فصل: حكاية لخسرو بن أبرويز

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التبر المسبوك في نصيحة الملوك **


 حكاية

يقال أنه جاء في بعض الأيام رجل الى باب الخليفة المنصور فقال أيها الحاجب أعلم أمير المؤمنين أن بالباب رجلاً من أهل العلم واسمه عاصم وهو يذكر أنه كان في الزمن الماضي بينه وبين أمير المؤمنين صحبة مدة سنة وأكثر بالشام في التعليم والدرس وقد وصل الأن للسلام ولتجديد العهد بالامام‏.‏

فلما عرفه الحاجب أذن له فلما دخل وسلم عليه ثقل قدومه ووصوله على قلب أبي الوانيق لغاثة منطقه وسوء أدبه فأجلسه وسأله وقال له في أي حاجة قدمت فقال لرؤية أمير المؤمنين بوسيلة تلك الصحبة القديمة فأمر له بألف درهم فأخذها الرجل وانصرف ثم عاد بعد سنة أخرى وكان قد مات للمنصور ولد وهو جالس في العزاء فدخل الرجل وسلم عليه ودعا له فقال فيم قدمت قال أنا ذلك الرجل الذي كنت معك في الشام وقد قدمت معزياً برزيتك ومؤدياً حق تعزيتك فأمر له بخمسمائة درهم فأخذها ثم عاد بعد سنة أخرى فلم يجد حجة يحتج بها في الدخول إلا أنه دخل في جملة الناس وسلم فقال له الخليفة لأي سبب وصلت فقال أنا ذلك الرجل الذي كنت معك في الشام في التعليم والدرس وكتابة الأخيار واستماع الأحاديث وكنت قد كتبت معك دعاء الحاجة وان كل من دعا به في حاجة قضى الله حاجته وقد ضاع المنصور لا تتعب في طلب ذلك الدعاء فانه غير أخلص ولو كان مستحباً لتخلصت منك فخجل ذلك الرجل لما سمع هذا الكلام‏.‏

وإنما أوردنا هذه الحكاية لأن الإنسان إذا كان عالماً ولم يكن له عقل سقط جاهه ومرتبته‏.‏

حكاية‏:‏ كان في ذلك العصر وصل رجل من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم الى المنصور بحكم الصداقة التي كانت بينهما قديماً فلما وصل خليفة الزمان قدم عليه ووفد إليه وكان الرجل عاقلاً لبيباً ولم يكن عالماً‏.‏

فلما رآه المنصور قربه وأدناه وأزلفه واستدعاه‏.‏

فقال له الرجل يا أمير المؤمنين أنا محب لك شديد المحبة والولاء مخلص في الطاعة والدعاء غير انني لا أصلح لخدمة الملوك فكيف ينبغي أن أزروك بحيث لا يظهر مني سوء انني لا أصلح لخدمة الملوك فكيف ينبغي أن أزورك بحيث لا يظهر مني سوء أدب فقال المنصور أخر الزيارة وإذا زرتني فاجعل بين زيارتك وانقطاعك مدة إذا غبت فيها لم أنسك وإذا حضرت لم أملك وازدادت محبتك عندي عما كانت عليه أولاً‏.‏

وإذا دخلت فاجلس بعيداً مني حتى يقربك الحاجب بالتدريج ولا تطل جلوسك فتنسب الى سوء الأدب ولا تسأل حاجتك لئلا تثقل على قلبي وإذا أحسنت اليك فاشكرني في كل محلة تحلها ومنزلة تنزل بحيث إذا بلغني سررت بشكرك وازددت في برك ولا تذكر في المجالس ما جرى بيني وبينك في الزمان الماضي‏.‏

فامتثل الرجل هذه الوصايا فكان في كل سنة يمضي الى سلامه مرتين وكان المنصور يعطيه في كل مرة يسلم عليه ألف درهم‏.‏

وانما ذكرت هذه الحكاية ليعلم أن من كان له عقل وان لم يكن عالماً فان عقله يكون له دليلاً ومن كان ذا علم وليس له عقل عادت أموره كلها منعكسة منقلبة ومن كان تام العقل والعلم كان في الدنيا نبياً أو حكيماً أو إماما فان جمال الانسان وعزه ومرتبته وصلاح أحوال دنياه وآخرته بالعقل وتمامه فتتكامل صفاته وأقسامه كما قال الشاعر‏:‏ بِالعَقلِ يَنَالُ المَرءُ أوَجَ البَدرِ والَعقلُ بِه الجَاه وسَامِي القَدرِ والعَقَلُ بِه يُغسَلُ عَارَ الوِزرِ فِي العَقلِ التَاجُ مَع نَفاذِ الأمرِ والعقل أول الإيمان ووسط الإيمان وآخر الإيمان‏.‏

قال بعض القدماء ليس العقل أن الإنسان إذا وقع في أمر اجتهد في حسن خلاصه منه بل العقل ان لا يوقع نفسه في أمر يحتاج الى الخلاص منه‏.‏

حكمة‏:‏ قال أبرويز الملك لولده احفظ الرعية ليحفظك العقل واصرف آفتك عن الرعية ليصرف العقل آفته عنك‏.‏

واعلم انك حكم بين الناس والعقل حكم جليل فكما ينبغي أن يقبل الناس أمرك فكذلك ينبغي أن تقبل أمر العقل‏.‏

حكمة

كتب يونان الوزير كتاباً الى الملك العادل كسرى انو شروان وأدى رسائل في باب العقل وما يأمر به العقل فشكره أنو شروان وأمر الكاتب أن يكتب اليه جواباً وقال أيها الحكيم لقد أحسنت في تأدية رسالة العقل لأننا ومن تقدمنا من الملوك إنما تحلينا بالعقل فكيف يمكننا مخالفته فان العاقل أقرب الناس الى الله تعالى والعقل كالشمس في الدنيا وهو قلب الحسنات والعقل حسن في كل واحد وهو في الأكابر والزعماء أحسن كالرطوبة في الشجرة مادامت طرية رطبة كان الناس من رائحتها ونشر أزهارها وطيب ثمارها ونضارتها وطراوتها في سرور وغيظة ونزهة وفرحة فاذا جفت رطوبتها وقحلت نضارتها فلا تصلح حينئذ لسوى القلع وكذلك الإنسان مادام عقله قويماً وجسمه سليماً صحبته مباركة ومواصلته حسنة نافعة فاذا زال عقله وغلب عليه جهله‏.‏

فحينئذ لا يصلح للحياة ولا يستره غير الوفاة‏.‏

وقال أنو شروان كيف يسعني أن أخالف العقل ولا أفعل ما يامرني به العقل وأنه ليس لملك ولا رعية خير من العقل فان بضيائه يفرق بين المليح والقبيح والجيد والردئ والحق والباطل والصدق والكذب‏.‏

قال بزرجمهر شيئان لا يمكن وجودهما في شخص كاملين العقل والشجاعة‏.‏

حكمة‏:‏ قال لقمان الحكيم مهما كان الرجل عالماً فانه لا ينتفع بعلمه ما لم يكن العقل لعلمه مصاحباً‏.‏

حكمة‏:‏ سأل أنو شروان بزرجمهر من تحب أن يكون أعقل الناس فقال العدو إذا عاداني فقال حمكمة‏:‏ قيل لبزرجمهر أي شيء لا بد للإنسان منه ولا مندوحة له عنه فقال العقل فقيل له ما قدر العقل فقال شيء لا يوجد في الإنسان كاملاً كيف يعرف قدره‏.‏

حكمة

قال بعض الحكماء جميع الأشياء مفتقرة الى العقل والعقل مفتقر الى التجربة ولا غنى أعم من العقل ولا فقر أشد من الجهل وكل من كان علمه أكثر كانت حاجته الى العقل أوفر والمرء في هذا كراع ضعيف معه قطيع كبير يضرب للعالم الذي لا عقل له‏.‏

حكمة‏:‏ قالت العلماء العقل أمير وله جنود وجنوده التمييز والحفظ والفهم‏.‏

وسرور الروح العقل لأن به ثبات الجسم والروح سراج نوره العقل ثم ينبسط في جميع الجسد والعاقل لا يغتم أبداً لأنه لا يفعل ما يوجب الاغتنام ولا يشرع في أمر لا يجوز لمثله الاهتمام به‏.‏

حكمة

سئل ابن عباس العقل أم الأدب فقال لأن العقل من الله تعالى والأدب تلكيف من العبد‏.‏

وسئل عبد الله بن المبارك العقل خير أخ الأدب فقال العقل فقيل له ما العقل فقال العقل تعلم العلم والعمل بالعلم أن تعلم أنه ينبغي أن تعمل والعقل أنك متى علمت عملت‏.‏

وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما قسم الله لعباده خيراً من العقل ونوم العاقل خير من عبادة الجاهل والعاقل المفطر خير من الجاهل الصائم وضحك العاقل خير من بكاء الجاهل‏.‏

حكمة‏:‏ قال رجل لأقليدس لا أستريح أو أتلف روحك فقال أنا لا أستريح أو أخرج الحقد من حكمة‏:‏ قال الحكيم كما تفوح من الميتة الرائحة المكروهة يفوح من الجاهل نتونة الجهل فتضرّ به وبجيرانه وأهله وأقاربه‏.‏

حكمة‏:‏ سئل الحكيم ما العقل فقال سداد وعقد بين ثلاثة وعشرين شيئاً فلولا هذه العقود لاختلط الجيد بالردىء‏.‏

أولاً هو عقد بين التوحيد والشرك وبين الايمان والكفر وبين الحقد والتهور وبين الإسلام والغفلة وبين اليقين والشك وبين العاقبة والبلاء وبين الكرم والبخل وبين حسن الخلق والقباحة وبين التواضع والتكبر وبين الصداقة والعداوة وبين العلم والجهل وبين الحياء والوقاحة وبين الحق والباطل وبين الرزانة والخفة وبين الظلمة والضياء وبين الكرامة والزلة وبين الطاعة والمعصية وبين ذكر الله تعالى والغفلة وبين النصيحة والحسد وبين السنة والبدعة وبين الرحمة والقساوة وبين الحلم والحمق‏.‏

وقال صاحب الكتاب رحمه الله تعالى جميع محاسن الدنيا في العقل وسائر العلوم والأعمال مرجعها الى العقل كما جاء في الحكاية‏.‏

 حكاية

روي أن الريح حملت كرسي سليمان بن داود عليهما السلام وجعلت تسير به فلاح لسليمان بلد فامر الريح أن تحطه فنزل على باب ذلك البلد فرأى على بابه مكتوباً‏:‏ أجرة اجتهاد يوم واحد درهم والحسن والجمال أجرتهما في يوم مائتا مثقال وعلم ساعة واحدة لا تحصى قيمته وجميع الأشياء منوط بالعلم والعلم أسير والتدبير مع العقل توأمان ون آتاه الله العقل فقد آتاه خيراً كثيراً كما قال الشاعر‏:‏ ان كُنتَ مِن أصلِ جُوهَرٍ مَنسوُب أو يُوسف الحَسَن ولدُ يَعقُوب ما أنَت مُجَالسُ بِعقِلكَ المحبُوبِ فِي النَاسِ سِوى مُحقرُ معيوبِ لتعلم أيها الأخ كنه العقل ونفاسته وعلو قيمته فيجب عليك أيها العاقل الحمد والشكر لواهب الشكر الباري جلت قدرته‏.

 الباب السابع في ذكر النساء

خير النساء وأبركهن الحسناء الولود الخفيفة المهر‏.‏

قال عليه الصلاة والسلام ‏(‏عليكم بالمرأة الحرة فإنها أطهر وأبرك‏)‏‏.‏

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ‏(‏التجئوا الى الله عز وجل من شرار النساء واحذورا خيارهن‏)‏‏.‏

قال صاحب الكتاب من أراد صلاحه وتدبيره ولم يجد المرأة الحسناء يلهو بها فعليه بالمرأة الدينة فذات الدين خير وأبرك وإذا جاءت الديانة أتى المال وكان أبرك لأن المرأة لا دين لها فما لها أصل لا معها بركة وببركة الديانة يوجد كل خير كما في حكاية‏:‏ كان بمدينة مرو رجل اسمه نوح بن مريم وكان رئيس مرو وقاضيها وكان له نعمة كبيرة وحال موفورة وكانت له ابنة ذات حسن وجمال وبهاء وكمال قد خطبها جماعة من الأكابر والرؤساء وذوي النعمة والثروة فلم ينعم بها لأحد منهم وتحير في أمرها ولم يدر لأيهم يزوجها وقال ان زوجتها لفلان أسخطت فلاناً وكان له غلام هندي تقي اسمه مبارك وكان له كرم عامر الأشجار والفاكهة والثمار‏.‏

فقال للغلام أريد أن تمضي وتحفظ الكرم لينظره فقال له يا مبارك ناولني عنقود عنب فناوله عنقوداً من العنب فوجده حامضاً فقال له سيده أعطني غير هذا فناوله عنقوداً حامضاً فقال له سيده ما السبب في أنك لا تناولني من هذا الكثير غير الحامض فقال لأني لا أعلم أحامض هو أم حلو فقال له سيده سبحان الله لك في هذا الكرم شهر كامل ما تعرف الحامض من الحلو فقال وحقك أيها السيد انني ما ذقته ولم أعلم أحامض أم حلو فقال له لم لا أكلت منه فقال لأنك أمرتني بحفظه ولم تأمرني بأكله فما كنت أخونك فعجب القاضي منه فقال له حفظ الله عليك أمانتك وعلم القاضي أن الغلام غزير العقل فقال له القاضي أيها الغلام قد وقع لي رغبة فيك وينبغي أن تفعل ما آمرك به فقال الغلام أنا مطيع لله ولك فقال القاضي‏:‏ إعلم أن لي بنتاً جميلة وقد خطبها كثير من الرؤساء والتقدمين ولا أعلم لمن أزوجها فأشر علي بما ترى فقال الغلام‏:‏ إن الكفار في زمن الجاهلية كانوا يريدون الأصل والنسب والبيت والحسب واليهود والنصارى يطلبون الحسن والجمال وفي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الناس يطلبون الدين والتقى‏.‏

أما وفي زماننا هذا فالناس يطلبون المال فاختر من هذه الأربعة ما تريد فقال القاضي قد اخترت الدين والأمانة وجربت منك العفة والصيانة‏.‏

فقال الغلام أيها السيد أنا عبد رقيق هندي أسود أبتعتني بمالك كيف تزوجني بإبنتك وترضاني فقال له القاضي قم بنا إلى البيت لندبر هذا الأمر فلما صارا الى المنزل قال القاضي لزوجته اعلمي أن هذا الغلام الهندي دين تقي وقد رغبت في صلاحه وأريد أن أزوجه ابنتي فما تقولين فقالت الأمر إليك ولكن أمضي الى الصبية وأخبرها وأعيد عليك جوابها فجاءت المرأة الى الصبية وأدت إليها رسالة أبيها فقالت مهما أمرتماني به فعلته ولا أخرج من تحت حكمكما ولا أعاندكما بالمخالفة بل أبركما فزوج القاضي ابنته بالمبارك واعطاهما مالاً عظيماً فأولدها المبارك ولداً وسماه عبد الله وهو معروف في جميع العالم وهو عبد الله بن المبارك صاحب العلم والزاهد ورواية الأحاديث فما دامت الدنيا يحدث عنه يروى‏.‏

نعم أيها الأخ إذا تزوجت فاطلب ذات الدين ولا تطلب ذات الصيت والمال فإن المال يعود وبالاً ولا تعطيكه المرأة وإذا أردت أن تطلب زوجة فلا تطلبها وتخطبها لأجل بلوغ الشهوة وارغب فيها بنية أنها دينة وصالحة لتكون في خدرك وطاعتك وتكون لك ستراً من النار‏.‏

حكاية

نزل بعبد الله بن المبارك في بعض الأيام عشرة من العلماء ولم يكن عنده ما يضيفهم به وما كان يملك سوى فرس يحج عليها سنة ويغزو سنة فذبح ذلك الفرس وطبخ منه وقدمه بين يدي أضيافه فقالت له زوجته سبحان الله ما كنت تملك سوى هذا الفرس من الدنيا فلم ذبحته فدخل سريعاً الى بيته وأخرج من متاع بيته بقدر مهرها وطلقها في وقته وساعته وقال امرأة تبغض الأضياف لا تصلح لنا فأتاه بعد ذلك بأيام رجل وقال له يا امام المسلمين لي بنت وقد توفيت أمها وهي في كل يوم تمزق دست ثياب حزناً وغماً واليوم تريد أن تقصد مجلسك فقل في تسليتها شيئاً لعل قلبها يرق فلما جلس على المنبر ذكر من هذا الباب ما تسلت به الصبية عن أمها فلما عادت الى البت قالت يا أبت قد تبت ولا أعود أسخط الله تعالى ولكن لي اليك حاجة قال وما حاجتك قالت أنت تقول دائماً أرباب الأحوال وأبناء الدنيا يطلبونك ويخطبونك فناشدك الله لاتزوجني لغير عبد الله بن المبارك فإن كان ماله دنيا فإن لنا دنيا فزوجها أبوها بعبد الله بن المبارك وحمل اليه جهازاً كثيراً ومالاً كبيراً وأنفذ اليه عشرة أفراس ليجاهد عليها في سبيل الله فرأى عبد الله في بعض الليالي في منامه قائلاً يقول ان كنت طلقت من أجلنا عجوزاً فقد أعطيناك صبية بكراً وان كنت ذبحت فرساً واحداً فقد أعطيناك عشرة أفراس وعوضها لتعلم أن الحسنة بعشر أمثالها عندنا ولا يضيع عندنا أجر المحسنين وما عاملنا احد فخسر ولا حكاية‏:‏ حكى أبو سعيد أنه كان في بني اسرائيل رجل صالح وله زوجة دينة تقية ذات رأي وحزم فأوحى الله تعالى الى نبي الزمان أن قل لذلك العبد الصالح أني قدرت له أن يمضي نصف عمره بالغنى ونصفه بالفقر فإن اختار أن يكون غناه في شبيبته اغنيناه وإن اختار أن يكون في شيخوخته قدرنا له ذلك فيسرناه له‏.‏

لما أعلم الرجل ذلك اخبر به زوجته وقال لها قد جاء خطاب من الله تعالى وقص عليه ما سمعه وقال لها ما تريد فقالت له الاختيار اليك فقال الرجل قد رأيت الفقر في الشبيبة فإذا كنت شاباً فقيراً احتملت وصبرت عليه فإذا صرت كبيراً غنياً كان لي ما أتقوت به وأشتغل بطاعة ربي وعبادته فقالت المرأة أيها الرجل إذا كنا في الشبيبة في ضنك ولم نقدر على طاعة ربنا تعالى ولم تصل أيدينا الى فعل الخيرات واعطاء الصدقات فالواجب أن تختار الغنى في زمان الشباب فيكون لنا شباب وغنى وطاعة فنقدر حينئذ على عبادته باجسمامنا وأموالنا فقال الرجل نعم ما رأيت وكذلك نفعل فنزل الوحي على ذلك النبي عليه السلام فقال قل لذلك الرجل إذا آثرت طاعتنا واستفرغت جهدك في عبادتنا واتفقت نيتك ونية زوجتك على طاعتنا فقد قضيت وقدرت أن أقضي جميع عمرك في الغنى وكن أنت وزوجتك على عبادتي ومهما رزقتكما فتصدقا به على بريتي ليكون لكما حظ الدنيا والآخرة‏.‏

قال صاحب الكتاب وما أوردنا هذه الحكاية إلا لتعلم قدر الزوجة الصالحة وما فيها من النعمة من الله تعالى‏.‏

فصل

واعلم أن ديانة المرأة وسترها نعمة من نعم الله تعالى على عباده وهيهات أن يقدر على المرأة العفيفة طامع كما جاء في الحكاية‏.‏

 حكاية

يقال أنه اراد رجل فاسق أن يكابر امرأة عفيفة فقال لها امضي وأغلقي أبواب الدار جميعها واحكمي اغلاقها فمضت المرأة ثم عادت فقالت قد أغلقت سائر الأبواب وأوثقت اغلاقها سوى باب واحد فقال أي الأبواب ذلك الباب فقالت تلك الأبواب التي بيننا وبين الخلق قد أغلقتها وقد بقي الباب الذي بيني وبين الخالق جلت عظمته ما قدرت عليه ولا استطعت أن أغلقه وهو بحاله مفتوح فرقع في نفس هذا لرجل من هذا الكلام الهيبة فاخلص لله التوبة وأقلع عن ذنبه وعاد الى طاعة ربه الأعلى‏.‏

حكاية مثلها

يقال أنه كان رجل علوي بسمرقند في بعض الأيام قائماً على باب داره فاجتازت عليه امرأة ذات حسن وجمال وكان الدرب خالياً فقبض العلوي على زند المرأة وجذبها الى داخل الدار وهم أن يفسد معها فقالت له المرأة أسألك مسألة اجبني عنها وافعل ما بدا لك فقال اذكري ما تريدين فقالت إذا أنت وطئتني حراماً وحبلت منك وولدت ولداً هل يكون ذلك الولد علوياً أو خبيثاً عامياً فقال إنه يكون علوياً فقالت المرأة لا شك أنك أنت من خبيثي العلويين ولو لم تكن خبيثاً لم تفعل مثل هذا فخجل العلوي في الحال ورفع يده عنها ونذر على نفسه لله نذراً أنه لا يعود ينظر الى امرأة محرمة عليه نظرة فساد‏.‏

وينبغي أن يكون الرجل صاحب حمية وغيرة على حرمه وناسه فإن الحمية من الدين الى حد أنه لا يجوز للرجل الأجنبي أن يسمع دق المرأة الأجنبية بالهاون وإذا دق رجل أجنبي باب الدار فلا يحل للمرأة أن تجيبه بلين وسهولة لأن قلوب الرجال تتعلق بأقل الأشياء وأكثرها وان كان لابد للمرأة أن تجيبه فلتضع أصبعها في فمها ولتجبه ليصير صوتها شبيهاً بصوت العجائز ولايجوز للنساء أن ينظرن الى الرجال الأجانب ولو كان المنظور أعمى‏.‏

وجاء في الخبر إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل الى بيت عائشة رضي الله عنها فرأى عبد الله بن أم مكتوم قاعداً النساء فقال يا عائشة لا يحل للمرأة أن تقعد عند غير ذي محرم فقالت يا رسول الله إنه أعمى فقال ان كان لا يراك فانك تريه‏.‏

 حكاية

يقال أن الحسن البصري رحمة الله عليه قصد زيارة رابعة العدوية رضي الله عنها في جماعة من اصحابه فلما وصلوا الباب قالوا اتأذنين لنا في الدخول فقالت تمهلوا ساعة وجعلت الكساء بينها وبينهم ستراً وأذنت لهم فدخلوا وسلموا عليها فأجابتهم من وراء الستر فقالوا لم علقت بيننا وبينك ستراً فقالت أمرت بذلك في قوله تعالى‏:‏ ‏{فَاسألَوُهِن مِن وَراَء حِجَابِ‏}‏ وواجب على الرجل أن لا ينظر الى امرأة أجنيبة بحال فإنه قبل أن يجازي به في الآخرة يجازي به في الدنيا كما جاء في الحكاية‏.‏

حكاية

كان بمدينة بخارى رجل سقاء يحمل الماء الى دار رجل صائغ مدة ثلاثين سنة وكان لذلك الصائغ زوجة في نهاية الحسن والجمال والظرف والكمال معروفة بالديانة موصوفة بالستر والصيانة‏.‏

فجاء السقاء على عادته يوماً وقلب الماء في البات وكانت المرأة قائلة في وسط الدار فدنا منها واخذ بيدها ولواها وفركها وعصرها ثم مضى وتركها‏.‏

فلما جاء زوجها من السوق قالت له أريد أن تعرفني أي شيء صنعت اليوم في السوق لم يكن لله تعالى فيه رضا فقال الرجل ما صنعت شيئاً فقالت المرأة ان لم تصدقني وتعرفني فلا أقعد في بيتك ولا تعود تراني ولا أراك فقال اعلمي أن في يومنا هذا اتت امرأة الى دكاني فصنعت لها سواراً من ذهب فأخرجت المرأة يدها ووضعت السوار في ساعدها فحيرت من بياض يدها وحسن زندها فتذكرت هذا المثنوي فِي سَاعِدِهَا سُوارُ تِبرِ وأرَى كنَارَ يَلُوحُ فَوَقَ ماءٍ جَارِي ثم أخذت يدها فعصرتها ولويتها فقالت المرأة الله أكبر لم فعلت مثل هذا الحال لا جرم أن ذلك الرجل الذي كان يدخل البيت منذ ثلاثين سنة ولم نر منه خيانة أخذ اليوم يدي فعصرها ولواها فقال الرجل الأمان أيتها المرأة مما بدا مني فاجعلني في حل فقالت المرأة الله المسؤول أن يجعل عاقبة أمرنا الى خير فلما كان من الغد جاء الرجل السقاء اجعليني في حل فإن الشيطان أضلني وأغواني فقالت المرأة امض في حال سبيلك فأن ذلك الخطأ لم يكن منك وانما كان من ذلك الشخص صاحب الدكان فاقتص الله منه في الدنيا‏.‏

وكذلك ينبغي أن تكون المرأة مع زوجها ظاهرها وباطنها واحد وتقنع معه بالقليل إن لم يقدر على الكثير وتقتدي بعائشة وفاطمة رضي الله عنهما من أهل الجنة كما جاء في الحكاية‏.‏

 حكاية

كانت فاطمة رضي الله عنها تطحن الجاروشة الى أن أدمت أناملها فشكت ذلك في بعض الأيام الىبعلها علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فقال قولي لأبيك يبتع لك خادمة فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت يا رسول الله إني مفتقرة الى خادمة تعينني على اشغالي وتحمل عني بعض اثقالي فقال عليه الصلاة والسلام ألا أعلمك ما هو خير لك من خادم وأعز من سبع سموات وسبع أرضين فقالت يا رسول الله علمني فقال صلى الله عليه وسلم اذا أردت فقولي قبل منامك ثلاث مرات سبحان الله والحمد لله ولا إله الا الله والله اكبر‏.‏

وفي الأخبار انهم لم يكن لهم في البيت إلا كساء كانوا إذا غطوا به رؤوسهم انكشفت أرجلهم وفي الليلة التي كانت فاطمة عروساً وزفت الى علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان تحتها جلد شاة وكانا ينامان عليه وما كان لفاطمة من متاع البيت سوى كساء ومخدة من أدم حشوها ليف لاجرم ينادي لها يوم القيامة يا أهل الموقف غضوا أبصاركم حتى سيدة النساء فاطمة الزهراء‏.‏

والمرأة تعز عند زوجها وتنو محبتها في قلبه باكرامها له وكاعتها لامره وقت خلوته ومجامعته لها وبحفظها منافعه واجتنابها مضاره وتربيتها ولده واكتنافها في بيته وقلة خروجها من خدرها وأن تكون عنده كاتمة للسر محتملة للأمر وأن تحفظ وقت طعامه ومهما علمت أن يشتهيه اصطنعته بطلاقة وجه وبشر وان لا تكلفه حاجة ثقيلة وان لا تكون لجوجة وان تستر نفسها عند منامها وان تحفظ سر زوجها في غيبته وحضوره‏.‏

قال صاحب الكتاب وواجب على الرجال أن يؤدوا حق النساء العورات وأن يتحفظوا بهن من وجه الرحم والإحسان والمدارة ومن أحب أن يكون مشفقاً على زوجته رحيماً لها فليذكر عشرة أشياء من أحوالها لينصفها بها‏.‏

أولها أ المرأة لا تقدر أن تطلقه بغير اذن وهو قادر على ذلك متى شاء وانها لا تقدر ان تأخذ شيئاً بغير اذنه وهو يقدر على ذلك وانها ما دامت في حباله لا تقدر على زوج سواه وهو يقدر على الزواج عليها وانها لا يجوز لها أن تخرج من البيت بغير إذنه وهو يجوز له ذلك وانها لا يمكنها ان تعزي وهو يمكنه ذلك وانها تخاف منه وهو لا يخافها وأنها تفارق أمها وأباها وجميع أقاربها وإنها تخدمه دائماً وهو لايخدمها دائماً وإنها تتلف نفسها إذا كان مريضاً وهو لايغتم لو ماتت‏.‏

فلهذه الوجوه التي ذكرناها يجب على العقلاء أن يكونوا رحماء على النساء ولا يظلمونهن ولا يجوروا عليهن فإن المرأة أسير الرجل ويجب على الرجال مداراة النساء لنقص عقولهن وبسبب نقص عقولهن لا يجوز لأحد أن يتدبر برأيهن ولا يتلفت إلى أقوالهن ومن اعتمد على آرائهن ودبر نفسه بمشورتهن كان كما جاء في الحكاية‏.‏

 

حكاية

يقال أن خسرو بن أبرويز كان يحب أكل السمك فكان يوماً جالساً وشيرين معه فجاء الصياد ومعه سمكة كبيرة فأهداها لخسرو ووضعها بين يديه فأعجبته فأمر له بأربعة آلاف درهم فقالت شيرين بئس ما فعلت فقال ولم فقالت لأنك إذا أعطيت أحداً من حشمك بعد هذا مثل هذه العطية احتقرها وقال أعطاني مثل ما اعطى الصياد فقال الملك لقد صدقت ولكن يقبح بالملك استرجاع ما وهبه وقد فات ذلك الأمر فقالت شيرين أنا أدبر هذا الحال فقال وكيف ذاك فقالت تدعو الصياد وتقول له هذه السمكة ذكر أم أنثى فإن قال أنثى فقل إنما أردت ذكراً وان قال ذكر فقل إنما أردت أنثى فنودي الصياد وكان ذا ذكاء وفطنة فقال خسرو هذه السمكة ذكر أم أنثى فقبل الصياد الأرض وقال أدام الله إقبال الملك هذه السمكة خنثى لا ذكر ولا أنثى فضحك خسرو من كلامه وأمر له بأربعة آلاف درهم أخرى فمضى الصياد إلى الخازن وقبض منه ثمانية آلاف درهم ووضعها في جراب كان معه وحملها على كاهله وهم بالخروج فوقع من الجراب درهم واحد فوضع الصياد الجراب عن كاهله وانحنى على الدرهم والملك وشيرين ينظران إليه فقالت شيرين لخسروا أرايت إلى خسة هذا الصياد وسفالته سقط منه درهم واحد فألقى عن عنقه ثمانية آلاف درهم وانحنى على ذلك الدرهم فأخذه ولم يسهل عليه أن يتركه فكان يأخذه بعض غلمان الملك فحرد خسرو من ذلك ثم أعاد الصياد إليه وقال له يا ساقط الهمة ألست بإنسان وضعت مثل هذا المال عن عنقك لأجل درهم واحد وأسفت أن تتركه فكان يتبلغ به بعض الصعاليك فقبل الصياد الأرض وقال أطال الله إقبال الملك لم أرفع ذلك الدرهم لخطره عندي وإنما رفعته عن الأرض لأن على أحد وجهيه اسم الملك وعلى وجهه الآخر صورته فخشيت أن يجيء أحد بغير علم فيضع قدمه عليه فيكون ذلك استخفافاً باسم الملك وصورته فاكون أنا المأخوذ بهذا الذنب فعجب خسرو من كلامه وأمر له بأربعة آلاف درهم أخرى فعاد الصياد ومعه اثنا عشر ألف درهم وأمر خسرو منادياً ينادي لا يتدبر أحد برأي النساء فإن من تدبر بآرائهن أو ائتمر بمشورتهن خسر درهمه درهمين‏.‏

قال صاحب الكتاب رضي الله عنه عمارة الدنيا وتناسل بني آدم بالنساء والعمارة لا تصح بغير رأي وتدبير وقيل شاورهن وخالفوهن ويجب على الرجل الفاضل المتيقظ أن يحتاط في خطبة النساء وطلبهن وليزوج البنت لا سيما إذا بلغت لئلا يقع في الغدر والعيب ومرض الروح وتعب القلب‏.‏

وعلى الحقيقة كلما ينال الرجل من البلاء الهلاك والمحن فبسبب النساء كما قال الشاعر‏:‏

مِن فِتنَةِ النِسوانِ قَد يَعصِى الَفتَى ** الرحَمَن َ أو يَخشَى مِن السُلطَانِ

اللصُ لولاهِن لَم يك بَائِعاً ** لِلُروحِ مِنه بِأرخَصِ الأيمَانِ

مِنُهن قَرَعَ آدَمُ معَ يُوسِفُ ** فِي مُحكَمِ التَنزِيلِ بِالعُصَيانِ

وكذاَك هَارُوت بِبَابِلِ مُنَكَسُ ** ومُعلَقُ بِالشِعرِ فِي جَذعَانِ

مَجنُونُ عَامِرِ هَامَ مِن أجلِ النِسَا ** فِي السِندِباَد عَجَائبُ النِسوانِ

كُل البلا منِهُن يأتِي والوفَا ** مِنهُن لا يأتِي مَدى الأزمَانِ