فصل: فصل في (أنواع الشهادات باعتبار ما توجبه):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في [أنواع الشهادات باعتبار ما توجبه]:

(أنواع) أي أقسام (الشهادات) باعتبار ما توجبه وهي المذكورة في الفصول الآتية.
ثُمَّ الشَّهادَةُ لَدى الأداءِ ** جُمْلُتها خَمْسٌ بالاسْتِقْراءِ

(ثُمَّ) للترتيب الإخباري.
(الشهادة) مبتدأ (لدى الأداء) يتعلق بمحذوف صفة أي الحاصلة عند الأداء أما قبله فهي كالعدم (جملتها) مبتدأ ثان أي جملة أقسامها (خمس) خبر والجملة خبر الأول (بالاستقراء) يتعلق بجملتها أي جملتها بطريق الاستقراء أي التتبع خمس، ويحتمل أن يتعلق بمحذوف خاص حال أي جملة أقسامها حال كونها منحصرة بالاستقراء خمس لا زائد عليها، وتبع في هذا التقسيم الجزيري في وثائقه وهو باعتبار ما توجبه كما مرّ، ولابن شاس ومن تبعه تقسيم آخر باعتبار ما يكفي في المشهود فيه وسموه مراتب، فالزنا مثلاً يكفي فيه أربعة، وما ليس بمال ولا آيل إليه يكفي فيه عدلان وهكذا وكلا الاعتبارين له وجه.
تَخْتَصُّ أُولاَهَا عَلَى التَّعْيِينِ ** أنْ تُوجِبَ الحقَّ بِلاَ يَمِينِ

(تختص أولاها) تأنيث أول فاعل تختص والضمير المضاف إليه يعود على خمس، والجملة بدل مفصل من مجمل (على التعيين) أي مع تعيينها للأولية لكونها توجب الحق بمجردها فاستحقت التقديم، لذلك قال عوض عن الضمير وعلى بمعنى مع كقوله تعالى: {وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم} (الرعد: 6) وهي حال من أولاها أي تختص أولاها حال كونها مصاحبة لتعيينها للأولية (أن) أي بأن يتعلق بقوله تختص (توجب) بكسر الجيم (الحق) مفعول (بلا يمين) يتعلق بتوجب، والمراد بغير يمين تقوي الشهادة وتعضدها فهو على حذف الصفة فلا ينافي أنها قد تجب معها يمين القضاء حيث تكون الشهادة على ميت أو غائب أو ما في معناه من صغير أو سفيه أو مساكين أو بيت مال أو يمين الاستحقاق في غير العقار أو فيه على ما به العمل لأنها في الأولى لرد دعوى مقدرة، وفي الثانية لرد دعوى محققة إن كان المستحق من يده حاضراً وادعى خروجه عن ملك المستحق كما في ابن سلمون لأن الشهود إنما يقولونه ولا يعلمونه خرج عن ملكه ولا يلزم من نفي علمهم بالخروج عدم الخروج، وإن كان غائباً أو لم يحقق دعوى الخروج بأن جوزه فقط رجعت للقسم الأول لأنها حينئذ في مقابلة فرض دعوى صيرورة الشيء المستحق لمن ملك المستحق منه ذلك.
والحاصل أنها فيهما لمجرد رفع الاحتمال ففي الأول لرفع احتمال القضاء والإحالة ونحوهما، وفي الثاني لرفع احتمال الخروج حيث غاب أو حضر ولم يحقق دعواه لا أنها مقوية للشهادة راجعة لليمين مع الشاهد كما للشيخ (م) في شرح اللامية فإن صدقه في عدم الخروج فلا يمين ثُمَّ الشهادة التي توجب الحق بلا يمين تحتها ستة أنواع أشار لأولها بالفاء جواباً لشرط مقدر أي إن أردت معرفة ما يوجب الحق بلا يمين.
فَفِي الزِّنَا مِنَ الذِّكُورِ أُرْبَعَهْ ** وما عَدا الزِّنا فَفِي اثْنَيْنِ سَعَهْ

(ففي الزنا) خبر مقدم أي ففي الشهادة برؤيته (من الذكور) حال من ضمير الاستقرار (أربعة) مبتدأ ولابد من كونهم عدولاً واللواط مثله، وإنما اشترط فيهما أربعة لقصد الستر ودفع عار الزاني والمزني بها وأهلها اللخمي. وهذا إن شهدوا بالزنا طوعاً وإن شهدوا به على الإكراه فكذلك على حد الرجل في الإكراه وإلاَّ كفى في ذلك رجلان لما تستحقه المرأة من المهر على الواطئ أو على مكرهه. اهـ.
وقوله: وإلا كفى في ذلك رجلان يريد أو أحدهما مع اليمين لأن ذلك يؤول إلى المال ثُمَّ إن كيفية الشهادة أن يأتي الأربعة مجتمعين يشهدون أنهم رأوا فرجه في فرجها أو غيب حشفته فيها في وقت واحد وموضع واحد وصفة واحدة فإن تمت هكذا حدّا سواء كانا بكرين أو ثيبين رأوه دفعة واحدة أو واحداً بعد واحد في لحظات متصلة لأن ذلك اتحاد عرفاً وليس من تمام الشهادة زيادة قولهم كالمرود في المكحلة، بل هو تأكيد فقط كما قاله ابن مرزوق وهو ظاهر قول (خ) وللزنا واللواط أربعة بوقت ورؤية اتحدا وفرقوا فقط أنه أدخل فرجه في فرجها ولكل النظر للعورة إلخ.
وقيل: لابد منها وبه قرره شراحه ثُمَّ لا يلزم من اجتماعهم عند الإتيان اجتماعهم عند الأداء لأنهم عند الأداء يفرقون فإن أتوا مفترقين أو اختلف وقت الرؤية أو موضعه كأن يقول بعضهم زنى بها في غرفة ويقول الآخرون في بيت أو صفته كأن يقول أحدهم كانت مستلقية والآخرون متكئة أو بعضهم زنيا طائعين والآخرون مكرهين أو أحدهما بطلت وحد الشهود دون المشهود عليهما. أبو عمران: يسئل شهود الزنا والسرقة فإن أبوا أن يبينوا هذه الوجوه سقطت شهادتهم وإن غابوا قبل السؤال حكم بشهادتهم، وقيل: إن كانوا من أهل العلم بما يوجب الحد وإلاَّ فلا. اهـ.
والأول هو الذي درج عليه (خ) حيث قال: وندب سؤالهم كالسرقة ما هي وكيف أخذت إلخ.
والثاني هو المعتمد كما يأتي عند قوله: وغالب الظن إلخ.
ولثانيها بقوله: (وما) مبتدأ (عدا) خبر مبتدأ مضمر والجملة صلة أي والحقوق التي هي غير (الزنا ففي) عدلين (اثنين) خبر عن قوله (سعه) أي توسعة في ثبوت الحق بهما، والجملة خبر الموصول ولعمومه دخلت الفاء في خبره، وقوله: اثنين أي من الذكور بدليل البيتين بعده وأشعر قوله ففي اثنين الخ أن البائع بالدين مثلاً إذا طلب الإشهاد بأكثر وأبى المشهود عليه من الزيادة عليهما أن البائع لا يجاب وهو ما لابن رشد. وقال البرزلي: الصواب أن يجاب إذا كثر فيهم العزل لجرحة أو مطلقاً وشمل المصنف سائر الحقوق مالية أو بدنية على تفصيل في أفرادها إذ منها ما لا يثبت إلا بعدلين، ومنها ما يكفي فيه الواحد والمرأتان أو أحدهما مع اليمين، وما يكفي فيه امرأتان. وهكذا كما يأتي فمن الأول العتق والإسلام والردة والنكاح والطلاق والرجعة والنسب والتعديل والتجريح والكتابة والتدبير ونقل الشهادة فيما ليس بمال، ومنه إثبات العدم وإسقاط الحضانة وكذا الحبس والوصية لغير معينين والإيصاء كما في ابن ناجي أول أقضية المدونة، وليس منها الموت باعتبار الإرث كما يأتي في الفصل بعده ومن جعله منها فإنما يعني باعتبار اعتداد زوجته وعتق مدبره، ومنها العدة أي الخلوة الموجبة لها أو باعتبار ابتدائها في الموت، وأما في الطلاق فهي مصدقة في انقضائها، وأما دعواه هو الانقضاء في الرجعى لتسقط عنه النفقة فيكفي الشاهد واليمين فيما يظهر قاله ابن رحال، وكذا البلوغ باعتبار إقامة الحد عليه لا باعتبار الإسهام له في الغنيمة فيكفي فيه الشاهد واليمين، وتأمل قول (خ) في الحجر وصدق إن لم يرب إلخ.
وكذا الولاء باعتبار المال يكفي فيه الواحد واليمين (خ) وإن شهد واحد بالولاء أو اثنان أنهما لم يزالا يسمعان أنه مولاه أو وارثه لم يثبت، لكنه يحلف ويأخذ المال إلخ.
وكذا الوكالة في غير النكاح ونحوه إن لم يتعلق بها حق للوكيل، فإن تعلق ككون الوكيل له دين على الموكل الغائب أو كانت بأجرة ونحو ذلك فتثبت بالشاهد واليمين كالشركة والآجال لأن الشركة مال والآجال آيل إليه وكلاهما يثبت باليمين والشاهد، وأما الوكالة في النكاح ونحوه مما ليس بمال فلا تثبت إلا بشاهدين فإن ادعى أنها وكلت وزوجها وكيلها منه وأقام شاهدين على النكاح وواحداً بالوكالة حلفت أنها ما وكلت ولا رضيت بصنعه إن كانت بموضع لا يخفى عليها فيه الأمر غالباً. وإدخال الحبس والوصية على غير معنيين في هذا القسم صحيح بالنسبة للشاهد واليمين لتعذرها من غير المعينين لا بالنسبة للشاهد والمرأتين فيثبتان بهما كما في ابن عرفة.
ولثالثها بقوله:
ورَجُلٌ بامْرَأَتَيْنِ يَعْتَضِدْ ** في ما يَرْجِعُ لِلْمَالِ اعْتُمِدْ

(ورجل) أي عدل مبتدأ سوغ الابتداء به وصفه بما ذكر وبالجملة في قوله: (بامرأتين) عدلتين يتعلق ب (يعتضد) بفتح الياء وكسر الضاد مبني للفاعل (في كل ما) أي حق (يرجع) بفتح الياء مبني للفاعل صفة لما (للمال) يتعلق به والمجرور بفي يتعلق بقوله (اعتمد) مبني للمفعول خبر المبتدأ، وظاهره وليس بمال كالوكالة إن تعلق بها حق للوكيل كما مرّ أو لمن عامل الوكيل ببيع ونحوه، ونقل الشهادة عمن شهد بمال كما في (خ) حيث قال عاطفاً على الحائز، ونقل امرأتين مع رجل في باب شهادتهن إلخ.
والأجل في الثمن أو الصداق يدعيه المشتري أو الزوج ويخالفهما البائع أو المرأة سواء اختلفا في أصله أو قدره أو انقضائه لا الأجل في العتق والكتابة، فالقول للعبد في قدره وانقضائه للتشوف للحرية، وأما إن حلف بالطلاق أو الحرية ليقضين فلاناً حقه إلى أجل كذا أو ليدخلن الدار إلى أجل كذا، فزعمت المرأة أو العبد أنه قد انقضى ولم يفعل وأقاما بذلك شاهداً وامرأتين، وزعم الحالف أنه لم ينقض فلا يقضى عليه بالحنث لأن هذا من القسم الأول. نعم يحلف لرد الشهادة، وكذا لو أثبتت المرأة الطلاق والعبد العتق، وأعذر للزوج وللسيد وأنكر الأجل في ذلك فلا يثبت عليهما إلا بشاهدين وهذا ونحوه مراد من قال: إن الأجل بحسب المؤجل فيه ففي الطلاق والعتق والعفو لا يثبت إلا بشاهدين وكالخيار والشفعة ونحو ذلك مما ليس بمال، ولكن يرجع إليه ومما يرجع للمال إذا شهد رجل وامرأتان على نكاح بعد موت الزوج أو الزوجة أو على ميت أن فلاناً أعتقه أو على نسب أن هذا ابنه أو أخوه، ولم يكن له وارث ثابت النسب صحت الشهادة على قول ابن القاسم، وكان له الميراث ولم تجز على قول أشهب لأنه قال: لا يستحق الميراث إلا بعد إثبات الأصل بشهادة رجلين فإن ثبت ذلك ثُمَّ شهد واحد أنه لا يعلم له وارثاً سوى هذا جازت واستحق المال قاله اللخمي، واختصره (ق) بإسقاط التفصيل بين كونه له وارث أم لا. فأوهم كلامه خلاف المراد وما ذكره في الشاهد والمرأتين يجري في الشاهد واليمين كما يأتي في الفصل بعده، وفهم من قوله: يرجع للمال جوازها فيه ولو قارنه ما ليس بمال ولا آيل إليه كشهادة رجل وامرأتين على رجل بطلاق زوجته وتصييره داره في صداقها شهادة واحدة فتصح في التصيير دون الطلاق على المشهور من أن الشهادة إذا ردّ بعضها للتهمة رد كلها، وإن ردّ بعضها للسنة جاز منها ما أجازته السنة دون غيره، وقد ذكر في التبصرة في الباب الخامس والأربعين أمثلة وفهم منه أيضاً جوازها في نفس المال بالأحرى كعشرة من سلف أو بيع ونحوهما ومثل ما في النظم عكسه وهو الشهادة بالمال، ولكن يؤول لغيره كشهادة من ذكر للأمة بأنها أدت نجوم الكتابة أو بأن ابنها أو زوجها قد اشتراها من سيدها فتؤدي إلى العتق في الأولين وإلى الفراق في الثالث، وفهم من قوله بامرأتين أن الواحدة لا تكفي ولابد من اليمين حينئذ. وقوله: بامرأتين أي فأكثر ولو كن مائة لتنزلهن منزلة العدل الواحد كما يأتي في الفصل بعده.
ولرابعها وهو شهادة امرأتين بقوله:
وفي اثْنَتَيْنِ حَيْثُ لا يَطَّلِعُ ** إلاَّ النِّساءُ كالمَحِيضِ مَقْنَعُ

(وفي) امرأتين (اثنتين) خبر عن قوله: مقنع وفي بمعنى الباء (حيث) ظرف مكان متعلق بالاستقرار في الخبر (لا يطلع) بالبناء للفاعل (إلا النساء) فاعله، والجملة في محل جر بإضافة حيث (كالمحيض) خبر لمحذوف وهو من إطلاق المفعول على مصدره كما هو أيضاً في قوله: (مقنع) أي قناعة كائنة بامرأتين في المحل الذي لا يطلع على المشهود به أحد غالباً إلا النساء، وذلك كالحيض والرضاع والاستهلال والولادة والحمل وإرخاء الستر وعيوب الفرج، فإن كان العيب في غير الفرج مما هو عورة ففي نفي الثوب عن محله لينظره الرجال أو يكتفي بالمرأتين؟ قولان. واقتصر الباجي على الأول وهو ظاهر النظم فيفيد أنه المعتمد، وأفهم قوله: بامرأتين أن الواحدة لا تكفي وهو كذلك إذ الواحدة لا تجوز شهادتها في شيء كما في المدونة إلا في الخلطة على القول باشتراطها في توجه اليمين، وظاهره لا تكفي الواحدة ولو أرسلها القاضي لتنظر العيب ونحوه وهو كذلك، وظاهره، بل صريحه أنه لا يمين معهما تيقن القائم بهما صدقهما كالبكارة والثيوبة أم لا، كالحيض والولادة، وقيل: تلزم اليمين مع التيقن لأنها تحقق الدعوى بكذبه وهو المعتمد كما تتوجه عليه إذا قامت شهادتهما بأنه أرخى الستر عليهما، وأنكر هو ذلك فتحلف وتستحق الصداق وظاهر قوله: حيث لا يطلع الخ أن المولود إذا مات ودفن تجوزشهادتهما بذكوريته أو أنوثيته إذ لا يطلع على ذلك غالباً إلا النساء ويورث ويرث بالجهة التي شهدتا بها وهو كذلك على قول ابن القاسم، لكن مع يمين، وقيل: لا تجوز لأنه يصير نسباً قبل أن يصير مالاً ويورث على أنه أنثى إلا أن يكون لا يبقى أو أن أخر دفنه إلى شهود الرجال قاله أشهب وسحنون وأصبغ. ورواه ابن القاسم أيضاً. وقال أصبغ أيضاً: إن فات بالدين والطول حتى تغير ذكره، فإن كان فضل المال يرجع إلى بيت المال أو إلى رجل بعيد جازت كما قال ابن القاسم، وإن كان يرجع إلى بعض الورثة دون بعض أخذت بقول أشهب.
وسبب الخلاف أنها شهادة بغير مال لكنها ترجع إلى المال فهل هي كالمال نفسه أم لا؟ فهذا حينئذ من إفراد قوله ثانية توجب حقاً مع القسم في المال إلخ.
وظاهر ما مر جوازها في الولادة ولو كانت تؤول إلى العتق كما إذا قال الرجل لأمته: أول ولد تلدينه فهو حر فتلد توأمين فشهد امرأتان على أولهما خروجاً أو شهدتا بولادة أمة أنكر السيد ولادتها وقد كان أقرّ بوطئها بعدلين فيعتق أول التوأمين كما في المنتخب وتصير الأمة أم ولد كما في المدونة ثُمَّ ما مرّ من جوازها في الاستهلال محله إذا لم يقطع بكذبهما لعدم تمام خلقته، وكذا إذا شهدتا بظهور الحمل، وأنه من شهرين أو من أقل من ثلاثة أشهر أو بتحركه وأنه من أقل من أربعة أشهر وعشر لا يشكان في ذلك فإن الأمة لا ترد لبائعها بشهادتهما لأن الحمل لا يظهر ظهوراً بيناً من غير تحرك أو مع تحرك في أقل مما ذكر والموجب لسقوطها جزمهما بأنه أقل مما ذكر إذ ذاك مما لا يمكن القطع به فقولهما لا يشكان في ذلك أو تحققناه كذباً وزوراً فإن قالتا في ظننا ونحوه أو لم تتعرضا لمدته صحت ونظر، فإن كانت مكثت عند المشتري ثلاثة فأكثر في الظهور أو أربعة وعشراً في التحرك لم ترد لإمكان حدوثه وإلاَّ ردت ولا ينتظر وضعها، فإن أنفش بعد ردها فلا ترد للمشتري إذ لعلها أسقطته فإن تعارضت شهادة النساء في الحمل وما معه فالمثبتة أولى من النافية إلا أن تقوى النافية قوة بينة فيما يظهر.
ولخامسها بقوله:
وواحِدٌ يُجْزِئ فِي بابِ الْخَبَرْ ** وَاثْنانِ أَوْلَى عِنْدَ كلِّ ذي نَظَرْ

(وواحد) مبتدأ سوغه الوصف أي واحد عدل أو شخص واحد، وظاهره ولو أنثى وهو كذلك فيما تجوز فيه شهادة النساء كما إذا لم يجد من يترجم له مثلاً من الرجال غيرها في المال وما يؤول إليه أو فيما لا يظهر للرجال (يجزئ) خبر (في باب الخبر) يتعلق به، وتقديره شخص أولى ليشمل الرجل والمرأة كما مرّ وإدخال هذا النوع في أقسام الشهادة من حيث إنه يوجب الحق بغير يمين وإلاَّ فليس منها (واثنان) مبتدأ سوغه ما مر (أولى) خبر (عند كل ذي نظر) يتعلق به والخبر ما شأنه أن يشارك المخبر به غيره كذا قيل وفيه نظر فإن الشهادة كذلك لأن الخبر أعم. قال في جمع الجوامع: الإخبار عن عام لا ترافع فيه الرواية أي الخبر وخلافه الشهادة، وقال ابن بشير: الفرق الذي بين الخبر والشهادة أن ما خص المشهود عليه فبابه باب الشهادة وكل ما عم ولزم القائل منه ما يلزم المقول له فبابه باب الخبر. اهـ.
والمقصود منه هنا ما اجتمعت فيه الشائبتان لأن الكلام فيما فيه النزع لا في غيره كنجاسة الماء والأعمال بالنيات، والظاهر أن ما اجتمع فيه ما ذكر محصور بالعد لا بالحد. قال في الذخيرة: المتردد بين الشهادة والخبر سبع: القائف والترجمان والكاشف عن البنيان وقائس الجرح، والناظر في العيوب كالبيطار والطبيب والمستنكه للسكران، إذا أمر الحاكم بذلك، وأما الشهادة على الشرب فلابد من اثنين كالتقويم للسلع والعيوب والرقبة والصيد في الحج. واختلف في الحكمين فقيل: اثنان وقيل واحد لأنه حاكم. اهـ.
بنقل (تت) قال: وأضفت إلى ذلك المزكي على أحد القولين وكاتب القاضي والمحلف.
قلت: وذكر القرافي أول الفروق من قواعده أن من ذلك المفتي والمترجم عن الخطوط والقاسم والخارص، وكذا المخبر بنجاسة الماء وبرؤية هلال رمضان، وفي الباب الرابع عشر من التبصرة جملة وافرة من ذلك، ولما اجتمعت في هذه الأمور ونحوها شائبتا الخبر والشهادة كانت مترددة بينهما كما مرّ عن الذخيرة، فالقائف والترجمان مثلاً من حيث إن في قوليهما إلزاماً لمعين صارا كالشاهد، ومن حيث إنهما منتصبان انتصاباً عاماً لجميع الناس صارا كالراوي المخبر، وأيضاً فإنهما أشبها الحاكم من حيث إنه وجههما لذلك، وهكذا يقال في الخارص والقاسم وغيرهما من كل ما لا يباشره القاضي بنفسه، ولما كانت شبهة الشهادة أقوى في جل الأفراد أو كلها لأن الشاهد يشاركهم في الانتصاب المذكور، وإن لم يشاركهم في غيره كان الاثنان أولى كما قال الناظم: وبقوة الشبهة وضعفها اختلف الترجيح في هذه الأفراد فالمخبر عن النجاسة أشبه الشاهد في كونه أخبر عن وقوع نجس معين في ماء معين. ولما كانت حرمة استعماله لا تختص بمعين كان خبراً محضاً وكفى فيه الواحد قطعاً، ولما كان هلال رمضان فيه إلزام الصوم لمعينين موجودين في هذا الشهر دون الماضي والآتي من الشهور ترجح فيه جانب الشهادة فلا يكفي فيه غير عدلين على المشهور وهكذا. وفي المعيار عن أبي محمد أن القرى بالبوادي إذا كانت عادتهم التنيير عند رؤية الهلال فمن أصبح صائماً لذلك التنيير فصيامه صحيح قياساً على قول ابن الماجشون في الرجل يأتي القوم فيخبرهم بأن الهلال قد رؤي. اهـ.
وظاهر النظم أن الواحد المذكور لابد فيه من العدالة لذكره له في سياق من تشترط فيه، وهو كذلك ما لم تتعذر في ناظر العيب والطبيب ونحوهما (خ) وقبل للتعذر غير عدول وإن مشركين فإن قصر ووجد لذلك من لا نعرف عدالته مع وجود العدل لم يجز له الحكم بقوله، وظاهره أيضاً أنه يقبل الواحد ولو لم يوجد لذلك من قبل الحاكم وهو كذلك في نحو المفتي ونجاسة الماء ورؤية الهلال عند من يكتفي فيه بالواحد لا في نحو الترجمان والقاسم ونحوهما فقول الذخيرة: إذا أمر الحاكم بذلك راجع للسبع المتقدمة فقائس الجرح والناظر في العيب مثلاً إنما يقبلان إذا توجها بأمر الحاكم وإلاَّ فلابد من اثنين كما إذا أديا بعد برء الجرح أو انهدام البنيان أو دفن الأب في القافة (خ) وإنما تعتمد القافة على أب لم يدفن إلخ.
أو موت المعيب وتغيره أو غيبته أو عند حاكم آخر، وكذا بعد موت المترجم عنه أو المحلف بفتح اللام فيما يظهر. وقولنا: وتغيره احترازاً مما إذا مات ولم يتغير فإنه ملحق بالحي كما قال بعضهم.
قلت: ويدل له ما مر عن (خ) في القافة وظاهر إطلاقاتهم في الترجمان والقاسم يقبلان، ولو بعد إنكار المترجم عنه والمقسوم عليه كالمحلف بالكسر وإلاَّ أدى للتسلسل هذا. وفي ابن شاس ما نصه: ويشترط التعدد في المزكي والمترجم. اهـ.
قال (ز) بناء على أنه أي المترجم شاهد وهو المشهور وحينئذ فقول من قال: إن كلام ابن شاس فيما إذا أتى الخصم بمن يترجم عنه غير ظاهر بل كلامه مطلق كما ترى وفي (ح) عن العمدة أن الحكم إذا كان لا يتضمن مالاً فلا يجزئ إلا بترجمة اثنين على المذهب وإلاَّ فقولان. اهـ.
فالترجمان مما ترجح فيه جانب الشهادة على هذا خلافاً لما في (خ) حيث قال: والمترجم مخبر هذا في ترجمان القاضي، ويشترط فيه على القولين أن لا يكون عدواً للمترجم عنه ولا قريباً لخصمه كما في التبصرة وانظر هل غيره من القاسم ونحوه كذلك وهو الظاهر أم لا؟ وعليه فإذا طلب المقسوم عليه ونحوه القدح بما ذكر أجيب وأجل له، وأما ترجمان الفتاوى والخطوط فالمراد به أن يقرأ الفتوى لمن لا يحسن الكتابة أو لا يفهم القلم الذي كتبت به أو يقول إنه خط فلان، والمراد بالمستنكه للسكران أي شام ريح فيه من نكهه كسمعه أي نشقه أي: ويجد. وقوله: كالتقويم للسلع أي السلع المتلفات ولأروش الجنايات ونحو ذلك كتقويم العرض المسروق هل بلغت قيمته نصاباً فيقطع أم لا (خ) وكفى قاسم واحد أي فيما يخبر أنه صار لكل واحد منهم لا مقوم إلخ.
أي: فلابد فيه من اثنين بل ذكر ناظم عمل فاس في شرحه له أن العمل بعدم الاكتفاء بالواحد في القاسم والمخبر عن قدم العيب وحدوثه فانظره. وقوله: والعيوب والرقبة أي مع الرقبة قالوا وبمعنى مع أي المقوم للعيب مع الرقبة وقوله: واختلف في الحكمين أي في النشوز، والله أعلم.
تنبيه:
قال المكناسي في مجالسه: إن القاضي يشترط على أرباب البصر بالمباني أن لا يحكموا بالحائط لأحد. وحسبهم أن يصفوه فقط بوصف يزيل الإشكال ويرفع الاحتمال، ثُمَّ ينظر القاضي بعد أداء شهادتهم فيه ويحكم. اهـ.
قلت: وكذا الواقفون منهم على الحدود في الأرضين والأجنات ونحوها حسبهم أن يصفوا لأن أرباب البصر ممن لا علم عندهم في الغالب، فقد يستندون إلى دلائل ضعيفة لا تعتبر شرعاً أو معتبرة، لكنهم يأخذونها على غير وجهها، فلذا وجب أن يذكروا الدلائل التي استندوا إليها من كون العقد والقمط ونحوهما لناحية كذا، ومن كون الحاجز في الحدود هو كذا. أما قبول قولهم: ظهر لنا أن الحائط لفلان مطلقاً من غير بيان كما عندنا في هذا الزمان فمن الاستخفاف الذي لا يختلف فيه اثنان.
ولسادسها بقوله:
وبِشَهادةٍ من الصِّبْيانِ في ** جَرْحٍ وقَتْلٍ بَيْنَهُمْ قدِ اكْتُفِي

(وبشهادة) يتعلق بقوله اكتفى (من الصبيان) يتعلق بمحذوف صفة (في قتل) يتعلق بالاستقرار الذي تعلق به الصفة (وجرح) معطوف على ما قبله (بينهم) في محل الصفة لقتل وجرح على وجه التنازع أو محذوف من الأول لدلالة الثاني عليه (قد اكتفي) مبني للمفعول، ونائبه محذوف لدلالة السياق أي عن العدول. وظاهره أنه يكتفي بها من غير قسامة وهو كذلك وما ذكره من جوازها عليه أكثر أهل المدينة وهو المشهور في المذهب، وخالف ابن عباس والقاسم وسالم وقالوا بعدم جوازها وهو مذهب الشافعي وابن حنبل وأبي حنيفة رضي الله عنهم، وبه قال ابن عبد الحكم، واحتج المشهور بأنها لو كانت لم تجز لأدى ذلك إلى إهدار دمائهم مع أنهم يندبون إلى تعلم الرمي والصراع وحمل السلاح، والغالب أن الكبار لا يحضرون معهم، ولهذا لم تجز شهادة النساء وإن كن عدولاً فيما يقع بينهن من قتل وجرح في عرس وحمام ومأتم بميم مفتوحة فهمزة ساكنة فمثناة فوقية أي حزن لعدم ندبهن لذلك أي: فلا ضرورة تدعو إلى الاجتماع المذكور لأنه غير مشروع فاجتماعهن قادح في عدالتهن وإن شهدن بقتل الصبيان الذي يؤول للمال فأحرى بقتل بعضهن لأنه فيه القصاص في العمد.
ولما كانت شهادة الصبيان على خلاف الأصل لم تجز إلا بشروط أشار لأولها بقوله:
وشَرْطُها التَّمْيِيُ والذُّكورَه ** والاتّفَاقُ في وقُوعِ الصُّورَه

(وشرطها) مبتدأ (التمييز) خبر لأن غير المميز لا يضبط ما يقول وحدّ سن المميز في المدونة لمن بلغ عشر سنين فأقل مما قاربها. وعن عبد الوهاب أنه الذي يعقل الشهادة وهو أخص مما في المدونة (و) ثانيها (الذكورة) معطوف على الخبر فلا تقبل شهادة الإناث (و) ثالثها (الاتفاق) معطوف على الخبر أيضاً (في وقوع الصورة) يتعلق بالاتفاق، فإن اختلفوا وقت تلقيها منهم سقطت كما لو قال بعضهم: قتله الصبي زيد وقال الآخر: بل الصبي عمرو، ولا إشكال في هذه إن اتحد القائل من الجانبين لعدم تمام النصاب، وكذا لو شهد اثنان أن الذي قتله فلان وقال آخران بل ركضته دابة على الصحيح خلافاً لابن الماجشون في قوله تقدم الشهادة بالقتل على الشهادة بالركض لأنها أثبت حقاً، وكذا لو قال اثنان: ضربه بعصا، والآخران بحديدة، أو قال اثنان: قتله أو شجه زيد، وقال الآخران: بل عمرو هذا ظاهره وعليه فلو لعب منهم ستة في بحر فغرق واحد منهم فقال ثلاثة من الخمسة الباقية: إنما غرقه الاثنان وعكس الاثنان فقالا: إنما غرقه الثلاثة سقطت شهادتهم لعدم الاتفاق وهو ظاهر نص (خ) الآتي أيضاً. وقيل: الدية على عاقلة الخمسة لاتفاقهم أن القتل لم يخرج عنهم، وبه صدر في الشامل ونسبه في التبصرة لمالك مقتصراً عليه في القسم الثاني وصدر في القسم الثالث بالسقوط، وبه صدر اللخمي أيضاً وقرر به (تت) وغيره كلام المختصر:
مِن قَبْل أنْ يَفْتَرِقُوا أو يَدْخُلا ** فِيهِمْ كَبِيرٌ خَوفَ أن يُبَدَّلا

(من قبل أن يفترقوا) حال من الاتفاق، وهذا شرط رابع فإن تلقيت بعد التفرق لم تقبل ولو اتفقوا (أو) من قبل أن (يدخلا فيهم) وقت القتل أو الجرح (كبير) أي بالغ ذكراً كان أو أنثى عدلاً أو غيره، فإن حضر معهم لم تقبل، وهذا شرط خامس. وأو بمعنى الواو ويدخل معطوف على يفترقوا، وفيهم يتعلق به وكبير فاعله وإنما اشترط عدم التفرق وعدم الدخول (خوف أن يبدلا) الكبير الكيفية ويعلمهم كيف يشهدون فهو مفعول لأجله تعليل للافتراق والدخول، ولو قال: أو يحضرا معهم كبير خوف أن يغير السلم مما يوهمه لفظ الدخول من أنه دخل فيهم بعد الفراغ من الواقعة، لأن هذا إنما تسقط به شهادتهم إذا قضى ما يمكنه فيه التعليم ولا يمكن عدلاً، وإلا فلا كما في (خ) فلا يناسب إطلاقه وما مر من أن حضور الكبير يسقط الشهادة واضح إن كان الكبير غير عدل، وإلاَّ عمل على شهادته إن شهد بشيء للاستغناء بشهادته مع يمين المدعي وينتظر بلوغه إن كان صغيراً ولو كان الكبير العدل امرأتين فأكثر لأنهن يجزن في الخطأ وعمد الصبي خطأ قاله الباجي. وإن لم يشهد بشيء وقال: لا أدري عمل بشهادة الصبيان انظر (ح) وسادس الشروط الحرية والإسلام فلا تقبل شهادة الصبي العبد أو الكافر، وسابعها أن يتعدد فلا تقبل شهادة الواحد منهم والأول مفهوم من قوله: وبشهادة لأن العبد الكبير إذا كانت شهادته لا تسمى شهادة وهي كالعدم فأحرى الصغير والثاني من الجمع في قوله: الصبيان. وثامنها: أن لا يشهدوا على كبير أوله وهذا يفهم من قوله بينهم. وتاسعها: أن لا يكون الشاهد عدواً للمشهود عليه ولا قريباً للمشهود له ولا معروفاً بالكذب وسواء كانت العداوة بين الصبيان أو بين آبائهم وربما يفهم هذا من قوله شهادة على حسب ما مر في الشرط السادس. وعاشرها: أن يعاين البدن مقتولاً فلا تقبل شهادتهم مع فقده كما لو سقط في بحر ولم يخرج منه وربما يشعر به قوله في قتل إذ لا يتصف المقتول بالقتل على التحقيق إلا بمعاينته ميتاً (خ) إلا الصبيان لا نساء في كعرس في جرح أو قتل والشاهد حر مميز ذكر تعدد ليس بعدو ولا قريب ولا خلاف بينهم وفرقة إلا أن يشهد عليهم قبلها ولم يحضر كبير ويشهد عليه أولاً. ولا يقدح رجوعهم ولا تجريحهم إلخ.
والمناسب للاختصار إسقاط قوله: إلا أن يشهد عليهم قبلها لأن عدم الفرقة إنما اشترط لمظنة التعليم مع وجودها وهم إذا شهدوا عليهم قبلها انتفت المظنة وصدق عليهم أنهم مشهود عليهم قبل الفرقة فما استثناه مفهوم من قوله ولا فرقة.
تنبيهان:
الأول: ما تقدم من أن الدية في مسألة الصبيان الذين يلعبون في البحر على عواقلهم هو مذهب الإمام نقله القرافي في شرح الجلاب. ونقل ابن يونس عن رواية ابن وهب مثله ثُمَّ قال بعده قال محمد: يعني ابن المواز هذا أي ما قاله الإمام غلط، بل لا تجوز يعني شهادتهم في تلك الصورة ولضعف ما للإمام صدر اللخمي بمقابله كابن فرحون في أول القسم الثالث من تبصرته قائلاً لأن الصبيان لا إقرار لهم قال: فليسوا كالكبار الستة مثلاً يلعبون في البحر فيغرق واحد منهم فيشهد ثلاثة منهم على اثنين أنهما غرقاه، ويشهد الاثنان بعكس ذلك فإن الدية في أموالهم إن قالوا عمداً وعلى عاقلتهم إن قالوا خطأ لأنهم تقاروا أن موته كان من قبلهم وسببهم إلا أنهم تراموا به بخلاف الصغار فإنهم لا إقرار لهم فاستفيد من هذا ترجيح القول بعدم الجواز كما هو ظاهر النظم، وإن كان اللخمي حكى قولين في مسألة الكبار بالسقوط وعدمه واختار السقوط وهو الظاهر إذ لا إقرار هنا في الحقيقة ولاسيما إن لم يكونوا عدولاً فإن كانوا عدولاً فهو من إعمال شهادة كل فريق على الآخر ويجري هذا الخلاف فيما إذا قتلوا دابة أو كسروا آنية وتراموا ذلك.
الثاني: لو شهد صبيان فأكثر بأن الصبي فلاناً قتل صبياً آخر وشهد عدلان أنه لم يقتله بل مات بسبب آخر فقولان. بتقديم شهادة الصبيان لأنها أوجبت حقاً أو العدلين واختار اللخمي تقديم العدلين. اهـ.