الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الفخر: .من أقوال المفسرين: .قال أبو حيان: وفي ذلك تأكيد لعدم الموالاة، وتحذير من ذلك. اهـ. .قال الفخر: السؤال الأول: هذه الآية جملة شرطية فقوله: {إِن تُخْفُواْ مَا في صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ} شرط وقوله: {يَعْلَمْهُ الله} جزاء ولا شك أن الجزاء مترتب على الشرط متأخر عنه، فهذا يقتضي حدوث علم الله تعالى. والجواب: أن تعلق علم الله تعالى بأنه حصل الأن لا يحصل إلا عند حصوله الآن، ثم أن هذه التبدل والتجدد إنما وقع في النسب والإضافات والتعليقات لا في حقيقة العلم، وهذه المسألة لها غور عظيم وهي مذكورة في علم الكلام. السؤال الثاني: محل البواعث والضمائر هو القلب، فلم قال: {إِن تُخْفُواْ مَا في صُدُورِكُمْ} ولم يقل إن تخفوا ما في قلوبكم؟. الجواب: لأن القلب في الصدر، فجاز إقامة الصدر مقام القلب كما قال: {يُوَسْوِسُ في صُدُورِ الناس} [الناس: 5] وقال: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} [الحج: 46]. السؤال الثالث: إن كانت هذه الآية وعيدًا على كل ما يخطر بالبال فهو تكليف ما لا يطاق. الجواب: ذكرنا تفصيل هذه الكلام في آخر سورة البقرة في قوله: {للَّهِ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ الله} [البقرة: 284]. اهـ. .من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض}: .قال أبو حيان: .قال الفخر: .قال ابن عادل: {مَا في صُدُورِكُمْ}، وقدَّم- هنا- الإخْفَاءَ على الإبداء وجعل محلهما الصدور، بخلاف آية البقرةِ- فإنه قدَّم فيها الإبداء على الإخفاء، وجعل محلهما النفس، وجعل جواب الشرطِ المحاسبة؛ تفنُّنًا في البلاغة، وذكر ذلك للتحذير؛ لأنه إذا كأن لا يخفى عليه شيء فكيف يَخْفَى عليه الضميرُ؟ اهـ. .من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {والله على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ}: .قال الفخر: .قال الألوسي: .قال أبو السعود: .قال الطبري: وأما قوله: {ويعلم ما في السموات وما في الأرض}، فإنه يعني أنه إذ كأن لا يخفى عليه شيء هو في سماء أو أرض أو حيث كان، فكيف يخفى عليه- أيها القوم الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين- ما في صدوركم من الميْل إليهم بالمودة والمحبة، أو ما تبدونه لهم بالمعونة فعلا وقولا. وأما قوله: {والله على كل شيء قدير}، فإنه يعني: والله قديرٌ على معاجلتكم بالعقوبة على مُوالاتكم إياهم ومظاهرتكموهم على المؤمنين، وعلى ما يشاء من الأمور كلها، لا يتعذَّر عليه شيء أراده، ولا يمتنع عليه شيء طلبه. اهـ. بتصرف يسير. .قال الزمخشري: .قال ابن كثير: وهذا تنبيه منه لعباده على خوفه وخشيته، وألا يرتكبوا ما نهى عنه وما يَبْغضه منهم، فإنه عالم بجميع أمورهم، وهو قادر على معاجلتهم بالعقوبة، وإنْ أنظر من أنظر منهم، فإنه يمهل ثم يأخذ أخذ عزيز مقتدر؛ ولهذا قال بعد هذا: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}. اهـ. .قال الصابوني: النهي عن موالاة الكافرين: .التحليل اللفظي: قال الراغب: وكلّ من ولي أمرًا الآخر فهو وليه ومنه قوله تعالى: {الله وَلِيُّ الذين آمَنُواْ} [البقرة: 257]. {تقاة}: مصدر بمعنى التقيّة وهي أن يداري الإنسان مخافة شرّه. قال ابن عباس: التقيّة مداراة ظاهرة، وقد يكون الإنسان مع الكفار أو بين أظهرهم، فيتقيهم بلسانه ولا مودة لهم في قلبه. قال القرطبي: وأصل تُقَاة (وُقَية) على وزن فُعَلَة مثل: تُؤَدة وتُهَمَة، قلبت الواو تاء والياء ألفًا. وقال أبو حيان: والمصدر على فُعَلة جاء قليلًا ولو جاء على المقيس لكان اتقاءً ونظيره قوله تعالى: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8]. والمعنى: إلا أن تخافوا منهم خوفًا فلا بأس بإظهار مودتهم باللسان تقية ومداراة دفعًا لشرهم وأذاهم من غير اعتقاد بالقلب. {المصير}: المرجع والمآب، والمعنى: رجوعكم ومآبكم إلى الله فيجازيكم على أعمالكم. .وجه المناسبة: .سبب النزول: وروى القرطبي في تفسيره عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن هذه الآية نزلت في (عُبَادة بن الصامت) الأنصاري البدري، كان له حلفاء من اليهود فلّما خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب قال له عُبادة: يا نبيّ الله إن معي خمسمائة من اليهود، وقد رأيت أن يخرجوا معي فأستظهر بهم على العدو، فأنزل الله تبارك وتعالى: {لاَّ يَتَّخِذِ المؤمنون الكافرين أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المؤمنين} الآية. .المعنى الإجمالي: فلا يجوز للمسلم أن يوالي غير المؤمنين فيتخذ من الكفّار الذين يتربصون بالمؤمنين السوء أولياء يصادقهم ويتودّد إليهم أو يستعين بهم ويترك إخوانه المؤمنين فليس بين الإيمان والكفر نسب وصلة، فالآية الكريمة تحذّر من موالاة الكافرين إلا في حال الضرورة وهو حال اتقاء شرهم وتجنب ضررهم أو الخوف منهم فتجوز موالاتهم بشرط أن يقتصر ذلك على الظاهر مع إضمار الكراهية والبغض لهم في الباطن، ثم ختمت الآية الكريمة بالوعيد الشديد الذي يدل على عظم الذنب الذي يرتكبه من يخالف أوامر الله ويوالي أعداءه. .وجوه القراءات: .وجوه الإعراب: ثانيًا: قوله تعالى: {إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تقاة} الاستثناء مفرغ من عموم الأحوال أي لا تتخذوهم أولياء في حالٍ من الأحوال إلاّ في حال اتقاء شرهم وضررهم، و{تقاة} مفعول مطلق لـ {تتقوا} وجوّز بعضهم أن يكون مفعولًا به أي إلا أن تتقوا شيئًا حاصلًا من جهتهم. .لطائف التفسير: التعبير بقوله تعالى: {وَمَن يَفْعَلْ ذلك} بدل قوله: {ومن يتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين} للاختصار، واستهجانًا بذكره، وتقبيحًا لهذا الصنيع، فموالاة الكافرين من أقبح القبائح عند الله. اللطيفة الثانية: قوله تعالى: {فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ} ليس من الله، أي ليس من دين الله أو شرع الله، فهو على حذف مضاف، والتنكير في شيء للتحقير أي ليس هذا في قليل أو كثير من دين الله، لأنه جمع بين المتناقضين، وقد قال الشاعر: اللطيفة الثالثة: في قوله تعالى: {إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تقاة} التفات من الغيبة إلى الخطاب، ولو جاء على النظم الأول لكان (إلا أن يتقوا). اللطيفة الرابعة: إظهار اسم الجلالة مكان الإضمار في قوله تعالى: {وإلى الله المصير} لتربية المهابة والروعة في النفس وتقديم الخبر على المبتدأ يفيد الحصر.
|