الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
الشَّهَادَةُ فِيمَا ذَكَرْنَا قال أبو محمد رحمه الله : اخْتَلَفَ النَّاسُ : قَالَ قَوْم مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ , وَقَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِنَا : إنَّهُ لاَ يُقْبَلُ فِي فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ , وَإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ شُهُودٍ. وقال أبو حنيفة , وَأَصْحَابُهُ : يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ اثْنَانِ قال أبو محمد : أَمَّا مَنْ جَعَلَ هَذَيْنِ الذَّنْبَيْنِ زِنًى فَقَدْ طَرَدَ أَصْلَهُ , وَقَدْ أَوْضَحْنَا بِالْبَرَاهِينِ الْوَاضِحَةِ أَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الزِّنَى أَصْلاً فَلَيْسَ لَهُمَا شَيْءٌ مِمَّا خَصَّ بِهِ حُكْمَ الزِّنَى. وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا : إنَّ الأَبْشَارَ مُحَرَّمَةٌ إِلاَّ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ , وَلَمْ يُجْمِعُوا عَلَى إبَاحَةِ بَشَرَةِ فَاعِلِ فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ , وَبَشَرَةِ آتِي الْبَهِيمَةِ بِتَعْزِيرٍ , وَلاَ بِغَيْرِهِ , إِلاَّ بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ , فَلاَ يَجُوزُ اسْتِبَاحَتُهُمَا بِأَقَلَّ. قال أبو محمد رحمه الله : فَيَلْزَمُ مَنْ رَاعَى هَذَا أَنْ لاَ يَحْكُمَ بِقَوَدٍ أَصْلاً إِلاَّ بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ , لأََنَّهُ لَمْ يُجْمِعْ عَلَى إبَاحَةِ دَمِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ شُهُودٍ عُدُولٍ فَإِنْ قَالَ بِذَلِكَ كُلِّهِ قَائِلٌ كَانَ الْكَلاَمُ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا , وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لَهُ : قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ الصَّادِقُ الْقَاطِعُ الْمُتَيَقِّنُ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ فِي جَمِيعِ الأَحْكَامِ أَوَّلُهَا عَنْ آخِرِهَا وَحَدَّ فِي بَعْضِ الأَحْكَامِ عَدَدًا وَسَكَتَ عَنْ بَعْضِهَا , فَإِذْ لاَ شَكَّ فِي ذَلِكَ , فَهَذَانِ الْحُكْمَانِ , وَغَيْرُهُمَا , قَدْ أَيْقَنَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا بِإِنْفَاذِ الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ بِشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ. فَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ قَبُولُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ بَيِّنَةٍ , إِلاَّ أَنْ يَمْنَعَ نَصٌّ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ , وَقَدْ مَنَعَ النَّصُّ مِنْ قَبُولِ الْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ , وَأَخْبَرَ النَّصُّ : أَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ شَهَادَةِ الرَّجُلِ , وَأَنَّ الصِّبْيَانَ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِشَيْءٍ مِنْ الأَحْكَامِ , فَخَرَجَ هَؤُلاَءِ مِنْ حُكْمِ الشَّهَادَةِ حَسْبَمَا أَخْرَجَهُمْ النَّصُّ فَقَطْ. وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : فَصَحَّ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَارِدٌ فِي كُلِّ مَا يَحْكُمُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ فِي دَمِهِ وَمَالِهِ , وَبَشَرَتِهِ , وَفِي كُلِّ حُكْمٍ. فَلَوْلاَ النَّصُّ الثَّابِتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ بِيَمِينِ الطَّالِبِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَصَحَّ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَحْكُمْ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ دُونَ يَمِينٍ مَعَهَا لَوَجَبَ قَبُولُ شَاهِدٍ وَاحِدٍ بِالآيَةِ الْمَذْكُورَةِ , إِلاَّ حَيْثُ جَاءَ النَّصُّ بِاثْنَيْنِ أَوْ أَرْبَعَةٍ. فَلَمَّا كَانَ هَذَانِ الْحُكْمَانِ لاَ يَجُوزُ فِيهِمَا تَحْلِيفُ الطَّالِبِ , لأََنَّهَا لَيْسَا حَقًّا وَاحِدًا , وَإِنَّمَا هُمَا لِلَّهِ تَعَالَى وَجَبَ أَنْ لاَ يَجُوزَ فِيهِمَا إِلاَّ مَا قَالَ قَائِلُونَ بِإِجَازَتِهِ وَهُوَ شَهَادَةُ اثْنَيْنِ , أَوْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ , أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ كَسَائِرِ الأَحْكَامِ. وَأَمَّا الزِّنَى وَحْدَهُ فَلاَ يُقْبَلُ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ بِالنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. السَّحْقِ قال أبو محمد رحمه الله : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي السَّحْقِ : فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : تُجْلَدُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِائَةً كَمَا ، حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثني ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ قَالَ : أَدْرَكْتُ عُلَمَاءَنَا يَقُولُونَ فِي الْمَرْأَةِ تَأْتِي الْمَرْأَةَ بِ " الرِّفْعَةِ " وَأَشْبَاهَهَا يُجْلَدَانِ مِائَةً الْفَاعِلَةُ وَالْمَفْعُولُ بِهَا. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ. وَرَخَّصَتْ فِيهِ طَائِفَةٌ كَمَا ، حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مَنْ أَصْدُقُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا بِالْمَرْأَةِ تُدْخِلُ شَيْئًا , تُرِيدُ السِّتْرَ تَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ الزِّنَى. وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ حَرَامٌ ، وَلاَ حَدَّ فِيهِ , وَفِيهِ التَّعْزِيرُ قال أبو محمد رحمه الله : فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ : فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ الزُّهْرِيِّ فَلَمْ نَجِدْ لَهُ حُجَّةً أَصْلاً , إِلاَّ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ : كَمَا جَعَلَ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ أَشَدُّ الزِّنَى , فَجَعَلُوا فِيهِ أَعْظَمَ حَدٍّ فِي الزِّنَى , فَكَذَلِكَ هَذَا أَقَلُّ الزِّنَى , فَجَعَلَ فِيهِ أَخَفَّ حَدِّ الزِّنَى. قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذَا قِيَاسٌ لاَزِمٌ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ جَعَلَ الرَّجْمَ فِي فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ , لأََنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ الزِّنَى , وَلاَ مُخَلِّصَ لَهُمْ مِنْ هَذَا أَصْلاً , وَأَنْ يَجْعَلُوا " السَّحْقَ " أَيْضًا أَشَدَّ الزِّنَى , كَفِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ , فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا فِيهِ الرَّجْمَ , كَمَا جَعَلُوا فِي فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ ، وَلاَ بُدَّ , لأََنَّ كِلاَ الأَمْرَيْنِ عُدُولٌ بِالْفَرْجِ إلَى مَا لاَ يَحِلُّ أَبَدًا. وَلَكِنَّ الْقَوْمَ لاَ يُحْسِنُونَ الْقِيَاسَ , وَلاَ يَعْرِفُونَ الأَسْتِدْلاَلَ , وَلاَ يَطْرُدُونَ أَقْوَالَهُمْ , وَلاَ يَلْزَمُونَ تَعْلِيلَهُمْ , وَلاَ يَتَعَلَّقُونَ بِالنُّصُوصِ , وَهَلَّا قَالُوا هَاهُنَا : إنَّ الزُّهْرِيَّ أَدْرَكَ الصَّحَابَةَ وَكِبَارَ التَّابِعِينَ فَلاَ يَقُولُ هَذَا إِلاَّ عَنْهُمْ , وَلاَ نَعْرِفُ خِلاَفًا فِي ذَلِكَ مِمَّنْ يَرَى تَحْرِيمَ هَذَا الْعَمَلِ , فَيَأْخُذُونَ بِقَوْلِهِ , كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ لَوْ وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ قال أبو محمد رحمه الله : وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّ الْقِيَاسَ بَاطِلٌ عِنْدَنَا , وَلاَ يَلْزَمُ اتِّبَاعُ قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَالسَّحْقُ " " وَالرِّفْعَةُ " لَيْسَا زِنًى , فَإِذْ لَيْسَا زِنًى فَلَيْسَ فِيهِمَا حَدُّ الزِّنَى , وَلاَ لأََحَدٍ أَنْ يُقَسِّمَ بِرَأْيِهِ أَعْلَى وَأَخَفَّ فَيُقْسِمَ الْحُدُودَ فِي ذَلِكَ كَمَا يَشْتَهِي بَلْ هُوَ تَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى , وَشَرَعَ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ يَقُولُ تَعَالَى : قال أبو محمد رحمه الله : وَإِذْ لَمْ يَأْتِ بِمِثْلِ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ , فَالأَبْشَارُ مُحَرَّمَةٌ وَالْحُدُودُ , فَلاَ حَدَّ فِي هَذَا أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ ذَكَرُوا : مَا نَاهٍ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ ، حَدَّثَنَا جَدَّيْ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ ثَنْي عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ني عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا مَكْحُولٌ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : السِّحَاقُ زِنًى بِالنِّسَاءِ بَيْنَهُنَّ فَإِنَّ هَذَا لاَ يَصِحُّ , لأََنَّهُ عَنْ بَقِيَّةٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَمْ يُدْرِكْ مَكْحُولاً , وَوَاثِلَةَ , فَهُوَ مُنْقَطِعٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ مَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالْحَدِّ فِي ذَلِكَ , لأََنَّهُ عليه السلام قَدْ بَيَّنَ فِي حَدِيثِ الأَسْلَمِيِّ مَا هُوَ الزِّنَى الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ , وَإِنَّمَا هُوَ إتْيَانُ الرَّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ حَرَامًا مَا يَأْتِي مِنْ أَهْلِهِ حَلاَلاً. وَأَخْبَرَ عليه السلام أَنَّ الأَعْضَاء تَزْنِي , وَأَنَّ الْفَرْجَ يُكَذِّبُ ذَلِكَ أَوْ يُصَدِّقُهُ فَصَحَّ أَنْ لاَ زِنًى بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ إِلاَّ بِالْفَرْجِ الَّذِي هُوَ الذَّكَرُ فِي الْفَرْجِ الَّذِي هُوَ مَخْرَجُ الْوَلَدِ فَقَطْ. وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ هَذَا الْخَبَرِ مَنْ رَأَى بِرَأْيِهِ أَنَّ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ أَعْظَمُ الزِّنَى , فَإِنَّهُ لَيْسَ مَعَهُمْ فِيهِ نَصٌّ أَصْلاً , وَلَوْ وَجَدُوا مِثْلَ هَذَا لَطَغَوْا وَبَغَوْا. فَسَقَطَ هَذَا جُمْلَةً وَاحِدَةً. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ الْحَسَنِ فِي إبَاحَة ذَلِكَ فَوَجَدْنَاهُ خَطَأً , لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : فَصَحَّ أَنَّ الْعَبْدَ مِنْ سَيِّدِهِ ذُو مَحْرَمٍ فَالْمَرْأَةُ إذَا أَبَاحَتْ فَرْجَهَا لِغَيْرِ زَوْجِهَا فَلَمْ تَحْفَظْهُ , فَقَدْ عَصَتْ اللَّهَ تَعَالَى بِذَلِكَ وَصَحَّ أَنَّ بَشَرَتَهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَى غَيْرِ زَوْجِهَا الَّذِي أُبِيحَتْ لَهُ بِالنَّصِّ , فَإِذَا أَبَاحَتْ بَشَرَتَهَا لأَمْرَأَةٍ أَوْ رَجُلٍ غَيْرِ زَوْجِهَا فَقَدْ أَبَاحَتْ الْحَرَامَ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ هُوَ الْعُكْلِيُّ ، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ هُوَ الْحِزَامِيُّ أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لاَ يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ , وَلاَ الْمَرْأَةُ إلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ , وَلاَ يُفْضِ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ , وَلاَ تُفْضِ الْمَرْأَةُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ. حدثنا أحمد بن قاسم ، حَدَّثَنَا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ ، حَدَّثَنَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ هُوَ سَلاَمُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ هُوَ شَقِيقُ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُبَاشِرَ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَعَلَّ أَنْ تَصِفَهَا إلَى زَوْجِهَا كَأَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا. وَبِهِ إلَى قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بُنْدَارُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ , وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ. قال أبو محمد رحمه الله : فَهَذِهِ نُصُوصٌ جَلِيَّةٌ عَلَى تَحْرِيمِ مُبَاشَرَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ , وَالْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ , عَلَى السَّوَاءِ , فَالْمُبَاشَرَةُ مِنْهَا لِمَنْ نَهَى عَنْ مُبَاشَرَتِهِ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى , مُرْتَكِبٌ حَرَامًا عَلَى السَّوَاءِ , فَإِذَا اُسْتُعْمِلَتْ بِالْفُرُوجِ كَانَتْ حَرَامًا زَائِدًا , وَمَعْصِيَةً مُضَاعَفَةً , وَالْمَرْأَةُ إذَا أَدْخَلَتْ فَرْجَهَا شَيْئًا غَيْرَ مَا أُبِيحَ لَهَا مِنْ فَرْجِ زَوْجِهَا , أَوْ مَا تَرُدُّ بِهِ الْحَيْضَ , فَلَمْ تَحْفَظْ فَرْجَهَا , وَإِذْ لَمْ تَحْفَظْهُ فَقَدْ زَادَتْ مَعْصِيَةً فَبَطَلَ قَوْلُ الْحَسَنِ فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ قال أبو محمد رحمه الله : فَإِذْ قَدْ صَحَّ أَنَّ " الْمَرْأَةَ الْمُسَاحَقَةَ " لِلْمَرْأَةِ عَاصِيَةٌ , فَقَدْ أَتَتْ مُنْكَرًا , فَوَجَبَ تَغْيِيرُ ذَلِكَ بِالْيَدِ , كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ رَأَى مُنْكَرًا أَنْ يُغَيِّرهُ بِيَدِهِ " فَعَلَيْهَا التَّعْزِيرُ قال أبو محمد رحمه الله : فَلَوْ عَرَضَتْ فَرْجَهَا شَيْئًا دُونَ أَنْ تُدْخِلُهُ حَتَّى يُنْزِلَ فَيُكْرَهُ هَذَا , وَلاَ إثْمَ فِيهِ وَكَذَلِكَ " الأَسْتِمْنَاءُ " لِلرِّجَالِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ , لأََنَّ مَسَّ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ بِشِمَالِهِ مُبَاحٌ , وَمَسَّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا كَذَلِكَ مُبَاحٌ , بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ كُلِّهَا , فَإِذْ هُوَ مُبَاحٌ فَلَيْسَ هُنَالِكَ زِيَادَةٌ عَلَى الْمُبَاحِ , إِلاَّ التَّعَمُّدُ لِنُزُولِ الْمَنِيِّ , فَلَيْسَ ذَلِكَ حَرَامًا أَصْلاً , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : كَمَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ رَجُلٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ قَالَ : وَمَا هُوَ إِلاَّ أَنْ يُعْرِك أَحَدُكُمْ زُبَّهُ حَتَّى يُنْزِلَ الْمَاءَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بُنْدَارٌ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ رَجُلٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ قَالَ : إنَّمَا هُوَ عَصَبٌ تُدَلِّكُهُ. وَبِهِ إلَى قَتَادَةَ ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْمَغَازِي " يَعْنِي الأَسْتِمْنَاءَ " يَعْبَثُ الرَّجُلُ بِذَكَرِهِ يُدَلِّكُهُ حَتَّى يُنْزِلَ قَالَ قَتَادَةُ : وَقَالَ الْحَسَنُ فِي الرَّجُلِ يَسْتَمْنِي يَعْبَثُ بِذَكَرِهِ حَتَّى يُنْزِلَ , قَالَ : كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي الْمَغَازِي. وَعَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ : هُوَ مَاؤُك فَأَهْرِقْهُ " يَعْنِي الأَسْتِمْنَاءَ ". وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : كَانَ مَنْ مَضَى يَأْمُرُونَ شَبَابَهُمْ بِالأَسْتِمْنَاءِ يَسْتَعْفُونَ بِذَلِكَ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : وَذَكَرَهُ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ , أَوْ غَيْرِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ الْحَسَنِ : أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا بِالأَسْتِمْنَاءِ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ : مَا أَرَى بِالأَسْتِمْنَاءِ بَأْسًا قال أبو محمد رحمه الله : الأَسَانِيدُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَابْنِ عُمَرَ فِي كِلاَ الْقَوْلَيْنِ مَغْمُوزَةٌ. لَكِنَّ الْكَرَاهَةَ صَحِيحَةٌ عَنْ عَطَاءٍ. وَالْإِبَاحَةُ الْمُطْلَقَةُ صَحِيحَةٌ عَنْ الْحَسَنِ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ , وَعَنْ زِيَادٍ أَبِي الْعَلاَءِ , وَعَنْ مُجَاهِدٍ. وَرَوَاهُ مَنْ رَوَاهُ مِنْ هَؤُلاَءِ عَمَّنْ أَدْرَكُوا وَهَؤُلاَءِ كِبَارُ التَّابِعِينَ الَّذِينَ لاَ يَكَادُونَ يَرْوُونَ إِلاَّ عَنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، قال أبو محمد رحمه الله : وَقَدْ جَاءَ فِي الْمَرْأَةِ تَفْتَضُّ الْمَرْأَةَ بِأُصْبُعِهَا آثَارٌ : كَمَا ، حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ : أَنَّ الْحَسَنَ أَفْتَى فِي الْمَرْأَةِ افْتَضَّتْ أُخْرَى بِأُصْبُعِهَا وَأَمْسَكَهَا نِسْوَةٌ لِذَلِكَ : أَنَّ الْعَقْلَ بَيْنَهُنَّ وَقَضَى عَلِيٌّ بِذَلِكَ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ , وَمُغِيرَةَ , قَالَ مَنْصُورٌ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ , وَقَالَ مُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ , ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَكَمُ , ، وَإِبْرَاهِيمُ عَنْ عَلِيٍّ , وَالْحَسَنِ : أَنَّ الْحَسَنَ أَفْتَى فِي امْرَأَةٍ افْتَضَّتْ امْرَأَةً بِأُصْبُعِهَا أَنَّ عَلَيْهَا وَالْمُمْسِكَاتُ الصَّدَاقُ بَيْنَهُنَّ هَكَذَا قَالَ الْمُغِيرَةُ. وَقَالَ الْحَكَمُ فِي رِوَايَتِهِ : عَلَى الْمُفْتَضَّةِ وَحْدَهَا وَاتَّفَقَا أَنَّ عَلِيًّا قَضَى بِذَلِكَ. وَعَنْ الزُّهْرِيِّ لَوْ افْتَضَّتْ امْرَأَةٌ بِأُصْبُعِهَا غَرِمَتْ صَدَاقَهَا , كَصَدَاقِ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهَا. وَعَنْ عِيَاضِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَاضِي أَهْل مِصْرَ : كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي صَبِيٍّ افْتَرَعَ صَبِيَّةً بِأُصْبُعِهِ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ : لَمْ يَبْلُغْنِي فِي هَذَا شَيْءٌ , وَقَدْ جَمَعْت لِذَلِكَ , فَاقْضِ فِيهِ بِرَأْيِك , فَقَضَى لَهَا عَلَى الْغُلاَمِ بِخَمْسِينَ دِينَارًا قال أبو محمد رحمه الله : هَذَا عَنْ عَلِيٍّ مُرْسَلٌ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقْضَى هَاهُنَا بِصَدَاقٍ , لأََنَّهُ لَيْسَ زَوَاجًا , وَلاَ صَدَاقَ إِلاَّ فِي نِكَاحِ زَوَاجٍ إذْ لَمْ يُوجِبْهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ نَصٌّ , وَلاَ إجْمَاعٌ , فَسَوَاءٌ كَانَ الْمُفْتَضُّ بِأُصْبُعِهِ رَجُلاً أَوْ امْرَأَةً : لاَ غَرَامَةَ فِي ذَلِكَ أَصْلاً , لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ فِي ذَلِكَ غَرَامَةً , وَلاَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَإِنْ شَنَّعُوا فَإِنَّ هَذَا قَوْلُ عَلِيٍّ , وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قلنا لَهُمْ : فَإِنَّ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا إيجَابُ نَكَالٍ عَلَى الْمُفْتَضِّ وَالْمُفْتَضَّةِ أَصْلاً , وَأَنْتُمْ تُوجِبُونَ فِي ذَلِكَ الأَدَبَ , وَهَذَا خِلاَفٌ مِنْكُمْ لِمَا تُشَنِّعُونَ بِهِ مِنْ حُكْمِ عَلِيٍّ , وَالْحَسَنِ رضي الله عنهما وَعَارُ هَذَا وَإِثْمُهُ إنَّمَا يَلْزَمُ مَنْ أَوْجَبَ فَرْضًا اتِّبَاعَ مَا رُوِيَ عَنْ الصَّاحِبِ , ثُمَّ هُوَ مَعَ ذَلِكَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ يَلْزَمُ عِنْدَنَا اتِّبَاعُ أَحَدٍ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَطْ , فَلاَ حَرَجَ عَلَيْنَا فِي مُخَالِفَةِ مَا لاَ نَرَاهُ وَاجِبًا , وَلَكِنْ عَلَى الْمُفْتَضِّ بِأُصْبُعِهِ امْرَأَةَ , وَالْمُفْتَضَّةِ بِأُصْبُعِهَا امْرَأَةً , وَمُدْخِلُ شَيْءٍ فِي دُبُرِ آخَرَ : التَّعْزِيرُ , لأََنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا مَعْصِيَةٌ وَمُنْكَرٌ , لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. وَهَؤُلاَءِ قَدْ انْتَهَكُوا بَشَرَةً مُحَرَّمَةً , فَأَتَوْا مُنْكَرًا , وَمَنْ أَتَى مُنْكَرًا فَفَرَضَ عَلَيْهِ تَغْيِيرَهُ بِالْيَدِ , كَمَا أَمَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَاجِبٌ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ , أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ : التَّعْزِيرُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا. قال أبو محمد رحمه الله : وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ : إنَّ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا حَدَّ زِنًى , وَلاَ حَدًّا مَحْدُودًا , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ مَا أَوْجَبُوا فِيهِ الْحُدُودَ مِمَّا لاَ نَصَّ فِيهِ يَصِحُّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ السِّحْرُ قال أبو محمد رحمه الله : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي السِّحْرِ : فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : يُقْتَلُ السَّاحِرُ ، وَلاَ يُسْتَتَابُ وَالسِّحْرُ كُفْرٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وقال أبو حنيفة : يُقْتَلُ السَّاحِرُ. وقال الشافعي وَأَصْحَابُنَا : إنْ كَانَ الْكَلاَمُ الَّذِي يُسْحَرُ بِهِ كُفْرًا فَالسَّاحِرُ مُرْتَدٌّ , وَإِنْ كَانَ لَيْسَ كُفْرًا فَلاَ يُقْتَلُ , لأََنَّهُ لَيْسَ كَافِرًا. وَذَكَرَ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي ذَلِكَ أَشْيَاءَ : كَمَا ، حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ , قَالَ : إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى جُزَيِّ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَمِّ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ وَكَانَ عَامِلاً لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنْ اُقْتُلْ كُلَّ سَاحِرٍ , وَكَانَ بَجَالَةُ كَاتِبَ جُزَيٍّ , قَالَ بَجَالَةُ : فَأَرْسَلْنَا فَوَجَدْنَا ثَلاَثَ سَوَاحِرَ , فَضَرَبْنَا أَعْنَاقَهُنَّ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ : إنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ قَتَلَ سَاحِرًا وَعَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّ جَارِيَةً لِحَفْصَةَ سَحَرَتْهَا فَاعْتَرَفَتْ بِذَلِكَ فَأَمَرَتْ بِهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ زَيْدٍ فَقَتَلَهَا , فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا عُثْمَانُ , فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ : مَا تُنْكِرُ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ امْرَأَةٌ سَحَرَتْ وَاعْتَرَفَتْ فَسَكَتَ عُثْمَانُ. وَعَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ : أَنَّ حَفْصَةَ سُحِرَتْ فَأَمَرَتْ عُبَيْدَ اللَّهِ أَخَاهَا فَقَتَلَ سَاحِرَتَيْنِ , وَعَنْ الْعَطَّافِ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ أَبُو صَفْوَانَ قَالَ : رَأَيْت سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى جِدَارِ بَيْتٍ لِبَنِي أَخٍ لَهُ يَتَامَى , أَتَاهُ غِلْمَةٌ أَرْبَعَةٌ , وَمَعَهُمْ غُلاَمٌ هُوَ أَشَفُّ مِنْهُمْ , فَقَالَ : يَا أَبَا عُمَرَ اُنْظُرْ مَا يَصْنَعُ هَذَا قَالَ : وَمَاذَا يَصْنَعُ قَالَ : فَسَلْ خَيْطًا مِنْ ثَوْبِهِ فَقَطَعَهُ وَسَالِمٌ يَنْظُرُ إلَيْهِ فَجَمَعَهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ ثُمَّ تَفَلَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا , ثُمَّ مَدَّهُ , فَإِذَا هُوَ صَحِيحٌ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ , فَسَمِعْت سَالِمًا يَقُولُ : لَوْ كَانَ لِي مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ لَصَلَبْتُهُ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ : أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْمُهَاجِرِ بْنِ خَالِدٍ قَتَلَ نَبَطِيًّا سَحَرَ يَعْنِي ذِمِّيًّا. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ , قَالَ : إنَّ غُلاَمًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَذَ سَاحِرَةً فَأَلْقَاهَا فِي الْمَاءِ فَطَفَتْ , فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : إنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْك أَنْ تُلْقِيهَا فِي الْمَاءِ , فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَاقْتُلْهَا. وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : يُقْتَلُ سَاحِرُ الْمُسْلِمِينَ , وَلاَ يُقْتَلُ سَاحِرُ أَهْلِ الْكِتَابِ , لأََنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَحَرَهُ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ : ابْنُ أَعْصَمَ , وَامْرَأَةٌ مِنْ خَيْبَرَ يُقَالُ لَهَا : زَيْنَبُ , فَلَمْ يَقْتُلْهُمَا قال أبو محمد رحمه الله : فَهَؤُلاَءِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ , وَحَفْصَةُ , وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنَاهُ , وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنَهُ , وَعُثْمَانُ , وَقَيْسُ بْنُ رَبِيعَةَ. وَمِنْ التَّابِعِينَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , وَخَالِدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ , وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ. وَأَمَّا مَنْ خَالَفَ هَذَا : فَكَمَا ، حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ أَبُو الرِّجَالِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ : أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَعْتَقَتْ جَارِيَةً لَهَا عَنْ دُبُرٍ , وَأَنَّهَا سَحَرَتْهَا وَاعْتَرَفَتْ بِذَلِكَ , وَقَالَتْ : أَحْبَبْت الْعِتْقَ , فَأَمَرَتْ بِهَا عَائِشَةُ ابْنَ أَخِيهَا أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ الأَعْرَابِ مِمَّنْ يُسِيءُ مَلْكَتِهَا , وَقَالَتْ : ابْتَعْ بِثَمَنِهَا رَقَبَةً فَأَعْتِقْهَا. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ عَمْرَةَ , قَالَتْ : مَرِضَتْ عَائِشَةُ فَطَالَ مَرَضُهَا , فَذَهَبَ بَنُو أَخِيهَا إلَى رَجُلٍ , فَذَكَرُوا لَهُ مَرَضَهَا فَقَالَ : إنَّكُمْ لِتُخْبِرُونِي خَبَرَ امْرَأَةٍ مَطْبُوبَةٍ , فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ , فَإِذَا جَارِيَةٌ لَهَا قَدْ سَحَرَتْهَا وَكَانَتْ قَدْ دَبَّرَتْهَا , فَقَالَتْ لَهَا : مَا أَرَدْتِ مِنِّي قَالَتْ : أَرَدْتُ أَنْ تَمُوتِي حَتَّى أَعْتِقَ , قَالَتْ : فَإِنَّ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ تُبَاعَ مِنْ أَشَدِّ الْعَرَبِ مَلِكَةً , فَبَاعَتْهَا , وَأَمَرَتْ بِثَمَنِهَا أَنْ يُجْعَلَ فِي مِثْلِهَا. وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَطَاءٍ أَنَّ رَجُلاً عَبْدًا سَحَرَ جَارِيَةً عَرَبِيَّةً , وَكَانَتْ تَتْبَعُهُ , فَرَفَعَ إلَى عُرْوَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَكَانَ عَامِلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : أَنْ يَبِيعَهُ بِغَيْرِ أَرْضِهَا وَأَرْضِهِ , ثُمَّ ادْفَعْ ثَمَنَهُ إلَيْهَا وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه إنْكَارَ قَتْلِ السَّاحِرِ قال أبو محمد : فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ , فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مِنْ رَأَى قَتْلَ السَّاحِرَ , فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَأَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : وَأَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : وَأَمَّا الأَقْطَعُ فَرَجُلٌ تُقْطَعُ يَدُهُ فَتُدْخَلُ الْجَنَّةَ قَبْلَ جَسَدِهِ بِبُرْهَةٍ مِنْ الدَّهْرِ. فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الأَقْطَعَ , زَيْدَ بْنَ صُوحَانَ , قُطِعَتْ يَدُهُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ قَبْلَ يَوْمِ الْجَمَلِ مَعَ عَلِيٍّ وَأَمَّا جُنْدُبُ , فَهُوَ الَّذِي قَتَلَ السَّاحِرَ. وَقَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ هُوَ الْجَوْنِيُّ أَنَّ سَاحِرًا كَانَ عِنْدَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ فَجَعَلَ يَدْخُلُ فِي بَقَرَةٍ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا , فَرَآهُ جُنْدُبٌ , فَذَهَبَ إلَى بَيْتِهِ فَالْتَفَعَ عَلَى سَيْفِهِ , فَلَمَّا دَخَلَ السَّاحِرُ جَوْفَ الْبَقَرَةِ ضَرَبَهُمَا , قَالَ : أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ فَانْدَفَعَ النَّاسُ وَتَفَرَّقُوا وَقَالُوا : حَرُورِي , فَسَجَنَهُ الْوَلِيدُ , وَكَتَبَ بِهِ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَكَانَ يُفْتَحُ لَهُ بِاللَّيْلِ فَيَذْهَبُ إلَى أَهْلِهِ , فَإِذَا أَصْبَحَ رَجَعَ إلَى السِّجْنِ قَالَ : فَيَرَوْنَ أَنَّ جُنْدُبًا صَاحِبَ الضَّرْبَةِ قال أبو محمد رحمه الله : مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا , قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ لَهُمْ غَايَةَ التَّقَصِّي , وَأَتَيْنَا بِمَا لَمْ نَذْكُرْهُ أَيْضًا , وَكُلُّ ذَلِكَ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُ , إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : أَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ : أَمَّا قَوْلُ عُمَرَ رضي الله عنه فَإِنَّهُ خَبَرٌ صَحِيحٌ عَنْهُ أَخَذُوا مَا اشْتَهَوْا مِنْهُ , وَتَرَكُوا سَائِرَهُ , وَهُوَ خَبَرٌ : حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ , وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ , كِلاَهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ : سَمِعْت بَجَالَةَ كَاتِبَ جُزَيٍّ يُحَدِّثُ أَبَا الشَّعْثَاءِ , وَعَمْرَو بْنَ أَوْسٍ عَنْ صِفَةِ زَمْزَمَ فِي إمَارَةِ الْمُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ : كُنْتُ كَاتِبًا لِجُزَيٍّ عَمِّ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ فَأَتَى كِتَابُ عُمَرَ قَبْلَ مَوْتِهِ , بِسَنَةٍ : اُقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَجُوسِ , وَانْهَهُمْ عَنْ الزَّمْزَمَةِ , قَالَ : فَقَتَلْنَا ثَلاَثَ سَوَاحِرَ , قَالَ : وَصَنَعَ طَعَامًا كَثِيرًا وَعَرَضَ السَّيْفَ , ثُمَّ دَعَا الْمَجُوسَ فَأَلْقَوْا وِقْرَ بَغْلٍ , أَوْ بَغْلَيْنِ مِنْ وَرِقِ أَخِلَّةً , كَانُوا يَأْكُلُونَ بِهَا , وَأَكَلُوا بِغَيْرِ زَمْزَمَةٍ , قَالَ : وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ أَخَذَ مِنْ الْمَجُوسِ الْجِزْيَةَ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ أَهْلِ هَجَرَ فَهَكَذَا الْحَدِيثُ. وَالْمَالِكِيُّونَ , وَالْحَنَفِيُّونَ يُخَالِفُونَ عُمَرَ فِي هَذَا الْخَبَرِ فِيمَا لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ فِيهِ مِنْ أَمْرِهِ : بِأَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَجُوسِ , لأََنَّ هَذَا هُوَ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى إذْ يَقُولُ تَعَالَى : وَأَمَّا حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَتَلَ سَاحِرًا فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ السَّاحِرُ كَافِرًا أَضَرَّ بِمُسْلِمٍ فَقَتَلَهُ وَهَكَذَا نَقُولُ. وَأَيْضًا فَقَدْ صَحَّ خِلاَفُ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ،. فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِحَدِيثِ قَيْسٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ حَفْصَةَ , وَابْنِ عُمَرَ فَقَدْ قلنا : إنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الآثَارِ الَّتِي ذَكَرُوا فِي ذَلِكَ : فَوَجَدْنَا خَبَرَ الْحَسَنِ مُرْسَلاً , وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلِّقٌ أَصْلاً , لأََنَّهُ إنَّمَا فِيهِ حَدُّ السَّاحِرِ : ضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ , وَلَيْسَ فِيهِ قَتْلُهُ , وَالضَّرْبَةُ قَدْ تُخْطِئُ فَتَجْرَحُ فَقَطْ , وَقَدْ تَقْتُلُ فَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَذَا الْخَبَرَ وَأَوْجَبُوا قَتْلَهُ ، وَلاَ بُدَّ. وَأَمَّا خَبَرُ جُنْدُبَ فَفِي غَايَةِ السُّقُوطِ : أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ لاَ يُدْرَى مِمَّنْ سَمِعَهُ أَبُو الْعَلاَءِ. فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ الآيَةُ فَوَجَبَ النَّظَرُ فِيهَا , فَفَعَلْنَا بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَابْتَدَأْنَا بِأَوَّلِهَا مِنْ قوله تعالى : فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَاهُ لَيْسَ كَمَا ظَنُّوا , وَأَنَّ قَوْلَهُمْ هَذَا دَعْوَى بِلاَ برهان , بَلْ الْقَوْلُ الظَّاهِرُ هُوَ أَنَّ الْكَلاَمَ تَمَّ عِنْدَ قوله تعالى : {كَفَرُوا} وَكَمُلَتْ الْقِصَّةُ , وَقَامَتْ بِنَفْسِهَا صَحِيحَةٌ تَامٌّ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا. ثُمَّ ابْتَدَأَ تَعَالَى قِصَّةً أُخْرَى مُبْتَدَأَةً , وَهُوَ : وَأَيْضًا فَإِنَّ نَصَّ قَوْلِهِمْ : إنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا بِتَعْلِيمِ النَّاسِ السِّحْرَ وَهُمْ يَزْعُمُونَ : أَنَّ الْمَلَكَيْنِ يُعَلِّمَانِ النَّاسَ السِّحْرَ , وَلاَ يَكْفُرُ الْمَلَكَانِ عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ , فَقَدْ أَقَرُّوا بِاخْتِلاَفِ حُكْمِ تَعْلِيمِ السِّحْرِ , وَأَنَّهُ يَكُونُ كُفْرًا , وَلاَ يَكُونُ كُفْرًا بِذَلِكَ , فَإِذْ قَدْ قَالُوا ذَلِكَ , فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ : أَنَّ حُكْمَ السَّاحِرِ مِنْ النَّاسِ الْكُفْرُ قِيَاسًا عَلَى الشَّيَاطِينِ , دُونَ أَنْ لاَ يَكُونَ كُفْرًا قِيَاسًا عَلَى الْمَلَكَيْنِ فَكَيْفَ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ. فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي تَكْفِيرِ السَّاحِرِ مِنْ النَّاسِ : بِأَنَّ الشَّيَاطِينَ يَكْفُرُونَ بِتَعْلِيمِهِ هَذَا لَوْ صَحَّ لَهُمْ أَنَّ كُفْرَ الشَّيَاطِينِ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ بِتَعْلِيمِهِمْ النَّاسَ السِّحْرَ خَاصَّةً وَهَذَا لاَ يَصِحُّ لَهُمْ أَبَدًا. بَلْ قَدْ كَفَرُوا قَبْلَ ذَلِكَ , فَكَانَ تَعْلِيمُهُمْ النَّاسَ السِّحْرَ ضَلاَلاً زَائِدًا , وَمَعْصِيَةً حَادِثَةً أُخْرَى , وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى ظَاهِرِ الآيَةِ الَّذِي لاَ يَجُوزُ أَنْ يُحَالَ عَنْهُ أَلْبَتَّةَ , إِلاَّ بِالدَّعْوَى الْعَارِيَّةِ مِنْ الْبُرْهَانِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ صِرْنَا إلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وأعجب مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إبَاحَةُ الْحَنَفِيِّينَ لِمَنْ طَالَتْ يَدُهُ مِنْ الْفُسَّاقِ , وَلِمَنْ قَصُرَتْ يَدُهُ مِنْهُمْ أَنْ يَأْتِيَ إلَى مَنْ عَشِقَ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْمِلَ السَّوْطَ عَلَى ظَهْرِهِ حَتَّى يَنْطِقَ بِطَلاَقِهَا مُكْرَهٌ , فَإِذَا اعْتَدَّتْ أَكْرَهَهَا الْفَاسِقُ عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَهُ بِالسِّيَاطِ أَيْضًا , حَتَّى تَنْطِقَ بِالرِّضَا مُكْرَهَةً , فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ نِكَاحًا طَيِّبًا , وَزَوَاجًا مُبَارَكًا , وَوَطْئًا حَلاَلاً يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَتَاللَّهِ , مَا فِي شَرِيعَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ أَعْظَمُ إثْمًا , وَلاَ أَشْنَعُ حَرَامًا وَأَبْعَدُ مِنْ رِضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى , وَلاَ أَدْنَى , مِنْ رَأْيِ إبْلِيسَ , وَمِنْ الشَّيَاطِينِ , مِنْ هَذَا التَّفْرِيقِ الَّذِي أَمْضَوْهُ , وَأَجَازُوهُ , وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ مِنْ مِثْلِ هَذَا وَشِبْهِهِ. وَقَدْ نَجِدُ النَّمَّامَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ فَلاَ يَكُونُ بِذَلِكَ كَافِرًا , فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنْ يُكَفِّرُوا السَّاحِرَ بِذَلِكَ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا النَّصِّ جُمْلَةً. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي قوله تعالى كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الآخَرِ . قال أبو محمد رحمه الله : وَهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ لِبَاسَ الْحَرِيرِ لَيْسَ كُفْرًا , وَلاَ يَحِلُّ قَتْلُ لاَبِسِهِ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الآيَةِ , وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. فَنَظَرْنَا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي الآيَةِ مُتَعَلِّقٌ أَصْلاً , وَلاَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ , وَلاَ مِنْ السُّنَنِ الصِّحَاحِ , وَلاَ فِي السُّنَنِ الْوَاهِيَةِ , وَلاَ فِي إجْمَاعٍ , وَلاَ فِي قَوْلِ صَاحِبٍ , وَلاَ فِي قِيَاسٍ , وَلاَ نَظَرٍ , وَلاَ رَأْيٍ سَدِيدٍ يَصِحُّ , بَلْ كُلُّ هَذِهِ الْوُجُوهِ مُبْطِلَةٌ لِقَوْلِهِمْ. فَلَمَّا بَطَلَ قَوْلُ مَنْ رَأَى أَنْ يَقْتُلَ السَّاحِرَ جُمْلَةً , وَقَوْلُ مَنْ ادَّعَى أَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ بِالْجُمْلَةِ : وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي الْقَوْلِ الثَّالِثِ : فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ وَقَالَ تَعَالَى وَقَالَ تَعَالَى وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. فَصَحَّ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ : أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ فَدَمُهُ حَرَامٌ إِلاَّ بِنَصٍّ ثَابِتٍ أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقِّنٍ فَنَظَرْنَا هَلْ نَجِدُ فِي السِّحْرِ نَصًّا ثَابِتًا بِتِبْيَانٍ مَا هُوَ فَوَجَدْنَا مِنْ طَرِيق مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ , قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ : الشِّرْكُ بِاَللَّهِ , وَالسِّحْرُ , وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ , وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ , وَأَكْلُ الرِّبَا , وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ , وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ. فَكَانَ هَذَا بَيَانًا جَلَّيَا بِأَنَّ السِّحْرَ لَيْسَ مِنْ الشِّرْكِ , وَلَكِنَّهُ مَعْصِيَةٌ مُوبِقَةٌ كَقَتْلِ النَّفْسِ وَشَبَهِهَا , فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَصَحَّ أَنَّ السِّحْرَ لَيْسَ كُفْرًا , وَإِذَا لَمْ يَكُنْ كُفْرًا فَلاَ يَحِلُّ قَتْلُ فَاعِلِهِ , لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ : كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ , وَزِنًى بَعْدَ إحْصَانٍ , وَنَفْسٌ بِنَفْسٍ. فَالسَّاحِرُ لَيْسَ كَافِرًا كَمَا بَيَّنَّا , وَلاَ قَاتِلاً , وَلاَ زَانِيًا مُحْصَنًا , وَلاَ جَاءَ فِي قَتْلِهِ نَصٌّ صَحِيحٌ فَيُضَافُ إلَى هَذِهِ الثَّلاَثِ , كَمَا جَاءَ فِي الْمُحَارِبِ , وَالْمَحْدُودِ فِي الْخَمْرِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. فَصَحَّ تَحْرِيمُ دَمِهِ بِيَقِينٍ لاَ إشْكَالَ فِيهِ. وَوَجَدْنَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ : إنَّ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ حَدَّثَهُمْ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُحِرَ حَتَّى يَرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ ، وَلاَ يَأْتِيهِنَّ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ : وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ السِّحْرِ فَقَالَ : يَا عَائِشَةُ أَعَلِمْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتِهِ فِيهِ أَتَانِي رَجُلاَنِ , فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي , وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلِي , فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلآخَرِ : مَا بَالُ الرَّجُلِ فَقَالَ : مَطْبُوبٌ , قَالَ : وَمَنْ طَبَّهُ قَالَ : لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ حَلِيفُ الْيَهُودِ , وَكَانَ مُنَافِقًا قَالَ : وَفِيمَ قَالَ : فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ , قَالَ : وَأَيْنَ قَالَ : فِي جُفِّ طَلْعَةِ ذَكَرٍ , تَحْتَ رَاعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ , قَالَ : فَأَتَى الْبِئْرَ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ , قَالَ : فَهَذِهِ الْبِئْرُ الَّتِي رَأَيْتُهَا , كَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ , وَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ , قَالَ : فَاسْتُخْرِجَ , فَقُلْتُ : أَفَلاَ تَنَشَّرْتَ قَالَ : أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ شَفَانِي , وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا قال أبو محمد : فَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ , وَقَدْ عَرَّفَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَحَرَهُ , فَلَمْ يَقْتُلْهُ. فإن قيل : فَإِنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : أَنَّهُ كَانَ مُنَافِقًا , وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ : أَنَّهُ كَانَ يَهُودِيًّا وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ : إنَّ الْكَافِرَ إذَا أَضَرَّ بِمُسْلِمٍ وَجَبَ قَتْلُهُ , وَبَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ , وَأَنَّ الْمُنَافِقَ إذَا عُرِفَ وَجَبَ قَتْلُهُ قلنا : إنَّنَا كَذَلِكَ نَقُولُ , لأََنَّ الْبُرْهَانَ قَامَ بِذَلِكَ. وَأَمَّا الذِّمِّيُّ إذَا أَضَرَّ بِمُسْلِمٍ , فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا الْمُنَافِقُ فَإِذَا عُرِفَ أَنَّهُ كَافِرٌ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَافْتَلُوهُ فَهَذَا الْمُنَافِقُ أَوْ الْيَهُودِيُّ , نَحْنُ عَلَى يَقِينٍ لاَ مِرْيَةَ فِيهِ : أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ اللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ بِقَتْلِ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ , وَلاَ بِقَتْلِ مَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ الصَّغَارَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ. برهان ذَلِكَ لاَ يَشُكُّ أَنَّهُ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِقْدَارُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَتَعَمَّدُ عِصْيَانَ رَبِّهِ , فَلَوْ أَمَرَهُ رَبُّهُ تَعَالَى بِقَتْلِهِمْ لاََنْفَذَ ذَلِكَ , فَإِذْ لَمْ يَقْتُلْهُ عليه السلام , فَبِيَقِينٍ نَقْطَعُ وَنَبُتُّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الآيَةِ بِقَتْلِ أَهْلِ الْكِتَابِ مَا لَمْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ مَعَ الصَّغَارِ , وَقَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الأَمْرُ بِقَتْلِ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ. فَإِنْ قَالُوا : قُولُوا كَذَلِكَ فِي السَّاحِرِ قلنا : نَعَمْ , هَكَذَا نَقُولُ , وَهُوَ أَنَّ السَّاحِرَ بِهَذَا الْخَبَرِ حَرَامُ الدَّمِ , وَكَذَلِكَ الْيَهُودِيُّ يَضُرُّ بِالْمُسْلِمِ , فَكَيْفَ بِسَيِّدِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ مَنْ أَعْلَنَ الإِسْلاَمَ وَأَسَرَّ الْكُفْرَ. ثُمَّ صَحَّ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى بِتَحْرِيمِ دِمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْجِزْيَةِ مَعَ الصَّغَارِ , وَإِبَاحَتِهَا بِعَدَمِ ذَلِكَ وَصَحَّ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ , فَصِرْنَا إلَى ذَلِكَ , وَلَمْ يَأْتِ أَمْرٌ صَحِيحٌ بِقَتْلِ السَّاحِرِ , فَبَقِيَ عَلَى تَحْرِيمِ الدَّمِ فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ جُمْلَةً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. التَّعْزِيرُ قال أبو محمد رحمه الله : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مِقْدَارِ التَّعْزِيرِ : فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لَيْسَ لَهُ مِقْدَارٌ مَحْدُودٌ , وَجَائِزٌ أَنْ يَبْلُغَ بِهِ الْإِمَامُ مَا رَآهُ , وَأَنْ يُجَاوِزَ بِهِ الْحُدُودَ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحَدُ أَقْوَالِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ , وَالطَّحَاوِيِّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : التَّعْزِيرُ مِائَةُ جَلْدَةٍ فَأَقَلَّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : أَكْثَرُ التَّعْزِيرِ مِائَةُ جَلْدَةٍ إِلاَّ جَلْدَةً. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : أَكْثَرُ التَّعْزِيرِ تِسْعَةٌ وَسَبْعُونَ سَوْطًا فَأَقَلَّ هُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : أَكْثَرُ التَّعْزِيرِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ سَوْطًا فَأَقَلَّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى , وَأَحَدُ أَقْوَالِ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : أَكْثَرُ التَّعْزِيرِ ثَلاَثُونَ سَوْطًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : أَكْثَرُ التَّعْزِيرِ عِشْرُونَ سَوْطًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ يَتَجَاوَزُ بِالتَّعْزِيرِ تِسْعَةً وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : أَكْثَرُ التَّعْزِيرِ عَشْرَةُ أَسْوَاطٍ فَأَقَلَّ , لاَ يَجُوزُ أَنْ يَتَجَاوَزَ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ , وَقَوْلُ أَصْحَابِنَا قال أبو محمد رحمه الله : فَمِمَّا رُوِيَ فِي الْقَوْلِ الأَوَّلِ : مَا ناه أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ ، حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ فَلْحُونٍ ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَحْيَى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ : قَالَ لِي مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثِقَةٌ : أُتِيَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ وَهُوَ قَاضِي الْمَدِينَةِ وَمِنْ صَالِحِ قُضَاتِهَا بِرَجُلٍ خَبِيثٍ مَعْرُوفٍ بِاتِّبَاعِ الصِّبْيَانِ قَدْ لَصِقَ بِغُلاَمٍ فِي ازْدِحَامِ النَّاسِ حَتَّى أَفْضَى , فَبَعَثَ بِهِ هِشَامٌ إلَى مَالِكٍ , وَقَالَ : أَتَرَى أَنْ أَقْتُلَهُ قَالَ : وَكَانَ هِشَامٌ شَدِيدًا فِي الْحُدُودِ , فَقَالَ مَالِكٌ : أَمَّا الْقَتْلُ فَلاَ , وَلَكِنْ أُرِي أَنْ تَعَاقُبَهُ عُقُوبَةً مُوجِعَةً , فَقَالَ : كَمْ قَالَ : ذَلِكَ إلَيْك , فَأَمَرَ بِهِ هِشَامٌ فَجُلِدَ أَرْبَعُ مِائَةٍ سَوْطٍ , وَأَبْقَاهُ فِي السِّجْنِ , فَمَا لَبِثَ أَنْ مَاتَ , فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِمَالِكٍ , فَمَا اسْتَنْكَرَ , وَلاَ رَأَى أَنَّهُ أَخْطَأَ قال أبو محمد رحمه الله : وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سَحْنُونَ بْنِ سَعِيدٍ فِي كِتَابِهِ الَّذِي جَمَعَ فِيهِ أَحْكَامَ أَبِيهِ أَيَّامَ وِلاَيَتِهِ قَضَاءَ مَدِينَةِ الْقَيْرَوَانِ لأَبْنِ الأَغْلَبِ , قَالَ : شَكَا إلَى أَبِي رَجُلٌ يَأْتِي زَوْجَتَهُ أَنَّهُ غَيَّبَ عَنْهُ ابْنَتَهُ , وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَبَعَثَ فِي أَبِي الْجَارِيَةِ , قَالَ : أَيْنَ ابْنَتُك امْرَأَةُ هَذَا فَقَالَ : وَاَللَّهِ مَا أَتَتْنِي ، وَلاَ أَدْرِي أَيْنَ هِيَ ، وَلاَ لَهَا عِنْدِي عِلْمٌ , قَالَ : فَأَمَرَ بِهِ فَحَمَلَهُ إلَى وَسَطِ السُّوقِ , وَضُرِبَ مِائَةُ سَوْطٍ , ثُمَّ سَجَنَهُ , ثُمَّ أَخْرَجَهُ مَرَّةً ثَانِيَةً وَجَلَدَهُ فِي وَسَطِ السُّوقِ مِائَةَ سَوْطٍ ثُمَّ أَنَا أَشُكُّ أَذَكَرَ الثَّالِثَةَ أَوْ الرَّابِعَةَ أَمْ لاَ قَالَ : فَمَاتَ الرَّجُلُ مِنْ الضَّرْبِ فِي السِّجْنِ , ثُمَّ وَجَدَ ابْنَتَهُ فِي بَعْضِ الشِّعَابِ عِنْدَ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ. وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي فَكَمَا ، حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ حَدَّثَهُ , قَالَ : تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَاطِبٍ وَأَعْتَقَ مَنْ صَلَّى مِنْ رَقِيقِهِ وَصَامَ , وَكَانَتْ لَهُ نُوبِيَّةٌ قَدْ صَلَّتْ وَصَامَتْ وَهِيَ أَعْجَمِيَّةٌ لَمْ تَفْقَهْ , فَلَمْ يَرُعْهُ إِلاَّ حَمْلُهَا وَكَانَتْ ثَيِّبًا , فَذَهَبَ إلَى عُمَرَ فَزِعًا فَحَدَّثَهُ فَقَالَ : أَنْتَ الرَّجُلُ لاَ تَأْتِي بِخَيْرٍ , فَأَرْسَلَ إلَيْهَا عُمَرُ فَسَأَلَهَا , فَقَالَ : أَحَبِلْت قَالَتْ : نَعَمْ , مِنْ مَرْعُوشٍ بِدِرْهَمَيْنِ , فَصَادَفَ ذَلِكَ عِنْدَهُ : عُثْمَانُ , وَعَلِيًّا , وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ , فَقَالَ : أَشِيرُوا عَلَيَّ وَكَانَ عُثْمَانُ جَالِسًا فَاضْطَجَعَ , فَقَالَ عَلِيٌّ , وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ : قَدْ وَقَعَ عَلَيْهَا الْحَدُّ , فَقَالَ : أُشِرْ عَلَيَّ يَا عُثْمَانُ قَالَ : قَدْ أَشَارَ عَلَيْك أَخَوَاك , قَالَ : أَشِرْ عَلَيَّ أَنْتَ , قَالَ عُثْمَانُ : أَرَاهَا تَسْتَهِلُّ بِهِ كَأَنَّهَا لاَ تَعْرِفُهُ , فَلَيْسَ الْحَدُّ إِلاَّ عَلَى مَنْ عَلِمَهُ , فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ فَجُلِدَتْ مِائَةً ثُمَّ غَرَّبَهَا , ثُمَّ قَالَ : صَدَقَتْ , وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا الْحَدُّ إِلاَّ عَلَى مَنْ عَلِمَهُ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ قَالَ : سَمِعْت مَكْحُولاً يُحَدِّثُ أَنَّ رَجُلاً وَجَدَ فِي بَيْتِ رَجُلٍ بَعْدَ الْعَتَمَةِ مُلَفِّفًا فِي حَصِيرٍ , فَضَرَبَهُ عُمَرُ مِائَةً. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ إذَا وَجَدَ الرَّجُلَ مَعَ الْمَرْأَةِ فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ , جَلَدَهُمَا مِائَةً كُلُّ إنْسَانٍ مِنْهُمَا. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : أُتِيَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِرَجُلٍ وُجِدَ مَعَ امْرَأَةٍ فِي لِحَافٍ , فَضَرَبَهُمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعِينَ سَوْطًا , فَذَهَبَ أَهْلُ الْمَرْأَةِ وَأَهْلُ الرَّجُلِ فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ عُمَرُ لأَبْنِ مَسْعُودٍ مَا يَقُولُ هَؤُلاَءِ قَالَ : قَدْ فَعَلْت ذَلِكَ. وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّالِثُ فَرُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ضَرَبَ رَجُلاً دُونَ الْمِائَةِ وُجِدَ مَعَ امْرَأَةٍ فِي الْعَتَمَةِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ ثَلاَثُونَ سَوْطًا فَلِمَا رُوِّينَاهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ جَامِعٍ عَنْ شَقِيقٍ قَالَ : كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ حَقٌّ فَكَتَبَ إلَيْهَا يَخْرُجُ عَلَيْهَا فَأَمَرَ عُمَرُ بِأَنْ يُجْلَدَ ثَلاَثِينَ جَلْدَةً. وَأَمَّا مَنْ قَالَ عِشْرُونَ سَوْطًا فَ كَمَا رُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ , وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ , ثُمَّ اتَّفَقَا كِلاَهُمَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ الأَعْرَجِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى لاَ يُجْلَدْ فِي تَعْزِيرٍ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ سَوْطًا قال أبو محمد رحمه الله : فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ : فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ أَسْقَطَ التَّعْزِيرَ جُمْلَةً , وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ يُزَادُ فِيهِ عَشْرُ جَلَدَاتٍ , إذْ لَمْ يَبْقَ غَيْرُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ , إذْ سَائِرُ الأَقْوَالِ قَدْ سَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً. فَوَجَدْنَا الْمَنْعَ مِنْهُ جُمْلَةً , كَمَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَعَنْ عَطَاءٍ هُوَ كَانَ الأَصْلَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. لَكِنْ لَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلِيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ كَانَ ذَلِكَ مُطْلَقًا لِتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ , فَكَانَ هَذَا أَمْرًا مُجْمَلاً , لاَ نَدْرِي كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ التَّغْيِيرِ بِالْيَدِ كَيْفَ هُوَ لأََنَّ التَّغْيِيرَ بِالْيَدِ يَكُونُ بِالسَّيْفِ , وَبِالْحَجَرِ , وَيَكُونُ بِالرُّمْحِ , وَيَكُونُ بِالضَّرْبِ وَهَذَا لاَ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ إِلاَّ بِبَيَانٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عليه السلام. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ : فَوَجَدْنَاهُ أَبْعَدَ الأَقْوَالِ مِنْ الصَّوَابِ , لأََنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِقُرْآنٍ , وَلاَ بِسُنَّةٍ , وَلاَ بِدَلِيلِ إجْمَاعٍ , وَلاَ بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , وَلاَ بِرَأْيٍ سَدِيدٍ : فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ , فَوَجَدْنَا : مَا ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حَدَّثَنَا الْفَرَبْرِيُّ ، حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ ني يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لاَ يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ إِلاَّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ هَذَا بَيَانًا جَلِيًّا لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَتَعَدَّاهُ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي عَامِرٍ قَالَ : أُتِيَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِرَجُلٍ وُجِدَ تَحْتَ فِرَاشِ امْرَأَةٍ , فَقَالَ : اذْهَبُوا بِهِ فَقَلَبُوهُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ فِي مَكَان مُنَتَّنٍ , فَإِنَّهُ كَانَ فِي مَكَان شَرٌّ مِنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ رَجُلٍ : أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِمُسْتَعِدٍّ عَلَيْهِ , فَقَالَ : هَذَا احْتَلَمَ عَلَى أُمِّي الْبَارِحَةَ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : اذْهَبْ فَأَقِمْهُ فِي الشَّمْسِ وَاضْرِبْ ظِلَّهُ قال أبو محمد رحمه الله : وَمَنْ أَتَى مُنْكَرَاتٍ جَمَّةٍ , فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَضْرِبَهُ لِكُلِّ مُنْكَرٍ مِنْهَا عَشْرُ جَلَدَاتٍ فَأَقَلَّ بَالِغًا ذَلِكَ مَا بَلَغَ لأََنَّ الأَمْرَ فِي التَّعْزِيرِ جَاءَ مُجْمَلاً فِيمَنْ أَتَى مُنْكَرًا أَنْ يُغَيِّرَ بِالْيَدِ , وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الزَّانِي الَّذِي قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ وَالنَّصُّ أَنَّ الْإِيلاَجَ وَالتَّكْرَارَ سَوَاءٌ ، وَلاَ كَالشُّرْبِ الَّذِي قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ وَالنَّصُّ عَلَى أَنَّ الْجَرْعَةَ وَالسُّكْرَ سَوَاءٌ ، وَلاَ كَالسَّرِقَةِ الَّتِي قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ بِأَنَّ سَارِقَ رُبْعِ دِينَارٍ وَسَارِقَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ سَوَاءٌ ، وَلاَ كَالْقَذْفِ الَّذِي قَدْ صَحَّ النَّصُّ بِأَنَّ قَاذِفَ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ سَوَاءٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
|