الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ المنظرين} {إلى يَوْمِ الوقت المعلوم} المسمى فيه أجلك عند الله، أو انقراض الناس كلهم وهو النفخة الأولى عند الجمهور، ويجوز أن يكون المراد بالأيام الثلاثة يوم القيامة، واختلاف العبارات لاختلاف الاعتبارات فعبر عنه أولًا بيوم الجزاء لما عرفته وثانيًا بيوم البعث، إذ به يحصل العلم بانقطاع التكليف واليأس عن التضليل، وثالثًا بالمعلوم لوقوعه في الكلامين، ولا يلزم من ذلك أن لا يموت فلعله يموت أول اليوم ويبعث مع الخلائق في تضاعيفه، وهذه المخاطبة وإن لم تكن بواسطة لم تدل على منصب إبليس لأن خطاب الله له على سبيل الإِهانة والإِذلال.{قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِى} الباء للقسم وما مصدرية وجوابه. {لأُزَيّنَنَّ لَهُمْ في الأرض} والمعنى أقسم بإغوائك إياي لأزينن لهم المعاصي في الدنيا التي هي دار الغرور كقوله: {أَخْلَدَ إِلَى الأرض} وفي انعقاد القسم بأفعال لله تعالى خلاف، وقيل للسببية والمعتزلة أَوَلُو الاغواء بالنسبة إلى الغي، أو التسبب له بأمره إياه بالسجود لآدم عليه السلام، أو بالإِضلال عن طريق الجنة واعتذروا عن إمهال الله له، وهو سبب لزيادة غيه وتسليط له على إغواء بني آدم بأن الله تعالى علم منه وممن تبعه أنهم يموتون على الكفر ويصيرون إلى النار أمهل أو لم يمهل، وأن في إمهاله تعريضًا لمن خالفه لاستحقاق مزيد الثواب، وضعف ذلك لا يخفى على ذوي الألباب. {وَلأَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} ولأحملنهم أجمعين على الغواية.{إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} الذين أخلصتهم لطاعتك وطهرتهم من الشوائب فلا يعمل فيهم كيدي، وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو بالكسر في كل القرآن أي الذين أخلصوا نفوسهم لله تعالى.{قَالَ هَذَا صراط عَلَىَّ} حقٌ علي أن أراعيه. {مُّسْتَقِيم} لا انحراف عنه، والإِشارة إلى ما تضمنه الاستثناء وهو تخليص المخلصين من إغوائه، أو الإِخلاص على معنى أنه طريق {عَلَىَّ} يؤدي إِلى الوصول إليَّ من غير اعوجاج وضلال.وقرئ {على} من علو الشرف.{إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان إِلاَّ مَنِ اتبعك مِنَ الغاوين} تصديق لإِبليس فيما استثناه وتغيير الوضع لتعظيم {المخلصين}، ولأن المقصود بيان عصمتهم وانقطاع مخالب الشيطان عنهم، أو تكذيب له فيما أوهم أن له سلطانًا على من ليس بمخلص من عباده، فإن منتهى تزيينه التحريض والتدليس كما قال: {وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سلطان إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِى} وعلى هذا يكون الاستثناء منقطعًا، وعلى الأول يدفع قول من شرط أن يكون المستثني أقل من الباقي لإِفضائه إلى تناقض الاستثناءين.{وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ} لموعد الغاوين أو المتبعين. {أَجْمَعِينَ} تأكيد للضمير أو حال والعامل فيها الموعد إن جعلته مصدرًا على تقدير مضاف، ومعنى الإضافة إن جعلته اسم مكان فإنه لا يعمل.{لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ} يدخلون منها لكثرتهم، أو طبقات ينزلونها بحسب مراتبهم في المتابعة وهي: جهنم ثم لظى، ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم ثم الهاوية، ولعل تخصيص العدد لانحصار مجامع المهلكات في الركون إلى المحسوسات ومتابعة القوة الشهوية والغضبية، أو لأن أهلها سبع فرق. {لِكُلّ بَابٍ مِّنْهُمْ} من الأتباع. {جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} أفرز له، فأعلاها للموحدين العصاة، والثاني لليهود والثالث للنصارى والرابع للصابئين والخامس للمجوس والسادس للمشركين والسابع للمنافقين، وقرأ أبو بكر {جُزْء} بالتثقيل، وقرئ {جز} على حذف الهمزة وإلقاء حركتها على الزاي، ثم الوقف عليه بالتشديد ثم إجراء الوصل مجرى الوقف، ومنهم حال منه أو من المستكن في الظرف لا في {مَّقْسُومٌ} لأن الصفة لا تعمل فيما تقدم موصوفها.{إِنَّ المتقين} من أتباعه في الكفر والفواحش فإن غيرها مكفرة. {فِى جنات وَعُيُونٍ} لكل واحد جنة وعين أو لكل عدة منهما كقوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} ثم قوله: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} وقوله: {مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون فِيهَا أَنْهَارٌ مّن مَّاء غَيْرِ ءاسِنٍ} الآية، وقرأ نافع وحفص وأبو عمرو وهشام {وَعُيُونٍ} بضم العين حيث وقع والباقون بكسر العين. {ادخلوها} على إرادة القول، وقرئ بقطع الهمزة وكسر الخاء على أنه ماض فلا يكسر التنوين. {بِسَلامٍ} سالمين أو مسلمًا عليكم. {ءامِنِينَ} من الآفة والزوال.{وَنَزَعْنَا} في الدنيا بما ألف بين قلوبهم، أو في الجنة بتطييب نفوسهم. {مَا في صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ} من حقد كان في الدنيا وعن علي رضي الله تعالى عنه: أرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم، أو من التحاسد على درجات الجنة ومراتب القرب. {إِخْوَانًا} حال من الضمير في جنات، أو فاعل ادخلوها أو الضمير في آمنين أو الضمير المضاف إليه، والعامل فيها معنى الإِضافة وكذا قوله: {على سُرُرٍ متقابلين} ويجوز أن يكونا صفتين لإِخوانًا أو حال من ضميره لأنه بمعنى متصافين، وأن يكون متقابلين حالًا من المستقر في على سرر.{لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ} استئناف أو حال بعد حال، أو حال من الضمير في متقابلين. {وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} فإن تمام النعمة بالخلود. اهـ.
|