الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقيل: كان المستهزءون خمسة أرهط كلّا ردع لهم عن طمعهم في دخول الجنة، ثم علل ذلك بقوله: {إِنّا خلقْناهُمْ مِمّا يعْلمُون} إلى آخر السورة، وهو كلام دال على إنكارهم البعث، فكأنه قال: كلا إنهم منكرون للبعث والجزاء، فمن أين يطمعون في دخول الجنة؟فإن قلت: من أى وجه دل هذا الكلام على إنكار البعث؟قلت: من حيث أنه احتجاج عليهم بالنشأة الأولى، كالاحتجاج بها عليهم في مواضع من التنزيل، وذلك قوله: {خلقْناهُمْ مِمّا يعْلمُون} أى من النطف، وبالقدرة على أن يهلكهم ويبدل ناسا خيرا منهم، وأنه ليس بمسبوق على ما يريد تكوينه لا يعجزه شيء، والغرض أن من قدر على ذلك لم تعجزه الإعادة.ويجوز أن يراد: {إنا خلقناهم مما يعلمون}، أى: من النطفة المذرة، وهي منصبهم الذي لا منصب أوضع منه.ولذلك أبهم وأخفى: إشعارا بأنه منصب يستحيا من ذكره، فمن أين يتشرفون ويدعون التقدم ويقولون: لندخلن الجنة قبلهم. وقيل: معناه إنا خلقناهم من نطفة كما خلقنا بنى آدم كلهم، ومن حكمنا أن لا يدخل أحد منهم الجنة إلا بالإيمان والعمل الصالح، فلم يطمع أن يدخلها من ليس له إيمان وعمل. وقرئ: {برب المشرق والمغرب}. و{يخرجون}، و{يخرجون}. و{من الأجداث سراعا}، بالإظهار والإدغام. و{نصب}، و{نصب}: وهو كل ما نصب فعبد من دون اللّه {يُوفِضُون} يسرعون إلى الداعي مستبقين كما كانوا يستبقون إلى أنصابهم.عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة سأل سائل أعطاه اللّه ثواب الذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون». اهـ.
الثاني: قال الضحاك: هي جهنم تفري اللحم والجلد عن العظم، وقال مجاهد: جلدة الرأس ومنه قول الأعشى: الثالث: أنه العصب والعقب، قاله ابن جبير.الرابع: أنه مكارم وجهه، قاله الحسن.الخامس: أنه اللحم والجلد الذي على العظم، لأن النار تشويه، قاله الضحاك.{تدْعو منْ أدْبر وتولّى} وفي دعائها ثلاثة أوجه:أحدها: أنها تدعوهم بأسمائهم فتقول للكافر: يا كافر إلى، وللمنافق: يا منافق إلى، قاله الفراء.الثاني: أن مصير من أدبر وتولى إليها، فكأنها الداعية لهم، ومثله قول الشاعر: العضيض الأبكم: الذباب، وهو لا يدعو وإنما طنينه ينبه عليه، فدعا إليه.الثالث: الداعي خزنة جهنم أضيف دعاؤهم إليها، لأنهم يدعون إليها.وفي ما {أدبر وتولى} عنه أربعة أوجه:أحدها: أدبر عن الطاعة وتولى عن الحق، قاله مجاهد.الثاني: أدبر عن الإيمان وتولى إلى الكفر، قاله مقاتل.الثالث: أدبر عن أمر اللّه وتولى عن كتاب اللّه، قاله قتادة.الرابع: أدبر عن القبول وتولى عن العمل.{وجمع فأوْعى} يعني الذي أدبر وتولى جمع المال فأوعى، بأن جعله في وعاء حفظا له ومنعا لحق اللّه منه، قال قتادة: فكان جموعا منوعا.{إنّ الإنسان خُلِق هلُوعا} قال الضحاك والكلبي: يعني الكافر. وفي الهلوع ستة أوجه:أحدها: أنه البخيل، قاله الحسن.الثاني: الحريص، قاله عكرمة.الثالث: الضجور، قاله قتادة.الرابع: الضعيف، رواه أبو الغياث.الخامس: أنه الشديد الجزع، قاله مجاهد.السادس: أنه الذي قاله الله تعالى فيه: {إذا مسّه الشرُّ...} الآية، قاله ابن ابن عباس.وفيه وجهان:أحدهما: إذا مسه الخير لم يشكر، وإذا مسه الشر لم يصبر، وهو معنى قول عطية.الثاني: إذا استغنى منع حق اللّه وشح، وإذا افتقر سأل وألح، وهو معنى قول يحيى بن سلام.{الذين هُمْ على صلاتِهم دائمون} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: يحافظون على مواقيت الفرض منها، قاله ابن مسعود.الثاني: يكثرون فعل التطوع منها، قاله ابن جريج.الثالث: لا يلتفتون فيها، قاله عقبة بن عامر.{والذين هم لأماناتِهم وعهْدِهم راعُون} فيه وجهان:أحدهما: أن الأمانة ما ائتمنه الناس عليه أن يؤديه إليهم، والعهد: ما عاهد الناس عليه أن يفي لهم به، قاله يحيى بن سلام.الثاني: أن الأمانة الزكاة أن يؤديها، والعهد: الجنابة أن يغتسل منها وهو معنى قول الكلبي.ويحتمل ثالثا: أن الأمانة ما نهي عنه من المحظورات، والعهد ما أمر به من المفروضات.{والذين هُم بشهاداتِهم قائمون} فيه وجهان:أحدهما: أنها شهادتهم على أنبيائهم بالبلاغ، وعلى أممهم بالقبول أو الامتناع.الثاني: أنها الشهادات في حفظ الحقوق بالدخول فيها عند التحمل، والقيام بها عند الأداء.ويحتمل ثالثا: أنهم إذا شاهدوا أمرا أقاموا الحق للّه تعالى فيه، من معروف يفعلونه ويأمرون به، ومنكر يجتنبونه وينهون عنه.{فما للذين كفروا قِبلك مُهْطِعين} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: مسرعين، قاله الأخفش، قال الشاعر: الثاني: معرضين، قاله عطية العوفي.الثالث: ناظرين إليك تعجبا، قاله الكلبي.{عن اليمين وعن الشِّمال عِزِين} فيه خمسة أوجه:أحدها: متفرقين، قاله الحسن، قال الراعي: الثاني: محتبين، قال مجاهد.الثالث: أنهم الرفقاء والخلطاء، قاله الضحاك.الرابع: أنهم الجماعة القليلة، قاله ابن أسلم.الخامس: أن يكونوا حِلقا وفرقا.روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم حِلق فقال: «ما لي أراكم عزين» قال الشاعر: {يوم يخْرجون من الأجداثِ سِراعا} يعني من القبور.{كأنهم إلى نُصُبٍ يُوفِضُون} في {نصب} قراءتان: إحداهما بتسكين الصاد، والأخرى بضمها.وفي اختلافهما وجهان:أحدهما: معناهما واحد، قاله المفضل وطائفة، فعلى هذا في تأويله أربعة أوجه:أحدها: معناه إلى علم يستبقون، قاله قتادة.الثاني: إلى غايات يستبقون، قاله أبو العالية.الثالث: إلى أصنامهم يسرعون، قاله ابن زيد، وقيل إنها حجارة طوال كانوا يعبدونها.الرابع: إلى صخرة بيت المقدس يسرعون.والوجه الثاني من الأصل أن معنى القراءتين مختلف، فعلى هذا في اختلافهما وجهان:أحدهما: أن النُّصْب بالتسكين الغاية التي تنصب إليها بصرك، والنُّصُب بالضم واحد الأنصاب، وهي الأصنام، قاله أبو عبيدة ومعنى {يوفضون} يسرعون، والإيفاض الإسراع، ومنه قول رؤبة: .اهـ.
|