فصل: (تَشْبِيبُ كَعْبٍ بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالْحِيلَةُ فِي قَتْلِهِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» (نسخة منقحة)



.[تَبَرّؤُ ابْنِ الصّامِتِ مِنْ حِلْفِهِمْ وَمَا نَزَلَ فِيهِ وَفِي ابْنِ أُبَيّ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ، قَالَ لَمّا حَارَبَتْ بَنُو قَيْنُقَاع َ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَشَبّثَ بِأَمْرِهِمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ وَقَامَ دُونَهُمْ قَالَ وَمَشَى عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ أَحَدَ بَنِي عَوْفٍ لَهُمْ مِنْ حِلْفِهِ مِثْلُ الّذِي لَهُمْ مِنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ، فَخَلَعَهُمْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَبَرّأَ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَإِلَى رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ حِلْفِهِمْ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَتَوَلّى اللّهَ وَرَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَأَبْرَأُ مِنْ حِلْفِ هَؤُلَاءِ الْكُفّارِ وَوِلَايَتِهِمْ. قَالَ فَفِيهِ وَفِي عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْقِصّةُ مِنْ الْمَائِدَةِ {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَتّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنّهُ مِنْهُمْ إِنّ اللّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ فَتَرَى الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} أَيْ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ وَقَوْلُهُ إنّي أَخْشَى الدّوَائِرَ {يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} ثُمّ الْقِصّةُ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} وَذَكَرَ لِتُوَلّي عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَاَلّذِينَ آمَنُوا، وَتَبَرّئِهِ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاع {وَمَنْ يَتَوَلّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذِينَ آمَنُوا فَإِنّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}
سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى الْقَرَدَةِ.

.[إصَابَةُ زَيْدٍ لِلْعِيرِ وَإِفْلَاتُ الرّجَالِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الّتِي بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهَا، حَيْنَ أَصَابَ عِيرَ قُرَيْشٍ، وَفِيهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ عَلَى الْقَرَدَةِ، مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ نَجْدٍ. وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا: أَنّ قُرَيْشًا خَافُوا طَرِيقَهُمْ الّذِي كَانُوا يَسْلُكُونَ إلَى الشّأْمِ حِينَ كَانَ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ مَا كَانَ فَسَلَكُوا طَرِيقَ الْعِرَاقِ، فَخَرَجَ مِنْهُمْ تُجّارٌ فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَمَعَهُ فِضّةٌ كَثِيرَةٌ وَهِيَ عُظْمُ تِجَارَتِهِمْ وَاسْتَأْجَرُوا رَجُلًا مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، يُقَال لَهُ فُرَاتُ بْنُ حَيّانَ يَدُلّهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى الطّرِيقِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فُرَاتُ بْنُ حَيّانَ، مِنْ بَنِي عِجْلٍ حَلِيفٌ لِبَنِي سَهْمٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَلَقِيَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ فَأَصَابَ تِلْكَ الْعِيرَ وَمَا فِيهَا، وَأَعْجَزَهُ الرّجَالُ فَقَدِمَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.

.[شِعْرُ حَسّانَ فِي تَأْنِيبِ قُرَيْشٍ]:

فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ بَعْدَ أُحُدٍ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ الْآخِرَةِ يُؤَنّبُ قُرَيْشًا لِأَخْذِهِمْ تِلْكَ الطّرِيقِ:
دَعُو فَلَجَاتِ الشّامِ قَدْ حَالَ دُونَهَا ** جَلّادٌ كَأَفْوَاهِ الْمَخَاضِ الْأَوَارِكِ

بِأَيْدِي رِجَالٍ هَاجَرُوا نَحْوَ رَبّهِمْ ** وَأَنْصَارِهِ حَقّا وَأَيْدِي الْمَلَائِكِ

إذَا سَلَكَتْ لِلْغَوْرِ مِنْ بَطْنِ عَالِجٍ ** فَقُولَا لَهَا لَيْسَ الطّرِيقُ هُنَالِكَ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لِحَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ نَقَضَهَا عَلَيْهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَسَنَذْكُرُهَا وَنَقِيضَتُهَا إنْ شَاءَ اللّهُ فِي مَوْضِعِهَا.

.[مُقْتَلُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ]:

.[اسْتِنْكَارُهُ خَبَرَ رَسُولَيْ الرّسُولِ بِقَتْلِ نَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ: أَنّهُ لَمّا أُصِيبَ أَصْحَابُ بَدْرٍ، وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ إلَى أَهْلِ السّافِلَةِ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ إلَى أَهْلِ الْعَالِيَةِ بَشِيرَيْنِ بَعَثَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى مَنْ بِالْمَدِينَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِفَتْحِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ عَلَيْهِ وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ. كَمَا حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُغِيثِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الظّفَرِيّ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَصَالِحُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ كُلّ قَدْ حَدّثَنِي بَعْضَ حَدِيثِهِ قَالُوا: قَالَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَكَانَ رَجُلًا مِنْ طَيّئٍ ثُمّ أَحَدَ بَنِي نَبْهَانَ وَكَانَتْ أُمّهُ مِنْ بَنِي النّضِيرِ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ: أَحَقّ هَذَا؟ أَتَرَوْنَ مُحَمّدًا قَتَلَ هَؤُلَاءِ الّذِينَ يُسَمّى هَذَانِ الرّجُلَانِ- يَعْنِي زَيْدًا وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ- فَهَؤُلَاءِ أَشْرَافُ الْعَرَبِ وَمُلُوكُ النّاسِ وَاَللّهِ لَئِنْ كَانَ مُحَمّدٌ أَصَابَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ ظَهْرِهَا.

.[شِعْرُهُ فِي التّحْرِيضِ عَلَى الرّسُولِ]:

فَلَمّا تَيَقّنَ عَدُوّ اللّهِ الْخَبَرَ، خَرَجَ حَتّى قَدِمَ مَكّةَ، فَنَزَلَ عَلَى الْمُطّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ بْنِ ضُبَيْرَة السّهْمِيّ وَعِنْدَهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فَأَنْزَلَتْهُ وَأَكْرَمَتْهُ وَجَعَلَ يُحَرّضُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيُنْشِدُ الْأَشْعَارَ وَيَبْكِي أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ، الّذِينَ أُصِيبُوا بِبَدْرِ فقال:
طَحَنَتْ رَحَى بَدْرٍ لِمَهْلِك أَهْلِهِ ** وَلِمِثْلِ بَدْرٍ تَسْتَهِلّ وَتَدْمَعُ

قُتِلَتْ سَرَاةُ النّاسِ حَوْلَ حِيَاضِهِمْ ** لَا تَبْعَدُوا إنّ الْمُلُوكَ تُصَرّعُ

كَمْ قَدْ أُصِيبَ بِهِ مِنْ أَبْيَضَ مَاجِدٍ ** ذِي بَهْجَةٍ يَأْوِي إلَيْهِ الضّيّعُ

طَلْق الْيَدَيْنِ إذَا الْكَوَاكِبُ أَخْلَفَتْ ** حَمّالُ أَثْقَالٍ يَسُودُ وَيَرْبَعُ

وَيَقُولُ أَقْوَامٌ أُسَرّ بِسَخَطِهِمْ ** إنّ ابْنَ الْأَشْرَفِ ظَلّ كَعْبًا يَجْزَعُ

صَدَقُوا فَلَيْتَ الْأَرْضُ سَاعَةَ قُتّلُوا ** ظَلّتْ تَسُوخُ بِأَهْلِهَا وَتُصَدّعُ

صَارَ الّذِي أَثَرَ الْحَدِيثَ بِطَعْنِهِ ** أَوْ عَاشَ أَعْمَى مُرْعَشًا لَا يَسْمَعُ

نُبّئْتُ أَنّ بَنِي الْمُغِيرَةِ كُلّهُمْ ** خَشَعُوا لِقَتْلِ أَبِي الْحَكِيمِ وَجُدّعُوا

وَابْنَا رَبِيعَةَ عِنْدَهُ وَمُنَبّهٌ ** مَا نَالَ مِثْلَ الْمُهْلِكِينَ وَتُبّعُ

نُبّئْتُ أَنّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامِهِمْ ** فِي النّاسِ يَبْنِي الصّالِحَاتِ وَيَجْمَعُ

لِيَزُورَ يَثْرِبَ بِالْجُمُوعِ وَإِنّمَا ** يَحْمَى عَلَى الْحَسَبِ الْكَرِيمُ الْأَرْوَعُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قوله: تُبّعُ، وَأُسِرّ بِسَخَطِهِمْ. عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.

.[شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَيْهِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ، فَقَالَ:
أَبَكَى لِكَعْبٍ ثُمّ عُلّ بِعَبْرَةٍ ** مِنْهُ وَعَاشَ مُجَدّعًا لَا يَسْمَعُ

وَلَقَدْ رَأَيْتُ بِبَطْنِ بَدْرٍ مِنْهُمْ ** قَتْلَى تَسُحّ لَهَا الْعُيُونُ وَتَدْمَعُ

فَابْكِي فَقَدْ أَبَكَيْتَ عَبْدًا رَاضِعًا ** شِبْهَ الْكُلَيْبِ إلَى الْكُلَيْبَةِ يَتْبَعُ

وَلَقَدْ شَفَى الرّحْمَنُ مِنّا سَيّدًا ** وَأَهَانَ قَوْمًا قَاتَلُوهُ وَصُرّعُوا

وَنَجَا وَأُفْلِتَ مِنْهُمْ مَنْ قَلْبُهُ ** شَغَفٌ يَظَلّ لِخَوْفِهِ يَتَصَدّعُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِحَسّانَ. وَقوله: أَبَكَى لِكَعْبِ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.

.[شِعْرُ مَيْمُونَةَ فِي الرّدّ عَلَى كَعْبٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَنِي مُرَيْدٍ بَطْنٌ مِنْ بَلِيّ، كَانُوا حَلْفَاءَ فِي بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ يُقَالُ لَهُمْ الْجَعَادِرَةُ، تُجِيبُ كَعْبًا- قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: اسْمُهَا مَيْمُونَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللّهِ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ لَهَا، وَيُنْكِرُ نَقِيضَتَهَا لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ:
تَحَنّنَ هَذَا الْعَبْدُ كُلّ تَحَنّنٍ ** يُبَكّى عَلَى قَتْلَى وَلَيْسَ بِنَاصِبِ

بَكَتْ عَيْنُ مَنْ يَبْكِي لِبَدْرٍ وَأَهْلُهُ ** وَعُلّتْ بِمِثْلِيّهَا لُؤَيّ بْنُ غَالِبِ

فَلَيْتَ الّذِينَ ضُرّجُوا بِدِمَائِهِمْ ** يَرَى مَا بِهِمْ مَنْ كَانَ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ

فَيَعْلَمُ حَقّا عَنْ يَقِينٍ وَيُبْصِرُوا ** مَجَرّهُمْ فَوْقَ اللّحَى وَالْحَوَاجِبِ

.[شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرّدّ عَلَى مَيْمُونَةَ]:

فَأَجَابَهَا كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، فَقَالَ:
أَلَا فَازْجُرُوا مِنْكُمْ سَفِيهًا لِتَسْلَمُوا ** عَنْ الْقَوْلِ يَأْتِي مِنْهُ غَيْرَ مُقَارِبِ

أَتَشْتُمُنِي أَنْ كُنْتُ أَبْكِي بِعَبْرَةٍ ** لِقَوْمٍ أَتَانِي وُدّهُمْ غَيْرَ كَاذِبِ

فَإِنّي لَبّاك مَا بَقِيتُ وَذَاكِرٌ ** مَآثِرَ قَوْمٍ مَجْدُهُمْ بِالْجَبَاجِبِ

لَعَمْرِي لَقَدْ كَانَتْ مُرَيْدٌ بِمَعْزِلٍ ** عَنْ الشّرّ فَاحْتَالَتْ وُجُوهَ الثّعَالِبِ

فَحُقّ مُرَيْدٌ أَنْ تُجَدّ أُنُوفُهُمْ ** بِشَتْمِهِمْ حَيِيّ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ

وَهَبْتُ نَصِيبِي مِنْ مُرَيْدٍ لِجَعْدَرٍ ** وَفَاءً وَبَيْتُ اللّهِ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ

.[تَشْبِيبُ كَعْبٍ بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالْحِيلَةُ فِي قَتْلِهِ]:

ثُمّ رَجَعَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ إلَى الْمَدِينَةِ فَشَبّبَ بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ حَتّى آذَاهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُغِيثِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ مَنْ لِي بِابْنِ الْأَشْرَفِ؟ فَقَالَ لَهُ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ أَنَا لَك بِهِ يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَا أَقْتُلُهُ قَالَ فَافْعَلْ إنْ قَدَرْتَ عَلَى ذَلِكَ. فَرَجَعَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَمَكَثَ ثَلَاثًا لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ إلّا مَا يُعْلِقُ بِهِ نَفْسَهُ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَعَاهُ فَقَالَ لَهُ لِمَ تَرَكْتَ الطّعَامَ وَالشّرَابَ؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ قُلْت لَك قَوْلًا لَا أَدْرِي هَلْ أَفِيَنّ لَك بِهِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ إنّمَا عَلَيْك الْجَهْدُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ لَا بُدّ لَنَا مِنْ أَنْ نَقُولَ قَالَ قُولُوا مَا بَدَا لَكُمْ فَأَنْتُمْ فِي حِلّ مِنْ ذَلِكَ فَاجْتَمَعَ فِي قَتْلِهِ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَسِلْكَانُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ وَهُوَ أَبُو نَائِلَةَ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَكَانَ أَخَا كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ مِنْ الرّضَاعَةِ وَعَبّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ، أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَأَبُو عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ؛ ثُمّ قَدّمُوا إلَى عَدُوّ اللّهِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُ سِلْكَانَ بْنَ سَلَامَةَ أَبَا نَائِلَةَ فَجَاءَهُ فَتَحَدّثَ مَعَهُ سَاعَةً وَتَنَاشَدُوا شِعْرًا، وَكَانَ أَبُو نَائِلَةَ يَقُولُ الشّعْرَ ثُمّ قَالَ وَيْحَك يَا ابْنَ الْأَشْرَفِ إنّي قَدْ جِئْتُك لِحَاجَةِ أُرِيدُ ذِكْرَهَا لَك، فَاكْتُمْ عَنّي؛ قَالَ أَفْعَلُ قَالَ كَانَ قُدُومُ هَذَا الرّجُلِ عَلَيْنَا بَلَاءً مِنْ الْبَلَاءِ عَادَتْنَا بِهِ الْعَرَبُ، وَرَمَتْنَا عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ وَقَطَعَتْ عَنّا السّبُلَ حَتّى ضَاعَ الْعِيَالُ وَجُهِدَتْ الْأَنْفُسُ وَأَصْبَحْنَا قَدْ جُهِدْنَا وَجُهِدَ عِيَالُنَا. فَقَالَ كَعْبٌ أَنَا ابْنُ الْأَشْرَفِ أَمَا وَاَللّهِ لَقَدْ كُنْتُ أُخْبِرُك يَا ابْنَ سَلَامَةَ أَنّ الْأَمْرَ سَيَصِيرُ إلَى مَا أَقُولُ فَقَالَ لَهُ سِلْكَانُ إنّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ تَبِيعَنَا طَعَامًا وَنَرْهَنَك وَنُوثِقَ لَك، وَنُحْسِنُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَتَرْهَنُونَنِي أَبْنَاءَكُمْ؟ قَالَ لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تَفْضَحَنَا إنّ مَعِي أَصْحَابًا لِي عَلَى مِثْلِ رَأْيِي، وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ آتِيَك بِهِمْ فَتَبِيعُهُمْ وَتُحْسِنُ فِي ذَلِكَ وَنَرْهَنُك مِنْ الْحَلْقَةِ مَا فِيهِ وَفَاءٌ وَأَرَادَ سِلْكَانُ أَنْ لَا يُنْكِرَ السّلَاحَ إذَا جَاءُوا بِهَا؛ قَالَ إنّ فِي الْحَلْقَةِ لَوَفَاءً قَالَ فَرَجَعَ سِلْكَانُ إلَى أَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَهُ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا السّلَاحَ ثُمّ يَنْطَلِقُوا فَيَجْتَمِعُوا إلَيْهِ فَاجْتَمَعُوا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ أَتَرْهَنُونَنِي نِسَاءَكُمْ؟ قَالَ كَيْفَ نَرْهَنُك نِسَاءَنَا، وَأَنْتَ أَشَبّ أَهْلِ يَثْرِبَ وَأَعْطَوْهُمْ قَالَ أَتَرْهَنُونَنِي أَبْنَاءَكُمْ؟ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ. قَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، ثُمّ وَجّهَهُمْ فَقَالَ انْطَلِقُوا عَلَى اسْمِ اللّهِ؛ اللّهُمّ أَعِنْهُمْ ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَيْتِهِ وَهُوَ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ وَأَقْبَلُوا حَتّى انْتَهَوْا إلَى حِصْنِهِ فَهَتَفَ بِهِ أَبُو نَائِلَةَ وَكَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ فَوَثَبَ فِي مِلْحَفَتِهِ فَأَخَذَتْ امْرَأَتُهُ بِنَاحِيَتِهَا، وَقَالَتْ إنّك امْرُؤٌ مُحَارِبٌ وَإِنّ أَصْحَابَ الْحَرْبِ لَا يَنْزِلُونَ فِي هَذِهِ السّاعَةِ قَالَ إنّهُ أَبُو نَائِلَةَ لَوْ وَجَدَنِي نَائِمًا لَمَا أَيْقَظَنِي؛ فَقَالَتْ وَاَللّهِ إنّي لَأَعْرِفُ فِي صَوْتِهِ الشّرّ قَالَ يَقُولُ لَهَا كَعْبٌ لَوْ يُدْعَى الْفَتَى لِطَعْنَةٍ لَأَجَابَ. فَنَزَلَ فَتَحَدّثَ مَعَهُمْ سَاعَةً وَتَحَدّثُوا مَعَهُ ثُمّ قَالَ هَلْ لَك يَا ابْنَ الْأَشْرَفِ أَنْ تَتَمَاشَى إلَى شِعْبِ الْعَجُوزِ، فَنَتَحَدّثَ بِهِ بَقِيّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ؟ قَالَ إنْ شِئْتُمْ. فَخَرَجُوا يَتَمَاشَوْنَ فَمَشَوْا سَاعَةً ثُمّ إنّ أَبَا نَائِلَةَ شَامَ يَدَهُ فِي فَوْدِ رَأْسِهِ ثُمّ شَمّ يَدَهُ فَقَالَ مَا رَأَيْت كَاللّيْلَةِ طِيبًا أَعْطَرَ قَطّ، ثُمّ مَشَى سَاعَةً ثُمّ عَادَ لِمِثْلِهَا حَتّى اطْمَأَنّ ثُمّ مَشَى سَاعَةً ثُمّ عَادَ لِمِثْلِهَا، فَأَخَذَ بِفَوْدِ رَأْسِهِ ثُمّ قَالَ اضْرِبُوا عَدُوّ اللّهِ فَضَرَبُوهُ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُهُمْ فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا. قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَذَكَرْتُ مِغْوَلًا فِي سَيْفِي، حِينَ رَأَيْتُ أَسْيَافَنَا لَا تُغْنِي شَيْئًا، فَأَخَذْتُهُ وَقَدْ صَاحَ عَدُوّ اللّهِ صَيْحَةً لَمْ يَبْقَ حَوْلَنَا حِصْنٌ إلّا وَقَدْ أُوقِدَتْ عَلَيْهِ نَارٌ قَالَ فَوَضَعْته فِي ثُنّتِهِ ثُمّ تَحَامَلْتُ عَلَيْهِ حَتّى بَلَغْتُ عَانَتَهُ فَوَقَعَ عَدُوّ اللّهِ وَقَدْ أُصِيبَ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ فَجُرِحَ فِي رَأْسِهِ أَوْ فِي رِجْلِهِ أَصَابَهُ بَعْضُ أَسْيَافِنَا. قَالَ فَخَرَجْنَا حَتّى سَلَكْنَا عَلَى بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ بَنِي قُرَيْظَة، ثُمّ عَلَى بُعَاثٍ حَتّى أَسْنَدْنَا فِي حَرّةِ الْعَرِيضِ، وَقَدْ أَبْطَأَ عَلَيْنَا صَاحِبُنَا الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ، وَنَزَفَهُ الدّمُ فَوَقَفْنَا لَهُ سَاعَةً ثُمّ أَتَانَا يَتْبَعُ آثَارَنَا. قَالَ فَاحْتَمَلْنَاهُ فَجِئْنَا بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ آخِرَ اللّيْلِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي، فَسَلّمْنَا عَلَيْهِ فَخَرَجَ إلَيْنَا. فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَتْلِ عَدُوّ اللّهِ وَتَفَلَ عَلَى جُرْحِ صَاحِبِنَا، فَرَجَعَ وَرَجَعْنَا إلَى أَهْلِنَا فَأَصْبَحْنَا وَقَدْ خَافَتْ يَهُودُ لِوَقْعَتِنَا بِعَدُوّ اللّهِ فَلَيْسَ بِهَا يَهُودِيّ إلّا وَهُوَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ.

.[شِعْرُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي مَقْتَلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ:
فَغُودِرَ مِنْهُمْ كَعْبٌ صَرِيعًا ** فَذَلّتْ بَعْدَ مَصْرَعِهِ النّضِيرُ

عَلَى الْكَفّيْنِ ثَمّ وَقَدْ عَلَتْهُ ** بِأَيْدِينَا مُشْهَرَةٌ ذُكُورُ

بِأَمْرِ مُحَمّدٍ إذْ دَسّ لَيْلًا ** إلَى كَعْبٍ أَخَا كَعْبٍ يَسِيرُ

فَمَا كَرِهَ فَأَنْزَلَهُ بِمَكْرٍ ** وَمَحْمُودٌ أَخُو ثِقَةٍ جَسُورُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ فِي يَوْمِ بَنِي النّضِيرِ، سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللّهُ فِي حَدِيثِ ذَلِكَ الْيَوْمِ.

.[شِعْرُ حَسّانَ فِي مُقْتَلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ وَابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَذْكُرُ قَتْلَ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَقَتْلَ سَلّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ:
لِلّهِ دَرّ عِصَابَةٍ لَاقَيْتهمْ ** يَا ابْنَ الْحُقَيْقِ وَأَنْتَ يَا ابْنَ الْأَشْرَفِ

يَسْرُونَ بِالْبِيضِ الْخِفَافِ إلَيْكُمْ ** مَرَحًا كَأُسْدٍ فِي عَرِينٍ مُغْرِفِ

حَتّى أَتَوْكُمْ فِي مَحِلّ بِلَادِكُمْ ** فَسَقَوْكُمْ حَتْفًا بِبِيضٍ ذُفّفِ

مُسْتَنْصِرِينَ لِنَصْرِ دِينِ نَبِيّهِمْ ** مُسْتَصْغَرِينَ لِكُلّ أَمْرٍ مُجْحِفِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَسَأَذْكُرُ قَتْلَ سَلّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللّهُ. وَقوله: ذُفّفِ، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
أَمْرُ مُحَيّصَةَ وَحُوَيّصَةَ.

.[لَوْمُ حُوَيّصَةَ لِأَخِيهِ مُحَيّصَةَ لِقَتْلِهِ يَهُودِيّا ثُمّ إسْلَامُهُ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ مَنْ ظَفَرْتُمْ بِهِ مِنْ رِجَالِ يَهُودَ فَاقْتُلُوهُ فَوَثَبَ مُحَيّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مُحَيّصَة. وَيُقَالُ مُحَيّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ- عَلَى ابْنِ سُنَيْنَة- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ سُبَيْنَة- رَجُلٌ مِنْ تُجّارِ يَهُودَ كَانَ يُلَابِسُهُمْ وَيُبَايِعُهُمْ فَقَتَلَهُ وَكَانَ حُوَيّصَة بْنُ مَسْعُودٍ إذْ ذَاكَ لَمْ يُسْلِمْ وَكَانَ أَسَنّ مِنْ مُحَيّصَةَ فَلَمّا قَتَلَهُ جَعَلَ حُوَيّصَةَ يَضْرِبُهُ وَيَقُولُ أَيْ عَدُوّ اللّهِ أَقَتَلْتَهُ أَمَا وَاَللّهِ لَرُبّ شَحْمٍ فِي بَطْنِك مِنْ مَالِهِ. قَالَ مُحَيّصَةُ فَقُلْت: وَاَللّهِ لَقَدْ أَمَرَنِي بِقَتْلِهِ مَنْ لَوْ أَمَرَنِي بِقَتْلِك لَضَرَبْتُ عُنُقَك؛ قَالَ فَوَاَللّهِ إنْ كَانَ لِأَوّلِ إسْلَامِ حُوَيّصَةَ قَالَ آوَللّهِ لَوْ أَمَرَك مُحَمّدٌ بِقَتْلِي لَقَتَلْتَنِي؟ قَالَ نَعَمْ وَاَللّهِ لَوْ أَمَرَنِي بِضَرْبِ عُنُقِك لَضَرَبْتُهَا قَالَ وَاَللّهِ إنّ دِينًا بَلَغَ بِك هَذَا لَعَجَبٌ فَأَسْلَمَ حُوَيّصَة. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ مَوْلًى لِبَنِي حَارِثَةَ عَنْ ابْنِهِ مُحَيّصَةَ عَنْ أَبِيهَا مُحَيّصَةَ.

.[شِعْرُ مُحَيّصَةَ فِي لَوْمِ أَخِيهِ لَهُ]:

فَقَالَ مُحَيّصَةُ فِي ذَلِكَ:
يَلُومُ ابْنُ أُمّي لَوْ أُمِرْتُ بِقَتْلِهِ ** لَطَبّقْتُ ذِفْرَاهُ بِأَبْيَضَ قَاضِبِ

حُسَامٍ كَلَوْنِ الْمِلْحِ أُخْلِصَ صَقْلُهُ ** مَتَى مَا أُصَوّبْهُ فَلَيْسَ بِكَاذِبِ

وَمَا سَرّنِي أَنّي قَتَلْتُكَ طَائِعًا ** وَأَنّ لَنَا مَا بَيْنَ بُصْرَى وَمَأْرِبِ

.[رِوَايَةٌ أُخْرَى فِي إسْلَامِ حُوَيّصَةَ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْمَدَنِيّ قَالَ لَمّا ظَفَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِبَنِي قُرَيْظَةَ أَخَذَ مِنْهُمْ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِ مِئَةِ رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ، وَكَانُوا حَلْفَاءَ الْأَوْسِ عَلَى الْخَزْرَجِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَنْ تُضْرَبَ أَعْنَاقُهُمْ فَجَعَلَتْ الْخَزْرَجُ تَضْرِبُ أَعْنَاقَهُمْ وَيَسُرّهُمْ ذَلِكَ فَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْخَزْرَجِ وَوُجُوهُهُمْ مُسْتَبْشِرَةٌ وَنَظَرَ إلَى الْأَوْسِ فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ فِيهِمْ فَظَنّ أَنّ ذَلِكَ لِلْحِلْفِ الّذِي بَيْنَ الْأَوْسِ وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَة وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ إلّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَدَفَعَهُمْ إلَى الْأَوْسِ، فَدَفَعَ إلَى كُلّ رَجُلَيْنِ مِنْ الْأَوْسِ رَجُلًا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَقَالَ لِيَضْرِبَ فُلَانٌ وَلْيُذَفّفْ فُلَانٌ فَكَانَ مِمّنْ دَفَعَ إلَيْهِمْ كَعْبُ بْنُ يَهُوذَا، وَكَانَ عَظِيمًا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَدَفَعَهُ إلَى مُحَيّصَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، وَإِلَى أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ- وَأَبُو بُرْدَةَ الّذِي رَخّصَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَنْ يَذْبَحَ جَذَعًا مِنْ الْمَعْزِ فِي الْأَضْحَى- وَقَالَ لِيَضْرِبَهُ مُحَيّصَةُ وَلِيُذَفّفْ عَلَيْهِ أَبُو بُرْدَةَ فَضَرَبَهُ مُحَيّصَةُ ضَرْبَةً لَمْ تَقْطَعْ وَذَفّفَ أَبُو بُرْدَةَ فَأَجْهَزَ عَلَيْهِ. فَقَالَ حُوَيّصَة، وَكَانَ كَافِرًا، لِأَخِيهِ مُحَيّصَةَ أَقَتَلْتَ كَعْبَ ابْنَ يَهُوذَا؟ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ حُوَيّصَة: أَمَا وَاَللّهِ لَرُبّ شَحْمٍ قَدْ نَبَتَ فِي بَطْنِك مِنْ مَالِهِ إنّك لَلَئِيمٌ يَا مُحَيّصَةُ فَقَالَ لَهُ مُحَيّصَةُ لَقَدْ أَمَرَنِي بِقَتْلِهِ مَنْ لَوْ أَمَرَنِي يَقْتُلْك لَقَتَلْتُك؛ فَعَجِبَ مِنْ قَوْلِهِ ثُمّ ذَهَبَ عَنْهُ مُتَعَجّبًا. فَذَكَرُوا أَنّهُ جَعَلَ يَتَيَقّظُ مِنْ اللّيْلِ فَيَعْجَبُ مِنْ قَوْلِ أَخِيهِ مُحَيّصَةَ. حَتّى أَصْبَحَ وَهُوَ يَقُولُ وَاَللّهِ إنّ هَذَا لَدِينٌ. ثُمّ أَتَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْلَمَ فَقَالَ مُحَيّصَةُ فِي ذَلِكَ أَبْيَاتًا قَدْ كَتَبْنَاهَا.

.[الْمُدّةُ بَيْنَ قُدُومِ الرّسُولِ نَجْرَانَ وَغَزْوَةِ أُحُدٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ إقَامَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ قُدُومِهِ مِنْ نَجْرَانَ، جُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَجَبًا وَشَعْبَانَ وَشَهْرَ رَمَضَانَ وَغَزَتْهُ قُرَيْشٌ غَزْوَةَ أُحُدٍ فِي شَوّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ.

.غَزْوَةُ أُحُد:

وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ أُحُدٍ، كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ وَمُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبّانَ وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَالْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا، كُلّهُمْ قَدْ حَدّثَ بَعْضَ الْحَدِيثِ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ، وَقَدْ اجْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ كُلّهُ فِيمَا سُقْتُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالُوا، أَوْ مَنْ قَالَهُ مِنْهُمْ.

.[التّحْرِيضُ عَلَى غَزْوِ الرّسُولِ]:

لَمّا أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ كُفّارِ قُرَيْشٍ أَصْحَابِ الْقَلِيبِ، وَرَجَعَ فَلّهُمْ إلَى مَكّةَ، وَرَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بِعِيرِهِ مَشَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ، فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، مِمّنْ أُصِيبَ آبَاؤُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَإِخْوَانُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَكَلّمُوا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ فِي تِلْكَ الْعِيرِ مِنْ قُرَيْشٍ تِجَارَةٌ فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إنّ مُحَمّدًا قَدْ وَتَرَكُمْ، وَقَتَلَ خِيَارَكُمْ فَأَعِينُونَا بِهَذَا الْمَالِ عَلَى حَرْبِهِ فَلَعَلّنَا نُدْرِكُ مِنْهُ ثَأْرَنَا بِمَنْ أَصَابَ مِنّا، فَفَعَلُوا.

.[مَا نَزَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَفِيهِمْ كَمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَزَلَ اللّهُ تَعَالَى: {إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمّ تَكُونُ- عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمّ يُغْلَبُونَ وَالّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنّمَ يُحْشَرُونَ}

.[اجْتِمَاعُ قُرَيْشٍ لِلْحَرْبِ]:

فَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ لِحَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ أَطَاعَهَا مِنْ قَبَائِلِ كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَةَ. وَكَانَ أَبُو عَزّةَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْجُمَحِيّ قَدْ مَنّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ فَقِيرًا ذَا عِيَالٍ وَحَاجَةٍ وَكَانَ فِي الْأُسَارَى فَقَالَ إنّي فَقِيرٌ ذُو عِيَالٍ وَحَاجَةٍ قَدْ عَرَفْتَهَا فَامْنُنْ عَلَيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْك وَسَلّمَ فَمَنّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ: يَا أَبَا عَزّةَ إنّك امْرُؤٌ شَاعِرٌ، فَأُعِنّا بِلِسَانِك، فَاخْرُجْ مَعَنَا؛ فَقَالَ إنّ مُحَمّدًا قَدْ مَنّ عَلَيّ فَلَا أُرِيدُ أَنْ أُظَاهِرَ عَلَيْهِ قَالَ بَلَى فَأَعِنّا بِنَفْسِك، فَلَك اللّهُ عَلَيّ إنْ رَجَعْتُ أَنْ أُغْنِيَك، وَإِنْ أُصِبْتَ أَنْ أَجَعَلَ بَنَاتِك مَعَ بَنَاتِي، يُصِيبُهُنّ مَا أَصَابَهُنّ مِنْ عُسْرٍ وَيُسْرٍ. فَخَرَجَ أَبُو عَزّةَ فِي تِهَامَةَ، وَيَدْعُو بَنِي كِنَانَةَ وَيَقُولُ.
إيهًا بَنِي عَبْدِ مَنَاةَ الرّزّام ** أَنْتُمْ حُمَاةٌ وَأَبُوكُمْ حَامْ

لَا تَعْدُونِي نَصّرَكُمْ بَعْدَ الْعَامِ ** لَا تُسْلِمُونِي لَا يَحِلّ إسْلَامْ

وَخَرَجَ مُسَافِعُ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ إلَى بَنِي مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ، يُحَرّضُهُمْ وَيَدْعُوهُمْ إلَى حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ:
يَا مَالُ مَالُ الْحَسَبَ الْمُقَدّمِ ** أَنْشُدُ ذَا الْقُرْبَى وَذَا التّذَمّمْ

مَنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ وَمَنْ لَمْ يَرْحَمْ ** الْحِلْفَ وَسْطَ الْبَلَدِ الْمُحَرّمْ

عِنْدَ حَطِيمِ الْكَعْبَةِ الْمُعَظّمْ وَدَعَا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ غُلَامًا لَهُ حَبَشِيّا يُقَالُ لَهُ وَحْشِيّ، يَقْذِفُ بِحَرْبَةِ لَهُ قَذْفَ الْحَبَشَةِ، قَلّمَا يُخْطِئُ بِهَا، فَقَالَ لَهُ اُخْرُجْ مَعَ النّاسِ فَإِنْ أَنْتَ قَتَلْت حَمْزَةَ عَمّ مُحَمّدٍ بِعَمّي طُعَيْمَةَ بْنِ عَدِيّ، فَأَنْتَ عَتِيقٌ.

.[خُرُوجُ قُرَيْشٍ مَعَهُمْ نِسَاؤُهُمْ]:

قَالَ فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ بِحَدّهَا وَجَدّهَا وَحَدِيدِهَا وَأَحَابِيشِهَا، وَمَنْ تَابَعَهَا بَنِي كِنَانَةَ، وَأَهْلِ تِهَامَةَ، وَخَرَجُوا مَعَهُمْ بِالظّعْنِ؟ الْتِمَاسَ الْحَفِيظَةِ وَأَلّا يَفِرّوا. فَخَرَج َ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَهُوَ قَائِدُ النّاسِ بِهِنْدٍ بْنَةِ عُتْبَة وَخَرَجَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ بِأُمّ حَكِيمٍ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَخَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَخَرَجَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ بِبَرْزَةَ بِنْتِ مَسْعُودِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الثّقَفِيّةِ وَهِيَ أُمّ عَبْدِ اللّهِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ رُقَيّةُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِرَيْطَةَ بِنْتِ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ وَهِيَ أُمّ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَخَرَجَ طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَأَبُو طَلْحَةَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بِسُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ شَهِيدٍ الْأَنْصَارِيّةِ وَهِيَ أُمّ بَنِي طَلْحَةَ مُسَافِعُ وَالْجُلَاسُ وَكِلَابٌ قُتِلُوا يَوْمئِذٍ هُمْ وَأَبُوهُمْ وَخَرَجَتْ خُنَاسُ بِنْتُ مَالِكٍ بْنِ الْمُضْرِبِ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ مَعَ ابْنِهَا أَبِي عَزِيزِ بْنِ عُمَيْرٍ وَهِيَ أُمّ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَخَرَجَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ. وَكَانَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَة كُلّمَا مَرّتْ بِوَحْشِيّ أَوْ مَرّ بِهَا، قَالَتْ وَيْهَا أَبَا دَسْمَةَ اشْفِ وَاسْتَشْفِ وَكَانَ وَحْشِيّ يُكَنّى بِأَبِي دَسْمَةَ فَأَقْبَلُوا حَتّى نَزَلُوا بِعَيْنَيْنِ بِجَبَلٍ بِبَطْنِ السّبْخَةِ مِنْ قَنَاةٍ عَلَى شَفِيرِ الْوَادِي، مُقَابِلَ الْمَدِينَةِ.

.[رُؤْيَا رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ]:

قَالَ فَلَمّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ نَزَلُوا حَيْثُ نَزَلُوا، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلْمُسْلِمِينَ إنّي قَدْ رَأَيْت وَاَللّهِ خَيْرًا، رَأَيْتُ بَقَرًا، وَرَأَيْتُ فِي ذُبَابِ سَيْفِي ثَلْمًا، وَرَأَيْتُ أَنّي أَدْخَلْتُ يَدِي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ فَأَوّلْتُهَا الْمَدِينَةَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ «رَأَيْت بَقَرًا لِي تُذْبَحُ؟ قَالَ فَأَمّا الْبَقَرُ فَهِيَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي يُقْتَلُونَ وَأَمّا الثّلْمُ الّذِي رَأَيْتُ فِي ذُبَابِ سَيْفِي، فَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُقْتَلُ».