الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.من مجازات القرآن في السورة الكريمة: قال ابن المثنى:سورة اقرأ باسم ربّك 96:بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ{اقرأ بِاسْمِ رَبِّكَ} (1) مجازه: اقرأ اسم ربك..{الرجعى} (8) المرجع والرجوع..{لَنَسْفَعاً بالناصية} (15) لنأخذن بالناصية ويقال: سفعت بيده أخذت بيده، والرجل يسفع برجل طروقته بالناصية معروفة، ثم قال: {ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ} (16) بدل فجرّها..{فَلْيَدْعُ ناديه} (17) أهل مجلسه..{الزبانية} (18) واحدهم زبنيّة وكل متمرّد من إنس أو جانّ يقال: فلان زبنية عفريّة. اهـ..فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة: قال محمد الغزالي:سورة العلق:كان النبي صلى الله عليه وسلم يذهب إلى غار حراء بين الحين والحين، يخلو بنفسه بعيدا عن لغط الجاهلية ويرسل النظر عميقا في آفاق الكون مستشعرا اليقين والخشوع أمام مبدع هذا الملكوت. إنه يزدرى الأصنام وعبادتها، ويكره ما قام في ظلها من مراسم وتقاليد، ولكنه لا يدرى أكثر من هذا!! حتى فجأه صوت غريب (اقرأ...) قال ما أنا بقارئ! وتكرر الصوت والرد. ثم استمع إلى تمام الأمر {اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم}. هذه الآيات الخمس هي أول ما نزل على قلب الرسول من قرأن، ثم نزلت بقايا السورة بعد ذلك. إن الذي خلق الإنسان من علقة، قادر على أن يجعل الأمى عالما. ومحمد ما تطلع إلى وحى أو رسالة، فقد بوغت بما كان، فلما استيقن من اصطفاء الله له شرع يبنى الأمة الجديدة كما فعل من قبل إبراهيم وموسى. والباحث النزيه في سيرته وفى كتابه وفى جهاده يدرك أن محمدا بلغ المدى وزاد، ويوقن بأن العالم لم يعرف أماما يدانيه في شمائله وفضائله. وبعد فترة نزلت الآيات {كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى إن إلى ربك الرجعى}. إن الحاجة قد تذل إنسانا، لكن لم إذا يطغى إذا اغتنى؟ حسبه أن يعتدل فلا يصغر ولا يكبر. بيد أن كثيرا من الناس إذا أثرى احتقر الآخرين وتمرد على الحق! حساب أولئك في الآخرة! وذكرت السورة الكافر الذي يكذب بآيات ربه وينهى عن الصلاة والطهارة {أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى...}. وفى سورة المدثر، ذكرت هذه الصفات وزيادة {ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين}. على هذا دارت المعركة بين محمد وخصومه بضعة عشر عاما في مكة..وستبقى دائرة إلى يوم الدين، لأن جماهير الكافرين ترفض الصلاة والزكاة. إنها تمارى في وجود الله وفى لقائه وفى الاستماع إلى أمره ونهيه. والإسلام بخاصة موضع السخط، لأنه لا يهادن في وجوب السمع والطاعة {أرأيت إن كذب وتولى ألم يعلم بأن الله يرى}. وستنشب المعركة حتما بين فريقين: أحدهما مرتبط بالحلال والحرام والحق والواجب. والآخر يرى الإنسان سيد نفسه، وليس لأحد عليه سلطان توجيه!! {كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية}. السفع القبض على المرء مع جذبه من ناصيته على نحو لا يستطيع معه الإفلات. {ناصية كاذبة خاطئة}. وقد سمع رؤساء مكة هذا التحدى ولم يصنعوا شيئا. اهـ..في رياض آيات السورة الكريمة: .فصل في أسرار ترتيب السورة: قال السيوطي:سورة العلق:أقول: لما تقدم في سورة التين بيان خلق الإنسان في أحسن تقويم، بين هنا أنه تعالى: {خلق الإنسان مِن علق} وذلك ظاهر الاتصال فالأول بيان العلة الصورية، وهذا بيان العلة المادية. اهـ..تفسير الآيات (1- 5): قوله تعالى: {اقرأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خلق (1) خلق الإنسان مِنْ علق (2) اقرأ وَرَبُّكَ الأكرم (3) الَّذِي عَلَّمَ بالقلم (4) عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يعلم (5)}.مناسبة الآية لما قبلها: قال البقاعي:لما أمره سبحانه وتعالى في الضحى بالتحديث بنعمته، وذكره بمجامعها في {ألم نشرح} فأنتج ذلك إفراده بما أمره به في ختمها من تخصيصه بالرغبة إليه، فدل في الزيتون على أنه أهل لذلك لتمام قدرته الذي يلزم منه أنه لا قدرة لغيره إلا به، فأنتج ذلك تمام الحكمة فأثمر قطعاً البعث للجزاء فتشوف السامع إلى ما يوجب حسن الجزاء في ذلك اليوم وبأيّ وسيلة يقف بين يدي الملك الأعلى في يوم الجمع الأكبر من خصال الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فأرشد إلى ذلك في هذه السورة، فقال بادئاً بالتعريف بالعلم الأصلي ذاكراً أصل من خلقه سبحانه وتعالى في أحسن تقويم وبعض أطواره الحسنة والقبيحة تعجيباً من تمام قدرته سبحانه وتعالى وتنبيهاً على تعرفها وإنعام النظر فيها، وقدم الفعل العامل في الجار والمجرور هنا لأنه أوقع في النفس لكونها أول ما نزل فكان الأمر بالقراءة أهم: {اقرأ} وحذف مفعوله إشارة إلى انه لا قراءة إلا بما أمره به، وهي الجمع الأعظم، فالمعنى: أوجد القراءة لما لا مقروء غيره، وهو القرآن الجامع لكل خير، وأفصح له بأنه لا يقدر على ذلك إلا مبعونة الله الذي أدبه فأحسن تأديبه، ورباه فأحسن تربيته، فقال ما أرشد المعنى إلى أن تقديره: حال كونك مفتتحاً القراءة {باسم ربك} أي بأن تبسمل، أو مستعيناً بالمحسن إليك لما له من الأسماء الحسنى والصفات العلى بما خصك به في {ألم نشرح} أو بذكر اسمه، والمراد على هذا بالاسم الصفات العلى، وعبر به لأنه يلزم من حسن الاسم حسن مدلوله، ومن تعظيم الاسم تعظيم المسمى وجميع ما يتصف به وينسب إليه، قالوا: وهذا يدل على أن القراءة لا تكون تامة إلا بالتسمية، ولكونه في سياق الأمر بالطاعة الداعي إليها تذكر النعم لم يذكر الاسم الأعظم الجامع، وذكر صفة الإحسان بالتربية الجامع لما عداه وتأنيساً له- صلى الله عليه وسلم لكونه أول ما نزل حين حبب إليه الخلاء، فكان يخلو بنفسه يتعبد بربه في غار حراء، فجاءه جبرائيل عليه الصلاة والسلام بخمس آيات من أول هذه السورة إلى قوله: {ما لم يعلم} ولهذا السر ساقه مساق البسملة بعبارة هي أكثر تأنيساً في أول الأمر وأبسط منها، فأشار إلى الاسم الأعظم بما في مجموع الكلام من صفات الكمال، وأشار إلى عموم منة الرحمن بصفة الخلق المشار إلى تعميمها بحذف المفعول، وإلى خصوص صفة الرحيم بالأكرمية التي من شأنها بلوغ النهاية، وذلك لا يكون بدون إفاضة العمل بما يرضي، فيكون سبباً للكرامة الدائمة، وبالتعليم الذي من شأنه أن يهدي إلى الرضوان، وأشار إلى الاستعاذة بالأمر بالقرآن لما أفهمه قوله سبحانه وتعالى:{وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة} [الإسراء: 45]- أي من شياطين الإنس والجن- {حجاباً مستوراً} [الإسراء: 45] وقوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [النحل: 98].ولما خصه تشريفاً بإضافة هذا الوصف الشريف إليه، وصفه على جهة العموم بالخلق والأمر إعلاماً بأن له التدبير والتأثير، وبدأ بالخلق لأنه محسوس بالعين، فهو أعلق بالفهم، وأقرب إلى التصور، وأدل على الوجود وعظيم القدرة وكمال الحكمة، فكانت البداءة به في هذه السورة التي هي أول ما نزل أنسب الأمور لأن أول الواجبات معرفة الله، وهي بالنظر إلى أفعاله في غاية الوضوح فقال: {الذي خلق} وحذف مفعوله إشارة إلى أنه له هذا الوصف وهو التقدير والإيجاد على وفق التقدير الآن وفيما يكون، فكل شيء يدخل في الوجود فهو من صنعه ومتردد بين إذنه ومنعه وضره ونفعه.ولما كان الحيوان أكمل المخلوقات، وكان الإنسان أكمل الحيوان وزبدة مخضه، ولباب حقيقته وسر محضه، وأدل على تمام القدرة لكونه جامعاً لجميع ما في الأكوان، فكان خلقه أبدع من خلق غيره، فكان لذلك أدل على كمال الصانع وعلى وجوب إفراده بالعبادة، خصه فقال: {خلق الإنسان} أي هذا الجنس الذي من شأنه الأنس بنفسه وما رأى ما أخلاقه وحسه، وما ألفه من أبناء جنسه.ولما كانت العرب تأكل الدم، وكان الله تعالى قد حرمه لأنه أصل الإنسان وغيره من الحيوان وهو مركب الحياة، فإذا أكل تطبع آكله بخلق ما هو دمه، قال معرفاً بأنه سبحانه وتعالى بنى هذه الدار على حكمة الأسباب مع قدرته على الإيجاد من غير تطوير في تسبيب: {من علق} أي خلق هذا النوع من هذا الشيء وهو دم شديد الحمرة جامد غليظ، جمع علقة، وكذا الطين الذي يعلق باليد يسمى علقاً، وهم مقرّون بخلق الآدمي من الأمرين كليهما، فالآية من أدلة إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه على استعمال المشترك في معنييه، ولعله عبر به ليعم الطين فيكون- مع ما فيه من الإشارة إلى بديع الصنعة- إشارة إلى حرمة أكل ما هو أصلنا من الدم والتراب قبل أن يستحيل، فإذا استحال وصف بالحلال لأن الاستحالات لها مدخل في الإحلالات في النكاح وغيره، واحمرار النطفة ليس استحالة لأنها كانت حمراء قبل قصر الشهوة لها، وربما ضعفت الشهوة عن قصرها فنزلت حمراء، فإذا تحول الدم لحماً صار إلى جنس ما يحل، وكذا إذا تحول التراب بمخالطة الماء تمراً أو حباً حل.وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما قال الله سبحانه وتعالى لنبيه- صلى الله عليه وسلم {فما يكذبك بعد بالدين أليس الله بأحكم الحاكمين} [التين: 7- 8] وكان معنى ذلك: أيّ شيء حمل عل هذا بعد وضوح الأمر لك وبيانه وقد نزهه سبحانه وتعالى عن التكذيب بالحساب وأعلى قدره عن ذلك، ولكن سبيل مثل هذا إذا ورد كسبيل قوله تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك} [الزمر: 65] وبابه، وحكم هذا القبيل واضح في حق من تعدى إليه الخطاب وقصد بالحقيقة به من أمته- صلى الله عليه وسلم من حيث عدم عصمتهم وإمكان تطرق الشكوك والشبهة إليهم، فتقدير الكلام: أيّ شيء يمكن فيه أن يحملكم على التوقف أو التكذيب بأمر الحساب، وقد وضح لكم ما يرفع الريب ويزيل الإشكال، ألم تعلموا أن ربكم أحكم الحاكمين؟ أفيليق به وهو العليم الخبير أن يجعل اختلاف أحوالكم في الشكوك بعد خلقكم في أحسن تقويم؟ أفيحسن أن يفعل ذلك عبثاً؟ وقد قال تعالى: {وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما باطلاً} (ص: 27- ولكن قراءتنا- {وما خلقنا السماء}- لا بالجمع) فلما قرر سبحانه العبيد على أنه أحكم الحاكمين مع ما تقدم ذلك من موجب نفي الاسترابة في نوع الحق إذا اعتبر ونظر، ووقعت في الترتيب سورة العلق مشيرة إلى ما به يقع الشفاء، ومنه يعلم الابتداء والانتهاء، وهو كتابه المبين، الذي جعله الله تعالى تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمحسنين، فأمر بقراءته ليتدبروا آياته فقال: {اقرأ باسم ربك} مستعيناً به فسوف يتضح سبيلك وينتهج دليلك {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً} [الفرقان: 1] وأيضاً فإنه تعالى أعلم عباده بخلقه الإنسان في أحسن تقويم {ثم رددناه أسفل سافلين} [التين: 5] وحصل منه على ما قدم بيانه افتراق الطرفين وتباين القائلين، كل ذلك بسابق حكمته وإرادته {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها} وقد بين سبحانه لنا أقصى غاية ينالها أكرم خلقه وأجل عباده لديه من الصنف الإنساني، وذلك فيما أوضحت السورتان قبل من حال نبينا المصطفى- صلى الله عليه وسلم وجليل وعده الكريم له في قوله: {ولسوف يعطيك ربك فترضى} [الضحى: 5] وفضل حال ابتداء {ألم نشرح} على تقدم سؤال {رب اشرح} [طه: 25] إلى ما أشارت إليه آي السورتين من خصائصه الجليلة، وذلك أعلى مقام يناله أحد ممن ذكر، فوقع تعقيب- ذلك بسورة تضمنت الإشارة إلى حال من جعل في الظرف الآخر من الجنس الإنساني، وذلك حال من أشير إليه من لدن قوله تعالى: {أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى} إلى قوله: {كلا لا تطعه} ليظهر تفاوت المنزلتين وتباين ما بين الحالتين، وهي العادة المطردة في الكتب، ولم يقع صريح التعريف هنا كما وقع في الظرف الآخرة ليطابق المقصود، ولعل بعض من لم يتفطن يعترض هنا بأن هذه السورة من أول ما أنزل فكيف يستقيم مرادك من ادعاء ترتيبها على ما تأخر عنها نزولاً، فنقول له: وأين غاب اعتراضك في عدة سور مما تقدم بل في معظم ذلك، وإلا فليست سورة البقرة من المدني، ومقتضى تأليفنا هذا بناء ما بعدها من السور على الترتيب الحاصل في مصحف الجماعة إنما هو عليها وفيها بعد من المكي ما لا يحصى، فإنما غاب عنك نسيان ما قدمناه في الخطبة من أن ترتيب السور ما هي عليه راجع إلى فعله عليه الصلاة والسلام أكان ذلك بتوقيف منه أو باجتهاد الصحابة رضى الله عنهم على ما قدمناه، فارجع بصرك، وأعد في الخطبة نظرك، والله يوفقنا إلى اعتبار بيناته وتدبر آياته، ويحملنا في ذلك على ما يقربنا إليه بمنه وفضله- انتهى.ولما أتم سبحانه ما أراد من أمر الخلق وهو الإيجاد بالأسباب بالتدريج، أخذ في التنبيه على عالم الأمر وهو الإبداع من غير أسباب، فقال مكرراً للأمر بالقراءة تنبيهاً على عظم شأنها وتأنيساً له- صلى الله عليه وسلم ومسكناً لروعه ومعلماً أن من جاءه الأمر من قبله ليس كأربابهم: {اقرأ} ولما كان قد قال- صلى الله عليه وسلم عند هذا الأمر إخباراً بالواقع كما يقول لسان الحال لو لم ينطق بلسان المقال: ما أنا بقارئ، فكان التقدير: فربك الذي رباك فأحسن تربيتك وأدبك فأحسن تأديبك أمرك بالقراءة وهو قادر على جعلك قارئاً، عطف عليه قوله: {وربك} أي يكون التقدير: والحال أن الذي خصك بالإحسان الجم {الأكرم} أي الذي له الكمال الأعظم مطلقاً من جهة الذات ومن جهة الصفات ومن جهة الأفعال، فلا يلحقه نقص في شيء من الأشياء أصلاً لأن حقيقته البعيد عن اللوم الجامع لمساوي الأخلاق، فهو الجامع لمعالي الأخلاق، وليس غيره يتصف بذلك، فهو يعطيك ما لا يدخل تحت الحصر، وأشار إلى أن من ذلك أنه يفيض على أمته الأمية من العلم والحظ ما لم يفضه على أمة قبلها على قصر أعمارهم، فقال مشيراً إلى العلم التعليم، مشعراً بوصفه سبحانه بالمنح بالعلم إلى ترتيب الحكم بالأكرمية على هذا الوصف الناقل للإنسان من الحال العقلي السافل إلى هذا الحال العالي الكامل {الذي علّم} أي بعد الحلم عن معاجلتهم بالعذاب والعقاب جوداً منه من غير مانع من خوف عاقبة ولا رجاء منفعة {بالقلم} أي الكتابة به.ولما نبه بذلك على ما في الكتابة من المنافع التي لا يحيط بها غيره سبحانه وتعالى، لأنها انبنت عليها استقامة أمور الدنيا والدين في الدنيا والآخرة، وهي كافية في الدلالة على دقيق حكمته تعالى ولطيف تدبيره، زاد ذلك عظمة على وجه يعم غيره فقال: {علّم} أي العلم الضروري والنظري {الإنسان} أي الذي من شأنه الأنس بما هو فيه لا ينتقل إلى غيره بل ينساه إن لم يلهمه ربه إياه {ما لم يعلم} أي بلطفه وحكمته لينتظم به حاله في دينه من الكتاب والسنة ودنياه من المعاملات والصنائع، فيفيض عليه من علمه اللدني الذي لا سبب له ظاهر ما يعرف به ترتيب المقدمات بالحدود والوسطى، فيعلم النتائج، وما يعرف به الحدسيات، وذلك بعد خلق القوى ونصب الدلائل وإنزال الآيات، ولو كان ذلك بالأسباب فقط لتساوى الناس في مدة التعليم وفي أصل المعلوم كما تساووا في مدة الحمل وأصل الإنسانية، وقد ذكر سبحانه مبدأ الإنسان ومنتهاه بنقله من أخس الحالات إلى أعلاها تقريراً لربوبيته وتحقيقاً لأكرميته، قال الملوي: ولو كان شيء من العطاء والنعم أشرف من العلم لذكره عقب صفة الأكرمية- انتهى، وفي ذلك إشارة إلى مزيد كرم العلماء بالتعليم، وفي الآية الإشارة إلى مطالعة عالمي الخلق والأمر، قال الرازي، وفي كل من العالمين خصوص وعموم- انتهى، فالمعنى أنه يعلمك أيها النبي الكريم وإن كنت أمياً لا تعلم الآن شيئاً كما علم بالقلم من لم يكن يعلم، فتكون أنت- بما أشارت إليه صفة الأكرمية على ما أنت فيه من الأمية- أعلم من أهل الأقلام- وأعلى من كل مقام سام. اهـ.
|