فصل: (اسْتِشَارَةُ الرّسُولِ لِعَلِيّ وَأُسَامَةَ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» (نسخة منقحة)



.[اسْتِشَارَةُ الرّسُولِ لِعَلِيّ وَأُسَامَةَ]:

قَالَتْ فَدَعَا عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ- رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ- وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَاسْتَشَارَهُمَا؛ فَأَمّا أُسَامَةُ فَأَثْنَى عَلَيّ خَيْرًا وَقَالَهُ ثُمّ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَهْلُك وَلَا نَعْلَمُ مِنْهُمْ إلّا خَيْرًا، وَهَذَا الْكَذِبُ وَالْبَاطِلُ وَأَمّا عَلِيّ فَإِنّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ النّسَاءَ لَكَثِيرٌ وَإِنّك لَقَادِرٌ عَلَى أَنْ تَسْتَخْلِفَ وَسَلْ الْجَارِيَةَ فَإِنّهَا سَتُصْدِقُك. فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بَرِيرَةَ لِيَسْأَلَهَا؛ قَالَتْ فَقَامَ إلَيْهَا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَضَرَبَهَا ضَرْبًا شَدِيدًا، وَيَقُولُ اُصْدُقِي رَسُولَ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قَالَتْ فَتَقُولُ وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُ إلّا خَيْرًا، وَمَا كُنْت أَعِيبُ عَلَى عَائِشَةَ شَيْئًا، إلّا أَنّي كُنْت أَعْجِنُ عَجِينِي، فَآمُرُهَا أَنْ تَحْفَظَهُ فَتَنَامُ عَنْهُ فَتَأْتِي الشّاةُ فَتَأْكُلُهُ.

.[نُزُولُ الْقُرْآنِ بِبَرَاءَةِ عَائِشَةَ]:

قَالَتْ ثُمّ دَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَعِنْدِي أَبَوَايَ وَعِنْدِي امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَأَنَا أَبْكِي، وَهِيَ تَبْكِي مَعِي، فَجَلَسَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ يَا عَائِشَةُ. إنّهُ قَدْ كَانَ مَا قَدْ بَلَغَك مِنْ قَوْلِ النّاسِ فَاتّقِي اللّهَ وَإِنْ كُنْت قَدْ قَارَفْت سُوءًا مِمّا يَقُولُ النّاسُ فَتُوبِي إلَى اللّهِ فَإِنّ اللّهَ يَقْبَلُ التّوْبَةَ عَنْ عِبَادِه قَالَتْ فَوَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ قَالَ لِي ذَلِكَ فَقَلَصَ دَمْعِي، حَتّى مَا أُحِسّ مِنْهُ شَيْئًا، وَانْتَظَرْت أَبَوَيّ أَنْ يُجِيبَا عَنّي رَسُولَ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَلَمْ يَتَكَلّمَا. قَالَتْ وَاَيْمُ اللّهِ لَأَنَا كُنْت أَحْقَرَ فِي نَفْسِي، وَأَصْغَرَ شَأْنًا مِنْ أَنْ يُنْزِلَ اللّهُ فِيّ قُرْآنًا يُقْرَأُ بِهِ فِي الْمَسَاجِدِ وَيُصَلّى بِهِ وَلَكِنّي قَدْ كُنْت أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِي نَوْمِهِ شَيْئًا يُكَذّبُ بِهِ اللّهُ عَنّي، لِمَا يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَتِي، أَوْ يُخْبِرُ خَبَرًا؛ فَأَمّا قُرْآنٌ يَنْزِلُ فِيّ فَوَاَللّهِ لَنَفْسِي كَانَتْ أَحْقَرَ عِنْدِي مِنْ ذَلِكَ. قَالَتْ فَلَمّا لَمْ أَرَ أَبَوَيّ يَتَكَلّمَانِ قَالَتْ قُلْت لَهُمَا: أَلَا تُجِيبَانِ رَسُولَ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-؟ قَالَتْ فَقَالَا: وَاَللّهِ مَا نَدْرِي بِمَاذَا نُجِيبُهُ قَالَتْ وَوَاللّهِ مَا أَعْلَمُ أَهْلَ بَيْتٍ دَخَلَ عَلَيْهِمْ مَا دَخَلَ عَلَى آلِ أَبِي بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْأَيّامِ قَالَتْ فَلَمّا أَنْ اسْتَعْجَمَا عَلَيّ اسْتَعْبَرْتُ فَبَكَيْتُ ثُمّ قُلْت: وَاَللّهِ لَا أَتُوبُ إلَى اللّهِ مِمّا ذَكَرْت أَبَدًا. وَاَللّهِ إنّي لَأَعْلَمُ لَئِنْ أَقْرَرْتُ بِمَا يَقُولُ النّاسُ وَاَللّهُ يَعْلَمُ أَنّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ لَأَقُولَن مَا لَمْ يَكُنْ وَلَئِنْ أَنَا أَنْكَرْت مَا يَقُولُونَ لَا تُصَدّقُونَنِي. قَالَتْ ثُمّ الْتَمَسْت اسْمَ يَعْقُوبَ فَمَا أَذْكُرُهُ فَقُلْت: وَلَكِنْ سَأَقُولُ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} قَالَتْ فَوَاَللّهِ مَا بَرِحَ رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- مَجْلِسَهُ حَتّى تَغَشّاهُ مِنْ اللّهِ مَا كَانَ يَتَغَشّاهُ فَسُجّيَ بِثَوْبِهِ وَوُضِعَتْ لَهُ وِسَادَةُ مِنْ أَدَمٍ تَحْت رَأْسِهِ فَأَمّا أَنَا حِينَ رَأَيْت مِنْ ذَلِكَ مَا رَأَيْت، فَوَاَللّهِ مَا فَزِعْت وَلَا بَالَيْتُ قَدْ عَرَفْت أَنّي بَرِيئَةٌ وَأَنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ غَيْرُ ظَالِمِي. وَأَمّا أَبَوَايَ فَوَاَلّذِي نَفْسُ عَائِشَةَ بِيَدِهِ مَا سُرّيَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- حَتّى ظَنَنْتُ لَتَخْرُجَن أَنَفْسُهُمَا، فَرَقًا مِنْ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ اللّهِ تَحْقِيقُ مَا قَالَ النّاسُ قَالَتْ ثُمّ سُرّيَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَجَلَسَ وَإِنّهُ لَيَتَحَدّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ فِي يَوْمٍ شَاتٍ فَجَعَلَ يَمْسَحُ الْعَرَقَ عَنْ جَبِينِهِ وَيَقُولُ أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ فَقَدْ أَنَزَلَ اللّهُ بَرَاءَتَك؛ قَالَتْ قُلْت: بِحَمْدِ اللّهِ ثُمّ خَرَجَ إلَى النّاسِ فَخَطَبَهُمْ وَتَلَا عَلَيْهِمْ مَا أَنَزَلَ اللّهُ عَلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ ثُمّ أَمَرَ بِمِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ وَحَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ، وَحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَكَانُوا مِمّنْ أَفْصَحَ بِالْفَاحِشَةِ فَضُرِبُوا حَدّهُمْ.

.[أَبُو أَيّوبَ وَذِكْرُهُ طُهْرَ عَائِشَةَ لِزَوْجِهِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ بَعْضِ رِجَالِ بَنِي النّجّارِ: أَنّ أَبَا أَيّوبٍ خَالِدَ بْنَ زَيْدٍ، قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أُمّ أَيّوبَ يَا أَبَا أَيّوبَ أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النّاسُ فِي عَائِشَةَ؟ قَالَ بَلَى، وَذَلِكَ الْكَذِبُ أَكُنْت يَا أُمّ أَيّوبَ فَاعِلَةٌ؟ قَالَتْ لَا وَاَللّهِ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَهُ قَالَ فَعَائِشَةُ وَاَللّهِ خَيْرٌ مِنْك.

.[مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ]:

قَالَتْ فَلَمّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِذِكْرِ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْفَاحِشَةِ مَا قَالَ مِنْ أَهْلِ الْإِفْكِ فَقَالَ تَعَالَى: {إِنّ الّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وَذَلِكَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَصْحَابُهُ الّذِينَ قَالُوا مَا قَالُوا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ وَذَلِكَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ وَأَصْحَابُهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاَلّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ عَبْد اللّهِ بْنُ أُبَيّ، وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَبْلَ هَذَا. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} أَيْ فَقَالُوا كَمَا قَالَ أَبُو أَيّوبَ وَصَاحِبَتُهُ ثُمّ قَالَ {إِذْ تَلَقّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللّهِ عَظِيمٌ}

.[هَمّ أَبِي بَكْرٍ بِعَدِمِ الْإِنْفَاقِ عَلَى مِسْطَحٍ ثُمّ عُدُولُهُ]:

فَلَمّا نَزَلَ هَذَا فِي عَائِشَةَ وَفِيمَنْ قَالَ لَهَا مَا قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ وَحَاجَتِهِ وَاَللّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا، وَلَا أَنْفَعُهُ بِنَفْعِ أَبَدًا بَعْدَ الّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ وَأَدْخَلَ عَلَيْنَا قَالَتْ فَأَنْزَلَ اللّهُ فِي ذَلِك {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ بَعْضَ الْغَرِيبِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُقَالُ كِبْرُهُ وَكُبْرُهُ فِي الرّوَايَةِ وَأَمّا فِي الْقُرْآنِ فَكِبْرُهُ بِالْكَسْرِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} وَلَا يَأْلُ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ حِجْرٍ الْكِنْدِيّ: أَلَا رُبّ خَصْمٌ فِيك أَلْوَى رَدَدْتُهُ ** نَصِيحٌ عَلَى تَعْذَالِهِ غَيْرُ مُؤْتَلِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ وَيُقَالُ وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ وَلَا يَحْلِفُ أُولُو الْفَضْلِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ، فِيمَا بَلَغْنَا عَنْهُ. {لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} وَهُوَ مِنْ الْأَلْيَةِ وَالْأَلْيَةُ الْيَمِينُ.
قَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
آلَيْتُ مَا فِي جَمِيعِ النّاسِ ** مُجْتَهِدًا مِنّي أَلِيّةَ بِرّ غَيْرَ إفْنَادِ

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللّهُ فِي مَوْضِعِهَا. فَمَعْنَى: أَنْ يُؤْتَوْا فِي هَذَا الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يُؤْتَوْا، وَفِي كِتَابِ اللّهِ- عَزّ وَجَلّ-: {يُبَيّنُ اللّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلّوا} يُرِيدُ أَنْ لَا تَضِلّوا؛ {وَيُمْسِكُ السّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ} يُرِيدُ أَنْ لَا تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ.
وَقَالَ ابْنُ مُفَرّغٍ الْحِمْيَرِيّ:
لَا ذَعَرْت السّوَامَ فِي وَضَحِ ** الصّبْحِ مُغِيرًا وَلَا دُعِيتُ يَزِيدَا

يَوْم أُعْطَى مَخَافَةَ الْمَوْتِ ضَيْمًا ** وَالْمَنَايَا يَرْصُدْنَنِي أَنْ أَحِيدَا

يُرِيدُ أَنْ لَا أَحِيدَ وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَتْ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بَلَى وَاَللّهِ إنّي لَأُحِبّ أَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لِي، فَرَجّعَ إلَى مِسْطَحٍ نَفَقَتَهُ الّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَقَالَ وَاَللّهِ لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا.

.[هَمّ ابْنِ الْمُعَطّلِ بِقَتْلِ حَسّانَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ صَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطّلِ اعْتَرَضَ حَسّانَ بْنَ ثَابِتٍ بِالسّيْفِ حِينَ بَلَغَهُ مَا كَانَ يَقُولُ فِيهِ وَقَدْ كَانَ حَسّانُ قَالَ شِعْرًا مَعَ ذَلِكَ يُعَرّضُ بِابْنِ الْمُعَطّلِ فِيهِ وَبِمَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْعَرَبِ مِنْ مُضَرَ، فَقَالَ:
أَمْسَى الْجَلَابِيبُ قَدْ عَزّوا وَقَدْ ** كَثُرُوا وَابْنُ الْفُرَيْعَةَ أَمْسَى بَيْضَةَ الْبَلَدِ

قَدْ ثَكِلَتْ أُمّهُ مَنْ كُنْتَ صَاحِبَهُ ** أَوْ كَانَ مُنْتَشِبًا فِي بُرْثُنِ الْأَسَدِ

مَا لِقَتِيلِي الّذِي أَغْدُو فَآخُذُهُ ** مِنْ دِيَةٍ فِيهِ يُعْطَاهَا وَلَا قَوَدِ

مَا الْبَحْرُ حِينَ تَهُبّ الرّيحُ شَامِيّةً ** فَيَغْطَئِلُ وَيَرْمِي الْعِبْرَ بِالزّبَدِ

يَوْمًا بِأَغْلَبَ مِنّي حِينَ تُبْصِرُنِي ** مِلْغَيِظٍ أَفْرِي كَفَرْيِ الْعَارِضِ الْبَرِدِ

أُمّا قُرَيْشٌ فَإِنّي لَنْ أُسَالِمَهُمْ ** حَتّى يُنِيبُوا مِنْ الْغِيّاتِ لِلرّشْدِ

وَيَتْرُكُوا اللّاتَ وَالْعُزّى بِمَعْزِلَةٍ ** وَيَسْجُدُوا كُلّهُمْ لِلْوَاحِدِ الصّمَدِ

وَيَشْهَدُوا أَنّ مَا قَالَ الرّسُولُ لَهُمْ ** حَقّ وَيُوفُوا بِعَهْدِ اللّهِ وَالْوُكُدِ

فَاعْتَرَضَهُ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطّلِ، فَضَرَبَهُ بِالسّيْفِ ثُمّ قَالَ كَمَا حَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ:
تَلَقّ ذُبَابُ السّيْفِ عَنّي فَإِنّنِي ** غُلَامٌ إذَا هُوجِيتُ لَسْتُ بِشَاعِرٍ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التّيْمِيّ: أَنّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ وَثَبَ عَلَى صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطّلِ، حِينَ ضَرَبَ حَسّانَ فَجَمَعَ يَدَيْهِ إلَى عُنُقِهِ بِحَبْلِ ثُمّ انْطَلَقَ بِهِ إلَى دَارِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ؛ فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَقَالَ مَا هَذَا؟ قَالَ أَمَا أَعْجَبَك ضَرْبُ حَسّانَ بِالسّيْفِ وَاَللّهِ مَا أَرَاهُ إلّا قَدْ قَتَلَهُ قَالَ لَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: هَلْ عَلِمَ رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بِشَيْءِ مِمّا صَنَعْت؟ قَالَ لَا وَاَللّهِ قَالَ لَقَدْ اجْتَرَأْت، أَطْلِقْ الرّجُلَ فَأَطْلَقَهُ. ثُمّ أَتَوْا رَسُولَ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَدَعَا حَسّانَ وَصَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطّلِ، فَقَالَ ابْنُ الْمُعَطّلِ يَا رَسُولَ اللّهِ آذَانِي وَهَجَانِي، فَاحْتَمَلَنِي الْغَضَبُ فَضَرَبْته؛ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- لِحَسّانَ أَحْسِنْ يَا حَسّانُ أَتَشَوّهْتَ عَلَى قَوْمِي أَنْ هَدَاهُمْ اللّهُ لِلْإِسْلَامِ ثُمّ قَالَ أَحْسِنْ يَا حَسّانُ فِي الّذِي أَصَابَك قَالَ هِيَ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ أَبَعْدَ أَنْ هُدَاكُمْ اللّهُ لِلْإِسْلَامِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أَعْطَاهُ عِوَضًا مِنْهَا بَيْرُحَاءَ، وَهِيَ قَصْرُ بَنِي حُدَيْلَةَ الْيَوْمَ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَتْ مَالًا لِأَبِي طَلْحَةَ بْنِ سَهْلٍ تَصَدّقَ بِهَا عَلَى آلِ رَسُولِ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، فَأَعْطَاهَا رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- حَسّانَ فِي ضَرْبَتِهِ وَأَعْطَاهُ سِيرِينَ، أَمَةً قِبْطِيّة، فَوَلَدَتْ لِي عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ حَسّانَ، قَالَتْ وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ لَقَدْ سُئِلَ عَنْ ابْنِ الْمُعَطّلِ فَوَجَدُوهُ رَجُلًا حَصُورًا، مَا يَأْتِي النّسَاءَ ثُمّ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ شَهِيدًا.
قَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَعْتَذِرُ مِنْ الّذِي كَانَ قَالَ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا-:
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنّ بِرِيبَةٍ ** وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ

عَقِيلَةُ حَيّ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ** كِرَامِ الْمَسَاعِي مَجْدُهُمْ غَيْرُ زَائِلِ

مُهَذّبَةٌ قَدْ طَيّبَ اللّهُ خِيمَهَا ** وَطَهّرَهَا مِنْ كُلّ سُوءٍ وَبَاطِلِ

فَإِنْ كُنْتُ قَدْ قُلْت الّذِي قَدْ زَعَمْتُمْ ** فَلَا رَفَعَتْ سَوْطِي إلَيّ أَنَامِلِي

وَكَيْفَ وَوُدّي مَا حَيِيتُ وَنُصْرَتِي ** لِآلِ رَسُولِ اللّهِ زَيْنُ الْمَحَافِلِ

لَهُ رَتَبٌ عَالٍ عَلَى النّاسِ كُلّهِمْ ** تَقَاصَرَ عَنْهُ سَوْرَةُ الْمُتَطَاوِلِ

فَإِنّ الّذِي قَدْ قِيلَ لَيْسَ بِلَائِطٍ ** وَلَكِنّهُ قَوْلُ امْرِئٍ بِي مَاحِلِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَيْتُهُ عَقِيلَةُ حَيّ وَاَلّذِي بَعْدَهُ وَبَيْتُهُ لَهُ رَتَبٌ عَالٍ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ امْرَأَةً مَدَحَتْ بِنْتَ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ:
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنّ بِرِيبَةٍ ** وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ

فَقَالَتْ عَائِشَةُ لَكِنْ أَبُوهَا.

.[شِعْرٌ فِي هِجَاءِ حَسّانَ وَمِسْطَحٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ قَائِلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي ضَرْبِ حَسّانَ وَأَصْحَابِهِ فِي فِرْيَتِهِمْ عَلَى عَائِشَةَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فِي ضَرْبِ حَسّانَ وَصَاحِبَيْهِ-:
لَقَدْ ذَاقَ حَسّانُ الّذِي كَانَ أَهْلَهُ ** وَحَمْنَةُ إذْ قَالُوا هَجِيرًا وَمِسْطَحُ

تَعَاطَوْا بِرَجْمِ الْغَيْبِ زَوْجَ نَبِيّهِمْ ** وَسَخْطَةَ ذِي الْعَرْشِ الْكَرِيمِ فَأُتْرِحُوا

وَآذَوْا رَسُولَ اللّهِ فِيهَا فَجُلّلُوا ** مَخَازِيَ تَبْقَى عُمّمُوهَا وَفُضّحُوا

وَصُبّتْ عَلَيْهِمْ مُحْصَدَاتٌ كَأَنّهَا ** شَآبِيبُ قَطْرٍ مِنْ ذُرَا الْمُزْنِ تُسْفَحُ

.أَمْرُ الْحُدَيْبِيَةِ:

فِي آخِرِ سَنَةِ سِتّ، وَذِكْرُ بَيْعَةِ الرّضْوَانِ وَالصّلْحِ بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَبَيْنَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو:

.[خُرُوجُ الرّسُولِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ أَقَامَ رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بِالْمَدِينَةِ شَهْرَ رَمَضَانَ وَشَوّالًا، وَخَرَجَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مُعْتَمِرًا، لَا يُرِيدُ حَرْبًا.

.[نُمَيْلَةُ عَلَى الْمَدِينَةِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ نُمَيْلَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ اللّيْثِيّ.

.[اسْتِنْفَارُ الرّسُولِ النّاسَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاسْتَنْفَرَ الْعَرَبَ وَمَنْ حَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي مِنْ الْأَعْرَابِ لِيَخْرُجُوا مَعَهُ وَهُوَ يَخْشَى مِنْ قُرَيْشٍ الّذِي صَنَعُوا، أَنْ يَعْرِضُوا لَهُ بِحَرْبِ أَوْ يَصُدّوهُ عَنْ الْبَيْتِ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَعْرَابِ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَمَنْ لَحِقَ بِهِ مِنْ الْعَرَبِ، وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ لِيَأْمَنَ النّاسُ مِنْ حَرْبِهِ وَلِيَعْلَمَ النّاسُ أَنّهُ إنّمَا خَرَجَ زَائِرًا لِهَذَا الْبَيْتِ وَمُعَظّمًا لَهُ.

.[عِدّةُ الرّجَالِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ عَنْ مِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَنّهُمَا حَدّثَاهُ قَالَا: خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- عَامَ الْحُدَيْبِيَة ِ يُرِيدُ زِيَارَةَ الْبَيْتِ لَا يُرِيدُ قِتَالًا، وَسَاقَ مَعَهُ وَكَانَ النّاسُ سَبْعَ مِئَةِ رَجُلٍ فَكَانَتْ كُلّ بَدَنَةٍ عَنْ عَشَرَةِ نَفَرٍ. وَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، فِيمَا بَلَغَنِي، يَقُولُ كُنّا أَصْحَابَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِئَةً.

.[الرّسُولُ وَبِشْرُ بْنُ سُفْيَانَ]:

قَالَ الزّهْرِيّ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- حَتّى إذَا كَانَ بِعُسْفَانَ لَقِيَهُ بِشْرُ بْنُ سُفْيَانَ الْكَعْبِيّ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ بُسْرٌ- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ هَذِهِ قُرَيْشٌ، قَدْ سَمِعْت بِمَسِيرِك، فَخَرَجُوا مَعَهُمْ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ قَدْ لَبِسُوا جُلُودَ النّمُورِ وَقَدْ نَزَلُوا بِذِي طُوًى، يُعَاهِدُونَ اللّهَ لَا تَدْخُلُهَا عَلَيْهِمْ أَبَدًا، وَهَذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي خَيْلِهِمْ قَدْ قَدّمُوهَا إلَى كُرَاعِ الْغَمِيمِ. قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: يَا وَيْحَ قُرَيْشٍ لَقَدْ أَكَلَتْهُمْ الْحَرْبُ، مَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ خَلّوْا بَيْنِي وَبَيْنَ سَائِرِ الْعَرَبِ، فَإِنْ هُمْ أَصَابُونِي كَانَ الّذِي أَرَادُوا، وَإِنْ أَظْهَرَنِي اللّهُ عَلَيْهِمْ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَافِرِينَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا قَاتَلُوا وَبِهِمْ قُوّةٌ فَمَا تَظُنّ قُرَيْشٌ، فَوَاَللّهِ لَا أَزَالُ أُجَاهِدُ عَلَى الّذِي بَعَثَنِي اللّهُ بِهِ حَتّى يُظْهِرَهُ اللّهُ أَوْ تَنْفَرِدَ هَذِهِ السّالِفَةُ ثُمّ قَالَ مَنْ رَجُلٌ يَخْرَجُ بِنَا عَلَى طَرِيقٍ غَيْرِ طَرِيقِهِمْ الّتِي هُمْ بِهَا؟

.[تَجَنّبُ الرّسُولِ لِقَاءَ قُرَيْشٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ قَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ فَسَلَكَ بِهِمْ طَرِيقًا وَعْرًا أَجْرَلَ بَيْنَ شِعَابٍ فَلَمّا خَرَجُوا مِنْهُ وَقَدْ شَقّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَفْضَوْا إلَى أَرْضٍ سَهْلَةٍ عِنْدَ مُنْقَطِعِ الْوَادِي قَالَ رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- لِلنّاسِ قُولُوا نَسْتَغْفِرُ اللّهَ وَنَتُوبُ إلَيْهِ فَقَالُوا ذَلِكَ فَقَالَ وَاَللّهِ إنّهَا لَلْحِطّةُ الّتِي عُرِضَتْ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ. فَلَمْ يَقُولُوهَا. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- النّاسَ فَقَالَ اُسْلُكُوا ذَاتَ الْيَمِينِ بَيْنَ ظَهْرَيْ الْحَمْشِ، فِي طَرِيقٍ تُخْرِجُهُ عَلَى ثَنِيّةِ الْمُرَارِ مَهْبِطِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ أَسْفَلِ مَكّةَ قَالَ فَسَلَكَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الطّرِيقَ فَلَمّا رَأَتْ خَيْلُ قُرَيْشٍ قَتَرَةَ الْجَيْشِ قَدْ خَالَفُوا عَنْ طَرِيقِهِمْ رَجَعُوا رَاكِضِينَ إلَى قُرَيْشٍ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- حَتّى إذَا سَلَكَ فِي ثَنِيّةِ الْمُرَارِ بَرَكَتْ نَاقَتُهُ فَقَالَتْ النّاسُ خَلَأَتْ النّاقَةُ قَالَ مَا خَلَأَتْ وَمَا هُوَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ عَنْ مَكّةَ. لَا تَدْعُونِي قُرَيْشٌ الْيَوْمَ إلَى خُطّةٍ يَسْأَلُونَنِي فِيهَا صِلَةَ الرّحَمِ إلّا أَعْطَيْتُهُمْ إيّاهَا ثُمّ قَالَ لِلنّاسِ انْزِلُوا؛ قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا بِالْوَادِي مَاءٌ نَنْزِلُ عَلَيْهِ فَأَخْرَجَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ. فَأَعْطَاهُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَنَزَلَ بِهِ فِي قَلِيبٍ مِنْ تِلْكَ الْقُلُبِ. فَغَرّزَهُ فِي جَوْفِهِ فَجَاشَ بِالرّوّاءِ حَتّى ضَرَبَ النّاسُ عَنْهُ بِعَطَنٍ.

.[الّذِي نَزَلَ بِسَهْمِ الرّسُولِ فِي طَلَبِ الْمَاءِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَسْلَمَ: أَنّ الّذِي نَزَلَ فِي الْقَلِيبِ بِسَهْمِ رَسُولِ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ يَعْمُرَ بْنِ دَارِمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَائِلَةَ بْنِ سَهْمِ بْنِ مَازِنِ بْنِ سَلَامَانِ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ أَفْصَى بْنِ أَبِي حَارِثَةَ، وَهُوَ سَائِقُ بُدْنِ رَسُولِ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَفْصَى بْنُ حَارِثَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ زَعَمَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ كَانَ يَقُولُ أَنَا الّذِي نَزَلْت بِسَهْمِ رَسُولِ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ.

.[شِعْرٌ لِنَاجِيَةَ يُثْبِتُ أَنّهُ حَامِلٌ سَهْمَ الرّسُولِ]:

وَقَدْ أَنْشَدَتْ أَسْلَمُ أَبْيَاتًا مِنْ شِعْرٍ قَالَهَا نَاجِيَةُ قَدْ ظَنَنّا أَنّهُ هُوَ الّذِي نَزَلَ بِالسّهْمِ فَزَعَمَتْ أَسْلَمُ أَنّ جَارِيَةً مِنْ الْأَنْصَارِ أَقْبَلَتْ بِدَلْوِهَا، وَنَاجِيَةُ فِي الْقَلِيبِ يَمِيحُ عَلَى النّاسِ فَقَالَتْ:
يَا أَيّهَا الْمَائِحُ دَلْوَى دُونَكَا ** إنّي رَأَيْتُ النّاسَ يَحْمَدُونَكَا

يُثْنُونَ خَيْرًا وَيُمَجّدُونَكَا

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى:
إنّي رَأَيْت النّاسَ يَمْدَحُونَكَا

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ نَاجِيَةُ وَهُوَ فِي الْقَلِيبِ يَمِيحُ عَلَى النّاسِ:
قَدْ عَلِمَتْ جَارِيَةٌ يَمَانِيَهْ ** أَنّي أَنَا الْمَائِحُ وَاسْمِي نَاجِيَهْ

وَطَعْنَةٍ ذَاتِ رَشَاشٍ وَاهِيَهْ ** طَعَنْتُهَا عِنْدَ صُدُورِ الْعَادِيَهْ

.[بُدَيْلٌ وَرِجَالُ خُزَاعَةَ بَيْنَ الرّسُولِ وَقُرَيْشٍ]:

فَقَالَ الزّهْرِيّ فِي حَدِيثِهِ فَلَمّا اطْمَأَنّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَتَاهُ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيّ، فِي رِجَالٍ مِنْ خُزَاعَةَ، فَكَلّمُوهُ وَسَأَلُوهُ مَا الّذِي جَاءَ بِهِ؟ فَأَخْبَرَهُمْ أَنّهُ لَمْ يَأْتِ يُرِيدُ حَرْبًا، وَإِنّمَا جَاءَ زَائِرًا لِلْبَيْتِ وَمُعَظّمًا لِحُرْمَتِهِ ثُمّ قَالَ لَهُمْ نَحْوًا مِمّا قَالَ لِبِشْرِ بْنِ سُفْيَانَ فَرَجَعُوا إلَى قُرَيْشٍ فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّكُمْ تَعْجَلُونَ عَلَى مُحَمّدٍ إنّ مُحَمّدًا لَمْ يَأْتِ لِقِتَالِ وَإِنّمَا جَاءَ زَائِرًا هَذَا الْبَيْتَ فَاتّهَمُوهُمْ وَجَبَهُوهُمْ وَقَالُوا: وَإِنْ كَانَ جَاءَ وَلَا يُرِيدُ قِتَالًا، فَوَ اللّهِ لَا يَدْخُلُهَا عَلَيْنَا عَنْوَةً أَبَدًا، وَلَا تَحَدّثَ بِذَلِكَ عَنّا الْعَرَبُ. قَالَ الزّهْرِيّ: وَكَانَتْ خُزَاعَةُ عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُسْلِمُهَا وَمُشْرِكُهَا، لَا يُخْفُونَ عَنْهُ شَيْئًا كَانَ بِمَكّةَ.

.[مِكْرَزٌ رَسُولُ قُرَيْشٍ إلَى الرّسُولِ]:

قَالَ ثُمّ بَعَثُوا إلَيْهِ مِكْرَزَ بْنَ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ، أَخَا بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ، فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُقْبِلًا قَالَ هَذَا رَجُلٌ غَادِرٌ فَلَمّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَلّمَهُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَحْوًا مِمّا قَالَ لِبُدَيْلٍ وَأَصْحَابِهِ فَرَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.

.[الْحُلَيْسُ رَسُولٌ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى الرّسُولِ]:

ثُمّ بَعَثُوا إلَيْهِ الْحُلَيْسَ بْنَ عَلْقَمَةَ أَوْ ابْنَ زَبّانَ وَكَانَ يَوْمَئِذٍ سَيّدَ الْأَحَابِيشِ، وَهُوَ أَحَدُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ؛ فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ «إنّ هَذَا مِنْ قَوْمٍ يَتَأَلّهُونَ فَابْعَثُوا الْهَدْيَ فِي وَجْهِهِ حَتّى يَرَاهُ» فَلَمّا رَأَى الْهَدْيَ يَسِيلُ عَلَيْهِ مِنْ عُرْضِ الْوَادِي فِي قَلَائِدِهِ وَقَدْ أَكَلَ أَوْبَارَهُ مِنْ طُولِ الْحَبْسِ عَنْ مَحِلّهِ رَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ، وَلَمْ يَصِلْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إعْظَامًا لَمَا رَأَى، فَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ. قَالَ فَقَالُوا لَهُ اجْلِسْ فَإِنّمَا أَنْتَ أَعْرَابِيّ لَا عِلْمَ لَك. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنّ الْحُلَيْسَ غَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ وَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ وَاَللّهِ مَا عَلَى هَذَا حَالَفْنَاكُمْ، وَلَا عَلَى هَذَا عَاقَدْنَاكُمْ. أَيُصَدّ عَنْ بَيْتِ اللّهِ مَنْ جَاءَ مُعَظّمًا لَهُ وَاَلّذِي نَفْسُ الْحُلَيْسِ بِيَدِهِ لَتُخَلّنّ بَيْنَ مُحَمّدٍ وَبَيْنَ مَا جَاءَ لَهُ أَوْ لَأَنْفِرَن بِالْأَحَابِيشِ نَفْرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ. قَالَ فَقَالُوا لَهُ مَهْ كُفّ عَنّا يَا حُلَيْسُ حَتّى نَأْخُذَ لِأَنْفُسِنَا مَا نَرْضَى بِهِ.

.[عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ رَسُولٌ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى الرّسُولِ]:

قَالَ الزّهْرِيّ فِي حَدِيثِهِ ثُمّ بَعَثُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ الثّقَفِيّ، فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّي قَدْ رَأَيْت مَا يَلْقَى مِنْكُمْ مَنْ بَعَثْتُمُوهُ إلَى مُحَمّدٍ إذْ جَاءَكُمْ مِنْ التّعْنِيفِ وَسُوءِ اللّفْظِ وَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنّكُمْ وَالِدٌ وَإِنّي وَلَدٌ- وَكَانَ عُرْوَةُ لِسُبَيْعَةَ بِنْتِ عَبْدِ شَمْسٍ- وَقَدْ سَمِعْت بِاَلّذِي نَابَكُمْ فَجَمَعْتُ مَنْ أَطَاعَنِي مِنْ قَوْمِي، ثُمّ جِئْتُكُمْ حَتّى آسَيْتُكُمْ بِنَفْسِي؛ قَالُوا: صَدَقْت، مَا أَنْتَ عِنْدَنَا بِمُتّهَمٍ. فَخَرَجَ حَتّى أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمّ قَالَ يَا مُحَمّدُ أَجَمَعْتَ أَوْشَابَ النّاسِ ثُمّ جِئْتَ بِهِمْ إلَى بَيْضَتِك لِتَفُضّهَا بِهِمْ إنّهَا قُرَيْشٌ قَدْ خَرَجَتْ مَعَهَا الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ. قَدْ لَبِسُوا جُلُودَ النّمُورِ يُعَاهِدُونَ اللّهَ لَا تَدْخُلُهَا عَلَيْهِمْ عَنْوَةً أَبَدًا. وَاَيْمُ اللّهِ لِكَأَنّي بِهَؤُلَاءِ قَدْ انْكَشَفُوا عَنْك غَدًا. قَالَ وَأَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ خَلْفَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَاعِدٌ فَقَالَ اُمْصُصْ بَظْرَ اللّاتِي، أَنَحْنُ نَنْكَشِفُ عَنْهُ؟ قَالَ مَنْ هَذَا يَا مُحَمّدُ؟ قَالَ هَذَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، قَالَ أَمَا وَاَللّهِ لَوْلَا يَدٌ كَانَتْ لَك عِنْدِي لَكَافَأْتُك بِهَا، وَلَكِنْ هَذِهِ بِهَا قَالَ ثُمّ جَعَلَ يَتَنَاوَلُ لِحْيَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يُكَلّمُهُ. قَالَ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَاقِفٌ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْحَدِيدِ. قَالَ فَجَعَلَ يَقْرَعُ يَدَهُ إذَا تَنَاوَلَ لِحْيَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَقُولُ اُكْفُفْ يَدَك عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ أَنْ لَا تَصِلَ إلَيْك؛ قَالَ فَيَقُولُ عُرْوَةُ وَيْحَك مَا أَفَظّكَ وَأَغْلَظَك قَالَ فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ مَنْ هَذَا يَا مُحَمّدُ؟ قَالَ هَذَا ابْنُ أَخِيك الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ؛ قَالَ أَيْ غُدَرُ وَهَلْ غَسَلْتُ سَوْأَتَك إلّا بِالْأَمْسِ.- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَرَادَ عُرْوَةُ بِقَوْلِهِ هَذَا أَنّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ قَبْلَ إسْلَامِهِ قَتَلَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَالِكٍ. مِنْ ثَقِيفٍ. فَتَهَايَجَ الْحَيّانِ مِنْ ثَقِيفٍ: بَنُو مَالِكٍ رَهْطُ الْمَقْتُولِينَ وَالْأَحْلَافُ رَهْطُ الْمُغِيرَةِ فَوَدَى عُرْوَةُ الْمَقْتُولِينَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ دِيَةً وَأَصْلَحَ ذَلِكَ الْأَمْرَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ الزّهْرِيّ: فَكَلّمَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنَحْوٍ مِمّا كَلّمَ بِهِ أَصْحَابَهُ وَأَخْبَرَهُ أَنّهُ لَمْ يَأْتِ يُرِيدُ حَرْبًا. فَقَامَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ رَأَى مَا يَصْنَعُ بِهِ أَصْحَابُهُ لَا يَتَوَضّأُ إلّا ابْتَدَرُوا وُضُوءَهُ وَلَا يَبْصُقُ بُصَاقًا إلّا ابْتَدَرُوهُ. وَلَا يَسْقُطُ مِنْ شَعْرِهِ شَيْءٌ إلّا أَخَذُوهُ. فَرَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ، فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إنّي قَدْ جِئْت كِسْرَى فِي مُلْكِهِ، وَقَيْصَرَ فِي مُلْكِهِ. وَالنّجَاشِيّ فِي مُلْكِهِ. وَإِنّي وَاَللّهِ مَا رَأَيْت مَلِكًا فِي قَوْمٍ قَطّ مِثْلَ مُحَمّدٍ فِي أَصْحَابِهِ وَلَقَدْ رَأَيْتُ قَوْمًا لَا يُسْلِمُونَهُ لِشَيْءِ أَبَدًا، فَرَوْا رَأْيَكُمْ.

.[خِرَاشٌ رَسُولُ الرّسُولِ إلَى قُرَيْشٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَعَا خِرَاشَ بْنَ أُمَيّةَ الْخُزَاعِيّ، فَبَعَثَهُ إلَى قُرَيْشٍ بِمَكّةَ وَحَمَلَهُ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ الثّعْلَبُ لِيُبَلّغَ أَشْرَافَهُمْ عَنْهُ مَا جَاءَ لَهُ فَعَقَرُوا بِهِ جَمْلَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَرَادُوا قَتْلَهُ فَمَنَعَتْهُ الْأَحَابِيشُ، فَخَلّوْا سَبِيلَهُ حَتّى أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.