فصل: (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيب):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» (نسخة منقحة)



.[مَا نَزَلَ فِي تَبُوكَ]:

ثُمّ ذَكَرَ تَبُوكَ وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ تَثَاقُلِ الْمُسْلِمِينَ عَنْهَا، وَمَا أَعْظَمُوا مِنْ غَزْوِ الرّومِ، حِينَ دَعَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى جِهَادِهِمْ وَنِفَاقَ مَنْ نَافَقَ دُعُوا إلَى مَا دُعُوا إلَيْهِ مِنْ الْجِهَادِ ثُمّ مَا نَعَى عَلَيْهِمْ مِنْ إحْدَاثِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ اثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ} ثُمّ الْقِصّةُ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُعَذّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ}

.[مَا نَزَلَ فِي أَهْلِ النّفَاقِ]:

ثُمّ قَالَ تَعَالَى لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَذْكُرُ أَهْلَ النّفَاقِ {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشّقّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنّهُمْ لَكَاذِبُونَ} أَيْ إنّهُمْ يَسْتَطِيعُونَ {عَفَا اللّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتّى يَتَبَيّنَ لَكَ الّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} إلَى قَوْلِهِ {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ}.

.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيب]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ سَارُوا بَيْنَ أَضْعَافِكُمْ فَالْإِيضَاعُ ضَرْبٌ مِنْ السّيْرِ أَسْرَعَ مِنْ الْمَشْيِ قَالَ الْأَجْدَعُ بْنُ مَالِكٍ الْهَمْدَانِيّ:
يَصْطَادُك الْوَحَدَ الْمُدِلّ بِشَأْوِهِ ** بِشَرِيجٍ بَيْنَ الشّدّ وَالْإِيضَاعِ

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.

.[عَوْدٌ إلَى مَا نَزَلَ فِي أَهْلِ النّفَاقِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ الّذِينَ اسْتَأْذَنُوهُ مِنْ ذَوِي الشّرَفِ فِيمَا بَلَغَنِي، مِنْهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ، وَالْجَدّ بْنُ قِيسٍ؛ وَكَانُوا أَشْرَافًا فِي قَوْمِهِمْ فَثَبّطَهُمْ اللّهُ لِعِلْمِهِ بِهِمْ أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُ فَيُفْسِدُوا عَلَيْهِ جُنْدَهُ وَكَانَ فِي جُنْدِهِ قَوْمٌ أَهْلُ مَحَبّةٍ لَهُمْ وَطَاعَةٍ فِيمَا يَدْعُونَهُمْ إلَيْهِ لِشَرَفِهِمْ فِيهِمْ. فَقَالَ تَعَالَى: {وَفِيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ} أَيْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْتَأْذِنُوك، {وَقَلّبُوا لَكَ الْأُمُورَ} أَيْ لِيَخْذُلُوا عَنْك أَصْحَابَك وَيَرُدّوا عَلَيْك أَمْرَك {حَتّى جَاءَ الْحَقّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} وَكَانَ الّذِي قَالَ ذَلِكَ فِيمَا سُمّيَ لَنَا، الْجَدّ بْنُ قِيسٍ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، حِينَ دَعَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى جِهَادِ الرّومِ. ثُمّ كَانَتْ الْقِصّةُ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدّخَلًا لَوَلّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} أَيْ إنّمَا نِيّتُهُمْ وَرِضَاهُمْ وَسَخَطَهُمْ لِدُنْيَاهُمْ.

.[مَا نَزَلَ فِي ذِكْرِ أَصْحَابِ الصّدَقَاتِ]:

ثُمّ بَيّنَ الصّدَقَاتِ لِمَنْ هِيَ وَسَمّى أَهْلَهَا، فَقَالَ {إِنّمَا الصّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَاِبْنِ السّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}

.[مَا نَزَلَ فِيمَنْ آذَوْا الرّسُولَ]:

ثُمّ ذَكَرَ غَشّهُمْ وَأَذَاهُمْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ {وَمِنْهُمُ الّذِينَ يُؤْذُونَ النّبِيّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وَكَانَ الّذِي يَقُولُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ فِيمَا بَلَغَنِي، نَبْتَلُ بْنُ الْحَارِثِ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ إنّمَا مُحَمّدٌ أُذُنٌ مَنْ حَدّثَهُ شَيْئًا صَدّقَهُ. يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى: {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} أَيْ يَسْمَعُ الْخَيْرَ وَيُصَدّقُ بِهِ ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {يَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ} ثُمّ قَالَ {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنّ إِنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذّبْ طَائِفَةً} وَكَانَ الّذِي قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَدِيعَةَ بْنَ ثَابِتٍ، أَخُو بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ، مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَكَانَ الّذِي عُفِيَ عَنْهُ فِيمَا بَلَغَنِي: مُخَشّنَ بْنَ حُمَيّرٍ الْأَشْجَعِيّ حَلِيفَ بَنِي سَلِمَةَ، وَذَلِكَ أَنّهُ أَنْكَرَ مِنْهُمْ بَعْضَ مَا سَمِعَ. ثُمّ الْقِصّةُ مِنْ صِفَتِهِمْ حَتّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيّهَا النّبِيّ جَاهِدِ الْكُفّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} إلَى قَوْلِهِ {مِنْ وَلِيّ وَلَا نَصِيرٍ} وَكَانَ الّذِي قَالَ تِلْكَ الْمَقَالَةَ الْجُلَاسَ بْنَ سُوَيْد بْنِ صَامِتٍ فَرَفَعَهَا عَلَيْهِ رَجُلٌ كَانَ فِي حِجْرِهِ يُقَال لَهُ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ، فَأَنْكَرَهَا وَحَلَفَ بِاَللّهِ مَا قَالَهَا، فَلَمّا نَزَلَ فِيهِمْ الْقُرْآنُ تَابَ وَنَزَعَ وَحَسُنَتْ حَالُهُ وَتَوْبَتُهُ فِيمَا بَلَغَنِي. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصّدّقَنّ وَلَنَكُونَنّ مِنَ الصّالِحِينَ} وَكَانَ الّذِي عَاهَدَ اللّهَ مِنْهُمْ ثَعْلَبَةَ بْنَ حَاطِبٍ، وَمُعَتّبَ بْنَ قُشَيْرٍ، وَهُمَا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ. ثُمّ قَالَ {الّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطّوّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصّدَقَاتِ وَالّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وَكَانَ الْمُطّوّعُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصّدَقَاتِ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَعَاصِمَ بْنَ عَدِيّ أَخَا بَنِي الْعَجْلَانِ، وَذَلِكَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَغّبَ فِي الصّدَقَةِ وَحَضّ عَلَيْهَا، فَقَامَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَتَصَدّقَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَقَامَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيّ، فَتَصَدّقَ بِمِئَةِ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ فَلَمَزُوهُمَا وَقَالُوا مَا هَذَا إلّا رِيَاءٌ وَكَانَ الّذِي تَصَدّقَ بِجَهْدِهِ أَبُو عُقَيْلٍ أَخُو بَنِي أُنَيْفٍ أَتَى بِصَاعِ مِنْ تَمْرٍ فَأَفْرَغَهَا فِي الصّدَقَةِ فَتَضَاحَكُوا بِهِ وَقَالُوا: إنّ اللّهَ لَغَنِيّ عَنْ صَاعِ أَبِي عُقَيْلٍ. ثُمّ ذَكَرَ قَوْلَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضِ حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْجِهَادِ وَأَمَرَ بِالسّيْرِ إلَى تَبُوكَ، عَلَى شِدّةِ الْحَرّ وَجَدْبِ الْبِلَادِ فَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرّ قُلْ نَارُ جَهَنّمَ أَشَدّ حَرّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} إلَى قَوْلِهِ {وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ}

.[مَا نَزَلَ بِسَبَبِ صَلَاةِ النّبِيّ عَلَى ابْنِ أَبَيّ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ يَقُولُ لَمّا تُوُفّيَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبَيّ، دُعِيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلصّلَاةِ عَلَيْهِ فَقَامَ إلَيْهِ فَلَمّا وَقَفَ عَلَيْهِ يُرِيدُ الصّلَاةَ تَحَوّلْتُ حَتّى قُمْت فِي صَدْرِهِ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ أَتُصَلّي عَلَى عَدُوّ اللّهِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبَيّ ابْنِ سَلُولَ؟ الْقَائِلِ كَذَا يَوْمَ كَذَا، وَالْقَائِلِ كَذَا يَوْمَ كَذَا؟ أُعَدّدُ أَيّامَهُ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَبَسّمُ حَتّى إذَا أَكْثَرْت قَالَ يَا عُمَرُ أَخّرْ عَنّي، إنّي قَدْ خُيّرْت فَاخْتَرْت، قَدْ قِيلَ لِي: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ فَلَوْ أَعْلَمُ أَنّي إنْ زِدْت عَلَى السّبْعِينَ غُفِرَ لَهُ لَزِدْت. قَالَ ثُمّ صَلّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَشَى مَعَهُ حَتّى قَامَ عَلَى قَبْرِهِ حَتّى فُرِغَ مِنْهُ. قَالَ فَعَجِبْت لِي وَلِجُرْأَتِي عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاَللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَوَاَللّهِ مَا كَانَ إلّا يَسِيرًا حَتّى نَزَلَتْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ {وَلَا تُصَلّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنّهُمْ كَفَرُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} فَمَا صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَهُ عَلَى مُنَافِقٍ حَتّى قَبَضَهُ اللّهُ تَعَالَى.

.[مَا نَزَلَ فِي الْمُسْتَأْذِنِينَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطّوْلِ مِنْهُمْ} وَكَانَ ابْنُ أَبَيّ مِنْ أُولَئِكَ فَنَعَى اللّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَذَكَرَهُ مِنْهُ ثُمّ قَالَ تَعَالَى {لَكِنِ الرّسُولُ وَالّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أَعَدّ اللّهُ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَجَاءَ الْمُعَذّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الّذِينَ كَذَبُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ} إلَى آخِرِ الْقِصّةِ. وَكَانَ الْمُعَذّرُونَ، فِيمَا بَلَغَنِي نَفَرًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ، مِنْهُمْ خُفَافُ بْنُ أَيْمَاءَ بْنِ رَحْضَةَ، ثُمّ كَانَتْ الْقِصّةُ لِأَهْلِ الْعُذْرِ حَتّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ {وَلَا عَلَى الّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدّمْعِ حَزَنًا أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} وَهُمْ الْبَكّاءُونَ. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {إِنّمَا السّبِيلُ عَلَى الّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} وَالْخَوَالِفُ النّسَاءُ. ثُمّ ذَكَرَ حَلِفَهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ وَاعْتِذَارَهُمْ فَقَالَ {فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ} إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنّ اللّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}

.[مَا نَزَلَ فِيمَنْ نَافَقَ مِنْ الْأَعْرَابِ]:

ثُمّ ذَكَرَ الْأَعْرَابَ وَمَنْ نَافَقَ مِنْهُمْ وَتَرَبّصُهُمْ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبِالْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتّخِذُ مَا يُنْفِقُ} أَيْ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ {مَغْرَمًا وَيَتَرَبّصُ بِكُمُ الدّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السّوْءِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ثُمّ ذَكَرَ الْأَعْرَابَ أَهْلَ الْإِخْلَاصِ وَالْإِيمَانِ مِنْهُمْ فَقَالَ {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرّسُولِ أَلَا إِنّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ}

.[مَا نَزَلَ فِي السّابِقِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ]:

ثُمّ ذَكَرَ السّابِقِينَ الْأَوّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَفَضْلَهُمْ وَمَا وَعَدَهُمْ اللّهُ مِنْ حُسْنِ ثَوَابِهِ إيّاهُمْ ثُمّ أَلْحَقَ بِهِمْ التّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ فَقَالَ {رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {وَمِمّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النّفَاقِ} أَيْ لَجّوا فِيهِ وَأَبَوْا غَيْرَهُ {سَنُعَذّبُهُمْ مَرّتَيْنِ} وَالْعَذَابُ الّذِي أَوْعَدَهُمْ اللّهُ تَعَالَى مَرّتَيْنِ فِيمَا غَمّهُمْ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنْ أَمْرِ الْإِسْلَامِ وَمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْظِ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ حِسْبَةٍ ثُمّ عَذَابُهُمْ فِي الْقُبُورِ إذَا صَارُوا إلَيْهَا، ثُمّ الْعَذَابُ الْعَظِيمُ الّذِي يُرِدّونَ إلَيْهِ عَذَابُ النّارِ وَالْخُلْدُ فِيهِ. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيّئًا عَسَى اللّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا} إلَى آخِرِ الْقِصّةِ. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمّا يُعَذّبُهُمْ وَإِمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} وَهُمْ الثّلَاثَةُ الّذِينَ خُلّفُوا، وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمْرَهُمْ حَتّى أَتَتْ مِنْ اللّهِ تَوْبَتُهُمْ. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {وَالّذِينَ اتّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا} إلَخْ الْقِصّةُ ثُمّ قَالَ تَعَالَى {إِنّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنّ لَهُمُ الْجَنّةَ} ثُمّ كَانَ قِصّةُ الْخَبَرِ عَنْ تَبُوكَ، وَمَا كَانَ فِيهَا إلَى آخِرِ السّورَةِ. وَكَانَتْ بَرَاءَةٌ تُسْمَى فِي زَمَانِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَعْدَهُ الْمُبَعْثِرَةَ لَمَا كَشَفَتْ مِنْ سَرَائِرِ النّاسِ. وَكَانَتْ تَبُوك ُ آخِرَ غَزْوَةٍ غَزَاهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.

.شِعْرُ حَسّانَ الّذِي عَدّدَ فِيهِ الْمَغَازِيَ:

وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُعَدّدُ أَيّامَ الْأَنْصَارِ مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَذْكُرُ مَوَاطِنَهُمْ مَعَهُ فِي أَيّامِ غَزْوِهِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَتُرْوَى لَابْنِهِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ حَسّانَ:
أَلَسْتُ خَيْرَ مَعَدّ كُلّهَا نَفَرًا ** وَمَعْشَرًا إنْ هُمْ عُمّوا وَإِنْ حُصِلُوا

قَوْمٌ هُمْ شَهِدُوا بَدْرًا بِأَجْمَعِهِمْ ** مَعَ الرّسُولِ فَمَا أَلَوْا وَمَا خَذَلُوا

وَبَايَعُوهُ فَلَمْ يَنْكُثْ بِهِ أَحَدٌ ** مِنْهُمْ وَلَمْ يَكُ فِي إيمَانِهِمْ دَخَلُ

وَيَوْمَ صَبّحَهُمْ فِي الشّعْبِ مِنْ أُحُدٍ ** ضَرْبٌ رَصِينٌ كَحَرّ النّارِ مُشْتَعِلُ

وَيَوْمَ ذِي قَرَدٍ يَوْمَ اسْتَثَارَ بِهِمْ ** عَلَى الْجِيَادِ فَمَا خَامُوا وَمَا نَكَلُوا

وَذَا الْعَشِيرَةِ جَاسُوهَا بِخَيْلِهِمْ ** مَعَ الرّسُولِ عَلَيْهَا الْبَيْضُ وَالْأَسَلُ

وَيَوْمَ وَدّانَ أَجْلَوْا أَهْلَهُ رَقَصًا ** بِالْخَيْلِ حَتّى نَهَانَا الْحَزْنُ وَالْجَبَلُ

وَلَيْلَةً طَلَبُوا فِيهَا عَدُوّهُمْ ** لِلّهِ وَاَللّهُ يَجْزِيهِمْ بِمَا عَمِلُوا

وَغَزْوَةً يَوْمَ نَجْدٍ ثُمّ كَانَ لَهُمْ ** مَعَ الرّسُولِ بِهَا الْأَسْلَابُ وَالنّفَلُ

وَلَيْلَةً بِحُنَيْنٍ جَالَدُوا مَعَهُ ** فِيهَا يَعُلّهُمْ بِالْحَرْبِ إذْ نَهِلُوا

وَغَزْوَةَ الْقَاعِ فَرّقْنَا الْعَدُوّ بِهِ ** كَمَا تُفَرّقُ دُونَ الْمَشْرَبِ الرّسَلُ

وَيَوْمَ بُويِعَ كَانُوا أَهْلَ بَيْعَتِهِ ** عَلَى الْجِلَادِ فَآسَوْهُ وَمَا عَدَلُوا

وَغَزْوَةَ الْفَتْحِ كَانُوا فِي سَرِيّتِهِ ** مُرَابِطِينَ فَمَا طَاشُوا وَمَا عَجِلُوا

وَيَوْمَ خَيْبَرَ كَانُوا فِي كَتِيبَتِهِ ** يَمْشُونَ كُلّهُمْ مُسْتَبْسِلٌ بَطَلُ

بِالْبِيضِ تَرْعَشُ فِي الْأَيْمَانِ عَارِيَةً ** تَعْوَجّ فِي الضّرْبِ أَحْيَانًا وَتَعْتَدِلُ

وَيَوْمَ سَارَ رَسُولُ اللّهِ مُحْتَسِبًا ** إلَى تَبُوكَ وَهُمْ رَايَاتُهُ الْأُوَلُ

وَسَاسَةُ الْحَرْبِ إنْ حَرْبٌ بَدَتْ لَهُمْ ** حَتّى بَدَا لَهُمْ الْإِقْبَالُ وَالْقَفَلُ

أُولَئِكَ الْقَوْمُ أَنْصَارُ النّبِيّ وَهُمْ ** قَوْمِي أَصِيرُ إلَيْهِمْ حَيْنَ أَتّصِلُ

- مَاتُوا كِرَامًا وَلَمْ تُنْكَثْ عُهُودُهُمْ ** وَقَتْلُهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ إذْ قُتِلُوا

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَجُزُ آخِرِهَا بَيْتًا عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا:
كُنّا مُلُوكَ النّاسِ قَبْلَ مُحَمّدٍ ** فَلَمّا أَتَى الْإِسْلَامُ كَانَ لَنَا الْفَضْلُ

وَأَكْرَمَنَا اللّهُ الّذِي لَيْسَ غَيْرَهُ ** إلَهٌ بِأَيّامٍ مَضَتْ مَا لَهَا شَكْلُ

بِنَصْرِ الْإِلَهِ وَالرّسُولِ وَدِينِهِ ** وَأَلْبَسَنَاهُ اسْمًا مَضَى مَا لَهُ مِثْلُ

أُولَئِكَ قَوْمِي خَيْرُ قَوْمٍ بِأَسْرِهِمْ ** فَمَا عُدّ مِنْ خَيْرٍ فَقَوْمِي لَهُ أَهْلُ

يَرُبّونَ بِالْمَعْرُوفِ مَعْرُوفِ مَنْ مَضَى ** وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ دُونَ مَعْرُوفِهِمْ قُفْلُ

إذَا اخْتُبِطُوا لَمْ يُفْحِشُوا فِي نَدِيّهِمْ ** وَلَيْسَ عَلَى سُؤَالِهِمْ عِنْدَهُمْ بُخْلُ

وَإِنْ حَارَبُوا أَوْ سَالَمُوا لَمْ يُشَبّهُوا ** فَحَرْبُهُمْ حَتْفٌ وَسِلْمُهُمْ سَهْلُ

وَجَارُهُمْ مُوفٍ بِعَلْيَاءَ بَيْتُهُ ** لَهُ مَا ثَوَى فِينَا الْكَرَامَةُ وَالْبَذْلُ

وَحَامِلُهُمْ مُوفٍ بِكُلّ حَمَالَةٍ ** تَحَمّلَ لَا غُرْمٌ عَلَيْهَا وَلَا خَذْلُ

وَقَائِلهُمْ بِالْحَقّ إنْ قَالَ قَائِلٌ ** وَحِلْمُهُمْ عَوْدٌ وَحُكْمُهُمْ عَدْلُ

وَمِنّا أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ حَيَاتَهُ ** وَمَنْ غَسّلَتْهُ مِنْ جَنَابَتِهِ الرّسْلُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقوله: وَأَلْبَسْنَاهُ اسْمًا عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا:
قَوْمِي أُولَئِكَ إنْ تَسْأَلِي ** كِرَامٌ إذَا الضّيْفُ يَوْمًا أَلَمْ

عِظَامُ الْقُدُورِ لِأَيْسَارِهِمْ ** يَكُبّونَ فِيهَا الْمُسِنّ السّنِمْ

يُؤَاسُونَ جَارَهُمْ فِي الْغِنَى ** وَيَحْمُونَ مَوْلَاهُمْ إنْ ظُلِمْ

فَكَانُوا مُلُوكًا بِأَرْضِيّهِمْ ** يُنَادُونَ عَضْبًا بِأَمْرِ غُشُمْ

مُلُوكًا عَلَى النّاسِ لَمْ يُمْلَكُوا ** مِنْ الدّهْرِ يَوْمًا كَحِلّ الْقَسَمْ

فَأَنْبَوْا بِعَادٍ وَأَشْيَاعِهَا ** ثَمُودَ وَبَعْضِ بَقَايَا إرَمْ

بِيَثْرِبَ قَدْ شَيّدُوا فِي النّخِيلِ ** حُصُونًا وَدُجّنَ فِيهَا النّعَمْ

نَوَاضِحَ قَدْ عَلّمَهَا اليهو ** دُ عَلْ إلَيْك وَقَوْلًا هَلُمْ

وَفَمًا اشْتَهَوْا مِنْ عَصِيرِ الْقِطَا ** فِ وَالْعَيْشِ رَخْوًا عَلَى غَيْرِ هَمْ

فَسِرْنَا إلَيْهِمْ بِأَثْقَالِنَا ** عَلَى كُلّ فَحْلٍ هِجَانٍ قَطِمْ

جَنَبْنَا بِهِنّ جِيَادَ الخيو ** لِ قَدْ جَلّلُوهَا جِلَالَ الْأَدَمْ

فَلَمّا أَنَاخُوا بِجَنْبَيْ صِرَارٍ ** وَشَدّوا السّرُوجَ بَلِيّ الْحُزُمْ

فَمَا رَاعَهُمْ غَيْرُ مَعْجِ الْخُيُو ** لِ وَالزّحْفُ مِنْ خَلْفِهِمْ قَدْ دَهِمْ

فَطَارُوا سِرَاعًا وَقَدْ أُفْزِعُوا ** وَجِئْنَا إلَيْهِمْ كَأُسْدِ الْأُجُمْ

عَلَى كُلّ سَلْهَبَةٍ فِي الصّيَا ** نِ لَا يَشْتَكِينَ نَحُولَ السّأَمْ

وَكُلّ كُمَيْتٍ مُطَارُ الْفُؤَادِ ** أَمِينِ الْفُصُوصِ كَمِثْلِ الزّلَمْ

عَلَيْهَا فَوَارِسُ قَدْ عُوّدُوا ** قِرَاعَ الْكُمَاةِ وَضَرْبَ الْبُهَمْ

مُلُوكٌ إذَا غَشَمُوا فِي الْبِلَا ** دِ لَا يَنْكُلُونَ وَلَكِنْ قُدُمْ

فَأُبْنَا بِسَادَاتِهِمْ وَالنّسَاءِ ** وَأَوْلَادُهُمْ فِيهِمْ تُقْتَسَمْ

وَرِثْنَا مَسَاكِنَهُمْ بَعْدَهُمْ ** وَكُنّا مُلُوكًا بِهَا لَمْ نَرِمْ

فَلَمّا أَتَانَا الرّسُولُ الرّشِيدُ ** بِالْحَقّ وَالنّورِ بَعْدَ الظّلْمْ

قُلْنَا صَدَقْتَ رَسُولَ الْمَلِيكِ ** هَلُمّ إلَيْنَا وَفِينَا أَقِمْ

فَنَشْهَدَ أَنّكَ عَبْدُ الْإِلَهِ ** أُرْسِلَتْ نُورًا بِدِينٍ قِيَمْ

فَأَنَا وَأَوْلَادُنَا جُنّةٌ ** نَقِيكَ وَفِي مَالِنَا فَاحْتَكِمْ

فَنَحْنُ أُولَئِكَ إنْ كَذّبُوك ** فَنَادِ نِدَاءً وَلَا تَحْتَشِمْ

وَنَادِ بِمَا كُنْتَ أَخْفَيْتَهُ ** نِدَاءً جَهَارًا وَلَا تَكْتَتِمْ

فَسَارَ الْغُوَاةُ بِأَسْيَافِهِمْ ** إلَيْهِ يَظُنّونَ أَنْ يُخْتَرَمْ

فَقُمْنَا إلَيْهِمْ بِأَسْيَافِنَا ** نُجَالِدُ عَنْهُ بُغَاةَ الْأُمَمْ

بِكُلّ صَقِيلٍ لَهُ مَيْعَةٌ ** رَقِيقِ الذّبّابِ عَضُوضٍ خَذِمْ

إذَا مَا يُصَادِفُ صُمّ الْعِظَا ** مِ لَمْ يَنْبُ عَنْهَا وَلَمْ يَنْشَلِمْ

فَذَلِكَ مَا وَرّثَتْنَا الْقُرُو ** مُ مَجْدًا تَلِيدًا وَعِزّا أَشَمْ

إذَا مَرّ نَسْلٌ كَفَى نَسْلُهُ ** وَغَادَرَ نَسْلًا إذَا مَا انْفَصَمْ

فَمَا إنْ مِنْ النّاسِ إلّا لَنَا ** عَلَيْهِ وَإِنْ خَاسَ فَضْلُ النّعَمْ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ بَيْتَهُ:
فَكَانُوا مُلُوكًا بِأَرْضِيّهِمْ ** يُنَادُونَ غُضْبًا بِأَمْرِ غُشُمْ

وَأَنْشَدَنِي:
بِيَثْرِبَ قَدْ شَيّدُوا فِي النّخِيلِ ** حُصُونًا وَدُجّنَ فِيهَا النّعَمْ

وَبَيْتُهُ:
وَكُلّ كُمَيْتٍ مُطَارُ الْفُؤَادِ

عَنْهُ.

.ذِكْرُ سَنَةِ تِسْعٍ وَتَسْمِيَتُهَا سَنَةَ الْوُفُودِ وَنُزُولُ سُورَةِ الْفَتْحِ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: لَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ، وَفَرَغَ مِنْ تَبُوكَ، وَأَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ وَبَايَعَتْ ضَرَبَتْ إلَيْهِ وُفُودُ الْعَرَبِ مِنْ كُلّ وَجْهٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ ذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَأَنّهَا كَانَتْ تُسْمَى سَنَةَ الْوُفُودِ.

.[انْقِيَادُ الْعَرَبِ وَإِسْلَامُهُمْ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَإِنّمَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَرَبّصَ بِالْإِسْلَامِ أَمْرَ هَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَمْرَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَذَلِكَ أَنّ قُرَيْشًا كَانُوا إمَامَ النّاسِ وَهَادِيَهُمْ وَأَهْلَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَصَرِيحَ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السّلَامُ وَقَادَةَ الْعَرَبِ لَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ هِيَ الّتِي نَصَبَتْ لِحَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخِلَافَهُ فَلَمّا اُفْتُتِحَتْ مَكّةُ، وَدَانَتْ لَهُ قُرَيْشٌ، وَدَوّخَهَا الْإِسْلَامُ وَعَرَفَتْ الْعَرَبُ أَنّهُ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِحَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا عَدَاوَتِهِ فَدَخَلُوا فِي دِينِ اللّهِ. كَمَا قَالَ عَزّ وَجَلّ أَفْوَاجًا، يَضْرِبُونَ إلَيْهِ مِنْ كُلّ وَجْهٍ يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أَفْوَاجًا فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنّهُ كَانَ تَوّابًا} أَيْ فَاحْمَدْ اللّهَ عَلَى مَا أَظْهَرَ مِنْ دِينِك، وَاسْتَغْفِرْهُ إنّهُ كَانَ تَوّابًا.

.قُدُومُ وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ وَنُزُولُ سُورَةِ الْحُجُرَاتِ:

فَقَدِمَتْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وُفُودُ الْعَرَبِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ عُطَارِدُ بْنُ حَاجِبِ بْنِ زُرَارَةَ بْنِ عُدُسٍ التّمِيمِيّ، فِي أَشْرَافِ بَنِي تَمِيمٍ، مِنْهُمْ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التّمِيمِيّ، وَالزّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ التّمِيمِيّ، أَحَدُ بَنِي سَعْدٍ وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ، وَالْحَبْحَابُ بْنُ يَزِيدَ.

.[شَيْءٌ عَنْ الْحُتَاتِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْحُتَاتُ وَهُوَ الّذِي آخَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ آخَى بَيْنَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَبَيْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ وَعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَبَيْنَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ وَالزّبِيرِ بْنِ الْعَوّامِ، وَبَيْنَ أَبِي ذَرّ الْغِفَارِي ّ وَالْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو الْبَهْرَانِيّ، وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَالْحُتَاتِ بْنِ يَزِيدَ الْمُجَاشِعِيّ فَمَاتَ الْحُتَاتُ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ فِي خِلَافَتِهِ فَأَخَذَ مُعَاوِيَةُ مَا تَرَكَ وِرَاثَةً بِهَذِهِ الْأُخُوّةِ فَقَالَ الْفَرَزْدَقُ لِمُعَاوِيَةَ:
أَبُوكَ وَعَمّي يَا مُعَاوِيَ أَوْرَثَا ** تُرَاثًا فَيَحْتَازُ التّرَاثَ أَقَارِبُهْ

فَمَا بَالُ مِيرَاثِ الْحُتَاتِ أَكَلْتَهُ ** وَمِيرَاثِ حَرْبٍ جَامِدٌ لَك ذَائِبُهْ

وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ.

.[سَائِرُ رِجَالِ الْوَفْدِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَفِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ نُعَيْمُ بْنُ يَزِيدَ وَقَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ، وَقِيسُ بْنُ عَاصِمٍ، أَخُو بَنِي سَعْدٍ فِي وَفْدٍ عَظِيمٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَعُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ، أَحَدُ بَنِي دَارِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدٍ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ أَحَدُ بَنِي دَارِمِ بْنِ مَالِكٍ وَالْحُتَاتُ بْنُ يَزِيدَ أَحَدُ بَنِي دَارِمِ بْنِ مَالِكٍ وَالزّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ، أَحَدُ بَنِي بَهْدَلَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدٍ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ، أَحَدُ بَنِي مِنْقَرِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدٍ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَقِيسِ بْنِ عَاصِمٍ، أَحَدُ بَنِي مِنْقَرِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَعَهُمْ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيّ، وَقَدْ كَانَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ شَهِدَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَتَحَ مَكّةَ وَحُنَيْنًا وَالطّائِفَ.
فَلَمّا قَدِمَ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ كَانَا مَعَهُمْ فَلَمّا دَخَلَ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ الْمَسْجِدَ نَادَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ وَرَاءِ حُجُرَاتِهِ أَنْ اُخْرُجْ إلَيْنَا يَا مُحَمّدُ فَآذَى ذَلِكَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ صِيَاحِهِمْ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ جِئْنَاك نُفَاخِرُك، فَأْذَنْ لِشَاعِرِنَا وَخَطِيبِنَا، قَالَ قَدْ أَذِنْت لِخَطِيبِكُمْ فَلْيَقُلْ فَقَامَ عُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ، فَقَالَ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي لَهُ عَلَيْنَا الْفَضْلُ وَالْمَنّ، وَهُوَ أَهْلُهُ الّذِي جَعَلَنَا مُلُوكًا، وَوَهَبَ لَنَا أَمْوَالًا عِظَامًا، نَفْعَلُ فِيهَا الْمَعْرُوفَ وَجَعَلَنَا أَعَزّ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَأَكْثَرَهُ عَدَدًا، وَأَيْسَرَهُ عِدّةً فَمَنْ مِثْلُنَا فِي النّاسِ؟ أَلَسْنَا بِرُءُوسِ النّاسِ وَأُولِي فَضْلِهِمْ؟ فَمَنْ فَاخَرَنَا فَلْيُعَدّدْ مِثْلَ مَا عَدّدْنَا، وَإِنّا لَوْ نَشَاءُ لَأَكْثَرْنَا الْكَلَامَ وَلَكِنّا نَحْيَا مِنْ الْإِكْثَارِ فِيمَا أَعْطَانَا، وَإِنّا نُعْرَفُ بِذَلِكَ. أَقُولُ هَذَا لِأَنْ تَأْتُوا بِمِثْلِ قَوْلنَا، وَأَمْرٍ أَفَضْلَ مِنْ أَمْرِنَا. ثُمّ جَلَسَ.