الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{مِنَ الْأَنْباءِ} من القرآن المودع أنباء القرون الخالية أو أنباء الآخرة، وما وصف من عذاب الكفار {مُزْدَجَرٌ} ازدجار أو موضع ازدجار. والمعنى: هو في نفسه موضع الازدجار ومظنة له، كقوله تعالى: {لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} أي هو أسوة. وقرئ {مزدجر} بقلب تاء الافتعال زايا وإدغام الزاى فيها {حِكْمَةٌ بالِغَةٌ} بدل من ما. أو على: هو حكمة. وقرئ بالنصب حالا من ما. فإن قلت: إن كانت ما موصولة ساغ لك أن تنصب حكمة حالا، فكيف تعمل إن كانت موصوفة؟ وهو الظاهر. قلت: تخصصها الصفة: فيحسن نصب الحال عنها {فَما تُغْنِ النُّذُرُ} نفى أو إنكار. وما منصوبة، أي: فأى غناء تغنى النذر {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} لعلمك أن الإنذار لا يغنى فيهم. نصب {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} بيخرجون، أو بإضمار اذكر.وقرئ بإسقاط الياء اكتفاء بالكسرة عنها، والداعي إسرافيل أو جبريل، كقوله تعالى: {يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ}. {إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ منكر} فظيع تنكره النفوس لأنها لم تعهد بمثله وهو هول يوم القيامة. وقرئ: {نكر} بالتخفيف، و{نكر} بمعنى أنكر {خُشَّعًا أَبْصارُهُمْ} حال من الخارجين فعل للأبصار وذكر، كما تقول: يخشع أبصارهم. وقرئ: {خاشعة}، على: تخشع أبصارهم. و{خشعا}، على: يخشعن أبصارهم، وهي لغة من يقول: أكلونى البراغيث، وهم طيئ. ويجوز أن يكون في {خُشَّعًا} ضميرهم، وتقع {أَبْصارُهُمْ} بدلا عنه. وقرئ. {خشع أبصارهم}، على الابتداء والخبر، ومحل الجملة النصب على الحال. كقوله:
وخشوع الأبصار: كناية عن الذلة والانخزال، لأن ذلة الذليل وعزة العزيز تظهران في عيونهما. وقرئ: {يخرجون من الأجداث}: من القبور {كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ} الجراد مثل في الكثرة والتموّج. يقال في الجيش الكثير المائج بعضه في بعض: جاءوا كالجراد، وكالدبا منتشر في كل مكان لكثرته {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ} مسرعين مادّى أعناقهم إليه. وقيل: ناظرين إليه لا يقلعون بأبصارهم. قال:
وقرأ الحسن: {الماوان}، بقلب الهمزة واوا، كقولهم: علباوان {عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} على حال قدرها اللّه كيف شاء. وقيل: على حال جاءت مقدّرة مستوية: وهي أن قدر ما أنزل من السماء كقدر ما أخرج من الأرض سواء بسواء. وقيل: على أمر قد قدر في اللوح أنه يكون، وهو هلاك قوم نوح بالطوفان {عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ} أراد السفينة، وهي من الصفات التي تقوم مقام الموصوفات فتنوب منابها وتودى مؤداها. بحيث لا يفصل بينها وبينها. ونحوه: أراد: ولكن قميصي درع، وكذلك: أراد: ولو في عيون الجراد. ألا ترى أنك لو جمعت بين السفينة وبين هذه الصفة، أو بين الدرع والجراد وهاتين الصفتين: لم يصح، وهذا من فصيح الكلام وبديعه. والدسر:جمع دسار: وهو المسمار، فعال من دسره إذا دفعه، لأنه يدسر به منفذه {جَزاءً} مفعول له لما قدم من فتح أبواب السماء وما بعده، أي فعلنا ذلك {جزاء لِمَنْ كانَ كُفِرَ} وهو نوح عليه السلام، وجعله مكفورا لأنّ النبي نعمة من اللّه ورحمة. قال الله تعالى: {وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ} فكان نوح عليه السلام نعمة مكفورة، ومن هذا المعنى ما يحكى أنّ رجلا قال للرشيد: الحمد للّه عليك، فقال: ما معنى هذا الكلام؟ قال: أنت نعمة حمدت اللّه عليها. ويجوز أن يكون على تقدير حذف الجار وإيصال الفعل. وقرأ قتادة: {كفر}، أي جزاء للكافرين. وقرأ الحسن: {جزاء}، بالكسر: أي مجازاة. الضمير في {تَرَكْناها} للسفينة. أو للفعلة، أي: جعلناها آية يعتبر بها. وعن قتادة: أبقاها اللّه بأرض الجزيرة. وقيل: على الجودي دهرا طويلا، حتى نظر إليها أوائل هذه الأمة. والمدكر: المعتبر. وقرئ: {مذتكر}، على الأصل. و{مذكر}، بقلب التاء ذالا وإدغام الذال فيها. وهذا نحو: مذجر. و{النذر}: جمع نذير وهو الإنذار {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ} أي سهلناه للادكار والاتعاظ، بأن شحناه بالمواعظ الشافية وصرفنا فيه من الوعد والوعيد {فَهَلْ مِنْ} متعظ. وقيل: ولقد سهلناه للحفظ وأعنا عليه من أراد حفظه، فهل من طالب لحفظه ليعان عليه. ويجوز أن يكون المعنى: ولقد هيأناه للذكر، من يسر ناقته للسفر: إذا رحلها، ويسر فرسه للغزو، إذا أسرجه وألجمه. قال: ويروى: أن كتب أهل الأديان نحو التوراة والإنجيل لا يتلوها أهلها إلا نظرا ولا يحفظونها ظاهرا كما القرآن.
فإن قلت: كيف أنكروا أن يتبعوا بشرا منهم واحدا؟ قلت: قالوا أبشرا: إنكارا لأن يتبعوا مثلهم في الجنسية، وطلبوا أن يكون من جنس أعلى من جنس البشر وهم الملائكة، وقالوا {مِنَّا} لأنه إذا كان منهم كانت المماثلة أقوى، وقالوا {واحِدًا} إنكارا لأن تتبع الأمّة رجلا واحدا. أو أرادوا واحدا من أفنائهم ليس بأشرفهم وأفضلهم، ويدل عليه قولهم {أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا} أي أأنزل عليه الوحى من بيننا وفينا من هو أحق منه بالاختيار للنبوّة {أَشِرٌ} بطر متكبر، حمله بطره وشطارته وطلبه التعظم علينا على ادعاء ذلك {سَيَعْلَمُونَ غَدًا} عند نزول العذاب بهم أو يوم القيامة {مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ} أصالح أم من كذبه. وقرئ: {ستعلمون} بالتاء على حكاية ما قال لهم صالح مجيبا لهم. أو هو كلام اللّه تعالى على سبيل الالتفات. وقرئ: {الأشر}، بضم الشين، كقولهم حدث وحدث. وحذر وحذر، وأخوات لها. وقرئ: {الأشر}، وهو الأبلغ في الشرارة. والأخير والأشر: أصل قولهم: هو خير منه وشر منه، وهو أصل مرفوض، وقد حكى ابن الأنبارى قول العرب: هو أخير وأشر، وما أخيره وما أشره {مُرْسِلُوا النَّاقَةِ} باعثوها ومخرجوها من الهضبة كما سألوا {فِتْنَةً لَهُمْ} امتحانا لهم وابتلاء {فَارْتَقِبْهُمْ} فانتظرهم وتبصر ما هم صانعون {وَاصْطَبِرْ} على أذاهم ولا تعجل حتى يأتيك أمرى {قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} مقسوم بينهم: لها شرب يوم ولهم شرب يوم. وإنما قال: بينهم، تغليبا للعقلاء {مُحْتَضَرٌ} محضور لهم أو للناقة. وقيل: يحضرون الماء في نوبتهم واللبن في نوبتها {صاحِبَهُمْ} قدار بن سالف أحيمر ثمود {فَتَعاطى} فاجترأ على تعاطى الأمر العظيم غير مكترث له، فأحدث العقر بالناقة. وقيل فتعاطى الناقة فعقرها، أو فتعاطى السيف {صَيْحَةً واحِدَةً} صيحة جبريل. والهشيم، الشجر اليابس المتهشم المتكسر. و{المحتظر}: الذي يعمل الحظيرة وما يحتظر به ييبس بطول الزمان وتتوطؤه البهائم فيتحطم ويتهشم. وقرأ الحسن بفتح الظاء وهو موضع الاحتظار، أي: الحظيرة.
|