الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
وَمَنْ تَوَلَّى تَفْرِيقَ زَكَاةِ مَالِهِ أَوْ زَكَاةِ فِطْرِهِ أَوْ تَوَلاَّهَا الإِمَامُ أَوْ أَمِيرُهُ: فَإِنَّ الإِمَامَ, أَوْ أَمِيرَهُ: يُفَرِّقَانِهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ مُسْتَوِيَةٍ: لِلْمَسَاكِينِ سَهْمٌ, وَلِلْفُقَرَاءِ سَهْمٌ, وَفِي الْمُكَاتَبِينَ وَفِي عِتْقِ الرِّقَابِ سَهْمٌ, وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى سَهْمٌ, وَلاَِبْنَاءِ السَّبِيلِ سَهْمٌ, وَلِلْعُمَّالِ الَّذِينَ يَقْبِضُونَهَا سَهْمٌ, وَلِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ سَهْمٌ. وأما مَنْ فَرَّقَ زَكَاةَ مَالِهِ فَفِي سِتَّةِ أَسْهُمٍ كَمَا ذَكَرْنَا, وَيَسْقُطُ: سَهْمُ الْعُمَّالِ, وَسَهْمُ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ أَهْلِ سَهْمٍ أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَنْفُسٍ, إلاَّ أَنْ لاَ يَجِدَ, فَيُعْطِي مَنْ وَجَدَ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ بَعْضَ أَهْلِ السِّهَامِ دُونَ بَعْضٍ, إلاَّ أَنْ يَجِدَ, فَيُعْطِيَ مَنْ وَجَدَ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ مِنْهَا كَافِرًا, وَلاَ أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ, وَالْمُطَّلِبِ ابْنَيْ عَبْدِ مَنَافٍ, وَلاَ أَحَدًا مِنْ مَوَالِيهِمْ فَإِنْ أَعْطَى مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا عَامِدًا أَوْ جَاهِلاً لَمْ يُجْزِهِ, وَلاَ جَازَ لِلآخِذِ, وَعَلَى الآخِذِ أَنْ يَرُدَّ مَا أَخَذَ, وَعَلَى الْمُعْطِي أَنْ يُوفِيَ ذَلِكَ الَّذِي أَعْطَى فِي أَهْلِهِ بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وقال بعضهم: يُجْزِئُ أَنْ يُعْطِيَ الْمَرْءُ صَدَقَتَهُ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْهَا وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى عُمُومِ جَمِيعِ الْفُقَرَاءِ وَجَمِيعِ الْمَسَاكِينِ. فَصَحَّ أَنَّهَا فِي الْبَعْضِ. قال أبو محمد: وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ. وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَصَحَّ أَنَّ مَا عَجَزَ عَنْهُ الْمَرْءُ فَهُوَ سَاقِطٌ عَنْهُ, وَبَقِيَ عَلَيْهِ مَا اسْتَطَاعَ, لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ إيفَائِهِ; فَسَقَطَ عُمُومُ كُلِّ فَقِيرٍ وَكُلِّ مِسْكِينٍ, وَبَقِيَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ جَمِيعِ الأَصْنَافِ, فَإِنْ عَجَزَ عَنْ بَعْضِهَا سَقَطَ عَنْهُ أَيْضًا; وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُسْقِطَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَذَكَرُوا حَدِيثَ الذُّهَيْبَةِ الَّتِي قَسَمَهَا عليه الصلاة والسلام بَيْنَ الأَرْبَعَةِ قال أبو محمد: وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْخَبَرَ, وَأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الذُّهَيْبَةُ مِنْ الصَّدَقَةِ أَصْلاً; لأَِنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ أَصْلاً، وَلاَ يَمْتَنِعُ أَنْ يُعْطَى عليه الصلاة والسلام الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ مِنْ غَيْرِ الصَّدَقَةِ, بَلْ قَدْ أَعْطَاهُمْ مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ. وَذَكَرُوا حَدِيثَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ صَدَقَةَ بَنِي زُرَيْقٍ. قال أبو محمد: وَهَذَا مُرْسَلٌ, وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ, لأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَرَّمَ سَائِرَ الأَصْنَافِ مِنْ سَائِرِ الصَّدَقَاتِ. وَادَّعَى قَوْمٌ: أَنَّ سَهْمَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ قَدْ سَقَطَ قال أبو محمد: وَهَذَا بَاطِلٌ, بَلْ هُمْ الْيَوْمَ أَكْثَرُ مَا كَانُوا, وَإِنَّمَا يَسْقُطُونَ هُمْ وَالْعَامِلُونَ إذَا تَوَلَّى الْمَرْءُ قِسْمَةَ صَدَقَةِ نَفْسِهِ; لأَِنَّهُ لَيْسَ هُنَالِكَ عَامِلُونَ عَلَيْهَا, وَأَمْرُ الْمُؤَلَّفَةِ إلَى الإِمَامِ لاَ إلَى غَيْرِهِ. قال أبو محمد: لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ أَمَرَ لِقَوْمٍ بِمَالٍ وَسَمَّاهُمْ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يَخُصَّ بِهِ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ, فَمِنْ الْمُصِيبَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ أَمْرَ النَّاسِ أَوْكَدُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا رِفَاعَةُ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ بَعْضَ الآُمَرَاءِ اسْتَعْمَلَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَلَى صَدَقَةِ الْمَاشِيَةِ, فَأَتَاهُ لاَ شَيْءَ مَعَهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ رَافِعٌ إنَّ عَهْدِي بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثٌ وَإِنِّي جَزَيْتُهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ فَقَسَّمْتُهَا, وَكَذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ. وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي الزَّكَاةِ: ضَعُوهَا مَوَاضِعَهَا وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ, وَالْحَسَنِ مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ أَبِي وَائِلٍ مِثْلُ ذَلِكَ, وَقَالَ فِي نَصِيبِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ رَدُّهُ عَلَى الآخَرِينَ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ضَعْهَا حَيْثُ أَمَرَك اللَّهُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ, وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ, وَرَافِعٍ, كَمَا أَوْرَدْنَا, وَرُوِّينَا الْقَوْلَ الثَّانِي عَنْ حُذَيْفَةَ; وَعَطَاءٍ, وَغَيْرِهِمَا. وأما قَوْلُنَا: لاَ يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ ثَلاَثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ إلاَّ أَنْ لاَ يَجِدَ: فَلاَِنَّ اسْمَ الْجَمْعِ: لاَ يَقَعُ إلاَّ عَلَى ثَلاَثَةٍ فَصَاعِدًا, وَلاَ يَقَعُ عَلَى وَاحِدٍ, وَلِلتَّثْنِيَةِ بِنِيَّةٍ فِي اللُّغَةِ, تَقُولُ: مِسْكِينٌ لِلْوَاحِدِ, وَمِسْكِينَانِ لِلاِثْنَيْنِ, وَمَسَاكِينُ لِلثَّلاَثَةِ, فَصَاعِدًا, وَكَذَلِكَ اسْمُ الْفُقَرَاءِ وَسَائِرُ الأَسْمَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي الآيَةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ, وَغَيْرُهُ. وأما أَنْ لاَ يُعْطِيَ كَافِرًا فَلِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِي عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ وَقَالَ لَهُ فِي حَدِيثِ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ. فَإِنَّمَا جَعَلَهَا عليه الصلاة والسلام لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَقَطْ. وأما بَنُو هَاشِمٍ, وَبَنُو الْمُطَّلِبِ فَلِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ وَلِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ الْقَوْمِ, وَإِنَّهَا لاَ تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ، وَلاَ لاِلِ مُحَمَّدٍ. قال أبو محمد: فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي: مَنْ هُمْ آلُ مُحَمَّدٍ فَقَالَ قَوْمٌ: هُمْ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فَقَطْ, لأَِنَّهُ لاَ عَقِبَ لِهَاشِمٍ مِنْ غَيْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ, وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُمْ آلُ مُحَمَّدٍ بِيَقِينٍ, لأَِنَّهُ لاَ عَقِبَ لِعَبْدِ اللَّهِ وَالِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَبْقَ لَهُ عليه الصلاة والسلام أَهْلٌ إلاَّ وَلَدُ الْعَبَّاسِ, وَأَبِي طَالِبٍ, وَالْحَارِثِ; وَأَبِي لَهَبٍ: بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَطْ; وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ, وَبَنُو الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فَقَطْ وَمَوَالِيهِمْ. وَقَالَ أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ الْمَالِكِيُّ: آلُ مُحَمَّدٍ: جَمِيعُ قُرَيْشٍ, وَلَيْسَ الْمَوَالِي مِنْهُمْ. قال أبو محمد: فَوَجَبَ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ: فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ قَالَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا يَحْيَى، وَ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، حدثنا شُعْبَةُ، حدثنا الْحَكَمُ، هُوَ ابْنُ عُتَيْبَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ رَجُلاً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ, فَأَرَادَ أَبُو رَافِعٍ أَنْ يَتْبَعَهُ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ الصَّدَقَةَ لاَ تَحِلُّ لَنَا, وَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ. فَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ أَخْرَجَ الْمَوَالِيَ مِنْ حُكْمِهِمْ فِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ. وَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ أَنَّهُ جَاءَ هُوَ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يُكَلِّمَانِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا قَسَمَ مِنْ الْخُمْسِ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ, وَبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ, فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, قَسَمْتَ لاِِخْوَانِنَا بَنِي الْمُطَّلِبِ وَلَمْ تُعْطِنَا شَيْئًا, وَقَرَابَتُنَا وَقَرَابَتُهُمْ مِنْكَ وَاحِدَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ, وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ. فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِهِمْ فِي شَيْءٍ أَصْلاً; لأَِنَّهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِنَصِّ كَلاَمِهِ عليه الصلاة والسلام; فَصَحَّ أَنَّهُمْ آلُ مُحَمَّدٍ, وَإِذْ هُمْ آلُ مُحَمَّدٍ فَالصَّدَقَةُ عَلَيْهِمْ حَرَامٌ; فَيَخْرُجُ بَنُو عَبْدِ شَمْسٍ, وَبَنُو نَوْفَلٍ ابْنَيْ عَبْدِ مَنَافٍ, وَسَائِرُ قُرَيْشٍ عَنْ هَذَيْنِ: الْبَطْنَيْنِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلاَ يَحِلُّ لِهَذَيْنِ الْبَطْنَيْنِ صَدَقَةُ فَرْضٍ، وَلاَ تَطَوُّعٍ أَصْلاً, لِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِمُحَمَّدٍ، وَلاَ لاِلِ مُحَمَّدٍ فَسَوَّى بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَهُمْ, وأما مَا لاَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ صَدَقَةٍ مُطْلَقَةٍ فَهُوَ حَلاَلٌ لَهُمْ, كَالْهِبَةِ, وَالْعَطِيَّةِ, وَالْهَدِيَّةِ, وَالنُّحْلِ, وَالْحَبْسِ, وَالصِّلَةِ, وَالْبِرِّ, وَغَيْرِ ذَلِكَ, لأَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِتَحْرِيمِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وأما قَوْلُنَا: لاَ تُجْزِئُ إنْ وُضِعَتْ فِي يَدِ مَنْ لاَ تَجُوزُ لَهُ فَلاَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا لِقَوْمٍ خَصَّهُمْ بِهَا; فَصَارَ حَقُّهُمْ فِيهَا; فَمَنْ أَعْطَى مِنْهَا غَيْرَهُمْ فَقَدْ خَالَفَ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ فَوَجَبَ عَلَى الْمُعْطِي إيصَالُ مَا عَلَيْهِ إلَى مَنْ هُوَ لَهُ, وَوَجَبَ عَلَى الآخِذِ رَدُّ مَا أَخَذَ بِغَيْرِ حَقٍّ. قَالَ تَعَالَى: الْفُقَرَاءُ هُمْ الَّذِينَ لاَ شَيْءَ لَهُمْ أَصْلاً، وَالْمَسَاكِينُ: هُمْ الَّذِينَ لَهُمْ شَيْءٌ لاَ يَقُومُ بِهِمْ بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَيْسَ إلاَّ مُوسِرٌ, أَوْ غَنِيٌّ, أَوْ فَقِيرٌ, أَوْ مِسْكِينٌ, فِي الأَسْمَاءِ. وَمَنْ لَهُ فَضْلٌ عَنْ قُوتِهِ. وَمَنْ لاَ يَحْتَاجُ إلَى أَحَدٍ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ شَيْءٌ. وَمَنْ لَهُ مَا لاَ يَقُومُ بِنَفْسِهِ مِنْهُ. وَمَنْ لاَ شَيْءَ لَهُ فَهَذِهِ مَرَاتِبُ أَرْبَعٌ مَعْلُومَةٌ بِالْحِسِّ. فَالْمُوسِرُ بِلاَ خِلاَفٍ: هُوَ الَّذِي يَفْضُلُ مَالُهُ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ عَلَى السَّعَةِ. وَالْغَنِيُّ: هُوَ الَّذِي لاَ يَحْتَاجُ إلَى أَحَدٍ وَإِنْ كَانَ لاَ يَفْضُلُ عَنْهُ شَيْءٌ; لأَِنَّهُ فِي غِنًى عَنْ غَيْرِهِ. وَكُلُّ مُوسِرٍ غَنِيٌّ, وَلَيْسَ كُلُّ غَنِيٍّ مُوسِرًا: فإن قيل: لِمَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ الْمِسْكِينِ, وَالْفَقِيرِ قلنا: لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا, وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي شَيْئَيْنِ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا: إنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ, إلاَّ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ ضَرُورَةِ حِسٍّ; فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: فَصَحَّ اسْمُ الْمِسْكِينِ بِالنَّصِّ لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ. وَبَقِيَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ: وَهُوَ مَنْ لاَ شَيْءَ لَهُ أَصْلاً; وَلَمْ يَبْقَ لَهُ مِنْ الأَسْمَاءِ إلاَّ الْفَقِيرُ, فَوَجَبَ ضَرُورَةً أَنَّهُ ذَاكَ. وَرُوِّينَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حدثنا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ الأَكْلَةُ وَالأَكْلَتَانِ, وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ, قَالُوا: فَمَا الْمِسْكِينُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الْمِسْكِينُ الَّذِي لاَ يَجِدُ غِنًى, وَلاَ يَفْطِنُ لِحَاجَتِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ. قال أبو محمد: فَصَحَّ أَنَّ الْمِسْكِينَ هُوَ الَّذِي لاَ يَجِدُ غِنًى إلاَّ أَنَّ لَهُ شَيْئًا لاَ يَقُومُ لَهُ, فَهُوَ يَصْبِرُ وَيَنْطَوِي, وَهُوَ مُحْتَاجٌ، وَلاَ يَسْأَلُ. وَقَالَ تَعَالَى: وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ أَمْوَالِهِمْ. فإن قيل: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قلنا: صَدَقَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ يَلْبَسُ الْمَرْءُ فِي تِلْكَ الْبِلاَدِ إزَارًا وَرِدَاءً خَلِقَيْنِ غَسِيلَيْنِ لاَ يُسَاوِيَانِ دِرْهَمًا, فَمَنْ رَآهُ كَذَلِكَ ظَنَّهُ غَنِيًّا, وَلاَ يُعَدُّ مَالاً مَا لاَ بُدَّ مِنْهُ مِمَّا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ, إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ وَذَكَرُوا قَوْلَ الشَّاعِرِ: أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ وَفْقَ الْعِيَالِ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبْدُ وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ; لأَِنَّ مَنْ كَانَتْ حَلُوبَتُهُ وَفْقَ عِيَالِهِ فَهُوَ غَنِيٌّ, وَإِنَّمَا صَارَ فَقِيرًا إذَا لَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبْدٌ, وَهُوَ قَوْلُنَا وَالْعَامِلُونَ عَلَيْهَا: هُمْ الْعُمَّالُ الْخَارِجُونَ مِنْ عِنْدِ الإِمَامِ الْوَاجِبَةِ طَاعَتُهُ, وَهُمْ الْمُصَدِّقُونَ, السُّعَاةُ قال أبو محمد: وَقَدْ اتَّفَقَتْ الآُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ قَالَ: أَنَا عَامِلٌ عَامِلاً, وَقَدْ قَالَ عليه السلام: مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ فَكُلُّ مَنْ عَمِلَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوَلِّيَهُ الإِمَامُ الْوَاجِبَةُ طَاعَتُهُ فَلَيْسَ مِنْ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا، وَلاَ يُجْزِئُ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إلَيْهِ, وَهِيَ مَظْلِمَةٌ, إلاَّ أَنْ يَكُونَ يَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا, فَتُجْزِئُ حِينَئِذٍ; لأَِنَّهَا قَدْ وَصَلَتْ إلَى أَهْلِهَا. وأما عَامِلُ الإِمَامِ الْوَاجِبَةِ طَاعَتُهُ فَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ; وَلَيْسَ عَلَيْنَا مَا يَفْعَلُ فِيهَا; لأَِنَّهُ وَكِيلٌ, كَوَصِيِّ الْيَتِيمِ، وَلاَ فَرْقَ, وَكَوَكِيلِ الْمُوَكِّلِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ. وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ: هُمْ قَوْمٌ لَهُمْ قُوَّةٌ لاَ يُوثَقُ بِنَصِيحَتِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَتَأَلَّفُونَ بِأَنْ يُعْطَوْا مِنْ الصَّدَقَاتِ, وَمِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ وَالرِّقَابُ: هُمْ الْمُكَاتَبُونَ, وَالْعُتَقَاءُ; فَجَائِزٌ أَنْ يُعْطَوْا مِنْ الزَّكَاةِ. وقال مالك: لاَ يُعْطَى مِنْهَا الْمُكَاتَبُ. وَقَوْلُ غَيْرِهِ: يُعْطَى مِنْهَا مَا يُتِمُّ بِهِ كِتَابَتَهُ. وَقَالَ أبو محمد: وَهَذَانِ قَوْلاَنِ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِمَا وَبِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيُّ وَجَازَ أَنْ يُعْطَى مِنْهَا مُكَاتَبُ الْهَاشِمِيِّ, وَالْمُطَّلِبِيِّ; لأَِنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمَا, وَلاَ مَوْلًى لَهُمَا مَا لَمْ يُعْتَقْ كُلُّهُ وَإِنْ أَعْتَقَ الإِمَامُ مِنْ الزَّكَاةِ رِقَابًا فَوَلاَؤُهَا لِلْمُسْلِمِينَ لأَِنَّهُ لَمْ يُعْتِقْهَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَلاَ مِنْ مَالٍ بَاقٍ فِي مِلْكِ الْمُعْطِي الزَّكَاةَ. فَإِنْ أَعْتَقَ الْمَرْءُ مِنْ زَكَاةِ نَفْسِهِ فَوَلاَؤُهَا لَهُ; لأَِنَّهُ أَعْتَقَ مِنْ مَالِهِ, وَعَبْدِ نَفْسِهِ; وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام: إنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ. وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَعْتِقْ مِنْ زَكَاتِك. فإن قيل: إنَّهُ إنْ مَاتَ رَجَعَ مِيرَاثُهُ إلَى سَيِّدِهِ. قلنا: نَعَمْ هَذَا حَسَنٌ, إذَا بَلَغَتْ الزَّكَاةُ مَحَلَّهَا فَرُجُوعُهَا بِالْوُجُوهِ الْمُبَاحَةِ حَسَنٌ, وَهُمْ يَقُولُونَ فِيمَنْ تَصَدَّقَ مِنْ زَكَاتِهِ عَلَى قَرِيبٍ لَهُ ثُمَّ مَاتَ فَوَجَبَ مِيرَاثُهُ لِلْمُعْطِي: إنَّهُ لَهُ حَلاَلٌ, وَإِنْ كَانَ فِيهِ عَيْنُ زَكَاتِهِ. وَالْغَارِمُونَ: هُمْ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ دُيُونٌ لاَ تَفِي أَمْوَالُهُمْ بِهَا, أَوْ مَنْ تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ وَإِنْ كَانَ فِي مَالِهِ وَفَاءٌ بِهَا; فأما مَنْ لَهُ وَفَاءٌ بِدَيْنِهِ فَلاَ يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ غَارِمًا حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ بْنِ مُسَاوَرٍ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هَارُونِ بْنِ رِئَابٍ حَدَّثَنِي كِنَانَةُ بْنُ نُعَيْمٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ قَالَ: تَحَمَّلْتُ بِحَمَالَةٍ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَسْأَلُهُ فِيهَا فَقَالَ: أَقِمْ يَا قَبِيصَةُ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرُ لَكَ بِهَا يَا قَبِيصَةُ إنَّ الصَّدَقَةَ لاَ تَحِلُّ إلاَّ لاَِحَدِ ثَلاَثَةٍ رَجُلٍ تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ, أَوْ قَالَ: سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وأما سَبِيلُ اللَّهِ فَهُوَ الْجِهَادُ بِحَقٍّ. حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا ابْنُ السُّلَيْمِ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حدثنا مَعْمَرٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلاَّ لِخَمْسَةٍ: لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ, أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا, أَوْ لِغَارِمٍ, أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ, أَوْ لِرَجُلٍ كَانَ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتَصَدَّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَاهَا الْمِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ غَيْرِ مَعْمَرٍ فَأَوْقَفَهُ بَعْضُهُمْ, وَنَقَصَ بَعْضُهُمْ مِمَّا ذَكَرَ فِيهِ مَعْمَرٌ, وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ لاَ يَحِلُّ تَرْكُهَا فإن قيل: قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْحَجَّ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ. وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنْ يُعْطَى مِنْهَا فِي الْحَجِّ. قلنا: نَعَمْ, وَكُلُّ فِعْلِ خَيْرٍ فَهُوَ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى, إلاَّ أَنَّهُ لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ كُلَّ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ فِي قِسْمَةِ الصَّدَقَاتِ, فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُوضَعَ إلاَّ حَيْثُ بَيَّنَ النَّصُّ, وَهُوَ الَّذِي ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَابْنُ السَّبِيلِ: هُوَ مَنْ خَرَجَ فِي مَعْصِيَةٍ فَاحْتَاجَ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ حدثنا أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ حَسَّانَ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ زَكَاتَهُ فِي الْحَجِّ وَأَنْ يُعْتِقَ مِنْهَا النَّسَمَةَ وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الشَّافِعِيُّونَ, وَالْمَالِكِيُّونَ, وَالْحَنَفِيُّونَ: صَاحِبًا, لاَ يُعْرَفُ مِنْهُمْ لَهُ مُخَالِفٌ. وَجَازَ أَنْ يُعْطِيَ الْمَرْءُ مِنْهَا مُكَاتَبَهُ وَمُكَاتَبَ غَيْرِهِ, لأَِنَّهُمَا مِنْ الْبِرِّ, وَالْعَبْدُ الْمُحْتَاجُ الَّذِي يَظْلِمُهُ سَيِّدُهُ، وَلاَ يُعْطِيهِ حَقَّهُ; لأَِنَّهُ مِسْكِينٌ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ أَنَّهُ: أَجَازَ ذَلِكَ وَمَنْ كَانَ أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ أَوْ ابْنُهُ, أَوْ إخْوَتُهُ, أَوْ امْرَأَتُهُ مِنْ الْغَارِمِينَ, أَوْ غَزَوْا فِي سَبِيلِ اللَّهِ; أَوْ كَانُوا مُكَاتَبِينَ: جَازَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْ صَدَقَتِهِ الْفَرْضَ; لأَِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَدَاءُ دُيُونِهِمْ، وَلاَ عَوْنُهُمْ فِي الْكِتَابَةِ وَالْغَزْوِ وَكَمَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ, وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِالْمَنْعِ مِمَّا ذَكَرْنَا. وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهُ أَوْصَى عُمَرَ فَقَالَ: مَنْ أَدَّى الزَّكَاةَ إلَى غَيْرِ أَهْلِهَا لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ زَكَاةٌ, وَلَوْ تَصَدَّقَ بِالدُّنْيَا جَمِيعِهَا, وَعَنْ الْحَسَنِ: لاَ تُجْزِئُ حَتَّى يَضَعَهَا مَوَاضِعَهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَتُعْطِي الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مِنْ زَكَاتِهَا; إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السِّهَامِ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَفْتَى زَيْنَبَ امْرَأَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ إذْ أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ فَسَأَلَتْهُ: أَيَسَعُهَا أَنْ تَضَعَ صَدَقَتَهَا فِي زَوْجِهَا, وَفِي بَنِي أَخٍ لَهَا يَتَامَى فَأَخْبَرَهَا عليه الصلاة والسلام أَنَّ لَهَا أَجْرَيْنِ: أَجْرَ الصَّدَقَةِ وَأَجْرَ الْقَرَابَةِ. قال أبو محمد: مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ, كَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ أَرْبَعِينَ مِثْقَالاً أَوْ خَمْسٍ مِنْ الإِبِلِ أَوْ أَرْبَعِينَ شَاةً أَوْ خَمْسِينَ بَقَرَةً, أَوْ أَصَابَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ بُرٍّ, أَوْ شَعِيرٍ, أَوْ تَمْرٍ وَهُوَ لاَ يَقُومُ مَا مَعَهُ بِعَوْلَتِهِ لِكَثْرَةِ عِيَالِهِ أَوْ لِغَلاَءِ السِّعْرِ: فَهُوَ مِسْكِينٌ, يُعْطَى مِنْ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ, وَتُؤْخَذُ مِنْهُ فِيمَا وَجَبَتْ فِيهِ مِنْ مَالِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَقْوَالَ مَنْ حَدَّ الْغِنَى بِقُوتِ الْيَوْمِ, أَوْ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا, أَوْ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا, أَوْ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى الْغِنَى بِقُوتِ الْيَوْمِ بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي كَبْشَةَ السَّلُولِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ النَّارِ, فَقِيلَ: وَمَا حَدُّ الْغِنَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: شِبَعُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ: إنْ يَكُنْ عِنْدَ أَهْلِكَ مَا يُغَدِّيهِمْ أَوْ مَا يُعَشِّيهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي كُلَيْبٍ الْعَامِرِيِّ عَنْ أَبِي سَلاَّمٍ الْحَبَشِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : مَنْ سَأَلَ مَسْأَلَةً يَتَكَثَّرُ بِهَا عَنْ غِنًى فَقَدْ اسْتَكْثَرَ مِنْ النَّارِ, فَقِيلَ: مَا الْغِنَى قَالَ: غَدَاءٌ أَوْ عَشَاءٌ. قال أبو محمد: وَهَذَا لاَ شَيْءَ, لأَِنَّ أَبَا كَبْشَةَ السَّلُولِيَّ مَجْهُولٌ وَابْنَ لَهِيعَةَ سَاقِطٌ. وَاحْتَجَّ مَنْ حَدَّ الْغِنَى بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسْدٍ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عِدْلُهَا فَقَدْ سَأَلَ إلْحَافًا. وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: مَنْ سَأَلَ وَلَهُ قِيمَةُ أُوقِيَّةٍ فَقَدْ أَلْحَفَ. قَالَ: " وَكَانَتْ الآُوقِيَّةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا ". وَمِنْ طَرِيقِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ: أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ تَسْأَلُهُ مِنْ الصَّدَقَةِ. فَقَالَ لَهَا: إنْ كَانَتْ لَكِ أُوقِيَّةٌ فَلاَ تَحِلُّ لَكِ الصَّدَقَةُ, قَالَ مَيْمُونُ: وَالآُوقِيَّةُ حِينَئِذٍ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. قال أبو محمد: الأَوَّلُ عَمَّنْ لَمْ يُسَمَّ, وَلاَ يُدْرَى صِحَّةُ صُحْبَتِهِ, وَالثَّانِي عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ الْمُقَلَّدِينَ عُمَرَ رضي الله عنه فِي تَحْرِيمِ الْمَنْكُوحَةِ فِي الْعِدَّةِ عَلَى ذَلِكَ النَّاكِحِ فِي الأَبَدِ, وَقَدْ رَجَعَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ, وَفِي سَائِرِ مَا يَدَّعُونَ أَنَّ خِلاَفَهُ فِيهِ لاَ يَحِلُّ كَحَدِّ الْخَمْرِ ثَمَانِينَ, وَتَأْجِيلِ الْعِنِّينِ سَنَةً: أَنْ يُقَلِّدُوهُ هَاهُنَا, وَكَذَلِكَ الْحَنَفِيُّونَ, وَلَكِنْ لاَ يُبَالُونَ بِالتَّنَاقُضِ وَاحْتَجَّ مَنْ حَدَّ الْغِنَى بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَتْ خُمُوشًا أَوْ كُدُوحًا فِي وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, وَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, وَمَا يُغْنِيهِ. قَالَ: خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ حِسَابُهَا مِنْ الذَّهَبِ قَالَ سُفْيَانُ: وَسَمِعْتُ زُبَيْدًا يُحَدِّثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ, وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ, وَعَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ, قَالَ مَنْ حَدَّثَهُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ: عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ, وَقَالَ الْحَكِيمُ: عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ, قَالُوا كُلُّهُمْ; لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِمَنْ لَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا, قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَوْ عِدْلُهَا مِنْ الذَّهَبِ وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ . وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ. قال أبو محمد: حَكِيمُ بْنُ جُبَيْرٍ سَاقِطٌ, وَلَمْ يُسْنِدْهُ زُبَيْدٌ, وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ. وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ وَالْمُعَظِّمِينَ خِلاَفَ الصَّاحِبِ, وَالْمُحْتَجِّينَ بِشَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ عَنْ عُمَرَ فِي رَدِّ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ مِنْ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ لاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَفْتَرِقَا: أَنْ لاَ يَخْرُجُوا عَنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ; لأَِنَّهُ لاَ يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي هَذَا الْبَابِ خِلاَفٌ لِمَا ذُكِرَ فِيهِ عَنْ عُمَرَ, وَابْنِ مَسْعُودٍ, وَسَعْدٍ, وَعَلِيٍّ رضي الله عنهم, مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْمُرْسَلِ. وأما مَنْ حَدَّ الْغِنَى بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ, وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَهُوَ أَسْقَطُ الأَقْوَالِ كُلِّهَا لأَِنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ إلاَّ أَنْ قَالُوا: إنَّ الصَّدَقَةَ تُؤْخَذُ مِنْ الأَغْنِيَاءِ وَتُرَدُّ عَلَى الْفُقَرَاءِ, فَهَذَا غَنِيٌّ: فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا. قال أبو محمد: وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذِهِ لِوُجُوهٍ. أَوَّلُهَا: أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالزَّكَاةِ عَلَى مَنْ أَصَابَ سُنْبُلَةً فَمَا فَوْقَهَا, أَوْ مَنْ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الإِبِلِ; أَوْ أَرْبَعُونَ شَاةً, فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا حَدَّ الْغِنَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ, دُونَ السُّنْبُلَةِ; أَوْ دُونَ خَمْسٍ مِنْ الإِبِلِ, أَوْ دُونَ أَرْبَعِينَ شَاةً, وَكُلُّ ذَلِكَ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. وَهَذَا هَوَسٌ مُفْرِطٌ. وَهَكَذَا رُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالٌ تَبْلُغُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَخَذَ مِنْ الزَّكَاةِ وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ يَلْزَمُهُمْ أَنَّ مَنْ لَهُ الدُّورُ الْعَظِيمَةُ, وَالْجَوْهَرُ، وَلاَ يَمْلِكُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ عليه السلام: تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ دَلِيلٌ، وَلاَ نَصٌّ بِأَنَّ الزَّكَاةَ لاَ تُؤْخَذُ إلاَّ مِنْ غَنِيٍّ، وَلاَ تُرَدُّ إلاَّ عَلَى فَقِيرٍ, وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ الأَغْنِيَاءِ وَتُرَدُّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَقَطْ, وَهَذَا حَقٌّ, وَتُؤْخَذُ أَيْضًا بِنُصُوصٍ أُخَرَ مِنْ الْمَسَاكِينِ الَّذِينَ لَيْسُوا أَغْنِيَاءَ, وَتُرَدُّ بِتِلْكَ النُّصُوصِ عَلَى أَغْنِيَاءَ كَثِيرٍ, كَالْعَامِلِينَ; وَالْغَارِمِينَ; وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ, وَابْنِ السَّبِيلِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فِي بَلَدِهِ. فَهَذِهِ خَمْسُ طَبَقَاتٍ أَغْنِيَاءَ, لَهُمْ حَقٌّ فِي الصَّدَقَةِ وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِي الصَّدَقَةِ فِي تَفْرِيقِهِ بَيْنَهُمْ إذْ يَقُولُ: فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ, وَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي لاَ يُعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم قَالَهُ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَفْصٍ، هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إذَا أَعْطَيْتُمْ فَأَغْنُوا يَعْنِي مِنْ الصَّدَقَةِ, وَلاَ نَعْلَمُ لِهَذَا الْقَوْلِ خِلاَفًا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّهُ يُعْطَى مِنْ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ مَنْ لَهُ الدَّارُ, وَالْخَادِمُ, إذَا كَانَ مُحْتَاجًا وَعَنْ إبْرَاهِيمَ نَحْوُ ذَلِكَ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: يُعْطَى مِنْهَا مَنْ لَهُ الْفَرَسُ, وَالدَّارُ; وَالْخَادِمُ وَعَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حِبَّانَ: يُعْطَى مَنْ لَهُ الْعَطَاءُ مِنْ الدِّيوَانِ وَلَهُ فَرَسٌ قال أبو محمد: وَيُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ الْكَثِيرُ جِدًّا وَالْقَلِيلُ, لاَ حَدَّ فِي ذَلِكَ, إذْ لَمْ يُوجِبْ الْحَدَّ فِي ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ . قال أبو محمد: إظْهَارُ الصَّدَقَةِ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْوِيَ بِذَلِكَ رِيَاءً: حَسَنٌ, وَإِخْفَاءُ كُلِّ ذَلِكَ أَفْضَلُ, وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وقال مالك: إعْلاَنُ الْفَرْضِ أَفْضَلُ. قال أبو محمد: وَهَذَا فَرْقٌ لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَإِنْ قَالُوا: نَقِيسُ ذَلِكَ عَلَى صَلاَةِ الْفَرْضِ قلنا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ; فَإِنْ قُلْتُمْ: هُوَ حَقٌّ, فَأَذِّنُوا لِلزَّكَاةِ كَمَا يُؤَذَّنُ لِلصَّلاَةِ وَمِنْ الصَّلاَةِ غَيْرِ الْفَرْضِ مَا يُعْلَنُ بِهَا كَالْعِيدَيْنِ, وَالْكُسُوفِ, وَرَكْعَتَيْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ, فَقِيسُوا صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ عَلَى ذَلِكَ . قال أبو محمد: وَفُرِضَ عَلَى الأَغْنِيَاءِ مِنْ أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ أَنْ يَقُومُوا بِفُقَرَائِهِمْ, وَيُجْبِرُهُمْ السُّلْطَانُ عَلَى ذَلِكَ, إنْ لَمْ تَقُمْ الزَّكَوَاتُ بِهِمْ وَلاَ فِي سَائِرِ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ, فَيُقَامُ لَهُمْ بِمَا يَأْكُلُونَ مِنْ الْقُوتِ الَّذِي لاَ بُدَّ مِنْهُ, وَمِنْ اللِّبَاسِ لِلشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ بِمِثْلِ ذَلِكَ, وَبِمَسْكَنٍ يَكُنُّهُمْ مِنْ الْمَطَرِ, وَالصَّيْفِ وَالشَّمْسِ, وَعُيُونِ الْمَارَّةِ. وَ بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: فَأَوْجَبَ تَعَالَى حَقَّ الْمَسَاكِينِ, وَابْنِ السَّبِيلِ, وَمَا مَلَكَتْ الْيَمِينُ مَعَ حَقِّ ذِي الْقُرْبَى وَافْتَرَضَ الإِحْسَانَ إلَى الأَبَوَيْنِ, وَذِي الْقُرْبَى, وَالْمَسَاكِينِ, وَالْجَارِ, وَمَا مَلَكَتْ الْيَمِينُ, وَالإِحْسَانُ يَقْتَضِي كُلَّ مَا ذَكَرْنَا, وَمَنْعُهُ إسَاءَةٌ بِلاَ شَكٍّ وَقَالَ تَعَالَى: فَقَرَنَ اللَّهُ تَعَالَى إطْعَامَ الْمِسْكِينِ بِوُجُوبِ الصَّلاَةِ. وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، أَنَّهُ قَالَ: مَنْ لاَ يَرْحَمْ النَّاسَ لاَ يَرْحَمْهُ اللَّهُ. قال أبو محمد: وَمَنْ كَانَ عَلَى فَضْلَةٍ وَرَأَى الْمُسْلِمَ أَخَاهُ جَائِعًا عُرْيَانَ ضَائِعًا فَلَمْ يُغِثْهُ: فَمَا رَحِمَهُ بِلاَ شَكٍّ. وَهَذَا خَبَرٌ رَوَاهُ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ, وَقَيْسُ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ, وَأَبِي ظَبْيَانَ وَزَيْدِ بْنِ وَهْبٍ, وَكُلُّهُمْ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . رَوَى أَيْضًا مَعْنَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ هُوَ التَّبُوذَكِيُّ، حدثنا الْمُعْتَمِرُ، هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ، حدثنا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ حَدَّثَهُ أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةَ كَانُوا نَاسًا فُقَرَاءَ, وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ, وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ أَوْ سَادِسٍ أَوْ كَمَا قَالَ فَهَذَا هُوَ نَفْسُ قَوْلِنَا. وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ, لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يُسْلِمُهُ. قال أبو محمد: مَنْ تَرَكَهُ يَجُوعُ وَيَعْرَى وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إطْعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ فَقَدْ أَسْلَمَهُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حدثنا أَبُو الأَشْهَبِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ, وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ لَهُ, قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ, حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لاَ حَقَّ لأَِحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ. قال أبو محمد: وَهَذَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم يُخْبِرُ بِذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ, وَبِكُلِّ مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ نَقُولُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : أَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَفُكُّوا الْعَانِيَ. وَالنُّصُوصُ مِنْ الْقُرْآنِ, وَالأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ فِي هَذَا تَكْثُرُ جِدًّا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت لاََخَذْت فُضُولَ أَمْوَالِ الأَغْنِيَاءِ فَقَسَّمْتُهَا عَلَى فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ هَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَالْجَلاَلَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي شِهَابٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَى الأَغْنِيَاءِ فِي أَمْوَالِهِمْ بِقَدْرِ مَا يَكْفِي فُقَرَاءَهُمْ, فَإِنْ جَاعُوا أَوْ عَرُوا وَجَهَدُوا فَمَنَعَ الأَغْنِيَاءُ, وَحَقٌّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُحَاسِبَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, وَيُعَذِّبَهُمْ عَلَيْهِ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: فِي مَالِكَ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ. وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ, وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ, وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ قَالُوا كُلُّهُمْ لِمَنْ سَأَلَهُمْ: إنْ كُنْت تَسْأَلُ فِي دَمٍ مُوجِعٍ, أَوْ غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ فَقْرٍ مُدْقِعٍ فَقَدْ وَجَبَ حَقُّكَ. وَصَحَّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَثَلاَثِمِائَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَنَّ زَادَهُمْ فَنِيَ فَأَمَرَهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ فَجَمَعُوا أَزْوَادَهُمْ فِي مِزْوَدَيْنِ, وَجَعَلَ يَقُوتُهُمْ إيَّاهَا عَلَى السَّوَاءِ فَهَذَا إجْمَاعٌ مَقْطُوعٌ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم, لاَ مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْهُمْ. وَصَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ, وَمُجَاهِدٍ, وَطَاوُسٍ, وَغَيْرِهِمْ, كُلُّهُمْ يَقُولُ: فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ. قال أبو محمد: وَمَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلاَفَ هَذَا, إلاَّ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ, فَإِنَّهُ قَالَ: نَسَخَتْ الزَّكَاةُ كُلَّ حَقٍّ فِي الْمَالِ. قال أبو محمد: وَمَا رِوَايَةُ الضَّحَّاكِ حُجَّةٌ فَكَيْفَ رَأْيُهُ. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُحْتَجَّ بِهَذَا أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ فَيَرَى فِي الْمَالِ حُقُوقًا سِوَى الزَّكَاةِ, مِنْهَا النَّفَقَاتُ عَلَى الأَبَوَيْنِ الْمُحْتَاجَيْنِ, وَعَلَى الزَّوْجَةِ, وَعَلَى الرَّقِيقِ, وَعَلَى الْحَيَوَانِ, وَالدُّيُونِ, وَالآُرُوشِ, فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ. فإن قيل: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ حدثنا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ جُنَاحٌ أَنْ لاَ يَتَصَدَّقَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قوله تعالى: فَإِنَّ رِوَايَةَ مِقْسَمٍ سَاقِطَةٌ لِضَعْفِهِ; وَلَيْسَ فِيهَا وَلَوْ صَحَّتْ خِلاَفٌ لِقَوْلِنَا وأما رِوَايَةُ عِكْرِمَةَ فَإِنَّمَا هِيَ أَنْ لاَ يَتَصَدَّقَ تَطَوُّعًا; وَهَذَا صَحِيحٌ وأما الْقِيَامُ بِالْمَجْهُودِ فَفَرْضٌ وَدَيْنٌ, وَلَيْسَ صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ. وَيَقُولُونَ: مَنْ عَطِشَ فَخَافَ الْمَوْتَ فَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ حَيْثُ وَجَدَهُ وَأَنْ يُقَاتِلَ عَلَيْهِ. قال أبو محمد: فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ مَا أَبَاحُوا لَهُ مِنْ الْقِتَالِ عَلَى مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ الْمَوْتَ مِنْ الْعَطَشِ, وَبَيْنَ مَا مَنَعُوهُ مِنْ الْقِتَالِ عَنْ نَفْسِهِ فِيمَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْهَا الْمَوْتَ مِنْ الْجُوعِ وَالْعُرْيِ. وَهَذَا خِلاَفٌ لِلإِجْمَاعِ, وَلِلْقُرْآنِ, وَلِلسُّنَنِ, وَلِلْقِيَاسِ. قال أبو محمد: وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ اُضْطُرَّ أَنْ يَأْكُلَ مَيْتَةً, أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ وَهُوَ يَجِدُ طَعَامًا فِيهِ فَضْلٌ عَنْ صَاحِبِهِ, لِمُسْلِمٍ أَوْ لِذِمِّيٍّ; لأَِنَّ فَرْضًا عَلَى صَاحِبِ الطَّعَامِ إطْعَامُ الْجَائِعِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ بِمُضْطَرٍّ إلَى الْمَيْتَةِ، وَلاَ إلَى لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَ عَنْ ذَلِكَ, فَإِنْ قُتِلَ فَعَلَى قَاتِلِهِ الْقَوَدُ, وَإِنْ قَتَلَ الْمَانِعَ فَإِلَى لَعْنَةِ اللَّهِ; لأَِنَّهُ مَنَعَ حَقًّا, وَهُوَ طَائِفَةٌ بَاغِيَةٌ, قَالَ تَعَالَى: تَمَّ كِتَابُ الزَّكَاةِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُسْنِ عَوْنِهِ.
|