فصل: الباب الثاني: في سياسة الوزارة وسيرة الوزراء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التبر المسبوك في نصيحة الملوك (نسخة منقحة)



.فصل: (إذا وقعت الرعية في ضائقة حصلت شدة أو فاقة):

يجب على السلطان أنه متى وقعت رعيته في ضائقة أو حصلوا في شدة وفاقه أن يعينهم لا سيما في أوقات القحط وغلاء الأسعار حيث يحجزون عن التعيش ولا يقدرون على الاكتساب فينبغي حينئذ للسلطان أن يعينهم بالطعام ويساعدهم من خزائنه بالمال ولا يمكن أحدًا من حشمه وخدعه وأتباعه أن يجور على رعيته لئلا يضعف الناس وينتقلوا إلى غير ولايته، ويتحولوا إلى سوى مملكته، فينكسر ارتفاع السلطان، ويقل حاصل اليوان، وتعود المنفعة على ذوي الاحتكار، الذين يسرون بغلاء الأسعار، ويقبح ذكر الملك ويدعى عليه ولأجل هذا كان الملوك المتقدون يحذرون من هذا غاية الحذر ويراعون الرعايا من خزائنهم، ويساعدونهم من ذخائرهم ودفائنهم.
حكاية: يقال أنه كان رسم ملوك العجم أن يأذنوا لرعاياهم في الدخول إليهم في أيام النوروز والمهرجان وكان المنادي ينادي قبل ذلك بثلاثة أيام أن استعدوا لليوم الفلاني ليأخذ كل من الناس أهبته، ويصلح أمره ويكشف قصته، ويتيقن حجته، ومن كان له خصم يعلم أنه يتألم منه عند الملك طلب رضاه فإذا كان ذلك اليوم وقف المنادي على باب الملك ونادى أن منه إنسان إنسانًا من الدخول على الملك كان الملك بريئًا من دمه ثم كانت تؤخذ القصص من الناس وتوضع بين يدي الملك وكان ينظر في كل واحدة منها على الانفراد وموبذان قاعد عن يمينه وموبذان بلسإنهم قاضي القضاة وإن كان في القصص قصة يتألم فيها من الملك قام الملك من مقامه وبرك بين يدي موبذان مقابل خصمه وقال أنصف أولًا هذا الرجل مني ولا تخلد إلى الميل والمحاباة ولا تخترني عن نفسك لأن الله إذا أهدى الحظوظ إلى عباده اختار لهم وولى عليهم خير خلقه وإذا أراد أن يرى عباده أي قدر لذلك الخليفة عنده أطلق على لسانه ما لم يطلق على لسانك ثم كان ينظر الموبذان فإن كان بين الملك وخصمه دعوى صحيحة وقامت البينة على الملك أخذ الحق منه بتمامه وكماله، وإن لم يكن بين الملك وخصمه دعوى صحيحة وكانت دعواه باطلة لا يثبت على صحتها حجة أمر بعقوبة ونادى عليه هذا جزاء من يريد عيب الملك والمملكة وكان الملك إذا فرغ من الدعاوي واستوى على سرير ملكه وضع التاج على مفرقه وأقبل على جماعته وخاصته وقال إنما أنصفت من نفسي لئلا يطمع أحد منكم في الظلم والجور على أحد فلك من كان له منكم خصم فليرضه وكان يبعد في ذلك اليوم كل من كان قريبًا منه ومن كان قويًّا ضعف عنده وكانت الملوك على هذا السبيل وعلى هذا المذهب إلى أيام يزدجرد الأثيم فانه عبر قواعد بني ساسان وظلم الخلق وافسد حتى جاء في بعض الأيام فرسه في غاية الجودة والكمال بحيث أنه لم ير أحد في ذلك الزمان مثله في حسن خلقته، وجمال هيئته، فدخل من باب الدار واجتهد جميع من في عسكره أن يلزموه فامتنع منهم ولم يقدروا على إمساكه حتى وصل قريبًا من يزدجرد فوقف إلى جانب الإيوان ساكنًا فقال يزدجرد تنحوا عن هذا الفرس فلا يقربه أحد منكم فإنه هدية من الله تعالى خاصة لي فنهض من مكانه وجعل يمسح وجهه قليلًا ثم أمر يده على ظهر الفرس والفرس ساكن لا يتحرك فاستدعى يزدجرد السرج فأسرجه بيده وجذب حزامه وأوثقه وانحرف نحو كفله ليضع التفر فيه فرفسه الفرس على فؤاده رفسة محكمة فخر ميتًا في الحال وخرج الفرس ولم يعلم أحد من أين جاء ولا إلى أين ذهب فقال الناس كان هذا الفرس ملكًا أرسله الله تعالى ليهلكه ويخلصنا من جوره وظلمه.
حكاية: قال القاضي أبو يوسف حضر عندي في مجلس حكمي يحي ابن خالد البرمكي مع خصم له مجوسي فادعي المجوسي عليه فطلب منه الشاهد فقال مالي شاهد فحلفه فحلفت يحي بن خالد وأرضيت خصمه بأحلافه وساويت في الحكم بين يحيى وبين الجوسي لعزة الإسلام وما ملت قط مع أحد ولا حابيت أحدًا خوفًا أن يسألني الله تعالى عن ذلك بل يجب أن يعرفوا قدر الزعماء والأكابر وينبغي أن لا يظلموا أصاغرهم وإن يعظموا أمر الحق ويطيعوا أمر السلطان ولا يعصوه في حال ليكونوا قد عملوا بقول الله تعالى: {أطيِعُوُا الَلهَ وأطيعُوُا الرَسولَ وأولِي الأمرِ مِنكُم} ومن يجعل الله له هذه المرتبة الشريفة، والدرجة المنيفة، ويقرن طاعته بطاعته جل اسمه وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فالواجب على الخلق أن يطيعوه ويخافوه ويجب على السلطان شكر هذه النعمة والطاعة لربه تعالى وامتثال ما أمره به من العدل والإحسان والرأفة بالمظلومين. فقد قيل احذروا من دعاء المظلومين وخافوا من ظلم من لا ينتصر من ظلمه إلا بدمع عينيه فما دون دعاء المظلوم حجاب، ودعاؤه مستجاب، لا سيما الدعاء في الأسحار، والتضرع في هدوء الليالي إلى الجبار، كما قال الشاعر:
فلا تعجلن بالجُورِ ما دُمتَ قادرًا ** فآخره إثمُ وخوفُ عذابِ

تنامُ وما المظلومُ عنك بنائمِ ** ودعوته لا تنثني بحجابِ

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تأسفت على موت أربعة من الكفار على أنوشروان لعدله وحاتم الطائي لسخائه وامرئ القيس لشعره وأبي طالب لبره».

.الباب الثاني: في سياسة الوزارة وسيرة الوزراء:

اعلم أن السلطان يرتفع ذكره ويعلو قدره بالوزير إذا كان صالحًا كافيًا عادلًا لأنه لا يمكن لأحد من الملوك أن يصرف زمانه ويدير سلطانه بغير وزير ومن انفرد برأيه زل من غير شك. ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم مع جلالة قدره وعظم درجته وفصاحته أمره الله تعالى بالمشاورة لأصحابه العقلاء العلماء فقال عز من قائل: {وشَاوِرِهُم فيِ الأمرِ}. وأخبر في موضع آخر عن موسى عليه السلام: {واجعل لي وزيرًا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري} وإذا لم يستغن الأنبياء عليهم السلام عن الوزراء واحتاجوا إليهم كان غيرهم من الناس أحوج.
سئل أزدشير بن بابك أي الأصحاب أصلح للملك؟ فقال الوزير العاقل المتقن الأمين الصالح التدبير ليدبر معه أمره ويشير إليه بما في نفسه. وعلى السلطان أن يعامل الوزير بثلاثة أشياء.
أحدها: إذا ظهرت منه زلة وجدت منه هفوة لا يعاجله بالعقوبة الثاني: إذا استغنى في خدمته وأينع ظله في دولته لا يطمع في ماله وثروته.
الثالث: إذا سأله حاجة لا يتوقف في قضاء حاجته وينبغي أن لا يمنعه من ثلاثة أشياء وهي متى أحب أن يراه لا يمنعه من رؤيته وأن لا يسمع في حقه كلام مفسد، ولا يكتم عنه شيئًا من سره لأن الوزير الصالح حافظ سر السلطان ومدبر أحوال المملكة وعمارة الولايات والخزائن وزينة المملكة وشدة الهيبة والقدرة وله الكلام على الأعمال واستماع الأجوبة وبه يكون سرور الملك وقمع أعدائه وهو أحق الناس بالاستماع له وتفخيم القدر، وتعظيم الأمر. وقال لقمان لابنه أكرم وزيرك لأنه إذا رآك على أمر لا يجوز أن يوافقك عليه. وينبغي للوزير أن يكون مائلًا في الأمور إلى الخير متوقيًا من الشر وإذا كان سلطانه حسن الاعتقاد، مشفقًا على العباد، كان له عونًا على ذلك وأمره بالازدياد،وإذا كان سلطانه ذا حنق أو كان غير ذي سياسة كان على الوزير أن يرشده قليلًا قليلًا بألطف وجه ويهديه إلى الطريق المحمودة، وينبغي أن يعلم أن دوام الملك بالوزير وأن دوام الدنيا بالملك، وينبغي أن يعلم أنه لا يجوز له أن يهتم بغير الخير ويعلم أنه أول إنسان يحتاج إليه السلطان.
وسئل بهرام جور إلى كم يحتاج السلطان حتى تتم سلطنته وتتكامل بالسرور دولته. فقال إلى ستة من الأصحاب: الوزير الصالح ليظهر إليه سره، ويدبر معه رأيه ويسوس أمره، والفرس الجواد لينجيه يوم الحاجة إلى النجاة والسيف القاطع والسلاح الحصين، والمال الكثير الذي يخف حمله ويثقل ثمنه كالجوهر واللؤلؤ والياقوت، والزوجة الحسناء لتكون مؤنسة لقلبه، مزيلة لكربه، والطباخ الخبير الذي إذا أمسك شيئًا دبره بلطفه.
حكمة: قال أزدشير: حقيق على الملك أن يكون طالبًا لأربعة فإذا وجدهم احتفظ بهم: الوزير الأمين والكاتب العالم، والحاجب المشفق، وإذا كان الكاتب عالمًا دل على عقل الملك ورزانته، وإذا كان الحاجب مشفقًا دل على رضا الملك عن رعيته، ولم يغضب على أهل مملكته، وإذا كان النديم صالحًا دل على انتظام الأمر وصلاحه.
حكمة: قال موبذان في عهد أنوشروان أنه لا يمكن حفظ السلطنة إلا بالأصحاب الناصحين المساعدين ولا ينفع خير الأصحاب إلا إذا كان الملك تقيًا أنه ينبغي أن يكون الأصل جيدًا ثم الفرع، ومعنى تقوى السلطان وصدقه وصحته أن يكون صحيحًا في سائر الأمور يأمر بالصحة بأقواله وأفعاله ليصح بصحته سائر حشمه ورعيته وأن يكون واثقًا بالله تعالى وأن يرى أن قوته وقدرته وظفره بأعدائه ونصرته ووصوله إلى مرداه من الله تعالى وأن لا يعجب بنفسه فإن أعجب خشي عليه الهلاك كما جاء في الحكاية.
حكاية: يقال إن سليمان عليه السلام كان جالسًا على سرير ملكه وقد حملته الريح في الجو فنظر سليمان إلى مملكته وطاعة الإنس والجن وانقيادهم لعظيم هيبته وسياسته فاضطرب السرير وهم بالانقلاب فقال سليما للسرير استقم فنطق السرير وقال استقم أنت حتى نستقيم نحن كما قال عز من قائل: {إن اللهَ لا يُغير ما بقومٍ حتى يُغيروُا ما بأنفسِهمِ} وقال أبو عبيدة في أمثاله (من سلك منهج الجد أمن العثار) ويجب أن يكون الوزير عالمًا عاقلًا شيخًا لأن الشاب وإن كان عاقلًا لا يكون في التجربة كالشيخ والذي يتعلمه الناس من تجارب الأيام لا يتعلم إلا من المشايخ والوزير زين السلطان والزين يجب أن يكون صالحًا طاهرًا من الشين ويحتاج الوزير إلى خمسة أشياء لتحمد خبرته، وتحسن سيرته، التيقظ ليظهر في كل أمر يدخل فيه له وجه المخرج منه، والعلم حتى تتضح له الأمور الحقيقية، والشجاعة حتى لا يخاف من شيء في غير موضع الخوف، والصدق لئلا يعمل مع أحد غير الصحيح وكتمان سر السلطان إلى أن يدركه الموت.
قال أزدشير بابك يجب أن يكون الوزير ساكنًا متمهلًا شجاعًا واسع الصدر حسن المقال مليح الوجه مستحييًا صامتًا حيث يحسن الصمت ومتكلمًا إذا حسن الكلام ومع ذلك يجب أن يكون تقيًا حسن المذهب ليطهر نفسه وينفي عنها كل ما لا يليق ولا بد من حسن الاعتقاد، وينبغي أن يكون ذا تجارب ليسهل الأمور على الملك متيقظًا لينظر عواقب الأمور، ويخاف عليه من تصاريف الدهور ويتحفظ أن يصيبه عيب الزمان وكل ملك كان وزيره له محبًا وعليه مشفقًا كان ذلك الوزير كثير الأعداء وكان أعداؤه أكثر من أصدقائه، ولا يجوز للسلطان أن يسمع في وزيره كلام المحرضين عليه الساعين به إليه ليحسده أصدقاؤه، وتنكبت أعداؤه. ويجب أن يكون الوزير محمود الطريقة حتى إذا رأى في الملك خلة مذمومة غير رشيدة رده إلى العادة المستقيمة الحميدة من غير غلظة شديدة، لأن الملك إذا كان على ما لا يريده وسمع ما يكرهه منه من التقريع عمل شرًا من ذلك، والدليل على ذلك أن البارئ تعالى لما أرسل موسى إلى فرعون بأمره قال عز من قائل: {فقُولا لهُ قولًا لينًا} وإذا كان الحق سبحانه وتعالى أمر نبيه عليه السلام أن يقول لعدوه قولًا لينًا فالناس أجدر أن يلينوا أقوالهم، وإن كان السلطان يخشن كلامه فلا يجوز للوزير أن يحقد بما يريد. وإذا كان الوزير محبًا للملك صحيح المقال، حسن الفعال كان له عونًا على ذلك وأمره بالملازمة لذلك، ولا يجوز أن يعلم الوزير وسائر خاصة الملك إنهم مهما فعلوه من حسن فإن ذلك بإقبال الملك وببركة ظله انفعل فالمنة حينئذ تصلح أن تكون له على الناس، وأعظم فساد ينشأ في دولة الملك يكون من أمرين أحدهما من الوزير الخائن، والثاني من نية الملك الرديئة الفاسدة.
قال أنوشروان شر الوزراء من جرأ السلطان على الحرب وجرأه على القتال في موضع يمكن أن ينصلح الحال بغير حرب لأن الحرب في سائر الأحوال تفني ذخائر الأموال، وفيها تبذل كرائم النفوس ومصونات الأرواح.
وقال أيضًا كل ملك كان وزيره جاهلًا فمثله كمثل الغيم الذي يبدو ويظهر، ولا يندي ولا يمطر.
حكمة: في كتاب وصايا أرسطاطاليس: كل أمر ينقضي على يد غيرك بلا حرب ولا خشونة فهو خير مما تقضيه بيدك.
وترتيب الوزراء إنهم متى أمكنهم أن يحاربوا بالكتب فليحاربوا وإن لم تتأت الأمور بالاحتيال والتدبير فليحتالوا في تأتيها بعطاء الأموال، وبذل الصلات والنوال، ومتى انهزم عسكر عفوا عن جنود الجند ولا يستعجلوا بقتلهم لأنه قد يمكن قتل الأحياء ولا يمكن أحياء القتلى فإن الرجل يصير رجلًا في أربعين سنة ومائة رجل يكون رجل يصلح لخدمة الملوك وإن أسر أحد من الجند من أصحاب الملك كان على الوزير أن يفكه ويفديه ويخلصه ويشتريه ليسمع الجند بصنيعه فتقوى قلوبهم إذا باشروا حروبهم، وعلى الوزير أن يحفظ أرزاق الجند كل إنسان على قدره وإن يدرب الرجال الشجعان بآلات الحرب، وأن يخاطبهم بأحسن كلام ويلين لهم في الخطاب، ويلطف بهم في الجواب، فان الجند قد قتلوا كثيرًا من الوزراء في قديم الأيام، وسالف الأعوام، ومن سعادة السلطان ويمن طالعه وتوحده أن يسهل الله له وزيرًا صالحًا، ومشيرًا ناصحًا. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بأمير خيرًا قيض له وزيرًا نصيحًا صادقًا صبيحًا، إن نسي ذكره وإن استعان به أعانه».
قال المؤلف الكتاب إن الله سبحانه وتعالى يظهر قدرته في كل حين وزمان، ووقت وأوان، ويصطفي جماعة يختارهم من عباده مثل السلاطين والوزراء وأكابر العلماء ليعمر بهم الدنيا.
ومن عجائب الزمان حديث البرامكة الذين لم يوجد لهم في الدنيا نظير في الكرم والعطاء، وبذل المعروف والسخاء. وكان تحت حكمهم الولايات الوافرة المرتفعات وبعد انقراضهم فسدت أحوال الوزراء ولم يبق لخدمة الملوك رونق ولا نضارة إلى أن أوجد الله تعالى بركات آل سلجوق وظل دولتهم إلى النظام وأوصلهم إلى درجة الوزراء المتقدمين وأرفع بحيث أنه لم يبق أحد في الدنيا من أهل الفضل والأدباء، وأبناء السبيل الغرباء، من شريف ووضيع إلا هو مشمول بإحسانهم، مغمور بامتنإنهم ولم يكن أحد من خيرهم محرومًا وإنما ذكرنا هذا ليعلم من يقرأ كتابنا هذا الفرق بين الصالح وغير الصالح.
حكمة: قال بزرجمهر: لا تقاس الأشياء بعضها ببعض لأن جوهر الناس أجل من كل جوهر وإنما زينة الدنيا جميعها بالناس، والباري تعالى لا ينسب إلى الخطأ وهو واهب الصلاح لمن يشاء وأنه يؤتي كل أحد ما يصلح له ويليق به فينبغي أن يكون وزراء الملوك ومدبرو دولتهم على هذه الصفة وأن يحفظوا رسوم المتقدمين وطرائفهم وأن يلتمسوا الأموال التي تؤخذ من الرعية في أوقاتها وأحيانها، وعند وجوبها وإتيانها، وليعرفوا الرسم ويحملوا الرعية بحسب طاقتها وقدرتها، وأن يكونوا في تصيدهم كصائد الكركي لا قاتل العصفور. ولا يجوز أن يحرصوا على تناول أموال المواريث مادام الوارث موجودًا فالطمع في ذلك مشئوم غير جائز ويجب عليهم استمالة قلوب الرعية والحشم، بهبات الفوائد والنعم، ليعلموا أن كفايتهم وسمو مرتبتهم وصلاحهم، منوط بصلاح الرعية ليحسن ذكرهم في الدنيا وينالوا جزيل الثواب في العقبى.