الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وأول ما ينظر إليه بين الناس والآخرين مسألة الدماء فأول ما يقضي به بين الخلائق الدماء. في الدماء أول ما يقضي به بين العباد لما يتعلق بحال بعضهم ببعض والصلاة أول ما ينظر فيه مابين العبد وبين ربه، والشرك ذنب لا يغفره الله حرم الله جل وعلا على أهله الجنة.ثم قال الله جل وعلا: {وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ} [ق: 32] المؤمن في طريقه إلى الله جل وعلا يقول الله عنه: {لقد خلقنا الإنسان في كبد} [البلد: 4] ينتابه الحزن والسرور والصحة والمرض والشباب والشيخوخة والصغر من قبل تنتابه أمور كثيرة ومطالب عظام يزدلف حينا إلى طاعات يقع أحيانا في المعاصي يستغفر ما بين هذا وذاك يفقد أمواله يفقد أولاده يخاف يحزن إلى غير ذلك مما يشترك فيه أكثر الناس فيبقى الحزن في قلبه حتى يقف بين يدي الله جل وعلا وييمن كتابه ويرى الجنة قد قربت وأزلفت فإذا دخلها نسي كل بؤس وحزن قد مر عليه قبل ذلك جعلني الله وإياكم من أهل ذلك النعيم.قال الله جل وعلا: {وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد}.{هذا} أي الذي ترونه {ما توعدون} أي ما كنتم توعدونه في الدنيا {هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ}.{أواب} دائم التوبة والإنابة والاستغفار لله جل وعلا حفيظ لجوارحه أن تقع في الفواحش مما حرم الله مما ظهر منها أو بطن {هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ}.ذكر الله جل وعلا النار قبلها وأنها يلقى فيها حتى تقول قط قط أي يكفي يكفي قال الله جل وعلا قبل ذلك: {يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب} [ق: 33].ما القول الذي يقال لهم يقول لهم العلي الأعلى: {ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود} [ق: 34] والموت أعظم ما يخوف به الناس في الدنيا ولأجل ذلك يلقى ويذهب عنهم يوم القيامة قال الله جل وعلا: {ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد} [ق: 35] وأعظم ما فسر به المزيد رؤية وجه الله تبارك وتعالى.اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقاءك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضله أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.الحمد الله وكفى والسلام على عباده الذين اصطفى، ثم قال جل ذكره: {وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} [ق: 37].وإن من دلائل العقل والاتعاظ والإيمان أن ينظر الإنسان في الأمم الغابرة والأيام الخالية فينظر إلى صنيع الله جل وعلا فيمن عصاه ورحمته تبارك وتعالى فيمن أطاعه واتبع هداه.ثم ذكر جل وعلا ردا على اليهود التي زعمت أن الله بدأ الخلق يوم الأحد وانتهى يوم الجمعة واستراح يوم السبت تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا فقال جل ذكره ممجدا نفسه ومادحا ذاته العلية: {ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب} [ق: 38].ثم أمر نبيه بالصبر على ما يقوله أعدائه {فاصبر على ما يقولون} ولابد للصبر من مطيه ألا وأعظم المطايا ذكر الله تبارك وتعالى والوقوف بين يديه مناجاة ودعاء قال الله جل وعلا: {فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب} [ق: 39].ثم قال جل شأنه بعد أن دعا نبيه إلى كثرة الصلاة والذكر على القول بأن التسبيح هنا الصلاة وعلى القول بأنه الذكر المطلق والمقيد وهو أظهر والعلم عند الله {واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب} [ق: 41].{واستمع} هذا نداء لكل من يقرأ القرآن والمنادي هو إسرافيل عليه السلام والمكان القريب بيت المقدس سمي قريبا لأنه قريب من مكة وهذه السورة نزلت في مكة وليست بيت المقدس عن مكة ببعيد.{واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج} [ق: 42]. ينادي أيتها العظام البالية أيتها الأوصال المتقطعة إن الله يدعكن لفصل القضاء فتجتمع الأجساد وتدب فيها الأرواح بعد أن تخرج من مستقرها ويخرج الناس لرب العالمين قال جل ذكره: {يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير نحن أعلم بما يقولون} [ق: 45]. سواء جهروا به أو لم يجهروا فالقلوب له مفضية والسر عنده علانية وليس عليك أيها النبي إلا البلاغ فقال الله جل وعلا له: {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} [ق: 45]. عودا على بدء كما أقسم الله بقرآنه العظيم ختم السورة به كما بيناه في أول خطبتنا وذلك أن القرآن جعله الله جل وعلا هدى ونورا لهذه الأمة:
فصلوا وسلموا على من أنزل إليه هذا القرآن {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} [الأحزاب: 56]. اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وارض اللهم عن أصحاب نبيك أجمعين بلا استثناء وخص اللهم منهم الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء وارحمنا اللهم برحمتك معهم يا ذا الجلال والإكرام واغفر اللهم لنا في جمعتنا هذه أجمعين اللهم ووفق ولي أمرنا بتوفيقك وأيده بتأييدك اللهم وفقه لهداك وجعل عمله في رضاك. اللهم وأصلح أحوال أمة محمد صلى الله عليه وسلم في كل مكان اللهم إنا نسألك الإيمان والعفو عما مضى وسلف وكان من الذنوب والآثام والعصيان اللهم من روع أهل مدينة رسولك صلى الله عليه وسلم فمكن منه وأخذله يا رب العالمين. اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا. اللهم أستر عوراتنا وآمن روعاتنا. اللهم أستر عوراتنا وآمن روعاتنا، اللهم إنا نسألك الهدى والتقوى والعفاف والغنى والفوز بالجنة والنجاة من النار. اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى من الجنة. اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى من الجنة. اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى من الجنة.عباد الله:إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون. اهـ. .فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة: قال محمد الغزالي:سورة ق:في سورة (قَ) حديث عن البعث والجزاء سبقته الأدلة العقلية التي تشير إلى عظمة القدرة وسعة العلم وإمكان النشأة الآخرة! وقد تدبرت هذه الأدلة وأنا أرقب الطعام الذي أتناوله. إن بعضا منه يتحول إلى طاقة ترفع حرارة الجسم، كيف؟ لا أدرى! وبعض آخر يتحول إلى خلايا تسرى فيها الحياة، ويتكون منها العظم واللحم، وتزدحم فيها خصائص الأجداد والأحفاد. كيف؟ لا أدرى. ويصف علماء الحياة الخلية بأنها كائن يشبه مدينة بها ميادين وحارات وبها أسلاك كهرباء ومواسير مياه!! مع أن الخلية لا ترى بالبصر المجرد! والجزء الباقي من الطعام يعود بالصرف الصحي إلى الأرض، ليخرج منها مرة أخرى كيزان أذرة أو سنابل قمح أو شماريخ بلح يأكلها الإنسان ويجدد القصة التي شرحناها آنفا! في كل جسد موت ونشور يتكرران في كل ساعة من ليل أو نهار! فهل أستغرب إذا قال الله ق والقرآن المجيد- لتبعثن- {بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ}. لماذا تكون إعادة الخلق عجيبة؟ أليس هو الخالق الأول؟ ألا نرى التفاعل المستمر بين أجسادنا والتربة التي نعيش فوقها؟ إن في كل لحظة بعثا ولكن الكافر بليد ذاهل! لقد بنى القرآن الإيمان على حركة العقل الباحث اليقظ، ثم صاغه في قالب من البيان المعجز. قال الرواة إن إحدى الصحابيات حفظت سورة (ق) من فم الرسول وهو يخطب بها يوم الجمعة، لقد انتقشت الكلمات في ذهنها، وثبتت على التكرار، ثم تحولت في سلوكها إلى خلق وعبادة ومنهج حياة.والبعث عندنا ليس فكرة نظرية، إنه شعور حي يستولى على الإنسان وهو يفعل أو يترك.{ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}. إن الفارق بعيد بين حياة الإيمان والحياة التي تقدمها الحضارة المعاصرة، إنها حضارة قلما تذكر الله أو تستعد للقائه أو تشعر بإشرافه! وقد فشلت الأديان السائدة في إنعاش الضمير الديني وتعويده رقابة الله.. والموت عند أغلب الأوروبيين والأمريكيين نهاية الوجود، وسيكون ما بعده مفاجأة لم يحسب لها حساب {لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد}. ومن العرب المسلمين (!) من جرفهم هذا التيار، ومن رفض ضبط الدنيا لحساب الآخرة فهو يقول مع الزهاوي: ولا أبدِّل موهوما بمحسوس! الآخرة عنده وهم كما هي عند سادته! وستنتهي الدنيا حتما ويحصد الناس ما قدموا فيها. وفى سورة ق نجد مشهدين: الأول للملك الذي يحصى على الكافر ما صنع {وقال قرينه هذا ما لدي عتيد ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب}. وهنا يقول القرين من الشياطين الذي كان يقوم بوظيفة الإغواء وتزيين الشر {قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد} يعنى أنه كان فاسدا قبل أن أفسده! {قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد}. وحديث القرين هنا عن صاحبه المجرم قريب مما ورد في سورة الأنعام {يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها}. أما المشهد الثاني فعن مصير الأتقياء الأخيار {وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود}. ومع أن الدنيا دار ابتلاء وليست دار جزاء، فإن الله قد يعجل بعض العقوبات للمجرمين لتكون نكالا وعبرة؟ فهل ارعوى الطغاة وتابوا؟ كلا {وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص}؟ وعادت سورة ق كما بدأت تتحدث عن العالم وخلقه، فذكرت أن الله أوجد الكون بقدرته، ولم يشعر بإعياء في هذا الإيجاد! وكيف يشعر بتعب، وأمره بين الكاف والنون؟ ولو شعر بتعب بعد الخلق، فكيف سيدير السموات والأرض ويوفر الطعام لأعداد هائلة من الإنسان والحيوان على امتداد العصور؟ وكيف يسخر النجوم في مداراتها الرحبة؟ إنه إذا تعب أولا فسيتعب ثانية وثالثة!! ويفلت من يده نظام العالم! ولذلك قال: {ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب}. والحق أن نسبة التعب إلى الله حماقة وقع فيها ناس تائهون، ولكن القرآن الكريم نره رب العالمين عن هذا اللغو وأثبت له ما يستحق من أمجاد ومحامد.. والقرآن في بنائه للإيمان يعتمد على العقل الإنساني، ورفضه للترهات، ولذلك ختمت السورة بأن محمدا ليس حاكما عسكريا يغير العقائد بالقوة كما يغير الأوضاع المدنية أو الاقتصادية. إنه مذكر صادق وناصح مخلص.{نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} إن هذا التذكير هو عمل الأنبياء والدعاة إلى آخر رمق. وقد ذكر بعض المفسرين أن ذلك قبل نزول آيات القتال!. وهذا ذهول معيب، فإن القتال لحماية الدعوة وصون الحقوق، وليس للإكراه على الإيمان! ولم يكن محمد جبارا يوما ما، ولا أكره أحدا على الدخول في دينه قط. اهـ..في رياض آيات السورة الكريمة: .تفسير الآيات (1- 5): قوله تعالى: {ق والقرآن الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقال الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5)}..مناسبة الآية لما قبلها: قال البقاعي:(بسم الله) الذي من إحاطة حمده بيانه ما لنبيه صلى الله عليه وسلم من إحاطة الحمد، ولقدرته سبحانه من الإحاطة التي ليس لها حد (الرحمن) الذي عم خلقه برحمته حين أرسل إليهم محمدا صلى الله عليه وسلم بشرائعه، فهو أصدق العباد، وأظهر بعظيم معجزاته أن قدرته ما لها من نفاذ (الرحيم) الذي خص بالفوز في دار القرار أهل الرغاد.لما ختم سبحانه الحجرات بإحاطة العلم قال أول هذه: {ق} إشارة إلى أنه هو سبحانه وحده المحيط علمًا وقدرة بما له من العلو والشدة والقوة القيومية والقهر ونافذ القضاء والفتح لما أراد من المغلقات، بما أشارت إليه القاف بصفاتها وأظهرته بمخرجها المحيط بما جمعه مسماها من المخارج الثلاث: الحلق واللسان والشفاه.وقد قال الأستاذ أبو الحسن الحرالي في سر افتتاح المفصل بهذا الحرف فقال في آخر كتابه في هذا الحرف: اعلم أن القرآن منزل مثاني، ضمن ما عدا المفصل منه الذي هو من قاف إلى آخر الكتاب العزيز وفاتحة ما يختص بأولي العلم والفقه من مبسوطات الحكم ومحكمات الأحكام ومطولات الأقاصيص، ومتشابه الآيات، والسورة المفتتحة بالحروف الكلية للإحاطة لغيبية المتهجى المسندة إلى آحاد الأعداد، فلعلو رتبة إيراده وطوله ثنى الحق سبحانه الخطاب وانتظمه في سور كثيرة العدد يسيرة عدد الآي قصيرة مقدارها، ذكر فيها من أطراف القصص والمواعظ والأحكام والثناء وأمر الجزاء ما يليق بسماع العامة ليسهل عليهم سماعه وليأخذوا بحظ مما أخذه الخاصة وليكرر على أسماعهم في قراءة الأئمة له في الصلوات المفروضة التي لا مندوحة لهم عنها ما يكون لهم خلفًا مما يعولهم من مضمون سائر السور المطولات، فكان أحق ما افتتح به مفصلهم حرف ق الذي هو وتر الآحاد، والظاهر منها مضمون ما يحتوي عليه مما افتتح بألف لام ميم، وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقرأ في خطبة يوم الجمعة إليهم لأنها صلاة جامعة الظاهر بفاتحة المفصل الخاص بهم، وفي مضمونها من معنى القدرة والقهر المحتاج إليه في إقامة أمر العامة ما فيه كفاية، وشفعت بسورة المطهرة فخصوا بما فيه القهر والإنابة، واختصرت سورة نون من مقتضى العلم بما هو محيط بأمر العامة المنتهي إلى غاية الذكر الشامل للعالمين.ولما كان جميع السور المفتتحة بالحروف المتضمنة للمراتب التسع، العاشر الجامع قوامًا وإحاطة في جميع القرآن، ولذلك كانت سورة قاف وسورة ن قوامًا خاصًا وإحاطة خاصة بما يخص العامة من القرآن الذين يجمعهم الأرض بما أحاط بظاهرها من صورة جبل قاف، وما أحاط بباطنها من صورة حيوان (نون) الذي تمام أمرهم بما بين مددي إقامتها ولهذا السورة المفتتحة بالحرف ظهر اختصاص القرآن وتميزه عن سائر الكتب لتضمنها الإحاطة التي لا تكون إلا بما للخاتم الجامع، واقترن بها من التفضيل في سورها ما يليق بإحاطتها، ولإحاطة معانيها وإتمامها كان كل ما فسرت به من معنى يرجع إلى مقتضاها، فهو صحيح في إحاطتها ومنزلها من أسماء الله وترتبها في جميع العوالم، فلا يخطىء فيها مفسر لذلك لأنه كلما قصد وجهًا من التفسير لم يخرج عن إحاطة ما تقتضيه، ومهما فسرت به من أنها من أسماء الله تعالى أو من أسماء الملائكة أو من أسماء الأنبياء أو من مثل الأشياء، وصور الموجودات أو من أنها أقسام أقسم بها، أو فواتح عرفت بها السور، أو أعداد تدل على حوادث وحظوظ من ظاهر الأمر أو باطنه على اختلاف رتب وأحوال مما أعطيه محمد صلى الله عليه وسلم من مقدار أمد الخلافة والملك والسلطنة وما ينتهي إليه أمره من ظهور الهداية ونحو ذلك مما يحيط بأمد يومه إلى غير ذلك، وكل داخل في إحاطتها، ولذلك أيضًا لا تختص بمحل مخصوص تلزمه علامة إعراب مخصوصة فمهما قدر في مواقعها من هذه السورة جرًا أو نصبًا أو رفعًا، فتداخل في إحاطة رتبتها ولم يلزمها معنى خاص ولا إعراب خاص لما لم يكن لها انتظام، لأنها مستقلات محيطات، وإنما ينتظم ما يتم معنى- كل واحد من المنتظمين بحصول الانتظام، وذلك يختص من الكلم بما يقصر عن إحاطة مضمون الحروف حتى أنه متى وقع استقلال وإحاطة في كلمة لم يقع فيها انتظام.
|