فصل: الباب السابع: في ذكر النساء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التبر المسبوك في نصيحة الملوك (نسخة منقحة)



.الباب السابع: في ذكر النساء:

خير النساء وأبركهن الحسناء الولود الخفيفة المهر. قال عليه الصلاة والسلام: «عليكم بالمرأة الحرة فإنها أطهر وأبرك». وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (التجئوا إلى الله عز وجل من شرار النساء واحذروا خيارهن). قال صاحب الكتاب من أراد صلاحه وتدبيره ولم يجد المرأة الحسناء يلهو بها فعليه بالمرأة الدينة فذات الدين خير وأبرك وإذا جاءت الديانة أتى المال وكان أبرك لأن المرأة لا دين لها فما لها أصل لا معها بركة وببركة الديانة يوجد كل خير كما في الحكاية.
حكاية: كان بمدينة مرو رجل اسمه نوح بن مريم وكان رئيس مرو وقاضيها وكان له نعمة كبيرة وحال موفورة وكانت له ابنة ذات حسن وجمال وبهاء وكمال، قد خطبها جماعة من الأكابر والرؤساء وذوي النعمة والثروة فلم ينعم بها لأحد منهم وتحير في أمرها ولم يدر لأيهم يزوجها وقال إن زوجتها لفلان أسخطت فلانًا وكان له غلام هندي تقي اسمه مبارك وكان له كرم عامر الأشجار والفاكهة والثمار. فقال للغلام أريد أن تمضي وتحفظ الكرم لينظره فقال له يا مبارك ناولني عنقود عنب فناوله عنقودًا من العنب فوجده حامضًا فقال له سيده أعطني غير هذا فناوله عنقودًا حامضًا فقال له سيده ما السبب في أنك لا تناولني من هذا الكثير غير الحامض فقال لأني لا أعلم أحامض هو أم حلو فقال له سيده سبحان الله لك في هذا الكرم شهر كامل ما تعرف الحامض من الحلو فقال وحقك أيها السيد أنني ما ذقته ولم أعلم أحامض أم حلو فقال له لم لا أكلت منه فقال لأنك أمرتني بحفظه ولم تأمرني بأكله فما كنت أخونك فعجب القاضي منه فقال له حفظ الله عليك أمانتك وعلم القاضي أن الغلام غزير العقل فقال له القاضي أيها الغلام قد وقع لي رغبة فيك وينبغي أن تفعل ما آمرك به فقال الغلام أنا مطيع لله لك فقال القاضي: اعلم أن لي بنتًا جميلة وقد خطبها كثير من الرؤساء والمتقدمين ولا أعلم لمن أزوجها فأشر علي بما ترى فقال الغلام: إن الكفار في زمن الجاهلية كانوا يريدون الأصل والنسب والبيت والحسب واليهود والنصارى يطلبون الحسن والجمال وفي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الناس يطلبون الدين والتقى. أما وفي زماننا هذا فالناس يطلبون المال فاختر من هذه الأربعة ما تريد فقال القاضي قد اخترت الدين والأمانة، وجربت منك العفة والصيانة. فقال الغلام أيها السيد أنا عبد رقيق هندي أسود ابتعتني بمالك كيف تزوجني بابنتك وترضاني فقال له القاضي قم بنا إلى البيت لندبر هذا الأمر فلما صارا إلى المنزل قال القاضي لزوجته اعلمي أن هذا الغلام الهندي دين تقي وقد رغبت في صلاحه وأريد أن أزوجه ابنتي فما تقولين فقالت الأمر إليك ولكن أمضي إلى الصبية وأخبرها وأعيد عليك جوابها فجاءت المرأة إلى الصبية وأدت إليها رسالة أبيها فقالت مهما أمرتماني به فعلته ولا أخرج من تحت حكمكما ولا أعاندكما بالمخالفة بل أبركما فزوج القاضي ابنته بالمبارك وأعطاهما مالًا عظيمًا فأولدها المبارك ولدًا وسماه عبد الله وهو معروف في جميع العالم وهو عبد الله بن المبارك صاحب العلم والزاهد ورواية الأحاديث فما دامت الدنيا يحدث عنه يروى.
نعم أيها الأخ إذا تزوجت فاطلب ذات الدين ولا تطلب ذات الصيت والمال فإن المال يعود وبالًا ولا تعطيكه المرأة وإذا أردت أن تطلب زوجة فلا تطلبها وتخطبها لأجل بلوغ الشهوة وارغب فيها بنية أنها دينة وصالحة لتكون في خدرك وطاعتك وتكون لك سترًا من النار.
حكاية: نزل بعبد الله بن المبارك في بعض الأيام عشرة من العلماء ولم يكن عنده ما يضيفهم به وما كان يملك سوى فرس يحج عليها سنة ويغزو سنة فذبح ذلك الفرس وطبخ منه وقدمه بين يدي أضيافه فقالت له زوجته سبحان الله ما كنت تملك سوى هذا الفرس من الدنيا فلم ذبحته فدخل سريعًا إلى بيته وأخرج من متاع بيته بقدر مهرها وطلقها في وقته وساعته وقال امرأة تبغض الأضياف لا تصلح لنا فأتاه بعد ذلك بأيام رجل وقال له يا إمام المسلمين لي بنت وقد توفيت أمها وهي في كل يوم تمزق دست ثياب حزنًا وغمًا واليوم تريد أن تقصد مجلسك فقل في تسليتها شيئًا لعل قلبها يرق فلما جلس على المنبر ذكر من هذا الباب ما تسلت به الصبية عن أمها فلما عادت إلى البيت قالت يا أبت قد تبت ولا أعود أسخط الله تعالى ولكن لي إليك حاجة قال وما حاجتك قالت أنت تقول دائمًا أرباب الأحوال وأبناء الدنيا يطلبونك ويخطبونك فناشدتك الله لا تزوجني لغير عبد الله بن المبارك فإن كان ماله دينا فإن لنا دنيا فزوجها أبوها بعبد الله بن المبارك وحمل إليه جهازًا كثيرًا ومالًا كبيرًا وأنفذ إليه عشرة أفراس ليجاهد عليها في سبيل الله فرأى عبد الله في بعض الليالي في منامه قائلًا يقول إن كنت طلقت من أجلنا عجوزًا فقد أعطيناك صبية بكرًا وإن كنت ذبحت فرسًا واحدًا فقد أعطيناك عشرة أفراس وعوضها لتعلم أن الحسنة بعشر أمثالها عندنا ولا يضيع عندنا أجر المحسنين وما عاملنا أحد فخسر ولا يخسر كما جاء في الحكاية.
حكاية: حكى أبو سعيد أنه كان في بني إسرائيل رجل صالح وله زوجة دينة تقية ذات رأي وحزم فأوحى الله تعالى إلى نبي الزمان أن قل لذلك العبد الصالح أني قدرت له أن يمضي نصف عمره بالغنى ونصفه بالفقر فإن اختار أن يكون غناه في شبيبته أغنيناه وإن اختار أن يكون في شيخوخته قدرنا له ذلك فيسرناه له. لما أعلم الرجل ذلك اخبر به زوجته وقال لها قد جاء خطاب من الله تعالى وقص عليه ما سمعه وقال لها ما تريد فقالت له الاختيار إليك فقال الرجل قد رأيت الفقر في الشبيبة فإذا كنت شابًا فقيرًا احتملت وصبرت عليه فإذا صرت كبيرًا غنيًا كان لي ما أتقوت به وأشتغل بطاعة ربي وعبادته فقالت المرأة أيها الرجل إذا كنا في الشبيبة في ضنك ولم نقدر على طاعة ربنا تعالى ولم تصل أيدينا إلى فعل الخيرات وإعطاء الصدقات فالواجب أن تختار الغنى في زمان الشباب فيكون لنا شباب وغنى وطاعة فنقدر حينئذ على عبادته بأجسامنا وأموالنا فقال الرجل نعم ما رأيت وكذلك نفعل فنزل الوحي على ذلك النبي عليه السلام فقال قل لذلك الرجل إذا آثرت طاعتنا واستفرغت جهدك في عبادتنا واتفقت نيتك ونية زوجتك على طاعتنا فقد قضيت وقدرت أن أقضي جميع عمرك في الغنى وكن أنت وزوجتك على عبادتي ومهما رزقتكما فتصدقا به على بريتي ليكون لكما حظ الدنيا والآخرة.
قال صاحب الكتاب وما أوردنا هذه الحكاية إلا لتعلم قدر الزوجة الصالحة وما فيها من النعمة من الله تعالى.

.فصل: (ديانة المرأة وسترها نعمة من نعم الله تعالى):

واعلم أن ديانة المرأة وسترها نعمة من نعم الله تعالى على عباده وهيهات أن يقدر على المرأة العفيفة طامع كما جاء في الحكاية.
حكاية: يقال أنه أراد رجل فاسق أن يكابر امرأة عفيفة فقال لها امضي وأغلقي أبواب الدار جميعها واحكمي إغلاقها فمضت المرأة ثم عادت فقالت قد أغلقت سائر الأبواب وأوثقت إغلاقها سوى باب واحد فقال أي الأبواب ذلك الباب فقالت تلك الأبواب التي بيننا وبين الخلق قد أغلقتها وقد بقي الباب الذي بيني وبين الخالق جلت عظمته ما قدرت عليه ولا استطعت أن أغلقه وهو بحاله مفتوح فوقع في نفس هذا لرجل من هذا الكلام الهيبة فأخلص لله التوبة وأقلع عن ذنبه وعاد إلى طاعة ربه الأعلى.
حكاية مثلها: يقال أنه كان رجل علوي بسمرقند في بعض الأيام قائمًا على باب داره فاجتازت عليه امرأة ذات حسن وجمال وكان الدرب خاليًا فقبض العلوي على زند المرأة وجذبها إلى داخل الدار وهم أن يفسد معها فقالت له المرأة أسألك مسألة اجبني عنها وافعل ما بدا لك فقال اذكري ما تريدين فقالت إذا أنت وطئتني حرامًا وحبلت منك وولدت ولدًا هل يكون ذلك الولد علويًّا أو خبيثًا عاميًّا فقال إنه يكون علويًّا فقالت المرأة لا شك أنك أنت من خبيثي العلويين ولو لم تكن خبيثًا لم تفعل مثل هذا فخجل العلوي في الحال ورفع يده عنها ونذر على نفسه لله نذرًا أنه لا يعود ينظر إلى امرأة محرمة عليه نظرة فساد. وينبغي أن يكون الرجل صاحب حمية وغيرة على حرمه وناسه فإن الحمية من الدين إلى حد أنه لا يجوز للرجل الأجنبي أن يسمع دق المرأة الأجنبية بالهاون وإذا دق رجل أجنبي باب الدار فلا يحل للمرأة أن تجيبه بلين وسهولة لأن قلوب الرجال تتعلق بأقل الأشياء وأكثرها وإن كان لابد للمرأة أن تجيبه فلتضع أصبعها في فمها ولتجبه ليصير صوتها شبيهًا بصوت العجائز ولا يجوز للنساء أن ينظرن إلى الرجال الأجانب ولو كان المنظور أعمى. وجاء في الخبر إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل إلى بيت عائشة رضي الله عنها فرأى عبد الله بن أم مكتوم قاعدًا النساء فقال يا عائشة لا يحل للمرأة أن تقعد عند غير ذي محرم فقالت يا رسول الله إنه أعمى فقال إن كان لا يراك فانك تريه.
حكاية: يقال أن الحسن البصري رحمة الله عليه قصد زيارة رابعة العدوية رضي الله عنها في جماعة من أصحابه فلما وصلوا الباب قالوا أتأذنين لنا في الدخول فقالت تمهلوا ساعة وجعلت الكساء بينها وبينهم سترًا وأذنت لهم فدخلوا وسلموا عليها فأجابتهم من وراء الستر فقالوا لم علقت بيننا وبينك سترًا فقالت أمرت بذلك في قوله تعالى: {فَاسألَوُهِن مِن وَراَء حِجَابِ} وواجب على الرجل أن لا ينظر إلى امرأة أجنبية بحال فإنه قبل أن يجازي به في الآخرة يجازي به في الدنيا كما جاء في الحكاية.
حكاية: كان بمدينة بخارى رجل سقاء يحمل الماء إلى دار رجل صائغ مدة ثلاثين سنة وكان لذلك الصائغ زوجة في نهاية الحسن والجمال والظرف والكمال، معروفة بالديانة، موصوفة بالستر والصيانة. فجاء السقاء على عادته يومًا وقلب الماء في البات وكانت المرأة قائلة في وسط الدار فدنا منها واخذ بيدها ولواها وفركها وعصرها ثم مضى وتركها. فلما جاء زوجها من السوق قالت له أريد أن تعرفني أي شيء صنعت اليوم في السوق لم يكن لله تعالى فيه رضا فقال الرجل ما صنعت شيئًا فقالت المرأة إن لم تصدقني وتعرفني فلا أقعد في بيتك ولا تعود تراني ولا أراك فقال اعلمي أن في يومنا هذا أتت امرأة إلى دكاني فصنعت لها سوارًا من ذهب فأخرجت المرأة يدها ووضعت السوار في ساعدها فحيرت من بياض يدها وحسن زندها فتذكرت هذا المثنوي.
فِي سَاعِدِهَا سُوارُ تِبرِ وأرَى ** كنَارَ يَلُوحُ فَوَقَ ماءٍ جَارِي

هل يَخطُر فِي هَواجِسِ الأفَكارِ ** ماء ولهُ منَطقَه مِن نَارِ

ثم أخذت يدها فعصرتها ولويتها فقالت المرأة الله أكبر لم فعلت مثل هذا الحال؟ لا جرم أن ذلك الرجل الذي كان يدخل البيت منذ ثلاثين سنة ولم نر منه خيانة أخذ اليوم يدي فعصرها ولواها فقال الرجل الأمان أيتها المرأة مما بدا مني فاجعلني في حل فقالت المرأة الله المسئول أن يجعل عاقبة أمرنا إلى خير فلما كان من الغد جاء الرجل السقاء اجعليني في حل فإن الشيطان أضلني وأغواني فقالت المرأة امض في حال سبيلك فأن ذلك الخطأ لم يكن منك وإنما كان من ذلك الشخص صاحب الدكان فاقتص الله منه في الدنيا. وكذلك ينبغي أن تكون المرأة مع زوجها ظاهرها وباطنها واحد وتقنع معه بالقليل إن لم يقدر على الكثير وتقتدي بعائشة وفاطمة رضي الله عنهما من أهل الجنة كما جاء في الحكاية.
حكاية: كانت فاطمة رضي الله عنها تطحن الجاروشة إلى أن أدمت أناملها فشكت ذلك في بعض الأيام إلى بعلها علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فقال قولي لأبيك يبتع لك خادمة فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت يا رسول الله إني مفتقرة إلى خادمة تعينني على أشغالي وتحمل عني بعض أثقالي فقال عليه الصلاة والسلام: «ألا أعلمك ما هو خير لك من خادم وأعز من سبع سموات وسبع أرضين» فقالت يا رسول الله علمني فقال صلى الله عليه وسلم إذا أردت فقولي قبل منامك ثلاث مرات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. وفي الأخبار أنهم لم يكن لهم في البيت إلا كساء كانوا إذا غطوا به رؤوسهم انكشفت أرجلهم، وفي الليلة التي كانت فاطمة عروسًا وزفت إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان تحتها جلد شاة وكانا ينامان عليه وما كان لفاطمة من متاع البيت سوى كساء ومخدة من أدم حشوها ليف لا جرم ينادي لها يوم القيامة يا أهل الموقف غضوا أبصاركم حتى سيدة النساء فاطمة الزهراء.
والمرأة تعز عند زوجها وتنو محبتها في قلبه بإكرامها له وطاعتها لأمره وقت خلوته ومجامعته لها وبحفظها منافعه واجتنابها مضاره وتربيتها ولده واكتنافها في بيته وقلة خروجها من خدرها وأن تكون عنده كاتمة للسر محتملة للأمر وأن تحفظ وقت طعامه ومهما علمت أن يشتهيه اصطنعته بطلاقة وجه وبشر وأن لا تكلفه حاجة ثقيلة وأن لا تكون لجوجة وأن تستر نفسها عند منامها وأن تحفظ سر زوجها في غيبته وحضوره.
قال صاحب الكتاب وواجب على الرجال أن يؤدوا حق النساء العورات وأن يتحفظوا بهن من وجه الرحم والإحسان والمدارة ومن أحب أن يكون مشفقًا على زوجته رحيمًا لها فليذكر عشرة أشياء من أحوالها لينصفها بها. أولها أن المرأة لا تقدر أن تطلقه بغير إذن وهو قادر على ذلك متى شاء، وأنها لا تقدر إن تأخذ شيئًا بغير إذنه وهو يقدر على ذلك، وأنها ما دامت في حباله لا تقدر على زوج سواه وهو يقدر على الزواج عليها، وأنها لا يجوز لها أن تخرج من البيت بغير إذنه وهو يجوز له ذلك، وأنها لا يمكنها أن تعزي وهو يمكنه ذلك، وأنها تخاف منه وهو لا يخافها، وأنها تفارق أمها وأباها وجميع أقاربها، وإنها تخدمه دائمًا وهو لا يخدمها دائمًا، وإنها تتلف نفسها إذا كان مريضًا وهو لا يغتم لو ماتت. فلهذه الوجوه التي ذكرناها يجب على العقلاء أن يكونوا رحماء على النساء ولا يظلمونهن ولا يجوروا عليهن فإن المرأة أسير الرجل ويجب على الرجال مداراة النساء لنقص عقولهن وبسبب نقص عقولهن لا يجوز لأحد أن يتدبر برأيهن ولا يتلفت إلى أقوالهن ومن اعتمد على آرائهن ودبر نفسه بمشورتهن كان كما جاء في الحكاية.
حكاية: يقال أن خسرو بن أبرويز كان يحب أكل السمك فكان يومًا جالسًا وشيرين معه فجاء الصياد ومعه سمكة كبيرة فأهداها لخسرو ووضعها بين يديه فأعجبته فأمر له بأربعة آلاف درهم فقالت شيرين بئس ما فعلت فقال ولم فقالت لأنك إذا أعطيت أحدًا من حشمك بعد هذا مثل هذه العطية احتقرها وقال أعطاني مثل ما أعطى الصياد فقال الملك لقد صدقت ولكن يقبح بالملك استرجاع ما وهبه وقد فات ذلك الأمر فقالت شيرين أنا أدبر هذا الحال فقال وكيف ذاك فقالت تدعو الصياد وتقول له هذه السمكة ذكر أم أنثى فإن قال أنثى فقل إنما أردت ذكرًا وإن قال ذكر فقل إنما أردت أنثى فنودي الصياد وكان ذا ذكاء وفطنة فقال خسرو هذه السمكة ذكر أم أنثى فقبل الصياد الأرض وقال أدام الله إقبال الملك هذه السمكة خنثى لا ذكر ولا أنثى فضحك خسرو من كلامه وأمر له بأربعة آلاف درهم أخرى فمضى الصياد إلى الخازن وقبض منه ثمانية آلاف درهم ووضعها في جراب كان معه وحملها على كاهله وهم بالخروج فوقع من الجراب درهم واحد فوضع الصياد الجراب عن كاهله وانحنى على الدرهم والملك وشيرين ينظران إليه فقالت شيرين لخسروا أرأيت إلى خسة هذا الصياد وسفالته سقط منه درهم واحد فألقى عن عنقه ثمانية آلاف درهم وانحنى على ذلك الدرهم فأخذه ولم يسهل عليه أن يتركه فكان يأخذه بعض غلمان الملك فحرد خسرو من ذلك ثم أعاد الصياد إليه وقال له يا ساقط الهمة ألست بإنسان وضعت مثل هذا المال عن عنقك لأجل درهم واحد وأسفت أن تتركه فكان يتبلغ به بعض الصعاليك فقبل الصياد الأرض وقال أطال الله إقبال الملك لم أرفع ذلك الدرهم لخطره عندي وإنما رفعته عن الأرض لأن على أحد وجهيه اسم الملك وعلى وجهه الآخر صورته فخشيت أن يجيء أحد بغير علم فيضع قدمه عليه فيكون ذلك استخفافًا باسم الملك وصورته فأكون أنا المأخوذ بهذا الذنب فعجب خسرو من كلامه وأمر له بأربعة آلاف درهم أخرى فعاد الصياد ومعه اثنا عشر ألف درهم وأمر خسرو مناديًا ينادي لا يتدبر أحد برأي النساء فإن من تدبر بآرائهن أو ائتمر بمشورتهن خسر درهمه درهمين.
قال صاحب الكتاب رضي الله عنه عمارة الدنيا وتناسل بني آدم بالنساء والعمارة لا تصح بغير رأي وتدبير وقيل شاورهن وخالفوهن ويجب على الرجل الفاضل المتيقظ أن يحتاط في خطبة النساء وطلبهن وليزوج البنت لا سيما إذا بلغت لئلا يقع في الغدر والعيب ومرض الروح وتعب القلب. وعلى الحقيقة كلما ينال الرجل من البلاء الهلاك والمحن فبسبب النساء كما قال الشاعر:
مِن فِتنَةِ النِسوانِ قَد يَعصِي الَفتَى ** الرحَمَن أو يَخشَى مِن السُلطَانِ

اللصُ لولاهِن لَم يك بَائِعاً ** لِلُروحِ مِنه بِأرخَصِ الأثمَانِ

مِنُهن قَرَعَ آدَمُ معَ يُوسِفُ ** فِي مُحكَمِ التَنزِيلِ بِالعُصَيانِ

وكذاَك هَارُوت بِبَابِلِ مُنَكَسُ ** ومُعلَقُ بِالشِعرِ فِي جَذعَانِ

مَجنُونُ عَامِرِ هَامَ مِن أجلِ النِسَا ** فِي السِندِباَد عَجَائبُ النِسوانِ

كُل البلا منِهُن يأتِي والوفَا ** مِنهُن لا يأتِي مَدى الأزمَانِ