الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وَمِنْهُ تَحْقِيقُ مَعْنَى التَّقْوَى وَاخْتِلَافُهَا بِاخْتِلَافِ مَوَاضِعِهَا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا فِي مَقَالَةٍ، عُنْوَانُهَا عَاقِبَةُ الْحَرْبِ الْمَدَنِيَّةِ نُشِرَتْ فِي (ج 7 م 21 مِنَ الْمَنَارِ).(5) اسْتِدْرَاجُهُ تَعَالَى لِلْمُكَذِّبِينَ وَالْمُجْرِمِينَ وَإِمْلَاؤُهُ لَهُمْ كَمَا فِي الْآيَتَيْنِ 182: 183 وَهُوَ فِي مَعْنَى مَا سَبَقَهُ مِنْ سُنَّةِ أَخْذِ اللهِ لِلْأُمَمِ بِذُنُوبِهَا، وَمِنْ سُنَّةِ ابْتِلَائِهَا بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، فَإِنَّ مَنْ لَا يَعْتَبِرُ بِذَلِكَ، وَلَا يَتَرَبَّى يُصِرُّ عَلَى ذَنْبِهِ، وَلَا يَرْجِعُ عَنْهُ، وَذُنُوبُ الْأُمَمِ لابد مِنَ الْعِقَابِ عَلَيْهَا- رَاجِعْ تَفْسِيرَ الْآيَتَيْنِ فِي مَوْضِعِهِمَا مِنْ هَذَا الْجُزْءِ. فَفِيهِ بَيَانُ هَذِهِ السُّنَّةِ مُوَضَّحًا.(6) سُنَّةُ اللهِ فِي إِرْثِ الْأَرْضِ وَاسْتِخْلَافِ الْأُمَمِ فِيهَا، وَالِاسْتِيلَاءِ وَالسِّيَادَةِ عَلَى الْأُمَمِ وَالشُّعُوبِ. فَقَدْ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى لَنَا فِي قِصَّةِ مُوسَى مَعَ قَوْمِهِ أَنَّ وَطْأَةَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ اشْتَدَّتْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَصَرَّحَ بِوُجُوبِ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى تَقْتِيلِ أَبْنَائِهِمْ، وَاسْتِحْيَاءِ نِسَائِهِمْ؛ لِأَجْلِ أَنْ تَنْقَرِضَ الْأُمَّةُ بَعْدَ اسْتِذْلَالِ مَنْ يَبْقَى مِنَ النِّسَاءِ إِلَى أَنْ يَنْقَرِضَ الرِّجَالُ، وَمَا ازْدَادُوا إِلَّا ذُلًّا وَخُنُوعًا- وَهُمْ مِئَاتُ الْأُلُوفِ- كَمَا هُوَ شَأْنُ الشُّعُوبِ الْجَاهِلَةِ الْمُسْتَضْعَفَةِ، وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ رَسُولَهُ مُوسَى أَنْ يَمْتَلِخَ ذَلِكَ الْيَأْسَ مِنْ قُلُوبِهِمْ بِقُوَّةِ الْإِيمَانِ بِمَا حَكَاهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (128) أَيْ بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ الْأَرْضَ لَيْسَتْ رَهْنَ تَصَرُّفِ الْمُلُوكِ وَالدُّوَلِ بِقُدْرَتِهِمُ الذَّاتِيَّةِ فَتَدُومُ لَهُمْ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلَّهِ، وَلَهُ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى سُنَّةٌ فِي سَلْبِهَا مِنْ قَوْمٍ، وَجَعْلِهَا إِرْثًا لِقَوْمٍ آخَرِينَ بِمَحْضِ مَشِيئَتِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَمَدَارُ هَذِهِ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ الْعَاقِبَةَ فِي التَّنَازُعِ بَيْنَ الْأُمَمِ عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي تَعِيشُ فِيهَا أَوْ تَسْتَعْمِرُهَا لِلْمُتَّقِينَ، أَيِ الَّذِينَ يَتَّقُونَ أَسْبَابَ الضَّعْفِ وَالْخِذْلَانِ وَالْهَلَاكِ، كَالْيَأْسِ مِنْ رُوحِ اللهِ وَالتَّخَاذُلِ وَالتَّنَازُعِ وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ وَالظُّلْمِ وَالْفِسْقِ، وَيَتَلَبَّسُونَ بِضِدِّهَا، وَبِسَائِرِ مَا تَقْوَى بِهِ الْأُمَمُ مِنَ الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ، وَأَعْلَاهَا الِاسْتِعَانَةُ بِاللهِ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ، وَالصَّبْرُ عَلَى الْمَكَارِهِ مَهْمَا عَظُمَتْ، وَهَذَانِ الْأَمْرَانِ هُمَا أَعْظَمُ مَا تَتَفَاضَلُ بِهِ الْأُمَمُ مِنَ الْقُوَى الْمَعْنَوِيَّةِ بِاتِّفَاقِ الْمَلَاحِدَةِ وَالْمِلِّيِّينَ مِنْ عُلَمَاءِ الِاجْتِمَاعِ وَقُوَّادِ الْحُرُوبِ.وَقَدْ تَكَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ، وَفِي مَعْنَاهَا قَوْلُهُ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (21: 105) وَإِنَّمَا الصَّالِحُونَ هُمُ الَّذِينَ يَصْلُحُونَ لِإِقَامَةِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَسَائِرِ شَرَائِعِ اللهِ وَسُنَنِهِ فِي الْعُمْرَانِ، وَهِيَ بِمَعْنَى مَا يُسَمِّيهِ عُلَمَاءُ الِاجْتِمَاعِ بَقَاءَ الْأَصْلَحِ أَوِ الْأَمْثَلِ فِي كُلِّ تَنَازُعٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَثَلُ الْمَشْهُورُ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ: أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً إِلَى قَوْلِهِ: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} (13: 17).وَمِنَ الْعَجِيبِ أَنَّ تَرَى بَعْضَ الشُّعُوبِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْمُسْتَضْعَفَةِ فِي هَذَا الْعَصْرِ بِسِيَادَةِ الْأَجَانِبِ عَلَيْهَا يَائِسَةً مِنِ اسْتِقْلَالِهَا وَعِزَّتِهَا، بَلْ مِنْ حَيَاتِهَا الْمِلِّيَّةِ وَالْقَوْمِيَّةِ بِمَا تَرَى مِنْ خِفَّةِ مَوَازِينِهَا وَرُجْحَانِ مَوَازِينِ السَّائِدِينَ عَلَيْهَا فِي الْقُوَى الْمَادِّيَّةِ وَالْآلِيَّةِ، وَاسْتِذْلَالِ هَؤُلَاءِ السَّائِدِينَ عَلَيْهَا لَهَا، جَهْلًا مِنْهَا بِسُنَّةِ اللهِ تَعَالَى الَّتِي بَيَّنَهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَغَفْلَتَهَا عَنْ كَوْنِ رُجْحَانِ قُوَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَهْرِهِ لَهُمْ كَانَا فَوْقَ رُجْحَانِ قُوَى سَائِدِيهَا عَلَيْهَا وَقَهْرِهِمْ إِيَّاهَا، وَفِي هَذَا الْعَصْرِ مِنَ الْعِبَرِ التَّارِيخِيَّةِ بِسُقُوطِ بَعْضِ الدُّوَلِ الْقَوِيَّةِ مَا لَا يَقِلُّ عَنِ الْعِبْرَةِ بِأَحْدَاثِ التَّارِيخِ الْقَدِيمِ.ثُمَّ بَيَّنَ لَنَا تَعَالَى فِي الْآيَةِ التَّالِيَةِ لِتِلْكَ الْآيَةِ (129) أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ شَكَا لَهُ قَوْمُهُ إِيذَاءَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ لَهُمْ قَبْلَ مَجِيئِهِ وَبَعْدَهُ عَلَى سَوَاءٍ، فَذَكَرَ لَهُمْ مَا عِنْدَهُ مِنَ الرَّجَاءِ بِإِهْلَاكِ رَبِّهِمْ لِعَدُوِّهِمْ، وَاسْتِخْلَافِهِمْ فِي الْأَرْضِ الْمَوْعُودِينَ بِهَا؛ لِيَخْتَبِرَهُمْ فَيَنْظُرَ كَيْفَ يَعْمَلُونَ، وَيَكُونُ ثَبَاتُ مُلْكِهِمْ وَسُلْطَانِهِمْ عَلَى حَسَبِ عَمَلِهِمُ الَّذِي تَصْلُحُ بِهِ الْأَرْضُ وَأَهْلُهَا أَوْ تَفْسُدُ. وَهُوَ مَا فَصَّلَهُ تَعَالَى لَنَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي آيَاتٍ أُخْرَى مِنْهَا فِي إِفْسَادِهِمْ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ} (17: 4) إِلَى تَتِمَّةِ الْآيَةِ الثَّامِنَةِ.ثُمَّ بَيَّنَ لَنَا تَعَالَى فِي الْآيَةِ 137 مِنْ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّهُ أَوْرَثَهُمُ الْأَرْضَ الْمُبَارَكَةَ، وَتَمَّتْ كَلِمَتُهُ الْحُسْنَى عَلَيْهِمْ بِمَا صَبَرُوا، أَيْ لَا بِمُجَرَّدِ آيَاتِ اللهِ لِمُوسَى، وَمَا أَيَّدَهُ بِهِ، فَعُلِمَ مِنْهُ بِالْفِعْلِ أَنَّ الْأُمَّةَ الْمُسْتَضْعَفَةَ مَهْمَا يَكُنْ عَدُوُّهَا الظَّالِمُ لَهَا قَوِيًّا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَيْأَسَ مِنَ الْحَيَاةِ، وَهُوَ تَحْقِيقٌ لِرَجَاءِ مُوسَى هُنَا، وَلِوَعْدِ اللهِ إِيَّاهُ بِذَلِكَ صَرِيحًا فِي قَوْلِهِ مِنْ سُورَةِ الْقَصَصِ: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ} (28: 5، 6) الْآيَةَ.تَرَى شُعُوبَ الْمُسْلِمِينَ يَجْهَلُونَ هَذِهِ السُّنَنَ الْإِلَهِيَّةَ، وَمَا ضَاعَ مُلْكُهُمْ وَعِزُّهُمْ إِلَّا بِجَهْلِهَا الَّذِي كَانَ سَبَبًا لِعَدَمِ الِاهْتِدَاءِ بِهَا فِي الْعَمَلِ، وَمَا كَانَ سَبَبُ هَذَا الْجَهْلِ إِلَّا الْإِعْرَاضَ عَنِ الْقُرْآنِ، وَدَعْوَى الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ هِدَايَتِهِ بِمَا كَتَبَهُ لَهُمُ الْمُتَكَلِّمُونَ مِنْ كُتُبِ الْعَقَائِدِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْقَوَاعِدِ الْكَلَامِيَّةِ الْمُبْتَدَعَةِ، وَمَا كَتَبَهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَحْكَامِ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ الْمَدَنِيَّةِ وَالْعُقُوبَاتِ وَالْحَرْبِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، وَهَذِهِ السُّورَةُ الْجَلِيلَةُ الْكَبِيرَةُ الْقَدْرِ وَالْفَوَائِدِ الْأَعْرَافُ خَالِيَةٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ كُلِّهَا، وَمِنْ نَظَرِيَّاتِ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي الْعَقَائِدِ وَتَقْرِيرِهِمْ لَهَا، وَكَذَلِكَ غَيْرُهَا مِنَ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ. فَهَلْ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ السُّوَرَ كُلَّهَا لِلتَّعَبُّدِ بِتَجْوِيدِ أَلْفَاظِهَا بِدُونِ فَهْمٍ، أَوْ لِاتِّخَاذِهَا رُقًى وَتَمَائِمَ، وَكَسْبًا لِقُرَّاءِ الْمَآتِمِ؟.وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْجَهْلَ بَلَغَ بِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ ظَهَرَ فِيهِمْ فَرِيقٌ خَصْمٌ لِهَذَا الْفَرِيقِ الْمُقَلِّدِ الْمُحَافِظِ عَلَى كُتُبِ الْقُرُونِ الْوُسْطَى دُونَ هَدْيِ السَّلَفِ، خَصْمٌ يَقُولُ: إِنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ هُوَ السَّبَبُ فِي جَهْلِ الْمُسْلِمِينَ وَضَعْفِهِمْ، وَلَا حَيَاةَ لَنَا إِلَّا بِاقْتِبَاسِ عِلْمِ الِاجْتِمَاعِ وَسُنَنِ الْعُمْرَانِ مِنَ الْأُمَمِ غَيْرِ الْإِسْلَامِيَّةِ الَّتِي سَادَتْنَا بِهَذِهِ الْعُلُومِ، وَمَا يُؤَيِّدُهَا مِنَ الْفُنُونِ وَالصِّنَاعَاتِ، وَهَؤُلَاءِ أَجْهَلُ بِالْإِسْلَامِ مِنْ أُولَئِكَ، فَكِتَابُ الْإِسْلَامِ هُوَ الْمُرْشِدُ الْأَوَّلُ لِسُنَنِ الِاجْتِمَاعِ وَالْعُمْرَانِ، وَلَكِنَّ الْمُسْلِمِينَ قَصَّرُوا فِي طَوْرِ حَيَاتِهِمُ الْعِلْمِيَّةِ عَنْ تَفْصِيلِ ذَلِكَ بِالتَّدْوِينِ لِعَدَمِ شُعُورِهِمْ بِالْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَكَانَ حَقُّهُمْ فِي هَذَا الْعَصْرِ أَنْ يَكُونُوا أَوْسَعَ النَّاسِ بِهِ عِلْمًا؛ لِأَنَّ كِتَابَ اللهِ مُؤَيِّدٌ لِلْحَاجَةِ بَلِ الضَّرُورَةِ الَّتِي تَدْعُو إِلَيْهِ.(7) إِنَّ سُنَّةَ اللهِ فِي الْأُمَمِ الَّتِي تَرِثُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا الْأُصَلَاءِ هِيَ سُنَّتُهُ تَعَالَى فِي أَهْلِهَا، فَإِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ قَدْ غُلِبُوا عَلَيْهَا؛ بِسَبَبِ ظُلْمِهِمْ وَفَسَادِهِمْ وَجَهْلِهِمْ وَعَمَى قُلُوبِهِمْ، فَكَذَلِكَ يَكُونُ شَأْنُ الْوَارِثِينَ لَهَا مِنْ بَعْدِهِمْ إِذَا صَارُوا مِثْلَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} (100) وَكُنَّا نَرَى الَّذِينَ وَرِثُوا مَمَالِكَ الْمُسْلِمِينَ مُتَّعِظِينَ بِمَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، فَهُمْ عَلَى كَثْرَةِ ذُنُوبِهِمْ بِالظُّلْمِ وَإِفْسَادِ الْعَقَائِدِ وَالْأَخْلَاقِ وَسَلْبِ الْأَمْوَالِ يَتَحَرَّوْنَ أَنْ يَكُونَ ظُلْمُهُمْ دُونَ ظُلْمِ حُكَّامِ أَهْلِ الْبِلَادِ الَّذِينَ أَضَاعُوهَا، وَعُقُولُهُمْ تَبْحَثُ دَائِمًا فِي الْأَسْبَابِ الَّتِي يُخْشَى أَنْ تَكُونَ سَبَبًا لِسَلْبِهَا مِنْهُمْ؛ لِأَجْلِ اتِّقَائِهَا، وَآذَانُهُمْ مُرْهَفَةٌ مُصِيخَةٌ لِاسْتِمَاعِ كُلِّ خَبَرٍ يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِهَا وَأَمْرِ أَهْلِهَا وَشُئُونِ الطَّامِعِينَ فِيهَا حَذَرًا مِنْهُمْ أَنْ يَسْلُبُوهُمْ إِيَّاهَا.وَقَدْ قُلْنَا فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: قَدْ كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا كِتَابُهُمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يَتَّقُوهُ تَعَالَى بِاتِّقَاءِ كُلِّ مَا قَصَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ ذُنُوبِ الْأُمَمِ الَّتِي هَلَكَ بِهَا مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ، وَزَالَ مُلْكُهُمْ، وَدَالَتْ بِسَبَبِهَا الدَّوْلَةُ لِأَعْدَائِهِمْ إِلَى آخِرِ مَا تَرَاهُ فِي 28 وَمَا بَعْدَهَا ج 9 ط الْهَيْئَةِ.هَذَا مَا فَتَحَ اللهُ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ أُصُولِ وَأُمَّهَاتِ هِدَايَةِ السُّورَةِ الْجَلِيلَةِ بِمُرَاجَعَتِهَا الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، مُرُورًا عَلَى الْآيَاتِ بِالنَّظَرِ، وَلَوْ أَعَدْنَا قِرَاءَتَهَا مَعَ قِرَاءَةِ تَفْسِيرِهَا بِالتَّدَبُّرِ لَظَهَرَ لَنَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرَدْنَا التَّلْخِيصَ، وَنَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَهَا هِيَ وَسَائِرَ كِتَابِهِ الْمَجِيدِ حُجَّةً لَنَا لَا عَلَيْنَا، وَيُوَفِّقَ أُمَّتَنَا لِلرُّجُوعِ إِلَى الِاهْتِدَاءِ بِهِ بِالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ كَمَا تَابَ أَبُوهُمْ وَأُمُّهُمْ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. اهـ.
|