الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
وَجَائِزٌ بَيْعُ الْقَمْحِ بِدَقِيقِ الْقَمْحِ وَسَوِيقِ الْقَمْحِ وَبِخُبْزِ الْقَمْحِ وَدَقِيقِ الْقَمْحِ بِدَقِيقِهِ وَبِسَوِيقِهِ وَخُبْزِهِ، وَسَوِيقِهِ بِسَوِيقِهِ وَبِخُبْزِهِ، وَخُبْزِ الْقَمْحِ بِخُبْزِ الْقَمْحِ، مُتَفَاضِلاً كُلُّ ذَلِكَ، وَمُتَمَاثِلاً، وَجُزَافًا وَالزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ وَالزَّيْتُونِ، وَالزَّيْتِ بِالزَّيْتِ، وَالْعِنَبِ بِالْعِنَبِ وَبِالْعَصِيرِ، وَبِخَلِّ الْعِنَبِ بِالْخَلِّ، يَدًا بِيَدٍ وَأَنْ يُسَلَّمَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا بَعْضُهُ فِي بَعْضِ. وَكَذَلِكَ دَقِيقُ الشَّعِيرِ بِالْقَمْحِ وَبِالشَّعِيرِ وَبِدَقِيقِ الشَّعِيرِ وَبِخُبْزِهِ، وَالتِّينِ بِالتِّينِ، وَالزَّبِيبِ بِالزَّبِيبِ، وَالْأُرْزِ بِالْأُرْزِ، كَيْفَ شِئْت مُتَفَاضِلاً، وَمُتَمَاثِلاً؛ وَيُسَلَّمُ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ. وَلاَ رِبَا أَلْبَتَّةَ، وَلاَ حَرَامَ، إِلاَّ فِي الأَصْنَافِ السِّتَّةِ الَّتِي قَدَّمْنَا وَفِي الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ كَيْلاً، وَيَجُوزُ وَزْنًا كَيْفَ شِئْت. وَفِي الزَّرْعِ الْقَائِمِ بِالْقَمْحِ كَيْلاً، فَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ لَيْسَ قَمْحًا، وَلاَ شَعِيرًا، وَلاَ سَنْبَلَ بَعْدُ: فَقَدْ جَازَ بَيْعُهُ بِالشَّعِيرِ كَيْلاً وَبِكُلِّ شَيْءٍ مَا عَدَا الْقَمْحِ كَيْلاً. وَأَجَازَ الْمَالِكِيُّونَ السَّوِيقَ مِنْ الْقَمْحِ بِالْقَمْحِ مُتَفَاضِلاً. وَأَجَازَ الْحَنَفِيُّونَ خُبْزَ الْقَمْحِ بِالْقَمْحِ مُتَفَاضِلاً وَكُلُّ ذَلِكَ أَصْلُهُ الْقَمْحُ، وَلاَ فَرْقَ. برهان ذَلِكَ: مَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّهُ لاَ رِبَا، وَلاَ حَرَامَ إِلاَّ مَا نَصَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: قلنا: قُلْتُمْ الْبَاطِلَ، قَدْ فَسَّرَ الْمُزَابَنَةَ: أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنُ عُمَرَ، رضي الله عنهم، وَهُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِاللُّغَةِ وَبِالدِّينِ فَلَمْ يَذْكُرُوا شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ فِيهِ أَصْلاً. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ بِالْعِنَبِ كَيْلاً. قلنا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ هَذِهِ مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ، لأََنَّ الزَّبِيبَ هُوَ عَيْنُ الْعِنَبِ نَفْسِهِ، إِلاَّ أَنَّهُ يَبِسَ، وَالتَّمْرُ هُوَ عَيْنُ الرُّطَبِ إِلاَّ أَنَّهُ يَابِسٌ وَالزَّيْتُ هُوَ شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ الزَّيْتُونِ لَكِنَّهُ خَارِجٌ مِنْهُ كَخُرُوجِ اللَّبَنِ مِنْ الْغَنَمِ، وَالتَّمْرِ مِنْ النَّخْلِ، وَبَيْعُ كُلِّ ذَلِكَ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ: جَائِزٌ بِلاَ خِلاَفٍ. فَهَذَا أَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ يَوْمًا مَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَقْوَالَهُمْ الْمُخْتَلِفَةَ الْمُتَنَاقِضَةَ وَكُلُّ قَوْلٍ مِنْهَا يُكَذِّبُ قَوْلَ الآخَرِ وَيُبْطِلُهُ، وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ بِالْخَطَأِ، كُلُّ ذَلِكَ بِلاَ برهان وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى عَظِيمِ نِعَمِهِ عَلَيْنَا كَثِيرًا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُطَرِّفٍ، هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ السَّوِيقِ بِالْحِنْطَةِ فَقَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ رِبًا فَهُوَ رِيبَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا جَرِيرٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لاَ بَأْسَ بِالْحِنْطَةِ بِالسَّوِيقِ، وَالدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ وَالسَّوِيقِ، فَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُمَاثَلَةَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَقْوَالَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْمُزَابَنَةِ فَأَغْنَى عَنْ تَكْرَارِهِ وَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ آخَرَ دَنَانِيرُ، أَوْ دَرَاهِمُ، أَوْ قَمْحٌ، أَوْ شَعِيرٌ، أَوْ مِلْحٌ، أَوْ تَمْرٌ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، مِمَّا لاَ يَقَعُ فِيهِ الرِّبَا أَيُّ شَيْءٍ كَانَ لاَ تَحَاشَ شَيْئًا إمَّا مِنْ بَيْعٍ، إمَّا مِنْ قَرْضٍ، أَوْ مِنْ سَلَمٍ، أَوْ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ كَانَ ذَلِكَ لَهُ عِنْدَهُ حَالًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ حَالٍّ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ مَالِهِ عِنْدَهُ أَصْلاً. فَإِنْ أَخَذَ دَنَانِيرَ عَنْ دَرَاهِمَ، أَوْ دَرَاهِمَ عَنْ دَنَانِيرَ، أَوْ شَعِيرًا عَنْ بُرٍّ، أَوْ دَرَاهِمَ عَنْ عَرَضٍ، أَوْ نَوْعًا عَنْ نَوْعٍ لاَ تَحَاشَ شَيْئًا: فَهُوَ فِيمَا يَقَعُ فِيهِ الرِّبَا رِبًا مَحْضٌ، وَفِيمَا لاَ يَقَعُ فِي الرِّبَا حَرَامٌ بَحْتٌ وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَكُلُّ ذَلِكَ مَفْسُوخٌ مَرْدُودٌ أَبَدًا مَحْكُومٌ فِيهِ بِحُكْمِ الْغَصْبِ، إِلاَّ أَنْ لاَ يَقْدِرَ عَلَى الأَنْتِصَافِ أَلْبَتَّةَ فَيَأْخُذُ مَا أَمْكَنَهُ، مِمَّا يَحِلُّ مِلْكُهُ، لاَ تَحَاشَ شَيْئًا، بِمِقْدَارِ حَقِّهِ، وَلاَ مَزِيدَ، فَهَذَا حَلاَلٌ لَهُ. برهان ذَلِكَ: مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ تَحْرِيمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذَّهَبَ، وَالْفِضَّةَ، وَالْبُرَّ، وَالتَّمْرَ، وَالشَّعِيرَ، وَالْمِلْحَ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ، ثُمَّ قَالَ عليه السلام: فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ وَالْعَمَلُ الَّذِي وَصَفْنَا لَيْسَ يَدًا بِيَدٍ، بَلْ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَعْدِنِهِ بَعْدُ، فَهُوَ مُحَرَّمٌ بِنَصِّ كَلاَمِهِ عليه السلام. وَأَيْضًا: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ أَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ: أَبْصَرَتْ عَيْنَايَ وَسَمِعَتْ أُذُنَايَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، وَلاَ تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ، إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا شَيْئًا غَائِبًا مِنْهُ بِنَاجِزٍ، إِلاَّ يَدًا بِيَدٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ هُوَ الْحَوْضِيُّ أَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا الْمِنْهَالِ قَالَ: سَأَلْت الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، عَنْ الصَّرْفِ فَكِلاَهُمَا يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ دَيْنًا وَذَهَبَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَأَصْحَابُنَا، إلَى جَوَازِ أَخْذِ الذَّهَبِ مِنْ الْوَرِق، وَالْوَرِقِ مِنْ الذَّهَبِ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ: بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ أَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ، وَآخُذُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ فَقَالَ: لاَ بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا. قال أبو محمد: وَهَذَا خَبَرٌ لاَ حُجَّةٌ فِيهِ، لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ سِمَاكَ بْنَ حَرْبٍ ضَعِيفٌ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شُعْبَةُ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَهُ: حَدَّثَك فُلاَنٌ عَنْ فُلاَنٍ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فِيمَ سُئِلَ عَنْهُ. وَثَانِيهَا أَنَّهُ قَدْ جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ بِهَذَا السَّنَدِ بِبَيَانِ غَيْرِ مَا ذَكَرُوا. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ أَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنْتُ أَبِيعُ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ أَوْ الْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ: إذَا بَايَعْت صَاحِبَكَ فَلاَ تُفَارِقْهُ وَبَيْنَكَ وَبَيْنَهُ لَبْسٌ وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ، وَهُوَ كُلُّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ. وَثَالِثُهَا أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَهُمْ كَمَا يُرِيدُونَ لَكَانُوا مُخَالِفِينَ لَهُ؛ لأََنَّ فِيهِ اشْتِرَاطَ أَخْذِهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا، وَهُمْ يُجِيزُونَ أَخْذَهَا بِغَيْرِ سِعْرِ يَوْمِهَا، فَقَدْ اطَّرَحُوا مَا يَحْتَجُّونَ بِهِ. وَمِمَّا يُبْطِلُ قَوْلَهُمْ هَهُنَا أَنَّهُ قَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَهَذَا أَعْظَمُ مَا يَكُونُ مِنْ الْغَرَرِ؛ لأََنَّهُ بَيْعُ شَيْءٍ لاَ يَدْرِي أَخُلِقَ بَعْدُ أَمْ لَمْ يُخْلَقْ، وَلاَ أَيُّ شَيْءٍ هُوَ وَالْبَيْعُ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ فِي عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ بِمِثْلِهَا، وَإِلَّا فَهُوَ بَيْعُ غَرَرٍ، وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، وَالسَّلْمُ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ إلَى أَجَلٍ: فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْعَمَلُ بَيْعًا أَوْ سَلَمًا فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الْخَبَرَ إنَّمَا جَاءَ فِي الْبَيْعِ، فَمِنْ أَيْنَ أَجَازُوهُ فِي الْقَرْضِ وَقَدْ فَرَّقَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ بِهِ بَيْنَ الْقَرْضِ فِي الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ وَاحْتَجُّوا مِنْ فِعْلِ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ: بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ سَعِيدٍ مَوْلَى الْحَسَنِ، قَالَ: أَتَيْت ابْنَ عُمَرَ أَتَقَاضَاهُ فَقَالَ لِي: إذَا خَرَجَ خَازِنُنَا أَعْطَيْنَاك، فَلَمَّا خَرَجَ بَعَثَهُ مَعِي إلَى السُّوقِ وَقَالَ: إذَا قَامَتْ عَلَى ثَمَنٍ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِقِيمَتِهَا أَخَذَهَا: وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ أَنَا إسْمَاعِيلُ السُّدِّيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ عَنْ يَسَارِ بْنِ نُمَيْرٍ قَالَ: كَانَ لِي عَلَى رَجُلٍ دَرَاهِمُ فَعَرَضَ عَلَيَّ دَنَانِيرَ فَقُلْت: لاَ آخُذُهَا حَتَّى أَسْأَلَ عُمَرَ فَسَأَلْته فَقَالَ: ائْتِ بِهَا الصَّيَارِفَةَ فَأَعْرِضْهَا، فَإِذَا قَامَتْ عَلَى سِعْرٍ، فَإِنْ شِئْت فَخُذْهَا، وَإِنْ شِئْت فَخُذْ مِثْلَ دَرَاهِمِك وَصَحَّتْ إبَاحَةُ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِاخْتِلاَفٍ عَنْهُ، وطَاوُوس وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَعَطَاءٍ قال أبو محمد: وَرُوِّينَا الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ وَالآخَرُ نَاجِزٌ هَذَا صَحِيحٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ اقْتِضَاءَ الذَّهَبِ مِنْ الْوَرِقِ، وَالْوَرِقِ مِنْ الذَّهَبِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا الشَّيْبَانِيُّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَرِهَ اقْتِضَاءَ الذَّهَبِ مِنْ الْوَرِقِ مِنْ الذَّهَبِ وَهَذَا صَحِيحٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ كِدَامٍ قَالَ: حَلَفَ لِي مَعْنٌ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَجَدَ فِي كِتَابِ أَبِيهِ بِخَطِّهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ دَرَاهِمَ مَكَانَ دَنَانِيرَ أَوْ دَنَانِيرَ مَكَانَ دَرَاهِمَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الْمِنْهَالِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُطْعِمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ لَهُ: نَهَانَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي أَبَاهُ أَنْ نَبِيعَ الدَّيْنَ بِالْعَيْنِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ أَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ زَيْنَبَ امْرَأَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ بَاعَتْ جَارِيَةً لَهَا إمَّا بِذَهَبٍ وَأَمَّا بِفِضَّةٍ فَعُرِضَ عَلَيْهَا النَّوْعُ الآخَرُ فَسُئِلَ عُمَرُ فَقَالَ: لِتَأْخُذْ النَّوْعَ الَّذِي بَاعَتْ بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الطَّحَّانُ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِيمَنْ بَاعَ طَعَامًا بِدَرَاهِمَ، أَيَأْخُذُ بِالدَّرَاهِمِ طَعَامًا فَقَالَ: لاَ، حَتَّى تَقْبِضَ دَرَاهِمَك وَلَمْ يَقُلْ ابْنُ عُمَرَ بِإِبَاحَةِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِيمَنْ أَقْرَضَ دَرَاهِمَ أَيَأْخُذُ بِثَمَنِهَا طَعَامًا فَكَرِهَهُ وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى أَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ اقْتِضَاءَ الدَّنَانِيرِ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَالدَّرَاهِمِ مِنْ الدَّنَانِيرِ، وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ أَنَا وَكِيعٌ أَنَا مُوسَى بْنُ نَافِعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ الدَّنَانِيرَ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّرَاهِمَ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ يُونُسَ، وَ، هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: لاَ تَأْخُذْ الذَّهَبَ مِنْ الْوَرِقِ يَكُونُ لَك عَلَى الرَّجُلِ، وَلاَ تَأْخُذَنَّ الْوَرِقَ مِنْ الذَّهَبِ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى، هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ هُوَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ لَك عِنْدَ آخَرَ قَرْضٌ دَرَاهِمُ فَتَأْخُذَ مِنْهُ دَنَانِيرَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فِيمَنْ كَانَتْ لَهُ عَلَى آخَرَ دَرَاهِمُ فَأَخَذَ مِنْهَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِقِيمَتِهَا دَنَانِيرَ فَكَرِهَهُ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ هُوَ الْفَزَارِيّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ ابْتَاعَ مِنْ بُرْدٍ مَوْلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ نَاقَةً بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ فَجَاءَ يَلْتَمِسُ حَقَّهُ فَقُلْت: عِنْدِي دَرَاهِمُ لَيْسَ عِنْدِي دَنَانِيرُ فَقَالَ: حَتَّى أَسْتَأْمِرَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَاسْتَأْمَرَهُ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ: خُذْ مِنْهُ دَنَانِيرَ عَيْنًا، فَإِنْ أَبَى فَمَوْعِدُهُ اللَّهُ، دَعْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنِ ابْنِ حَرْمَلَةَ قَالَ: بِعْت جَزُورًا بِدَرَاهِمَ إلَى الْحَصَادِ، فَلَمَّا حَلَّ قَضَوْنِي حِنْطَةً، وَشَعِيرًا، وَسَلْتًا، فَسَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: لاَ يَصْلُحُ، لاَ تَأْخُذْ إِلاَّ الدَّرَاهِمَ. فَهَؤُلاَءِ: عُمَرُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَالنَّخَعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَهَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ الْقُرْآنَ فِي تَحْرِيمِهِ أَكْلَ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ لِخَبَرٍ سَاقِطٍ مُضْطَرِبٍ وَقَوْلُنَا هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الأَنْتِصَافِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَاسْتَدْرَكْنَا مُنَاقَضَاتٍ لَهُمْ يُعَارِضُونَ بِهَا أَنْ شَنَّعُوا عَلَيْنَا بِبَيْعِ الْقَمْحِ بِدَقِيقِهِ وَدَقِيقِ غَيْره مُتَفَاضِلاً، وَتَسْلِيمِ أَحَدِهِمَا فِي الآخَرِ، وَكَذَلِكَ دَقِيقِ الْقَمْحِ بِدَقِيقِ الْقَمْحِ، وَبِالْخُبْزِ وَالزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ وَبِالزَّيْتِ، وَاللَّبَنِ بِاللَّبَنِ، وَبِالْجُبْنِ وَالسَّمْنِ وَكُلِّ شَيْءٍ، مَا عَدَا مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ مِنْ السُّنَّةِ. وَلاَ شُنْعَةَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ؛ لأََنَّنَا لَمْ نَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلاَ حَرَّمْنَا مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلاَ رَسُولُهُ عليه السلام، وَإِنَّمَا الشَّنِيعُ فِيمَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ مِنْ الْقَمْحِ بِالْقَمْحِ كَيْلاً بِكَيْلٍ، مِثْلاً بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، قَالَ: وَلاَ يَجُوزُ دَقِيقِ الْقَمْحِ بِدَقِيقِ الْقَمْحِ كَيْلاً بِكَيْلٍ، لَكِنْ وَزْنًا بِوَزْنٍ، مِثْلاً بِمِثْلٍ. قَالَ عَلِيٌّ فَإِنْ كَانَ دَقِيقُ الْقَمْحِ نَوْعًا وَاحِدًا مَعَ الْقَمْحِ فَمَا يَحِلُّ أَنْ يَبِيعَ دَقِيقَ قَمْحٍ بِدَقِيقِ قَمْحٍ إِلاَّ كَيْلاً بِكَيْلٍ كَمَا يَبِيعُ الدَّقِيقَ بِالْقَمْحِ؛ لأََنَّهُمَا قَمْحٌ مَعًا وَإِنْ كَانَ دَقِيقُ الْقَمْحِ صِنْفًا غَيْرَ الْقَمْحِ، فَوَاجِبٌ أَنْ يُجِيزَهُ بِالْقَمْحِ مُتَفَاضِلاً، وَأَجَازَ الْقَمْحَ بِسَوِيقِ الْقَمْحِ مُتَفَاضِلاً فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ دَقِيقِ قَمْحٍ وَبَيْنَ سَوِيقِ قَمْحٍ بِقَمْحٍ وأعجب مِنْ هَذَا احْتِجَاجُهُمْ فِي ذَلِكَ: بِأَنَّ السَّوِيقَ دَخَلَتْهُ صَنْعَةٌ . فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا وَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ الْفَرْقُ بِأَنَّهُ دَخَلَتْهُ صَنْعَةٌ نَعَمْ، وَالدَّقِيقُ أَيْضًا دَخَلَتْهُ، صَنْعَةٌ، وَلاَ فَرْقَ. وَقَالُوا أَيْضًا: إنَّمَا يُرَاعَى تَقَارُبُ الْمَنَافِعِ . فَقُلْنَا: وَهَذَا أَيْضًا مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ لَكُمْ أَنْ تُرَاعُوا تَقَارُبَ الْمَنَافِعِ وَهَلْ هِيَ إِلاَّ دَعْوَى بِلاَ برهان وَقَوْلٌ لَمْ تُسْبَقُوا إلَيْهِ، وَتَعْلِيلٌ فَاسِدٌ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْمَنَافِعَ فِي جَمِيعِ الْمَأْكُولاَتِ وَاحِدَةٌ لَسْنَا نَقُولُ: مُتَقَارِبَةً، بَلْ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ طَرْدُ الْجُوعِ، أَوْ التَّأَدُّمِ، أَوْ التَّفَكُّهُ، أَوْ التَّدَاوِي، وَلاَ مَزِيدَ. وَمَنَعُوا مِنْ الْحِنْطَةِ الْمَبْلُولَةِ بِالْيَابِسَةِ، وَأَجَازُوا الْحِنْطَةَ الْمَقْلِيَّةَ بِالْيَابِسَةِ وَكِلْتَاهُمَا مُخْتَلِفَةٌ مَعَ الْأُخْرَى. وَمَنَعُوا مِنْ الدَّقِيقِ بِالْعَجِينِ وَقَدْ دَخَلَتْ الْعَجِينَ صَنْعَةٌ. وَأَبَاحُوا الْقَمْحَ بِالْخُبْزِ مِنْ الْقَمْحِ مُتَفَاضِلاً. وَمَنَعُوا مِنْ اللَّبَنِ بِالسَّمْنِ جُمْلَةً نَعَمْ، وَمَنَعُوا مِنْ اللَّبَنِ بِالْجُبْنِ وَهَلْ الْجُبْنُ مِنْ اللَّبَن إِلاَّ كَالْخُبْزِ مِنْ الْقَمْحِ وَمَنَعُوا مِنْ بَيْعِ لَبَنِ شَاةٍ بِشَاةٍ لَبُونٍ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ لَبَنَ الآنَ فِي ضَرْعِهَا؛ لأََنَّهُ قَدْ اُسْتُنْفِذَ بِالْحَلْبِ. وَأَجَازُوا بَيْعَ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ إذَا كَانَتْ لاَ تَمْرَ فِيهَا. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ اللَّبَنَ يَخْرُجُ مِنْ ضَرْعِ الشَّاةِ، وَأَنَّ السَّمْنَ يُعْمَلُ مِنْ اللَّبَنِ . فَقُلْنَا: وَالتَّمْرُ يَخْرُجُ مِنْ النَّخْلِ، وَالْخُبْزُ يُعْمَلُ مِنْ الْقَمْحِ. وَمَنَعُوا مِنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالْعَصِيرِ، وَأَجَازُوهُ بِالْخَلِّ وَهَذِهِ عَجَائِبُ لاَ نَظِيرَ لَهَا، لَوْ تَقَصَّيْنَاهَا لاَ تَسَعُ الأَمْرَ فِي ذَلِكَ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ، وَهُوَ كُلُّهُ كَمَا ذَكَرْنَا لاَ يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ لاَ يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِ الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ يَدًا بِيَدٍ مُتَفَاضِلاً وَمُتَمَاثِلاً. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ: فَإِنَّهُمْ أَبَاحُوا الرِّبَا الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ جِهَارًا فَأَحَلُّوا بَيْعَ تَمْرَةٍ بِتَمْرَتَيْنِ، وَحَرَّمُوا بَيْعَ رِطْلِ كَتَّانٍ أَسْوَدَ أَخَرْشَ لاَ يَصْلُحُ إِلاَّ لِقُلْفَةِ الْمَرَاكِبِ بِرِطْلِ كَتَّانٍ أَبْيَضَ مِصْرِيٍّ أَمْلَسَ كَالْحَرِيرِ وَكَذَلِكَ حَرَّمُوا بَيْعَ رِطْلِ قُطْنٍ طَيِّبٍ غَزْلِيٍّ بِرِطْلِ قُطْنٍ خَشِنٍ لاَ يَصْلُحُ إِلاَّ لِلْحَشْوِ، وَقَالُوا: الْقُطْنُ كُلُّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ، وَالْكَتَّانُ كُلُّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ. قَالُوا: وَأَمَّا الثِّيَابُ الْمَعْمُولَةُ مِنْ الْقُطْنِ فَأَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ يَجُوزُ فِي بَعْضِهَا بِبَعْضٍ التَّفَاضُلُ وَالنَّسِيئَةُ فَأَجَازُوا بَيْعَ ثَوْبِ قُطْنٍ مَرْوِيٍّ خُرَاسَانِيٍّ بِثَوْبَيْ قُطْنٍ مَرْوِيٍّ بَغْدَادِيٍّ نَقْدًا وَنَسِيئَةً قَالُوا: وَأَمَّا غَزْلُ الْقُطْنِ فِي كُلِّ ذَلِكَ فَصِنْفٌ وَاحِدٌ لاَ يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ، وَلاَ النَّسِيئَةُ. قَالُوا: شَحْمُ بَطْنِ الْكَبْشِ صِنْفٌ، وَشَحْمُ ظَهْرِهِ وَشَحْمُ سَائِرِ جَسَدِهِ صِنْفٌ آخَرُ، فَأَجَازُوا بَيْعَ رِطْلَيْنِ مِنْ شَحْمِ بَطْنِهِ بِرِطْلٍ مِنْ شَحْمِ ظَهْرِهِ نَقْدًا. قَالُوا: وَأَلْيَةُ الشَّاةِ صِنْفٌ، وَسَائِرُ لَحْمِهَا صِنْفٌ آخَرُ، فَجَائِزٌ بَيْعُ رِطْلٍ مِنْ أَلْيَتِهَا بِرِطْلَيْنِ مِنْ سَائِرِ لَحْمِهَا. قَالُوا: وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ رِطْلٍ مِنْ لَحْمِ كَبْشٍ إِلاَّ بِرِطْلٍ مِنْ لَحْمِهِ، وَلاَ مَزِيدَ، وَزْنًا بِوَزْنٍ نَقْدًا، وَلاَ بُدَّ وَأَجَازُوهُ بِرِطْلَيْنِ مِنْ لَحْمِ الثَّوْرِ نَقْدًا، وَلاَ بُدَّ. وَأَمَّا لَحْمُ الْإِوَزِّ، وَلَحْمُ الدَّجَاجِ، فَيَجُوزُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رِطْلٌ بِرِطْلَيْنِ مِنْ نَوْعِهِ فَأَجَازُوا رِطْلَ لَحْمِ دَجَاجٍ بِرِطْلَيْنِ مِنْ لَحْمِ دَجَاجٍ نَقْدًا أَوْ بِرِطْلَيْنِ مِنْ لَحْمِ الْإِوَزِّ نَقْدًا وَنَسِيئَةً. وَقَالُوا: النَّسِيئَةُ فِي كُلِّ مَا يَقَعُ فِيهِ الرِّبَا مِنْ التَّمْرِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، إنَّمَا هِيَ مَا اُشْتُرِطَ فِيهِ الأَجَلُ فِي حِينِ الْعَقْدِ، وَأَمَّا مَا تَأَخَّرَ قَبْضُهُ إلَى أَنْ تَفَرَّقَا وَلَمْ يَكُنْ اُشْتُرِطَ فِيهِ التَّأْخِيرُ، فَلاَ يَضُرُّ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، إِلاَّ فِي الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ فَقَطْ، فَإِنْ تَأَخَّرَ الْقَبْضُ فِيهِمَا رَبَا اُشْتُرِطَ أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا إجَازَتُهُ الرُّطَبَ بِالتَّمْرِ، وَمَنْعُهُ مِنْ الدَّقِيقِ أَوْ السَّوِيقِ بِالْقَمْحِ جُمْلَةً، فَلَمْ يُجِزْهُ أَصْلاً، فَلَوْ عَكَسَ قَوْلَهُ لاََصَابَ. وَهَذِهِ كُلُّهَا وَسَاوِسُ، وَسَخَافَاتٌ، وَمُنَاقَضَاتٌ، لاَ دَلِيلَ عَلَيْهَا، وَأَقْوَالٌ لاَ تُحْفَظُ مِنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّونَ: فَإِنَّهُمْ مَنَعُوا مِنْ رِطْلِ سَقَمُونْيَا بِرِطْلَيْنِ مِنْ سَقَمُونْيَا؛ لأََنَّهَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْمَأْكُولاَتِ، وَأَبَاحُوا وَزْنَ دِرْهَمِ زَعْفَرَانً بِوَزْنِ دِرْهَمَيْنِ مِنْهُ نَقْدًا وَنَسِيئَةً؛ لأََنَّهُ لاَ يُؤْكَلُ عِنْدَهُمْ. وَلَمْ يُجِيزُوا بَيْعَ عَسَلٍ مُشْتَارٍ بِشَمْعِهِ كَمَا هُوَ بِعَسَلٍ مُشْتَارٍ بِشَمْعِهِ كَمَا هُوَ أَصْلاً، إِلاَّ حَتَّى يُصَفَّى كِلاَهُمَا وَأَجَازُوا بَيْعَ الْجَوْزِ بِقِشْرِهِ بِالْجَوْزِ بِقِشْرِهِ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ إخْرَاجَ الْعَسَلِ مِنْ شَمْعِهِ صَلاَحٌ لَهُ، وَإِخْرَاجَ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ مِنْ قِشْرِهِ، وَنَزْعَ النَّوَى مِنْ التَّمْرِ فَسَادٌ لَهُ. . فَقُلْنَا: كَلًّا، مَا الصَّلاَحُ فِيمَا ذَكَرْتُمْ إِلاَّ كَالْفَسَادِ فِيمَا وَصَفْتُمْ، وَمَا فِي ذَلِكَ صَلاَحٌ، وَلاَ فِي هَذَا فَسَادٌ، وَلَوْ كَانَ فَسَادًا لَمَا حَلَّ أَصْلاً؛ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: قال أبو محمد: وَالْحَقِيقَةُ الَّتِي تَشْهَدُ لَهَا اللُّغَةُ، وَالشَّرِيعَةُ، وَالْحِسُّ، فَهُوَ أَنَّ الدَّقِيقَ لَيْسَ قَمْحًا، وَلاَ شَعِيرًا، لاَ فِي اسْمِهِ، وَلاَ فِي صِفَتِهِ، وَلاَ فِي طَبِيعَتِهِ. فَهَذِهِ الدَّوَابُّ تُطْعَمُ الدَّقِيقَ وَالْخُبْزَ فَلاَ يَضُرُّهَا بَلْ يَنْفَعُهَا، وَتُطْعَمُ الْقَمْحَ فَيُهْلِكُهَا، وَالدَّبْسُ لَيْسَ تَمْرًا، لاَ فِي لُغَةٍ، وَلاَ فِي شَرِيعَةٍ، وَلاَ فِي مُشَاهَدَةٍ. وَلاَ فِي اسْمِهِ، وَلاَ فِي صِفَاتِهِ. وَالْمَاءُ لَيْسَ مِلْحًا؛ لأََنَّهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ، وَلاَ يَجُوزُ بِالْمِلْحِ. وَلَيْسَ تَوْلِيدُ اللَّهِ تَعَالَى شَيْئًا مِنْ شَيْءٍ بِمُوجِبِ أَنَّ الْمُتَوَلِّدَ هُوَ الَّذِي عَنْهُ تُوُلِّدَ، فَنَحْنُ خُلِقْنَا مِنْ تُرَابٍ، وَنُطْفَةٍ، وَمَاءٍ، وَلَسْنَا نُطْفَةً، وَلاَ تُرَابًا، وَلاَ مَاءً. وَالْخَمْرُ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْعَصِيرِ وَهِيَ حَرَامٌ وَالْعَصِيرُ حَلاَلٌ. وَاللَّبَنُ مُتَوَلِّدٌ عَنْ الدَّمِ وَاللَّبَنُ حَلاَلٌ وَالدَّمُ حَرَامٌ. وَالْعَذِرَةُ تَسْتَحِيلُ تُرَابًا حَلاَلاً طَيِّبًا. وَالدَّجَاجَةُ تَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ فَيَصِيرَانِ فِيهَا لَحْمًا حَلاَلاً طَيِّبًا. وَالْخَلُّ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْخَمْرِ وَهُوَ حَلاَلٌ وَهِيَ حَرَامٌ. وَأَمَّا حُلِيُّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَهُمَا ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ بِاسْمَيْهِمَا وَصِفَاتِهِمَا وَطَبِيعَتِهِمَا فِي اللُّغَةِ وَفِي الشَّرِيعَةِ وَاحِدٌ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ
وَمَنْ بَاعَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ بَيْعًا حَلاَلاً، أَوْ فِضَّةً بِفِضَّةٍ كَذَلِكَ، أَوْ فِضَّةً بِذَهَبٍ كَذَلِكَ، مَسْكُوكًا بِمِثْلِهِ أَوْ مَصُوغَيْنِ، أَوْ مَصُوغًا بِمَسْكُوكٍ، أَوْ تِبْرًا أَوْ نَقَّارًا، فَوَجَدَ أَحَدَهُمَا بِمَا اشْتَرَى مِنْ ذَلِكَ عَيْبًا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا، وَقَبْلَ أَنْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَبْدَلَ؛ لأََنَّهُ لَمْ يَتِمَّ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ بَعْدُ، فَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَأْنِفٌ لِبَيْعٍ عَنْ تَرَاضٍ أَوْ تَارِكٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
فَإِنْ وَجَدَ الْعَيْبَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ بِالأَبْدَانِ، أَوْ بَعْدَ التَّخْيِيرِ وَاخْتَارَ الْمُخَيَّرُ إتْمَامَ الْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ خَلْطٍ وَجَدَهُ مِنْ غَيْرِ مَا اشْتَرَى، لَكِنْ كَفِضَّةٍ أَوْ صُفْرٍ فِي ذَهَبٍ، أَوْ صُفْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي فِضَّةٍ، فَالصَّفْقَةُ كُلُّهَا مَفْسُوخَةٌ، مَرْدُودَةٌ، كَثُرَتْ أَمْ قَلَّتْ، قَلَّ ذَلِكَ الْخَلْطُ أَمْ كَثُرَ؛ لأََنَّهُ لَيْسَ هُوَ الَّذِي اشْتَرَى، وَلاَ الَّذِي عَقَدَ عَلَيْهِ الصَّفْقَةَ، فَلَيْسَ هُوَ الَّذِي تَرَاضَى بِالْعَقْدِ عَلَيْهِ وَقَدْ تَفَرَّقَا قَبْلَ صِحَّةِ الْبَيْعِ. وَلاَ يَجُوزُ فِيمَا يَقَعُ فِيهِ الرِّبَا إِلاَّ صِحَّةُ الْبَيْعِ بِالتَّفَرُّقِ، وَلاَ خِيَارَ فِي إمْضَائِهَا؛ لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضُ مَا اشْتَرَى أَقَلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ، أَوْ لَوْ تَأَخَّرَ قَبْضُ شَيْءٍ مِمَّا تَبَايَعَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ لأََنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتِمَّ صَحِيحًا وَمَا لَمْ يَصِحَّ فَهُوَ فَاسِدٌ، وَكُلُّ عَقْدٍ اخْتَلَطَ الْحَرَامُ فِيهِ بِالْحَلاَلِ فَهُوَ عَقْدٌ فَاسِدٌ، لأََنَّهُ لَمْ يُعْقَدْ صِحَّةُ الْحَلاَلِ مِنْهُ إِلاَّ بِصِحَّةِ الْحَرَامِ، وَكُلُّ مَا لاَ صِحَّةَ لَهُ إِلاَّ بِصِحَّةِ مَا لاَ يَصِحُّ، فَلاَ صِحَّةَ لَهُ، وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُلْزَمَ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ وَحْدَهُ. دُونَ غَيْرِهِ.
فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ فِي نَفْسِ مَا اشْتَرَى كَكَسْرٍ، أَوْ كَانَ الذَّهَبُ نَاقِصَ الْقِيمَةِ بِطَبْعِهِ، وَالْفِضَّةُ كَذَلِكَ، كَالذَّهَبِ الأَشْقَرِ وَالأَخْضَرِ بِطَبْعِهِ. فَإِنْ كَانَ اشْتَرَطَ السَّلاَمَةَ فَالصَّفْقَةُ كُلُّهَا مَفْسُوخَةٌ؛ لأََنَّهُ وَجَدَ غَيْرَ مَا اشْتَرَى، فَلاَ يَحِلُّ لَهُ مَالُ غَيْرِهِ مِمَّا لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهِ بَيْعًا. وَإِنْ كَانَ لَمْ يَشْتَرِطْ السَّلاَمَةَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إمْسَاكِ الصَّفْقَةِ كَمَا هِيَ، وَلاَ رُجُوعَ لَهُ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا فَسْخُهَا كُلِّهَا، وَلاَ بُدَّ؛ لأََنَّهُ اشْتَرَى الْعَيْنَ، فَهُوَ عَقْدٌ صَحِيحٌ ثُمَّ وَجَدَ غَبْنًا، وَالْغَبْنُ إذَا رَضِيَهُ الْبَائِعُ وَعَرَفَ قَدْرَهُ جَائِزٌ لاَ كَرَاهِيَةَ فِيهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا قَبْلُ. وَلاَ يَحِلُّ لَهُ تَبْعِيضُ الصَّفْقَةِ؛ لأََنَّهُ لَمْ يَتَرَاضَ الْبَيْعَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلاَّ عَلَى جَمِيعِهَا، فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ مَا تَرَاضِيًا بِهِ مَعًا، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى قال أبو محمد: وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ فِيهِ الْخَلْفُ وَالسَّلَفُ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثِ بْنِ الأَشْعَثِ الْحَرَّانِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَنْ يَشْتَرِي الدَّرَاهِمَ وَيَشْتَرِطُ إنْ كَانَ فِيهَا زَائِفٌ أَنْ يَرُدَّهُ: أَنَّهُ كَرِهَ الشَّرْطَ، وَقَالَ: ذَلِكَ لَهُ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ. قَالَ عَلِيٌّ: ظَاهِرُ هَذَا رَدُّ الْبَيْعِ؛ لأََنَّهُ لَوْ أَرَادَ رَدَّ الزَّائِفِ وَحْدَهُ لَذَكَرَ بُطْلاَنَ مَا قَابَلَهُ، وَصِحَّةُ الْعَقْدِ فِي سَائِرِ الصَّفْقَةِ، أَوْ لَذَكَرَ الأَسْتِدْلاَلَ، وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ ذَلِكَ كُلَّهُ شَيْئًا، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَقُلْ فَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ قَوْلُنَا. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا هَمَّامٌ، هُوَ ابْنُ يَحْيَى قَالَ: زَعَمَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ اشْتَرَى دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ فَأَخْطَئُوا فِيهَا بِدِرْهَمٍ سَتُّوقٍ فَكَرِهَ أَنْ يَسْتَبْدِلَهُ وَهَذَا مُنْقَطِعٌ، وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْحَاضِرِينَ قَالَ بِهِ، وَلاَ نَعْلَمُ الآنَ عَنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَسْتَبْدِلَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَنْقُضَ الصَّرْفَ فِي مِقْدَارِ مَا وَجَدَ رَدِيئًا فَقَطْ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: يَسْتَبْدِلُ كُلَّ مَا وَجَدَ زَائِفًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ قَالَ ابْنُ حَيٍّ وَالسَّتُّوقُ كَذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ: السَّتُّوقُ هُوَ الْمَغْشُوشُ بِشَيْءٍ غَيْرِهِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الدِّرْهَمُ كُلُّهُ رَصَاصًا، أَوْ يَكُونَ الدِّينَارُ كُلُّهُ فِضَّةً أَوْ نُحَاسًا. وَالزَّائِفُ الرَّدِيءُ مِنْ طَبْعِهِ الَّذِي فِيهِ غِشٌّ وقال أبو حنيفة: إنْ وُجِدَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ نِصْفُ الْجَمِيعِ فَأَكْثَرَ زُيُوفًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ أَلْبَتَّةَ، لَكِنْ إنْ رَدَّ الزُّيُوفَ بَطَلَ الصَّرْفُ فِي مِقْدَارِهَا مِنْ الصَّفْقَةِ وَصَحَّ فِيمَا سِوَاهَا. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ لاَ يَرُدَّ، فَإِنْ وَجَدَهَا أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ فَلَهُ أَنْ يَمْسِكَ وَلَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ مَا وَجَدَ زَائِفًا فَقَطْ، وَلاَ يُفَارِقُهُ حَتَّى يَقْبِضَ الْبَدَلَ، فَإِنْ فَارَقَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ انْتَقَضَ الصَّرْفُ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ وَلَوْ أَنَّهُ دِرْهَمٌ أَوْ أَكْثَرُ وَصَحَّ فِيمَا قَبَضَ وَلَوْ أَنَّهُ دِرْهَمٌ أَوْ أَقَلُّ. فَإِنْ كَانَ الَّذِي وَجَدَ سُتُّوقًا انْتَقَضَ الصَّرْفُ فَقَطْ لَوْ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ دِرْهَمًا وَاحِدًا فَأَكْثَرَ وَصَحَّ فِي بَاقِي الصَّفْقَةِ وَيَكُونُ هُوَ وَالْبَائِعُ شَرِيكَيْنِ فِي الدِّينَارِ الَّذِي انْتَقَضَ الصُّفْرُ فِي بَعْضِهِ. قال أبو محمد: لَيْتَ شِعْرِي، أَيُّ بَعْضٍ مِنْهُ انْتَقَضَ فِيهِ الصَّرْفُ، وَأَيُّ بَعْضٍ، مِنْهُ صَحَّ فِيهِ الصَّرْفُ هَذَا الْمَجْهُولُ وَالْغَرَرُ بِعَيْنِهِ، وَرُوِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ حَدَّ مَا يَسْتَبْدِلُهُ مِمَّا لاَ يَجُوزُ فِيهِ الأَسْتِبْدَالُ بِالثُّلُثِ وَهَذَا قَوْلٌ لاَ نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَتَقْسِيمٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ بِلاَ برهان، وَحُكْمُ الْحَرَامِ وَالْحَلاَلِ فِي الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ مِنْهُمَا سَوَاءٌ، إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ بِفَرْقٍ وَتَحْدِيدٍ فَالسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ،، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يَسْتَبْدِلُ مَا وَجَدَ زَائِدًا أَوْ سُتُّوقًا، قَلَّ أَوْ كَثُرَ. قال علي: هذا بَاطِلٌ؛ لأََنَّهُ يَصِيرُ ذَهَبًا بِفِضَّةٍ، أَوْ بِذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ غَيْرَ يَدٍ بِيَدٍ، وَهَذَا الرِّبَا الْمَحْضُ وَقَالَ زُفَرُ: يُنْتَقَضُ الصَّرْفُ، وَلاَ بُدَّ فِيمَا وَجَدَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَيَصِحُّ فِي السَّالِمِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ. قال علي: هذا تَبْعِيضُ صَفْقَةٍ لَمْ يَقَعْ الْعَقْدُ قَطُّ عَلَى بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ، فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ وقال مالك: إنْ وَجَدَ سُتُّوقًا أَوْ زَائِفًا فَإِنْ كَانَ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ يَتَجَاوَزْ صَرْفَ دِينَارٍ انْتَقَضَ الصَّرْفُ فِي دِينَارٍ وَاحِدٍ، وَصَحَّ سَائِرُ الصَّفْقَةِ، فَإِنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَكُونُ صَرْفُهُ أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ أَوْ دِينَارَيْنِ أَوْ دَنَانِيرَ: انْتَقَضَ الصَّرْفُ فِيمَا قَابَلَ مَا وَجَدَهُ فَإِنْ شَرَعَ الأَنْتِقَاضُ فِي دِينَارٍ انْتَقَضَ ذَلِكَ الدِّينَارُ. قَالَ عَلِيٌّ: لَيْتَ شِعْرِي أَيُّ دِينَارٍ هُوَ الَّذِي يُنْتَقَضُ، أَيُّهَا هُوَ الَّذِي لاَ يُنْتَقَضُ هَذَا بَيْعُ الْغَرَرِ، وَالْمَجْهُولِ وَأَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ. ثُمَّ عَجَبٌ آخَرُ وَهُوَ إجَازَتُهُ بَعْضَ الصَّفْقَةِ دُونَ بَعْضِهَا وَإِبْطَالُهُ صَرْفَ جَمِيعِ الدِّينَارِ الَّذِي شَرَعَ الأَنْتِقَاضُ فِي بَعْضِهِ وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ، وَكِلاَهُمَا تَبْعِيضٌ لِمَا لَمْ يَتَرَاضَيَا بِتَبْعِيضِهِ فِي الْعَقْدِ، وَقَوْلٌ لاَ نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصَّرْفَ كُلَّهُ يُنْتَقَضُ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُسْتَبْدَلُ، كَقَوْلِ اللَّيْثِ وَالأَوْزَاعِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ قَوْلَ صَاحِبَيْنِ، لاَ يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،. وَمِنْ الْحَلاَلِ الْمَحْضِ بَيْعُ مُدَّيْنِ مِنْ تَمْرٍ أَحَدُهُمَا جَيِّدٌ غَايَةً، وَالآخَرُ رَدِيءٌ غَايَةً: بِمُدَّيْنِ مِنْ تَمْرٍ أَجْوَدَ مِنْهُمَا، أَوْ أَدْنَى مِنْهُمَا، أَوْ دُونَ الْجَيِّدِ مِنْهُمَا، وَفَوْقَ الرَّدِيءِ مِنْهُمَا، أَوْ مِثْلَ أَحَدِهِمَا، أَوْ بَعْضُهُمَا جَيِّدٌ وَالْبَعْضُ رَدِيءٌ كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ، وَفِي دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ، وَقَمْحٍ بِقَمْحٍ، وَفِي شَعِيرٍ بِشَعِيرٍ، وَفِي مِلْحٍ بِمِلْحٍ، وَلاَ فَرْقَ، لأَِبَاحَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلِّ صِنْفٍ مِمَّا ذَكَرْنَا بِصِنْفِهِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، فِي الْمُكَايَلَةِ، فِي الْقَمْحِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ وَالْمُوَازَنَةِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا الْقَعْنَبِيُّ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يُحَدِّثُ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ حَدَّثَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ الأَنْصَارِيِّ فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى خَيْبَرَ فَقَدِمَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا قَالَ: لاَ، وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لَنَشْتَرِي الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنْ الْجَمْعِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تَفْعَلُوا، وَلَكِنْ مِثْلاً بِمِثْلٍ، أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا. وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ فَأَبَاحَ عليه السلام نَصًّا: بَيْعَ الْجَنِيبِ مِنْ التَّمْرِ وَهُوَ الْمُتَخَيَّرُ كُلُّهُ بِالْجَمْعِ مِنْ التَّمْرِ وَهُوَ الَّذِي جَمَعَ جَيِّدًا وَرَدِيئًا وَوَسَطًا. مَنَعَ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ مُدَّيْنِ مِنْ تَمْرٍ أَحَدُهُمَا جَيِّدٌ وَالآخَرُ رَدِيءٌ بِمُدَّيْنِ مِنْ تَمْرٍ مُتَوَسِّطَيْنِ أَدْنَى مِنْ الْجَيِّدِ وَأَجْوَدَ مِنْ الرَّدِيءِ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْجَبَ الْمُمَاثَلَةَ فِي التَّمْرِ بِالتَّمْرِ. قال أبو محمد لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا؛ لأََنَّهُمْ مُوَافِقُونَ لَنَا فِي جَوَازِ صَاعٍ بِصَاعِ تَمْرٍ رَدِيءٍ بِصَاعِ تَمْرٍ جَيِّدٍ وَلَيْسَ مِثْلَهُ. فَصَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَرَادَ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْكَيْلِ أَوْ فِي الْوَزْنِ فَقَطْ وَهَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ. وَاحْتَجُّوا بِأَحَادِيثَ صِحَاحٍ فِي الْجَنِيبِ بِالْجَمْعِ فِيهَا: بِيعُوا الْجَمْعَ وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ الْجَنِيبِ وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لأََنَّ الْخَبَرَ الَّذِي ذَكَرْنَا زَائِدٌ عَلَى تِلْكَ الأَخْبَارِ حُكْمًا، وَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ زِيَادَةِ الْعَدْلِ. وَعُمْدَةُ حُجَّتِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا رَضِيَ الْبَائِعُ هَهُنَا لِلْمُدَّيْنِ: اللَّذَيْنِ أَحَدُهُمَا جَيِّدٌ وَالآخَرُ رَدِيءٌ، بِأَنْ يُعْطِيَ الْجَيِّدَ أَكْثَرَ مِنْ مُدٍّ مِنْ الْمُتَوَسِّطِ، وَأَنْ يُعْطِيَ الأَرْدَأَ بِأَقَلَّ مِنْ مُدٍّ مِنْ الْمُتَوَسِّطِ: فَحَصَلَ التَّفَاضُلُ. قال أبو محمد: وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لأََنَّهُ لَيْسَ كَمَا قَالُوا، وَحَتَّى لَوْ أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ لَكَانَ عَمَلُهُ مُخَالِفًا لأَِرَادَتِهِ، فَحَصَلُوا عَلَى التَّكَهُّنِ، وَالظَّنِّ الْكَاذِبِ وَإِنَّمَا يُرَاعَى فِي الدِّينِ الْكَلاَمُ وَالْعَمَلُ، فَإِذَا جَاءَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ عليه السلام فَمَا نُبَالِي بِمَا فِي قُلُوبِهِمَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمْ أُبْعَثْ لأََشُقَّ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ. فَإِنْ قَالُوا: فَقَدْ قَالَ عليه السلام: الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ. قلنا: نَعَمْ، وَلَكِنَّ مَنْ لَكُمْ بِأَنَّ هَذَيْنِ نَوَيَا مَا ذَكَرْتُمْ، وَهَذَا مِنْكُمْ ظَنُّ سُوءٍ بِمُسْلِمٍ لَمْ يُخْبِرْكُمْ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ فِي الظُّلْمِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُفْسِدُوا صَفْقَةَ مُسْلِمٍ بِتَوَهُّمِكُمْ: أَنَّهُ أَرَادَ الْبَاطِلَ، وَهُوَ لَمْ يُخْبِرْكُمْ ذَلِكَ فَقَطْ عَنْ نَفْسِهِ، وَلاَ ظَهَرَ مِنْ فِعْلِهِ إِلاَّ الْحَلاَلُ الْمُطْلَقُ. وَيَلْزَمُكُمْ عَلَى هَذَا إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَشْتَرِي تَمْرًا أَوْ تِينًا أَوْ عِنَبًا أَنْ تَفْسَخُوا صَفْقَتَهُ وَتَقُولُوا لَهُ: إنَّمَا تَنْوِي فِيهِ عَمَلَ الْخَمْرِ مِنْهُ، وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا أَنْ تَفْسَخُوهُ وَتَقُولُوا: إنَّمَا تُرِيدُ تَلْبَسُهُ فِي الْمَعَاصِي. وَمَنْ اشْتَرَى سَيْفًا أَنْ تَفْسَخُوا وَتَقُولُوا: إنَّمَا تُرِيدُ بِهِ قَتْلَ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا هَوَسٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَبَيْنَ مَا أَفْسَدْتُمْ بِهِ الْمَسْأَلَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ أَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يَأْتِي بِالدَّرَاهِمِ السُّودِ الْجِيَادِ، وَبِالنُّفَايَةِ: يَأْخُذُ بِوَزْنِهَا غَلَّةً. قَالَ عَلِيٌّ: السُّودُ أَجْوَدُ مِنْ الْغَلَّةِ، وَالنُّفَايَةُ أَدْنَى مِنْ الْغَلَّةِ وَهَذَا نَفْسُ مَسْأَلَتِنَا. وَمَنْ صَارَفَ آخَرَ دَنَانِيرَ بِدَرَاهِم فَعَجَزَ عَنْ تَمَامِ مُرَادِهِ فَاسْتَقْرَضَ مِنْ مَصَارِفِهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مَا أَتَمَّ بِهِ صَرْفَهُ فَحَسَنٌ، مَا لَمْ يَكُنْ عَنْ شَرْطٍ فِي الصَّفْقَةِ؛ لأََنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ هَذَا قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ. وَمَنْ بَاعَ مِنْ آخَرَ دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ فَلَمَّا تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا بِالتَّفَرُّقِ أَوْ التَّخَيُّرِ اشْتَرَى مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ دَنَانِيرَ تِلْكَ، أَوْ غَيْرِهَا أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَكُلُّ ذَلِكَ حَلاَلٌ مَا لَمْ يَكُنْ عَنْ شَرْطٍ؛ لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ عَقْدٌ صَحِيحٌ، وَعَمَلٌ مَنْصُوصٌ عَلَى جَوَازِهِ، وَأَمَّا الشَّرْطُ فَحَرَامٌ؛ لأََنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ. وَمَنَعَ مِنْ هَذَا قَوْمٌ وَقَالُوا: إنَّهُ بَاعَ مِنْهُ دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ مُتَفَاضِلَةً . فَقُلْنَا: هَذَا كَذِبٌ، وَمَا فَعَلَ قَطُّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، بَلْ هُمَا صَفْقَتَانِ، وَلَكِنْ أَخْبِرُونَا: هَلْ لَهُ أَنْ يُصَارِفَهُ بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ وَتِلْكَ الدَّنَانِيرِ عَنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: نَعَمْ. فَقُلْنَا لَهُمْ: فَأَجَزْتُمْ التَّفَاضُلَ وَالنَّسِيئَةَ مَعًا وَمَنَعْتُمْ مِنْ النَّقْدِ، هَذَا عَجَبٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا الأَمْرَ بِبَيْعِ التَّمْرِ الْجَمْعِ بِسِلْعَةٍ ثُمَّ يَبْتَاعُ بِالسِّلْعَةِ جَنِيبًا مِنْ التَّمْرِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي مَنَعُوا نَفْسَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ التُّسْتَرِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: أَلاَ إنَّ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمِ وَالدِّينَارَ بِالدِّينَارِ، عَيْنًا بِعَيْنٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: تُزَيِّفُ عَلَيْنَا أَوْرَاقُنَا فَنُعْطِي الْخَبِيثَ وَنَأْخُذُ الطَّيِّبَ قَالَ عُمَرُ: لاَ، وَلَكِنْ ابْتَعْ بِهَا عَرَضًا، فَإِذَا قَبَضَتْهُ وَكَانَ لَك فَبِعْهُ وَاهْضِمْ مَا شِئْت، وَخُذْ أَيَّ نَقْدٍ شِئْت. فَهَذَا عُمَرُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، لاَ مُخَالِفَ لَهُ مِنْهُمْ يَأْمُرُ بِبَيْعِ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ بِسِلْعَةٍ، ثُمَّ يَبِيعُهَا بِمَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ إثْرَ ابْتِيَاعِهِ لِلْعَرَضِ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ غَيْرِ مَنْ تُبْتَاعُ مِنْهُ الْعَرَضُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: أَعْطَانِي الأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ دَرَاهِمَ وَقَالَ لِي: اشْتَرِ لِي بِهَا دَنَانِيرَ، ثُمَّ اشْتَرِ لِي بِالدَّنَانِيرِ دَرَاهِمَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَبِعْتهَا مِنْ رَجُلٍ فَقَبَضْت الدَّنَانِيرَ، وَطَلَبْت فِي السُّوقِ حَتَّى عَرَفْت السِّعْرَ، فَرَجَعْت إلَى بَيْعَتِي فَبِعْتُهَا مِنْهُ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي أَرَدْت فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا. قال أبو محمد: وَكَرِهَهُ ابْنُ سِيرِينَ وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا الرِّبَا عَلَى مَنْ أَرَادَ أَنْ يُرْبِيَ وَيُنْسِئَ وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُمَرَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَمِنْ عَجَائِبِ حُجَجِهِمْ هُنَا أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا أَرَادَ بِالرِّبَا دَرَاهِمَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، فَتَخَيَّلَ بِأَنْ صَرْفَهَا بِدَنَانِيرَ، ثُمَّ صَرَفَ الدَّنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ فَقُلْت بَارَكَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ وَرِعٍ، خَائِفٍ لِمَقَامِ رَبِّهِ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ أَرَادَ الرِّبَا فَتَرَكَهُ وَهَرَبَ عَنْهُ إلَى الْحَلاَلِ، هَذَا فَاضِلٌ جِدًّا وَعَمَلٌ جَيِّدٌ لاَ عَدِمْنَاهُ، فَنَرَاكُمْ جَعَلْتُمْ الْمَعْرُوفَ مُنْكَرًا وَهَلْ هَذَا إِلاَّ كَمَنْ أَرَادَ الزِّنَى بِامْرَأَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْ، لَكِنْ تَزَوَّجَهَا، أَوْ اشْتَرَاهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً فَوَطِئَهَا، أَمَّا هَذَا فَحَسَنٌ مُطِيعٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَالتَّوَاعُدُ فِي بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ أَوْ بِالْفِضَّةِ، وَفِي بَيْعِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَفِي سَائِرِ الأَصْنَافِ الأَرْبَعَةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ جَائِزٌ تَبَايَعَا بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَتَبَايَعَا؛ لأََنَّ التَّوَاعُدَ لَيْسَ بَيْعًا. وَكَذَلِكَ الْمُسَاوَمَةُ أَيْضًا جَائِزَةٌ تَبَايَعَا أَوْ لَمْ يَتَبَايَعَا لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَهْيٌ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَكُلُّ مَا حُرِّمَ عَلَيْنَا فَقَدْ فُصِّلَ بِاسْمِهِ، قَالَ تَعَالَى:
وَلاَ يَحِلُّ بَدَلُ دَرَاهِمَ بِأَوْزَنَ مِنْهَا لاَ بِالْمَعْرُوفِ، وَلاَ بِغَيْرِهِ وَهَذَا هُوَ الْمُنْكَرُ لاَ الْمَعْرُوفُ، لأََنَّهُ خِلاَفُ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا آنِفًا عَنْ عُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَهُوَ قَوْلُ النَّاسِ، وَأَجَازَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَمَا نَعْلَمُ لَهُ مُوَافِقًا قَبْلَهُ مِمَّنْ رَأَى الرِّبَا فِي النَّقْدِ.
وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ آنِيَةٍ ذَهَبٍ، وَلاَ فِضَّةٍ إِلاَّ بَعْدَ كَسْرِهَا لِصِحَّةِ نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الطَّهَارَةِ " فَلاَ يَحِلُّ تَمَلُّكُهَا فَإِذْ لاَ يَحِلُّ تَمَلُّكُهَا فَلاَ يَحِلُّ بَيْعُهَا؛ لأََنَّهَا أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَجَائِزٌ أَنْ يَبْتَاعَ الْمَرْءُ نِصْفَ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ نِصْفَ دَرَاهِمَ بِأَعْيَانِهَا، أَوْ نِصْفَ دِينَارٍ كَذَلِكَ، أَوْ نِصْفَ دَنَانِيرَ بِأَعْيَانِهَا مُشَاعًا: يَبْتَاعُ الْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ، وَالذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ، وَيَتَّفِقَانِ عَلَى إقْرَارِهَا عِنْدَ أَحَدِهِمَا أَوْ عِنْدَ أَجْنَبِيٍّ. وَلاَ يَجُوزُ فِي ذَلِكَ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ أَصْلاً، وَلاَ فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ أَصْلاً، لأََنَّهُ يَصِيرُ عَيْنًا بِغَيْرِ عَيْنٍ، وَهَذَا لاَ يَحِلُّ إِلاَّ عَيْنًا بِعَيْنٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَا، وَأَمَّا الذَّهَبُ بِالْفِضَّةِ مُشَاعًا، فَلَمْ يَأْتِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ نَصٌّ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا
وَلاَ يَحِلُّ بَيْعٌ بِدِينَارٍ إِلاَّ دِرْهَمًا؛ فَإِنْ وَقَعَ فَهُوَ بَاطِلٌ مَفْسُوخٌ؛ لأََنَّهُ إخْرَاجٌ لَقِيمَةِ الدِّرْهَمِ مِنْ الدِّينَارِ، فَصَارَ اسْتِثْنَاءً مَجْهُولاً، إذْ بَاعَ بِدِينَارٍ إِلاَّ قِيمَةَ دِرْهَمٍ مِنْهُ. فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الدِّرْهَمِ مَعْلُومَةً عِنْدَهُمَا فَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا، لأََنَّهُمَا شَرَطَا إخْرَاجَ الدِّرْهَمِ بِعَيْنِهِ مِنْ الدِّينَارِ، وَهَذَا مُحَالٌ؛ لأََنَّهُ لَيْسَ هُوَ بَعْضٌ لِلدِّينَارِ فَيَخْرُجُ مِنْهُ، فَهُوَ بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالنَّخَعِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَأَجَازَهُ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
وَالرِّبَا فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ كَمَا هُوَ بَيْنَ الأَجْنَبِيَّيْنِ، وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ، وَبَيْنَ الذِّمِّيَّيْنِ كَمَا هُوَ بَيْنَ الْمُسْلِمَيْنِ، وَلاَ فَرْقَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ أَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ، أَخْبَرَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي الْعَوَّامِ الْبَصْرِيِّ عَنْ عَطَاءٍ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَبِيعُ مِنْ غِلْمَانِهِ النَّخْلَ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلاَثَ، فَبَعَثَ إلَيْهِ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَمَا عَلِمْت نَهْيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَلَى، وَلَكِنْ لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ رِبًا وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَاللَّيْثِ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ. وَإِنَّمَا قَالَهُ هَؤُلاَءِ عَلَى أَصْلِهِمْ الَّذِي قَدْ تَقَدَّمَ إفْسَادُنَا لَهُ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَمْلِكُ، وَذَكَرْنَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ يَرَى الْعَبْدَ يَمْلِكُ، وَهَذَا جَابِرٌ قَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: مَرَّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ رضي الله عنهما بِرَاعٍ فَأَهْدَى الرَّاعِي إلَيْهِ شَاةً فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ: حُرٌّ أَنْتَ أَمْ مَمْلُوكٌ فَقَالَ: مَمْلُوكٌ، فَرَدَّهَا الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْمَمْلُوكُ: إنَّهَا لِي، فَقِبَلهَا مِنْهُ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَاشْتَرَى الْغَنَمَ، فَأَعْتَقَهُ، وَجَعَلَ الْغَنَمَ لَهُ. فَهَذَا الْحُسَيْنُ تَقَبَّلَ هَدِيَّةَ الْمَمْلُوكِ إذَا أَخْبَرَهُ أَنَّهَا لَهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا مِثْلَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَهُوَ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ لاَ مَنْ سِوَاهُ وَإِذَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الرِّبَا وَتَوَعَّدَ فِيهِ فَمَا خَصَّ عَبْدًا مِنْ حُرٍّ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وَالْعَجَبُ: أَنَّ الشَّافِعِيَّ، وَأَبَا حَنِيفَةَ: لاَ يُجِيزَانِ أَنْ يَبِيعَ الْمَرْءُ مَالَ نَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ مَالُ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ فَقَدْ نَقَضُوا أَصْلَهُمْ، وَأَجَازُوا لَهُ بَيْعَ مَالِ نَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ. وَإِنْ كَانَ مَالُ الْعَبْدِ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ مَا لَمْ يَبِعْهُ أَوْ يَنْتَزِعْهُ: فَقَدْ أَجَازُوا الرِّبَا صُرَاحًا. وَأَمَّا الْكُفَّارُ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَا حُرِّمَ عَلَيْنَا فَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ، وَنَسْأَلُ مَنْ خَالَفَنَا: أَيُلْزِمُهُمْ دِينَ الإِسْلاَمِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ خِلاَفِهِ وَهَلْ هُمْ عَلَى بَاطِلٍ أَمْ لاَ؟ فَإِنْ قَالُوا: لاَ يُلْزِمُهُمْ دِينَ الإِسْلاَمِ، وَلاَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ خِلاَفِهِ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى بَاطِلٍ: كَفَرُوا بِلاَ مِرْيَةٍ. وَإِنْ قَالُوا: يَلْزَمُهُمْ دِينُ الإِسْلاَمِ وَحَرَامٌ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ خِلاَفِهِ، وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ قَالُوا الْحَقَّ وَرَجَعُوا إلَى قَوْلِنَا، وَلَزِمَهُ إبْطَالُ الْبَاطِلِ، وَفَسْخُ الْحَرَامِ، فَيَهْتَدِي بِهَدْيِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ الْإِقْرَارُ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ يُنَفِّذُ الْحُكْمَ بِالْبَاطِلِ، وَيُجِيزُ الْحَرَامَ، وَمَا أَوْرَدْنَا مِنْهُ كُلَّ هَذَا. فَإِنْ قَالُوا: مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ أَشَدُّ. قلنا: إنَّ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ لاَ يُفْسَحُ لَهُمْ فِي إعْلاَنِهِ، وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ بِأَنْ لاَ نَجْبُرَهُمْ عَلَى الصَّلاَةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالْحَجِّ. وَكَذَلِكَ جَاءَ بِأَنْ نَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، فَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ أَحَدِ النَّصَّيْنِ لِلآخَرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وقال أبو حنيفة: لاَ بَأْسَ بِالرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ، وَالْحَرْبِيِّ وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا. وَجَائِزٌ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ كَانَا أَوْ مِنْ نَوْعَيْنِ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ نَوْعَيْنِ مُتَفَاضِلاً، وَمُتَمَاثِلاً. وَجَائِزٌ تَسْلِيمُ اللَّحْمِ فِي اللَّحْمِ كَذَلِكَ. وَتَسْلِيمُ الْحَيَوَانِ فِي اللَّحْمِ، كَلَحْمِ كَبْشٍ بِلَحْمِ كَبْشٍ مُتَفَاضِلاً وَمُتَمَاثِلاً، يَدًا بِيَدٍ، وَإِلَى أَجَلٍ، وَكَذَلِكَ بِاللَّحْمِ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ أَيْضًا وَكَتَسْلِيمِ كَبْشٍ فِي أَرْطَالِ لَحْمِ كَبْشٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَى أَجَلٍ كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ حَلاَلٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَاخْتَلَفَ الْحَاضِرُونَ عَلَى فِرَقٍ: فَطَائِفَةٌ مَنَعَتْ مِنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ جُمْلَةً، أَيَّ لَحْمٍ كَانَ لاَ تَحَاشَ شَيْئًا، بِأَيِّ حَيَوَانٍ كَانَ لاَ تَحَاشَ شَيْئًا، حَتَّى مَنَعُوا مِنْ بَيْعِ الْعَبْدِ بِاللَّحْمِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ فَرُوِيَ عَنْهُ: أَنْ يُجْمَعَ لُحُومُ الْحَيَوَانِ كُلِّهَا طَائِرَةً وَوَحْشِيَّةً، وَالأَنْعَامِ، كُلِّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ. وَرُوِيَ عَنْهُ: أَنَّ لَحْمَ كُلِّ نَوْعٍ صِنْفٌ عَلَى حِيَالِهِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِي أَنَّهُ لاَ يُبَاعُ لَحْمٌ بِلَحْمٍ أَصْلاً حَتَّى يَتَنَاهَى جَفَافُهُ وَيَبَسُهُ فَعَلَى أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لاَ يُبَاعُ قَدِيدُ غَنَمٍ بِقَدِيدِ إبِلٍ، أَوْ بِقَدِيدِ دَجَاجٍ، أَوْ إوَزٍّ أَوْ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي: أَنَّهُ لاَ يُبَاعُ قَدِيدُ غَنَمٍ بِقَدِيدِ غَنَمٍ، إِلاَّ يَدًا بِيَدٍ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَجَائِزٌ أَنْ يُبَاعَ بِقَدِيدِ الْبَقَرِ مُتَفَاضِلاً يَدًا بِيَدٍ. وقال أبو حنيفة: جَائِزٌ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، جَائِزٌ كُلُّ ذَلِكَ، كَقَوْلِنَا سَوَاءً بِسَوَاءٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: جَائِزٌ بَيْعُ لَحْمِ شَاةٍ بِشَاةٍ حَيَّةً، إذَا كَانَ اللَّحْمُ أَكْثَرَ مِنْ لَحْمِ الشَّاةِ الْحَيَّةِ، فَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَجُزْ، وَأَجَازَ بَيْعَ شَاةٍ بِبَقَرَةٍ حَيَّةً كَيْفَ شَاءُوا. وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ بَيْعَ لَحْمِ شَاةٍ بِلَحْمِ شَاةٍ مُتَمَاثِلاً نَقْدًا، وَلاَ بُدَّ، وَكَذَلِكَ لَحْمُ كُلِّ صِنْفٍ بِلَحْمٍ مِنْ صِنْفِهِ وَأَبَاحُوا التَّفَاضُلَ يَدًا بِيَدٍ فِي كُلِّ لَحْمٍ بِلَحْمٍ مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ، وَالْبَقَرُ عِنْدَهُمْ صِنْفٌ، وَالْغَنَمُ صِنْفٌ آخَرُ، وَالْإِبِلُ صِنْفٌ ثَالِثٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ حَيَوَانٍ فِي صِنْفِهِ، إِلاَّ الْحِيتَانُ فَإِنَّهَا كُلَّهَا عِنْدَهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ، وَإِلَّا لُحُومُ الطَّيْرِ، فَرَأَوْا بَيْعَ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلاً يَدًا بِيَدٍ، لاَ نَسِيئَةً، كَلَحْمِ دَجَاجٍ بِلَحْمِ دَجَاجٍ، أَوْ بِلَحْمِ صَيْدٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَرَأَى شَحْمَ الْبَطْنِ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ صِنْفًا غَيْرَ لَحْمِهِ، وَغَيْرِ شَحْمِ ظَهْرِهِ. وَرَأَى الأَلْيَةَ صِنْفًا آخَرَ غَيْرَ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ. وَهَذِهِ وَسَاوِسُ لاَ نَظِيرَ لَهَا، وَأَقْوَالٌ لاَ تُعْقَلُ، وَلاَ تُعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وقال مالك: ذَوَاتُ الأَرْبَعِ كُلُّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ: الْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ، وَالْإِبِلُ، وَالأَرَانِبُ، وَالأَيَايِلُ، وَحُمُرُ الْوَحْشِ، وَكُلُّ ذِي أَرْبَعٍ، فَلاَ يَحِلُّ لَحْمُ شَيْءٍ مِنْهَا بِحَيٍّ مِنْهَا فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ لَحْمِ أَرْنَبٍ حَيٍّ بِلَحْمِ جَمَلٍ أَصْلاً، وَلاَ لَحْمِ جَمَلٍ بِلَحْمِ كَبْشٍ، إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ ذَوَاتِ الأَرْبَعِ. وَرَأَى الطَّيْرَ كُلَّهُ صِنْفًا وَاحِدًا: الدَّجَاجُ، وَالْحَمَامُ، وَالنَّعَامُ، وَالْإِوَزُّ، وَالْحَجَلُ، وَالْقَطَا، وَغَيْرُ ذَلِكَ فَلَمْ يَجُزْ أَيْضًا لَحْمُ شَيْءٍ مِنْهَا بِحَيٍّ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ وَأَجَازَ فِي لَحْمِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ: التَّمَاثُلَ يَدًا بِيَدٍ، وَمَنَعَ مِنْ التَّفَاضُلِ، فَلَمْ يُجِزْ التَّفَاضُلَ فِي لَحْمِ دَجَاجٍ بِلَحْمِ حُبَارَى وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا. وَرَأَى الْحِيتَانَ كُلَّهَا صِنْفًا وَاحِدًا كَذَلِكَ أَيْضًا. وَرَأَى الْجَرَادَ صِنْفًا رَابِعًا عَلَى حِيَالِهِ، هَذَا وَهُوَ عِنْدَهُ صَيْدٌ مِنْ الطَّيْرِ يُجْزِيهِ الْمُحَرَّمَ. وَحَرَّمَ الْقَدِيدَ النِّيءَ بِاللَّحْمِ الْمَشْوِيِّ، وَحَرَّمَهُمَا جَمِيعًا بِاللَّحْمِ النِّيءِ الطَّرِيِّ، وَأَجَازَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلاَثَةِ الأَصْنَافِ بِاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ مِنْ صِنْفِهَا مُتَفَاضِلَةٍ وَمُتَمَاثِلَةٍ يَدًا بِيَدٍ، وَأَجَازَ اللَّحْمَ الْمَطْبُوخَ بِعَسَلٍ بِاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ بِلَبَنٍ مُتَمَاثِلاً وَمَنَعَ فِيهِ مِنْ التَّفَاضُلِ. وَأَجَازَ شَاةً مَذْبُوحَةً بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ عَلَى التَّحَرِّي وَهَذَا ضِدُّ أَصْلِهِ. وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهَا قَبْلَهُ وَلَوْ تَقَصَّيْنَا تَطْوِيلَهُمْ هَهُنَا وَتَنَاقُضَهُ، لَطَالَ جِدًّا وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ لِمَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ. قال أبو محمد: وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّونَ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الأَيْلِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْتَاعَ الْحَيُّ بِالْمَيِّتِ قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَلاَ يَصْلُحُ بِشَاةٍ حَيَّةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلاً أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ جُزْءًا مِنْ لَحْمِ بَعِيرٍ بِشَاةٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: لاَ يَصْلُحُ هَذَا. وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنْ لاَ يُبَاعَ حَيٌّ بِمَذْبُوحٍ، وَأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ بَعِيرٍ بِغَنَمٍ مَعْدُودَةٍ إنْ كَانَ يُرِيدُ الْبَعِيرَ لِيَنْحَرَهُ. وَقَالَ: كَانَ مِنْ مَيْسِرِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالشَّاةِ. وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: أَدْرَكْت النَّاسَ يَنْهَوْنَ عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ وَيَكْتُبُونَهُ فِي عُهُودِ الْعُمَّالِ فِي زَمَنِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَهِشَامِ بْنِ إسْمَاعِيلَ وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ، وَلاَ يَتَرَخَّصُونَ فِيهِ. قال أبو محمد: أَمَّا الْخَبَرُ فِي ذَلِكَ فَمُرْسَلٌ لَمْ يُسْنَدْ قَطُّ، وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إنَّ الْمُرْسَلَ لاَ يَجُوزُ الأَخْذُ بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ هَهُنَا بِالْمُرْسَلِ. ثُمَّ عَجَبٌ آخَرُ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ الْقَائِلِينَ: الْمُرْسَلُ كَالْمُسْنَدِ، ثُمَّ خَالَفُوا هَذَا الْمُرْسَلَ الَّذِي لَيْسَ فِي الْمَرَاسِيلِ أَقْوَى مِنْهُ يُعَظِّمُونَ هَذَا وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ. ثُمَّ الْمَالِكِيُّونَ: فَعَجَبٌ ثَالِثٌ؛ لأََنَّهُمْ احْتَجُّوا بِهَذَا الْخَبَرِ، وَأَوْهَمُوا أَنَّهُمْ أَخَذُوا بِهِ، وَهُمْ قَدْ خَالَفُوهُ؛ لأََنَّهُمْ أَبَاحُوا لَحْمَ الطَّيْرِ بِالْغَنَمِ، وَهَذَا خِلاَفُ الْخَبَرِ وَإِنَّمَا هُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ. وَقَدْ خَالَفَ مَالِكٌ أَيْضًا هَهُنَا مَا رُوِيَ عَنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَعَمَلِ الْوُلاَةِ بِالْمَدِينَةِ، وَهَذَا يُعَظِّمُهُ جِدًّا إذَا وَافَقَ رَأْيَهُمْ وَاحْتَجُّوا بِخَبَرِ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي يَحْيَى إبْرَاهِيمَ، وَأَوَّلُ مَنْ أَمَرَ أَنْ لاَ تُؤْخَذَ رِوَايَتُهُ فَمَالِكٌ، ثُمَّ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ ضَعَّفَهُ فَمَالِكٌ فَيَا لِلَّهِ وَيَا لِلْمُسْلِمِينَ إذَا رَوَى الثِّقَاتُ خَبَرًا يُخَالِفُ رَأْيَهُمْ تَحَيَّلُوا بِالأَبَاطِيلِ فِي رَدِّهِ، وَإِذَا رَوَى مَنْ يَشْهَدُونَ عَلَيْهِ بِالْكَذِبِ مَا يُوَافِقُهُمْ احْتَجُّوا بِهِ، فَأَيُّ دِينٍ يَبْقَى مَعَ هَذَا فَإِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّونَ: مَرَاسِيلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ حُجَّةٌ بِخِلاَفِ غَيْرِه.ِ قلنا لَهُمْ: السَّاعَةُ صَارَتْ حُجَّةً فَدُونَكُمْ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنِ ابْنِ حَرْمَلَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَاعَ الْحَيَوَانُ بِالْمَفَاطِيمِ مِنْ الْغَنَمِ فَقُولُوا بِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ تَلاَعَبْتُمْ، وَاتَّقُوا اللَّهَ. وَقَدْ رُوِيَتْ فِي هَذِهِ آثَارٌ أَيْضًا بِزِيَادَةٍ، فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ طَلْقٍ: أَنَّ رَجُلاً نَحَرَ جَزُورًا فَجَعَلَ يَبِيعُ الْعُضْوَ بِالشَّاةِ، وَبِالْقَلُوصِ، إلَى أَجَلٍ فَكَرِهَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِصْمَةَ سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ وَسُئِلَ عَمَّنْ اشْتَرَى عُضْوًا مِنْ جَزُورٍ قَدْ نُحِرَتْ بِرِجْلِ عِنَاقٍ وَشُرِطَ عَلَى صَاحِبِهَا أَنْ يُرْضِعَهَا حَتَّى تُفْطَمَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ يَصْلُحُ. قال أبو محمد: هَذَا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ اللَّحْمُ بِالشَّاةِ. فإن قيل: هَذَا عَنْ رَجُلٍ قلنا: وَخَبَرُ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي يَحْيَى وَلَيْسَ بِأَوْثَقَ مِمَّنْ سَكَتَ عَنْهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: لاَ بَأْسَ بِالشَّاةِ الْقَائِمَةِ بِالْمَذْبُوحَةِ. وَمَنْ ابْتَاعَ شَيْئًا أَيَّ شَيْءٍ كَانَ مِمَّا يَحِلُّ بَيْعُهُ، حَاشَ الْقَمْحَ، فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ، وَقَبْضُهُ لَهُ: هُوَ أَنْ يُطْلِقَ يَدَهُ عَلَيْهِ بِأَنْ لاَ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَإِنْ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُدَّةٌ مَا قَلَّتْ أَمْ كَثُرَتْ ثُمَّ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بِغَصْبٍ أَوْ غَيْرِهِ: حَلَّ لَهُ بَيْعُهُ؛ لأََنَّهُ قَدْ قَبَضَهُ، وَلَهُ أَنْ يَهَبَهُ، وَأَنْ يُؤَاجِرَ بِهِ، وَأَنْ يُصْدِقَهُ، وَأَنْ يُقْرِضَهُ، وَأَنْ يُسَلِّمَهُ، وَأَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ، وَقَبْلَ أَنْ تُطْلَقَ يَدُهُ عَلَيْهِ. فَإِنْ مَلَكَ شَيْئًا مَا أَيَّ شَيْءٍ كَانَ مِمَّا يَحِلُّ بَيْعُهُ بِغَيْرِ الْبَيْعِ، لَكِنْ بِمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ، أَوْ قَرْضٍ، أَوْ صَدَاقٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ سَلَمٍ، أَوْ أَرْشٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: جَازَ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ، وَأَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِالْإِصْدَاقِ، وَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ، حَاشَ الْقَمْحَ. وَأَمَّا الْقَمْحُ: فَإِنَّهُ بِأَيِّ وَجْهٍ مَلَكَهُ مِنْ: بَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ صَدَاقٍ، أَوْ إجَارَةٍ، أَوْ أَرْشٍ، أَوْ سَلَمٍ أَوْ قَرْضٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: فَلاَ يَحِلُّ لَهُ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ، كَمَا ذَكَرْنَا بِأَنْ لاَ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ. فَإِنْ كَانَ اشْتَرَى الْقَمْحَ خَاصَّةً جُزَافًا، فَلاَ يَحِلُّ لَهُ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَحَتَّى يَنْقُلَهُ، وَلاَ بُدَّ عَنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ إلَى مَكَان آخَرَ قَرِيبٍ مُلاَصِقٍ أَوْ بَعِيدٍ. فَإِنْ كَانَ اشْتَرَى الْقَمْحَ خَاصَّةً بِكَيْلٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يَكْتَالَهُ، فَإِذَا اكْتَالَهُ حَلَّ لَهُ بَيْعُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْقُلَهُ عَنْ مَوْضِعِهِ. وَلاَ يَحِلُّ لَهُ تَصْدِيقُ الْبَائِعِ فِي كَيْلِهِ وَحَتَّى لَوْ اكْتَالَهُ الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ بِحَضْرَتِهِ وَهُوَ يَرَاهُ وَيُشَاهِدُهُ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يَكْتَالَ الْمُشْتَرِي لِنَفْسِهِ، وَجَائِزٌ لَهُ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا أَنْ يَهَبَهُ، وَأَنْ يُصْدِقَهُ، وَأَنْ يُؤَاجِرَ بِهِ، وَأَنْ يُصَالِحَ، وَأَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، وَأَنْ يُقْرِضَهُ قَبْلَ، أَنْ يَكْتَالَهُ، وَقَبْلَ أَنْ يَنْقُلَهُ جُزَافًا اشْتَرَاهُ أَوْ بِكَيْلٍ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الأَحْكَامُ فِي غَيْرِ الْقَمْحِ أَصْلاً. برهان ذَلِكَ: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أُبَيٌّ أَنَا حَيَّانُ بْنُ هِلاَلٍ أَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: أَنَّ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ حَدَّثَهُ: أَنَّ يُوسُفَ بْنَ مَاهَكَ حَدَّثَهُ: أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي رَجُلٌ أَشْتَرِي هَذِهِ الْبُيُوعَ، فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا مِمَّا يَحْرُمُ عَلَيَّ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي إذَا ابْتَعْتَ بَيْعًا فَلاَ تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ بَيْعٍ، وَلِكُلِّ ابْتِيَاعٍ، وَتَخْصِيصٌ لَهُمَا مِمَّا لَيْسَا بَيْعًا، وَلاَ ابْتِيَاعًا، وَجَوَابٌ مِنْهُ عليه السلام إذْ سُئِلَ عَمَّا يَحِلُّ مِمَّا يَحْرُمُ. فإن قيل: فَإِنَّ هَذَا الْخَبَرَ مُضْطَرِبٌ. لأََنَّكُمْ رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ الْهُجَيْمِيِّ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ إخْوَانِنَا حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِصْمَةَ الْجُشَمِيَّ حَدَّثَهُ: أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ حَدَّثَهُ نَذْكُرُ هَذَا الْخَبَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِصْمَةَ مَتْرُوكٌ. قلنا: نَعَمْ، إِلاَّ أَنَّ هَمَّامَ بْنَ يَحْيَى رَوَاهُ كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فَسَمَّى ذَلِكَ الرَّجُلَ مِنْ الَّذِي لَمْ يُسَمِّهِ هِشَامٌ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يَعْلَى بْنُ حَكِيمٍ وَيَعْلَى ثِقَةٌ وَذَكَرَ فِيهِ: أَنَّ يُوسُفَ سَمِعَهُ مِنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ. وَهَذَا صَحِيحٌ فَإِذَا سَمِعَهُ مِنْ حَكِيمٍ فَلاَ يَضُرُّهُ أَنْ يَسْمَعَهُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ حَكِيمٍ عَنْ حَكِيمٍ، فَصَارَ حَدِيثُ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ لَغْوًا كَانَ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ. فإن قيل: فَقَدْ رُوِيَتْ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَمَّا الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يُقْبَضَ فَهُوَ الطَّعَامُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِرَأْيِهِ: وَلاَ أَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ إِلاَّ مِثْلَهُ. قلنا: نَعَمْ، هَذَانِ صَحِيحَانِ: إِلاَّ أَنَّهُمَا بَعْضُ مَا فِي حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ فَحَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ دَخَلَ فِيهِ: الطَّعَامُ وَغَيْرُ الطَّعَامِ، فَهُوَ أَعَمُّ، فَلاَ يَجُوزُ تَرْكُهُ؛ لأََنَّهُ فِيهِ حُكْمًا لَيْسَ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ. فإن قيل: قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا أَبُو بِشْرٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَسْأَلُنِي الْمَرْءُ الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي مَا أَبِيعُهُ مِنْهُ ثُمَّ أَبْتَاعُ لَهُ مِنْ السُّوقِ فَقَالَ عليه السلام: لاَ تَبْتَعْ مَا لَيْسَ عِنْدِكَ. قلنا: نَعَمْ، وَبِهِ نَقُولُ هُوَ بَيِّنٌ كَمَا تَسْمَعُ، إنَّمَا هُوَ نَهْي عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ فِي مِلْكٍ كَمَا فِي الْخَبَرِ نَصًّا، وَإِلَّا فَكُلُّ مَا يَمْلِكُهُ الْمَرْءُ فَهُوَ عِنْدَهُ وَلَوْ أَنَّهُ بِالْهِنْدِ يَقُولُ: عِنْدِي ضَيْعَةٌ سَرِيَّةٌ، وَعِنْدِي فَرَسٌ فَارَّةٌ وَسَوَاءٌ عِنْدَنَا كَانَ مَغْصُوبًا أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَهُوَ عِنْدَ صَاحِبِهِ، أَيْ فِي مِلْكِهِ وَلَهُ. فإن قيل: فَإِنَّكُمْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِيهِ حَتَّى ذَكَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلاَ شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلاَ رِبْحٍ مَا لَمْ يَضْمَنْ، وَلاَ بَيْعٌ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ. قلنا: نَعَمْ، هَذَا صَحِيحٌ، وَبِهِ نَأْخُذُ، وَلاَ نَعْلَمُ لِعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ حَدِيثًا مُسْنَدًا إِلاَّ هَذَا وَحْدَهُ، وَآخَرُ فِي الْهِبَاتِ رَوَاهُ عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنْعِ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَاتِ إِلاَّ الْوَالِدَ فِيمَا أَعْطَى وَلَدَهُ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ إِلاَّ الَّذِي فِي حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ مِنْ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ لَكَ فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي هَذَا: ابْنُ عَبَّاسٍ كَمَا أَوْرَدْنَاهُ. وَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: لاَ تَبِعْ بَيْعًا حَتَّى تَقْبِضَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرُ لِعُمَرَ: إنَّهُ تُزَيَّفُ عَلَيْنَا أَوْرَاقٌ فَنُعْطِي الْخَبِيثَ وَنَأْخُذُ الطَّيِّبَ قَالَ: فَلاَ تَفْعَلُوا، وَلَكِنْ انْطَلِقْ إلَى الْبَقِيعِ فَبِعْ وَرِقَكَ بِثَوْبٍ أَوْ عَرَضٍ، فَإِذَا قَبَضَتْ وَكَانَ لَك فَبِعْهُ وَذَكَرَ الْخَبَرَ. فَهَذَا عُمَرُ يَقُولُ بِذَلِكَ، وَيُبَيِّنُ أَنَّ الْقَبْضَ هُوَ الَّذِي يَكُونُ الشَّيْءُ لِلْمَرْءِ. وقولنا في هذا كَقَوْلِ الْحَسَنِ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ إنَّمَا هُوَ فِي الطَّعَامِ فَقَطْ يَعْنِي أَنْ لاَ يُبَاعَ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهُ فِيمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَقَطْ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ أَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ عَنْ أَبِي عِيَاضٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: لاَ بَأْسَ إذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ الْبَيْعَ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ مَا خَلاَ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا أَنْ يَبْتَاعَ الرَّجُلُ بَيْعًا لاَ يُكَالُ، وَلاَ يُوزَنُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: لاَ بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا لاَ يُكَالُ، وَلاَ يُوزَنُ بِنَقْدٍ ثُمَّ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ وَإِبْرَاهِيمَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَذَكَرَهُ النَّخَعِيُّ عَمَّنْ لَقِيَ. وَقَالَ عَطَاءٌ: جَائِزٌ بَيْعُ كُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ. وقال أبو حنيفة: كُلُّ مَا مُلِكَ بِعَقْدٍ يُنْتَقَضُ الْعَقْدُ بِهَلاَكِهِ، فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ: كَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، إِلاَّ الْعَقَارَ: فَجَائِزٌ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. قَالَ: وَكُلُّ مَا مُلِكَ بِعَقْدٍ لاَ يُنْتَقَضُ الْعَقْدُ بِهَلاَكِهِ: فَجَائِزٌ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ كَالصَّدَاقِ، وَالْجُعْلِ، وَالْخُلْعِ، وَنَحْوِهِ وَهَذَا قَوْلٌ لاَ نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وقال مالك: كُلُّ مَا يُؤْكَلُ وَالْمَاءُ: فَلاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ وَمَا عَدَا هَذَيْنِ فَجَائِزٌ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: كُلُّ مَا يُؤْكَلُ فَقَطْ، وَأَمَّا الْمَاءُ: فَبَيْعُهُ جَائِزٌ قَبْلَ قَبْضِهِ وَجَعَلَ فِي كِلاَ قَوْلَيْهِ: زَرِيعَةَ الْفُجْلِ الأَبْيَضِ، وَزَرِيعَةَ الْجَزَرِ، وَزَرِيعَةَ السَّلْقِ: لاَ يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهَا قَبْلَ الْقَبْضِ . فَقُلْنَا: هَذَا لاَ يَأْكُلُهُ أَحَدٌ أَصْلاً، وَهَذَا الَّذِي أَنْكَرْتُمْ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي إدْخَالِهِ السَّقَمُونْيَا فِيمَا يُؤْكَلُ فَقَالُوا: إنَّهُ يُخْرِجُ مِنْهَا مَا يُؤْكَلُ . فَقُلْنَا: وَالشَّجَرُ يَخْرُجُ مِنْهَا مَا يُؤْكَلُ فَامْنَعُوا مِنْ بَيْعِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ، فَانْقَطَعُوا وَمَا نَعْلَمُ قَوْلَهُمْ هَذَا كُلَّهُ كَمَا هُوَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ. وَخَالَفَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ هَهُنَا كُلَّ قَوْلٍ رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ: فَلَمْ يُجِزْ بَيْعَ مَا مُلِكَ بِبَيْعٍ، أَوْ نِكَاحٍ أَوْ خُلْعٍ، قَبْلَ الْقَبْضِ أَصْلاً وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ بِلاَ دَلِيلٍ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا النِّكَاحَ وَالْخُلْعَ عَلَى الْبَيْعِ. قلنا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لأََنَّ النِّكَاحَ يَجُوزُ بِلاَ مَهْرٍ يُذْكَرُ أَصْلاً، وَلاَ يَجُوزُ الْبَيْعُ بِلاَ ثَمَنٍ يُذْكَرُ، وَالنِّكَاحُ لَمْ يُمْلَكْ بِصَدَاقِ رَقَبَةِ شَيْءٍ أَصْلاً، وَالْخُلْعُ كَذَلِكَ، بِخِلاَفِ الْبَيْعِ فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. أَمَّا حُكْمُ الْقَمْحِ: فَاَلَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا فِي الْكَلاَمِ الْمُتَّصِلِ بِهَذَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يُقْبَضَ فَهُوَ الطَّعَامُ، فَهَذَا تَخْصِيصٌ لِلطَّعَامِ فِي الْبَيْعِ خَاصَّةً وَعُمُومٌ لَهُ بِأَيِّ وَجْهٍ مُلِكَ. فإن قيل: مِنْ أَيْنَ خَصَّصْتُمْ الْقَمْحَ بِذَلِكَ دُونَ سَائِرِ الطَّعَامِ قلنا: لأََنَّ اسْمَ الطَّعَامِ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يُطْلَقُ هَذَا إِلاَّ عَلَى الْقَمْحِ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ بِإِضَافَةٍ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ الشَّعِيرَ، فَذَكَرَ الطَّعَامَ فِي الشَّعِيرِ فِي إضَافَةٍ لاَ بِإِطْلاَقٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَوْلَهُ: كُنَّا نُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ: صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، صَاعًا مِنْ أَقِطٍ فَلَمْ يُطْلِقْ الطَّعَامَ إِلاَّ عَلَى الْقَمْحِ وَحْدَهُ. لاَ عَلَى الشَّعِيرِ، وَلاَ غَيْرِهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ: عَرَضَ عَلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ زَيْتًا لَهُ فَقُلْت لَهُ: إنَّ أَصْحَابَ الزَّيْتِ قَلَّمَا يَسْتَوْفُونَ حَتَّى يَبِيعُونَ، فَقَالَ: إنَّمَا سُمِّيَ الطَّعَامُ أَيْ إنَّمَا أَمَرَ بِالْبَيْعِ بَعْدَ الأَسْتِيفَاءِ فِي الطَّعَامِ فَلَمْ يَرَ الزَّيْتَ طَعَامًا. وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: حُجَّتَانِ فِي اللُّغَةِ قَاطِعَتَانِ؛ لاَ سِيَّمَا وَعَبْدُ اللَّهِ هُذَلِيٌّ قَبِيلَةٌ مُجَاوِرَةٌ لِلْحَرَمِ فَلُغَتُهُمْ لُغَةُ قُرَيْشٍ. وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا: إنَّ الطَّعَامَ بِإِطْلاَقٍ إنَّمَا هُوَ الْقَمْحُ وَحْدَهُ: أَبُو ثَوْرٍ. وَأَمَّا الْقَمْحُ يُشْتَرَى جُزَافًا فَلاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ حَتَّى يُقْبَضَ وَيُنْقَلَ عَنْ مَوْضِعِهِ: فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ الطَّعَامَ مُجَازَفَةً يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعُوهُ حَتَّى يُؤْوُوهُ إلَى رِحَالِهِمْ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ أَنَا أَبِي أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ قَالَ وَكُنَّا نَشْتَرِي الطَّعَامَ مِنْ الرُّكْبَانِ جُزَافًا فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانِهِ وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُمْ كَانُوا يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اشْتَرَوْا طَعَامًا جُزَافًا أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِ حَتَّى يُحَوِّلُوهُ. قال أبو محمد: وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ عليه السلام يَضْرِبُ الْمُسْلِمِينَ بِالْمَدِينَةِ عَلَى شَرِيعَةٍ يُؤْمَرُونَ بِهَا فِي الأَسْوَاقِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ أَصْلاً فَصَحَّ أَنَّهُ جُرْمٌ كَبِيرٌ لاَ يُرَخِّصُ فِيهِ. فإن قيل: إنَّ فِي بَعْضِ مَا رَوَيْتُمْ " حَتَّى يُؤْوُوهُ إلَى رِحَالِهِمْ ". قلنا: نَعَمْ، وَكُلُّ مَكَان رَحَّلَهُ إلَيْهِ فَهُوَ رَحْلٌ لَهُ إذَا كَانَ مُبَاحًا لَهُ أَنْ يُرَحِّلَهُ إلَيْهِ. فإن قيل: فَقَدْ رَوَيْتُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْجُزَافَ. قلنا: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إنْ لَمْ يَكُنْ فَوْقَ مَالِكٍ، وَإِلَّا فَلَيْسَ هُوَ دُونَهُ أَصْلاً وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ فَذَكَرَ فِيهِ الْجُزَافَ. وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ كَمَا أَوْرَدْنَا فَذَكَرَ فِيهِ الْجُزَافَ وَهُوَ خَبَرٌ وَاحِدٌ بِلاَ شَكٍّ. وَجُمْهُورُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ ذَكَرُوا فِيهِ عَنْهُ الْجُزَافَ، كَمَا ذَكَرَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ، وَالزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ، وَإِنَّمَا أَسْقَطَ ذِكْرَ الْجُزَافِ: الْقَعْنَبِيُّ، وَيَحْيَى، فَقَطْ فَصَحَّ أَنَّهُمَا وَهُمَا فِيهِ بِلاَ شَكٍّ؛ لأََنَّهُ يَتَعَيَّنُ خَبَرُ وَاحِدٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَإِنَّمَا كَانَ يَصِحُّ الأَخْذُ بِرِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ، وَيَحْيَى، لَوْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَا خَبَرَيْنِ اثْنَيْنِ عَنْ مُوَطِّئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَقَوْلُنَا هَهُنَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ مَالِكٌ، وَلاَ نَعْلَمُ لِمُقَلِّدِهِ، وَلاَ لَهُ حُجَّةً أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْقَمْحُ يَبْتَاعُهُ الْمَرْءُ بِكَيْلٍ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ بَيْعُهُ حَتَّى يَكْتَالَهُ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ يَكْتَالُهُ الَّذِي يَبِيعُ مِنْهُ، وَلاَ بُدَّ سَوَاءً حَضَرَا كِلاَهُمَا كَيْلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَحْضُرَا، فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَنَا مُسْلِمٌ، هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ أَنَا مَخْلَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الأَزْدِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ، فَيَكُونُ لِصَاحِبِهِ الزِّيَادَةُ وَعَلَيْهِ النُّقْصَانُ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا شَرِيكٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَيَانٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ اشْتَرَى الطَّعَامَ وَقَدْ شَهِدَ كَيْلَهُ قَالَ: لاَ، حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ مُطَرِّفٍ، هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ قُلْت لِلشَّعْبِيِّ: أَكُونُ شَاهِدَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُكَالُ فَأَشْتَرِيهِ، آخُذُهُ بِكَيْلِهِ فَقَالَ: مَعَ كُلِّ صَفْقَةٍ كَيْلَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا مَرْوَانُ عَنْ زِيَادٍ مَوْلَى آلِ سَعْدٍ قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: رَجُلٌ ابْتَاعَ طَعَامًا فَاكْتَالَهُ، أَيَصْلُحُ لِي أَنْ اشْتَرِيهِ بِكَيْلِ الرَّجُلِ قَالَ: لاَ، حَتَّى يُكَالَ بَيْنَ يَدَيْك وَصَحَّ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: هَذَا رِبًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ سَوَادَةَ بْنِ حَيَّانَ سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ سُئِلَ عَنْ رَجُلَيْنِ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا طَعَامًا وَالآخَرُ مَعَهُ فَقَالَ: قَدْ شَهِدْت الْبَيْعَ وَالْقَبْضَ فَقَالَ: خُذْ مِنِّي رِبْحًا وَأَعْطِنِيهِ فَقَالَ: لاَ، حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ، فَتَكُونُ لَك زِيَادَتُهُ وَعَلَيْك نُقْصَانُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعٌ عَنْ عُمَرَ أَبِي حَفْصٍ قَالَ: سَمِعْت الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ وَسُئِلَ عَمَّنْ اشْتَرَى طَعَامًا مَا وَهُوَ يَنْظُرُ إلَى كَيْلِهِ قَالَ: لاَ، حَتَّى يَكِيلَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: فِي السَّنَةِ الَّتِي مَضَتْ: إنَّ مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا أَوْ وَدَكًا كَيْلاً أَنْ يَكْتَالَهُ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ، فَإِذَا بَاعَهُ اُكْتِيلَ مِنْهُ أَيْضًا إذَا بَاعَهُ كَيْلاً. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وقال مالك: إذَا بِيعَ بِالنَّقْدِ فَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يُصَدِّقَ الْبَائِعَ فِي كَيْلِهِ، وَلاَ يَكْتَالُهُ وَيُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الدَّيْنِ وَهَذَا قَوْلٌ لاَ نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَخَالَفَ فِيهِ صَاحِبًا لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ، وَخَالَفَ فِيهِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ، وَمَا نَعْلَمُ لِقَوْلِهِ حُجَّةً أَصْلاً، لاَ مِنْ نَصِّ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ. فإن قيل: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَوْفٍ الطَّائِيِّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ابْتَعْتُ زَيْتًا فِي السُّوقِ فَلَمَّا اسْتَوْجَبْتُهُ لَقِيَنِي رَجُلٌ أَعْطَانِي بِهِ رِبْحًا حَسَنًا فَأَرَدْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى يَدِي، فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي بِذِرَاعِي فَالْتَفَتُّ فَإِذَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ: لاَ تَبِعْهُ حَيْثُ ابْتَعْتَهُ حَتَّى تَحُوزَهُ إلَى رَحْلِكَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعَ حَتَّى تَحُوزَهَا التُّجَّارُ إلَى رِحَالِهِمْ. قلنا: هَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَبِاَللَّهِ لَوْ صَحَّ عِنْدَنَا لَسَارَعْنَا إلَى الأَخْذِ بِهِ نَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى مَا يَسَّرَنَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ كَثِيرًا. وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَمَنْ فَعَلَ خِلاَفَ ذَلِكَ فُسِخَ أَبَدًا، فَإِنْ كَانَ قَدْ بَلَغَهُ الْخَبَرَ ضَرَبَ كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَرَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ قَالَ عليه السلام: مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ
|