فصل: الباب الثاني في سياسة الوزارة وسيرة الوزراء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التبر المسبوك في نصيحة الملوك **


 حكاية

يقال أن يزدجر بن شهريار دخل على والده في وقت لم يكن لأحد إذن في الدخول فقال شهريار لبهرام أمض وأضرب الحاجب الفلاني ثلاثنين خشبة واطرده عن الدركاه وأقم عوضه فلانا الحر‏.‏

وكان عمر يزدجرد يومئذ ثلاث عشرة سنة فعزل ذلك الحاجب الأول عن الباب فعاد يزدجرد في بعض الأيام وأراد أن يدخل على والده شهريار فجعل الحاجب يده في صدره ورده على عقبه وقال إن عدت ورأيتك ههنا ضربتك ستين خشبة ثلاثين لأجل الحاجب المعزول وثلاثين لئلا تعود تدخل على الملك في غير وقت الآذن وإن كنت ولده لئلا تجلب إلى الضرب والهوان والطرد‏.‏

وأصلح الأشياء للملك أن لا يباشر الأسباب بنفسه ويحفظ ناموسه لأن كثيراً من الأرواح يتعلق بروحه وصلاح الرعية في حياته‏.‏

وكذا ينبغي أن لا يجور على نفسه ولا يجور على الناس‏.‏

ولا ينبغي للملك أن يجازف في الأشغال ولا يتساهل فيها‏.‏

ويجب عليه أن ينيم على فراشه كل ليلة غيره ويتحول بنفسه عن ذلك الموضع حتى إذا قصده عدو لاتلاف نفسه وجد في مكانه غيره فلا تصل يد عدوه إليه كما جاء في الحكاية‏.‏

حكاية

يقال أنه انهزم خسروبن ابرويز من بهرام جور وقال خربت وإن كان هربي عيباً لاخلص بهربي أرواح جماعة من أصحابي لأني إن هلكت بسببي ألوف من الخلائق‏.‏

والمقصود من المقال أن زماننا هذا غير موافق والناس فيه بين قبيح الفعل وعاقل الملوك مشغولون بالدنيا وحب المال ولا يجوز الإهمال والتغافل بين أناس السوء‏.‏

في أمثال العرب ‏(‏العبد يقرع بالعصا والحر تكفيه الإشارة‏)‏ وهذا المثل يضرب في من له أصل ومن لا أصل له وقد كان للناس وقت وزمان يؤمن فيه رجل واحد جميع أهل الدنيا ويسخرهم بدرة كان يحملها على عاتقه وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه والفضل في ذلك الزمان للوقت والرعية مشغولون ولو عوملوا بتلك المعاملة لم يحتملوا ولبدا فيها الفساد‏.‏

لكن ينبغي للسلطان في هذا الوقت أن يكون له أتم سياسة وهيبة ليشتغل كل إنسان بشغله ويأمن الناس بعضهم من بعض‏.‏

ونحن الآن نورد خبراً يستفيد به القارىء والسامع‏:‏ سئل أمير المؤمنين على بن أبى طالب كرم الله وجهه لأي شيء لا تنفع الموعظة هؤلاء الخلق فقال الخبر المعروف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أوصى عند وفاته أشار بأصابعه الثلاث وقال لا تسألوني عن حال أولئك فقال قوم من الصحابة أشار إلى ثلاثة أشهر وقال قوم إلى ثلاث سنين وقال قوم إلى ثلاثين سنة وقال قوم ثلاثمائة سنة يعني إذا مضت ثلاثمائة سنة فلا تسألوني عن حال أولئك الرجال فإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تسألوني عن حال أولئك فكيف ينفع الوعظ فيهم‏.‏

وسئل عن هذا السؤال فقال كان الناس في ذلك الوقت نياماً وكان العلماء أيقاظاً واليوم العلماء نيام والخلق موتى فأي نفع لكلام النائم مع الميت‏.‏

أما زماننا هذا فهو الزمان الذي هلك فيه الخلائق جميعهم وقد خبثت أعمال الناس ونياتهم وإذا لم يكن فيه للسلطان سياسة على الخلائق لا هيبة لم يثبتوا على الطاعة والصلاح‏.‏

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم العدل من الدين وفيه صلاح السلطان وقوة الخاص والعام وفيه يكون خير الرعية وأمنهم وعافيتهم وكل الأعمال توزن بميزان العدل‏.‏

وقال عز وجل في موضع آخر‏:‏ ‏{‏الذي أنزلَ الكِتَابَ بِالحقِِ والمِيزانِ}‏ وأحق الناس بالجاه والمملكة من كان في قلبه مكان للعدل وبيته مقر ذوي الدين والفضل ورأيه من أرباب الدين والعقل وصحبته مع العقلاء ومشورته يدُه خِزَانة جُودِه والقلبُ خازنُ قصدهِ قد رتبًت أبوابهَ أبداً لطلبِ عدلهِ قال الحسن البصرى كل ملك عظم أمر الدين كان عند رعيته مهيباً عظيم القدر والأمر ومن عرف الله تعالى تعرف الخلق به واختاروا أن يكونوا معارفه كما قال الشاعر‏:‏

من عرفَ اللَهُ تعالىَ اسُمَهِ ** آثرَ كُلُ الخلق عرفاتَه

طُوبي لمن أول ما حازهُ ** معرفة الخالق سُبحانه

قال بزر جمهر ينبغي للملك أن لا يكون في مملكته أقل من البستاني ف حفظ بستانه إذا زرع الريحان ونبت بينه الحشيش إستعجل في قلع الحشيش كيلاً يضبط أماكن الريحان‏.‏

قال أفلاطون علامة السلطان لامظفر على العدو أن يكون قوياً في نفسه لازماً لصمته مفكراً في رأيه وتدبيره بقلبه وان يكون عاقلاً في ملكه شريفاً في نفسه حلواً في قلوب الرعية رفيقاً في سائر أعماله مجرباً لعهد من تقدمه خبيراً بأعمال من هو أقدم منه صلباً في دينه وعزمه‏.‏

وكل ملك تجمعت فيه هذه الخلال وحصلت له هذه الخصال كان في عين عدوه مهيباً ولا يجد العائب له معيباً إذا كان الملك يرى أن حوله وقوته بالله جلت قدرته وإن كان عدوه قوياً فإنه يظفر به وينتصر عليه مثاله قول الله عز وجل ‏{‏كم مِن فئةٍ قليلةِ غلبًت فئةً كثيرة بإذنِ اللهِ} والُله مع نكتة‏:‏ قال سقراط الحكيم علامة السلطان الذي يدوم ملكه أن يكون الدين والعقل منه حيين في قلبه ليكون في قلوب الرعية محبوباً وأن يكون العقل قريباً وأن يكون طالباً للعلم ليعلم من العلماء وأن يكون فضله غزيراً وبيته كبيراً ليعظم عند الفضلاء ويربي الأدباء ليتفرع عنه الأدباء وأن يبعد عن مملكته متطلبي العيوب لتبعد عنه العيوب‏.‏

وكل ملك لم يكن له مثل هذه الخصال لا يفرح بمملكته وتسرع إليه دواعي هلكته ويتلف أقرباؤه على يده وجلساؤه لأن القيل يظهر من عدم العقل كما قال الشاعر‏:‏ يقولُ الحكيمُ المقالَ الأسدَ دع المُزح إذ لستُ فيهِ أسدِ تحفظُ بنفسِك مع مُفلتِي ك فعينك للملكِ تجني الحردِ وخف أن تنازعَه مُلكهُ وفي حالةِ السخطِ عنه ابتعدِ سمِعًتُ عن الخمرِ أن المليكَ يسكرُ مِنها قُبيل الأمدِ إشارة وحكمة

سأل معاوية الأحنف بن قيس فقال يا أبا يحيى كيف الزمان فقال الزمان أنتا إن صلحت صلح الزمان وإن فسدت فسد الزمان‏.‏

وقال الأحنف بن قيس أن الدنيا عمرت بالعدل فكذلك تخرب بالجور لأن العدل يصفو نوره وتلوح تباشيره من مسيرة ألف فرسخ والجور يتراكم ظلامه ويسود قتامه من مسيرة ألف فرسخ‏.‏

وقال الفضيل بن عياض لو كان دعائي مستجاباً لم أدع به لغير السلطان العادل لأن السلطان العادل صلاح العباد وزينة البلاد وقد جاء في الخبر عن سيد البشر صلوات الله وسلامه ‏(‏عليه المقسطون على منابر اللؤلؤ يوم القيامة‏)‏‏.‏

حكاية

كان الاسكندر يوماً على تخت مملكته وقد وقع الحجاب فقدم بين يديه لص فأمر فقال أيها الملك سرقت ولم يكن لي شهوة السرقة ولم يطلبها قلبي فقال له الاسكندر لا جرم تصلب ولا يطلب قلبك الصلب ولا يريده فواجب على السلطان أن يعدل وينظر غاية النظر فيما يأمر به من السياسة لينفذ ذلك في أصحابه مثل وزيره وحاجبه ونائبه وعامله لأن كثيراً من سياسة السلطان وعدله ونظره وحسن تأمله يغطي عليه بالبراطيل ويغرب وقته وذلك من تغافل الملك وتهاونه فينبغي أن يجتهد غاية الاجتهاد في تدارك ذلك كما جاء في الحاية‏.‏

حكاية

كان للملك كستاشب وزير اسمه راشت روش وبهذا الاسم كان يظن كستاشب أنه تقي صالح وما كان يسمع فيه كلام أحد يقدح فيه ولم يكن يخبر حاله فقال راشت روش لخليفة الملك أن الرعية قد بطرت الآن من كثرة عدلنا فيهم وقلة تأديبنا لهم وقد قيل إذا عدل السلطان جارت الرعية والآن قد قامت منهم رائحة الفساد ويجب علينا أن نؤدبهم ونزجرهم ونبعد المعتدين ونقرب الصالحين ثم إنه كان كل من ألزمه الخليفة أن يؤدبه ارتشى منه راشت روش وأطلقه إلى أن ضعفت الرعية وضاقت بها الأحوال وخلت الخزائن من الأموال فظهر لكستاشب عدو فاعتبر خزائنه فلم يجد فيها شيئاً يصلح به أمور عسكره فركب يوماً في شغل عليه وسار في البرية فرأى من بعد قطيع غنم فقصده فرأى خيمة مضروبة والأغنام نيام ورأى كلباً مصلوباً فلما قرب من الخيمة خرج إليه شاب فسلم عليه وسأله النزول فأكرمه وقدم بين يديه ما حضر كما وجب فقال كستاشب اخبرنا عن حال هذا الكلب وصلبه قال يا مولانا كان هذا الكلب أميناً لي على أعنامي فصادف ذئبة فكان ينام معها ويقوم معها والذئبة كل يوم تأتي من الغنم رأساً بعد رأس فجاء في بعض الأيام صاحب الموضع وطلب مني حق المرعى فقعدت اتفكر واحسب حساب الغنم وهي تنقص في الحساب ورأيت ذئباً أخذ شاة والكلب ساكت مكانه فعلمت أنه كان سبب تلف الغنم وانه كان يخون أمانته فلزمته وصلبته فاعتبر كستاشب جعل يتفكر في نفسه وقال رعيتنا أغنامنا فيجب أن نسأل نحن أيضاً عنها لنصل إلى حقيقة أمرها فرجع إلى دراه فجعل ينظر في الوزمجات فإذا جميعها شفاعات راشت روش فضرب مثلاً وقال من اغتر بالاسم من ذوي الفساد بقي بغير زاد ومن خان في الزاد بقي بلا روح ثم أمر بصلب الوزير وهذه الحكاية مكتوبة في كتاب بادركارنامه وفيها يقول الشاعر‏:‏ وما أنا بالمُغترِ باسمكِ إنما تسميتُ كي تحَتال في طلبِ الرزقِ حكاية‏:‏ يقال أنه كان لعمرو بن ليث نسيب يعرف بأبي جعفر بن زيدويه وكان عمرو به حفياً ومن جملة محبته له أنه كان يصله من هراة في كل سنة مائة جمل حمر الوبر على كل جمل حمل من الحوائج فانفذ عمرو من كل حاجة حملاً إلى دار أبي جعفر بن زيدويه وقال ليوسع عليه في مطبخه فقيل لعمرو بن ليث أن أبا جعفر قد بطح علاماً له وقد ضربه عشرين خشبة فأمر أن يحضر ثم أمر بكل سيف في خزائنه فقال يا أبا جعفر اختر من هذه السيوف أجودها واعزله ناحية فجعل أبو جعفر يتخير وينتقي إلى أن أفرد منها مائة سيف فقال اختر الآن منها سيفين فاختار أبوجعفر منها سيفين أجودها فقال عمرو ارسم الآن أن يجعلا في قراب واحد فقال أبو جعفر أيها الأمير كيف يمكن أن يكون سيفان في قراب واحد فقال عمرو بن ليث فكيف يمكن أن يكون أميران في بلد واحد فعلم أبو جعفر أنه أخطأ فقبل الأرض والتمس العفو والإقالة فقال عمرو بن ليث لولا حق القرابة ما جئت بيتك فخل عن هذا الأمر لنا فقد عفونا هذه النوبة عنك‏.‏

حكمة

قال ازدشير إذا كان الملك عاجزاً عن اصلاح خواصه ومنعهم عن الظلم فكيف يقدر على رد العوام الى الصلاح قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وأنذر عشيرتك الأقربين‏}‏ فالعرب تقول أنه ليس شيء أضيع للملك وأفسد للرعية من تعذر الإذن في الدخول وتكاثر الحجاب وصعوبة الحجاب‏.‏

وإذا كان الملك سهل الحجاب لم يكن للعمال أن يجوروا على الرعايا وخافت الرعية من جور بعضهم على بعض ومن سهولة الحجاب يكون للملك على الرعية من جور بعضهم على بعض ومن سهولة الحجاب يكون للملك على سائر العمال اطلاع‏.‏

لا يجوز للسلطان أن يكون غافلاً لتكون الهيبة من ناموس المملكة باقية ويستريح من الهموم الحادثة عن الغفلة‏.‏

 حكاية

يقال أن ازدشير كان متيقظاً ذا فطنة بالأمور بحيث إذا جاءه ندماؤه من الغد حدث كل واحد منهم بما صنعه وكان يقول لأحدهم انك البارحة فعلت الشيء الفلاني ونمت مع زوجتك ومع جاريتك الفلانية ويظنون أن ملكاً من السماء يأتي ويعرفه بأفعالهم وكذلك كان السلطان محمود بن سبكتكين رحمه الله‏.‏

حكمة

قال أرسطاطاليس خير الملوك من كان في حدة نظره على مثال العقاب وكان الذين حوله كعقبان لا كالجيف يعني إذا كان السلطان جيد النظر ذا يقظة بالأمور ذا فكرة في العاقبة وكان المقربون منه وخواص دولته بهذه الصفة انتظمت أحوال مملكته واستقامت أمور أهل ولايته‏.‏

حكمة

قال الاسكندر خير الملوك من بدل السنة السيئة بالسنة الحسنة وشر الملوك من بدل السنة الحسنة بالسنة السيئة‏.‏

حكمة

قال أبرويز ثلاثة لا يجوز للملك التجاوز عنهم ولا يصفح عن ذنوبهم‏:‏ من قدح في ملكه أو أفسد حرمه أو أفشى سره‏.‏

قال سفيان الثوري خير الملوك من جالس أهل العلم ويقال أن جميع الأشياء تتجمل بالناس يتجملون بالعلم وتعلو أقدراهم بالعقل وليس شيء خيراً من العقل والعلم فإن العلم بقاء العز ودوامه والعقل بقاء السرور ونظامه‏.‏

ومن اجتمع العلم والعقل فيه فقد اجتمعت فيه اثنتا عشرة خصلة‏:‏ العفة والأدب والتقى والأمانة والصحة والحياء والرحمة وحسن الخلق والوفاء والصبر والحلم والمدارة في مكانها وهذه من خواص آداب الملك‏.‏

وينبغي أن يكون مع العقل العلم كما أن مع النعمة الشكر ومع الصباحة الحلاوة ومع الاجتهاد الدولة فإذا جاءت الدولة حصل المراد جميعه‏.‏

حكاية

قال عبد الله بن ظاهر أن يعقوب بن ليث علا أمره وارتفع قدره وظهر اسمه وذكره وملك كرمان وفارس وخورستان وقصر الواق وكان الخليفة في ذلك الزمان المعتمد فكتب إليه المعتمد انك كنت رجلاً صفاراً فمن أين تعملت تدبير الملك فكتب إليه يعقوب جواباً وقال إن المولى الذي آتاني الدولة آتاني التدبير‏.‏

وفي عهد ازدشير كتوب كل عزيز لا يضع قدمه على بساط العلم كانت عاقبته ذلاً وكل عبد ليس معه خوف من الله تعالى وإن كان تاماً فإن مصيره حكمة‏:‏ قال عبد الله بن طاهر يوماً لأبيه كم تبقى هذه الدولة فينا وتبقى في بيتنا قال مادام بساط العدل والإنصاف مبسوطاً في هذه الإيوان‏.‏

حكمة

كان المأمون قد جلس في بعض الأيام لفصل الدعاوى والأحكام فرفعت إليه فسلم القصة إلى وزيره الفضل بن سهل وقال اقض قصته ارفع هذه القصة في هذه الساعة فإن الفلك في سرعة دروانه قل أن يثبت على حاله‏.‏

قال مؤلف الكتاب يجب على الملوك العقلاء والافاضل الألباء أن ينظروا في هذه الأخبار ليأخذوا نصيباً من أيام دولتهم وينصفوا المظلومين ويقضوا حوائج السائلين ويتيقنوا أن هذا الفلك لا يثبت على دور واحد لأنه لا اعتماد على الدولة وإن القضاء سماوي لا يرد بالعساكر وكثرة الأموال والذخائر وإذا انحلت الدولة وتلاشت الأموال وتفانت الرجال فلا ينفع الندم إذا زلت القدم كما جاء في الحكاية‏.‏

حكاية

أن مروان آخر خلفاء بني أمية عرض العسكر فكان ثلاثمائة ألف رجل بالعدد الكاملة فقال وزيره إن هذا لمن أعظم الجيوش فقال له مروان اسكت فإنه إذا انقضت المدة لم تنفع العدة وإذا نزل القضاء السماوي وإن كان العسكر عظيماً كثيراً بان قليلاً حقيراً ولو ملكنا الدنيا بأسرها فلا بد أن تنزع منا ولمن وفت الدنيا حتى تفي لنا‏.‏

حكمة

قال أبو الحسن الاهوازي في كتاب الفرائد والقلائد الدنيا لا تصفو لشارب ولا تبقى لصاحب فخذ زاداً من يومك لغدك فلا يبقى يوم عليك ولا غد‏.‏

ويقال أنه كان على قبر يعقوب بن ليث مكتوباً هذه الأبيات عملها قبل موته وأمر أن تكتب على قبره وهي هذه‏:‏ سَلامُ عَلىَ أهلِ القُبُورِ الدوارِس كأنُهم لم يجلِسُوا فِي المجَالِسِ ولم يشَربُوا مِن بارِدِ الماءِ شربة ولم يأكلُوا ما بين رطبٍ ويابِسِ فقد جاءنِي الموتُ المهولُ بِسكرةٍ فلم تَغن عنِي ألف آلافِ فارِسِ فياَ زائرُ القبرِ اتعظ واعتبر بِنا ولا تك فِي الدُنيا هُدِيتَ بآنسِ خُرَاسان نحويها وأطرافُ فارسِ وما كُنتَ عن مُلكِ العِراقِ بآيسِ سَلامُ علىَ الدُنيا وطِيبِ نعِيمٍها كأن لم يكُن يعقُوبُ فِيها بِجالسِ سؤال وجواب‏:‏ سئل ملك كان قد زال عنه الملك فقيل لاي سبب انتقلت الدولة عنك وسلمت إلى غيرك وسلبت منك فقال لاغتراري بالدولة والقوة ورضاي برايي وعلمي وغفلتي عن المشورة وتوليتي لآصاغر العمال على اكابر الأعمال وتضييعي الحيلة في وقتها وقلة تفكري في الحيلة وإعمالها وقت الحاجة إليها والتباطؤ والوقفة في مكان العجلة والفرصة والاشتغال عن قضاء الحوائج‏.‏

وقيل أي الاشرار أكثر شراً فقال الرسل الخونة الذين يخونون في الرسالة لاجل اطماعهم فكل خراب المملكة منهم كما قال ازدشير ف يحقهم كم سفكوا من الدماء وكم هزموا من الجيوشن وكم هتكوا من أستار ذوي الحرمات الاحرار وكم من يمين كذبوها بخيانتهم وكم من عهود نقضوها بقلة أمانهم وكم اجتاحوا من الأموال وكان ملوك العجم يتحرزن وما كانوا ينفذون رسولاً إلا بعد أن يجربوه ويمتحنوه‏.‏

حكمة‏:‏ يقال أن ملوك العجم كانوا إذا أرسلوا رسولاً إلى الملوك أرسلوا معه جاسوساً ليكتب ما قال وما سمعه فإذا عاد الرسول قابلوا كلامه بالنسخة التي كتبها الجاسوس فإن صح مقاله علموا أنه صادق فكانوا يرسلونه بعد ذلك إلى الأعداء‏.‏

حكاية

أرسل الاسكندر رسولاً إلى الملك دارا فلما عاد الرسول وأعاد الجواب شك الاسكندر في كلمة من كلامه فلزمها عليه فقال الرسول يا مولاي أنا سمعت هذه الكلمة منه بأذني هاتين فأمر الاسكندر أن يكتب ذلك اللفظ بعينه وأنفذه على يد رسول آخر إلى دارا بن دارا فلما وصل وعرض المكتوب عليه قرأه وطلب سكيناً وقطع تلك الكلمة من الكتاب وأعاده إلى الاسكندر وكتب إليه أن إسّ الملك على حسن نية الملك وصحة طبعه وأساس صحة السلطان على صحة لفظ السفراء وصدق مقالة الرسل الأمناء لأن الرسول يقول ما قاله عن لسان الملك ويسمع ما يسمعه من الجواب بسمع املك والآن فقد قلعت تلك الكلمة من الكتاب لآنها لم تكن من كلامي ولم أجد سبيلاً إلى قطع لسان رسولك فلما عاد الرسول وأعاد الجواب إلى الاسكندر استدعى الرسول وصاح عليه وقال له ويلك من وضعك وقال إنه قصر في حقي وأسخطني فقال اسكندر سبحان الله ظننت أنا أرسلناك لتصلح أمورك أو تسعى في حقوق الناس إلينا ثم أمر به فسل لسانه من قفاه‏.‏

فصل

يجب على السلطان أنه متى وقعت رعيته في ضائقة أو حصلوا في شدة وفاقه أن يعينهم لا سيما في أوقات القحط وغلاء الأسعار حيث يحجزون عن التعيش ولا يقدرون علىالاكتساب فينبغي حينئذ للسلطان أن يعينهم بالطعام ويساعدهم من خزائنه بالمال ولا يمكن أحداً من حشمه وخدعه وأتباعه أن يجور على رعيته لئلا يضعف الناس وينتقلوا إلى غير ولايته ويتحولوا إلى سوى مملكته فينكسر إرتفاع السلطان ويقل حاصل اليوان وتعود المنفعة على ذوي الاحتكار الذين يسرون بغلاء الأسعار ويقبح ذكر الملك ويدعى عليه ولاجل هذا كان الملوك المتقدون يحذرون من هذا غاية الحذر ويراعون الرعايا من خزائنهم ويساعدونهم من ذخائرهم ودفائنهم‏.‏

 حكاية

يقال أنه كان رسم ملوك العجم أنياذنوا لرعاياهم في الدخول إليهم في أيام النوروز والمهرجان وكان المنادي ينادي قبل ذلك بثلاثة أيام أن استعدوا لليوم الفلاني ليأخذ كل من الناس أهبته ويصلح أمره ويكشف قصته ويتيقن حجته ومن كان له خصم يعلم أنه يتألم منه عند الملك طلب رضاه فإذا كان ذلك اليوم وقف المنادي على باب الملك ونادى أن منه إنسان إنساناً من الدخول على الملك كان الملك بريئاً من دمه ثم كانت تؤخذ القصص من الناس وتوضع بين يدي الملك وكان ينظر في كل واحدة منها على الانفراد وموبذان قاعد عن يمينه وموبذان بلسانهم قاضي القضاة وإن كان في القصص قصة يتألم فيها من الملك قام الملك من مقامه وبرك بين يدي موبذموبذان مقابل خصمه وقال انصف أولاً هذا الرجل مني ولا تخلد إلى الميل والمجاباة ولا تخترني عن نفسك لأن الله إذا أهدى الحظوظ إلى عباده اختار لهم وولى عليهم خير خلقه وإذا أراد أن يرى عباده أي قدر لذلك الخليفة عنده اطلق على لسانه ما لم يطلق على لسانك ثم كان ينظر الموبذان فإن كان بين الملك وخصمه دعوى صحيحة وقامت البينة على الملك أخذ الحق منه بتمامه وكماله وإن لم يكن بين الملك وخصمه دعوى صحيحة وكانت دعواه باطلة لا يثبت على صحتها حجة أمر بعقوبة ونادى عليه هذا جزاء من يريد عيب الملك والمملكة وكان الملك إذا فرغ من الدعاوي واستوى على سرير ملكه وضع التاج على مفرقه وأقبل على جماعته وخاصته وقال إنما انصفت من نفسي لئلا يطمع أحد منكم في الظلم والجور على أحد فلك من كان له منكم خصم فليرضه وكان يبعد في ذلك اليوم كل من كان قريباً منه ومن كان قوياً ضعف عنده وكانت الملوك على هذا السبيل وعلى هذا المذهب إلى أيام يزدجرد الاثيم فانه عبر قواعد بني ساسان وظلم الخلق وافسد حتى جاء في بعض الأيام فرسه في غاية الجودة والكمال بحيث أنه لم ير أحد في ذلك الزمان مثله في حسن خلقته وجمال هيئته فدخل من باب الدار واجتهد جميع من في عسكره أن يلزموه فامتنع منهم ولم يقدروا على إمساكه حتى وصل قريباً من يزدجرد فوقف إلى جانب الايوان ساكناً فقال يزدجرد تنحوا عن هذا الفرس فلا يقربه أحد منكم فإنه هدية من الله تعالى خاصة لي فنهض من مكانه وجعل يمسح وجهه قليلاً ثم أمر يده على ظهر الفرس والفرس ساكن لا يتحرك فاستدعى يزدجرد السرج فأسرجه بيده وجذب حزامه وأوثقه وانحرف نحو كفله ليضع التفر فيه فرفسه الفرس على فؤاده رفسة محكمة فخر ميتاً في الحال وخرج الفرس ولم يعلم أحد من أين جاء ولا إلى أين ذهب فقال الناس كان هذا الفرس ملكاً أرسله الله تعالى ليهلكه ويخلصنا من جوره وظلمه‏.‏

حكاية

قال القاضي أبو يوسف حضر عندي ف مجلس حكمي يحي ابن خالد البرمكي مع خصم له مجوسي فادعي المجوسي عليه فطلب منه الشاهد فقال مالي شاهد فحلفه فحلفت يحي بن خالد وأرضيت خصمه بأحلافه وساويت في الحكم بين يحيى وبين الجوسي لعزة الإسلام وما ملت قط مع أحد ولا حابيت أحداً خوفاً أن يسألني الله تعالى عن ذلك بل يجب أن يعرفوا قدر الزعماء والأكابر وينبغي أن لا يظلموا أصاغرهم وإن يعظموا أمر الحق ويطيعوا أمر السلطان ولا يعصوه في حال ليكونوا قد عملوا بقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏أطيِعُوُا الَلهَ وأطيعُوُا الرَسولَ وأولِي الأمرِ مِنكُم‏}‏ ومن يجعل الله له هذه المرتبة الشريفة والدرجة المنيفة ويقرن طاعته بطاعته جل اسمه وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فالواجب على الخلق أن يطيعوه ويخافوه ويجب على السلطان شكر هذه النعمة والطاعة لربه تعالى وامتثال ما أمره به من العدل والإحسان والرأفة بالمظلومين‏.‏

فقد قيل احذروا من دعاء المظلومين وخافوا من ظلم من لا ينتصر من ظلمه إلا بدمع عينيه فما دون دعاء المظلوم حجاب ودعاؤه مستجاب لا سيما الدعاء في الأسحار والتضرع في هدوء الليالي إلى الجبار كما قال الشاعر‏:‏ فلا تعجلن بالجُورِ ما دُمتَ قادراً فآخره إثمُ وخوفُ عذابِ تنامُ وما المظلومُ عنك بنائمِ ودعوته لا تنثني بحجابِ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏تأسفت على موت أربعة من الكفار على أنوشروان لعدله وحاتم الطائي لسخائه وأمرىء القيس لشعره وأبي طالب لبره‏)‏‏.‏

 الباب الثاني في سياسة الوزارة وسيرة الوزراء

اعلم أن السلطان يرتفع ذكره ويعلو قدره بالوزير إذا كان صالحاً كافياً عادلاً لأنه لا يمكن لأحد من الملوك أن يصرف زمانه ويدير سلطانه بغير وزير ومن انفرد برأيه زل من غير شك‏.‏

ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم مع جلالة قدره وعظم درجته وفصاحته أمره الله تعالى بالمشاورة لأصحابه العقلاء العلماء فقال عز من قائل‏:‏ ‏{وشَاوِرِهُم فيِ الأمرِ‏}‏‏.‏

وأخبر في موضع آخر عن موسى عليه السلام‏:‏ ‏{‏واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي اشدد به أزري واشركه في أمري‏}‏ وإذا لم يستغن الأنبياء عليهم السلام عن الوزراء واحتاجوا اليهم كان غيرهم من الناس أحوج‏.‏

سئل ازدشير بن بابك أي الأصحاب أصلح للملك فقال الوزير العاقل المتقن الأمين الصالح التدبير ليدبر معه أمره ويشير اليه بما في نفسه‏.‏

وعلى السلطان أن يعامل الوزير بثلاثة أشياء‏.‏

أحدها‏:‏ إذا ظهرت منه زلة وجدت منه هفوة لا يعاجله بالعقوبة الثاني‏:‏ إذا استغنى في خدمته وأينع ظله في دولته لا يطمع في ماله وثروته‏.‏

الثالث‏:‏ إذا سأله حاجة لا يتوقف في قضاء حاجته وينبغي أن لا يمنعه من ثلاثة أشياء وهي متى أحب أن يراه لا يمنعه من رؤيته وأن لا يسمع في حقه كلام مفسد ولا يكتم عنه شيئاً من سره لأن الوزير الصالح حافظ سر السلطان ومدبر أحوال المملكة وعمارة الولايات والخزائن وزينة المملكة وشدة الهيبة والقدرة وله الكلام على الأعمال واستماع الأجوبة وبه يكون سرور الملك وقمع أعدائه وهو أحق الناس بالاستماع له وتفخيم القدر وتعظيم الأمر‏.‏

وقال لقمان لابنه أكرم وزيرك لأنه إذا رآك على أمر لا يجوز أن يوافقك عليه‏.‏

وينبغي للوزير أن يكون مائلاً في الأمور إلى الخير متوقياً من الشر وإذا كان سلطانه حسن الاعتقاد مشفقاً على العباد كان له عوناً على ذلك وأمره بالازدياد وإذا كان سلطانه ذا حنق أو كان غير ذي سياسة كان على الوزير أن يرشده قليلاً قليلاً بألطف وجه ويهديه إلى الطريق المحمودة وينبغي أن يعلم أن دوام الملك بالوزير وان دوام الدنيا بالملك وينبغي أن يعلم أنه لا يجوز له أن يهتم بغير الخير ويعلم أنه أول إنسان يحتاج إليه السلطان‏.‏

وسئل بهرام جور إلى كم يحتاج السلطان حتى تتم سلطنته وتتكامل بالسرور دولته‏؟‏

فقال إلى ستة من الأصحاب‏:‏ الوزير الصالح ليظهر إليه سره ويدبر معه رأيه ويسوس أمره والفرس الجواد لينجيه يوم الحاجة إلى النجاة والسيف القاطع والسلاح الحصين والمال الكثير الذي يخف حمله ويثقل ثمنه كالجوهر واللؤلؤ والياقوت والزوجة الحسناء لتكون مؤنسة لقلبه مزيلة لكربه والطباخ الخبير الذي إذا أمسك شيئاً دبره بلطفه‏.‏

حكمة

قال ازدشير‏:‏ حقيق على الملك أن يكون طالباً لأربعة فإذا وجدهم احتفظ بهم‏:‏ الوزير الأمين والكاتب العالم والحاجب المشفق وإذا كان الكاتب عالماً دل على عقل الملك ورزانته وإذا كان الحاجب مشفقاً دل على رضا الملك عن رعيته ولم يغضب على أهل مملكته وإذا كان النديم صالحاً دل على انتظام الأمر وصلاحه‏.‏

حكمة

قال موبذان في عهد أنو شروان أنه لا يمكن حفظ السلطنة إلا بالأصحاب الناصحين المساعدين ولا ينفع خير الأصحاب إلا إذا كان الملك تقياً أنه ينبغي أن يكون الأصل جيداً ثم الفرع ومعنى تقوى السلطان وصدقه وصحته أن يكون صحيحاً في سائر الأمور يأمر بالصحة بأقواله وأفعاله ليصح بصحته سائر حشمه ورعيته وأن يكون واثقاً بالله تعالى وأن يرى أن قوته وقدرته وظفره بأعدائه ونصرته ووصوله إلى مرداه من الله تعالى وأن لا يعجب بنفسه فإن أعجب خشي عليه الهلاك كما جاء في الحكاية‏.‏