُسْدِ الْغَابِ قَدْ حَمَتِ الْعَرِينَا

.شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرّدّ عَلَى ضِرَارٍ:

فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ فَقَالَ:
وَسَائِلَةٍ تُسَائِلُ مَا لَقِينَا ** وَلَوْ شَهِدَتْ رَأَتْنَا صَابِرِينَا

صَبَرْنَا لَا نَرَى لِلّهِ عَدْلًا ** عَلَى مَا نَابَنَا مُتَوَكّلِينَا

وَكَانَ لَنَا النّبِيّ وَزِيرَ صِدْقٍ ** بِهِ نَعْلُو الْبَرِيّةَ أَجْمَعِينَا

نُقَاتِلُ مَعْشَرًا ظَلَمُوا وَعَقّوا ** وَكَانُوا بِالْعَدَاوَةِ مُرْصِدِينَا

نُعَاجِلُهُمْ إذَا نَهَضُوا إلَيْنَا ** بِضَرْبٍ يُعْجِلُ الْمُتَسَرّعِينَا

تَرَانَا فِي فَضَافِضَ سَابِغَاتٍ ** كَغُدْرَانِ الْمَلَا مُتَسَرْبِلِينَا

وَفِي أَيْمَانِنَا بِيضٌ خِفَافٌ ** بِهَا نَشْفِي مُرَاحَ الشّاغِبِينَا

بِبَابِ الْخَنْدَقَيْنِ كَأَنّ أُسْدًا ** شَوَابِكُهُنّ يَحْمِينَ الْعَرِينَا

فَوَارِسُنَنا إذَا بَكَرُوا وَرَاحُوا ** عَلَى الْأَعْدَاءِ شُوسًا مُعْلَمِينَا

لِنَنْصُرَ أَحَمْدًا وَاَللّهَ حَتّى ** نَكُونَ عِبَادَ صِدْقٍ مُخْلِصِينَا

وَيَعْلَمَ أَهْلُ مَكّةَ حِينَ سَارُوا ** وَأَحْزَابٌ أَتَوْا مُتَحَزّبِينَا

بِأَنّ اللّهَ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ ** وَأَنّ اللّهَ مَوْلَى الْمُؤْمِنِينَا

فَإِمّا تَقْتُلُوا سَعْدًا سَفَاهًا ** فَإِنّ اللّهَ خَيْرُ الْقَادِرِينَا

سَيُدْخِلُهُ جِنَانًا طَيّبَاتٍ ** تَكُونُ مُقَامَةً لِلصّالِحِينَا

كَمَا قَدْ رَدّكُمْ فَلّا شَرِيدًا ** بِغَيْظِكُمْ خَزَايَا خَائِبِينَا

خَزَايَا لَمْ تَنَالُوا ثَمّ خَيْرًا ** وَكِدْتُمْ أَنْ تَكُونُوا دَامِرِينَا

بِرِيحِ عَاصِفٍ هَبّتْ عَلَيْكُمْ ** فَكُنْتُمْ تَحْتَهَا مُتَكَمّهِينَا

.[شِعْرُ ابْنِ الزّبَعْرَى]:

قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَعْرَى السّهْمِيّ، فِي يَوْمِ الْخَنْدَقِ:
حَتّى الدّيَارَ مَحَا مَعَارِفَ رَسْمِهَا ** طُولُ الْبِلَى وَتَرَاوُحُ الْأَحْقَابِ

كَأَنّمَا كَتَبَ الْيَهُودُ رُسُومَهَا ** إلّا الْكَنِيفَ وَمَعْقِدَ الْأَطْنَابِ

قَفْرًا كَأَنّك لَمْ تَكُنْ تَلْهُو بِهَا ** فِي نِعْمَةٍ بِأَوَانِسٍ أَتْرَابِ

فَاتْرُكْ تَذَكّرَ مَا مَضَى مِنْ عِيشَةٍ ** وَمَحِلّةٍ خَلْقِ الْمَقَامِ يَبَابِ

وَاذْكُرْ بَلَاءَ مَعَاشِرٍ وَاشْكُرْهُمْ ** سَارُوا بِأَجْمَعِهِمْ مِنْ الْأَنْصَابِ

أَنْصَابِ مَكّةَ عَامِدِينَ لِيَثْرِبِ ** فِي ذِي غَيَاطِلَ جَحْفَلٍ جَبْجَابِ

يَدَعُ الْحُزُونَ مَنَاهِجًا مَعْلُومَةً ** فِي كُلّ نَشْرٍ ظَاهِرٍ وَشِعَابِ

فِيهَا الْجِيَادُ شَوَازِبٌ مَجْنُوبَةٌ ** قُبّ الْبُطُونِ لَوَاحِقُ الْأَقْرَابِ

مِنْ كُلّ سَلْهَبَةٍ وَأَجْرَدَ سَلْهَبٍ ** كَالسّيدِ بَادَرَ غَفْلَةَ الرّقّابِ

جَيْشُ عُيَيْنَةَ قَاصِدٌ بِلِوَائِه ** فِيهِ وَصَخْرٌ قَائِدُ الْأَحْزَابِ

قَرْمَانُ كَالْبَدْرَيْنِ أَصْبَحَ فِيهِمَا ** غَيْثُ الْفَقِيرِ وَمَعْقِلُ الْهُرّابِ

حَتّى إذَا وَرَدُوا الْمَدِينَةَ وَارْتَدَوْا ** لِلْمَوْتِ كُلّ مُجَرّبٍ قَضّابِ

شَهْرًا وَعَشْرًا قَاهِرِينَ مُحَمّدًا وَصِحَابُهُ ** فِي الْحَرْبِ خَيْرُ صِحَابِ

نَادَوْا بِرِحْلَتِهِمْ صَبِيحَةَ قُلْتُمْ ** كِدْنَا نَكُونُ بِهَا مَعَ الْخُيّابِ

لَوْلَا الْخَنَادِقَ غَادَرُوا مِنْ جَمْعِهِمْ ** قَتْلَى لِطَيْرٍ سُغّبٍ وَذِئَابِ

.[شِعْرُ حَسّانَ]:

فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ، فَقَالَ:
هَلْ رَسْمُ دَارِسَةِ الْمَقَامِ يَبَابِ ** مُتَكَلّمٌ لِمُحَاوِرِ بِجَوَابِ

قَفْرٌ عَفَا رِهَمُ السّحَابِ رُسُومَهُ ** وَهُبُوبُ كُلّ مُطِلّةٍ مِرْبَابِ

وَلَقَدْ رَأَيْت بِهَا الْحُلُولَ يَزِينُهُمْ ** بِيضُ الْوُجُوهِ ثَوَاقِبُ الْأَحْسَابِ

فَدَعْ الدّيَارَ وَذِكْرَ كُلّ خَرِيدَةٍ ** بَيْضَاءَ آنِسَةِ الْحَدِيثِ كَعَابِ

وَاشْكُ الْهُمُومَ إلَى الْإِلَهِ وَمَا تَرَى ** مِنْ مَعْشَرٍ ظَلَمُوا الرّسُولَ غِضَابِ

سَارُوا بِأَجْمَعِهِمْ إلَيْهِ وَأَلّبُوا ** أَهْلَ الْقُرَى وَبَوَادِيَ الْأَعْرَابِ

جَيْشُ عُيَيْنَةَ وَابْنُ حَرْبٍ فِيهِمْ ** مُتَخَمّطُونَ بِحَلَبَةِ الْأَحْزَابِ

حَتّى إذَا وَرَدُوا الْمَدِينَةَ وَارْتَجَوْا ** قَتْلَى الرّسُولِ وَمَغْنَمَ الْأَسْلَابِ

وَغَدَوْا عَلَيْنَا قَادِرِينَ بِأَيْدِهِمْ ** رُدّوا بِغَيْظِهِمْ عَلَى الْأَعْقَابِ

بِهُبُوبِ مُعْصِفَةٍ تُفَرّقُ جَمْعَهُمْ ** وَجُنُودِ رَبّكَ سَيّدِ الْأَرْبَابِ

فَكَفَى الْإِلَهُ الْمُؤْمِنِينَ قِتَالَهُمْ ** وَأَثَابَهُمْ فِي الْأَجْرِ خَيْرَ ثَوَابِ

مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا فَفَرّقَ جَمْعَهُمْ ** تَنْزِيلُ نَصْرٍ مَلِيكِنَا الْوَهّابِ

وَأَقَرّ عَيْنَ مُحَمّدٍ وَصِحَابِهِ ** وَأَذَلّ كُلّ مُكَذّبٍ مُرْتَابِ

عَاتِي الْفُؤَادِ مُوَقّعٍ ذِي رِيبَةٍ ** فِي الْكُفْرِ لَيْسَ بِطَاهِرِ الْأَثْوَابِ

عَلِقَ الشّقَاءُ بِقَلْبِهِ فَفُؤَادُهُ ** فِي الْكُفْرِ آخِرُ هَذِهِ الْأَحْقَابِ