فصل: فصل في ضرر الأشجار وما يثمر منه وما لا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في ضرر الأشجار وما يثمر منه وما لا:

وَكلُّ ما كَانَ مِنَ الأَشْجَارِ ** جَنْبَ جِدَارٍ مُبْدِيَ انتِشَارِ

(وكل ما كان من الأشجار جنب جدار) أي حذوه حال كونه أي الأشجار (مبدي انتشار) أي آخذاً فيه فهو على قسمين: إما أن يكون الجدار سابقاً على الأشجار أو العكس.
فإنْ يَكن بَعْدَ الْجِدَارِ وُجِدا ** قُطِعَ ما يُؤْذِي الجِدَارَ أَبَدَا

(فإن يكن) الشجر (بعد) بناء (الجدار وجدا) أي غرس (قطع ما يؤذي الجدار) منه (أبدا) من غير خلاف.
وَحَيْثُ كَانَ قَبْلَهُ يُشَمَّرُ ** وَتَرْكُه وَإنْ أضَرَّ الأشْهَرُ

(وحيث كان) الشجر موجوداً (قبله) أي قبل الجدار (يشمر) يقطع أغصانه التي انتشرت على الجدار وأضرت به وهو قول مطرف وعيسى وأصبغ وابن حبيب، واستظهره في البيان وهو المعتمد والمذهب، ووجهه أن الجدار بناه ربه في ملكه فأغصان الشجر الممتدة عليه قد خرجت عن ملك ربها فيجب قطعها لأنها ضرر على من خرجت إليه، ومقابله لابن الماجشون أنها لا تشمر لأن الباني قرب شجرة قد أخذ من حريمها وهو يعلم أن شأن الشجر الانتشار ولم يرجح (خ) واحداً منهما بل قال: ويقطع ما أضر من شجره بجدران تجددت وإلاَّ فقولان. وأما الناظم فشهر الثاني حيث قال: (وتركه) أي التشمير (وإن أضر) الشجر بالجدار هو (الأشهر) وفيه نظر فإن الأشهر هو الأول كما مر لظهور علته وكثرة قائله، ولذا كان لا خصوصية للجدار بم ذكر بل كذلك إذا امتدت أغصانها على أرض جاره فإنه يقطع منها ما أضر بأرضه كما يأتي في قوله: وكل ما خرج عن هواء صاحبه إلخ.
ومَنْ تكُنُ لَهُ بِمِلْكٍ شَجَرَهْ ** أَغْصَانُهَا عاليَةٌ مُنْتَشِرَهْ

(ومن تكن له بملك) أي في ملكه وأرضه (شجرة) من نعتها (أغصانها عالية منتشرة) في هواء ملك ربها لم تخرج عن هوائه محال.
فلاَ كلاَمَ عِنْدَ ذَا لِجَارِها ** لا في ارْتِفَاعِهَا وَلا انْتِشَارِهَا

(فلا كلام عند ذا لجارها لا في ارتفاعها ولا) في (انتشارها) وإن منعته الشمس والريح فلا حجة له كالبنيان يرفعه الرجل في ملكه فيمنع جاره الشمس والريح كما يأتي آخر الفصل بعده.
وَكُلُّ ما خَرَجَ عن هَوَاءِ ** صَاحِبهَا يُقْطَعُ باسْتِوَاءِ

(وكل ما خرج) من أغصانها (عن هواء) أرض (صاحبها) وامتد على أرض جاره فإنه (يقطع) ذلك الخارج فقط (باستواء) وظاهره أنه لا حجة له في قوله: أخاف أن يطرقني أو يتكشف علي منها وهو كذلك، ولكن إذا صعد عليها أنذره بطلوعه ليستتر منه حريمه (خ) عاطفاً على ما لم يمنع فيه وصعود نخلة وأنذر بطلوعه، وهذا إذا كانت نابتة في أرضه فامتدت أغصانها لأرض جاره، وأما لو كانت لك شجرة نابتة في أرضه باعها لك أو خرجت لك بقسمة ونحوها فليس له أن يقطع ما طال وانبسط منها كما قال:
وَإنْ تكن بِمِلْكِ مَنْ لَيْسَتَ لَه ** وَانْتَشَرَتْ حتى أَظَلَّتْ جُلَّهُ

(وإن تكن) شجرة (بملك من ليست له) أي في أرض غيره ملكها بشراء أو هبة (وانتشرت) وعظمت (حتى أظلت جله) أي جل ملك الغير.
فما لربِّ الْمِلْكِ قَطْعُ مَا انْتَشَرْ ** لِعِلْمِهِ بِأَنَّ ذَا شَأَنُ الشَّجرْ

(فما لرب الأرض قطع ما انتشر) منها وإن أضر بأرضه (لعلمه بأن ذا شأن الشجر) قاله ابن القاسم وغيره. وهذا كله في الأغصان، وأما لو كانت له في أرضه شجرة فخرجت عروقها لأرض جاره فنبتت وصارت شجراً مثمراً فإن من نبتت في أرضه مخير بين أن يقلعها أو يعطيه قيمتها مقلوعة إلا أن يكون لصاحب الشجرة منفعة لو قلعها وغرسها بموضع آخر لنبتت فله قلعها وأخذها وإن كانت لا منفعة له فيها ولا مضرة عليه فيها فهي لرب الأرض انظر المواق.
وَالحُكْمُ في الطّريقِ حُكْمُ الجَارِ ** في قَطْعِ ما يُؤْذِي مِنَ الأَشْجَارِ

(والحكم في الطريق) تمتد أغصان الأشجار عليها (حكم الجار في قطع ما يؤذي) المارين في الطريق (من الأشجار) لأن الطريق حبس على سائر المسلمين وذلك يوجب استواء الحكم بينهم وبين الجار، ومفهوم الأشجار أن البناء بالطريق يهدم وإن لم يؤذ المارين ولا ضيقها عليهم (خ): ويهدم بناء بطريق ولو لم يضر إلخ. نعم لا بأس بالروشن والساباط فوق الطريق النافذة لمن له الجانبان حيث رفع على رؤوس الراكبين ولم يظلماها كما قال (خ) أيضاً: وروشن وساباط لمن له الجانبان بسكة نفذت، وتقدم ما في ذلك عند قول الناظم: كالفرن والباب وكذا من ملك جانبي النهر فله أن يبني ساباطاً فوقه وليس للسطان منعه ولا حجة له في أن الوادي له نقله (م).

.فصل في مُسْقط القيام بالضرر:

على المشهور بأنه يحاز بما تحاز به الأملاك.
وَعَشْرَةُ الأَعْوَامِ لامْرِئ حَضَرْ ** تَمْنَعُ إنْ قَامَ بِمُحْدِثِ الضَّرَرْ

(وعشرة الأعوام) مضت (لامرئ) رشيد (حضر) إحداث ضرر عليه عالماً به ساكناً بلا عذر (تمنع) الحاضر المذكور (إن قام) بعدها (بمحدث) بفتح الدال (الضرر) من إضافة الصفة للموصوف أي الضرر المحدث، وفهم منه أنه إذا كان غائباً أو مضت عليه أقل من عشرة أو كان محجوراً مولى عليه أو صغيراً أي غير عالم أو غير ساكت أو كان له عذر له في سكوته من سطوة ونحوها فهو على حقه، ولو طالت المدة حتى تمضي عشر سنين من قدومه من الغيبة وزوال الحجر وحصول العلم ونحو ذلك.
وَذَا بهِ الْحُكْمُ وبالْقِيَامِ ** قدْ قِيل بالزائِدِ في الأَيَّامِ

(وذا) القول الذي قال يسقط حقه بمضي العشرة وهو قول ابن القاسم وأشهب وابن نافع و(به الحكم) وعليه العمل كما في المعيار عن ابن رشد، ومثله في التبصرة وغيرها، ومقابله لأصبغ أنه لا يسقط حقه إلا بالعشرين سنة ونحوها وهو معنى قوله: (وبالقيام قد قيل بالزائد) على العشرة (في الأيام) الكثيرة إلى عشرين سنة ونحوها، فيسقط حقه حينئذ وغايته أنه أطلق جمع القلة على جمع الكثرة وهو كثير في العربية كما في الخلاصة هذا هو الظاهر، فيكون قد أشار إلى قول أصبغ، ويحتمل أن يكون أراد بالأيام اليسيرة كالعشرة أيام بدليل جمع القلة، ويكون أشار إلى قول من قال: إن العشر سنين لا تكفي بل لابد من مطلق الزيادة عليها حسبما حكاه ابن عرفة في جملة الأقوال الثمانية التي نقلها فيما يسقط به الضرر، وظاهر النظم أن العشرة أعوام قاطعة لحقه، سواء كان الحائز قريباً للمحوز عنه أو أجنبياً وهو كذلك كما في الطرر وغيرها فليست حيازة الضرر كحيازة الأملاك التي يفرق فيها بين الأقارب والأجانب، وظاهره أيضاً أنها قاطعة لحقه كان الضرر مما لا يتزايد كالكوة والباب أو مما يتزايد ضرره كالكنيف والمدبغ والحفر التي يستنقع الماء فيها وهو كذلك، وقيل: الضرر المتزايد لا يحاز بالعشرة ولا بغيرها لأن الدباغ والكنيف يحدثان بطول الزمان وهناً على وهن وضعفاً في جدار الجدار فله القيام بما زاد عليه من الضرر ولو طال، وقيل: لا يحاز الضرر أصلاً كان مما يتزايد أم لا. وهو قول ابن حبيب، وعليه ففي حوز الضرر وعدمه. ثالثها إن كان مما لا يتزايد وعلى الحوز ففي كونه بالعشر أو بالعشرين ثالثها بالعشر وزيادة الأيام اليسيرة.
وَمن رأى بُنْيَانَ مَا فِيهِ ضَرَرْ ** وَلَمْ يقُمْ مِنْ حِينِهِ بِمَا ظَهَرْ

(ومن رأى بنيان ما فيه ضرر) عليه وسكت (ولم يقم من حينه بما ظهر.
حَتَى رَأى الْفَرَاغَ مِنْ إتْمَامِهِ ** مُكِّنَ بالْيَمِينِ مِن قِيامِهِ

حتى رأى الفراغ من إتمامه) أي البنيان وفتح الباب ونحوهما فقام بحقه بعد الفراغ بالقرب وأحرى بعد طول وقبل مضي مدة الحيازة (مكن باليمين من قيامه) أي: فيحلف أن سكوته حتى كمل البنيان وفتح الباب مثلاً ما كان عن رضا بإسقاط حقه ويهدم البناء ويسد الباب حينئذ قاله في التبصرة والوثائق المجموعة وابن سلمون وغيرهم، وفهم من قوله: ولم يقم أنه إذا قام حين رآه يبني وأراد منعه من البناء فإنه لا يمنع من بنائه وإتمام عمله حتى يثبت الضرر ويعذر للباني فيه ولم يجد فيه مطعناً فيهدم البناء عليه حينئذ، ولو كمل كما في التبصرة، والفرق بين هذه المسألة ومسألة الناظم أنه في هذه أراد أن يمنعه بمجرد الدعوى حين شروعه في البناء أو بعد أن أثبت البينة المحتاجة للتزكية والاعذار فإن الباني لا يمنع من إتمام عمله حتى يعجز عن الدفع كما مر إذ لا يحكم على أحد بالمنع من التصرف في ملكه مع قيام احتمال صحة الدعوى والبينة وعدم صحتها وبه تعلم أن ما للشيخ الرهوني من استشكال هذه المسألة غير سديد كما أن ما قاله من عدم وجوب اليمين في مسألة الناظم إن قام بالقرب غير سديد أيضاً إذ هذه اليمين يمين تهمة والمعمول به توجهها في القرب والبعد كما مر في باب اليمين.
فإنْ يَبِعْ بَعْدُ بلا نِزَاعِ ** فلا قيامَ فِيهِ لِلْمُبْتَاعِ

(فإن يبع) المحدث عليه الضرر (بعد) أي بعد حدوثه عليه وعلمه به حال كونه (بلا نزاع) فيه أي باع بعد الإحداث والعلم به وقبل النزاع فيه (فلا قيام) ولا خصام (فيه للمبتاع) اتفاقاً كما في (خ) عن ابن عرفة لأنه اشترى على تلك الحالة، وظاهره ولو لم يعلم به، وقيل: إذا لم يعلم به المشتري فله رده على البائع لأن الضرر عيب لم يطلع عليه، فإذا رده فللبائع حينئذ القيام به قاله في المتيطية عن حبيب بن نصر، وينبغي حمله على التفسير لما درج عليه الناظم:
وإنْ يكُنْ حينَ الخِصَام بَاعَا ** فالْمُشْترِي يَخْصِمُ مَا اسْتَطَاعَا

(وإن يكن) البائع لم يعلم بالإحداث أو علم وتكلم فيه وخاصم و(حين الخصام) أو عدم العلم (باعا فالمشتري يخصم) في ذلك الضرر (ما استطاعا) لقيامه مقام البائع حينئذ وحلوله محله إذ البائع حينئذ باع ما يملكه من الدار ورفع الضرر، والمشتري اشترى ذلك فقام فيه مقام البائع، وظاهره أن هذا البيع جائز وليس هو من بيع ما فيه خصومة. وقال ابن بطال معناه: إن الحاكم قضى بإزالة الضرر وأعذر وبقي التسجيل والإشهاد يعني على الحكم، وأما لو باع وقد بقي شيء من المدافع والحجج لم يجز البيع لأنه بيع ما فيه خصومة يعني: والمشهور منعه، وقد أطال (خ) من ذكر الخلاف في هذه المسألة والمعول عليه ما للناظم والله أعلم.
وَمَانِعُ الشَّمْسِ أَوْ الرِّيحِ مَعا ** لِجَارِهِ بِمَا بَنَى لَنْ يُمْنَعَا

(ومانع الريح أو الشمس) أو هما (معاً لجاره) مفعول بمانع واللام زائدة لا تتعلق بشيء (بما بنى لن يمنعا) من ذلك على المشهور ابن ناجي وبه العمل، وهو مذهب المدونة قال فيها: ومن رفع بنيانه فتجاوز به بنيان جاره وأفسد عليه كواه فأظلمت. أبواب غرفه وكواها ومنعه الشمس لم يمنع من هذا البنيان. اهـ. وهذا إذا كان للباني في رفع بنائه منفعة قصدها، وأما إذا لم يكن له في البناء منفعة وثبت ذلك فإنه يمنع كما قاله ابن عتاب، إذ لا ضرر أكثر من أن يمنع الإنسان جاره الضوء والريح من غير نفع يعود عليه في ذلك، وظاهره أنه لا يمنع من رفع بنيانه ولو منع الشمس والريح عن الأندر السابقة على بنائه وهو ما استظهره ابن رشد كما مّر عند قوله: فإن يكن يضر بالمنافع إلخ. ولكن المشهور خلافه (خ): لا مانع شمس وريح إلا الأندر أي فإنه يمنع من بناء ما يمنع الشمس والريح، وظاهره ولو احتاج للبنيان وكانت له فيه منفعة ومثل الأندر مرج القصار ومنشر المعاصر وجرين التمر والفرق بين الأندر وغيرها عند ابن القاسم فيما يظهر أن الدار لا يمكن منع الضوء منها جملة إذ ما يقابلها من السماء يضيئها قطعاً، وكذا الشمس، وأما الريح فالمقصود منها اتقاؤه بها والكوة يمكنه فتحها لوسط داره بخلاف الأندر وما معه فإن منفعته تبطل كلها بمنع الشمس والريح، وأما البئر إذا أراد حفرها في أرضه وهي تنقص ماء بئر جاره أو تقطعه فقد يتقدم الكلام عليها عند قوله: أو ما له مضرة بالجدر.