فصل: فصل (في قوله: ثُمَّ الشهادة لدى الأداء):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل ذكر فيه النوع الرابع من أنواع الشهادات:

رَابِعَةُ ما تُلْزِمُ اليَمِينا ** لا الحَقَّ لكِنْ لِلْمُطالِبينا

(رابعة) أي شهادة رابعة مبتدأ (ما) موصولة واقعة على الشهادة وهي مع صلتها خبر (تلزم) بضم التاء مضارع ألزم (اليمينا) مفعول (لا الحق) معطوف عليه (لكن) حرف استدراك وابتداء لا عاطفة لتخلف شرطها الذي هو تقدم النفي أو النهي (للمطالبينا) بفتح اللام اسم مفعول يتعلق بمحذوف دل عليه ما قبله أي لكن تلزمها للمطالبين لا للطالب كما في القسم الثاني، واللام الجارة بمعنى (على) إن فسرنا تلزم بتوجب وأما إن أبقيناه على معناه فهي زائدة لا تتعلق بشيء.
شَهادةُ العَدْلِ أو اثْنَتْينِ في ** طَلاقٍ أو عتاقٍ أو قَذْفٍ يَفِي

(شهادة) خبر مبتدأ مضمر أي وهي شهادة (العدل) الواحد (أو) شهادة امرأتين (اثنتين في طلاق) يتعلق بتفي على قراءته بالتاء المثناة فوق على أنه حال من شهادة والمجرور يتعلق به أي حال كون شهادة العدل أو المرأتين كائنة في طلاق (أو عتاق أو قذف) ويجوز أن يتعلق المجرور بشهادة و(يفي) بالياء المثناة تحت صفة لقذف، فإذا أقامت الزوجة شاهداً أو امرأتين بالطلاق أو أقام العبد شاهداً بالعتق أو أقام المقذوف شاهداً أو امرأتين بالقذف حلف المطلوب في الجميع لرد شهادة الشاهد وبرئ وفهم منه أنه لا يمين بمجرد الدعوى. قال مالك: ولو جاز هذا للنساء والعبيد لم يشأ عبد إلا حلف سيده ولا امرأة إلا حلفت زوجها كل يوم.
وتُوقَفُ الزَّوْجَةُ ثمَّ إنْ نَكَلْ ** زَوْجٌ فَسِجْنٌ ولِعامٍ العَمَلْ

(وتوقف الزوجة) قبل الحلف أي يحال بينها وبين زوجها، وكذا العبد للإعذار في الشاهد أو لإرادة إقامة ثان فإن عجز المطلوب عن الدفع وعجز الطالب عن الإتيان بثان توجهت اليمين (ثُمَّ إن نكل) عنها (زوج) أو سيد أو قاذف (فسجن) لازم للجميع وفي قدر مدته روايات قيل أبداً حتى يحلف، وقيل إلى أن يطول والطول بالاجتهاد وقيل عام كما قال: (ولعام العمل) فإن حلفوا بعدها وإلا أطلقوا، وإنما لم يكن النكول كشاهد لأن هذه ليست بمال، وكان مالك يقول: تطلق بالنكول مع الشاهد ثُمَّ رجع إلى ما في النظم فقوله: فسجن مبتدأ والخبر محذوف كما ترى وثم للترتيب عطفت جملتي الشرط والجزاء على جملة توقف، وفهم من تخصيصه الحكم بهذه الثلاث أن غيرها مما لا يثبت إلا بعدلين لا يجزى فيه ذلك، فلا يحلف السارق لرد شهادة الشاهد بالنسبة لقطعه ولا الصبي لرد شهادة الشاهد ببلوغه بالنسبة لإقامة الحد عليه، ولا المرتد لرد شهادة الشاهد التعديل والتسفيه ونحو ذلك، ولا يسجن الولي بعدم حلفه لرد شهادة الشاهد بعفوه بل يسقط القصاص، كما إذا لم يحلف مع مجرد الدعوى (خ) وللقاتل الاستحلاف على العفو إلخ.
وذلك لأن العفو تخلفت فيه قاعدة كل دعوى لا تثبت إلا بعدلين فلا يمين بمجردها. وكذا النكاح إن ادعاه أحد الزوجين على الآخر فلا يمين لرد شهادة شاهده لأنه لو أقرّ به لم يثبت بخلاف الطلاق وما معه، ولأن الغالب شهرته فالعجز عن شاهدين دليل على كذب مدعيه ما لم يكونا طارئين وإلاَّ توجهت لرد شهادة الشاهد لأن الشهرة لا تتأتى في الطارئين (خ) وحلف بشاهد في طلاق وعتق لا نكاح، فإن نكل حبس وإن طال دين.
وقيلَ لِلزَّوْجَةِ إذْ يُدَيَّنُ ** تَمْنَعُ نَفْسَها ولا تَزَيَّنُ

(وقيل للزوجة إذ يدين) مبني للمفعول نائبه يعود على الزوج، وهذا وجه تخصيصه بالذكر فيما مر، وإلا فالسجن لا يختص به كما مرّ والمجرور والظرف يتعلقان بقيل (تمنع نفسها ولا تزين) أي لا تستعمل زينة النساء فهو مبني للفاعل حذفت منه إحدى التاءين لأن أصله لا تتزين والجملة من تمنع وما عطف عليها في محل رفع نائب فاعل قيل: أي يقال لها هذا اللفظ ولا مفهوم للزوجة، بل أمة الوطء كذلك في العتق وما ذكره في الزوجة ظاهر إذا كان الطلاق بائناً (خ) ولا تمكنه إن سمعت إقراره وبانت أي والحال أنها بانت ولا تتزين إلا كرهاً ولتفتد منه وفي جواز قتلها له عند مجاورتها قولان.

.فصل [في قوله: ثُمَّ الشهادة لدى الأداء]:

ذكر فيه القسم الخامس من أقسام الشهادة المتقدمة في قوله: ثُمَّ الشهادة لدى الأداء. جملتها خمس إلخ.
وما يقال هنا من أن هذا القسم ليس من أقسامها، بل هو قسيم أي مقابل لها مناقشة لفظية لا طائل تحتها.
خامِسَةٌ لَيْسَ عَليها عَمَلُ ** وهْيَ الشَّهاةُ التي لا تُقْبَلُ

(خامسة) مبتدأ سوغه الوصف كما مرّ والجملة من قوله: (ليس عليها عمل) خبره أي لا عمل عليها في شيء فلا توجب يميناً ولا توقيفاً فضلاً عن غيرهما (وهي) مبتدأ (الشهادة) خبره (التي لا تقبل) صفة أي لا تقبل ما لتخلف شرط من الشروط المتقدمة أول الباب.
كَشَاهِدِ الزُّور والإبْنِ لِلأبِ ** وما جَرِىمَجْرَاهُما مِمَّا أُبي

(كشاهد الزور) سواء ظهر عليه في هذه الشهادة أو فيما قبلها لأنه فاسق (و) أما القيام مانع كشهادة (الابن للأب) والزوج للزوجة (وما جرى مجراهما مما أبي) أي منع فمما جرى مجرى الأول فقد العقل والبلوغ والحرية وعدم اجتناب الكبائر المشار لها بقوله أول الباب: وشاهد صفته المرعية، إلى قوله: وما أبيح وهو في العيان إلخ.
ومن ذلك من اعتاد مؤاجرة نفسه لأهل الذمة يستعملونه في الحراثة وشبهها لما فيه من إهانة الإسلام، ومما جرى مجرى الثاني العداوة وتهمة الجر والدفع المشار لها بقوله: والأب لابنه وعكسه منع. إلى قوله: وحيثما التهمة حالها غلب. كحالة العدو والظنين إلخ.
فقوله مجراهما بفتح الميم ظرف يتعلق بجرى، ومما بيان لما يتعلق بجرى وأبى بضم الهمزة مبني للمفعول صلة ما.

.فصل في شهادة السماع:

وهي قسمان: ما يفيد العلم سواء بلغ حد التواتر المفيد للقطع كالسماع بأن مكة موجودة وعائشة زوج النبي (صلى الله عليه وسلم)، أو حدّ الاستفاضة المفيدة للظن القوي القريب من القطع، كالسماع بأن نافعاً مولى ابن عمر، وعبد الرحمن هو ابن القاسم، وهذا القسم لا يصرح الشاهد فيه بالسماع، بل يجزم الشهادة فقد قيل لابن القاسم: أيشهد بأنك ابن القاسم من لا يعرف أباك ولا أنك ابنه إلا بالسماع؟ فقال: نعم يقطع بهذه الشهادة ويثبت بها النسب والإرث. ابن رشد: لا خلاف في هذا لأن الخبر إذا انتشر أفاد العلم فإذا انتشر الخبر بأن فلاناً تزوج فلانة وكثر القول به جازت الشهادة بالنكاح على القطع، وإن لم يحضر لعقده وكذا الموت والنسب وغيرهما إذا حصل له العلم بذلك من جهة السماع فيؤدي شهادته على القطع فيقول: نعلم أنها زوجته وأنه ابن فلان ولا يخبر بأن ذلك العلم إنما حصل له من جهة السماع. قلت: إذا أخبر بذلك هل تبطل به الشهادة كما مرّ عند قوله وغالب الظن إلخ.
والظاهر أنها لا تبطل إذا صرح بالانتشار أو التواتر.
القسم الثاني: ما لا يفيد العلم ولا الظن القريب منه وهذا هو الذي يقصد الفقهاء الكلام عليه، وإذا أطلقت شهادة السماع إنما تنصرف إليه وهو راجع في الحقيقة للشهادة التي توجب الحق مع اليمين. ابن عرفة: هي لقب لما يصرح الشاهد فيه بإسناد شهادته لسماع من غير معين فتخرج شهادة البت والنقل فالبت خرج بقوله بإسناد شهادته لسماع، والنقل بقوله من غير معين، والكلام عليها في هذا القسم من وجهين. الأول: شرطها ومنه تعلم كيفيتها. الثاني: محلها أي المحل الذي تجوز فيه دون غيره، فأما الشرط فسيأتي في قول الناظم: وشرطها استفاضة إلى قوله: مع السلامة من ارتياب إلخ.
وأما محلها وهو ما تقبل فيه ففيه طرق. ثالثها لابن شاس وابن الحاجب وغيرهما أنها تجوز في مسائل معدودة، ولرجحانها اقتصر الناظم عليها فقال:
وأُعْمِلَتْ شَهادَةُ السَّماعِ ** في الحَمْلِ والنِّكاح والرَّضَاعِ

(وأعملت شهادة السماع في الحمل) يتعلق بأعملت أي يشهدون بالسماع الفاشي أن الأمة الفلانية حملت من سيدها فلان حملاً ظاهراً لا خفاء فيه فتصير بذلك أم ولد إن ادعت سقوطه وتصدق في ذلك، وإلاَّ فهو قوله فيما يأتي والميلاد إلخ.
وهذا ظاهر إن كان السيد قد مات أو كان حياً أو أقرّ بوطئها وإلاَّ فلا.
(والنكاح) أي يشهدون بالسماع الفاشي على ألسنة أهل العدل وغيرهم أن فلاناً نكح فلانة هذه بالصداق المسمى وأن وليها فلاناً عقد عليها نكاحها برضاها وأنه فشا وشاع بالدف والدخان. هكذا ذكر المتيطي هذه الوثيقة في نهايته قال: فإذا أعذر القاضي للمرأة ولم تجد مطعناً ثبت النكاح واستحق البناء بها. وقال قبل هذه الوثيقة ما نصه: فإن أتى المدعي منهما ببينة بالسماع الفاشي من أهل العدل وغيرهم على النكاح واشتهاره بالدف والدخان ثبت النكاح على المشهور المعمول به. وقال أبو عمران: إنما يعمل بالسماع في النكاح إذا اتفق الزوجان عليه وإلاّ فلا. اهـ.
واقتصر ابن هارون في اختصاره على قوله: فإن أتى المدعي إلخ.
وكذا ابن فرحون في تبصرته، فظاهر كلامهم أن قول ابن عمران مقابل وصرح به في الشامل في تنازع الزوجين فقال: ولا يثبت النكاح إلا ببينة ولو بسماع على اشتهاره بدف ودخان على المشهور، وقيل: إن اتفقا على الزوجية. اهـ.
وشهر في شهادة السماع في باب الشهادات ما لأبي عمران فقال: ونكاح اتفق عليه الزوجان على المشهور وإلاَّ فلا. اهـ.
قال ابن رحال: عقبه ما قاله أبو عمران وشهره في الشامل يعني في باب الشهادات فيه ما فيه، وقال في حاشيته: هنا الراجح الجواز وإن لم تكن تحت الحجاب ونحوه ل (ز) في تنازع الزوجين وعلى خلاف أبي عمران رد (خ) بقوله في التنازع ولو بالسماع وقد علمت من هذا أن النكاح يثبت بالسماع على المعمول به، ولو أنكرت المرأة أو لم تكن تحت حجاب الزوج خلافاً لأبي عمران في الإنكار ولابن الحاج فيما إذا لم تكن تحت الحجاب وهذا كله إذا لم تكن تحت زوج آخر، وإلاَّ فلا تنزع منه بالسماع اتفاقاً. فإن قيل: ظاهر ابن الحاج أنه لا يعمل بها إذا لم تكن تحت حجابه ولو مقرة بالنكاح وظاهر ما لأبي عمران عكسه وكيف يكلفان بثبوته مع الإقرار وكونها تحت الحجاب؟ قلنا: يكلفان حيث كانا بلديين لرفع الحد عنهما ولا يكفي فيه الواحد كما مرّ عند قوله: رابعة ما تلزم اليمين إلخ.
وظاهر ما مر عن المتيطي أن بينة السماع لابد أن تذكر العاقد والصداق كبينة القطع، وهذا ظاهر إذا حملنا كلامه على شرط الصحة، والظاهر أنه شرط كمال بدليل قوله: وإن فشا وشاع بالدخان. الخ، مع أنهما لا تشترط معاينتهما ولا كونهما من جملة المسموع كما في (ز) وغيره ولأن الفرض أن النزاع في أصل الزوجية لا في تلك الفصول فإذا رجع المنكر عن إنكار أصل الزوجية إلى أنها وقعت بغير ولد أو بغير رضاها فذلك انتقال من دعوى لأخرى فتبطل الأولى والثانية، وهذا كله إذا لم يطل الزمان وإلا فيكفي السماع بأنها زوجته ولاسيما مع موت أحدهما. ابن رشد: إذا كانت المرأة منقطعة عمن تقاررت معه على النكاح ولا بينة على أصله وليسا بطارئين فقيل لا ميراث بينهما، وإن طال ذلك وفشا في الجيران قال: وهذا القول بعيد لأن النكاح مما تصح فيه شهادة السماع إذا مضى من الزمان ما يبيد فيه الشهود أي كالعشرين سنة ونحوها. وقول المتيطي والشامل بالدف والدخان لا مفهوم له، بل لو لم يتعرضوا لهما لصح، وكذا لو لم يتعرضوا للصداق فيما يظهر ويجب صداق المثل كما ذكروه فيما إذا شهدوا بالقطع ولم يحفظوا صداقاً لجواز نكاح التفويض والله أعلم.
(والرضاع) أي لم يزالوا يسمعون أنها أخته أو أمه من الرضاع فتنتشر الحرمة وظاهره كغيره أنه يفرق بينهما بهذه ولو بعد العقد كما أن ظاهر كلامهم أيضاً أن السماع الفاشي بالعتق ينتزع به من حائزه حيث لم تكن له بينة قاطعة بملكة وإلاَّ لم يكن لبينة السماع فائدة. وبيانه: أن مدعي رقبته له لا يستحقه بمجرد دعواه، فإن كانت له بينة بملكه قدمت بينة الملك فلا حاجة لبينة السماع فيهما، وإن لم يكن له إلا مجرد الحوز فهو الذي تظهر فيه ثمرتها وهو المطلوب فتأمل ذلك، وحينئذ فقولهم بينة السماع لا ينتزع بها من حائز مخصوص بما يحول ويزول والله أعلم.
والحَيْضِ والمِيرَاثِ والمِيلادِ ** وحالِ إسْلامِ أو ارْتِدادِ

(والحيض) فيثبت به الخروج من العدة في الطلاق الرجعي فلا توارث بينهما بعده (والميراث) حيث شهدوا بالسماع أنه مات وأنه لا وارث له سوى فلان لكونه مولاه أو ابن عمه وأنهم سمعوا أنه يجتمع معه في الجد الفلاني أو في جد واحد كما في البرزلي عن ابن رشد، وهذا حيث لم يكن هناك وارث معلوم النسب (والميلاد) فتصير الأمة أم ولد وتخرج به الحرة من العدة فلا توارث إن مات أحدهما (وحال إسلام أو) حال (ارتداد) فتبنى عليهما أحكامهما من الإرث وغيره.
والجَرْحِ والتَّعْدِيلِ والوَلاءِ ** والرُّشْدِ والتَّسْفِيهِ والإيصاءِ

(والجرح) بفتح الجيم أي التجريح وظاهره كغيره بينوا سببه أم لا كقولهم: لم تزل تسمع أنه مجرح فتسقط شهادته (والتعديل) فيعمل بشهادته وما ذكره في التجريح والتعديل قال القرافي في فروقه: محله إذا لم يدرك زمان المجرح والمعدل بالفتح وإلا فلابد من القطع (والولاء) والمراد به اللحمة التي هي كلحمة النسب لا مجرد المال فقط خلافاً لقول (خ) في العتق والولاء: وإن شهد واحد بالولاء أو اثنان أنهما لم يزالا يسمعان أنه مولاه لم يثبت لكنه يحلف ويأخذ المال الخ فإنه خلاف المعتمد.
(والرشد) فتمضي أفعاله ولو مولى عليه على ما به العمل من اعتبار الحال لا الولاية (والتسفيه) فترد أفعاله ولو لم يكن مولى عليه (والإيصاء) بالنظر لشخص معين على الأولاد كما في التبصرة عن الكافي، وأما الوصية بالمال فهي داخلة في الهبة والصدقة كما قال:
وفي تَمَلُّكٍ لمِلْكٍ بِيَدِ ** يُقامُ فِيهِ بَعْدَ طُولِ المَدَدِ

(و) أعملت أيضاً (في) سبب (تملك) أي دخول (لملك) أصلاً كان أو غيره (بيد) حائزه فأطلقوا السبب الذي هو التملك بمعنى الدخول في الملك على سببه الذي هو ما يوجب النقل من الشراء والصدقة ونحوهما، والباء بمعنى في تتعلق بملك والأصل إضافة تملك لملك لكن لما كانت الإضافة بمعنى اللام أظهرها للوزن أي وأعملت في سبب دخول الملك في ملك ذي يد، فإذا كان الملك بيده ثُمَّ (يقام) عليه (فيه بعد طول المدد) جمع مدة كالعشرين سنة على ما به العمل وأثبت القائم أن الملك لأبيه أو جده، فإن ذا اليد يكفيه بينة السماع أنه اشتراه من كأبي القائم أو وهبه له أو تصدق به عليه أو أوصى به له، وإنما تسمع بينة القائم ويحتاج الحائز إلى ردها ببينة السماع إذا كان له عذر من غيبة أو سفه ونحوهما، وإلاَّ فمجرد الحيازة مدة من عشر سنين قاطع لبينته كما يأتي إن شاء الله، ومفهوم بعد طول أنه لا يعمل بها مع عدمه وهو كذلك لأن الطول مظنة انقراض البينات، فلذا اكتفى معه بالسماع وانظر ما يأتي عند قوله مع السلامة من ارتياب، وظاهره أنه خاص بالتملك المذكور وهو خلاف ظاهر. ابن الحاجب: من شرطيته في جميع الإفراد وعليه قرره ابن عبد السلام وهو ما عول عليه الشارح فيما يأتي حيث قال: من شروطها تقادم العهد وطول الزمن. قال ابن رحال في حاشيته: هنا طول الزمان يشترط في جميع أفراد شهادة السماع إلا في ضرر الزوجين. اهـ.. ويمكن تمشية المصنف عليه بجعل قوله: يقام فيه الخ راجعاً لجميع ما مر وأنه حذفه من قوله وعزل حاكم الخ لدلالة ما قبله عليه، وقوله: إلا في ضرر الزوجين يريد وكذلك النكاح في حياة الزوجين كما مر تفصيله، وتأمل ما معنى اشتراطه حينئذ في نحو الحيض والحمل، والظاهر أن معناه في الحمل حينئذ أن تحتاج الأمة بعد موت سيدها من نحو عشرين سنة إلى إثبات كونها حملت من سيدها لتثبت حريتها أو يحتاج أولادها الذين نشأوا بعد ذلك الحمل إلى ذلك ليكون لهم حكمها، وكذا في الحيض فإن الزوج إذا طلق زوجته طلاقاً رجعياً وأشهد بارتجاعها فماتت الزوجة وبعد مدة من عشرين سنة مثلاً تنازع الزوج وورثتها في الميراث فأقام الورثة بينة بالسماع أنها حاضت الثالثة قبل تاريخ الارتجاع فلا ميراث للزوج، وإلاَّ فالمرأة مصدقة في انقضاء عدتها فيما يمكن فلا تحتاج لسماع والذي لابن هارون واعتمده ابن عرفة أن الطول إنما يشترط في الأملاك والأشربة والأحباس والأنكحة والصدقة والولاء والنسب والحيازة. اهـ.
فانظر ذلك فإن كثيراً من المتأخرين ممن وقفنا عليه يسرد هذه الأمور من غير بيان لكيفية تصورها.
تنبيه:
ظاهر النظم أنه لا يحتاج في الوثيقة إلى بيان قدر الطول، وإنما يعتمد الشاهد عليه فقط قال في المتيطية: ولا يجب في الشهادة بيان مدة السماع وبه جرى العمل عند غير واحد من الموثقين. وقال ابن المكودي وغيره من الأندلسيين: لابد من ذكر المدة للاختلاف في قدر المدة التي تجوز فيها شهادة السماع اه بلفظ الاختصار. قلت: وما لابن المكودي هو الواجب فيما إذا كان الشاهد من غير أهل العلم، وعليه فإن سقط ذكر المدة من الوثيقة فيسئل عنها كما مرّ عند قوله: وغالب الظن إلخ.
وكما قالوا في الحيازة القاطعة لحجة القائم من أن العمل على أنه لابد من التصريح في وثيقتها بعشر سنين لاختلاف الناس في قدر مدتها كما يأتي إن شاء الله.
وينبغي أن يكون محل الخلاف المذكور إنما هو إذا قال الشاهد: كنت أسمع أو سمعت سماعاً فاشياً إلخ.
أما إذا قال (لم) أزل أسمع فقال أبو الحسن في كتاب اللقطة: يقوم منها أي من المدونة أن الشاهد إذا قال: لم أزل أسمع أن هذا الموضع حبس في وجه كذا أن الشهادة عاملة ويحمل على أنه من يوم عقل وفهم، وإذا قال كنت أسمع أو سمعت فإنه يلزمه تحديد لمدة واستمرارها إلى حين التاريخ لأن قوله: سمعت إنما يحمل على مدة واحدة وكأن تقتضي التكرار ولا تقتضي استغراق الماضي وإن كان فيها خلاف بين الأصوليين اه ونحوه للفشتالي في وثيقة السماع بالحبس.
وحَبْسِ مَنْ جاز مِنَ السِّنِينا ** عَلَيْهِ ما يُناهِزُ العِشْرِينَا

(و) أعملت أيضاً في (حبس من) نعته (جاز من السنينا عليه ما يناهز) أي يقارب (العشرينا) سنة فما فاعل جاز ويناهز صلتها وعليه يتعلق بجاز ومن السنين بيان لما. وكيفية وثيقته أن يقولوا لم يزالوا يسمعون سماعاً فاشياً من أهل العدل وغيرهم أن الدار الفلانية مثلاً محبسة على مسجد كذا أو على بني فلان وعقبهم ويعرفونها تحاز بما تحاز به الأحباس وتحترم بحرمتها واتصل ذلك في علمهم إلى الآن ويحوزونها بالوقوف إليها والتعيين لها متى دعوا إلى ذلك إلخ.
فإن سقط من الوثيقة أنها تحاز، أو المعرفة بأنها تحاز فالشهادة غير عاملة. وفي المدونة ما ظاهره أنها تامة إذا سقطت المعرفة فقط ففيها والشهادة على السماع في الأحباس جائزة لطول زمانها يشهدون أنا لم نزل نسمع أن هذه الدار حبس تحاز بما تحاز به الأحباس الخ، لكن حملها ابن ناجي على خلاف ظاهرها فقال: قصد بقوله تحاز القطع بذلك فيقولون نعلم أنها تحاز بحوز الأحباس على القطع لا أنه داخل تحت السماع وعلى ذلك حمله ابن رشد ونقله ابن فتوح وغيره على المذهب، وبه العمل. وقيل: لا يشترط ذلك بل إدخاله تحت السماع كاف قاله ابن سهل. اهـ.
فعلم من هذه الوثيقة أنهم إذا قالوا لم نزل نسمع أنها حبس ولم نسمع تحبيس من هي فالشهادة تامة وهو كذلك قاله في المتيطية وهو ظاهر ابن سهل وغيره خلافاً لما في التبصرة من أنه لابد أن يضمن في الوثيقة أن الدار كانت ملكاً للمحبس لأن معرفة المحبس وإثبات ملكه إنما يحتاج إلى التنصيص عليهما في الشهادة على أصل التحبيس بتاً لا سماعاً كما لابن عبد السلام، وفي وصايا المعيار أثناء جواب ما نصه: شاهدت عند أبي بكر القاضي شورى في عقد حبس كتبه أبو عمر الشاطبي وفيه: يعرفون المواضع التي بموضع كذا حبساً من حبس فلان وأنها تحترم بحرمة الأحباس فقال ابن عتاب لابن ذكوان: لا يجوز بهذا الرسم حكم إلا بعد ثبوت ملك المحبس وموته وعدة ورثته والإعذار في ذلك، وكان الشاطبي المذكور بالحضرة فقال لابن عتاب: كيف لا يحكم بالرسم وقد نص فيه على أنها تحترم بحرمة الأحباس؟ فقال له ابن عتاب: اسكت إنما عليك أن تسمع ولا تعترض. اهـ.
ولابن رشد في أجوبته: لا يجب القضاء بالحبس إلا بعد أن يثبت التحبيس وملك المحبس لما حبس يوم التحبيس وتعيين الأملاك المحبسة بالحيازة فإذا ثبت ذلك وأعذر فيه للمقوم عليه فالقضاء بالحبس واجب. اهـ.
وهو موافق لما مرّ عن ابن عتاب، وذكر هذا ابن فتوح في الوثائق المجموعة في عدة عقود لما ذكر في بعضها أنه إن عرف الشهود الملك كان أتم، وذكر في بعضها أن الشهود إذا لم يعرفوا الملك أسقط من الوثيقة فمقتضاه عدم اشتراط ثبوت الملك في الشهادة ببت الحبس إلا أنه إن ذكر فهو أتم، ونحوه للمتيطي وبكلامهما اعترض ابن عرفة على ابن عبد السلام قال بعض الفضلاء: وفيه نظر، فإن مقتضى ما لابن عتاب وابن رشد وغيرهما أن اشتراط ذلك هو المذهب، وما في المتيطي وابن فتوح لا نسلم أنه يقتضي عدم الاشتراط لاحتمال أن يكون معناه إن لم يعرف الشهود ذلك أسقطوه ثُمَّ لا يتم الحكم بالحبس إلا به بأن يشهد بالملك من يعرفه من غيرها وقد صرح المتيطي بذلك في موضع آخر فتأمله وهذا كله في شهادة البت، وأما شهادة السماع فلا يشترط فيها تسمية المحبس ولا إثبات ملكه. اهـ.
المراد من كلام هذا الفاضل وما ذكره في البت من اشتراط ثبوت الملك نحوه في (ح) وضيح مقتصرين عليه، وصرح ابن رحال برجحانيته، وفي الفشتالية فإن ذكر في الوثيقة أي وثيقة السماع اسم المحبس فلابد من إثبات الملك وموته وعدة ورثته. قال صاحب الوثائق المجموعة، وقيل إن بعد عهد موت المحبس وتعذر إثبات ورثته فإن ذلك ساقط ولا يلزم إثبات ذلك. اهـ.
فأنت ترى كيف ضعفه بقيل، وما ذكره عن ابن عرفة من الاعتراض تبعه عليه البرزلي في نوازله وسلمه، وعلى القول باشتراط ثبوت الملك فمعناه أن الحبس لا يكون حجة للقائم به بحيث يقابل التحبيس الملك الذي أثبته الغير فإن لم يقم فيه أحد فيثبت الحبس وإن لم يثبت ملكه وبالوجه الذي يرد للورثة يكون حبساً قاله ابن رحال.
تنبيه:
إنما يعمل السماع بالحبس فيما بيد المشهود له أو لابد لأحد عليه إذ السماع لا ينزع به من يد حائزه كما مرّ، وظاهر ابن عرفة وغيره أنه ينزع به انظر (ز) وحش وإنما يعمل به أيضاً في الحبس إذا نصوا على التعصيب، والمرجع فإن سقط التنصيص عليه فالشهادة ناقصة لا تعمل شيئاً قاله في الفشتالية والمتيطية وغيرهما. قال أبو عبد الله المجاصي في جواب له: والمراد بالسقوط عند الأداء لا في الوثيقة، وإنما يضر الإجمال في العقب والمرجع إذا ذكرا معاً أو أحدهما أما مع عدم التعرض لهما ولا لأحدهما في الشهادة فيثبت الحبس ويكون القول لمدعي التعقيب إذ هو غالب أحباس زماننا لا كما يفهمه حكام البوادي فإن العرف محكم. ذكر هذا القاضي أبو مهدي سيدي عيسى السجستاني. اهـ.
وعَزْلِ حَاكِمٍ وفي تَقْدِيمهِ ** وضَرَرِ الزَّوْجَيْنِمِنْ تَتْمِيمِهِ

(و) أعملت في (عزل حاكم) أيضاً كقولهم لم نزل نسمع من أهل العدل وغيرهم أنه عزل في تاريخ كذا فلا يمضي ما صدر منه من الأحكام بعد ذلك (و) أعملت (في تقديمه) أي الحاكم أي توليته فتمضي أحكامه التي حكمها بعد تاريخها (و) في (ضرر الزوجين) كقولهم: سمعنا من أهل العدل وغيرهم أن فلاناً يضر بزوجته من غير ذنب يوجب ذلك أو أنها تسيء عشرتها له، فيثبت لها الخيار في طلاق نفسها في الأول، ويرد الزوج المال إن ثبتت الشهادة بعد الخلع (خ) ورد المال بشهادة سماع على الضرر الخ، ويأتمنه الحاكم عليها في الثاني أو يخالعها له بالنظر كما يأتي في فصل إثبات الضرر إن شاء الله.
(من تتميمه) حال أي حال كون ضرر الزوجين متمماً لما يجوز فيه السماع، وهذا فيما حضر للناظم الآن، وجملة ما ذكره تسعة عشر، وزاد ابن العربي السبتي وولده: الصدقة، والهبة والقسمة والبيع والوصية والخلع والحرابة والإباق، لكن الخمس الأول داخلة في قول الناظم: وفي تملك الملك بيد إلخ.
كما مرّ لما علمت أن السماع لا ينزع به من يد حائز، وحينئذ فلابد أن يكون الموهوب ونحوه تحت الحائز ولا يمكن تصور ذلك فيما إذا كانت بيد الواهب ونحوه فتأمل ذلك، وزاد بعضهم الحوالة وهي بيع في الحقيقة والحيازة والوكالة والعتق والأسر والعدم وتنفيذ الوصايا ودخول الاهتداء والرفع على خط العدول وتقية الظالم ودفع نقد المهر والموت ويشترط في جوازها فيه طول الزمان أو تنائي البلدان، ويمكن دخوله في قول المصنف: والميراث. قال الجزيري: لابد في شهادة السماع بالموت أن يقولوا سمعنا فلاناً الذي نعرفه بعينه واسمه ونسبه مات يوم كذا في وقت كذا، ولا يستغنى عن التاريخ الذي مات فيه من جهة من يوارثه ليعلم به من مات قبله أو بعده. اهـ.
وفي الفشتالية: ولا تغفل أن تقول في السماع بالموت ويعرفون أن أهل الإحاطة بإرثه فلان لأنك إذا عطفت حصر الورثة على السماع دخل في ذلك ما دخل السماع بالحبس والنسب. قال ابن الهندي: مثل أن يشهدوا بالسماع الفاشي من أهل العدل وغيرهم أن فلان بن فلان قرشي من فخذ كذا يعرفونه وآباءه من قبله قد حازوا هذا النسب، ولا يعلمون أحداً يطعن عليهم فيه إلى الآن فمن نفاه عن هذا النسب بعد حد له. اهـ.
فيستفاد منه أنه يعمل به في الشرف أيضاً، وزيد أيضاً اللوث كأن يقولوا سمعنا سماعاً فاشياً أن فلاناً قتل فلاناً عمداً أو خطأ، وقد نقل ابن عرضون في عقود الطلاق منظومة في ذلك أنهى فيها مسائلها إلى خمسين فانظرها إن شئت. ولما تكلم على ما حضره من الأفراد التي تجوز فيها تكلم على شروطها العامة في كل فرد منها فقال:
وشَرْطُها اسْتِفَاضَةٌ بَحَيْثُ لا ** يُحْصَرُ مَنْ عَنْهُ السَّماعُ نُقِلاَ

(وشرطها) مبتدأ خبره (استفاضة بحيث) يتعلق بمحذوف صفة (لا يحصر) بالبناء للمفعول: (من) نائب (عنه) يتعلق بنقلا (السماع) مبتدأ (نقلا) بالبناء للمفعول خبر والجملة صلة من والجملة من قوله لا يحصر الخ في محل جر بإضافة حيث، ويجوز أن يكون بحيث عطف بيان على استفاضة وتفسير له، فالاستفاضة هي أن يكون المنقول عنه غير معين ولا محصور، وهذا الشرط لابد من التصريح به في الوثيقة أو عند الأداء، وهو الذي يعبرون عنه بكيفية شهادة السماع وصفتها أي: هذه الكيفية والصفة شرط فيها فيقولون سمعنا أو لم نزل نسمع سماعاً فاشياً من أهل العدل وغيرهم ولا يسمون المسموع منه فإن سموه خرجت إلى شهادة النقل فتعتبر حينئذ شروطه المشار لها بقول (خ) كأشهد على شهادتي إن غاب الأصل أو مات أو مرض ولم يطرأ فسق أو عداوة إلخ.
أما اشتراط الفشو فمتفق عليه كما هو ظاهر النظم إذ هو مراده بالاستفاضة، وأما كونه عن العدول وغيرهم ففيه خلاف فالذي للمتيطي وابن فتوح وهو ظاهر قول ابن القاسم في الموازية؛ أنه لابد من الجمع بين الكلمتين العدول وغيرهم في الوثيقة أو عند الأداء وإلا سقطت الشهادة قالوا: وبه العمل وهذا ظاهر قول النظم بحيث لا يحصر إلخ.
أي: بحيث لا يحصر من نقل عنه السماع في العدول أو في غيرهم وظاهر المدونة أن السماع من أحدهما كاف وهو ما شهره في ضيح وابن عرفة في باب الخلع والمتيطي في ضرر الزوجين فقالوا: إن المشهور المعمول به صحة الشهادة بالسماع في الضرر، وإن لم يكن من عدول بل من لفيف النساء والجيران فقط، وجعلوا القول باشتراط كونه من العدول وغيرهم مقابلاً، والظاهر من حكايتهم الأقوال المقابلة أنه لا خصوصية للضرر بذلك لأن تلك الأقوال جارية في جميع الأفراد، وعلى هذا عول العبدوسي في قصيدته حيث قال على ما أصلحه به ابن غازي:
وليس سمعها من العدول ** شرطاً بل اللفيف في المنقول

وكذا ابن عرضون في آخر قصيدته الآتية ورجحه (ح) في الشهادات فتبين أن كلاًّ من القولين عمل به، وزاد الأخير على الأول بكونه مشهوراً ظاهر المدونة بخلاف الأول، فإنما هو ظاهر الموازية كما صرح به المتيطي في نهايته في ضرر الزوجين وما تقدم عنه من أنه لابد من الجمع بين الكلمتين. ذكره في باب الحبس ولم يصرح أحد بتشهيره فيما علمت. فإن قيل: التشهير المذكور خاص بالضرر. قلنا: هو خلاف ظاهر كلامهم، ويلزم عليه أن العمل المذكور خاص بالحبس لأنهم فيه ذكروه، وأيضاً (فإن العلة) التي علل بها عدم الاشتراط كما لابن عبد السلام وغيره، وهي أن المقصود حصول العلم أو الظن للشاهد، وذلك يحصل من خبر غير العدل كما يحصل من العدل جارية في الجميع، وأيضاً إذا كان لا يشترط ذلك في الضرر المؤدي للفراق فأحرى غيره، وبهذا تعلم ما في رد طفي لكلام (ح) في الشهادات وظاهر القول بالاشتراط أن الشهادة تسقط، ولو كان الشهود من أهل العلم، وينبغي أن يقيد بما إذا لم يكونوا من أهل العلم كما نص عليه (م) في شرح اللامية عند قولها شهادة إعتاق.
مَعَ السَّلامَةِ مِنِ ارْتياب ** يُفْضِي إلى تَغْلِيظٍ وإكْذابِ

(مع السلامة) في محل الحال من استفاضة لأنها قد خصصت بالوصف (من ارتياب) يتعلق بالسلامة (يفضي) بضم أوله أي يؤدي (إلى تغليط) وهو الكذب لا عن عمد (أو إكذاب) وهو الكذب عن عمد، والجملة صفة لارتياب، ومفهومه أنه إذا لم تسلم الشهادة بالاستفاضة من الارتياب كأن يشهد اثنان بها. وفي القبيل أي البلد مائة من أسنانهما لا يعرفون شيئاً منها لم تقبل إلا أن يكونا شيخين كبيرين قد باد جيلهما فتقبل حينئذ لانتفاء الريبة. وحاصل شروطها خمسة أربعة في النظم طول الزمان لأن قصر الزمان مظنة لوجود شهادة القطع كما نبه عليه بقوله: يقام فيه بعد طول المدد إلخ.
والاستفاضة وانتفاء الريبة وعدم تسمية المسموع منه كما نبه عليه بقوله: بحيث لا يحصر إلخ.
لأن عدم الحصر يستدعي عدم التسمية ولم يبق عليه إلا تحليف المشهود له لأن السماع ضعيف، فلابد معه من اليمين. انظر الشارح في البيت بعده، وزيد سادس وهو كون المشهود به تحت يد المشهود له يدعيه لنفسه ولم تقم بينة قاطعة بأنه لغيره. قال ابن عرضون في آخر المنظومة المشار إليها آنفاً:
فمن شرطها طول الزمان لديهم ** وتحليف من قد قام بالسمع واعتلا

وأن تنتفي عنها قبائح ريبة ** وأن لا يسمى من فشا عنه أولا

ولا تنتزع بالسمع ما تحت حائز ** على مذهب الجمهور والصفوة الملا

ولا تشترط في السمع وصف عدالة ** خصوصاً ولكن باللفيف تسربلا

اهـ.
وأما اشتراط الاشتهار، وهو أن لا يكون المشهود فيه من شأنه الاشتهار، وأن لا يختص بمعرفته بعض الناس كالأحباس العامة والأنساب دون الحبس الخاص بمعين، فإنه قد لا يشتهر كما في الشارح فهو راجع لانتفاء الريب. واعلم أن الموت لا يخلو إما أن يكون في البلد أو في غيره فالأول يثبت بالسماع عند من قال به كابن هارون وابن رحال في حاشيته إلا بشرط الطول الذي تنقرض فيه البينات وينقطع فيه أهل العلم، وهو ظاهر كلام المجموعة المتقدم لأن ظاهرها كانت الشهادة في الموت أو في غيره، وهو معنى قول ابن هارون المشترط في الموت أما طول الزمن أو تنائي البلدان يريد طول الزمان في البلد أو تنائي البلدان في غيره، ومنهم من قال: لا تقبل في البلد إلا على القطع لأنه في البلد مظنة تواتر الخبر فيحصل العلم وهو ظاهر قول (خ) وموت ببعد وقال في الشامل: وعمل بالسماع على الموت فيما بعد عن بلد الموت لا فيما قرب أما في بلده فإنما هي شهادة (بت) ولو كان أصلها السماع. اهـ.
ويُكْتفى فيها بِعَدْلَيْنِ عَلَى ** ما تابَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ العَمَلا

(ويكتفى) مبني للمفعول (فيها) يتعلق به (بعدلين) نائب (على ما) أي القول الذي (تابع الناس عليه العملا) والمجرور بعلى الأولى يتعلق بيكتفى وبالثانية يتعلق بالمصدر وما ذكره من الاكتفاء بالعدلين هو المشهور المعمول به كما في المتيطية قال في المفيد: وهو قول ابن القاسم وبه الحكم. وقال ابن الماجشون: أقل ما يجوز في ذلك أربعة شهداء لأنها شبيهة بالشهادة على الشهادة، ومفهوم عدلين أن الواحد لا يكفي وهو كذلك، فإن شهد أحدهما بالحبس مثلاً وحيازته على القطع وشهد آخر به على السماع لم يحكم بها حتى يشهدوا على السماع أو القطع قاله في المتيطية.