فصل: قول أهل السنة في نعيم القبر وعذابه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مذكرة على العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية **


 فتنة القبر

فتنة القبر سؤال الملكين الميت عن ربه ودينه ونبيه، فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت، فيقول المؤمن‏:‏ ربي الله، وديني الإسلام، ونبي محمد، وأما المرتاب أو الكافر فيقول‏:‏ هاه هاه لا ادري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته‏.‏

والفتنة عامة لكل ميت الا الشهيد ومن مات مرابطا في سبيل الله، وكذلك الرسل لا يسألون لانهم المسئول عنهم‏.‏ واختلف في غير المكلف كالصغير، فقيل‏:‏ يسال، لعموم الأدلة؛ وقيل‏:‏ لا، لعدم تكليفه‏.‏ واسم الملكين منكر ونكير ‏[‏أخرجه الترمذي كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر رقم ‏(‏10719‏)‏ عن أبى هريرة رضي الله عنه وقال‏:‏ حسن غريب‏.‏‏]‏‏.‏

 قول أهل السنة في نعيم القبر وعذابه

قولهم فيه انه حق ثابت لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏46‏]‏‏.‏ وقوله في المؤمنين‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏30‏]‏ ولقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الكافر حين يسال في قبره فيجيب‏:‏ ‏(‏فينادي منادي من السماء أن كذب عبدي فافرشوه من النار وافتحوا له بابا إلي النار‏)‏ وقوله في المؤمن إذا سئل في قبره فاجاب‏:‏ ‏(‏فينادي منادي من السماء أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة وافتحوا له بابا من الجنة‏)‏ ‏[‏أخرجه الإمام احمد ‏(‏4/287‏)‏ وأبو داوود كتاب السنة، باب في المسالة في القبر وعذاب القبر رقم ‏(‏4753‏)‏ والحاكم ‏(‏1/37‏)‏ عن البراء ابن عازب رضي الله عنه‏.‏ وقال الحاكم‏:‏ صحيح على شرط الشيخين‏.‏ ووافقه الذهبي‏.‏‏]‏‏.‏

والعذاب أو النعيم على الروح فقط، وقد تتصل بالبدن أحيانا‏.‏ والعذاب على الكافرين مستمر أما على المؤمنين فبحسب ذنوبهم‏.‏ والنعيم للمؤمنين خاصة والظاهر استمراره‏.‏

الجواب على ما ثبت عن توسيع قبر المؤمن وتضيقه على الكافر مع انه لو فتح لوجد بحاله‏:‏ الجواب من وجهين‏:‏

الأول‏:‏ إن ما ثبت في الكتاب والسنة وجب تصديقه والإيمان به سواء أدركته عقولنا وحواسنا أم لا، لأنه لا يعارض الشرع بالعقل لا سيما في الأمور التي لا مجال للعقل فيها‏.‏

الثاني‏:‏ إن أحوال القبر من أمور الآخرة التي اقتضت حكمة الله أن يحجبها عن حواس الخلق وعقولهم امتحانا لهم، ولا يجوز أن تقاس بأحوال الدنيا؛ لتباين ما بين الدنيا والآخرة‏.‏

القيامة‏:‏

القيامة صغري كالموت، فكل من مات فقد قامت قيامته، وكبري وهي المقصودة هنا، وهي قيام الناس بعد البعث للحساب والجزاء‏.‏ وسميت بذلك لقيام الناس فيها، وقيام العدل، وقيام الأشهاد‏.‏ودليل ثبوتها من الكتاب والسنة والإجماع‏.‏فمن أدلة الكتاب قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏{‏المطففين‏:‏4-6‏]‏‏.‏ ومن أدلة السنة قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏إنكم تحشرون حفاة عراة غرلا‏)‏ ‏[‏أخرجه البخاري كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى‏:‏ ‏(‏واتخذ إبراهيم خليلا‏)‏، رقم ‏(‏3349‏)‏ ومسلم، كتاب الجنة، باب فناء الدنيا رقم ‏(‏2860‏)‏ عن ابن عباس رضي الله عنهما‏.‏‏]‏‏.‏

وأما الإجماع فقد اجمع المسلمون وجميع أهل الأديان السماوية على إثبات يوم القيامة، فمن أنكره أو شك فيه فهو كافر‏.‏ وللقيامة علامات تسمي الاشراط كخروج الدجال وياجوج وماجوح، وطلوع الشمس من مغربها‏.‏ وجعلت لها هذه الاشراط؛ لأنها يوم عظيم وهام فكان لها تلك المقدمات‏.‏

 حشر الناس

يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا غير مختونين؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ من الآية104‏]‏‏.‏ وقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏إنكم تحشرون عراة حفاة غرلا‏)‏‏.‏

الأشياء التي ذكر المؤلف إنها تكون يوم القيامة‏:‏

أولا‏:‏ دنو الشمس من الخلق بقدر ميل أو ميلين، فيعرق الناس بقدر أعمالهم، منهم من يصل عرقه إلى كعبيه، ومنهم من يلجمه، ومنهم من بين ذلك، ومن الناس من يسلم من الشمس، فيظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، مثل الشاب إذا نشا في طاعة الله، والرجل المعلق قلبه بالمساجد‏.‏

ثانيا‏:‏ الموازين ـ جمع ميزان ـ يضعها الله لتوزن فيها أعمال العباد، فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون‏.‏ والميزان حقيقي له كفتان خلافا للمعتزلة القائلين بأنه العدل لا ميزان حقيقي‏.‏ وقد ذكر في القرآن مجموعا وفي السنة مجموعا ومفردا، فقيل‏:‏ انه ميزان واحد، وجمع باعتبار الموزون، وقيل‏:‏ متعدد بحسب الأمم والإفراد، وافرد باعتبار الجنس‏.‏

ثالثا‏:‏ نشر الدواوين ـ اي فتحها ـ وتوزيعها، وهي صحائف الأعمال التي كتبتها الملائكة على الإنسان قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏13-14‏]‏‏.‏ فاخذ كتابه بيمينه وهو المؤمن، واخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا‏}‏ ‏[‏الانشقاق‏:‏7-12‏]‏‏.‏ وفي آية أخرى‏:‏ ‏{‏وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ‏}‏ ‏[‏الحاقة‏:‏25‏]‏‏.‏ والجمع بين هذه والتي قبلها أما باختلاف الناس، وأما بكون الذي يأخذها بشماله تخلع يده من وراء ظهره‏.‏

رابعا‏:‏ الحساب وهو محاسبة الخلائق على أعمالهم،وكيفيته بالنسبة للمؤمن إن الله يخلو به فيقرره بذنوبه، ثم يقول ‏(‏قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم‏)‏ ‏[‏أخرجه البخاري كتاب المظالم، باب ‏(‏إلا لعنة الله على الظالمين‏)‏ رقم ‏(‏2441‏)‏ ومسلم كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل وان كثر قتله رقم ‏(‏2768‏)‏ عن ابن عمر رضي الله عنهما‏.‏‏]‏‏.‏ وأما بالنسبة للكافر فانه يوقف على عمله ويقرر به، ثم ينادى على رؤوس الأشهاد‏:‏ هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين‏.‏ ‏[‏انظر التخريج السابق‏.‏‏]‏

وأول ما يحاسب عليه العبد من حقوق الصلاة ‏[‏أخرجه أبو داو ود ‏(‏864‏)‏ والترمذي ‏(‏413‏)‏ والنسائي ‏(‏1/232‏)‏ وابن ماجة ‏(‏1425‏)‏ عن أبى هريرة رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏ وأول ما يقضي بين الناس الدماء ‏[‏أخرجه الترمذى ‏(‏1396‏)‏ عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنهما وقال‏:‏ حسن صحيح‏.‏‏]‏‏.‏ ومن الناس من يدخل الجنة بلا حساب، وهم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، ومنهم عكاشة بن محصن رضي الله عنه ‏[‏أخرجه البخاري ‏(‏6541‏)‏ ومسلم ‏(‏220‏)‏ عن ابن عباس رضي الله عنهما‏.‏‏]‏‏.‏

خامسا‏:‏ الحوض المورود للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عرصات القيامة ـ أي مواقفها ـ يرده المؤمنون من أمته ومن شرب منه لم يظمأ أبدا، طوله شهرا وعرضه شهر، وانيته كنجوم السماء، وماؤه اشد بياضا من اللبن، واحلي من العسل، واطيب من رائحة المسك‏.‏ ولكل نبي حوض يرده المؤمنون من أمته، ولكن الحوض الأعظم حوض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏ وقد أنكر المعتزلة وجود الحوض، وقولهم مردود بما تواترت به الأحاديث من إثباته‏.‏

سادسا‏:‏ الصراط وهو الجسر المنصوب على جهنم أدق من الشعر وأحد من السيف ‏[‏أخرجه مسلم ‏(‏183‏)‏ عن أبى سعيد الخدري قال ‏:‏ بلغني أن الجسر أدق من الشعر وأحد من السيف ‏.‏

‏]‏

عليه كلابيب تخطف الناس بأعمالهم، يمرون عليه على قدر أعمالهم، فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالفرس الجواد، ومنهم من يمر كركائب الإبل ومنهم من يعدو عدوا ومنهم من يمشي مشيا ومنهم من يزحف زحفا، ومنهم من يخطف فيلقي في النار فيعذب بقدر عمله ‏[‏أخرجه البخاري ‏(‏7439‏)‏ ومسلم ‏(‏183‏)‏ عن أبى سعيد الخدري‏.‏‏]‏‏.‏ فإذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض قصاصا تزول به الأحقاد والبغضاء ليدخلوا الجنة إخوانا متصافين‏.‏

سابعا‏:‏ الشفاعة وهي التوسط للغير بجلب المنفعة أو دفع مضرة، ولا تكون إلا بإذن الله للشافع ورضاه عن المشفوع له‏.‏ وتنقسم إلى قسمين‏:‏ خاصة بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وعامة له ولغيره من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين‏.‏

فالخاصة بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذكر المؤلف منها نوعين‏:‏

الأول‏:‏ الشفاعة العظمي، حيث يشفع في أهل الموقف إلى الله ليقضي بينهم، بعد أن تطلب الشفاعة من آدم فنوح فإبراهيم فموسى فعيسي عليهم الصلاة والسلام فلا يشفعون، حتى تنتهي إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيشفع فيقبل الله منه ‏[‏أخرجه البخاري ‏(‏4712‏)‏ ومسلم ‏(‏194‏)‏ عن أبى هريرة رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏ وهذا من المقام المحمود الذي وعده الله بقوله‏:‏ ‏{‏عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ من الآية79‏]‏‏.‏

الثاني‏:‏ شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوها‏.‏

وأما العامة فذكر المؤلف منها نوعين‏:‏

الأول‏:‏ الشفاعة في من استحق النار من المؤمنين إلا يدخلها‏.‏

الثاني‏:‏ الشفاعة في من دخلها منهم أن يخرج منها‏.‏

وهذان النوعان ينكرهما المعتزلة والخوارج بناء على قولهم‏:‏ إن فاعل الكبيرة مخلد في النار فلا تنفعه الشفاعة‏.‏ ويخرج الله أقواما من النار بغير شفاعة بل بفضله ورحمته، ويبقي في الجنة فضل عمن دخلها من أهل الدنيا فينشئ الله أقواما فيدخلهم الجنة‏.‏

الإيمان بالقضاء والقدر‏:‏

الإيمان بالقضاء والقدر واجب، ومنزلته من الدين انه أحد أركان الإيمان الستة، لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن باليوم الآخر والقدر خيره وشره‏.‏

ومعني الإيمان بالقضاء والقدر‏:‏ أن تؤمن بان كل ما في الكون من موجودات ومعدومات، عامة وخاصة، فانه بمشيئة الله وخلقه، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما اخطاك لم يكن ليصيبك‏.‏

درجات الإيمان بالقضاء والقدر‏:‏

للإيمان بالقدر درجتان كل درجة تتضمن شيئين‏:‏

فالدرجة الأولي تتضمن العلم والكتابة، ودليلها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏70‏]‏‏.‏ العلم أن تؤمن بعلم الله المحيط بكل شيء جملةً وتفصيلا‏.‏والكتابة هي أن تؤمن بان الله كتب مقادير كل شيء في اللوح المحفوظ بحسب علمه‏.‏ وهي أنواع‏:‏

النوع الأول‏:‏ الكتابة في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، ودليلها قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏أن الله لما خلق القلم قال له‏:‏ اكتب‏.‏ قال‏:‏ رب ماذا اكتب‏؟‏ قال‏:‏ اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة‏)‏ ‏[‏أخرجه الإمام احمد ‏(‏5/317‏)‏ وأبو داوود كتاب السنة، باب في القدر رقم ‏(‏4700‏)‏ والترمذي كتاب القدر رقم ‏(‏2155‏)‏ والحاكم ‏(‏2/498‏)‏ وصححه‏.‏‏]‏‏.‏

النوع الثاني‏:‏ الكتابة العمرية، وهي ما يكتبه الملك الموكل بالأرحام على الجنين في بطن أمه إذا تم له أربعة اشهر، فيؤمر المَلَك بكتب رزقه واجله وعمله وشقي أم سعيد، ودليله حديث ابن مسعود رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ‏[‏البخاري ‏(‏3208‏)‏ ومسلم ‏(‏2643‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏ وهذه الدرجة ينكرها غلاة القدرية قديما‏.‏

وأما الدرجة الثانية فتتضمن شيئين‏:‏ المشيئة والخلق، ودليل المشيئة قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏ من الآية27‏]‏‏.‏ ودليل الخلق قوله تعالى‏:‏ ‏{‏خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ من الآية62‏]‏‏.‏

فأما المشيئة فهي ان تؤمن بمشيئة الله العامة، وان ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، سواء في ذلك أفعاله وأفعال الخلق، كما قال تعالى في أفعاله‏:‏ ‏{‏وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا‏}‏ ‏[‏السجدة‏:‏ من الآية13‏]‏‏.‏ وقال في أفعال الخلق‏:‏ ‏{‏وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ من الآية112‏]‏‏.‏ أما الخلق فهو أن تؤمن إن الله خالق كل شيء سواء مما فعله أو فعله عباده‏.‏ دليل الخلق في فعله قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ من الآية54‏]‏‏.‏ ودليل الخلق في أفعال العباد قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏96‏]‏‏.‏ ووجه كونه خالقا لأفعال العباد إن فعل العبد لا يصدر الا عن إرادة وقدرة، وخالق إرادة العبد وقدرته هو الله‏.‏

مشيئة العبد وقدرته‏:‏

للعبد مشيئة وقدرة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ من الآية223‏]‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ ‏[‏التغابن‏:‏ 16‏]‏ فُاثبت الله للعبد مشيئه وارادة وهي القدرة إلا انهما تابعتان لمشيئة الله تعالى؛ لقوله‏:‏ ‏{‏وَمَا تَشَاءُونَ الَّا ان يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏التكوير‏:‏29‏]‏‏.‏

من ضل في هذه الدرجة وهي المشيئة والخلق‏:‏

ضلَّ فيها طائفتان‏:‏

الأولي‏:‏ القدرية حيث زعموا أن العبد مستقل بإرادته وقدرته ليس لله في فعله مشيئة ولا خلق‏.‏

الثانية‏:‏ الجبرية حيث زعموا ان العبد مجبولا على فعله ليس له فيه إرادة ولا قدرة‏.‏

والرد على الطائفة الأولى القدرية بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏التكوير‏:‏ 29‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 112‏]‏‏.‏ والرد على الطائفة الثانية الجبرية بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ‏}‏ ‏[‏التكوير‏:‏ 28‏]‏ ‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 223‏]‏ ‏.‏ فاثبت للإنسان مشيئة وقدرة‏.‏

الاعتماد على القضاء السابق وترك العمل‏:‏

لا يجوز الاعتماد على القضاء السابق وترك العمل؛ لان الصحابة رضي الله عنهم قالوا‏:‏ ‏(‏يا رسول الله، أفلا نتكل على الكتاب الأول وندع العمل‏؟‏ فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ اعملوا فكل ميسر لما خلق له‏.‏أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة‏)‏‏.‏ وتلا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى‏}‏ ‏[‏الليل‏:‏ 5-10‏]‏‏.‏

مجوس هذه الأمة‏:‏

مجوس هذه الأمة القدرية الذين يقولون‏:‏ إن العبد مستقل بفعله‏.‏ سموا بذلك لانهم يشبهون المجوس القائلين بان للعالم خالقين‏:‏ النور يخلق الخير‏.‏ والظلمة تخلق الشر‏.‏

وكذلك القدرية قالوا‏:‏ إن للحوادث خالقين، فالحوادث التي من فعل العبد يخلقها العبد، والحوادث التي من فعل الله يخلقها الله‏.‏

الجبرية يخرجون عن أحكام الله حكمها ومصالحها فما وجه ذلك‏؟‏

وجه ذلك إن الجبرية لا يفرقون بين فعل العبد اختيارا وفعله بدون اختيار، كلاهما عندهم مجبر عليه كما سبق، وإذا كان كذلك صار ثوابه على الطاعة وعقابه على المعصية لا حكمة له، إذ الفعل جاء بدون اختياره، وما كان كذلك فان صاحبه لا يمدح عليه فيستحق الثواب، ولا يذم عليه فيستحق العقاب‏.‏

الإيمان‏:‏

الإيمان لغةً‏:‏ التصديق، واصطلاحا‏:‏ قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح‏.‏ فقول القلب تصديقه واقراره، وعمل القلب إرادته وتوكله ونحو ذلك من حركاته؛ وقول اللسان ونطقه، وعمل الجوارح الفعل والترك‏.‏ والدليل على أن الإيمان يشمل ذلك كله قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته‏.‏‏.‏الخ‏)‏ ‏[‏أخرجه مسلم كتاب الإيمان باب بيان الإيمان والإسلام‏.‏‏.‏‏.‏ رقم ‏(‏8‏)‏ عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه‏]‏‏.‏ وهذا قول القلب وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا اله إلا الله أدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان‏)‏ ‏[‏أخرجه مسلم كتاب الإيمان باب شعب الإيمان رقم ‏(‏35‏)‏ عن أبى هريرة رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏ فقول لا اله إلا الله قول اللسان، وأماطة الأذى عن الطريق عمل الجوارح، والحياء عمل القلب‏.‏

زيادة الإيمان ونقصانه‏:‏

الإيمان يزيد وينقص لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏4‏]‏‏.‏ وقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في النساء‏:‏ ‏(‏ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن‏)‏ ‏[‏ أخرجه البخاري كتاب الحيض باب ترك الحائض الصوم رقم ‏(‏304‏)‏ ومسلم كتاب الإيمان باب نقصان الإيمان بنقص الطاعات رقم ‏(‏79‏)‏ عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما‏]‏‏.‏ وسبب زيادة الطاعة وهي امتثال أمر الله واجتناب نهيه، وسبب نقصه معصية الله بالخروج عن طاعته‏.‏

الكبيرة‏:‏

الكبيرة كل ذنب قرن بعقوبةٍ خاصة، كالزنى والسرقة وعقوق الوالدين والغش ومحبة السوء للمسلمين وغير ذلك‏.‏ وحكم فاعلها من حيث الاسم انه مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وليس خارجا من الإيمان لقوله تعالى في القاتل عمدا‏:‏ ‏{‏فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ من الآية178‏]‏‏.‏ فجعل الله المقتول أخا للقاتل، ولو كان خارجا من الإيمان ما كان المقتول اخا له، ولقوله تعالى في الطائفتين المقتتلتين‏:‏ ‏{‏وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ من الآية9‏]‏‏.‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ من الآية10‏]‏‏.‏ فجعل الله الطائفتين المقتتلتين مع فعلهما الكبيرة اخوة للطائفة الثالثة المصلحة بينهما‏.‏

وحكم فاعل الكبيرة من حيث الجزاء انه مستحق للجزاء المرتب عليه، ولا يخلد في النار، وامره إلى الله إن شاء عذبه بما يستحق، وان شاء غفر له لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ من الآية48‏]‏‏.‏

 

الذي خالف أهل السنة في فاعل الكبيرة

خالفهم في ذلك ثلاثة طوائف‏:‏

1‏.‏ المرجئة‏:‏ قالوا‏:‏ إن فاعل الكبيرة مؤمن كامل الإيمان ولا عقاب له‏.‏

2‏.‏ الخوارج‏:‏ قالوا‏:‏ انه كافر مخلد في النار‏.‏

3‏.‏ المعتزلة‏:‏ قالوا‏:‏ لا مؤمن ولا كافر، في منزلة بين منزلتين، وهو مخلد في النار‏.‏

هل الفاسق يدخل في اسم الإيمان‏؟‏

الفاسق لا يدخل في اسم الإيمان المطلق أي الكامل، كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏2‏]‏ ‏.‏وانما يدخل في مطلق الإيمان أي في اقل ما يقع عليه الاسم، كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ من الآية92‏]‏‏.‏ فالمؤمن هنا يشمل الفاسق وغيره‏.‏

الصحابي وموقف أهل السنة من الصحابة‏:‏

الصحابي من اجتمع مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو رآه ولو لحظة مؤمنا ومات على ذلك‏.‏ وموقف أهل السنة من الصحابة محبتهم والثناء عليهم بما يستحقون، وسلامة قلوبهم من البغضاء والحقد عليهم، وسلامة ألسنتهم من قول ما فيه نقص أو شتم للصحابة كما وصفهم الله بقوله‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ جَاؤُو مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ‏}‏ ‏[‏الحشر‏:‏10‏]‏‏.‏ وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏لا تسبوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده، لو انفق أحدكم مثل جبل أحد ذهبا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه‏)‏ ‏[‏أخرجه البخاري كتاب فضائل الصحابة ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ لو كنت متخذا خليلا ‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ رقم ‏(‏3673‏)‏ ومسلم كتاب فضائل الصحابة باب تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم رقم ‏(‏2541‏)‏ عن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه‏]‏‏.‏

 

اختلاف مراتب الصحابة رضي الله عنهم

تختلف مراتب الصحابة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏ من الآية10‏]‏‏.‏ وسبب اختلاف مراتبهم‏:‏ قوة الإيمان والعلم والعمل الصالح والسابق إلى الإسلام‏.‏

أفضلهم جنسا المهاجرون ثم الأنصار؛ لان الله قدم المهاجرين عليهم فقال تعالى‏:‏ ‏{‏لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ من الآية117‏]‏‏.‏ ولانهم جمعوا بين الهجرة من ديارهم واموالهم والنصرة‏.‏ وافضل الصحابة عينا أبو بكر، ثم عمر بالإجماع، ثم عثمان ثم علي على رأي جمهور أهل السنة الذي استقر عليه أمرهم، بعدما وقع الخلاف في المفاضلة بين علي وعثمان، فقدم قوم عثمان وسكتوا، وقدم قوم عليا ثم عثمان، وتوقف قوم في التفضيل‏.‏ ولا يضلل من قال بان عليا افضل من عثمان لأنه قد قال به بعض أهل السنة‏.‏

الخلفاء الأربعة‏:‏

الخلفاء الأربعة هم‏:‏ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وترتيبهم في الخلافة أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي‏.‏

ويضلل من خالف في خلافة واحد منهم، أو خالف في ترتيبهم؛ لأنه مخالف لإجماع الصحابة وإجماع أهل السنة‏.‏ وثبتت خلافة أبى بكر بإشارة من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليها، حيث قدمه في الصلاة وفي أمارة الحج، وبكونه أفضل الصحابة فكان أحقهم بالخلافة‏.‏ وثبتت خلافة عمر بعهد أبى بكر إليه بها، وبكونه افضل الصحابة بعد أبى بكر‏.‏

وثبتت خلافة عثمان باتفاق أهل الشورى عليه‏.‏

وثبتت خلافة علي بمبايعة أهل الحل والعقد له، وبكونه افضل الصحابة بعد عثمان‏.‏

أهل بدر‏:‏

أهل بدر هم الذين قاتلوا في غزوة بدر من المسلمين، وعددهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا‏.‏ والفضيلة التي حصلت لهم أن الله اطلع عليهم وقال‏:‏ ‏(‏اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم‏)‏ ومعناه أن ما يحصل منهم من المعاصي يغفره الله بسبب الحسنة الكبيرة التي نالوها في غزوة بدر، ويتضمن هذا بشارة بأنه لن يرتد أحد منهم عن الإسلام‏.‏

 أهل بيعة الرضوان‏:‏

أهل بيعة الرضوان هم الذين بايعوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عام الحديبية على قتال قريش، وإلا يفروا حتى الموت، وسببها ما أشيع من أن عثمان قتلته قريش حين أرسله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليهم للمفاوضة‏.‏ وسميت ببيعة الرضوان، لان الله رضي عنهم بها، وعددهم نحو ألف وأربعمائة‏.‏ والفضيلة التي حصلت لهم هي‏:‏

1‏.‏رضا الله عنهم‏:‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏ من الآية18‏]‏‏.‏

2‏.‏سلامتهم من دخول النار‏:‏ لان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ اخبر انه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة ‏[‏أخرجه مسلم ‏(‏2496‏)‏ عن جابر رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏

آل بيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏

آل بيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ زوجاته وكل من تحرم عليه الزكاة من أقاربه المؤمنين كآل علي، وجعفر، والعباس، ونحوهم‏.‏ والواجب نحوهم المحبة والتوقير والاحترام؛ لإيمانهم بالله ولقرابتهم من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولتنفيذ الوصية التي عهد بها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث قال‏:‏ ‏(‏أذكركم الله في أهل بيتي‏)‏ ‏[‏أخرجه مسلم كتاب فضائل الصحابة باب فضائل على بن أبى طالب رضي الله عنه رقم ‏(‏2408‏)‏ عن زيد ابن أرقم رضي الله عنه‏]‏‏.‏ ولان ذلك من كمال الإيمان؛ لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏والله لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي‏)‏ ‏[‏أخرجه الإمام احمد ‏(‏1/207‏)‏ وابن ماجة ، كتاب المقدمة باب فضل العباس بن عبد المطلب ، رقم ‏(‏140‏)‏ ‏.‏‏]‏‏.‏

 والذين ضلوا في أهل البيت‏:‏

الأولي‏:‏ الروافض‏:‏ حيث غلو فيهم وأنزلوهم فوق منزلتهم حتى ادعي بعضهم أن عليا اله‏.‏

الثانية‏:‏ النواصب‏:‏ وهم الخوارج الذين نصبوا العداوة لال البيت وآذوهم بالقول والفعل‏.‏

زوجات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏

زوجات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ افضل نساء هذه الأمة؛ لمكانتهن عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولأنهمن أمهات المؤمنين، ولأنهن زوجات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الآخرة، ولطهارتهن من الرجس؛ ولذلك يكفر من قذف واحدة منهن؛ ولان ذلك يستلزم نقص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتدنيس فراشه‏.‏أفضلهن خديجة وعائشة، وكل واحدة منهما افضل من الأخرى من جهة؛ فمزية خديجة إنها أول من آمن بالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وإنها عاضدته على أمره في أول رسالته، وإنها أم اكثر أولاده بل كلهم إلا إبراهيم، وان لها منزلة عالية عنده، فكان يذكرها دائما، ولم يتزوج عليها حتى ماتت‏.‏ومزية عائشة حسن عشرتها مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في آخر أمره، وان الله براها في كتابه مما رماها به أهل الإفك، وانزل فيها آيات تتلي إلى يوم القيامة، وإنها حفظت من هدى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسنته ما لم تحفظه امرأة سواها، وإنها نشرت العلم الكثير بين الأمة، وان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يتزوج بكرا سواها، فكانت تربيتها الزوجية على يديه، وان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال فيها‏:‏ ‏(‏فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام‏)‏ ‏[‏أخرجه البخاري كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب فضل عائشة رضي الله عنها رقم ‏(‏37699 ‏)‏ ومسلم كتاب فضائل الصحابة باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها رقم ‏(‏2431‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏

موقف أهل السنة في الخلاف والفتن التي حصلت بين الصحابة رضي الله عنهم‏:‏

موقفهم في ذلك أن ما جري بينهم فانه باجتهاد من الطرفين وليس عن سوء قصد، والمجتهد إن أصاب فله أجران وان اخطا فله اجر واحد، وليس ما جري بينهم صادر عن إرادة علو ولا فساد في الأرض؛ لان حال الصحابة رضي الله عنهم تأبى ذلك، أنهم أوفر الناس عقولا، واقواهم إيمانا أشدهم طلبا للحق، كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏خير الناس قرني‏)‏ ‏[‏سبق تخريجه‏.‏‏]‏‏.‏ وعلى هذا فطريق السلامة أن نسكت عن الخوض فيما جري بينهم ونرد أمرهم إلى الله؛ لان ذلك اسلم من وقوع عداوة أو حقد على أحدهم‏.‏

 موقف أهل السنة من الآثار الواردة في الصحابة‏:‏

موقفهم إن الآثار الواردة في مساوئ بعضهم على قسمين‏:‏

الأول‏:‏ صحيح لكنهم معذورون فيه؛ لانه واقع عن اجتهاد، والمجتهد إذا اخطا فله اجر، وان أصاب فله أجران‏.‏

الثاني‏:‏ غير صحيح أما لكونه كذبا من اصله، وأما لكونه زيد فيه أو نقص أو غُيِّر عن وجهه، وهذا القسم لا يقدح فيهم لانه مردود‏.‏

 

عصمة الصحابة رضي الله عنهم

الصحابة ليسوا معصومين من الذنوب، فانهم يمكن أن تقع منهم المعصية كما تقع من غيرهم، لكنهم اقرب الناس إلى المغفرة للأسباب الآتية‏:‏

1‏.‏ تحقيق الإيمان والعمل الصالح‏.‏

2‏.‏ السبق إلى الإسلام والفضيلة،وقد ثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ انهم خير القرون ‏[‏سبق تخريجه‏.‏‏]‏‏.‏

3‏.‏ الأعمال الجليلة التي لم تحصل لغيرهم كغزوة بدر وبيعة الرضوان‏.‏

4‏.‏ التوبة من الذنب، فان التوبة تجب ما قبلها‏.‏

5‏.‏ الحسنات التي تمحو السيئات‏.‏

6‏.‏ البلاء وهي المكاره التي تصيب الإنسان؛ فان البلاء يكفر الذنوب‏.‏

7‏.‏ دعاء المؤمنين لهم‏.‏

8‏.‏ شفاعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي هم أحق الناس بها‏.‏

وعلى هذا فالذي ينكر من فعل بعضهم قليل منغمر في محاسنهم، لانهم خير الخلق بعد الأنبياء وصفوة هذه الأمة التي هي خير الأمم، ما كان ولا يكون مثلهم‏.‏

الشهادة بالجنة والنار‏:‏

الشهادة بالجنة على نوعين‏:‏عامة وخاصة‏.‏

فالعامة أن نشهد لعموم المؤمنين بالجنة دون شخص بعينه، ودليلها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏107‏]‏‏.‏

والخاصة أن نشهد لشخص معين بالجنة، وهذا يتوقف على دليل من الكتاب والسنة، فمن شهد له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ شهدنا له مثل‏:‏ العشرة ‏[‏أخرجه الإمام احمد ‏(‏1/187‏)‏ وأبو داوود ‏(‏4649‏)‏ والترمذي ‏(‏3748‏)‏ وابن ماجة ‏(‏133‏)‏ وابن حبان ‏(‏7002‏)‏ الإحسان، والحاكم ‏(‏3/450‏)‏ عن عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنهم‏.‏ والمراد بالعشرة‏:‏ الخلفاء الأربعة، وستة أخري جمعهم بعضهم في قوله‏:‏ سعيد وسعد وابن عوف وطلحة *** وعامر فهر والزبير الممدح‏]‏ وثابت بن قيس بن شماس ‏[‏ رواه البخاري ‏(‏3613‏)‏ ومسلم ‏(‏119‏)‏ عن انس بن مالك رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏ وعكاشة ابن محصن ‏[‏سبق تخريجه‏.‏‏]‏‏.‏ وغيرهم من الصحابة‏.‏

وكذلك الشهادة بالنار على نوعين‏:‏ عامة وخاصة‏.‏

فالعامة ان نشهد على عموم الكفار بأنهم في النار، ودليلها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ من الآية56‏]‏‏.‏

والخاصة أن نشهد لشخص معين بالنار، وهذا يتوقف على دليل من الكتاب والسنة، مثل أبى لهب وامرأته، ومثل أبى طالب ‏[‏أخرجه البخاري ‏(‏3883‏)‏ ومسلم ‏(‏209‏)‏ عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏ وعمرو بن لحي الخز اعي ‏[‏أخرجه البخاري ‏(‏4624‏)‏ ومسلم ‏(‏901‏)‏ رعن عائشة رضي الله عنها‏.‏

‏]‏‏.‏

 قول أهل السنة والجماعة في كرامات الأولياء‏:‏

قول أهل السنة في كرامات الأولياء إنها ثابتة واقعة، ودليلهم في ذلك ما ذكره الله في القرآن عن أصحاب الكهف وغيرهم، وما يشاهده الناس في كل زمان ومكان‏.‏وخالف فيها المعتزلة محتجين بان إثباتها يوجب اشتباه الولي بالنبي،والساحر بالولي، والرد عليهم بأمرين‏:‏

1‏.‏ ان الكرامة ثابتة بالشرع والمشاهدة فإنكارها مكابرة‏.‏

2‏.‏ان ما ادعوه من اشتباه الولي بالنبي غير صحيح، لانه لا نبي بعد محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ ولان النبي يقول انه نبي فيؤيده الله بالمعجزة، والولي لا يقول انه نبي‏.‏

وكذلك إن ما ادعوه من اشتباه الساحر بالولي غير صحيح؛ لان الولي مؤمن تقي تأتيه الكرامة من الله بدون عمل لها ولا يمكن معارضتها، أما الساحر فكافر منحرف يحصل له الأثر سحره بما يتعاطاه من أسبابه، ويمكن أن يعارض بسحر آخر‏.‏

الولي ومعني الكرامة‏:‏

الولي‏:‏ كل مؤمن تقي، أي قائم بطاعة الله تعالى على الوجه المطلوب شرعا‏.‏

والكرامة‏:‏ أمر خارق للعادة يظهره الله تعالى على يد ولي من أوليائه تكريما له أو نصرةً لدين الله‏.‏

وفوائدها‏:‏

1‏.‏ بيان قدرة الله‏.‏

2‏.‏ نصرة الدين أو تكريم الولي‏.‏

3‏.‏ زيادة الإيمان والتثبيت للولي الذي ظهرت على يده وغيره‏.‏

4‏.‏ إنها من البشري لذلك الولي‏.‏

5‏.‏ إنها معجزة للرسول الذي تمسك الولي بدينه، لأنها كالشهادة للولي بأنه على حق‏.‏

والفرق بينها وبين المعجزة إنها تحصل للولي، والمعجزة تحصل للنبي‏.‏

والكرامة نوعان‏:‏

1‏.‏ في العلوم والمكاشفات‏:‏ بان يحصل للولي من العلم ما لا يحصل لغيره، أو يكشف له من الأمور الغائبة عنه ما لا يكشف لغيره، كما حصل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين كشف له وهو يخطب في المدينة عن إحدى السرايا المحصورة في العراق، فقال لقائدها واسمه سارية بن زنيم‏:‏ الجبل يا سارية‏.‏ فسمعه القائد فاعتصم بالجبل‏.‏

2‏.‏ في القدرة والتأثير‏:‏ بان يحصل للولي من القدرة والتأثيرات ما لا يحصل لغيره، كما وقع للعلاء بن الحضرمي حين عبر البحر يمشي على متن الماء‏.‏

طريقة أهل السنة والجماعة في سيرتهم وعلمهم‏:‏

طريقتهم في ذلك‏:‏

أولا‏:‏ اتباع آثار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ظاهرا وباطنا، واثار الأولين السابقين من المهاجرين والأنصار، امتثالا لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ ‏[‏أخرجه الإمام احمد ‏(‏4/126‏)‏ وأبو داوود كتاب السنة باب في لزوم السنة رقم ‏(‏4607‏)‏ والترمذي كتاب العلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع رقم‏(‏2676‏)‏ وابن ماجة المقدمة باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين رقم‏(‏42-43‏)‏ وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح ‏.‏‏]‏‏.‏ الحديث‏.‏والخلفاء الراشدون هم الذين خلفوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أمته في العلم والإيمان والدعوة إلى الحق، وأولي الناس بهذا الوصف الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم‏.‏

ثانيا‏:‏ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة‏.‏

والمعروف ما عرف حسنه شرعا، والمنكر ما عُرف قبحه شرعا، فما به أمر الشارع فهو معروف، وما نهي عنه فهو منكر‏.‏

وللأمر بالمعروف شروط‏:‏

ا - أن يكون المتولي لذلك عالما بالمعروف وبالمنكر‏.‏

ب - ألا يخاف ضررا ً على نفسه‏.‏

ج - ألا يترتب على ذلك مفسدة اكبر‏.‏

ثالثا‏:‏ النصح لولاة الأمور وإقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد معهم، أبرارا كانوا أو فجارا والتزام السمع والطاعة لهم ما لم يأمروا بمعصية الله‏.‏

رابعا‏:‏ النصح لجميع الأمة وبث المحبة والالفة والتعاون بين المسلمين‏.‏ مطبقين في ذلك قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا‏)‏ ‏[‏أخرجه البخاري كتاب الأدب باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضا رقم ‏(‏6026‏)‏ ومسلم كتاب البر والصلة باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم رقم ‏(‏2585‏)‏‏.‏‏]‏ ‏[‏أخرجه البخاري كتاب الأدب باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضا رقم ‏(‏6026‏)‏ ومسلم كتاب البر والصلة باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم رقم ‏(‏2585‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏(‏مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمي‏)‏ ‏[‏أخرجه البخاري كتاب الأدب باب ر حمة الناس والبهائم رقم ‏(‏6011‏)‏ ومسلم كتاب البر والصلة باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم رقم ‏(‏2586‏)‏ ‏.‏‏]‏‏.‏

خامسا‏:‏ الدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، كالصدق والبر والاحسان إلى الخلق، والشكر عند النعم، والصبر على البلاء، وحسن الجوار والصحبة، وغير ذلك من الأخلاق المحمودة شرعا وعرفا ‏,‏

سادسا‏:‏ النهي عن مساوئ الأخلاق، كالكذب والعقوق والإساءة إلى الخلق، والتسخط من القضاء، والكفر بالنعمة، والإساءة إلى الجيران والأصحاب، وغير ذلك من الأخلاق المذمومة شرعا أو عرفا‏.‏

الأمور التي يزن بها أهل السنة والجماعة ما كان عليه الناس من العقائد والأعمال والأخلاق

الأمور التي يزن بها أهل السنة والجماعة ذلك هي الكتاب والسنة والإجماع، فالكتاب هو القرآن، والسنة قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو فعله أو إقراره، والإجماع هو اتفاق العلماء المجتهدين من هذه الأمة بعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على حكم شرعي‏.‏

والإجماع الذي ينضبط ما كان عليه السلف الصالح؛ إذ بعدهم كثر الاختلاف وانتشرت الأمة‏.‏ ولم يذكر المؤلف القياس؛ لان مرده إلى هذه الأصول الثلاثة‏.‏

الصديقون والشهداء والصالحون والإبدال‏:‏

الصديقون هم الصادقون باعتقادهم وقولهم وعملهم والمصدقون بالحق‏.‏

والشهداء هم الذين قتلوا في سبيل الله، وقيل‏:‏ العلماء‏.‏

والصالحون هم الذين صلحت قلوبهم وجوارحهم بما قاموا به من الأعمال الصالحة‏.‏

والإبدال هم الذين يخلف بعضهم بعضا في نصر الدين والدفاع عنه، كلما ذهب منهم وأحد خلفه آخر بدله‏.‏ وكل هؤلاء الأصناف الأربعة موجودون في أهل السنة والجماعة‏.‏

الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة وما المراد بقيامها‏؟‏‏:‏

الطائفة المنصورة هم أهل السنة والجماعة الذين قال فيهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله‏)‏‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏حتى تقوم الساعة‏)‏‏.‏ والمراد بقيام الساعة قرب قيامها، وانما أولناه بذلك لاجل أن يصح الجمع بينه وبين حديث‏:‏ ‏(‏إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء‏)‏ ‏[‏ أخرجه احمد ‏(‏1/405‏)‏ وابن خزيمة ‏(‏789‏)‏ وابن حبان ‏(‏340‏)‏، وابن أبى شيبة ‏(‏3/345‏)‏‏.‏وقال شيخ الإسلام في الاقتضاء إسناده جيد‏.‏‏]‏‏.‏

وأهل السنة والجماعة هم خيار الخلق بعد الانبياء، فلا يمكن أن تدركهم الساعة‏.‏

فنسأل الله أن يجعلنا منهم، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وان يهب لنا من لدنه رحمة انه هو الوهاب‏.‏

صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين‏.‏