فصل: فَائِدَةٌ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.فَائِدَةٌ:

قِيلَ قِرَاءَةُ ابْنِ كَثِيرٍ وَنَافِعٍ وَأَبِي عَمْرٍو رَاجِعَةٌ إِلَى أُبَيٍّ وَقِرَاءَةُ ابْنِ عَامِرٍ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانٍ وَقِرَاءَةُ عَاصِمٍ وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ إِلَى عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ.

.فَائِدَةٌ:

قَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ إِذَا شَكَّ الْقَارِئُ فِي حَرْفٍ هَلْ هُوَ مَمْدُودٌ أَوْ مَقْصُورٌ فَلْيَقْرَأْ بِالْقَصْرِ وَإِنْ شَكَّ فِي حَرْفٍ هَلْ هُوَ مَفْتُوحٌ أَوْ مَكْسُورٌ فَلْيَقْرَأْ بِالْفَتْحِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ غَيْرُ لَحْنٍ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ.

.النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ تَوْجِيهِ الْقِرَاءَاتِ وَتَبْيِينُ وَجْهِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ كُلُّ قَارِئٍ:

وَهُوَ فَنٌّ جَلِيلٌ وَبِهِ تُعْرَفُ جَلَالَةُ الْمَعَانِي وَجَزَالَتُهَا وَقَدِ اعْتَنَى الْأَئِمَّةُ بِهِ وَأَفْرَدُوا فِيهِ كُتُبًا مِنْهَا كِتَابُ الْحُجَّةِ لِأَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ، وَكِتَابُ الْكَشْفِ لِمَكِّيٍّ وَكِتَابُ الْهِدَايَةِ لِلْمَهْدَوِيِّ وَكُلٌّ مِنْهَا قَدِ اشْتَمَلَ عَلَى فَوَائِدَ وَقَدْ صَنَّفُوا أَيْضًا فِي تَوْجِيهِ الْقِرَاءَاتِ الشَّوَاذِّ وَمِنْ أَحْسَنِهَا كِتَابُ الْمُحْتَسِبِ لِابْنِ جِنِّي وَكِتَابُ أَبِي الْبَقَاءِ وَغَيْرِهِمَا.
وَفَائِدَتُهُ كَمَا قَالَ الْكَوَاشِيُّ: أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى حَسَبِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ أَوْ مُرَجِّحًا إِلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ تُرَجَّحُ إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى تَرْجِيحًا يَكَادُ يُسْقِطُ الْقِرَاءَةَ الْأُخْرَى وَهَذَا غَيْرُ مَرْضِيٍّ لِأَنَّ كِلْتَيْهِمَا مُتَوَاتِرَةٌ وَقَدْ حَكَى أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ فِي كِتَابِ الْيَوَاقِيتِ عَنْ ثَعْلَبَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا اخْتَلَفَ الْإِعْرَابُ فِي الْقُرْآنِ عَنِ السَّبْعَةِ لَمْ أُفَضِّلْ إِعْرَابًا عَلَى إِعْرَابٍ فِي الْقُرْآنِ فَإِذَا خَرَجْتُ إِلَى الْكَلَامِ كَلَامِ النَّاسِ فَضَّلْتُ الْأَقْوَى وَهُوَ حَسَنٌ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ وَقَدْ حَكَى اخْتِلَافَهُمْ فِي تَرْجِيحِ: {فَكُّ رقبة} بِالْمَصْدَرِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ فَقَالَ وَالدِّيَانَةُ تَحْظُرُ الطَّعْنَ عَلَى الْقِرَاءَةِ الَّتِي قَرَأَ بِهَا الْجَمَاعَةُ وَلَا يَجُوزُ أن تكون مَأْخُوذَةً إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَالَ: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ» فَهُمَا قِرَاءَتَانِ حَسَنَتَانِ لَا يَجُوزُ أَنْ تُقَدَّمَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى.
وَقَالَ فِي سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ: السَّلَامَةُ عِنْدَ أَهْلِ الدِّينِ أَنَّهُ إِذَا صَحَّتِ الْقِرَاءَتَانِ عَنِ الْجَمَاعَةِ أَلَّا يُقَالَ أَحَدُهُمَا أَجْوَدُ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْثَمُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَكَانَ رُؤَسَاءُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يُنْكِرُونَ مِثْلَ هَذَا.
وَقَالَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَدْ أَكْثَرَ الْمُصَنِّفُونَ فِي الْقِرَاءَاتِ وَالتَّفَاسِيرِ مِنَ التَّرْجِيحِ بَيْنَ قِرَاءَةِ {مَلِكِ} وَ: {مالك} حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ يُبَالِغُ إِلَى حَدٍّ يَكَادُ يُسْقِطُ وَجْهَ الْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى وَلَيْسَ هَذَا بِمَحْمُودٍ بَعْدَ ثُبُوتِ الْقِرَاءَتَيْنِ وَاتِّصَافِ الرَّبِّ تَعَالَى بِهِمَا ثُمَّ قَالَ حَتَّى إِنِّي أُصَلِّي بِهَذِهِ فِي رَكْعَةٍ وَبِهَذِهِ فِي رَكْعَةٍ.
وَقَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ وَقَدْ ذَكَرَ التَّوْجِيهَ فِي قِرَاءَةِ {وَعَدْنَا} وَ: {واعدنا} لَا وَجْهَ لِلتَّرْجِيحِ بَيْنَ بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ وَبَعْضٍ فِي مَشْهُورِ كُتُبِ الْأَئِمَّةِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَالْقُرَّاءِ وَالنَّحْوِيِّينَ وَلَيْسَ ذَلِكَ رَاجِعًا إِلَى الطَّرِيقِ حَتَّى يَأْتِيَ هَذَا الْقَوْلُ بَلْ مَرْجِعُهُ بِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِي اللُّغَةِ وَالْقُرْآنِ أَوْ ظُهُورِ الْمَعْنَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِكَ الْمَقَامِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَارِئَ يَخْتَارُ رِوَايَةَ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَقَدْ تَجَرَّأَ بَعْضُهُمْ عَلَى قراءة الجمهور في: {فنادته الملائكة} فَقَالَ أَكْرَهُ التَّأْنِيثَ لِمَا فِيهِ مِنْ مُوَافَقَةِ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فِي زَعْمِهَا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ إِنَاثٌ وَكَذَلِكَ كَرِهَ بَعْضُهُمْ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ بِغَيْرِ تَاءٍ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ جَمْعٌ.
وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ وَالْقِرَاءَتَانِ مُتَوَاتِرَتَانِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُرَدَّ إِحْدَاهُمَا الْبَتَّةَ وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ {فَنَادَاهُ جِبْرِيلُ} مَا يُؤَيِّدُ أَنَّ الملائكة مراد به الواحد.

.فصل: في توجيه القراءة الشاذة:

وَتَوْجِيهُ الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ أَقْوَى فِي الصِّنَاعَةِ مِنْ تَوْجِيهِ الْمَشْهُورَةِ وَمِنْ أَحْسَنِ مَا وُضِعَ فِيهِ كِتَابُ الْمُحْتَسِبِ لِأَبِي الْفَتْحِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُسْتَوْفَ وَأَوْسَعُ مِنْهُ كِتَابُ أَبُو الْبَقَاءِ الْعُكْبَرِيُّ وَقَدْ يُسْتَبْشَعُ ظَاهِرُ الشَّاذِّ بَادِيَ الرَّأْيِ فَيَدْفَعُهُ التَّأْوِيلُ كَقِرَاءَةِ: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعَمُ وَلَا يُطْعِمُ}.
عَلَى بِنَاءِ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ لِلْمَفْعُولِ دُونَ الثَّانِي وَتَأْوِيلُ الضَّمِيرِ فِي: {وَهُوَ} رَاجِعٌ إِلَى الْوَلِيِّ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوَّرَ} بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالرَّاءِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ مَفْعُولٍ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِاسْمِ الْفَاعِلِ الَّذِي هُوَ الباري فَإِنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ الْفِعْلِ كَأَنَّهُ قَالَ الَّذِي بَرَأَ الْمُصَوَّرَ.
وَكَقِرَاءَةِ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهُ مِنْ عباده العلماء} وَتَأْوِيلُهُ أَنَّ الْخَشْيَةَ هُنَا بِمَعْنَى الْإِجْلَالِ وَالتَّعْظِيمِ لَا الْخَوْفِ وَكَقِرَاءَةِ: {فَإِذَا عَزَمْتُ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله} بِضَمِّ التَّاءِ عَلَى التَّكَلُّمِ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَأْوِيلُهُ عَلَى مَعْنَى فَإِذَا أَرْشَدْتُكَ إِلَيْهِ وَجَعَلْتُكَ تَقْصِدُهُ وَجَاءَ قَوْلُهُ: {عَلَى اللَّهِ} عَلَى الِالْتِفَاتِ وَإِلَّا لَقَالَ: {فَتَوَكَّلْ عَلَيَّ} وَقَدْ نُسِبَ الْعَزْمُ إِلَيْهِ فِي قَوْلِ أُمِّ سَلَمَةَ ثُمَّ عَزَمَ اللَّهُ لِي وَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَقَوْلُهُ: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}.

.النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ:

وَهُوَ فَنٌّ جَلِيلٌ وَبِهِ يُعْرَفُ كَيْفَ أَدَاءُ الْقُرْآنِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ وَاسْتِنْبَاطَاتٌ غَزِيرَةٌ وَبِهِ تَتَبَيَّنُ مَعَانِي الْآيَاتِ وَيُؤْمَنُ الِاحْتِرَازُ عَنِ الوقوع في المشكلات.
وَقَدْ صَنَّفَ فِيهِ الزَّجَّاجُ قَدِيمًا كِتَابَ الْقَطْعِ وَالِاسْتِئْنَافِ وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَابْنُ عَبَّادٍ وَالدَّانِيُّ وَالْعُمَانِيُّ وغيرهم.
وَقَدْ جَاءَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يعلمون مَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ كَمَا يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ} قال فانقطع الكلام.
واستأنس له ابن النحاس بقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْخَطِيبِ: «بِئْسَ الْخَطِيبُ أنت» حين قال: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما وَوَقَفَ قَالَ قَدْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَصِلَ كلامه فيقول ومن يعصهمكا فَقَدْ غَوَى أَوْ يَقِفَ عَلَى وَرَسُولِهِ فَقَدْ رشد فإذا كان مثل هذا مَكْرُوهًا فِي الْخُطَبِ فَفِي كَلَامِ اللَّهِ أَشَدُّ.
وَفِيمَا ذَكَرَهُ نِزَاعٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُهُ وَقَدْ سَبَقَ حَدِيثُ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ كُلٌّ كَافٍ شَافٍ مَا لَمْ تُخْتَمْ آيَةُ عَذَابٍ بِآيَةِ رَحْمَةٍ أَوْ آيَةُ رَحْمَةٍ بِآيَةِ عَذَابٍ.
وَهَذَا تَعْلِيمٌ لِلتَّمَامِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عَلَى الْآيَةِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْعَذَابِ وَالنَّارِ وَتُفْصَلَ عَمَّا بَعْدَهَا نَحْوَ: {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وَلَا تُوصَلَ بِقَوْلِهِ: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات} وكذا قوله: {حقت كلمت رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} وَلَا تُوصَلُ بِقَوْلِهِ: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ} وَكَذَا: {يدخل من يشاء في رحمته} وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَلَ بِقَوْلِهِ: {وَالظَّالِمُونَ} وَقِسْ على هذا نظائره.

.حاجة هذا الفن إلى مختلف العلوم:

وَهَذَا الْفَنُّ مَعْرِفَتُهُ تَحْتَاجُ إِلَى عُلُومٍ كَثِيرَةٍ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ لَا يَقُومُ بالتمام في الوقف إِلَّا نَحْوِيٌّ عَالِمٌ بِالْقِرَاءَاتِ عَالِمٌ بِالتَّفْسِيرِ وَالْقَصَصِ وَتَلْخِيصِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ عَالِمٌ بِاللُّغَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ وَقَالَ غَيْرُهُ وَكَذَا عِلْمُ الْفِقْهِ وَلِهَذَا مَنْ لَمْ يَقْبَلْ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ وَإِنْ تَابَ وَقَفَ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَلَا تَقْبَلُوا لهم شهادة}.
فَأَمَّا احْتِيَاجُهُ إِلَى مَعْرِفَةِ النَّحْوِ وَتَقْدِيرَاتِهِ فَلِأَنَّ مَنْ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إبراهيم} إِنَّهُ مَنْصُوبٌ بِمَعْنَى كَمِلَّةِ أَوْ أَعْمَلَ فِيهَا مَا قَبْلَهَا لَمْ يَقِفْ عَلَى مَا قَبْلَهَا.
وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عوجا} ثُمَّ يَبْتَدِئُ: {قَيِّمًا} لِئَلَّا يُتَخَيَّلَ كَوْنُهُ صِفَةً له إذا الْعِوَجُ لَا يَكُونُ قَيِّمًا وَقَدْ حَكَاهُ ابْنُ النَّحَّاسِ عَنْ قَتَادَةَ.
وَهَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى مَا فِي آخِرِهِ هَاءٌ فَإِنَّكَ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ تُثْبِتُ الْهَاءَ إِذَا وَقَفْتَ وَتَحْذِفُهَا إِذَا وَصَلْتَ فَتَقُولُ قِهْ وَعِهْ وَتَقُولُ: قِ زَيْدًا وَعِ كَلَامِي فَأَمَّا فِي الْقُرْآنِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كتابيه} و: {حسابيه} و: {سلطانيه} و: {ما هيه} و: {لم يتسنه} و: {اقتده} وَغَيْرِ ذَلِكَ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُوقَفَ عَلَيْهِ بِالْهَاءِ لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي الْمُصْحَفِ بِالْهَاءِ وَلَا يُوصَلُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ فِي حُكْمِ الْعَرَبِيَّةِ إِسْقَاطُ الْهَاءِ فِي الْوَصْلِ فَإِنْ أَثْبَتَهَا خَالَفَ الْعَرَبِيَّةَ وَإِنْ حَذَفَهَا خَالَفَ مُرَادَ الْمُصْحَفِ وَوَافَقَ كَلَامَ الْعَرَبِ وَإِذَا هُوَ وَقَفَ عَلَيْهِ خَرَجَ مِنَ الْخِلَافَيْنِ وَاتَّبَعَ الْمُصْحَفَ وَكَلَامَ الْعَرَبِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ جوزوا الْوَصْلَ فِي ذَلِكَ.
قُلْنَا: أَتَوْا بِهِ عَلَى نِيَّةِ الْوَقْفِ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَصَّرُوا زَمَنَ الْفَصْلِ بين النطقين فظن من لا خيرة لَهُ أَنَّهُمْ وَصَلُوا وَصْلًا مَحْضًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
وَمِثْلُهُ قِرَاءَةُ ابْنِ عَامِرٍ {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ ربي} بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ فِي حَالِ الْوَصْلِ اتَّبَعُوا فِي إِثْبَاتِهَا خَطَّ الْمُصْحَفِ لِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوهَا فِيهِ عَلَى نِيَّةِ الْوَقْفِ فَلِهَذَا أَثْبَتُوهَا فِي حَالِ الْوَصْلِ وَهُمْ عَلَى نِيَّةِ الْوَقْفِ.
وَأَمَّا احْتِيَاجُهُ إِلَى مَعْرِفَةِ التَّفْسِيرِ فَلِأَنَّهُ إِذَا وَقَفَ عَلَى: {فَإِنَّهَا محرمة عليهم أربعين سنة} كان المعنى مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْمُدَّةَ وَإِذَا وَقَفَ عَلَى: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ} كَانَ الْمَعْنَى مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أبدا وأن التيه أربعين فَرَجَعَ فِي هَذَا إِلَى التَّفْسِيرِ فَيَكُونُ بِحَسَبِ ذَلِكَ.
وَكَذَا يُسْتَحَبُّ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: {مَنْ بعثنا من مرقدنا} ثُمَّ يَبْتَدِئُ فَيَقُولُ: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ} لِأَنَّهُ قِيلَ إِنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْمَلَائِكَةِ.
وَأَمَّا احْتِيَاجُهُ إِلَى الْمَعْنَى فَكَقَوْلِهِ: {قَالَ اللَّهُ عَلَى ما نقول وكيل} فَيَقِفُ عَلَى: {قَالَ} وَقْفَةً لَطِيفَةً لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ كون الاسم الكريم فاعل: {قَالَ} وَإِنَّمَا الْفَاعِلُ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَكَذَا يَجِبُ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: {وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} ثُمَّ يَبْتَدِئُ: {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}.
وَقَوْلُهُ: {فلا يصلون إليكما بآياتنا} قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ الْأَحْسَنُ الْوَقْفُ عَلَى: {إِلَيْكُمَا} لِأَنَّ إِضَافَةَ الْغَلَبَةِ إِلَى الْآيَاتِ أَوْلَى مِنْ إِضَافَةِ عَدَمِ الْوُصُولِ إِلَيْهَا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَاتِ الْعَصَا وَصِفَاتُهَا وَقَدْ غَلَبُوا بِهَا السَّحَرَةَ وَلَمْ تَمْنَعْ عَنْهُمْ فِرْعَوْنَ.
وَكَذَا يستحب الوقف على قوله: {أولم يتفكروا} وَالِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ: {مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ} فَإِنَّ ذلك يبين أنه رد لقول الكفار: {يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون} وَقَالَ الدَّانِيُّ إِنَّهُ وَقْفٌ تَامٌّ.
وَكَذَا الْوَقْفُ على قوله: {ولذلك خلقهم} وَالِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ أَيْ لِأَنْ يَرْحَمَهُمْ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: {وَلَا يزالون مختلفين} يَعْنِي الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} يعني أهل الإسلام {ولذلك خلقهم} أي لِرَحْمَتِهِ خَلَقَهُمْ.
وَكَذَلِكَ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: {يُوسُفُ أعرض عن هذا} وَالِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ: {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ} فَإِنَّ بِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ الْفَصْلُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُمِرَ بِالْإِعْرَاضِ وَهُوَ الصَّفْحُ عَنْ جَهْلِ مَنْ جَهِلَ قَدْرَهُ وَأَرَادَ ضُرَّهُ وَالْمَرْأَةُ أُمِرَتْ بِالِاسْتِغْفَارِ لِذَنْبِهَا لِأَنَّهَا هَمَّتْ بِمَا يَجِبُ الِاسْتِغْفَارُ مِنْهُ وَلِذَلِكَ أُمِرَتْ بِهِ وَلَمْ يَهِمَّ بِذَلِكَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلِذَلِكَ لَمْ يُؤْمَرُ بِالِاسْتِغْفَارِ مِنْهُ وإنما هم بدفعها عن نفسه لِعِصْمَتِهِ وَلِذَلِكَ أَكَّدَ أَيْضًا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْوَقْفَ على قوله تعالى: {ولقد همت به} وَالِابْتِدَاءَ بِقَوْلِهِ: {وَهَمَّ بِهَا} وَذَلِكَ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ وَقَدْ قَالَ الدَّانِيُّ إِنَّهُ كَافٍ وَقِيلَ تَامٌّ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ هَمَّ بِدَفْعِهَا وَعَلَى هَذَا فَالْوَقْفُ عَلَى: {هَمَّتْ بِهِ} كَالْوَقْفِ عَلَى قَوْلِهِ تعالى: {لنبين لكم} وَالِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ: {وَهَمَّ بِهَا} كَالِابْتِدَاءِ بِقَوْلِهِ: {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ}.
وَمِثْلُهُ الْوَقْفُ مُرَاعَاةً لِلتَّنْزِيهِ عَلَى قوله: {وهو الله} وقد ذكر صاحب الاكتفا أَنَّهُ تَامٌّ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَالْمَعْنَى وَهُوَ الله يعلم سركم وجهركم في السموات وَالْأَرْضِ.
وَكَذَلِكَ حَكَى الزَّمَخْشَرِيُّ فِي كَشَّافِهِ الْقَدِيمِ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيِّ فِي قَوْلِهِ: {مُسْتَهْزِئُونَ الله يستهزئ} قَالَ لَيْسَ: {مُسْتَهْزِئُونَ} بِوَقْفٍ صَالِحٍ لَا أُحِبُّ استئناف {الله يستهزئ} وَلَا اسْتِئْنَافَ {وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} حَتَّى أَصِلَهُ بِمَا قَبْلَهُ قَالَ وَإِنَّمَا لَمْ يُسْتَحَبَّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا جَازَ إِسْنَادُ الِاسْتِهْزَاءِ وَالْمَكْرِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَعْنَى الْجَزَاءِ عليهما وذلك على سبيل المزاوجة فَإِذَا اسْتَأْنَفْتَ وَقَطَعْتَ الثَّانِيَ مِنَ الْأَوَّلِ أَوْهَمَ أنك تسنده إلى الله مُطْلَقًا وَالْحُكْمُ فِي صِفَاتِهِ سُبْحَانَهُ أَنْ تُصَانَ عَنِ الْوَهْمِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَمَا يَعْلَمُ تأويله إلا الله} قال صاحب الاكتفا:
إِنَّهُ تَامٌّ عَلَى قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الرَّاسِخِينَ لَمْ يَعْلَمُوا تَأْوِيلَهُ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَيُصَدِّقُهُ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ وَيَقُولُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ آمَنَّا بِهِ.
وَكَذَلِكَ الْوَقْفُ عَلَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الله ولدا} وَالِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ: {سُبْحَانَهُ} وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ نَافِعٍ أَنَّهُ تَامٌّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي تَعَقَّبَ فِيهِ على صاحب الاكتفا وَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ فِيهِ مَوَاقِفَ كَثِيرَةً وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِمْ: {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} ثُمَّ رَدَّ قَوْلَهُمْ وَنَزَّهَ نَفْسَهُ بِقَوْلِهِ: {سُبْحَانَهُ} فَيَنْبَغِي أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ.
وَمِثْلُهُ الْوَقْفُ على قوله تعالى: {الشيطان سول لهم} والابتداء بقوله: {وأملى لهم} قال صاحب الكافي {سَوَّلَ لَهُمْ} كَافٍ سَوَاءٌ قُرِئَ: {وَأُمْلِيَ لَهُمْ} عَلَى مَا يُسَمَّ فَاعِلُهُ أَوْ {وَأُمْلِي لَهُمْ} عَلَى الْإِخْبَارِ لِأَنَّ الْإِمْلَاءَ فِي كِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ مُسْنَدٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ: {فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ} فَيَحْسُنُ قَطْعُهُ مِنَ التَّسْوِيلِ الَّذِي هُوَ مُسْنَدٌ إِلَى الشَّيْطَانِ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِنَّمَا يَحْسُنُ قَطْعُهُ بِالْوَقْفِ لِيُفْصَلَ بَيْنَ الْحَرْفَيْنِ وَلَقَدْ نَبَّهَ بَعْضُ مَنْ وَصَلَهُ عَلَى حُسْنِ هَذَا الْوَقْفِ فَاعْتَذَرَ بِأَنَّ الْوَصْلَ هُوَ الْأَصْلُ.
وَمِثْلُهُ الْوَقْفُ على قوله: {رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها} وَالِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ: {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} وَذَلِكَ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الرَّهْبَانِيَّةَ فِي قُلُوبِهِمْ أَيْ خَلَقَ كَمَا جَعَلَ الرَّأْفَةَ وَالرَّحْمَةَ فِي قُلُوبِهِمْ وَإِنْ كَانُوا قَدِ ابْتَدَعُوهَا فَاللَّهُ تَعَالَى خَلَقَهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تعملون} هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَقَدْ نُسِبَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ إِلَى مَذْهَبِ الِاعْتِزَالِ بِقَوْلِهِ فِي الْإِيضَاحِ حِينَ تَكَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّهْبَانِيَّةَ لَا يَسْتَقِيمُ حَمْلُهَا عَلَى {جَعَلْنَا} مَعَ وَصْفِهَا بِقَوْلِهِ: {ابْتَدَعُوهَا} لِأَنَّ مَا يَجْعَلُهُ اللَّهُ لَا يَبْتَدِعُونَهُ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُفْصَلَ بِالْوَقْفِ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ.
وَمِثْلُهُ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنَّ الله هو مولاه} وَالِابْتِدَاءُ بِقوله: {وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} أَيْ مُعِينُونَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَكُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً.
وَأَمَّا احْتِيَاجُهُ إِلَى الْمَعْرِفَةِ بِالْقِرَاءَاتِ فَلِأَنَّهُ إِذَا قَرَأَ {ويقولون حجرا محجورا} بفتح الحاء كان هذا التمام وَإِنْ ضَمَّ الْحَاءَ وَهِيَ قِرَاءَةُ الْحَسَنِ فَالْوَقْفُ عِنْدَ {حُجْرًا} لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَ إِذَا نَزَلَ بالواحد منهم شدة قال حجرا فقيل له مَحْجُورًا أَيْ لَا تُعَاذُونَ كَمَا كُنْتُمْ تُعَاذُونَ فِي الدُّنْيَا حَجَرَ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَإِذَا قَرَأَ: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النفس بالنفس} إِلَى قَوْلِهِ: {قِصَاصٌ} فَهُوَ التَّامُّ إِذَا نَصَبَ {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} وَمَنْ رَفَعَ فَالْوَقْفُ عِنْدَ: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} وَتَكُونُ {وَالْعَيْنُ بِالْعَيْنِ} ابْتِدَاءَ حُكْمٍ في المسلمين وما قبله في التوراة.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَكْثَرَ الْقُرَّاءِ يَبْتَغُونَ فِي الْوَقْفِ الْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَأْسَ آيَةٍ وَنَازَعَهُمْ فيه بعض المتأخرين في ذلك وقال هَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقِفُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ فيقول: {الحمد لله رب العالمين} ويقف ثم يقول: {الرحمن الرحيم} وَهَكَذَا رَوَتْ أَمُّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً.
وَمَعْنَى هَذَا الْوَقْفُ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ وَأَكْثَرُ أَوَاخِرِ الْآيِ فِي الْقُرْآنِ تَامٌّ أَوْ كَافٍ وَأَكْثَرُ ذَلِكَ فِي السُّوَرِ الْقِصَارِ الْآيِ نَحْوَ الْوَاقِعَةِ قَالَ وَهَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ أَعْنِي الْوَقْفَ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِمَا بَعْدَهَا وَذَهَبَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ إِلَى تَتَبُّعِ الْأَغْرَاضِ وَالْمَقَاصِدِ وَالْوَقْفِ عِنْدَ رُءُوسِ انْتِهَائِهَا وَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ أَوْلَى وَمِمَّنْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ شُعَبِ الْإِيمَانِ وَغَيْرِهِ وَرَجَّحَ الْوَقْفَ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِمَا بَعْدَهَا قُلْتُ وَحَكَى النَّحَّاسُ عَنِ الْأَخْفَشِ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْوُقُوفُ عَلَى قَوْلِهِ: {هدى للمتقين} لِأَنَّهُ رَأْسُ آيَةٍ وَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِمَا بَعْدَهُ.