الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
غيرهم: {بشراي} على إضافتها لنفسه أو هو اسم غلامه فناداه مضافًا إلى نفسه: {هذا غُلاَمٌ} قيل: ذهب به فلما دنا من أصحابه صاح بذلك يبشرهم به: {وَأَسَرُّوهُ} الضمير للوارد وأصحابه أخفوه من الرفقة، أو لأخوة يوسف فإنهم قالوا للرفقة: هذا غلام لنا قد أبق فاشتروه منا، وسكت يوسف مخافة أن يقتلوه: {بضاعة} حال أي أخفوه متاعًا للتجارة، والبضاعة ما بضع من المال للتجارة أي قطع: {والله عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} بما يعمل أخوة يوسف بأبيهم وأخيهم من سوء الصنيع: {وَشَرَوْهُ} وباعوه: {بِثَمَنٍ بَخْسٍ} مبخوس ناقص عن القيمة نقصانًا ظاهرًا أو زيف: {دراهم} بدل من ثمن، {مَّعْدُودَةً} قليلة تعد عدًا ولا توزن لأنهم كانوا يعدون ما دون الأربعين ويزنون الأربعين وما فوقها وكانت عشرين درهمًا: {وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزهدين} ممن يرغب عما في يده فيبيعه بالثمن الطفيف، أو معنى: {وشروه} واشتروه يعني الرفقة من إخوته: {وكانوا فيه من الزاهدين} أي غير راغبين لأنهم اعتقدوا أنه آبق.ويُروى أن إخوته اتبعوهم وقالوا: استوثقوا منه لا يأبق.و{فيه} ليس من صلة: {الزاهدين} أي غير راغبين لأن الصلة لا تتقدم على الموصول، وإنما هو بيان كأنه قيل: في أي شيء زهدوا؟ فقال: زهدوا فيه.{وَقَالَ الذي اشتراه مِن مّصْرَ} هو قطفير وهو العزيز الذي كان على خزائن مصر والملك يومئذ الريان بن الوليد وقد آمن بيوسف ومات في حياته واشتراه العزيز برَنته ورقًا وحريرًا ومسكًا وهو ابن سبع عشرة سنة، وأقام في منزله ثلاث عشرة سنة، واستوزره ريان بن الوليد وهو ابن ثلاثين سنة، وآتاه الله الحكمة والعلم وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، وتوفي وهو ابن مائة وعشرين سنة: {لاِمْرَأَتِهِ} راعيل أو زليخا واللام متعلقة ب: {قال} لا ب: {اشتراه}، {أَكْرِمِى مَثْوَاهُ} اجعلي منزله ومقامه عندنا كريمًا أي حسنا مرضيًا بدليل قوله: {إنه ربي أحسن مثواي} وعن الضحاك: بطيب معاشه ولين لباسه ووطئ فراشه: {عسى أَن يَنفَعَنَا} لعله إذا تدرب وراض الأمور وفهم مجاريها نستظهر به على بعض ما نحن بسبيله: {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} أو نتبناه ونقيمه مقام الولد، وكان قطفير عقيمًا وقد تفرس فيه الرشد فقال ذلك: {وكذلك} إشارة إلى ما تقدم من إنجائه وعطف قلب العزيز عليه.والكاف منصوب تقديره ومثل ذلك الإنجاء والعطف: {مَكَّنَّا لِيُوسُفَ} أي كما أنجيناه وعطَّفنا عليه العزيز كذلك مكنا له: {فِي الأرض} أي أرض مصر وجعلناه ملكًا يتصرف فيها بأمره ونهيه: {وَلِنُعَلّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث} كان ذلك الإنجاء والتمكين: {والله غَالِبٌ على أَمْرِهِ} لا يمنع عما شاء أو على أمر يوسف بتبليغه ما أراد له دون ما أراد إخوته: {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} ذلك: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} منتهى استعداد قوته وهو ثمان عشرة سنة أو إحدى وعشرون: {آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} حكمة وهو العلم مع العمل واجتناب ما يجهل فيه أو حكمًا بين الناس وفقهًا: {وَكَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} تنبيه على أنه كان محسنًا في عمله متقيًا في عنفوان أمره.{وَرَاوَدَتْهُ التي هُوَ في بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ} أي طلبت يوسف أن يواقعها والمراودة مفاعلة من راد يرود إذا جاء وذهب كأن المعنى خادعته عن نفسه أي فعلت فعل المخادع لصاحبه عن الشيء الذي لا يريد أن يخرجه من يده يحتال أن يغلبه عليه ويأخذه منه، وهي عبارة عن التحمل لمواقعته إياها: {وَغَلَّقَتِ الأبواب} وكانت سبعة: {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} هو اسم لتعال وأقبل وهو مبني على الفتح: {هيتُ} مكي بناه على الضم،: {هِيتَ} مدني وشامي واللام للبيان كأنه قيل لك أقول هذا كما تقول هلم لك: {قَالَ مَعَاذَ الله} أعوذ بالله معاذًا: {إنَّهُ} أي إن الشأن والحديث: {رَبّي} سيدي ومالكي يريد قطفير: {أَحْسَنَ مَثْوَايَّ} حين قال لك: {أكرمي مثواه} فما جزاؤه أن إخوته في أهله: {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون} الخائبون أو الزناة، أو أراد بقوله: {إنه ربي} الله تعالى لأنه مسبب الأسباب: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ} هم عزم: {وَهَمَّ بِهَا} هم الطباع مع الامتناع قاله الحسن.وقال الشيخ أبو منصور رحمه الله: وهم بها هم خطرة ولا صنع للعبد فيما يخطر بالقلب ولا مؤاخذة عليه، ولو كان همه كهمها لما مدحه الله تعالى بأنه من عباده المخلصين.وقيل: همَّ بها وشارف أن يهم بها، يقال: هم بالأمر إذا قصده وعزم عليه.وجواب: {لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ} محذوف أي لكان ما كان.وقيل: {وهمّ بها} جوابه ولا يصح، لأن جواب {لولا} لا يتقدم عليها لأنه في حكم الشرط وله صدر الكلام والبرهان الحجة.ويجوز أن يكون: {وهم بها} داخلًا في حكم القسم في قوله: {ولقد همت به} ويجوز أن يكون خارجًا.ومن حق القارئ إذا قدر خروجه من حكم القسم وجعله كلامًا برأسه أن يقف على: {به} ويبتدئ بقوله: {وهم بها} وفيه أيضًا إشعار بالفرق بين الهمين.وفسر همَّ يوسف بأنه حل تكة سراويله وقعد بين شعبها الأربع وهي مستلقية على قفاها، وفسر البرهان بأنه سمع صوتًا إياك وإياها مرتين فسمع ثالثًا أعرض عنها فلم ينجع فيه حتى مثل له يعقوب عاضًا على أنملته، وهو باطل، ويدل على بطلانه قوله: {هي روادتني عن نفسي} ولو كان ذلك منه أيضًا لما برأ نفسه من ذلك، وقوله: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء} ولو كان كذلك لم يكن السوء مصروفًا عنه وقوله: {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب} ولو كان كذلك لخانه بالغيب، وقوله: {مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوء}، {الآن حصص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين} ولأنه لو وجد منه ذلك لذكرت توبته واستغفاره كما كان لآدم ونوح وذي النون وداود عليهم السلام، وقد سماه الله مخلصًا فعلم بالقطع أنه ثبت في ذلك المقام وجاهد نفسه مجاهدة أولي العزم ناظرًا في دلائل التحريم حتى استحق من الله الثناء.ومحل الكاف في: {كذلك} نصب أي مثل ذلك التثبيت ثبتناه، أو رفع أي الأمر مثل ذلك: {لِنَصْرِفَ عَنْهُ السوء} خيانة السيد {والفحشاء} الزنا: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المخلصين} بفتح اللام حيث كان: مدني وكوفي أي الذين أخلصهم الله لطاعته، وبكسرها غيرهم أي الذين أخلصوا دينهم لله.ومعنى: {من عبادنا} بعض عبادنا أي هومخلص من جملة المخلصين.{واستبقا الباب} وتسابقا إلى الباب، هي للطلب وهو للهرب، على حذف الجار وإيصال الفعل كقوله: {واختار موسى قَوْمَهُ} [الأعراف: 155] أو على تضمين: {استبقا} معنى ابتدارا ففر منها يوسف فأسرع يريد الباب ليخرج وأسرعت وراءه لتمنعه الخروج ووحد الباب وإن كان جمعه في قوله: {وغلقت الأبواب} لأنه أراد الباب البراني الذي هو المخرج من الدار ولما هرب يوسف جعل فراش القفل يتناثر ويسقط حتى خرج: {وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ} اجتذبته من خلفه فانقد أي انشق حين هرب منها إلى الباب وتبعته تمنعه: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لُّدًّا الباب} وصادفا بعلها قطفير مقبلًا يريد أن يدخل، فلما رأته احتالت لتبرئة ساحتها عند زوجها من الريبة ولتخويف يوسف طمعًا في أن يواطئها خيفة منها ومن مكرها حيث: {قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءا إِلا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ما نافيه أي ليس جزاؤه إلا السجن أو عذاب أليم وهو الضرب بالسياط، ولم تصرح بذكر يوسف وأنه أراد بها سوءً لأنها قصدت العموم أي كل من أراد بأهلك سوءًا فحقه أن يسجن أو يعذب، لأن ذلك أبلغ فيما قصدت من تخويف يوسف.ولما عرضته للسجن والعذاب ووجب عليه الدفع عن نفسه.{قَالَ هي رَاوَدَتْنِى عَن نَّفْسِى} لولا ذلك لكتم عليها ولم يفضحها: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّنْ أَهْلِهَا} هو ابن عم لها، وإنما ألقى الله الشهادة على لسان من هو من أهلها لتكون أوجب للحجة عليها وأوثق لبراءة يوسف.وقيل: كان ابن خال لها وكان صبيًا في المهد.وسمي قوله شهادة لأنه أدى مؤدى الشهادة في أن ثبت به قول يوسف وبطل قولها: {إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكاذبين وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصادقين} والتقدير: وشهد شاهد فقال: إن كان قميصه: وإنما دل قدّ قميص من قبل على أنها صادقة لأنه يسرع خلفها ليلحقها فيعثر في مقادم قميصه فيشقه، ولأنه يقبل عليها وهي تدفعه عن نفسه فيتخرق قميصه من قبل.وأما تنكير: {قبل} و: {دبر} فمعناه من جهة يقال لها قبل ومن جهة يقال لها دبر، وإنما جمع بين إن التي للاستقبال وبين كان لأن المعنى أن يعلم أنه كان قميصه قد.{فَلَماَّ رَأَى} قطفير: {قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ} وعلم براءة يوسف وصدقه وكذبها {قَالَ إِنَّهُ} إن قولك: {ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا} أو إن هذا الأمر وهو الاحتيال لنيل الرجال: {مِن كَيْدِكُنَّ} الخطاب لها ولأمتها: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} لأنهن ألطف كيدًا وأعظم حيلة وبذلك يغلبن الرجال، والقصريات منهن معهن ما ليس مع غيرهن من البوائق.وعن بعض العلماء: إني أخاف من النساء أكثر مما أخاف من الشيطان، لأن الله تعالى قال: {إِنَّ كَيْدَ الشيطان ضَعِيفًا} [النساء: 76] وقال لهن: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}، {يُوسُفَ} حذف منه حرف النداء لأنه منادى قريب مفاطن للحديث، وفيه تقريب له وتلطيف لمحله: {أَعْرِضْ عَنْ هذا} الأمر واكتمه ولا تتحدث به.ثم قال لراعيل: {واستغفرى لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الخاطئين} من جملة القوم المتعمدين للذنب.يقال: خطئ إذا أذنب متعمدًا، وإنما قال بلفظ التذكير تغليبًا للذكر على الإناث، وكان العزيز رجلًا حليمًا قليل الغيرة حيث اقتصر على هذا القول. اهـ.
|