فصل: فصل: أنصاف القرآن ثمانية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: فِي عَدَدِ سُوَرِ الْقُرْآنِ وَآيَاتِهِ وَكَلِمَاتِهِ وَحُرُوفِهِ:

قَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مِهْرَانَ الْمُقْرِئُ عَدَدُ سُوَرِ الْقُرْآنِ مِائَةٌ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ سُورَةً وَقَالَ بَعَثَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ إِلَى قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ فَجَمَعَهُمْ وَاخْتَارَ مِنْهُمُ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ وَأَبَا الْعَالِيَةِ وَنَصْرَ بْنَ عَاصِمٍ وَعَاصِمًا الْجَحْدَرِيَّ وَمَالِكَ بْنَ دِينَارٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَقَالَ عُدُّوا حُرُوفَ الْقُرْآنِ فَبَقَوْا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ يَعُدُّونَ بِالشَّعِيرِ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ كَلِمَاتِهِ سَبْعٌ وَسَبْعُونَ أَلْفَ كَلِمَةٍ وَأَرْبَعُمِائَةٍ وَتِسْعٌ وَثَلَاثُونَ كَلِمَةً وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَدَدَ حُرُوفِهِ ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفٍ وَثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ حَرْفًا انْتَهَى.
وَقَالَ غَيْرُهُ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَدَدَ آيَاتِ الْقُرْآنِ سِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ وَمِائَتَا آيَةٍ وَأَرْبَعُ آيَاتٍ وَقِيلَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ آيَةً وَقِيلَ مِائَتَانِ وَتِسْعَ عَشْرَةَ آيَةً وَقِيلَ مِائَتَانِ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ آيَةً أَوْ سِتٌّ وَعِشْرُونَ آيَةً وَقِيلَ مِائَتَانِ وَسِتٌّ وَثَلَاثُونَ حَكَى ذَلِكَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فِي كِتَابِ الْبَيَانِ.
وَأَمَّا كَلِمَاتُهُ فَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ شَاذَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ سَبْعٌ وَسَبْعُونَ أَلْفَ كَلِمَةٍ وَأَرْبَعُمِائَةٍ وَسَبْعٌ وَثَلَاثُونَ كَلِمَةً.
وَأَمَّا حُرُوفُهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفِ حَرْفٍ وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ حَرْفٍ وَقَالَ سَلَّامٌ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحِمَّانِيُّ إِنَّ الْحَجَّاجَ جَمَعَ الْقُرَّاءَ وَالْحُفَّاظَ وَالْكُتَّابَ فَقَالَ أَخْبِرُونِي عَنِ الْقُرْآنِ كُلِّهِ كَمْ مِنْ حَرْفٍ هُوَ قَالَ فَحَسَبْنَاهُ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفٍ وَأَرْبَعُونَ ألف وَسَبْعُمِائَةٍ وَأَرْبَعُونَ حَرْفًا قَالَ فَأَخْبِرُونِي عَنْ نِصْفِهِ فَإِذَا هُوَ إِلَى الْفَاءِ مِنْ قَوْلِهِ في الكهف {وليتلطف} وَثُلُثُهُ الْأَوَّلُ عِنْدَ رَأْسِ مِائَةٍ مِنْ بَرَاءَةَ وَالثَّانِي عَلَى رَأْسِ مِائَةٍ أَوْ إِحْدَى وَمِائَةٍ مِنَ الشُّعَرَاءِ وَالثَّالِثُ إِلَى آخِرِهِ وَسُبْعُهُ الْأَوَّلُ إِلَى الدَّالِ فِي قَوْلِهِ: {فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ به ومنهم من صد عنه}.
وَالسُّبْعُ الثَّانِي إِلَى التَّاءِ مِنْ قَوْلِهِ فِي الأعراف: {حبطت أعمالهم} وَالثَّالِثُ إِلَى الْأَلِفِ الثَّانِيَةِ مِنْ قَوْلِهِ فِي الرعد: {أكلها} وَالرَّابِعُ إِلَى الْأَلِفِ فِي الْحَجِّ مِنْ قَوْلِهِ: {جعلنا منسكا} وَالْخَامِسُ: إِلَى الْهَاءِ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْأَحْزَابِ: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة} وَالسَّادِسُ إِلَى الْوَاوِ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْفَتْحِ: {الظانين بالله ظن السوء} وَالسَّابِعُ: إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ.
قَالَ سَلَامٌ عَلِمْنَا ذَلِكَ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.
قَالُوا وَكَانَ الْحَجَّاجُ يَقْرَأُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ رُبْعَ الْقُرْآنِ فَالْأَوَّلُ إلى آخر الأنعام والثاني إلى وليتلطف مِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ وَالثَّالِثُ إِلَى آخِرِ الْمُؤْمِنِ وَالرَّابِعُ إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فِي كِتَابِ الْبَيَانِ خِلَافًا فِي هَذَا كُلِّهِ.
وَأَمَّا التَّحْزِيبُ وَالتَّجْزِئَةُ فَقَدِ اشْتُهِرَتِ الْأَجْزَاءُ مِنْ ثَلَاثِينَ كَمَا فِي الرَّبِعَاتِ بِالْمَدَارِسِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَوْسِ بْنِ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ سَأَلَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِ كَيْفَ تُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ قَالُوا ثَلَاثٌ وَخُمْسٌ وَسَبْعٌ وَتِسْعٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ وَحِزْبُ الْمُفَصَّلِ مِنْ (ق) حَتَّى يَخْتِمَ.
أَسْنَدَ الزُّبَيْدِيُّ فِي كِتَابِ الطَّبَقَاتِ عَنِ الْمُبَرِّدِ أَوَّلُ مَنْ نَقَطَ الْمُصْحَفَ أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ ابْنَ سِيرِينَ كَانَ لَهُ مُصْحَفٌ نَقَطَهُ لَهُ يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ أَمَرَ أَبَا الْأَسْوَدِ أَنْ يَنْقُطَ الْمَصَاحِفَ وَذَكَرَ الْجَاحِظُ فِي كِتَابِ الْأَمْصَارِ أَنَّ نَصْرَ بْنَ عَاصِمٍ أَوَّلُ مَنْ نَقَطَ الْمَصَاحِفَ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ نَصْرُ الْحُرُوفِ.
وَأَمَّا وَضْعُ الْأَعْشَارِ فَقِيلَ إِنَّ الْمَأْمُونَ الْعَبَّاسِيَّ أَمَرَ بِذَلِكَ وَقِيلَ إِنَّ الْحَجَّاجَ فَعَلَ ذَلِكَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ عَدَدَ سُوَرِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِائَةٌ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ سُورَةً كَمَا هِيَ فِي الْمُصْحَفِ الْعُثْمَانِيِّ أَوَّلُهَا الْفَاتِحَةُ وَآخِرُهَا النَّاسُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ بجعل الأنفال والتوبة سُورَةً وَاحِدَةً لِاشْتِبَاهِ الطَّرَفَيْنِ وَعَدَمِ الْبَسْمَلَةِ وَيَرُدُّهُ تَسْمِيَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلًّا مِنْهُمَا وَكَانَ فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ اثْنَا عَشَرَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا الْمُعَوِّذَتَانِ لِشُبْهَةِ الرُّقْيَةِ وَجَوَابُهُ رُجُوعُهُ إِلَيْهِمْ وَمَا كَتَبَ الْكُلَّ وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ سِتَّ عَشْرَةَ وَكَانَ دُعَاءُ الِاسْتِفْتَاحِ وَالْقُنُوتِ فِي آخِرِهِ كَالسُّورَتَيْنِ وَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِمُوَافَقَتِهِمْ وَهُوَ دُعَاءٌ كُتِبَ بَعْدَ الْخَتْمَةِ.
وَعَدَدُ آيَاتِهِ فِي قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ستة آلاف ومائتان وَثَمَانِ عَشْرَةَ وَعَطَاءٍ سِتَّةُ آلَافٍ وَمِائَةٌ وَسَبْعٌ وَسَبْعُونَ وَحُمَيْدٌ سِتَّةُ آلَافٍ وَمِائَتَانِ وَاثْنَتَا عَشْرَةَ وَرَاشِدٌ سِتَّةُ آلَافٍ وَمِائَتَانِ وَأَرْبَعٌ.
وَقَالَ حُمَيْدٌ الأعرج نصفه: {معي صبرا} في الكهف وقيل عين {تستطيع} وقيل ثاني لا مي: {وليتلطف}.
وَاعْلَمْ أَنَّ سَبَبَ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي عَدِّ الْآيِ وَالْكَلِمِ وَالْحُرُوفِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه.
وَسَلَّمَ كَانَ يَقِفُ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ لِلتَّوْقِيفِ فَإِذَا عُلِمَ مَحَلُّهَا وَصَلَ لِلتَّمَامِ فَيَحْسَبُ السَّامِعُ أَنَّهَا لَيْسَتْ فَاصِلَةً.
وَأَيْضًا الْبَسْمَلَةُ نَزَلَتْ مَعَ السُّورَةِ فِي بَعْضِ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ فَمَنْ قَرَأَ بِحَرْفٍ نَزَلَتْ فِيهِ عَدَّهَا وَمَنْ قَرَأَ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَعُدَّهَا.
وَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ فِي الْكَلِمَةِ أن الكلمة لها حقيقة ومجاز وَرَسْمٌ وَاعْتِبَارُ كُلٍّ مِنْهَا جَائِزٌ وَكُلٌّ مِنَ الْعُلَمَاءِ اعْتَبَرَ أَحَدَ الْجَوَائِزِ.
وَأَطْوَلُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ هِيَ الْبَقَرَةُ وَأَقْصَرُهَا الْكَوْثَرُ.
وَأَطْوَلُ آيَةٍ فِيهِ آيَةُ الدَّيْنِ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ كَلِمَةً وَخَمْسُمِائَةٍ وَأَرْبَعُونَ حَرْفًا.
وَأَقْصَرُ آيَةٍ فِيهِ: {وَالضُّحَى} ثُمَّ: {وَالْفَجْرِ} كُلُّ كَلِمَةٍ خَمْسَةُ أَحْرُفٍ تَقْدِيرًا ثُمَّ لَفْظًا سِتَّةٌ رَسْمًا لَا: {مُدْهَامَّتَانِ} لِأَنَّهَا سَبْعَةُ أَحْرُفٍ لَفْظًا وَرَسْمًا وَثَمَانِيَةٌ تَقْدِيرًا وَلَا: {ثم نظر} لِأَنَّهُمَا كَلِمَتَانِ خَمْسَةُ أَحْرُفٍ رَسْمًا وَكِتَابَةً وَسِتَّةُ أَحْرُفٍ تَقْدِيرًا خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ.
وَأَطْوَلُ كَلِمَةٍ فِيهِ لفظا وكتابة بلا زيادة: {فأسقيناكموه} أحد عشر لفظا ثم: {اقترفتموها} عشرة وكذا: {أنلزمكموها} {والمستضعفين} ثم {ليستخلفنهم} تِسْعَةٌ لَفْظًا وَعَشَرَةٌ تَقْدِيرًا.
وَأَقْصَرُهَا نَحْوَ بَاءِ الْجَرِّ حَرْفٌ وَاحِدٌ لَا أَنَّهَا حَرْفَانِ خِلَافًا للداني فيهما.

.فصل: أنصاف القرآن ثمانية:

قَالَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ إِنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ لَهُ ثمانية أنصاف باعتبار آيه.
فَنِصْفُهُ بِالْحُرُوفِ النُّونُ مِنْ قَوْلِهِ: {نُكْرًا} فِي سورة الكهف والكاف مِنْ نِصْفِهِ الثَّانِي.
وَنِصْفُهُ بِالْكَلِمَاتِ الدَّالُ مِنْ قوله: {والجلود} في سورة الحج وقوله تعالى: {ولهم مقامع من حديد} مِنْ نِصْفِهِ الثَّانِي.
وَنِصْفُهُ بِالْآيَاتِ: {يَأْفِكُونَ} مِنْ سورة الشعراء وقوله تعالى: {فألقي السحرة} مِنْ نِصْفِهِ الثَّانِي.
وَنِصْفُهُ عَلَى عَدَدِ السُّوَرِ فَالْأَوَّلُ الْحَدِيدُ وَالثَّانِي مِنْ الْمُجَادَلَةِ.

.فَائِدَةٌ:

سُئِلَ ابْنُ مُجَاهِدٍ كَمْ فِي الْقُرْآنِ مِنْ قَوْلِهِ: {إِلَّا غُرُورًا}؟: فَأَجَابَ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ مِنْ النساء وسبحان والأحزاب وفاطر.
وَسُئِلَ الْكِسَائِيُّ كَمْ فِي الْقُرْآنِ آيَةً أَوَّلُهَا شين؟ فأجاب أربع آيات: {شهر رمضان} {شهد الله} {شاكرا لأنعمه} {شرع لكم من الدين} وَسُئِلَ كَمْ آيَةً آخِرُهَا شِينٌ؟ فَأَجَابَ: اثْنَانِ: {كالعهن المنفوش} {لإيلاف قُرَيْشٍ}.
وَسُئِلَ آخَرُ: كَمْ {حَكِيمٌ عَلِيمٌ}؟ قَالَ: خمسة ثلاثة في الأنعام وفي الحجر واحد وفي النحل واحد.
أَكْثَرُ مَا اجْتَمَعَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْحُرُوفِ الْمُتَحَرِّكَةِ ثَمَانِيَةٌ وَذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ سُورَةِ يُوسُفَ أَحَدُهُمَا: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كوكبا} فَبَيْنَ وَاوِ كَوْكَبًا وَيَاءِ رَأَيْتُ ثَمَانِيَةُ أَحْرُفٍ كلهن متحركات وَالثَّانِي قَوْلُهُ: {حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يحكم الله لي} عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ حَرَّكَ الْيَاءَ فِي قوله: {لِيَ} وَ: {أَبِيَ} وَمِثْلُ هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ: {سَنَشُدُّ عضدك بأخيك}.
وَفِي الْقُرْآنِ سُوَرٌ مُتَوَالِيَاتٌ كُلُّ سُورَةٍ تَجْمَعُ حُرُوفَ الْمُعْجَمِ وَهُوَ مِنْ أَوَّلِ: {أَلَمْ نَشْرَحْ لك صدرك} إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ.
وَآيَةٌ وَاحِدَةٌ تَجْمَعُ حُرُوفَ المعجم قوله تعالى {محمد رسول الله} الْآيَةَ وَسُورَةٌ كُلُّ آيَةٍ مِنْهَا فِيهَا اسْمُهُ تَعَالَى وَهِيَ سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ.
وَفِي الْحَجِّ سِتَّةُ آيَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ فِي آخِرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ اسْمَانِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ قَوْلُهُ: {ليدخلنهم مدخلا يرضونه}.
وَفِي الْقُرْآنِ آيَاتٌ أَوَّلُهَا: {قُلْ يَا أَيُّهَا} ثلاث: {قل يا أيها النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي} {قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم} {قل يا أيها الكافرون}.
وفيه {يا أيها الإنسان} آيتان: {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم}: {يا أيها الإنسان إنك كادح}.
آيَةٌ فِي الْقُرْآنِ فِيهَا سِتَّةَ عَشَرَ مِيمًا وهي: {قيل يا نوح اهبط بسلام} لآية.
وآية فيها ثلاث وثلاثون ميما: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم}.
سُورَةٌ تَزِيدُ عَلَى مِائَةِ آيَةٍ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ جَنَّةٍ وَلَا نَارٍ سُورَةُ يُوسُفَ.
آيَةٌ فيها: {الجنة} مرتان لا: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الجنة}.
ثَلَاثُ آيَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ الْأُولَى رَدٌّ عَلَى الْمُشَبِّهَةِ والأخرى رَدٌّ عَلَى الْمُجَبِّرَةِ وَالْأُخْرَى رَدٌّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ قوله: {إذ نسويكم برب العالمين}، رَدٌّ عَلَى الْمُشَبِّهَةِ {وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ} رَدٌّ عَلَى الْمُجَبِّرَةِ، {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ} رَدٌّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ.
لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ حَاءٌ بَعْدَهَا حَاءٌ لَا حَاجِزَ بَيْنَهُمَا إِلَّا فِي موضعين في البقرة: {عقدة النكاح حتى} وفي الكهف: {لا أبرح حتى}.
لَيْسَ فِيهِ كَافَانِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لَا حَرْفَ بَيْنَهُمَا إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْبَقَرَةِ: {مناسككم}، وفي المدثر: {ما سلككم في سقر}.
وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِتَرْتِيبِهِ فَأَمَّا الْآيَاتُ فِي كل سورة وضع الْبَسْمَلَةِ أَوَائِلَهَا فَتَرْتِيبُهَا تَوْقِيفِيٌّ بِلَا شَكٍّ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ تَعْكِيسُهَا.
قَالَ مَكِّيٌّ وَغَيْرُهُ: تَرْتِيبُ الْآيَاتِ فِي السُّوَرِ هُوَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمَّا لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ فِي أَوَّلِ بَرَاءَةَ تُرِكَتْ بِلَا بَسْمَلَةٍ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: تَرْتِيبُ الْآيَاتِ أَمْرٌ وَاجِبٌ وَحُكْمٌ لَازِمٌ فَقَدْ كَانَ جِبْرِيلُ يَقُولُ ضَعُوا آيَةَ كَذَا فِي مَوْضِعِ كذا.
وأسند البيهقي في كتاب المدخل والدلائل عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ كُنَّا حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ إِذْ قَالَ: «طُوبَى لِلشَّامِ» فَقِيلَ لَهُ وَلِمَ؟ قَالَ: «لِأَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهِ» زَادَ فِي الدَّلَائِلِ نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ فِي الرِّقَاعِ.
قَالَ: وَهَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ تَأْلِيفَ مَا نَزَلَ مِنَ الْآيَاتِ الْمُتَفَرِّقَةِ فِي سُوَرِهَا وَجَمْعِهَا فِيهَا بِإِشَارَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ وقل فِيهِ الْبَيَانُ الْوَاضِحُ أَنَّ جَمْعَ الْقُرْآنِ لَمْ يَكُنْ مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَدْ جُمِعَ بَعْضُهُ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جُمِعَ بِحَضْرَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَالْجَمْعُ الثَّالِثُ وَهُوَ تَرْتِيبُ السُّوَرِ كَانَ بِحَضْرَةِ عُثْمَانَ وَاخْتُلِفَ فِي الْحَرْفِ الَّذِي كَتَبَ عُثْمَانُ عَلَيْهِ الْمُصْحَفَ فَقِيلَ حَرْفُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَقِيلَ حَرْفُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ لِأَنَّهُ الْعَرْضَةُ الْأَخِيرَةُ الَّتِي قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى الْأَوَّلِ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ وَمَعْنَى حَرْفِ زَيْدٍ أَيْ قراءته وطريقته.
وفي كتاب فضائل القرآن لأبي عبيد عن أَبِي وَائِلٍ قِيلَ لِابْنِ مَسْعُودٍ إِنَّ فُلَانًا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَنْكُوسًا فَقَالَ ذَاكَ مَنْكُوسُ الْقَلْبِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.
وَأَمَّا تَرْتِيبُ السُّوَرِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ الْآنَ فَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ تَوْقِيفٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ من فعل الصحابة أو يُفَصَّلْ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ فِيمَا اعْتَمَدَهُ وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيُهُ مِنْ أَحَدِ قَوْلَيْهِ إِلَى الثَّانِي وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَّضَ ذَلِكَ إِلَى أُمَّتِهِ بَعْدَهُ.
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى الْأَوَّلِ وَالْخِلَافُ يَرْجِعُ إِلَى اللَّفْظِ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِالثَّانِي يَقُولُ: إِنَّهُ رَمَزَ إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ لِعِلْمِهِمْ بِأَسْبَابِ نُزُولِهِ وَمَوَاقِعِ كَلِمَاتِهِ وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ إِنَّمَا أَلَّفُوا الْقُرْآنَ عَلَى مَا كَانُوا يَسْمَعُونَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْلِهِ بِأَنَّ تَرْتِيبَ السُّوَرِ اجْتِهَادٌ مِنْهُمْ فَآلَ الْخِلَافُ إِلَى أَنَّهُ هَلْ ذَلِكَ بِتَوْقِيفٍ قَوْلِيٍّ أَمْ بِمُجَرَّدِ اسْتِنَادٍ فِعْلِيٍّ وَبِحَيْثُ بَقِيَ لَهُمْ فِيهِ مَجَالٌ لِلنَّظَرِ فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا كَانُوا قَدْ سَمِعُوهُ مِنْهُ كَمَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ تَرْتِيبُهُ فَفِي مَاذَا أَعْمَلُوا الْأَفْكَارَ وَأَيُّ مَجَالٍ بَقِيَ لَهُمْ بَعْدَ هَذَا الِاعْتِبَارِ قِيلَ قَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثُمَّ مَضَى فَقُلْتُ يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ فَمَضَى فَقُلْتُ يَرْكَعُ بِهَا ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ» الْحَدِيثَ فَلَمَّا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُبَّمَا فَعَلَ هَذَا إِرَادَةً لِلتَّوْسِعَةِ عَلَى الْأُمَّةِ وَتِبْيَانًا لِجَلِيلِ تِلْكَ النِّعْمَةِ كَانَ مَحَلًّا لِلتَّوَقُّفِ حَتَّى اسْتَقَرَّ النَّظَرُ عَلَى رَأْيِ مَا كَانَ مِنْ فِعْلِهِ الْأَكْثَرُ فَهَذَا مَحَلُّ اجْتِهَادِهِمْ فِي الْمَسْأَلَةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: مَالَ إِلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَطِيَّةَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ السُّوَرِ كَانَ قَدْ عَلِمَ تَرْتِيبَهَا فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالسَّبْعِ الطِّوَالِ وَالْحَوَامِيمِ وَالْمُفَصَّلِ وَأَشَارُوا إِلَى أَنَّ مَا سِوَى ذَلِكَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فَوَّضَ الْأَمْرَ فِيهِ إِلَى الْأُمَّةِ بَعْدَهُ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْآثَارُ تَشْهَدُ بِأَكْثَرَ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ عَطِيَّةَ وَيَبْقَى مِنْهَا قَلِيلٌ يُمْكِنُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ الْخِلَافُ، كقوله اقرءوا الزهراوين البقرة وآل عمران رواه مسلم ولحديث سعيد بْنِ خَالِدٍ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّبْعِ الطِّوَالِ فِي رَكْعَةٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَفِيهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَجْمَعُ الْمُفَصَّلَ فِي رَكْعَةٍ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ الله عنه قال في بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء إِنَّهُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي فَذَكَرَهَا نَسَقًا كَمَا اسْتَقَرَّ تَرْتِيبُهَا.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: الْمُخْتَارُ أَنَّ تَأْلِيفَ السُّوَرِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ثُمَّ سَاقَ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ الْهُذَلِيِّ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ الطُّوَلَ وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمِئِينَ وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ».
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَأْلِيفَ الْقُرْآنِ مَأْخُوذٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ مُؤَلَّفٌ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا جُمِعَ فِي الْمُصْحَفِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ بِلَفْظِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ وَفِيهِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سُورَةَ الْأَنْفَالِ سُورَةٌ عَلَى حِدَةٍ وَلَيْسَتْ مِنْ بَرَاءَةَ.
قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ فَارِسٍ فِي كِتَابِ الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ جَمْعُ الْقُرْآنِ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا تَأْلِيفُ السُّوَرِ كَتَقْدِيمِ السَّبْعِ الطِّوَالِ وَتَعْقِيبِهَا بِالْمِئِينَ فَهَذَا الضَّرْبُ هُوَ الَّذِي تَوَلَّاهُ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا الْجَمْعُ الْآخَرُ فَضَمُّ الْآيِ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ وَتَعْقِيبُ الْقِصَّةِ بِالْقِصَّةِ فَذَلِكَ شَيْءٌ تَوَلَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ جِبْرِيلُ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَكَذَا قَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِي الْبُرْهَانِ تَرْتِيبُ السُّوَرِ هَكَذَا هُوَ عِنْدَ اللَّهِ وَفِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَهُوَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ كَانَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ كُلَّ سَنَةٍ مَا كَانَ يَجْتَمِعُ عِنْدَهُ مِنْهُ وَعَرَضَ عَلَيْهِ فِي السَّنَةِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا مَرَّتَيْنِ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَأْتُوا بِعَشْرِ سور} معناه مثل البقرة إلى سور هُودٍ وَهِيَ الْعَاشِرَةُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ سُورَةَ هُودٍ مكية وأن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنفال والتوبة مَدَنِيَّاتٌ نَزَلَتْ بَعْدَهَا.
وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ: {وَرَتِّلِ القرآن ترتيلا} أَيْ اقْرَأْهُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمٍ وَلَا تَأْخِيرٍ وَجَاءَ النَّكِيرُ عَلَى مَنْ قَرَأَهُ مَعْكُوسًا وَلَوْ حَلَفَ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى التَّرْتِيبِ لَمْ يَلْزَمْ إِلَّا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَلَوْ نَزَلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَمَا اقْتَرَحُوا عَلَيْهِ لَنَزَلَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَإِنَّمَا تَفَرَّقَتْ سُوَرُهُ وَآيَاتُهُ نُزُولًا لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهَا حَالَةً بَعْدَ حَالَةٍ وَلِأَنَّ فِيهِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ وَلَمْ يَكُنْ لِيَجْتَمِعَا نُزُولًا وَأَبْلَغُ الْحِكَمِ فِي تَفَرُّقِهِ مَا قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ على الناس على مكث} وَهَذَا أَصْلٌ بُنِيَ عَلَيْهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ فَإِنْ قِيلَ قَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي تَرْتِيبِ الْقُرْآنِ فَمِنْهُمْ مَنْ كَتَبَ فِي الْمُصْحَفِ السُّوَرَ عَلَى تَارِيخِ نُزُولِهَا وَقَدَّمَ الْمَكِّيَّ عَلَى الْمَدَنِيِّ وَمِنْهُمْ جَعَلَ من أوله: {اقرأ باسم ربك} وَهُوَ أَوَّلُ مُصْحَفِ عَلِيٍّ وَأَمَّا مُصْحَفُ ابْنِ مسعود فأوله: {مالك يوم الدين} ثُمَّ الْبَقَرَةُ ثُمَّ النِّسَاءُ عَلَى تَرْتِيبٍ مُخْتَلِفٍ وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ كَانَ أَوَّلُهُ الْحَمْدَ ثُمَّ النِّسَاءَ ثُمَّ آلَ عِمْرَانَ ثُمَّ الْأَنْعَامَ ثُمَّ الْأَعْرَافَ ثُمَّ الْمَائِدَةَ عَلَى اخْتِلَافٍ شَدِيدٍ.
فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَرْتِيبُ السُّوَرِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَذَكَرَ ذَلِكَ مَكِّيٌّ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ وَأَنَّ وَضْعَ الْبَسْمَلَةِ فِي الْأَوَّلِ هُوَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ: أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ فُرِّقَ فِي بِضْعٍ وَعِشْرِينَ فَكَانَتِ السُّورَةُ تَنْزِلُ لِأَمْرٍ يَحْدُثُ وَالْآيَةُ جَوَابًا لِمُسْتَخْبِرٍ وَيَقِفُ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَوْضِعِ السُّورَةِ وَالْآيَةِ فَاتِّسَاقُ السُّوَرِ كَاتِّسَاقِ الْآيَاتِ وَالْحُرُوفِ كُلُّهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ قَدَّمَ سُورَةً أَوْ أَخَّرَهَا فقد أفسد نظم لآيات.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: وَمَنْ نَظَمَ السُّوَرَ عَلَى الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ لَمْ يَدْرِ أَيْنَ يَضَعُ الْفَاتِحَةَ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي مَوْضِعِ نُزُولِهَا وَيُضْطَرُّ إِلَى تَأْخِيرِ الْآيَةِ فِي رَأْسِ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ مِنَ الْبَقَرَةِ إِلَى رَأْسِ الْأَرْبَعِينَ وَمَنْ أَفْسَدَ نَظْمَ الْقُرْآنِ فَقَدْ كَفَرَ بِهِ.