فصل: فصل في دعوى السرقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في دعوى السرقة:

وهي كما في الشامل أخذ مال أو غيره من حرز خفية لم يؤتمن فقوله أو غيره يريد به الطفل الصغير الحر الذي لا يعقل فإن آخذه يعد سارقاً ويقطع به وليس بمال، واحترز بقوله: من حرز مما لو أخذه من غير حرز فلا يعد سارقاً، والحرز هو ما لا يعد الواضع فيه مضيعاً فلا قطع في المتروك في السوق ونحوه من الأماكن التي لا تعد صوناً للمال عرفاً لأنه في غير حرز وبقوله خفية، مما لو أخذه جهاراً فإنه لا يسمى سارقاً بل مختطفاً أو محارباً أو غاصباً وبقوله: لم يؤتمن عليه مما لو أخذ ما في أمانته فإن هذا خائن لا سارق، ولابد أن يكون المال المأخوذ نصاباً لا شبهة له فيه، ويكون أخذه بقصد واحد فلا قطع على من أخذ أقل من نصاب، ولا على من له شبهة فيه كالأب يأخذ مال ولده والعبد يأخذ مال سيده والمضطر في المجاعة يأخذ ما يسد جوعته، ولا على من أخذ نصاباً في مرات مع تعدد قصده، ولابد أن يكون الآخذ مكلفاً، ولذا حدها ابن عرفة بقوله: أخذ مكلف حراً لا يعقل لصغره أو مالاً محترماً لغيره نصاباً أخرجه من حرزه بقصد واحد خفية لا شبهة فيه قال: فيخرج أخذ غير الأسير مال حربي وما اجتمع بتعدد إخراج وقصد والأب مال ولده والمضطر في المجاعة. اهـ. فاحترز بالمكلف من المجنون والصبي فإن ما عليهما ضمان المال إن تلف لا القطع، وبقوله محترماً من أخذ الأسير مال حربي أو سرقة خمر لمسلم، لكن يرد عليه أخذ غير الأسير مال حربي فإنه لا قطع فيه، وإن أمن عليه فلو حذف غير لكان أحسن، وكذا يرد عليه خمر الذمي فإنه لا قطع فيه مع أنه محترم بالنسبة للذمي، ولذا كان يجب عليه غرم قيمتها إن تلف، وكذا يرد عليه أخذ ما في أمانته لأنه محترم أيضاً، لكن هذا ربما يقال أخرجه بقوله من حرزه إذ الأمين ليس المكان حرزاً بالنسبة إليه لأنه مأذون له في الدخول إليه، وبقوله نصاباً مما لو سرق أقل من ثلاثة دراهم أو من ربع دينار أو من مقوم بهما، لكن يرد عليه من سرق ثوباً خلقاً فوجد فيه ثلاثة دراهم فإنه يقطع مع كونه إنما قصد الثوب الذي لا يساوي ثلاثة دراهم، فإن أراد ما وجد فيه النصاب فيرد عليه ما إذا سرق خشبة فوجد فيها ثلاثة دراهم فإنه لا يقطع ويمكن الجواب بأن المراد نصاب موجود مقصود فيخرج بموجود الثوب المذكور وبمقصود الخشبة المذكورة، وبقوله بقصد واحد مما لو أخرج النصاب في مرات لا بقصد واحد، بل كانت نيته الاقتصار على ما أخرجه أولاً ثم بدا له فرجع وأخرج ما كمل به النصاب فإنه لا قطع عليه وهو مصدق في ذلك لأنه لا يعلم إلا من قوله: فإن أخرج أولاً بعضه بنية أن يرجع لما فيه تمام النصاب فأكثر فإنه يقطع لأنه صدق عليه أنه أخرجه بقصد واحد ويدخل في كلامه من سرق نصاباً، ثم سرقه آخر من السارق فإنهما يقطعان معاً لأن المال محترم بالنسبة للثاني لأنه في ضمان الأول. فائدة: قال عياض: أخذ المال بغير حق على ضروب عشرة: حرابة وغيلة وغصب وقهر وخيانة وسرقة واختلاس وخديعة وتعد وجحد، واسم الغصب يطلق على الجميع في اللغة كالحرابة كل ما أخذ مكابرة ومدافعة، والغيلة ما أخذ بعد قتل صاحبه بحيلة ليأخذ ماله، وحكمه حكم الحرابة. والغصب ما أخذه ذو القدرة والسلطان والقهر نحو منه إلا أن يكون من ذي القوة في جسمه للضعيف ومن الجماعة للواحد، والخيانة كل ما كان لآخذه قبله أمانة أو يد، والسرقة ما أخذ على وجه الاختفاء، والاختلاس كل ما أخذ بحضرة صاحبه على غفلة وفر آخذه بسرعة، والخديعة ما أخذه بحيلة كالتشبه بصاحب الحق، وصاحب الوديعة أو المتزيي بزي الصلاح ليأخذ المال بذلك، والجحد إنكار ما تقرر بذمة الجاحد وأمانته وهو نوع من الخيانة، والتعدي ما أخذ بغير إذن بحضرته أو مغيبه. اهـ.
وَمُدَّعٍ على امْرِئ أَنْ سَرَقَهْ ** وَلَمْ تَكُنْ دَعْوَاهُ بالمُحَقَّقَهْ

(ومدع على امرئ إن سرقه ولم تكن دعواه بالمحققة). أي البينة التي تحقق دعواه فيشمل ما إذا قال: اتهمته لأن دعوى الاتهام لا بينة فيها، وما إذا حقق عليه الدعوى ولم تقم له بينة فالحكم في الصورتين واحد كما قال:
فإنْ يَكُن مُدَّعِياً ذَاكَ عَلَى ** مَنْ حَالُهُ في النَّاسِ حالُ الفُضَلاَ

فإن يكن مدعياً ذاك على ** من حاله في الناس حال الفضلا

فَلَيْس مِنْ كَشْفٍ لِحَالِهِ وَلا ** يَبْلُغُ بالدَّعْوَى عليه أمَلاَ

(فليس) على المدعى عليه يمين ولا (من) زائدة (كشف لحاله) بالسجن ونحوه (ولا يبلغ بالدعوى عليه أملا) بل يلزم المدعي الأدب كما قال (خ) في الغصب: وأدب مميز كمدعيه على صالح إلخ. وانظر ما تقدم في باب اليمين عند قوله: وتهمة إن قويت إلخ.
وَإنْ يَكن مُطَالِباً مَنْ يُتَّهَمْ ** فمالِكٌ بالضَّرْبِ وَالسِّجْن حَكَمْ

(وإن يكن مطالباً) بفتح اللام خبر يكن واسمها (من يتهم) ويجوز كسرها على أنه خبر يكن أيضاً واسمها ضمير يعود على رب المتاع ومن يتهم مفعول بالخبر المذكور (فما لك بالضرب والسجن حكم) كما مرّ عن القرافي وغيره عند قوله: والقول للغاصب في دعوى التلف وظاهره أنه أطلق المتهم على ما يشمل مجهول الحال لأنه جعله قسماً للمعروف بالفضل ونحوه في التبصرة قائلاً مجهول الحال عند الحاكم الذي لا يعرف ببر ولا فجور إذا ادعي عليه بتهمة فإنه يحبس حتى يكشف حاله. هذا حكمه عند عامة علماء الإسلام والمنصوص عند أكثر الأئمة أنه يحبسه القاضي أو الوالي وهو منصوص لمالك وأصحابه. اهـ. وقال قبل ذلك: إن المتهم بالفجور كالسرقة وقطع الطريق والقتل والزنا لابد أن يكشف ويستقصي بقدر تهمته بذلك وشهرته به، وربما كان بالضرب قال: وليس تحليفه وإرساله مذهباً لأحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم، ولو حلفنا كل واحد منهم وأطلقناه مع العلم باشتهاره بالفساد في الأرض وكثرة سرقاته وقلنا: لا نأخذه إلا بشاهدي عدل كان ذلك مخالفاً للسياسة الشرعية، ومن ظن أن الشرع تحليفه وإرساله فقد غلط غلطاً فاحشاً مخالفاً لنصوص رسول الله صلوات الله عليه ولإجماع الأئمة قال: وقد تقدم أول الباب من أفعال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما يدل على عقوبة المتهم وحبسه.
واعلم أن هذا النوع من المتهمين يجوز ضربه وحبسه لما قام على ذلك من الدليل الشرعي قال: وفي أحكام ابن سهل إذا وجد عند المتهم بعض المتاع المسروق وادعى أنه اشتراه ولا بينة له لم يؤخذ منه غير ما بيده، فإن كان مجهول الحال فعلى السلطان حبسه والكشف عنه، وإن كان معروفاً بالسرقة حبس حتى يموت في السجن. اهـ. ونحوه لابن يونس عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ، وتقدم مثله عن مالك عند قوله: والقول للغاصب، وقوله: لم يؤخذ منه غير ما بيده إلخ. هذا إنما يتمشى على المشهور لا على ما مر في الغصب من أن العمل مؤاخذة المتهم بالغرامة بمجرد الدعوى فضلاً عن كون بعض المسروق قد وجد بيده، وأن القول للمسروق منه في قدره، وقوله: حتى يموت إلخ. بمثله كتب عمر بن عبد العزيز قائلاً: يسجن حتى يموت. قال في التبصرة: يعني إذا لم يقرَّ به.
وَحَكَمُوا بِصِحَّةِ الإقْرَارِ ** مِن ذَاعِرٍ يُحْبَسُ لاخْتِبَارِ

(وحكموا بصحة الإقرار) بالنسبة لغرم المال لا للقطع فلا يقطع (من ذاعر) بالذل المعجمة يعني مفزع ومخيف أو بالمهملة وهو الزاني الفاسق السارق (يحبس) أو يضرب (لاختبار) فالمجهول إذا أقر في السجن عمل بإقراره وغرم المال، والمتهم المعروف بالعداء إذا أقر ولو تحت العص كذلك لأنه لما جاز ضربه وسجنه شرعاً كما مر جاز إقراره إذ لا فائدة له إلا ذاك والإكراه الشرعي طوع ولذا قال سحنون: وذلك خارج عن الإكراه ولا يعرف هذا الأمر إلا من ابتلي به يعني من القضاة ومن شابههم. قال في التبصرة: كأنه يقول إن ذلك الإكراه كان بوجه جائز شرعاً، وإذا كان من الحق عقوبته وسجنه لما عرف من حاله كان من الحق أن يؤاخذه باعترافه. اهـ. وقال ابن رحال: إن حبس القاضي المتهم الذي يجب حبسه أو تخويفه أو ضربه فأقر فإنه يؤاخذ بإقراره على قول سحنون، فينبغي أن يعمل بهذا بالنسبة لغرم المال. اهـ. وفي المتيطية: ويضرب السارق حتى يخرج الأعيان التي سرقها يعني إن كانت قائمة باقية فإن كانت مما لا يعرف بعينه أو مما يعرف بعينه، ولكن فوتها فيكفيه إقراره بها ويؤاخذ به كما مرّ، والخلاف في هذه المسألة كثير ولكن المعول عليه ما قدمناه في الغصب، وما درج عليه الناظم هاهنا. وقد تقدم من كلام التبصرة وغيرها ما يشهد له ويشهد له أيضاً قول القرافي ما نصه: اعلم أن التوسعة على الحكام في أحكام السياسة ليس مخالفاً للشرع بل تشهد له الأدلة المتقدمة وتشهد له أيضاً القواعد من وجوه. أحدها: أن الفساد قد كثر وانتشر بخلاف العصر الأول، ومقتضى ذلك اختلاف الأحكام. اهـ. وقال أيضاً: موضوع ولاية الوالي المنع من الفساد في الأرض وقمع أهل الشر، وذلك لا يتم إلا بالعقوبة للمتهمين المعروفين بالجرائم بخلاف ولاية القضاة، وقد تقدم عنه أن هذا مما لا يتميز به نظر القاضي والوالي، وإذا كان الفساد قد كثر في زمن القرافي فكيف بذلك في زماننا؟ فلا يعترض على الناظم بأنه ارتكب في هذا خلاف المشهور الذي درج عليه (خ) حيث قال وثبت إقرار إن طاع وإلاَّ فلا. ولو عين السرقة أو أخرج القتيل إلخ. لأن مقابل المشهور قد يجري به الحكم والعمل لكثرة الفساد، وقد قال ابن رحال في حاشيته هنا: ولأن (خ) يتبع مذهب المدونة وهي إنما قالت ذلك في وقت عدم كثرة الفساد كما قد رأيته عن القرافي، ولما زاد هذا الفساد وانتشر انتشار أبلغ الغاية قام مقام التحقيق، ولذلك جرى العمل بإغرام المتهم بمجرد الدعوى على ما تقدم في فصل الغصب، وما يروى عن مالك وغيره من اختلاف الأقوال في هذه المسألة لعله إنما هو باختلاف النوازل والبلدان، فرب بلد غلب على أهلها الفساد، ورب بلد لم يغلب، ورب شخص علم منه الفساد، ورب شخص وقع ذلك منه فلتة فلم يقل بخلوده في السجن والله أعلم.
وَيُقْطَعُ السَّارِقُ باعْتِرَافِ ** أَوْ شَاهِدَيْ عَدْلٍ بلا خِلاَفِ

(ويقطع السارق باعتراف) بالسرقة طائعاً لا إن اعترف في السجن أو تحت العصا فلا قطع، وإنما عليه الغرم حيث كان متهماً أو مجهول الحال كما مر قريباً، ولابد في القطع من كونه مكلفاً وكون المسروق مالاً محترماً نصاباً لم يؤمن عليه لا شبهة له فيه مأخوذاً من حرز وهو مما يصح بيعه كما مر. لا إن كان كخمر أو كلب ولو كلب الحراسة لوجود الخلاف في بيعه أو أضحية بعد ذبحها وجبت بالذبح ولا تباع على المفلس، بخلاف ما إذا سرق لحمها من متصدق عليه أو طنبور لأنه لا يباع لأن منفعته غير شرعية إلا أن يساوي بعد كسره نصاباً ونحو ذلك مما هو مذكور في (خ) (أو) بشهادة (شاهدي عدل) من إضافة الموصوف إلى صفته كصلاة الأولى ومسجد الجامع وعدل في الأصل مصدر يوصف به الواحد والمثنى والجمع (بلا خلاف). وظاهره أنه لا يشترط في قبول شهادتهما بيان نوعها وصفتها ولا كونها أخذت في ليل أو نهار، وهو كذلك إلا أنه يستحب للحاكم أن يسألهم عن ذلك فإن قالوا: لا نذكر اليوم ولا المكان قبلت عند ابن القاسم، وإن ذكروا الموضع واليوم أو النوع واختلفوا في شيء من ذلك فقال: هذا يوم الجمعة، وقال الآخر: يوم الخميس. أو قال: هذا سرقها من محل كذا وقال الآخر من غيره، أو قال نوعها كذا وقال الآخر خلافه بطلت فالبطلان إنما هو إذا قالوا تذكر اليوم ونحوه واختلفوا، وأما إن قالوا لا نذكر ذلك فلا تبطل كما لابن رشد، وهذا على أن سؤالهم مستحب كما هو ظاهر قولها: ينبغي للقاضي أن يكشف الشهود بالزنا والسرقة فحملها (خ) وغيره على الاستحباب فقال: وندب سؤالهم أي شهود الزنا كالسرقة ما هي وكيف أخذت إلخ. وقال أبو الحسن: إلا أن ينبغي في كلامها للوجوب واستظهره (ح) وابن رحال. وهذا في حد الزنا والسرقة لأن الحدود يطلب درؤها بالشبهات لا في غيرها من الحقوق فإذا شهد شاهد بأن لفلان في ذمة فلان مائة دينار مثلاً فلا يكشف عن سكتها هل هي يزيدية أو محمدية، ولكن يقضي بالأغلب رواجاً في البلد كما مر في صدر البيوع، وأحرى أن لا يكشف عن اليوم الذي ترتبت فيه في ذمته لأنه لو أرخ بالشهر أو ترك التاريخ أصلاً لم تبطل.
تنبيه:
نقل البرزلي في نوازله: أن سراق المغرب اليوم كلهم لصوص تجري عليهم أحكام الحرابة من القتل أو القطع من خلاف أو النفي لا أحكام السرقة لأنهم يجعلون أحد السراق عند رأس صاحب المنزل في الحاضرة أو البادية متى رآه تحرك ضربه أو هدده ويجعلون واحداً يخرج الحيوان والمتاع والباقون واقفون بالسلاح يمنعونه ممن يقوم عليه قال: والحكم فيهم أنهم إذا أخذوا بعد أن قتل أحدهم رب المنزل قتلوا جميعاً، وإن لم يقتل أحد أجريت عليهم أحكام المحارب، وإذا أخذ أحدهم كان ضامناً لجميع ما أخذوه. اهـ.
قلت: وما قاله صحيح وما ذكره من الحكم عليهم بما ذكر إنما هو إذا ثبت عليهم ذلك ولو بالسماع الفاشي لقول (خ) في الحرابة: ولو شهد اثنان أنه المشتهر بها ثبتت وإن لم يعايناها، وأما إن لم يثبت ذلك لا بالسماع ولا بغيره وهو الغالب في هذا الوقت لعدم وجود من يشهد على من اكتسب التعظيم والاحترام بتلصصه كما مر في الغصب، فإنه ينكل ويخلد في السجن ولا أقل من أن ينفى من الأرض مؤاخذة له بالأيسر ردعاً له ولأمثاله.
وَمَنْ أَقَرَّ وَلشُبْهةٍ رَجَعْ ** دُرِئ عَنْهُ الحَدُّ في الَّذي وَقَعْ

(ومن أقر) بسرقة (ولشبهة رجع) عن إقراره كقوله: أخذت مالي المودع أو المغصوب مني أو المعار، وظننت أن ذلك سرقة أو قال: أضافني فلان وأنزلني في بيته فأخذت منه كذا فظننت أنه سرقة (درئ عنه الحد في الذي وقع) منه لأنه في الثلاثة الأول إنما أخذ متاعه على زعمه وإن كان لا يقضي له بذلك بدون بينة، وأنه ماله وفي الرابعة هو خائن على زعمه لا سارق فلا قطع عليه كما مر أول الفصل.
وَنَقَلُوا في فَقْدِهَا قَوْلَينِ ** وَالْغُرْمُ وَاجِبٌ عَلَى الحَالَيْنِ

(ونقلوا في) رجوعه عن إقراره مع (فقدها) أي الشبهة كأن يقول: كذبت في إقراري أو أنكر الإقرار من أصله (قولين) في قبول رجوعه وعدمه والمشهور الأول (خ): وقبل رجوعه بلا شبهة ومحل القولين إذا لم يكن عين السرقة، وأما إن عينها ثم أنكر الإقرار من أصله فإنه لا يقبل إنكاره ويقطع اتفاقاً كما لابن رشد، ومثل السارق في قبول رجوعه لشبهة ولغيرها الزاني والشارب والمحارب وقد جمعت في قوله:
وسارق والزاني ثم الشارب ** رجوعهم يقبل كالمحارب

ومثلهم من يشهد عليه بمعاينة زناه بالإحصان ثم رجع عنه، فإنه يقبل رجوعه ويجلد مائة ولا يرجم، وكذا من أقر بقتل الغيلة ثم رجع فإنه يقبل رجوعه، وفائدته أنه إذا عفا عنه الولي لم يقتل لأنه لم يبق بعد عفوه إلا قتله لحق الله وهو يدرأ بالرجوع لشبهة وغيرها، ومثله من أقر بالقتل عمداً لغير غيلة فرجع عن إقراره منكراً له، أو قال كذبت فيه فإنه يسقط عنه ضرب مائة وسجنه سنة، إذا عفا عنه الولي والضابط كل حد كان حقاً لله تعالى فإنه يسقط بالرجوع عن إقراره بموجبه فإن لم يرجع قاتل العمد وعفا عنه الولي فلابد له من ذلك كما قال (خ) وعليه أي قاتل العمد مطلقاً كان مسلماً أو كافراً أو عبداً جلد مائة ثم حبس سنة وإن بقتل مجوسي أو عبده إلخ. (و) إذا سقط القطع عن السارق برجوعه ف (الغرم) للمال (واجب) عليه (على) كلا (الحالين) الشبهة وعدمها على القول بأن رجوعه لغير شبهة معتبر، وهذا إذا كان حراً. وأما العبد إذا أقر بالسرقة ورجع وقد فات المسروق بذهاب عينه فإنه لا غرم عليه لأن ما بيده لسيده فلا يمضي إقراره عليه كما أفاده (خ) في الإقرار بقوله: كالعبد في غير المال إلخ. لكن يتبع به إذا أعتق يوماً ما فإن لم يرجع عنها فالقطع ولا غرم عليه إذا أعتق كما يأتي.
وَكلُّ مَا سُرِقَ وَهُوَ بَاقِي ** فإنَّهُ يُرَدُّ باتِّفَاقِ

(وكل ما سرق وهو باق) بعينه بيد السارق أو غيره (فإنه يرد) لربه (باتفاق) أي إجماعاً ويرجع الغير على السارق إن كان أخذه منه بعوض، ولو كان السارق عبداً فإنه يتبعه به إذا عتق يوماً ما، وظاهره أنه يرد ولو قطع وهو كذلك، ومفهوم قوله: وهو باق إلخ. أنه إذا فات بذهاب عينه ففيه تفصيل فإن كان متصل اليسر بالمسروق كله أو بعضه من يوم سرق إلى اليوم إقامة الحد عليه فإنه يقطع ويغرم كما قال:
وَحيْثُما السَّارِقُ بالحُكْمِ قُطِعْ ** فبالّذي سَرَقَ في اليُسْرِ اتُّبِعْ

(وحيثما السارق بالحكم قطع) لعدم رجوعه عن إقراره بها أو لقيام البينة عليه (فبالذي سرق في) حال (اليسر) المستمر إلى وقت القطع (اتبع) وإن كان وقت السرقة معسراً أو أعسر في بعض المدة التي بين السرقة والقطع لم يلزمه غرم ولو أيسر بعد القطع لخبر إذا أقيم الحد على السارق فلا ضمان عليه أي: لا يتبع به في عسره وقت السرقة أو فيما بين السرقة والقطع لئلا يجتمع عليه عقوبتان قطع يده واتباع ذمته، ومفهوم قطع أنه إذا لم يقطع لكونه سرقه من غير حرزة أو لقيام شاهد واحد عليه بها أو لكون المسروق أقل من نصاب أو لسقوط العضو الذي يجب قطعه بسماوي أو بجناية عليه أو لرجوعه عن الإقرار بها، ونحو ذلك اتبع به مطلقاً موسراً أو معسراً أو يحاصص به ربه غرماء السارق إن كان عليه دين وهو كذلك (خ): ووجب رد المال إن لم يقطع مطلقاً.
وَالحَدُّ لا الْغُرْمُ عَلَى الْعَبْدِ متى ** أَقَرَّ بالسَّرِقَةِ شَرْعاً ثَبَتَا

(والحد) أي القطع (لازم على العبد) لا الغرم فلا يلزمه ولو كان ذا شائبة (متى أقر بالسرقة) بسكون الراء للوزن أي ولم يرجع عنه (شرعاً ثبتاً) خبر ثان أي: والحد لازم ثابت شرع على العبد إلخ. ومفهوم أقر أنه إذا لم يقر بل شهد عليه شاهد واحد أو أقر بها سيده دونه فإن العبد حينئذ في جنايته فيخير سيده في إسلامه أو فدائه، لكن بعد يمين المسروق في الأولى، وأما إن ثبت عليه بشاهدين فالقطع ولا غرم، واحترزت بقولي ولم يرجع مما إذا رجع فإنه لا قطع ويتبع بها إذا عتق كما مر قريباً، وإنما كان العبد في جنايته إذا أقر بها سيده دونه لأن العبد إذا ادعي عليه بما يوجب القصاص أو القطع أو الأدب فإنه الذي يجيب عن ذلك لأنه الذي يؤاخذ به في بدنه لو أقر به، وأما إذا ادعي عليه بإتلاف زرع أو دابة عمداً أو خطأ أو قتل شخص أو قطعه خطأ أو سرقة شيء فأنكر، فإن الذي يجيب عن ذلك هو السيد، فإذا أقر لزمه أن يسلمه أو يفديه (خ) في آخر الشهادات وليجب عن القصاص العبد وعن الأرش السيد إلخ.