الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكتاب **
اعلم أن النداء كل اسم مضاف فيه فهو نصبٌ على إضمار الفعل المتروك إظهارُه. والمفرد رفعٌ وهو في موضع اسمٍ منصوب. وزعم الخليل رحمه الله أنهم نصبوا المضافَ نحو يا عبدَ الله ويا أخانا والنكرة حين قالوا: يا رجلاً صالحاً حين طال الكلام كما نصبوا: هو قبلَك وهو بعدَك. ورفعوا المفردَ كما رفعوا قبلُ وبعدُ وموضعهما واحد وذلك قولك: يا زيدُ ويا عمرو. وتركوا التنوين في المفرد كما تركوه في قبلُ. قلت: أرأيتَ قولهم يا زيدُ الطويلَ علامَ نصبوا الطويل قال: نُصب لأنه صفةٌ لمنصوب. وقال: وإن شئت كان نصباً على أعني. فقلت: أرأيتَ الرفعَ على أي شيء هو إذا قال يا زيدُ الطويلُ قال: هو صفةٌ لمرفوع. قلت: ألستَ قد زعمت أن هذا المرفوع في موضع نصبٍ فلمَ لا يكون كقوله لقيتُه أمس الأحدثَ قال: من قبل أن كل اسم مفرد في النداء مرفوع أبداً وليس كل اسم في موضع أمس يكون مجروراً فلما اطّرد الرفعُ في كل مفرد في النداء صار عندهم بمنزلة ما يرتفع بالابتداء أو بالفعل فجعلوا وصفَه إذا كان مفرداً بمنزلته. قلت: أفرأيت قول العرب كلهم: أزيدُ أخا ورقاءَ إن كنتَ ثائراً فقد عرضَتْ أحناءُ حقٍ فخاصمِ لأي شيء لم يجز فيه الرفعُ كما جاز في الطويل قال: لأن المنادى إذا وُصف بالمضاف فهو بمنزلته إذا كان في موضعه ولو جاز هذا لقلت يا أخونا تريد أن تجعله في موضع المفرد وهذا لحنٌ. فالمضاف إذا وُصف به المنادى فهو بمنزلته إذا ناديته لأنه هنا وصفٌ لمنادى في موضع نصبٍ كما انتصب حيث كان منادى لأنه في موضع نصب ولم يكن فيه ما كان في الطويل لطوله. وقال الخليل رحمه الله: كأنهم لما أضافوا ردّوه الى الأصل. كقولك: إن أمسَك قد مضى. وقال الخليل رحمه الله وسألته عن يا زيد نفسَه ويا تميمُ كلَّكم ويا قيسُ كلَّهم فقال: هذا كلّه نصبٌ كقولك: يا زيدُ ذا الجُمّة. وأما يا تميمُ أجمعون فأنته فيه بالخيار إن شئت قلت أجمعون وإن شئت قلت أجميعن ولا ينتصب على أعني من قبل أنه مُحال أن تقول أعني أجمعين. ويدلّك على أن أجمعين ينتصب لأنه وصفٌ لمنصوب قول يونس: المعنى في الرفع والنصب واحدٌ. وأما المضاف في الصفة فهو ينبغي له أن لا يكون إلا نصباً إذا كان المفردُ ينتصب في الصفة. قلت: أرأيت قول العرب: يا أخانا زيداً أقبل قال: عطفوه على هذا المنصوب فصار نصباً مثله وهو الأصل لأنه منصوب في موضع نصبٍ. وقال قوم: يا أخانا زيدُ. وقد زعم يونس أن أبا عمرو كان يقوله: وهو قول أهل المدينة قال: هذا بمنزلة قولنا يا زيد كما كان قولُه يا زيدُ أخانا بمنزلة يا أخانا فيُحملُ وصفُ المضاف إذا كان مفرَداً بمنزلته إذا كان منادى. ويا أخانا زيداً أكثرُ في كلام العرب لأنهم يردّونه الى الأصل حيث أزالوه عن الموضع الذي يكون فيه منادى كما ردوا ما زيدٌ إلا منطلقٌ الى أصله وكما ردوا أتقولُ حين جعلوه خبراً الى أصله. فأما المفرد إذا كان منادى فكلُ العرب ترفعه بغير تنوين وذلك لأنه كثُر في كلامهم فحذفوه وجعلوه بمنزلة الأصوات نحو حَوب وما أشبهه. وتقول: يا زيدُ زيدُ الطويل وهو قول أبي عمرو. وزعم يونس أن رؤبة كان يقول يا زيدُ زيداً الطويلَ. فأما قول أبي عمرو فعلى قولك: يا زيدُ الطويلٌ وتفسيره كتفسيره. وقال رؤبة: إني وأسطارٍ سُطِرنَ سطرا لَقائلٌ يا نصرُ نصراً نصرا وأما قول رؤبة فعلى أنه جعل نصراً عطفَ البيان ونصبَه كأنه على قوله يا زيدُ زيداً. وأما قول أبي عمرو فكأنه استأنف النداء. وتفسير يا زيدُ زيدُ الطويلُ كتفسير يا زيدُ الطويلُ فصار وصفُ المفرد إذا كان مفرداً بمنزلته لو كان منادى. وخالف وصف أمسِ لأن الرفع قد اطّرد في كل مفردٍ في النداء. وبعضُهم ينشد: ين نصرُ نصرُ نصرا وتقول: يا زيدُ وعمرو ليس إلا لأنهما قد اشتركا في النداء في قوله يا. وكذلك يا زيدُ وعبد الله ويا زيدُ لا عمرو ويا زيدُ أو عمرو لأن هذه الحروف تُدخل الرفعَ في الآخِر كما تدخل في الأول وليس ما بعدها بصفة ولكنه على يا. وقال الخليل رحمه الله من قال يا زيدُ والنّضْرَ فنصب فإنما نصب لأن هذا كان من المواضع التي يُردّ فيها الشيء الى أصله. فأما العرب فأكثر ما رأيناهم يقولون: يا زيدُ والنضرُ. وقرأ الأعرج: " يا جِبالُ أوّبي معه والطيرُ ". فرفع. ويقولون: يا عمرو والحارثُ وقال الخليل رحمه الله: هو القياس كأنه قال: ويا حارثُ. ولو حمل الحارثُ على يا كان غيرَ جائز البتة نصب أو رفع من قبل أنك لا تنادي اسماً فيه الألفُ واللام بيا ولكنك أشركت بين النضر والأول في يا ولم تجعلها خاصة للنضر كقولك ما مررت وقال الخليل رحمه الله: ينبغي لمن قال النّضرَ فنصب لأنه لا يجوز يا النضرُ أن يقول: كلُّ نعجةٍ وسخلتها بدرهمٍ فينصب إذا أراد لغة من يجرّ لأنه محال أن يقول كل سخلتها وإنما جرّ لأنه أراد وكلُّ سخلةٍ لها. ورفع ذلك لأن قوله والنضرُ بمنزلة قوله ونضرُ وينبغي أن يقول: أيُّ فتى هيجاء أنتَ وجارَها لأنه محالٌ أن يقول وأيُّ جارِها. وينبغي أن يقول: رُبّ رجلٍ وأخاه. فليس ذا من قبل ذا ولكنها حروفٌ تُشرك الآخِر فيما دخل فيه الأول. ولو جاءت تلي ما وليه الاسم الأول كان غير جائز لو قلت: هذا فصيلها لم يكن نكرة كما كان هذه ناقة وفصيلها. وإذا كان مؤخَّراً دخل فيما دخل فيه الأول. وتقول: يا أيها الرجل وزيدُ ويا أيّها الرجلُ وعبدَ الله لأن هذا محمول على يا كما قال رؤبة: يا دارَ عفراءَ ودارَ البَخدَنِ وتقول يا هذا ذا الجمة كقولك: يا زيدُ ذا الجمّة ليس بين أحدٍ فيه اختلاف. ولا يقع في موقعه غيرُ المفرد فأي ههنا فيما زعم الخليل رحمه الله كقولك يا هذا والرجل وصفٌ له كما يكون وصفاً لهذا. وإنما صار وصفه لا يكون فيه إلا الرفع لأنك لا تستطيع أن تقول يا أيُّ ولا يا أيها وتسكت لأنه مبهَم يلزمه التفسيرُ فصار هو والرجل بمنزلة اسمٍ واحد كأنك قلت يا رجل. واعلم أن الأسماء المبهَمة التي توصَف بالأسماء التي فيها الألف واللام تُنزَل بمنزلة أي وهي هذا وهؤلاء وأولئك وما أشبهها وتوصَف بالأسماء. وذلك قولك يا هذا الرجلُ ويا هذان الرجلان. صار المبهَم وما بعده بمنزلة اسمٍ واحد. وليس ذا بمنزلة قولك يا زيدُ الطويل من قبل أنك قلت يا زيدُ وأنت تريد أن تقف عليه ثم خِفْتَ أن لا يُعرف فنعتّه بالطويل. وإذا قلت يا هذا الرجل فأنت لم ترد أن تقف على هذا ثم تصفه بعد ما تظن أنه لم يُعرف فمن ثم وُصفت بالأسماء التي فيها الألف واللام لأنها والوصف بمنزلة اسم واحد كأنك قلت: يا رجل. فهذه الأسماء المبهمة إذا فسرتها تصير بمنزلة أي كأنك إذا أردت أن تفسّرها لم يجزْ لك أن تقف عليها. وإنما قلت: يا هذا ذا الجمة لأن ذا الجمة لا توصف به الأسماء المبهمة إنما يكون بدلاً أو عطفاً على الاسم إذا أردت أن تؤكد كقولك: يا هؤلاء أجمعون وإنما أكدت حين وقفتَ على الاسم. والألف واللام والمبهَم يصيران بمنزلة اسم واحد يدلك على ذلك أن أي لا يجوز لك فيها أن تقول يا أيها ذا الجُمّة. فالأسماء المبهمة توصَف بالألف واللام ليس إلا ويفسَّر بها ولا توصَف بما يوصف به غير المبهمة ولا تفسَّر بما يفسّر به غيرها إلا عطفاً. ومثل ذلك قول الشاعر وهو ابن لَوذان السدوسي: يا صاح يا ذا الضامر العنْس والرّحْلِ ذي الأنساع والحِلسِ ومثله قول ابن الأبرص: يا ذا المخوّفُنا بمقتل شيخِه حُجرٍ تمني صاحبِ الأحلامِ ومثله يا ذا الحسن الوجه. وليس ذا بمنزلة يا ذا ذا الجمة من قبل أن الضامر العنسِ والحسن الوجه كقولك: يا ذا الضامر ويا ذا الحسن وهذا المجرور ها هنا بمنزلة المنصوب إذا قلت يا ذا الحسن الوجه ويا ذا الحسنُ وجهاً. ويدلك على أنه ليس بمنزلة ذي الجمة أن ذا معرفة بالجمة والضامرُ والحسن ليس واحدٌ منهما معرفةً بما بعده ولكن ما بعده تفسيرٌ لموضع الضمور والحُسن إذا أردت أن لا تُبهمهما. فكلّ واحد من المواضع من سبب الأول لا يكونان إلا كذلك. فإذا قلت الحسن فقد عمّمتَ. فإذا قلت الوجهِ فقد اختصصت شيئاً منه. وإذا قلت الضامرُ فقد عمّمت وإذا قلت العنس فقد اختصصتَ شيئاً من سببه كما اختصصت ما كان منه وكأن العنسَ شيءٌ منه فصار هذا تبييناً لموضع ما ذكرتَ كما صار الدرهمُ يبيَّن به ممّ ولو قلت: يا هذا الحسن الوجه لقلت يا هؤلاء العشرين رجلاً وهذا بعيد فإنما هو بمنزلة الفعل إذا قلت يا هذا الضارب زيداً ويا هذا الضارب الرجلَ كأنك قلت يا هذا الضارب وذكرت ما بعده لتبيّن موضع الضرب ولا تبهمه ولم يُجعَل معرفةً بما بعده. ومن ثم كان الخليل يقول: يا زيد الحسنُ الوجه قال: هو بمنزلة قولك يا زيدُ الحسن. ولو لم يجز فيما بعد زيد الرفع لما جاز في هذا كما أنه إذا لم يجز يا زيد ذو الجمة لم يجز يا هذا ذو الجمة. وقال الخليل رحمه الله: إذا قلت يا هذا وأنت تريد أن تقف عليه ثم تؤكده باسم يكونُ عطفاً عليه فأنت فيه بالخيار: إن شئت رفعت وإن شئت نصبت وذلك قولك يا هذا زيد وإن شئت قلت زيداً يصير كقولك: يا تميم أجمعون وأجمعين. وكذلك يا هذان زيدٌ وعمرو وإن شئت قلت زيداً وعمراً فتُجري ما يكون عطفاً على الاسم مُجرى ما يكون وصفاً نحو قولك: يا زيدُ الطويلُ ويا زيدُ الطويلَ. وزعم لي بعض العرب أن يا هذا زيدٌ كثير في كلام طيّء. ويقوّي يا زيد الحسنُ الوجه - ولا تلتفتْ فيه الى الطول - أنك لا تستطيع أن تناديه فتجعله وصفاً مثلَه منادى. واعلم أن هذه الصفات التي تكون والمبهمة بمنزلة اسم واحد إذا وُصفت بمضاف أو عُطف على شيء منها كان رفعاً من قبل أنه مرفوع غيرُ منادى. واطّرد الرفع في صفات هذه المبهمة كاطراد الرفع في صفاتها إذا ارتفعت بفعلٍ أو ابتداء أو تبنى على مبتدأ فصارت بمنزلة صفاتها إذا كانت في هذه الحال. كما أن الذين قالوا يا زيدُ الطويل جعلوا زيداً مبنزلة ما يرتفع بهذه الأشياء الثلاثة. فمن ذلك قول الشاعر: يا أيها الجاهلُ ذو التنزّي وتقول: يا أيها الرجل زيدٌ أقبلْ وإنما تنوّن لأنه موضعٌ يرتفع فيه المضاف وإنما يُحذف منه التنوين إذا كان في موضع ينتصب فيه المضاف. وتقول: يا زيدُ الطويلُ ذو الجمة إذا جعلته صفةً للطويل وإن حملته على زيد نصبت. فإذا قلت يا هذا الرجلُ فأردتَ أن تعطف ذا الجمة على هذا جاز فيه النصب ولا يجوز ذلك في أي لأنه لا تعطف عليه الأسماء. ألا ترى أنك لا تقول: يا أيها ذا الجمة فمن ثم لم يكن مثله. وأما قولك يا أيها ذا الرجل فإن ذا وصفٌ لأي كما كان الألف واللام وصفاً لأنه مبهَم مثله فصار صفةً له كما صار الألف واللام وما أضيف إليهما صفةً للألف واللام وذلك نحو قولك: مررتُ بالحسن الجميل وبالحسن ذي المال. وقال ذو الرمة: ألا أيها ذا المنزلُ الدارس الذي كأنك لم يعهد بك الحيَّ عاهدُ ومن قال يا زيدُ الطويلَ قال ذا الجمّة لا يكون فيه غيرُ ذلك إذا جاء بها من بعد الطويل. وإن رفع الطويلَ وبعده ذو الجمة كان فيه الوجهان. وتقول: يا زيدُ النّاكي العدوَّ وذا الفضل إن حملتَ ذا الفضل على زيد نصبتَ لأنه وصفٌ لمنادى وهو مضاف. وإن حملته على غير زيد انتصب على يا كأنك قلت: ويا ذا الفضل.
لأنه لا يكون وصفاً للأول ولا عطفاً عليه وذلك قولك: يا أيها الرجل وعبدَ الله المسلمَين الصالحَين. وهذا بمنزلة قولك: اصنعْ ما سرّ أباك وأحبّ أخوك الرجلين الصالحين. فإذا قلت يا زيد وعمرو ثم قلت الطويلين فأنت بالخيار إن شئت نصبت وإن شئت رفعت لأنه بمنزلة قولك يا زيدُ الطويلُ. وتقول: يا هؤلاء وزيدُ الطّوالُ والطوالَ لأنه كله رفعٌ والطوالُ ها هنا رفع عطف عليهم. وتقول: يا هذا ويا هذان الطوالَ وإن شئت قلت الطوالُ لأن هذا كله مرفوع والطوالُ ههنا عطفٌ وليس الطوالُ بمنزلة يا هؤلاء الطوالُ لأن هذا إنما هو من وصف غير المبهَمة. وإنما فرقوا بين العطف والصفة لأن الصفة تجيء بمنزلة الألف واللام كأنك إذا قلت مررتُ بزيدٍ أخيك فقد قلت مررتُ بزيد الذي تعلم. وإذا قلت مررت بزيد هذا فقد قلت بزيدٍ الذي ترى أو الذي عندك. وإذا قلت مررتُ بقومك كلهم فأنت لا تريد أن تقول مررتُ بقومك الذين من صفتهم كذا وكذا ولا مررتُ بقومك الهَنينَ. وعلى هذا المثال جاء مررتُ بأخيك زيدٍ فليس زيدٌ بمنزلة الألف واللام. ومما يدلك على أنه ليس بمنزلة الألف واللام أنه معرفةٌ بنفسه لا بشيء دخل فيه ولا بما بعده. فكل شيء جاز أن يكون هو والمبهَم بمنزلة اسم واحد هو عطفٌ عليه. وإنما جرت المبهَمة هذا المجرى لأن حالها ليس كحال غيرها من الأسماء. وتقول يا أيها الرجلُ وزيدُ الرجلين الصالحين من قبل أن رفعهما مختلف وذلك أن زيداً على النداء والرجل نعت ولو كان بمنزلته لقلت يا زيدُ ذو الجُمة كما تقول يا أيها الرجل ذو الجمة. وهو قول الخليل رحمه الله. واعلم أنه لا يجوز لك أن تنادي اسماً فيه الألف واللام البتة إلا أنهم قد قالوا: يا الله اغفِر لنا وذلك من قبل أنه اسمٌ يلزمه الألف واللام لا يفارقانه وكثر في كلامهم فصار كأن الألف واللام فيه بمنزلة الألف واللام التي من نفس الحروف وليس بمنزلة الذي قال ذلك من قبل أن الذي قال ذلك وإن كان لا يفارقه الألف واللام ليس اسماً بمنزلة زيد وعمرو غالباً. ألا ترى أنك تقول يا أيها الذي قال ذاك ولو كان اسماً غالباً بمنزلة زيد وعمرو لم يجز ذا فيه وكأن الاسم والله أعلمُ إلهٌ فلما أُدخل فيه الألف واللام حذفوا الألف وصارت الألف واللام خلَفاً منها. فهذا أيضاً مما يقوّيه أن يكون بمنزلة ما هو من نفس الحرف. ومثل ذلك أناسٌ فإذا أدخلت الألف واللام قلت الناس إلا أن الناس قد تفارقهم الألف واللام ويكون نكرة واسمُ الله تبارك وتعالى لا يكون فيه ذلك. وليس النّجم والدبرانُ بهذه المنزلة لأن هذه الأشياء الألف واللام فيها بمنزلتها في الصّعق وهي في اسم الله تعالى بمنزلة شيء غير منفصل في الكلمة كما كانت الهاء في الجحاجحة بدلاً من الياء وكما كانت الألف في يَمانٍ بدلاً من الياء. وغيّروا هذا لأن الشيء إذا كثُر في كلامهم كان له نحوٌ ليس لغيره مما هو مثلُه. ألا ترى أنك تقول: لم أكُ ولا تقول لم أقُ إذا أردت أقُلْ. وتقول: لا أدرِ كما تقول: هذا قاضٍ وتقول لم أُبَل ولا تقول لم أرَمْ تريد لم أُرامِ. فالعرب مما يغيرون الأكثر في كلامهم عن حال نظائره. وقال الخليل رحمه الله: اللهم نداءٌ والميمُ ها هنا بدلٌ من يا فهي ها هنا فيما زعم الخليل رحمه الله آخرَ الكلمة بمنزلة يا في أولها إلا أن الميم ها هنا في الكلمة كما أن نون المسلمين في الكلمة بُنيت عليها. فالميم في هذا الاسم حرفان أولُهما مجزومٌ والهاء مرتفعةٌ لأنه وقع عليها الإعراب. وإذا ألحقتَ الميم تصف الاسم من قبل أنه صار مع الميم عندهم بمنزلة صوتٍ كقولك: يا هناهْ. وأما قوله عز وجلّ: " اللهمّ فاطرَ السموات والأرض " فعلى يا فقد صرّفوا هذا الاسم على وجوه لكثرته في كلامهم ولأن له حالاً ليست لغيره. وأما الألف والهاء اللتان لحقتا أي توكيداً فكأنك كررت يا مرتين إذا قلت: يا أيها وصار الاسم بينهما كما صار هو بين ها وذا إذا قلت ها هو ذا. وقال الشاعر: من أجلك يا التي تيّمتِ قلبي وأنت بخيلةٌ بالودّ عني شبّهه بيا الله. وزعم الخليل رحمه الله أن الألف واللام إنما منعهما أن يدخلا في النداء من قبل أن كل اسم في النداء مرفوع معرفة. وذلك أنه إذا قال يا رجل ويا فاسقُ فمعناه كمعنى يا أيها الفاسقُ ويا أيها الرجل وصار معرفةً لأنك أشرت إليه وقصدت قصدَه واكتفيت بهذا عن الألف واللام وصار كالأسماء التي هي للإشارة نحو لهذا وما أشبه ذلك وصار معرفةً بغير ألف ولام لأنك إنما قصدت قصدَ شيء بعينه. وصار هذا بدلاً في النداء من الألف واللام واستُغني به عنهما كما استغنيت بقولك اضربْ عن لتضربْ وكما صار المجرور بدلاً من التنوين وكما صارت الكاف في رأيتك بدلاً من رأيتُ إياكَ. وإنما يُدخلون الألف واللام ليعرّفوك شيئاً بعينه قد رأيتَه أو سمعت به فإذا قصدوا قصد الشيء بعينه دون غيره وعنوه ولم يجعلوه واحداً من أمة فقد استغنوا عن الألف واللام. فمن ثم لم يُدخلوهما في هذا ولا في النداء. ومما يدلك على أن يا فاسقُ معرفة قولك: يا خباثِ ويا لَكاعِ ويا فساقِ تريد يا فاسقةُ ويا خبيثةُ ويا لَكعاءُ فصار هذا اسماً لهذا كما صارت جَعار اسماً للضّبُع وكما صارت حَذام ورقاش اسماً للمرأة وأبو الحارث اسماً للأسد. ويدلك على أنه اسم للمنادى أنهم لا يقولون في غير النداء جاءتني خَباثِ ولَكاعِ ولا لُكَع ولا فُسَقُ. فإنما اختُصّ النداء بهذا الاسم أن الاسم معرفة كما اختُص الأسد بأبي الحارث إذ كان معرفة. ولو كان شيء من هذا نكرةً لم يكن مجروراً لأنها لا تُجرّ في النكرة. ومن هذا النحو أسماء اختُص بها الاسم المنادى لا يجوز منها شيء في غير النداء نحو: يا ويقوّي ذلك كله أن يونس زعم أنه سمع من العرب من يقول: يا فاسقُ الخبيثُ. ومما يقوّي أنه معرفة تركُ التنوين فيه لأنه ليس اسمٌ يشبه الأصوات فيكون معرفةً إلا لم ينوّن وينوّن إذا كان نكرة. ألا ترى أنهم قالوا هذا عمرَوَيْهِ وعمرَوَيهٍ آخرُ. وقال الخليل رحمه الله: إذا أردت النكرة فوصفتَ أو لم تصف فهذه منصوبة لأن التنوين لحقها فطالت فجُعلت بمنزلة المضاف لما طال نُصب ورُدّ الى الأصل كما فُعل ذلك بقبلُ وبعدُ. وزعموا أن بعض العرب يصرف قبلاً وبَعْداً فيقول: ابدأ بهذا قَبلاً فكأنه جعلها نكرة. فإنما جعل الخليل رحمه الله المنادى بمنزلة قبل وبعد وشبّهه بهما مفردين إذا كان مفرداً فإذا طال وأضيف شبّهه بهما مضافين إذا كان مضافاً لأن المفرد في النداء في موضع نصبٍ كما أن قبلُ وبعدُ قد يكونان في موضع نصب وجرّ ولفظُهما مرفوع فإذا أضفتهما رددتَهما الى الأصل. وكذلك نداء النكرة لما لحقها التنوين وطالت صارت بمنزلة المضاف. وقال ذو الرمّة: أداراً بحُزوى هِجْتِ للعين عَبرةً فماءُ الهوى يرفَضُّ أو يترقْرَق وقال الآخر توبةُ بن الحُميّر: لعلك يا تيساً نزا في مريرةٍ مُعذّبُ ليلى أن تراني أزورها وقال عبدُ يغوث: وأما قول الطّرِمّاح: يا دارُ أقوت بعدَ أصرامِها عاماً وما يعنيك من عامها فإنما ترك التنوين فيه لأنه لم يجعل أقوَتْ من صفة الدار ولكنه قال: يا دارُ ثم أقبل بعدُ يحدّث عن شأنها فكأنه لما قال: يا دارُ أقبل على إنسان فقال: أقوتْ وتغيّرتْ وكأنه لما ناداها قال: إنها أقوتْ يا فلان. وإنما أردت بهذا أن تعلم أن أقوتْ ليس بصفة. ومثل ذلك قول الأحوص: يا دارُ حسرَها البِلى تحسيراً وسَفتْ عليها الريحُ بعدكَ مُورا وأما قول الشاعر لعمرو بن قنعاس: ألا يا بيتُ بالعلياء بيتُ ولولا حبُّ أهلك ما أتيتُ فإنه لم يجعل بالعلياء وصفاً ولكنه قال: بالعلياء لي بيتٌ وإنما تركتُه لك أيها البيت لحبّ أهله. وأما قول الأحوص: سلامُ الله يا مطرٌ عليها وليس عليكَ يا مطرُ السلامُ فإنما لحقه التنوين كما لحق ما لا ينصرف لأنه بمنزلة اسم لا ينصرف وليس مثل النكرة لأن التنوين لازمٌ للنكرة على كل حال والنصبَ. وهذا بمنزلة مرفوع لا ينصرف يلحقه التنوين اضطراراً لأنك أردت في حال التنوين في مطرٍ ما أردت حين كان غير منوّن ولو نصبتَه في حال التنوين لنصبته في غير حال التنوين ولكنه اسم اطّرد الرفعُ فيه وفي أمثاله في النداء فصار كأنه يُرفع بما يرفع من الأفعال والابتداء فلما لحقه التنوين اضطراراً لم يغيَّر رفعه كما لا يغيّر رفع ما لا ينصرف إذا كان في موضع رفع لأن مطراً وأشباهه في النداء بمنزلة ما هو في موضع رفع فكما لا ينتصب ما هو في موضع رفع كذلك لا ينتصب هذا. وكان عيسى بن عمر يقول يا مطراً يشبّه بقوله يا رجلاً يجعله إذا نُوّن وطال كالنكرة. ولم نسمع عربياً يقوله وله وجه من القياس إذا نُوّن وطال كالنكرة. ويا عشرين رجلاً كقولك: يا ضارباً رجلاً.
ينضمّ فيه قبل الحرف المرفوع حرفٌ وينكسر فيه قبل الحرف المجرور الذي ينضمّ قبل المرفوع وينفتح فيه قبل المنصوب ذلك الحرف. وهو ابْنُمٌ وامرؤٌ. فإن جررت قلت: في ابنِمٍ وامرئٍ وإن ومثل ذلك قولك: يا زيدَ بنَ عمرو. وقال الراجز وهو من بني الحِرماز: يا حكمَ بن المنذرِ بنِ الجارودْ وقال العجّاج: يا عمرَ بنَ معمرٍ لا منتَظَرْ وإنما حملهم على هذا أنهم أنزلوا الرّفعة التي في قولك زيد بمنزلة الرفعة في راء امرئ والجرّة بمنزلة الكسرة في الراء والنصبة كفتحة الراء وجعلوه تابعاً لابن. ألا تراهم يقولون: هذا زيدُ بنُ عبد الله ويقولون: هذه هندُ بنتُ عبد الله فيمن صرف فتركوا التنوين ها هنا لأنهم جعلوه بمنزلة اسم واحد لمّا كثُر في كالمهم فكذلك جعلوه في النداء تابعاً لابن. وأما مَن قال: يا زيدُ بنَ عبد الله فإنه إنما قال هذا زيدُ بنُ عبد الله وهو لا يجعله اسماً واحداً وحذف التنوين لأنه لا ينجزم حرفان. فإن قلت: هلا قالوا: هذا زيدُ الطويلُ فإن القول فيه أن تقول جُعل هذا لكثرته في كلامهم بمنزلة قولهم: لَدُ الصلاة حذفها لأنه لا ينجزم حرفان ولم يحرّكها. واختُصّ هذا الكلام بحذف التنوين لكثرته كما اختُصّ لا أدرِ ولم أُبَلْ لكثرتهما. ومن جعله بمنزلة لَدُنْ فحذفه لالتقاء الساكنين ولم يجعله بمنزلة اسم واحد قال: هذه هندٌ بنتُ فلان. وأما زيدُ ابنَ أخينا فلا يكون إلا هكذا من قبل أنك تقول: هذا زيدٌ ابنُ أخينا فلا تجعله اسماً واحداً كما تقول هذا زيدٌ أخونا. وزيدٌ في قولك يا زيدُ بنَ عمرو في موضع نصب كما أن الأم في موضع جرّ في قولك: يا ابنَ أمَّ ولكنه لفظه كما ذكرت لك وهو على الأصل. ويكون الأول بمنزلة الآخر وذلك قولك: يا زيدَ زيدَ عمرٍو ويا زيدَ زيدَ أخينا ويا زيدَ زيدَنا. زعم الخليل رحمه الله ويونس أن هذا كله سواء وهي لغة للعرب جيدة. وقال جرير: يا تَيْمَ تيمَ عَديّ لا أبا لكمُ لا يُلقيَنّكمُ في سَودةٍ عمرُ وقال بعض ولدِ جرير: يا زيدَ زيدَ اليَعْمَلاتِ الذُّبَّلِ وذلك لأنهم قد علموا أنهم لو لم يكرروا الاسم كان الأول نصباً فلما كرروا الاسمَ توكيداً تركوا الأول على الذي كان يكون عليه لو لم يكرروا. وقال الخليل رحمه الله: هو مثلُ لا أبالك قد علم أنه لو لم يجئ بحرف الإضافة قال أباكَ فتركه على حاله الأولى واللام وها هنا بمنزلة الاسم الثاني في قوله: يا تيمَ تيمَ عديّ وكذلك قول الشاعر إذا اضطُرّك يا بؤسَ للحَرب إنما يريد: يا بؤسَ الحرب. وكأن الذي يقول: يا تيمَ تيم عَديّ لو قاله مضطَرّاً على هذا الحد في الخبر لقال: هذا تيمُ تيمُ عديّ. قال: وإن شئت قلت يا تيمُ تيمُ عديّ كقولك: يا تيمُ أخانا لأنك تقول هذا تيمٌ تيمُ عدي كما تقول: هذا تيمٌ أخونا. وزعم الخليل رحمه الله أن قولهم: يا طلحةَ أقبلْ يشبه: يا تسمَ تيمَ عديّ من قبل أنهم قد علموا أنهم لو لم يجيئوا بالهاء لكان آخرُ الاسم مفتوحاً فلما ألحقوا الهاء تركوا الاسم على حاله التي كان عليها قبل أن يُلحقوا الهاء. وقال النابغة الذبياني: كليني لهمّ يا أميمةَ ناصبِ وليلٍ أقاسيه بطيءِ الكواكبِ فصار يا تيمَ تيمَ عدي اسما واحداً وكان الثاني بمنزلة الهاء في طلحة تحذف مرة ويجاء بها أخرى. والرفع في طلحة ويا تيمُ تيمَ عدي القياس. واعلم أه لا يجوز في غير النداء أن تُذهب التنوين من الاسم الأول لأنهم جعلوا الأول والآخِر بمنزلة اسم واحد نحو طلحةَ في النداء واستخفوا بذلك لكثرة استعمالهم إياه في النداء ولا يُجعل بمنزلة ما جُعل من الغايات كالصوت في غير النداء لكثرته في كلامهم. ولا يُحذف هاء طلحة في الخبر فيجوز هذا في الاسم مكرّراً يعني طرح التنوين من تيمٍ تيمِ عدي في الخبر. يقول: لو فُعل هذا بطلحة جاز هذا. وإنما فعلوا هذا بالنداء لكثرته في كلامهم ولأن أول الكلام أبداً النداء إلا أن تدعه استغناء بإقبال المخاطَب عليك فهو أول كلّ كلام لك به تعطف المكلَّم عليك فلما كثر وكان الأول في كل موضع حذفوا منه تخفيفاً لأنهم مما يغيّرون الأكثر في كلامهم حتى جعلوه بمنزلة الأصوات وما أشبه الأصوات من غير الأسماء المتمكنة ويحذفون منه كما فعلوا في لم أُبَلْ. وربما ألحقوا فيه كقولهم: أمّهات. ومن قال يا زيدُ الحسنُ قال يا طلحةَ الحسنُ لأنها كفتحة الحاء إذا حذفت الهاء. ألا ترى أن من قال يا زيدُ الكريمُ قال يا سلَمَ الكريمُ. اعلم أن ياء الإضافة لا تثبت مع النداء كما لم يثبت التنوين في المفرد لأن ياء الإضافة في الاسم بمنزلة التنوين لأنها بدل من التنوين ولأنه لا يكون كلاماً حتى يكون في الاسم كما أن التنوين إذا لم يكن فيه لا يكون كلاماً فحُذف وتُرك آخرُ الاسم جراً ليُفصَل بين الإضافة وغيرها وصار حذفها هنا لكثرة النداء في كلامهم حيث استغنوا بالكسرة عن الياء. ولم يكونوا ليثبتوا حذفها إلا في النداء ولم يكن لُبسٌ في كلامهم لحذفها وكانت الياء حقيقةً بذلك لما ذكرتُ لك إذ حذفوا ما هو أقل اعتلالاً في النداء وذلك قولك: يا مومِ لا بأسَ عليكم وقال الله جلّ ثناؤه: " يا عبادِ فاتّقونِ ". وبعض العرب يقول: يا رَبُّ اغفِرْ لي ويا قومُ لا تفعلوا. وثباتُ الياء فيما زعم يونس في الأسماء. واعلم أن بقيان الياء لغة في النداء في الوقف والوصل تقول: يا غلامي أقبل. وكذلك إذا وقفوا. وكان أبو عمرو يقول: " يا عبادي فاتّقونِ ". وقال الراجز وهو عبد الله بن عبد الأعلى القرشي: وكنت إذ كنتَ إلهي وَحْدَكا لم يكُ شيء يا إلهي قبلكا وقد يبدلون مكان الياء الألف لأنها أخفّ وسنبين ذلك إن شاء الله وذلك قولك: يا ربّا تجاوز عنّا ويا غلاما لا تفعل. فإذا وقفت قلت: يا غُلاماه. وإنما ألحقتَ الهاء ليكون أوضح وسألت الخليل رحمه الله عن قولهم: يا أبَهْ ويا أبَتِ لا تفعلْ ويا أبتاه ويا أمّتاه فزعم الخليل رحمه الله أن هذه الهاء مثل الهاء في عمةٍ وخالة. وزعم الخليل رحمه الله أنه سمع من العرب من يقول: يا أمةُ لا تفعلي. ويدلك على أن الهاء بمنزلة الهاء في عمة وخالة أنك تقول في الوقف: يا أمّه ويا أبَهْ كما تقول يا خالَهْ. وتقول: يا أمّتاهْ كما تقول يا خالتاهْ. وإنما يُلزمون هذه الهاء في النداء إذا أضفتَ الى نفسك خاصة كأنهم جعلوها عوضاً من حذف الياء وأرادوا أن لا يخلّوا بالاسم حين اجتمع فيه حذف الياء وأنهم لا يكادون يقولون يا أباهْ ويا أمّاه وهي قليلة في كلامهم وصار هذا محتملاً عندهم لما دخل النداء من التغيير والحذف فأرادوا أن يعوّضوا هذين الحرفين كما قالوا أيْنُقٌ لما حذفوا العين رأساً جعلوا الياء عوضاً فلما ألحقوا الهاء في أبَهْ وأمّهْ صيّروها بمنزلة الهاء التي تلزم الاسم في كل موضع نحو خالة وعمة. واختُصّ النداء بذلك لكثرته في كلامهم كما اختُصّ النداء بيا أيها الرجلُ. ولا يكون هذا في غير النداء لأنهم جعلوها تنبيهاً فيها بمنزلة يا. وأكدوا التنبيه ب ها حين جعلوا يا مع ها فمن ثم لم يجز لهم أن يسكتوا على أي ولزمه التفسير. قلت: فلمَ دخلت الهاء في الأب وهو مذكّر. قال: قد يكون الشيء المذكّر يوصَف بالمؤنث ويكون الشيء المذكّر له الاسم المؤنّث نحو نَفْس وأنت تعني الرجل به. ويكون الشيء المؤنث يوصَف بالمذكر وقد يكون الشيء المؤنث له الاسم المذكر. فمن ذلك: هذا رجلٌ ربْعةٌ وغلامٌ يَفَعةٌ. فهذه الصفات. والأسماء قولهم: نَفْسٌ وثلاثة أنفس وقولهم ما رأيت عيناً يعني عين القوم. فكأن أبَهْ اسم مؤنث يقع للمذكر لأنهما والدان كما تقع العين للمذكر والمؤنث لأنهما شخصان. فكأنهم إنما قالوا أبوان لأنهم جمعوا بين أبٍ وأبةٍ إلا أنه لا يكون مستعمَلاً إلا في النداء إذا عنيت المذكّر. واستغنوا بالأم في المؤنث عن أبة وكان ذلك عندهم في الأصل على هذا فمن ثم جاءوا عليه بالأبوين وجعلوه في غير النداء أباً بمنزلة الوالد وكأن مؤنثه أبةٌ كما أن مؤنث الوالد والدة. ومن ذلك أيضاً قولك للمؤنث: هذه امرأةٌ عَدْلٌ. ومن الأسماء فرَسٌ هو للمذكّر فجعلوه لهما وكذلك عدْل وما أشبه ذلك. وحدّثنا يونس أن بعض العرب يقول: يا أمَّ لا تفعلي جعلوا هذه الهاء بمنزلة هاء طلحة إذ قالوا: يا طلحَ أقبلْ لأنهم رأوها متحركةً بمنزلة هاء طلحة فحذفوها ولا يجوز ذلك في غير الأم من المضاف. وإنما جازت هذه الأشياء في الأب والأم لكثرتهما في النداء كما قالوا: يا صاح في هذا الاسم. وليس كل شيء يكثر في كلامهم يغيَّر عن الأصل لأنه ليس بالقياس عندهم فكرهوا ترك الأصل. وتثبت فيه الياء لأنه غير منادى وإنما هو بمنزلة المجرور في غير النداء. فذلك قولك: يا ابنَ أخي ويا ابنَ أبي يصير بمنزلته في الخبر. وكذلك يا غلامَ غلامي. وقال الشاعر أبو زُبيد الطائي: يا ابنَ أمي ويا شُقَيّقَ نفسي ** أنت خلّيتني لدهرٍ شديدِ وقالوا: يا ابنَ أمَّ ويا ابن عمَّ فجعلوا ذلك بمنزلة اسم واحد لأن هذا أكثرُ في كلامهم من يا ابنَ أبي ويا غلامَ غلامي. وقد قالوا أيضاً: يا ابنَ أمِّ ويا ابنَ عمّ كأنهم جعلوا الأول والآخر اسماً ثم أضافوا الى الياء كقولك: يا أحدَ عشرَ أقبلوا. وإن شئت قلت: حذفوا الياء لكثرة هذا في كلامهم. وعلى هذا قال أبو النجم: واعلم أن كل شيء ابتدأتُه في هذين البابين أولاً فهو في القياس. وجميع ما وصفناه من هذه اللغات سمعناه من الخليل رحمه الله ويونس عن العرب. وذلك في الاستغاثة والتعجب وذلك الحرفُ اللامُ المفتوحة وذلك قول الشاعر وهو مهلهل: يا لَبكرٍ أنشِروا لي كُليباً ** ويا لَبكرٍ أينَ أينَ الفرارُ فاستغاث بهم ليُنشروا له كُليباً. وهذا منه وعيد وتهدّد. وأما قوله يا لَبكرٍ أين أين الفرار فإنما استغاث بهم لهم أي لمَ تفرّون استطالةً عليهم ووعيداً. وقال أمية بن أبي عائذ الهذلي: ألا يا لَقوم لطيف الخيال ** أرّق من نازح ذي دلال وقال قيس بن ذريح: تكنّفني الوُشاةُ فأزعجوني ** فيا لَلناس للواشي المطاعِ وقالوا يا لله يا لَلناس إذا كانت الاستغاثة. فالواحد والجميع فيه سواء. وقال الآخر: ويا لَعطّافنا ويا لَرياح ** وأبي الحشرجِ الفتى النّفّاحِ ألا تراهم كيف سوّوا بين الواحد والجميع. وأما في التعجّب فقوله وهو فرّار الأسدي: لَخُطّابُ لَيلى يا لَبُرثنَ منكمُ ** أدلُّ وأمضى من سُليك المقانبِ وقالوا: يا لَلعجب ويا لَلفليقة كأنهم رأوا أمراً عجباً فقالوا: يا لَبُرثن أي مثلكم دُعي للعظائم. وقالوا: يا لَلعجب ويا لَلماء لما رأوا عجباً أو رأوا ماء كثيراً كأنه يقول: تعالَ يا عجبُ أو تعال يا ماء فإنه من أيامك وزمانك. ومثل ذلك قولهم: يا لَدواهي أي تعالينَ فإنه لا يُستنكر لكنّ لأنه من إبّانكنّ وأحيانكن. وكل هذا في معنى التعجب والاستغاثة وإلا لم يجز. ألا ترى أنك لو قلت يا لَزيد وأنت تحدثه لم يجز. ولم يلزم في هذا الباب إلا يا للتنبيه لئلا تلتبس هذه اللام بلام التوكيد كقولك: لَعمرو خيرٌ منك. ولا يكون مكان يا سواها من حروف التنبيه نحو أي وهَيا وأيا لأنهم أرادوا أن يميزوا هذا من ذلك الباب الذي ليس فيه معنى استغاثة ولا تعجب. وزعم الخليل رحمه الله أن هذه اللام بدلٌ من الزيادة التي تكون في آخر الاسم إذا أضفتَ نحو قولك: يا عجَباه ويا بَكراه إذا استغثتَ أو تعجّبت. فصار كلُ واحد منهما يعاقب صاحبَه كما كانت هاء الجحاجحة معاقبةً ياء الجحاجيح وكما عاقبت الألف في يمانٍ الياء في يَمَني. ونحو هذا في كلامهم كثير وستراه إن شاء الله عز وجلّ. لأنه مدعوّ له ها هنا وهو غير مدعوّ وذلك قول بعض العرب: يا لِلعجب ويا لِلماء وكأنه نبّه بقوله يا غيرَ الماء للماء. وعلى ذلك قال أبو عمرو: يا ويلٌ لك ويا ويحٌ لك كأنه نبّه إنساناً ثم جعل الويل له. وعلى ذلك قول قيس بن ذريح: فيا لَلناس للواشي المُطاع يا لقومي لفرقة الأحبابِ كسروها لأن الاسم الذي بعدها غير منادى فصار بمنزلته إذا قلت هذا لزيدٍ. فاللام المفتوحة أضافت النداء الى المنادى المخاطَب واللام المكسورة أضافت المدعوّ الى ما بعده لأنه سببُ ومما يدلّك على أن اللام المكسورة ما بعدها غيرُ مدعوّ قوله: يا لعنةُ اللهِ والأقوامِ كلِّهمُ والصالحينَ على سِمعانَ من جارِ فيا لغير اللعنة. وتقول: يا لَزيدٍ ولعمرو وإذا لم تجئ بيا الى جنب اللام كسرتَ ورددتَ الى الأصل.
|