فصل: (لِقَاءُ الرّومِ ٍ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» (نسخة منقحة)



.[لِقَاءُ الرّومِ ٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَمَضَى النّاسُ حَتّى إذَا كَانُوا بِتُخُومِ الْبَلْقَاءِ لَقِيَتْهُمْ جَمُوعُ هِرَقْلَ مِنْ الرّوم ِ وَالْعَرَبِ، بِقَرْيَةِ مِنْ قُرَى الْبَلْقَاءِ يُقَالُ لَهَا مَشَارِفُ، ثُمّ دَنَا الْعَدُوّ، وَانْحَازَ الْمُسْلِمُونَ إلَى قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا مُؤْتَةُ. فَالْتَقَى النّاسُ عِنْدَهَا فَتَعَبّأَ لَهُمْ الْمُسْلِمُونَ فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَتِهِمْ رَجُلًا مِنْ بَنِي عُذْرَةَ يُقَالُ لَهُ قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ وَعَلَى مَيْسَرَتِهِمْ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ عُبَايَةُ بْنُ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ عُبَادَةُ بْنُ مَالِكٍ.

.[مَقْتَلُ ابْنِ حَارِثَةَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: تَمّ الْتَقَى النّاسُ وَاقْتَتَلُوا، فَقَاتَلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بِرَايَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى شَاطَ فِي رِمَاحِ الْقَوْمِ.

.[إمَارَةُ جَعْفَرٍ وَمَقْتَلُهُ]:

ثُمّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ بِهَا، حَتّى إذَا أَلْحَمَهُ الْقِتَالُ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ، فَعَقَرَهَا، ثُمّ قَاتَلَ الْقَوْمَ حَتّى قُتِلَ. فَكَانَ جَعْفَرٌ أَوّلَ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَقَرَ فِي الْإِسْلَامِ. وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ قَالَ حَدّثَنِي أَبِي الّذِي أَرْضَعَنِي، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي مُرّةَ بْنِ عَوْفٍ، وَكَانَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ قَالَ وَاَللّهِ لَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَى جَعْفَرٍ حِينَ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ ثُمّ عَقَرَهَا ثُمّ قَاتَلَ حَتّى قُتِلَ وَهُوَ يَقُولُ:
يَا حَبّذَا الْجَنّةُ وَاقْتِرَابُهَا ** طَيّبَةً وَبَارِدًا شَرَابُهَا

وَالرّومُ رُومٌ قَدْ دَنَا عَذَابُهَا ** كَافِرَةٌ بَعِيدَةٌ أَنْسَابُهَا

عَلَيّ إذْ لَاقَيْتُهَا ضِرَابُهَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخَذَ اللّوَاءَ بِيَمِينِهِ فَقَطِعَتْ فَأَخَذَهُ بِشِمَالِهِ فَقُطِعَتْ فَاحْتَضَنَهُ بِعَضُدَيْهِ حَتّى قُتِلَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً فَأَثَابَهُ اللّهُ بِذَلِكَ جَنَاحَيْنِ فِي الْجَنّةِ يَطِيرُ بِهِمَا حَيْثُ شَاءَ. وَيُقَالُ إنّ رَجُلًا مِنْ الرّومِ ضَرَبَهُ يَوْمَئِذٍ ضَرْبَةً فَقَطَعَهُ بِنِصْفَيْنِ.

.[إمَارَةُ ابْنِ رَوَاحَةَ وَمَقْتَلُهُ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ قَالَ حَدّثَنِي أَبِي الّذِي أَرْضَعَنِي، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي مُرّةَ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ فَلَمّا قُتِلَ جَعْفَرٌ أَخَذَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ الرّايَةَ ثُمّ تَقَدّمَ بِهَا، وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ فَجَعَلَ يَسْتَنْزِلُ نَفْسَهُ وَيَتَرَدّدُ بَعْضَ التّرَدّدِ ثُمّ قَالَ:
أَقْسَمْتُ يَا نَفْسُ لَتَنْزِلِنّهْ ** لَتَنْزِلِنّ أَوْ لَتُكْرَهِنّهْ

إنْ أَجْلَبَ النّاسُ وَشَدّوا الرّنّهْ ** مَالِي أَرَاكِ تَكْرَهِينَ الْجَنّهْ

قَدْ طَالَ مَا قَدْ كُنْتِ مُطْمَئِنّهْ ** هَلْ أَنْتِ إلّا نُطْفَةٌ فِي شَنّهْ

وَقَالَ أَيْضًا:
يَا نَفْسُ إلّا تُقْتَلِي تَمُوتِي ** هَذَا حِمَامُ الْمَوْتِ قَدْ صَلِيَتْ

وَمَا تَمَنّيْتِ فَقَدْ أُعْطِيت ** إنْ تَفْعَلِي فِعْلَهُمَا هُدِيت

زَيْدًا وَجَعْفَرًا؛ ثُمّ نَزَلَ فَلَمّا نَزَلَ أَتَاهُ ابْنُ عَمّ لَهُ بِعَرْقٍ مِنْ لَحْمٍ فَقَالَ شُدّ بِهَذَا صُلْبَك، فَإِنّك قَدْ لَقِيت فِي أَيّامِك هَذِهِ مَا لَقِيت، فَأَخَذَهُ مِنْ يَدِهِ ثُمّ انْتَهَسَ مِنْهُ نَهْسَةً ثُمّ سَمِعَ الْحَطْمَةَ فِي نَاحِيَةِ النّاسِ فَقَالَ وَأَنْتَ فِي الدّنْيَا ثُمّ أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ ثُمّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَتَقَدّمَ فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ.

.[ابْنُ الْوَلِيدِ وَانْصِرَافُهُ بِالنّاسِ]:

تَمّ أَخَذَ الرّايَةَ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ أَخُو بَنِي الْعَجْلَانِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اصْطَلِحُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ قَالُوا: أَنْتَ قَالَ مَا أَنَا بِفَاعِلِ. فَاصْطَلَحَ النّاسُ عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَلَمّا أَخَذَ الرّايَةَ دَافَعَ الْقَوْمَ. وَحَاشَى بِهِمْ ثُمّ انْحَازَ وَانْحِيزَ عَنْهُ حَتّى انْصَرَفَ بِالنّاسِ.

.[تَنَبّؤُ الرّسُولِ بِمَا حَدَثَ لِلْمُسْلِمِينَ مَعَ الرّومِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا أُصِيبَ الْقَوْمُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنِي: أَخَذَ الرّايَةَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَقَاتَلَ بِهَا حَتّى قُتِلَ شَهِيدًا، ثُمّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ بِهَا حَتّى قُتِلَ شَهِيدًا، قَالَ ثُمّ صَمَتَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى تَغَيّرَتْ وُجُوهُ الْأَنْصَارِ، وَظَنّوا أَنّهُ قَدْ كَانَ فِي عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بَعْضُ مَا يَكْرَهُونَ ثُمّ قَالَ ثُمّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ بِهَا حَتّى قُتِلَ شَهِيدًا، ثُمّ قَالَ لَقَدْ رُفِعُوا إلَيّ فِي الْجَنّةِ، فِيمَا يَرَى النّائِمُ عَلَى سُرُرٍ مِنْ ذَهَبٍ فَرَأَيْت فِي سَرِيرِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ ازْوِرَارًا عَنْ سَرِيرَيْ صَاحِبَيْهِ فَقُلْت: عَمّ هَذَا؟ فَقِيلَ لِي: مَضَيَا وَتَرَدّدَ عَبْدُ اللّهِ بَعْضَ التّرَدّدِ ثُمّ مَضَى.

.[حُزْنُ الرّسُولِ عَلَى جَعْفَرٍ وَوِصَايَتُهُ بِآلِهِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أُمّ عِيسَى الْخُزَاعِيّةِ عَنْ أُمّ جَعْفَرِ بِنْتِ مُحَمّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ جَدّتِهَا أَسَمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، قَالَتْ لَمّا أُصِيبَ جَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ دَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ دَبَغْت أَرْبَعِينَ مَنًا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى أَرْبَعِينَ مَنِيئَةً وَعَجَنْت عَجِينِي، وَغَسَلْت بَنِيّ وَدَهَنْتهمْ وَنَظّفْتهمْ. قَالَتْ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ائْتِينِي بِبَنِي جَعْفَرٍ؟ قَالَتْ فَأَتَيْته بِهِمْ فَتَشَمّمَهُمْ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ. بِأَبِي أَنْت وَأُمّي مَا يُبْكِيك؟ أَبَلَغَك عَنْ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ شَيْءٌ؟ قَالَ نَعَمْ أُصِيبُوا هَذَا الْيَوْمَ. قَالَتْ فَقُمْت أَصِيحُ وَاجْتَمَعَتْ إلَيّ النّسَاءُ وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَهْلِهِ. فَقَالَ لَا تُغْفِلُوا آلَ جَعْفَرٍ مِنْ أَنْ تَصْنَعُوا لَهُمْ طَعَامًا، فَإِنّهُمْ قَدْ شُغِلُوا بِأَمْرِ صَاحِبِهِمْ وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ لَمّا أَتَى نَعْيُ جَعْفَرٍ عَرَفْنَا فِي وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحُزْنَ قَالَتْ فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ النّسَاءَ عَنّيْنَنَا وَفَتَنّنَا؟ قَالَ فَارْجِعْ إلَيْهِنّ فَأَسْكِتْهُنّ. قَالَتْ فَذَهَبَ ثُمّ رَجَعَ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ تَقُولُ وَرُبّمَا ضَرّ التّكَلّفُ أَهْلَهُ قَالَتْ قَالَ فَاذْهَبْ فَأَسْكِتْهُنّ فَإِنْ أَبَيْنَ فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنّ التّرَابَ قَالَتْ وَقُلْت فِي نَفْسِي: أَبْعَدَك اللّهُ فَوَاَللّهِ مَا تَرَكْتَ نَفْسَك وَمَا أَنْتَ بِمُطِيعٍ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَتْ وَعَرَفْت أَنّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَحْثِيَ فِي أَفْوَاهِهِنّ التّرَابَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ الْعُذْرِيّ الّذِي كَانَ عَلَى مَيْمَنَةِ الْمُسْلِمِينَ قَدْ حَمَلَ عَلَى مَالِكِ بْنِ زَافِلَةَ فَقَتَلَهُ فَقَالَ قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ:
طَعَنْتُ ابْنَ زَافِلَةَ بْنِ الْإِرَا ** شِ بِرُمْحٍ مَضَى فِيهِ ثُمّ انْحَطَمْ

ضَرَبْتُ عَلَى جِيدِهِ ضَرْبَةً ** فَمَالَ كَمَا مَالَ غُصْنُ السّلَمْ

وَسُقْنَا نِسَاءَ بَنِي عَمّهِ ** غَدَاةَ رقوقين سَوْقَ النّعَمْ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قوله: ابْنِ الْإِرَاشِ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. خَلّادِ بْنِ قُرّةَ؛ وَيُقَالُ مَالِكُ بْنُ رَافِلَةَ.

.[كَاهِنَةُ حَدَسٍ وَإِنْذَارُهَا قَوْمَهَا]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَتْ كَاهِنَةٌ مِنْ حَدَسٍ حِينَ سَمِعَتْ بِجَيْشِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُقْبِلًا، قَدْ قَالَتْ لِقَوْمِهَا مِنْ حَدَسٍ وَقَوْمُهَا بَطْنٌ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو غَنْمٍ أُنْذِرُكُمْ قَوْمًا خُزْرًا، يَنْظُرُونَ شَزْرًا، وَيَقُودُونَ الْخَيْلَ تَتْرَى، ويُهْرِيقُونَ دَمًا عَكْرًا. فَأَخَذُوا بِقَوْلِهَا، وَاعْتَزَلُوا مِنْ بَيْنِ لَخْمٍ؟ فَلَمْ تَزَلْ بَعْدُ أَثْرَى حَدَسٍ. وَكَانَ الّذِينَ صَلَوْا الْحَرْبَ يَوْمَئِذٍ بَنُو ثَعْلَبَةَ بَطْنٌ مِنْ حَدَسٍ فَلَمْ يَزَالُوا قَلِيلًا بَعْدُ. فَلَمّا انْصَرَفَ خَالِدٌ بِالنّاسِ أَقْبَلَ بِهِمْ قَافِلًا.

.[رُجُوعُ الْجَيْشِ وَتَلَقّي الرّسُولِ لَهُ وَغَضَبُ الْمُسْلِمِينَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ. قَالَ لَمّا دَنَوْا مِنْ حَوْلِ الْمَدِينَةِ تَلَقّاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ. قَالَ وَلَقِيَهُمْ الصّبْيَانُ يَشْتَدّونَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُقْبِلٌ مَعَ الْقَوْمِ عَلَى دَابّةٍ فَقَالَ خُذُوا الصّبْيَانَ فَاحْمِلُوهُمْ، وَأَعْطُونِي ابْنَ جَعْفَرٍ. فَأَتَى بِعَبْدِ اللّهِ فَأَخَذَهُ فَحَمَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. قَالَ وَجَعَلَ النّاسُ يَحْثُونَ عَلَى الْجَيْشِ التّرَابَ وَيَقُولُونَ يَا فُرّارُ فَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ فَيَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيْسُوا بِالْفُرّارِ وَلَكِنّهُمْ الْكُرّارُ إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ بَعْضِ آلِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ: وَهُمْ أَخْوَالُهُ عَنْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ قَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ لِامْرَأَةِ سَلَمَةَ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ مَالِي لَا أَرَى سَلَمَةَ يَحْضُرُ الصّلَاةَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَعَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَتْ وَاَللّهِ مَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْرُجَ كُلّمَا خَرَجَ صَاحَ بِهِ النّاسُ يَا فُرّارُ فَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ حَتّى قَعَدَ فِي بَيْتِهِ فَمَا يَخْرُجُ.

.[شِعْرُ قَيْسٍ فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ تَقَهْقُرِ خَالِدٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ قَالَ فِيمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ النّاسِ وَأَمْرِ خَالِدٍ وَمُخَاشَاتِهِ بِالنّاسِ وَانْصِرَافِهِ بِهِمْ قَيْسُ بْنُ الْمُسَحّرِ الْيَعْمَرِيّ، يَعْتَذِرُ مِمّا صَنَعَ يَوْمَئِذٍ وَصَنَعَ النّاسُ:
فَوَاَللّهِ لَا تَنْفَكّ نَفْسِي تَلُومُنِي ** عَلَى مَوْقِفِي وَالْخَيْلُ قَابِعَةٌ قُبْلُ

وَقَفْتُ بِهَا لَا مُسْتَجِيرًا فَنَافِذًا ** وَلَا مَانِعًا مَنْ كَانَ حُمّ لَهُ الْقَتْلُ

عَلَى أَنّنِي آسَيْتُ نَفْسِي بِخَالِدِ ** أَلَا خَالِدٌ فِي الْقَوْمِ لَيْسَ لَهُ مِثْلُ

وَجَاشَتْ إلَيّ النّفْسُ مِنْ نَحْوِ جَعْفَرٍ ** بِمُؤْتَةِ إذْ لَا يَنْفَعُ النّابِلَ النّبْلُ

وَضَمّ إلَيْنَا حَجْزَتَيْهِمْ كِلَيْهِمَا ** مُهَاجِرَةٌ لَا مُشْرِكُونَ وَلَا عُزْلُ

فَبَيّنَ قَيْسٌ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ النّاسُ مِنْ ذَلِكَ فِي شِعْرِهِ أَنّ الْقَوْمَ حَاجَزُوا وَكَرِهُوا الْمَوْتَ وَحَقّقَ انْحِيَازَ خَالِدٍ بِمَنْ مَعَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَأَمّا الزّهْرِيّ فَقَالَ فِيمَا بَلَغَنَا عَنْهُ أَمّرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، فَفَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَتّى قَفَلَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.

.[شِعْرُ حَسّانَ فِي بُكَاءِ قَتْلَى مُؤْتَةَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمّا بُكِيَ بِهِ أَصْحَابُ مُؤْتَةَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَوْلُ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ:
تَأَوّبَنِي لَيْلٌ بِيَثْرِبَ أَعْسَرُ ** وَهَمّ إذَا مَا نَوّمَ النّاسُ مُسْهِرُ

لِذِكْرِ حَبِيبٍ هَيّجَتْ لِي عَبْرَةً ** سَفُوحًا وَأَسْبَابُ الْبُكَاءِ التّذَكّرُ

بَلَى، إنّ فِقْدَانَ الْحَبِيبِ بَلِيّةٌ ** وَكَمْ مِنْ كَرِيمٍ يُبْتَلَى ثُمّ يَصْبِرُ

رَأَيْتُ خِيَارَ الْمُومِنِينَ تَوَارَدُوا ** شَعُوبَ وَخَلْفًا بَعْدَهُمْ يَتَأَخّرُ

فَلَا يُبْعِدَنّ اللّهُ قَتْلَى تَتَابَعُوا ** بِمُؤْتَة ِ مِنْهُمْ ذُو الْجَنَاحَيْنِ جَعْفَرُ

وَزَيْدٌ وَعَبْدُ اللّهِ حِينَ تَتَابَعُوا ** جَمِيعًا وَأَسْبَابُ الْمَنِيّةِ تَخْطِرُ

غَدَاةَ مَضَوْا بِالْمُؤْمِنِينَ يَقُودُهُمْ ** إلَى الْمَوْتِ مَيْمُونُ النّقِيبَةِ أَزْهَرُ

أَغَرّ كَضَوْءِ الْبَدْرِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ** أَبِيّ إذَا سِيمَ الظّلَامَةَ مِجْسَرُ

فَطَاعَنَ حَتّى مَالَ غَيْرَ مُوَسّدٍ ** لِمُعْتَرَكٍ فِيهِ قَنًا مُتَكَسّرُ

فَصَارَ مَعَ الْمُسْتَشْهَدِينَ ثَوَابَهُ ** جِنَانٌ وَمُلْتَفّ الْحَدَائِقِ أَخْضَرُ

وَكُنّا نَرَى فِي جَعْفَرٍ مِنْ مُحَمّدٍ ** وَفَاءً وَأَمْرًا حَازِمًا حِينَ يَأْمُرُ

فَمَا زَالَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ** دَعَائِمُ عِزّ لَا يَزُلْنَ وَمَفْخَرُ

هُمْ جَبَلُ الْإِسْلَامِ وَالنّاسُ حَوْلَهُمْ ** رِضَامٌ إلَى طَوْدٍ يَرْوَقُ وَيُقْهَرُ

بَهَالِيلُ مِنْهُمْ جَعْفَرٌ وَابْنُ أُمّهِ ** عَلِيّ وَمِنْهُمْ أَحْمَدُ الْمُتَخَيّرُ

وَحَمْزَةُ وَالْعَبّاسُ مِنْهُمْ وَمِنْهُمْ ** عَقِيلٌ وَمَاءُ الْعُودِ مِنْ حَيْثُ يُعْصَرُ

بِهِمْ تُفْرَجُ اللّأْوَاءُ فِي كُلّ مَأْزِقٍ ** عَمَاسٍ إذَا مَا ضَاقَ بِالنّاسِ مَصْدَرُ

هُمْ أَوْلِيَاءُ اللّهِ أَنْزَلَ حُكْمَهُ ** عَلَيْهِمْ وَفِيهِمْ ذَا الْكِتَابُ الْمُطَهّرُ

.[شِعْرُ كَعْبٍ فِي بُكَاءِ قَتْلَى مُؤْتَةَ]:

وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ:
نَامَ الْعُيُونُ وَدَمْعُ عَيْنِك يَهْمُلُ ** سَحّا كَمَا وَكَفَ الطّبَابُ الْمُخْضَلُ

فِي لَيْلَةٍ وَرَدَتْ عَلَيّ هُمُومُهَا ** طَوْرًا أَحِنّ وَتَارَةً أَتَمَلْمَلُ

وَاعْتَادَنِي حُزْنٌ فَبِتّ كَأَنّنِي بِبَنَاتِ ** نَعْشٍ وَالسّمَاكِ مُوَكّلُ

وَكَأَنّمَا بَيْنَ الْجَوَانِحِ وَالْحَشَى ** مِمّا تَأَوّبَنِي شِهَابٌ مُدْخَلُ

وَجْدًا عَلَى النّفَرِ الّذِينَ تَتَابَعُوا ** يَوْمًا بِمُؤْتَة ِ أُسْنِدُوا لَمْ يُنْقَلُوا

صَلّى الْإِلَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ فِتْيَةٍ ** وَسَقَى عِظَامَهُمْ الْغَمَامُ الْمُسْبِلُ

صَبَرُوا بِمُؤْتَة ِ لِلْإِلَهِ نُفُوسَهُمْ ** حَذَرَ الرّدَى وَمَخَافَةً أَنْ يَنْكُلُوا

فَمَضَوْا أَمَامَ الْمُسْلِمِينَ كَأَنّهُمْ ** فُنُقٌ عَلَيْهِنّ الْحَدِيدُ الْمُرْفَلُ

إذْ يَهْتَدُونَ بِجَعْفَرٍ وَلِوَائِهِ ** قُدّامَ أَوّلِهِمْ فَنِعْمَ الْأَوّلُ

حَتّى تَفَرّجَتْ الصّفُوفُ وَجَعْفَرٌ ** حَيْثُ الْتَقَى وَعْثُ الصّفُوفِ مُجَدّلُ

فَتَغَيّرَ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ لِفَقْدِهِ ** وَالشّمْسُ قَدْ كَسَفَتْ وَكَادَتْ تَأْفِلُ

قَرْمٌ عَلَا بُنْيَانُهُ مِنْ هَاشِمٍ ** فَرْعًا أَشَمّ وَسُؤْدُدًا مَا يُنْقَلُ

قَوْمٌ بِهِمْ عَصَمَ الْإِلَهُ عِبَادَهُ ** وَعَلَيْهِمْ نَزَلَ الْكِتَابُ الْمُنْزَلُ

فَضَلُوا الْمَعَاشِرَ عِزّةً وَتَكَرّمًا ** وَتَغَمّدَتْ أَحْلَامُهُمْ مَنْ يَجْهَلُ

لَا يُطْلِقُونَ إلَى السّفَاهِ حُبَاهُمْ ** وَيُرَى خَطِيبُهُمْ بِحَقّ يَفْصِلُ

بِيضُ الْوُجُوهِ تُرَى بُطُونُ أَكُفّهِمْ ** تَنْدَى إذَا اعْتَذَرَ الزّمَانُ الْمُمْحِلُ

وَبِهَدْيِهِمْ رَضِيَ الْإِلَهُ لِخَلْقِهِ ** وَبِجَدّهِمْ نُصِرَ النّبِيّ الْمُرْسَلُ

.[شِعْرُ حَسّانَ فِي بُكَاءِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ]:

وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ:
وَلَقَدْ بَكَيْتُ وَعَزّ مُهْلَكُ جَعْفَرٍ ** حِبّ النّبِيّ عَلَى الْبَرِيّةِ كُلّهَا

وَلَقَدْ جَزِعْت وَقُلْت حِينَ نُعِيتَ لِي ** مَنْ لِلْجِلَادِ لَدَى الْعُقَابِ وَظِلّهَا

بِالْبِيضِ حِينَ تُسَلّ مِنْ أَغْمَادِهَا ** ضَرْبًا وَإِنْهَالِ الرّمَاحِ وَعَلّهَا

بَعْدَ ابْنِ فَاطِمَةَ الْمُبَارَكِ جَعْفَرٍ ** خَيْرِ الْبَرِيّةِ كُلّهَا وَأَجَلّهَا

رُزْءًا وَأَكْرَمِهَا جَمِيعًا مَحْتِدًا ** وَأَعَزّهَا مُتَظَلّمًا وَأَزَلّهَا

لِلْحَقّ حِينَ يَنُوبُ غَيْرَ تَنَحّلٍ ** كَذِبًا، وَأَنْدَاهَا يَدًا وَأَقَلّهَا

فُحْشًا وَأَكْثَرِهَا إذَا مَا يُجْتَدَى ** فَضْلًا، وَأَبْذَلِهَا نَدَى، وَأَبَلّهَا

بِالْعُرْفِ غَيْرَ مُحَمّدٍ لَا مِثْلُهُ ** حَيّ مِنْ احْيَاءِ الْبَرِيّةِ كُلّهَا

.[شِعْرُ حَسّانَ فِي بُكَاءِ ابْنِ حَارِثَةَ وَابْنِ رَوَاحَةَ]:

وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي يَوْمِ مُؤْتَةَ يَبْكِي زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ:
عَيْنِ جُودِي بِدَمْعِك الْمَنْزُورِ ** وَاذْكُرِي فِي الرّخَاءِ أَهْلَ الْقُبُورِ

وَاذْكُرِي مُؤْتَةً وَمَا كَانَ فِيهَا ** يَوْمَ رَاحُوا فِي وَقْعَةِ التّغْوِيرِ

حِينَ رَاحُوا وَغَادَرُوا ثَمّ زَيْدًا ** نِعْمَ مَأْوَى الضّرِيكِ وَالْمَأْسُورِ

حِبّ خَيْرِ الْأَنَامِ طُرّا جَمِيعًا ** سَيّدَ النّاسِ حُبّهُ فِي الصّدُورِ

ذَاكُمْ أَحْمَدُ الّذِي لَا سِوَاهُ ** ذَاكَ حُزْنِي لَهُ مَعًا وَسُرُورِي

إنّ زَيْدًا قَدْ كَانَ مِنّا بِأَمْرٍ ** لَيْسَ أَمْرَ الْمُكَذّبِ الْمَغْرُورِ

ثُمّ جُودِي لِلْخَزْرَجِيّ بِدَمْعٍ ** سَيّدًا كَانَ ثَمّ غَيْرَ نَزُورِ

قَدْ أَتَانَا مِنْ قَتْلِهِمْ مَا كَفَانَا ** فَبِحُزْنٍ نَبِيتُ غَيْرَ سُرُورِ

وَقَالَ شَاعِرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِمّنْ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ:
كَفَى حَزَنًا أَنّي رَجَعْتُ وَجَعْفَرٌ ** وَزَيْدٌ وَعَبْدُ اللّهِ فِي رَمْسِ أَقْبُرْ

قَضَوْا نَحْبَهُمْ لَمّا مَضَوْا لِسَبِيلِهِمْ ** وَخُلّفْتُ لِلْبَلْوَى مَعَ الْمُتَغَبّرِ

ثَلَاثَةُ رَهْطٍ قُدّمُوا فَتَقَدّمُوا ** إلَى وَرْدِ مَكْرُوهٍ مِنْ الْمَوْتِ أَحْمَرِ

.[شُهَدَاءُ مُؤْتَةَ]:

وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ مُؤْتَةَ. مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ. وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ: مَسْعُودُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ نَضْلَةَ. وَمِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ وَهْبُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ. وَمِنْ الْأَنْصَارِ ثُمّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَعَبّادُ بْنُ قَيْسٍ. وَمِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ الْحَارِثُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ أَسَافَ بْنِ نَضْلَةَ بْنِ عَبْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ غَنْمٍ. وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ سُرَاقَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطِيّةَ بْنِ خَنْسَاءَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمِمّنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ مُؤْتَةَ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ: بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ أَبُو كُلَيْبٍ وَجَابِرٌ ابْنَا عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ مَبْذُولٍ وَهُمَا لِأَبٍ وَأُمّ. وَمِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ أَفْصَى: عَمْرٌو وَعَامِرٌ ابْنَا سَعْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبّادِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَفْصَى. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ أَبُو كِلَابٍ وَجَابِرٌ ابْنَا عَمْرٍو.

.[فتح مكة]:

ذِكْرُ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ الْمَسِيرَ إلَى مَكّةَ وَذِكْرُ فَتْحِ مَكّةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ أَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ بَعْثِهِ إلَى مُؤْتَةَ جُمَادَى الْآخِرَةَ وَرَجَبًا. ثُمّ إنّ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ عَدَتْ عَلَى خُزَاعَةَ، وَهُمْ عَلَى مَاءٍ لَهُمْ بِأَسْفَلِ مَكّةَ يُقَالُ لَهُ الْوَتِيرُ، وَكَانَ الّذِي هَاجَ مَا بَيْنَ بَنِي بَكْرٍ وَخُزَاعَةَ أَنّ رَجُلًا مِنْ بَنِي الْحَضْرَمِيّ وَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ عَبّادٍ وَحِلْفُ الْحَضْرَمِيّ يَوْمَئِذٍ إلَى الْأَسْوَدِ بْنِ رَزْنٍ خَرَجَ تَاجِرًا، فَلَمّا تَوَسّطَ أَرْضَ خُزَاعَةَ، عَدَوْا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا مَالَهُ فَعَدَتْ بَنُو بَكْرٍ عَلَى رَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ فَقَتَلُوهُ فَعَدَتْ خُزَاعَةُ قُبَيْلَ الْإِسْلَامِ عَلَى بَنِي الْأَسْوَدِ بْنِ رَزْنٍ الدّيلِيّ وَهُمْ مَنْخَرُ بَنِي كِنَانَةَ وَأَشْرَافُهُمْ سَلْمَى وَكُلْثُومٌ وَذُؤَيْبٌ فَقَتَلُوهُمْ بِعَرَفَةَ عِنْدَ أَنْصَابِ الْحَرَمِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي الدّيلِ، قَالَ كَانَ بَنُو الْأَسْوَدِ بْنِ رَزْنٍ يُودَوْنَ فِي الْجَاهِلِيّةِ دِيَتَيْنِ دِيَتَيْنِ وَنُودَى دِيَةً دِيَةً لِفَضْلِهِمْ فِينَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَيْنَا بَنُو بَكْرٍ وَخُزَاعَةُ عَلَى ذَلِكَ حَجَزَ بَيْنَهُمْ الْإِسْلَامُ وَتَشَاغَلَ النّاسُ بِهِ فَلَمّا كَانَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ كَانَ فِيمَا شَرَطُوا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَشَرَطَ لَهُمْ كَمَا حَدّثَنِي الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُلَمَائِنَا: أَنّهُ مَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَهْدِهِ فَلْيَدْخُلْ فِيهِ وَمَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ فَلْيَدْخُلْ فِيهِ فَدَخَلَتْ بَنُو بَكْرٍ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ وَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَهْدِهِ. الْحُدَيْبِيَةِ بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ، كَانَ فِيمَا شَرَطُوا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَشَرَطَ لَهُمْ كَمَا حَدّثَنِي الزّهْرِيّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُلَمَائِنَا: أَنّهُ مَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَهْدِهِ فَلْيَدْخُلْ فِيهِ وَمَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ فَلْيَدْخُلْ فِيهِ فَدَخَلَتْ بَنُو بَكْرٍ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ وَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَهْدِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا كَانَتْ الْهُدْنَةُ اغْتَنَمَهَا بَنُو الدّيلِ مِنْ بَنِي بَكْرٍ مِنْ خُزَاعَةَ، وَأَرَادُوا أَنْ يُصِيبُوا مِنْهُمْ ثَأْرًا بِأُولَئِكَ النّفَرِ الّذِينَ أَصَابُوا مِنْهُمْ بِبَنِي الْأَسْوَدِ بْنِ رَزْنٍ فَخَرَجَ نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الدّيلِيّ فِي بَنِي الدّيلِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَائِدُهُمْ وَلَيْسَ كُلّ بَنِي بَكْرٍ تَابَعَهُ حَتّى بَيّتَ خُزَاعَةَ وَهُمْ عَلَى الْوَتِيرِ، مَاءٌ لَهُمْ فَأَصَابُوا مِنْهُمْ رَجُلًا، وَتَحَاوَزُوا وَاقْتَتَلُوا، وَرَفَدَتْ بَنِي بَكْرٍ قُرَيْشٌ بِالسّلَاحِ وَقَاتَلَ مَعَهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ مَنْ قَاتَلَ بِاللّيْلِ مُسْتَخْفِيًا، حَتّى حَازُوا خُزَاعَةَ إلَى الْحَرَمِ، فَلَمّا انْتَهَوْا إلَيْهِ قَالَتْ بَنُو بَكْرٍ يَا نَوْفَلُ إنّا قَدْ دَخَلْنَا الْحَرَمَ، إلَهَكَ إلَهَكَ فَقَالَ كَلِمَةً عَظِيمَةً لَا إلَهَ لَهُ الْيَوْمَ يَا بَنِي بَكْرٍ أَصِيبُوا ثَأْرَكُمْ فَلَعَمْرِي إنّكُمْ لَتَسْرِقُونَ فِي الْحَرَمِ، أَفَلَا تُصِيبُونَ ثَأْرَكُمْ فِيهِ وَقَدْ أَصَابُوا مِنْهُمْ لَيْلَةَ بَيّتُوهُمْ بِالْوَتِيرِ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ مُنَبّهٌ وَكَانَ مُنَبّهٌ رَجُلًا مَفْئُودًا خَرَجَ هُوَ وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ تَمِيمُ بْنُ أَسَدٍ وَقَالَ لَهُ مُنَبّهٌ يَا تَمِيمُ اُنْجُ بِنَفْسِك، فَأَمّا أَنَا فَوَاَللّهِ إنّي لَمَيّتٌ قَتَلُونِي أَوْ تَرَكُونِي، لَقَدْ انْبَتّ فُؤَادِي، وَانْطَلَقَ تَمِيمٌ فَأَفْلَتْ وَأَدْرَكُوا مُنَبّهًا فَقَتَلُوهُ فَلَمّا دَخَلَتْ خُزَاعَةُ مَكّةَ، لَجَئُوا إلَى دَارِ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ وَدَارِ مَوْلَى لَهُمْ يُقَالُ لَهُ رَافِعٌ فَقَالَ تَمِيمُ بْنُ أَسَدٍ يَعْتَذِرُ مِنْ فِرَارِهِ عَنْ مُنَبّهٍ.

.[شِعْرُ تَمِيمٍ فِي الِاعْتِذَارِ مِنْ فِرَارِهِ عَنْ مُنَبّهٍ]:

لَمّا رَأَيْتُ بَنِي نُفَاثَةَ أَقْبَلُوا ** يَغْشَوْنَ كُلّ وَتِيرَةٍ وَحِجَابِ

صَخْرًا وَرَزْنًا لَا عَرِيبَ سِوَاهُمْ ** يُزْجُونَ كُلّ مُقَلّصٍ خَنّابِ

وَذَكَرْتُ ذَحْلًا عِنْدَنَا مُتَقَادِمًا ** فِيمَا مَضَى مِنْ سَالِفِ الْأَحْقَابِ

ونَشَيْتُ رِيحَ الْمَوْتِ مِنْ تِلْقَائِهِمْ ** وَرَهِبْتُ وَقْعَ مُهَنّدٍ قَضّابِ

وَعَرَفْت أَنْ مَنْ يَثْقَفُوهُ يَتْرُكُوا ** لَحْمًا لِمُجْرِيَةٍ وَشِلْوَ غُرَابِ

قَوّمْتُ رِجْلًا لَا أَخَافُ عِثَارَهَا ** وَطَرَحْت بِالْمَتْنِ الْعَرَاءِ ثِيَابِي

وَنَجَوْتُ لَا يَنْجُو نَجَائِي أحْقَبٌ ** عِلْجٌ أَقَبّ مُشَمّرُ الْأَقْرَابِ

تَلْحَى وَلَوْ شَهِدَتْ لَكَانَ نَكِيرُهَا ** بَوْلًا يَبُلّ مَشَافِرَ الْقَبْقَابِ

الْقَوْمُ أَعْلَمُ مَا تَرَكْتُ مُنَبّهًا ** عَنْ طِيبِ نَفْسٍ فَاسْأَلِي أَصْحَابِي

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَتُرْوَى لِحَبِيبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْأَعْلَمِ الْهُذَلِيّ وَبَيْتُهُ وَذَكَرْت ذَحْلًا عِنْدَنَا مُتَقَادِمًا عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَقوله: خَنّابِ وَعِلْجٌ أَقَبّ مُشَمّرُ الْأَقْرَابِ عنه أيضا.