الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
وَيُجْزِئُ فِي الْهَدْيِ: الْمَعِيبُ, وَالسَّالِمُ أَحَبُّ إلَيْنَا، وَلاَ تُجْزِئُ جَذَعَةٌ مِنْ الإِبِلِ, وَلاَ مِنْ الْبَقَرِ, وَلاَ مِنْ الْغَنَمِ, إلاَّ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فَقَطْ بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ نَهْيَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْعَرْجَاءِ الْبَيِّنِ عَرَجُهَا, وَالْعَوْرَاءِ الْبَيِّنِ عَوَرُهَا, وَالْمَرِيضَةِ الْبَيِّنِ مَرَضُهَا, وَالْعَجْفَاءِ الَّتِي لاَ تُنَقَّى, وَأَنْ لاَ يُضَحَّى بِشَرْقَاءَ, وَلاَ خَرْقَاءَ, وَلاَ مُقَابِلَةٍ, وَلاَ مُدَابِرَةٍ, إنَّمَا جَاءَ فِي الأَضَاحِيّ نَصًّا, وَالآُضْحِيَّةُ غَيْرُ الْهَدْيِ, وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ. وَقَدْ وَافَقْنَا الْمُخَالِفَ عَلَى اخْتِلاَفِ حُكْمِ الْهَدْيِ وَالآُضْحِيَّةِ فِي الإِشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ, وَحُكْمُهُ إذَا عَطِبَ قِبَلَ مَحِلِّهِ. فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُقَاسَ حُكْمُ الْهَدْيِ عَلَى الأَضَاحِيّ فِي مَكَان, وَلاَ يُقَاسُ عَلَيْهِ فِي مَكَان آخَرَ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ مُفَرِّقٍ بَيْنَ ذَلِكَ, وَالْهَدْيُ جَائِزٌ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ, وَلاَ تَجُوزُ الآُضْحِيَّةَ عِنْدَهُمْ إلاَّ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ; فَبَطَلَتْ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وأما الْجَذَعَةُ: فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: أَنَّ خَالَهُ أَبَا بُرْدَةَ بْنَ نِيَارٍ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذَا الْيَوْمَ اللَّحْمُ فِيهِ مَكْرُوهٌ, وَإِنِّي عَجَّلْتُ نَسِيكَتِي لاُِطْعِمَ أَهْلِي, وَجِيرَانِي, وَأَهْلَ دَارِي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعِدْ نُسُكًا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عِنْدِي عِنَاقَ لَبَنٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ فَقَالَ عليه السلام: هِيَ خَيْرُ نَسِيكَتَيْكَ, وَلاَ تُجْزِئُ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ. وَهَذَا عُمُومٌ مِنْهُ عليه السلام وَابْتِدَاءُ قَضِيَّةٍ قَائِمَةٍ بِذَاتِهَا وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ هَذَا مَقْصُورًا عَلَى الآُضْحِيَّةَ لَوْ قَالَ عليه السلام: وَلاَ تُجْزِئُ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك, فَكَانَ يَكُونُ الضَّمِيرُ مَرْدُودًا إلَى الآُضْحِيَّةَ; لَكِنْ ابْتَدَأَ عليه السلام فَأَخْبَرَ: أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَهَا; فَعَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ. وَإِنَّمَا خَصَّصْنَا جَزَاءَ الصَّيْدِ بِنَصِّ قوله تعالى: وَلاَ يَجُوزُ لأَِحَدٍ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانَ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِهِ, فَإِنْ غَطَّى قُبُلَهُ وَدُبُرَهُ, فَلاَ يُسَمَّى: عُرْيَانَ, فَإِنْ انْكَشَفَ سَاهِيًا لَمْ يَضُرَّهُ, قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْمُحَرِّرِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْت مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى مَكَّةَ بِبَرَاءَةَ كُنَّا نُنَادِي: أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ, وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ. وَقَالَ تَعَالَى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ. وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ جَائِزٌ, وَلِلنُّفَسَاءِ, وَلاَ يَحْرُمُ إلاَّ عَلَى الْحَائِضِ فَقَطْ; لأَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنَعَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إذْ حَاضَتْ مِنْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. وَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَمَرَهَا عليه السلام بِأَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ, وَلَمْ يَنْهَهَا عَنْ الطَّوَافِ; فَلَوْ كَانَتْ الطَّهَارَةُ مِنْ شُرُوطِ الطَّوَافِ لَبَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا بَيَّنَ أَمْرَ الْحَائِضِ, وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ إجَازَتِهِمْ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ, وَالْمُزْدَلِفَةِ, وَالسَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ, وَرَمْيِ الْجَمْرَةِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ, وَبَيْنَ جَوَازِ الطَّوَافِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ إلاَّ حَيْثُ مَنَعَ مِنْهُ النَّصُّ فَقَطْ. رُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: حَاضَتْ امْرَأَةٌ وَهِيَ تَطُوفُ مَعَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَأَتَمَّتْ بِهَا عَائِشَةُ بَقِيَّةَ طَوَافِهَا فَهَذِهِ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ تَرَ الطَّهَارَةَ مِنْ شُرُوطِ الطَّوَافِ، وَلاَ نَقُولُ بِهَذَا فِي الْحَيْضِ خَاصَّةً لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ. فَلَوْ حَاضَتْ امْرَأَةٌ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا مِنْ الطَّوَافِ إلاَّ شَوْطٌ أَوْ بَعْضُهُ, أَوْ أَشْوَاطٌ, فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ, وَتَقْطَعُ، وَلاَ بُدَّ, فَإِذَا طَهُرَتْ بَنَتْ عَلَى مَا كَانَتْ طَافَتْهُ, وَلَهَا أَنْ تَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ; لأَِنَّهَا لَمْ تُنْهَ إلاَّ عَنْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَقَطْ. وَقَدْ وَافَقُونَا عَلَى إجَازَةِ كُلِّ ذَلِكَ لِلْحَائِضِ, لأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْهَهَا عَنْ ذَلِكَ, فَكَذَلِكَ لَمْ يَنْهَ الْجُنُبَ, وَلاَ النُّفَسَاءَ, عَنْ الطَّوَافِ, وَلاَ فَرْقَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ قَطَعَ طَوَافَهُ لِعُذْرٍ أَوْ لِكَلَلٍ بَنَى عَلَى مَا طَافَ, وَكَذَلِكَ السَّعْيُ; لأَِنَّهُ قَدْ طَافَ مَا طَافَ كَمَا أُمِرَ فَلاَ يَجُوزُ إبْطَالُهُ, فَلَوْ قَطَعَهُ عَابِثًا فَقَدْ بَطَلَ طَوَافُهُ, لأَِنَّهُ لَمْ يَطُفْ كَمَا أُمِرَ.
842 - مَسْأَلَةٌ: وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ رَاكِبًا جَائِزٌ, وَكَذَلِكَ رَمْيُ الْجَمْرَةِ: لِعُذْرٍ وَلِغَيْرِ عُذْرٍ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ثَنِيّ أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَافَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ, وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: طَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيَرَاهُ النَّاسُ وَلِيُشْرِفَ وَلِيَسْأَلُوهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ هُوَ خَالُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ وَاسْمُهُ خَالِدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ الْحُصَيْنِ قَالَتْ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَبِلاَلاً أَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنْ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ, وَعُرْوَةَ: الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ, وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .
843 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ التَّبَاعُدُ عَنْ الْبَيْتِ عِنْدَ الطَّوَافِ إلاَّ فِي الزِّحَامِ; لأَِنَّ التَّبَاعُدَ عَنْهُ عَمَلٌ بِخِلاَفِ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَبَثٌ لاَ مَعْنَى لَهُ فَلاَ يَجُوزُ. وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ جَائِزٌ, وَعِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ, وَعِنْدَ غُرُوبِهَا, وَيَرْكَعُ عِنْدَ ذَلِكَ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، حدثنا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، حدثنا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ: " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ تَمْنَعُنَّ أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ بِإِسْنَادِهِ: وَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ, وَالْحُسَيْنِ ابْنَيْ عَلِيٍّ, وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: الطَّوَافُ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالصَّلاَةُ حِينَئِذٍ إثْرَ الطَّوَافِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ طَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ: وَعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ طَافَ بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ وَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ حِينَئِذٍ. قال أبو محمد: إنَّمَا جَاءَ النَّهْيُ عَنْ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ جُمْلَةً فَمَنْ أَجَازَ الطَّوَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ فَقَدْ تَحَكَّمَ بِلاَ دَلِيلٍ.
845 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ فِي رَمْيِ الْجَمْرَةِ, وَالْحَلْقِ, وَالنَّحْرِ, وَالذَّبْحِ, وَطَوَافِ الإِفَاضَةِ, وَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ, أَنْ تُقَدِّمَ أَيَّهَا شِئْت عَلَى أَيُّهَا شِئْت لاَ حَرَجَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَهْزَادَ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَتَاهُ رَجُلٌ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ وَاقِفٌ عِنْدَ الْجَمْرَةِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ: ارْمِ, وَلاَ حَرَجَ, وَأَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: إنِّي ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ: ارْمِ، وَلاَ حَرَجَ, وَأَتَاهُ آخَرُ وَقَالَ: إنِّي أَفَضْت إلَى الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ: ارْمِ، وَلاَ حَرَجَ قَالَ فَمَا رَأَيْتُهُ يُسْأَلُ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ إلاَّ قَالَ: افْعَلُوا، وَلاَ حَرَجَ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ بِمِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَمْ أُشْعِرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ: ارْمِ، وَلاَ حَرَجَ, وَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَمْ أُشْعِرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ: ارْمِ، وَلاَ حَرَجَ قَالَ: فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيْءٍ يَوْمَئِذٍ قُدِّمَ أَوْ أُخِّرَ إلاَّ قَالَ: اصْنَعْ، وَلاَ حَرَجَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا أَبُو الْمُصْعَبِ عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أُشْعِرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ قَالَ: اذْبَحْ، وَلاَ حَرَجَ, فَقَالَ آخَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أُشْعِرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ: ارْمِ، وَلاَ حَرَجَ, فَمَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ, وَلاَ أُخِّرَ إلاَّ قَالَ: افْعَلْ، وَلاَ حَرَجَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حدثنا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، حدثنا وُهَيْبٍ، هُوَ ابْنُ خَالِدٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قِيلَ لَهُ فِي الذَّبْحِ, وَالْحَلْقِ وَالرَّمْيِ, وَالتَّقْدِيمِ, وَالتَّأْخِيرِ فَقَالَ: لاَ حَرَجَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَاجًّا فَكَانَ النَّاسُ يَأْتُونَهُ فَمِنْ قَائِلٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعَيْتُ قَبْلَ أَنْ أَطُوفَ أَوْ أَخَّرْتُ شَيْئًا أَوْ قَدَّمْتُ شَيْئًا فَكَانَ يَقُولُ: لاَ حَرَجَ لاَ حَرَجَ, ذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. قال أبو محمد: فَأَخَذَ بِهَذَا جُمْهُورٌ مِنْ السَّلَفِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا سُفْيَانُ، حدثنا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً مِنْ أَهْلِهِ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ. وَرُوِّينَا عَنْهُ غَيْرَ هَذَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ أَيْضًا حدثنا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَقِيَ ابْنَ أَخِيهِ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ قَدْ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُقَصِّرَ, ثُمَّ يَرْجِعَ فَيَفِيضَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْهَاشِمِيِّ، حدثنا رَوْحٌ، حدثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيِّ قُلْت لاِبْنِ عُمَرَ: رَجُلٌ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ قَالَ: خَالَفَ السُّنَّةَ, قُلْت: مَاذَا عَلَيْهِ قَالَ: إنَّك لَضَخْمُ اللِّحْيَةِ, وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِ شَيْئًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ، حدثنا الصَّاغَانِيُّ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ مُقَاتِلٍ: أَنَّهُمْ سَأَلُوا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ قَوْمٍ حَلَقُوا قَبْلَ أَنْ يَذْبَحُوا قَالَ: أَخْطَأْتُمْ السُّنَّةَ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْكُمْ. قَالَ عَلِيٌّ: مَا أَخْطَئُوا السُّنَّةَ، وَلاَ خَالَفُوهَا; لأَِنَّ مَا أَبَاحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَرَ فِيهِ حَرَجًا فَهُوَ سُنَّةٌ لَكِنْ تَرَكُوا الأَفْضَلَ فَقَطْ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى قَبْلَ الآُولَى قَالَ: يَرْمِي الَّتِي تَرَكَ وَأَجْزَأَهُ. وَبِهِ نَصًّا إلَى سُفْيَانَ, قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَنْ بَدَأَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَبْلَ الْبَيْتِ أَنَّهُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ, وَقَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ . وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّهُ أَتَى الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ بِمَكَّةَ ثَانِيَ يَوْمِ النَّحْرِ قَدْ بَدَأَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ, ثُمَّ الْوُسْطَى, ثُمَّ الآُخْرَى قَالَ: فَسَأَلْت فُقَهَاءَ مَكَّةَ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ صَدَقَةَ قَالَ: سَأَلْت طَاوُسًا, وَمُجَاهِدًا عَمَّنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ قَالاَ: لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ, وَالأَوْزَاعِيِّ, وَدَاوُد, وَأَصْحَابِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ غَيْرُ هَذَا: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا سَلاَّمُ بْنُ مُطِيعٍ وَهُوَ أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا مِنْ حَجِّهِ أَوْ أَخَّرَهُ فَلْيُهْرِقْ لِذَلِكَ دَمًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا قَبْلَ شَيْءٍ مِنْ حَجِّهِ أَوْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ, عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: مَنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ أَهْرَقَ دَمًا, وَقَرَأَ، وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ صَدَقَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: مَنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. قال أبو محمد: أَمَّا الرِّوَايَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَاهِيَةٌ; لأَِنَّهَا عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ, وَهُوَ ضَعِيفٌ وأما قَوْلُ إبْرَاهِيمَ, وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ فِي أَنَّ مَنْ حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ: فَعَلَيْهِ دَمٌ أَوْ الْفِدْيَةُ, وَاحْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَغَفْلَةٌ مِمَّنْ احْتَجَّ بِهَذَا; لأَِنَّ مَحِلَّ الْهَدْيِ هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ بِمِنًى ذَبَحَ أَوْ نَحَرَ, أَوْ لَمْ يَذْبَحْ، وَلاَ نَحْرَ إذَا دَخَلَ يَوْمُ النَّحْرِ وَالْهَدْيُ بِمِنًى أَوْ بِمَكَّةَ فَقَدْ بَلَغَ مَحِلَّهُ فَحَلَّ الْحَلْقُ, وَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى: حَتَّى تَنْحَرُوا أَوْ تَذْبَحُوا, وَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ، وَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ سِوَاهُ عليه السلام. وأما الْمُتَأَخِّرُونَ عَمَّنْ ذَكَرْنَا: فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: مَنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ, فَإِنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ أَوْ يَذْبَحَ فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا فَعَلَيْهِ دَمٌ, وَإِنْ كَانَ قَارِنًا فَعَلَيْهِ دَمَانِ. وَقَالَ زُفَرُ صَاحِبُهُ: إنْ حَلَقَ الْقَارِنُ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ أَوْ يَنْحَرَ فَعَلَيْهِ ثَلاَثَةُ دِمَاءَ; فَإِنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ; فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ, فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ, ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ هُوَ , وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ. وقال مالك: إنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ أَوْ يَنْحَرَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ, فَإِنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِي فَعَلَيْهِ دَمٌ. وقال الشافعي: لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا أَخَّرَ أَوْ قَدَّمَ إلاَّ مَنْ طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَعَلَيْهِ دَمٌ. قال أبو محمد: كُلُّ هَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ; لأَِنَّهَا كُلَّهَا دَعَاوَى بِلاَ دَلِيلٍ لاَ مِنْ قُرْآنٍ, وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ, وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ, وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ, وَلاَ مِنْ رَأْيٍ سَدِيدٍ فأما تَفْرِيقُ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ حُكْمِ الْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ, وَإِيجَابُ زُفَرَ ثَلاَثَةَ دِمَاءَ عَلَى الْقَارِنِ, وَدَمًا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ, وَتَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ تَقْدِيمِ الْحَلْقِ عَلَى الرَّمْيِ, وَتَقْدِيمُهُ عَلَى النَّحْرِ, وَالذَّبْحِ, وَتَفْرِيقُ الشَّافِعِيِّ بَيْنَ تَقْدِيمِ السَّعْيِ عَلَى الطَّوَافِ, وَبَيْنَ سَائِرِ مَا قُدِّمَ وَأُخِّرَ: فَأَقْوَالٌ لاَ تُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَبْلَ الْقَائِلِ بِهَا مِمَّنْ ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ لَمْ يَبِتْ لَيَالِيَ مِنًى بِمِنًى فَقَدْ أَسَاءَ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ إلاَّ الرِّعَاءَ وَأَهْلَ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ فَلاَ نَكْرَهُ لَهُمْ الْمَبِيتُ فِي غَيْرِ مِنًى; بَلْ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمًا وَيَدَعُوا يَوْمًا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ, وَمُحَمَّدِ ابْنَيْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمًا وَيَدْعُوا يَوْمًا. فَصَحَّ بِهَذَا الْخَبَرِ أَنَّ الرَّمْيَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ مِنًى لَيْسَ فَرْضًا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا ابْنُ نُمَيْرٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا أَبِي، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى فَأَذِنَ لَهُ. قال أبو محمد: فَأَهْلُ السِّقَايَةِ مَأْذُونٌ لَهُمْ مِنْ أَجْلِ السِّقَايَةِ, وَبَاتَ عليه السلام بِمِنًى وَلَمْ يَأْمُرْ بِالْمَبِيتِ بِهَا, فَالْمَبِيتُ بِهَا سُنَّةٌ, وَلَيْسَ فَرْضًا, لأَِنَّ الْفَرْضَ إنَّمَا هُوَ أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم فَقَطْ. فإن قيل: إنَّ إذْنَهُ لِلرِّعَاءِ وَتَرْخِيصَهُ لَهُمْ وَإِذْنَهُ لِلْعَبَّاسِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُمْ بِخِلاَفِهِمْ قلنا: لاَ وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ هَذَا لَوْ تَقَدَّمَ مِنْهُ عليه السلام أَمْرٌ بِالْمَبِيتِ وَالرَّمْيِ, فَكَانَ يَكُون هَؤُلاَءِ مُسْتَثْنَيْنَ مِنْ سَائِرِ مَنْ أُمِرُوا, وأما إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهُ أَمْرٌ عليه السلام فَنَحْنُ نَدْرِي أَنَّ هَؤُلاَءِ مَأْذُونٌ لَهُمْ, وَلَيْسَ غَيْرُهُمْ مَأْمُورًا بِذَلِكَ، وَلاَ مَنْهِيًّا فَهُمْ عَلَى الإِبَاحَةِ: رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ " لاَ يَبِيتَنَّ أَحَدٌ مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ أَيَّامَ مِنًى " وَصَحَّ هَذَا عَنْهُ رضي الله عنه وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ هَذَا; وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ الْمَبِيتَ بِغَيْرِ مِنًى أَيَّامَ مِنًى, وَلَمْ يَجْعَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ فِدْيَةً أَصْلاً. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لاَ بَأْسَ لِمَنْ كَانَ لَهُ مَتَاعٌ بِمَكَّةَ أَنْ يَبِيتَ بِهَا لَيَالِي مِنًى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا رَمَيْت الْجِمَارَ فَبِتْ حَيْثُ شِئْت. وَبِهِ إلَى إبْرَاهِيمَ بْنِ نَافِعٍ، حدثنا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى فِي ضَيْعَتِهِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ لاَ بَأْسَ بِأَنْ يَكُونَ أَوَّلَ اللَّيْلِ بِمَكَّةَ وَآخِرَهُ بِمِنًى أَوْ أَوَّلَ اللَّيْلِ بِمِنًى وَآخِرَهُ بِمَكَّةَ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ بَاتَ لَيَالِيَ مِنًى بِمَكَّةَ تَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ أَوْ نَحْوِهِ. وَعَنْ بُكَيْرِ بْنِ مِسْمَارٍ عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ مِثْلُ هَذَا أَيْضًا يَتَصَدَّقُ بِدِرْهَمٍ إذَا لَمْ يَبِتْ بِمِنًى. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: إذَا بَاتَ دُونَ الْعَقَبَةِ أَهْرَقَ دَمًا. وقال أبو حنيفة: بِمِثْلِ قَوْلِنَا, وَقَالَ سُفْيَانُ: يُطْعِمُ شَيْئًا, وقال مالك: مَنْ بَاتَ لَيْلَةً مِنْ لَيَالِي مِنًى بِغَيْرِ مِنًى أَوْ أَكْثَرَ لَيْلَتِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ, فَإِنْ بَاتَ الأَقَلَّ مِنْ لَيْلَتِهِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ. وقال الشافعي: مَنْ بَاتَ لَيْلَةً مِنْ لَيَالِي التَّشْرِيقِ فِي غَيْرِ مِنًى فَلْيَتَصَدَّقْ بِمُدٍّ فَإِنْ بَاتَ لَيْلَتَيْنِ, فَمُدَّانِ فَإِنْ بَاتَ ثَلاَثًا فَدَمٌ وَرُوِيَ عَنْهُ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثُ دَمٍ, وَفِي لَيْلَتَيْنِ ثُلُثَا دَمٍ وَفِي ثَلاَثِ لَيَالٍ دَمٌ. قال أبو محمد: هَذِهِ الأَقْوَالُ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا يَعْنِي الصَّدَقَةَ بِدِرْهَمٍ أَوْ بِإِطْعَامِ شَيْءٍ أَوْ بِإِيجَابِ دَمٍ, أَوْ بِمُدٍّ, أَوْ مُدَّيْنِ, أَوْ ثُلُثِ دَمٍ, أَوْ ثُلُثَيْ دَمٍ, أَوْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَبِيتِ أَكْثَرَ اللَّيْلِ, أَوْ أَقَلَّهُ, وَمَا كَانَ هَكَذَا فَالْقَوْلُ بِهِ لاَ يَجُوزُ, وَمَا نَعْلَمُ لِمَالِكٍ, وَلاَ لِلشَّافِعِيِّ فِي أَقْوَالِهِمْ هَذِهِ سَلَفًا أَصْلاً, لاَ مِنْ صَاحِبٍ, وَلاَ مِنْ تَابِعٍ. وَمَنْ رَمَى يَوْمَيْنِ, ثُمَّ نَفَرَ, وَلَمْ يَرْمِ الثَّالِثَ فَلاَ بَأْسَ بِهِ, وَمَنْ رَمَى الثَّالِثَ فَهُوَ أَحْسَنُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ وقال أبو حنيفة: إنْ نَفَرَ الْيَوْمَ الثَّانِيَ إلَى اللَّيْلِ لَزِمَهُ أَنْ يَرْمِي الثَّالِثَ: قال علي: وهذا خَطَأٌ, وَحُكْمٌ بِلاَ دَلِيلٍ وَخِلاَفٌ لِلْقُرْآنِ. وَالْمَرْأَةُ الْمُتَمَتِّعَةُ بِعُمْرَةٍ إنْ حَاضَتْ قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَفَرْضُهَا أَنْ تُضِيفَ حَجًّا إلَى عُمْرَتِهَا إنْ كَانَتْ تُرِيدُ الْحَجَّ مِنْ عَامِهَا وَتَعْمَلَ عَمَلَ الْحَجِّ حَاشَا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ, فَإِذَا طَهُرَتْ طَافَتْ, وَهَذَا لاَِمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةَ بِذَلِكَ قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ. وَلاَِمْرِهِ عليه السلام, أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ إذْ وَلَدَتْ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِالشَّجَرَةِ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ; وَنَحْنُ قَاطِعُونَ بِائْتِمَارِهَا لَهُ عليه السلام, وَأَنَّهُمَا لَوْ لَمْ يَغْتَسِلاَ لَكَانَتَا عَاصِيَتَيْنِ, وَقَدْ أَعَاذَهُمَا اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ ذَلِكَ.
850 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ تَعَمَّدَ مَعْصِيَةً أَيَّ مَعْصِيَةٍ كَانَتْ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِحَجِّهِ مُذْ يُحْرِمُ إلَى أَنْ يُتِمَّ طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ لِلإِفَاضَةِ وَيَرْمِيَ الْجَمْرَةَ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ; فَإِنْ أَتَاهَا نَاسِيًا لَهَا, أَوْ نَاسِيًا لاِِحْرَامِهِ وَدُخُولِهِ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ: فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِي نِسْيَانِهَا, وَحَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ تَامَّانِ فِي نِسْيَانِهِ كَوْنَهُ فِيهِمَا, وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَالَ: إنَّا لَنُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَأَخْشَى أَنْ لاَ أَخْرُجَ مِنْهُ حَتَّى أُخْرِجَ إحْرَامِي, أَوْ كَلاَمًا هَذَا مَعْنَاهُ وَإِنَّ شُرَيْحًا كَانَ إذَا أَحْرَمَ فَكَأَنَّهُ حَيَّةٌ صَمَّاءُ .
851 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ أَمْكَنَهُ تَجْدِيدُ الإِحْرَامِ فَلْيَفْعَلْ وَيَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ وَقَدْ أَدَّى فَرْضَهُ لأَِنَّ إحْرَامَهُ الأَوَّلَ قَدْ بَطَلَ وَأَفْسَدَهُ, وَالتَّمَادِي عَلَيْهِ لاَ يَجُوزُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: فِي سِبَابِ الْمُحْرِمِ دَمٌ; وَهُمْ يَجْعَلُونَ الدَّمَ فِيمَا لاَ يُكْرَهُ فِيهِ مِنْ الْمَبِيتِ فِي غَيْرِ مِنًى وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلاَ يَجْعَلُونَهُ فِي السِّبَابِ لِلْمُحْرِمِ فِي الْحَجِّ. وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ عَلَى بَعِيرٍ مَغْصُوبٍ, أَوْ جَلاَّلٍ بَطَلَ حَجُّهُ إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ, وأما مَنْ حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ فَأَنْفَقَهُ فِي الْحَجِّ وَلَمْ يَتَوَلَّ هُوَ حَمْلَهُ بِنَفْسِهِ فَحَجُّهُ تَامٌّ. أَمَّا الْمَغْصُوبُ, فَلأَِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَلَمْ يَحُجَّ كَمَا أُمِرَ وأما وُقُوفُهُ عَلَى بَعِيرٍ جَلاَّلٍ فَلِمَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِمَّا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ الرَّازِيّ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْجَهْمِ، حدثنا عَمْرٌو، هُوَ ابْنُ أَبِي قَيْسٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْجَلاَّلَةِ فِي الإِبِلِ أَنْ يُرْكَبَ عَلَيْهَا. وَبِهِ إلَى أَبِي دَاوُد، حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ هُوَ التَّنُّورِيُّ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ رُكُوبِ الْجَلاَّلَةِ. قال أبو محمد: وَالْجَلاَّلَةُ هِيَ الَّتِي عَلَفُهَا الْجُلَّةُ وَهِيَ الْعَذِرَةُ; فَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ عَلَى بَعِيرٍ جَلاَّلٍ فَلَمْ يَقِفْ كَمَا أُمِرَ; لأَِنَّهُ عَاصٍ فِي وُقُوفِهِ عَلَيْهِ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ طَاعَةٌ وَفَرْضٌ, وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَنُوبَ الْمَعْصِيَةُ عَنْ الطَّاعَةِ وَقَالَ عليه السلام: إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَمَنْ وَقَفَ بِهَا حَامِلاً لِمَالٍ حَرَامٍ, فَلَمْ يَقِفْ كَمَا أُمِرَ بَلْ وَقَفَ عَاصِيًا, فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ, وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَمَنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ لِلْحَرَامِ عَالِمًا بِهِ فَلَيْسَ عَاصِيًا, وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا فَهُوَ مُحْسِنٌ قَالَ تَعَالَى: مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ فَقَدْ وَقَفَ كَمَا أُمِرَ, وَعَفَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُ عَمَّا لَمْ يَعْلَمْهُ. وأما نَفَقَةُ الْمَالِ الْحَرَامِ فِي الْحَجِّ وَطَرِيقُهُ: فَهُوَ إنْ كَانَ عَاصِيًا بِذَلِكَ فَلَمْ يُبَاشِرْ الْمَعْصِيَةَ فِي حَالِ إحْرَامِهِ، وَلاَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ حَجِّهِ فَلَمْ يَخْلِطْ فِي عَمَلِهِ الْوَاجِبِ عَمَلاً مُحَرَّمًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكَذَلِكَ لَوْ رَكِبَ الْجَلاَّلَ فِي شَيْءٍ مِنْ إحْرَامِهِ أَوْ عَمَلِ حَجِّهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلاَّ بَطْنَ عُرَنَةَ, وَمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلاَّ بَطْنَ مُحَسِّرٍ; لأَِنَّ عَرَفَةَ مِنْ الْحِلِّ, وَبَطْنَ عُرَنَةَ مِنْ الْحَرَمِ فَهُوَ غَيْرُ عَرَفَةَ; وأما مُزْدَلِفَةُ فَهِيَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ وَهِيَ مِنْ الْحَرَمِ; وَبَطْنُ مُحَسِّرٍ مِنْ الْحِلِّ فَهُوَ غَيْرُ مُزْدَلِفَةَ. حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ، حدثنا جَعْفَرُ الصَّائِغُ، حدثنا أَبُو نَصْرٍ النِّمَارُ هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : كُلُّ عَرَفَاتٍ مَوْقِفٌ وَارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ, وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ. وَرَمْيُ الْجِمَارِ بِحَصًى قَدْ رُمِيَ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ جَائِزٌ, وَكَذَلِكَ رَمْيُهَا رَاكِبًا حَسَنٌ; أَمَّا رَمْيُهَا بِحَصًى قَدْ رُمِيَ بِهِ فَلأَِنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ قُرْآنٌ, وَلاَ سُنَّةٌ, وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ: فإن قيل: قَدْ رُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ حَصَى الْجِمَارِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُ رُفِعَ, وَمَا لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ تُرِكَ وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَكَانَ هِضَابًا تَسُدُّ الطَّرِيقَ قلنا: نَعَمْ فَكَانَ مَاذَا وَإِنْ لَمْ يُتَقَبَّلْ رَمْيُ هَذِهِ الْحَصَى مِنْ عَمْرٍو فَيُسْتَقْبَلُ مِنْ زَيْدٍ, وَقَدْ يَتَصَدَّقُ الْمَرْءُ بِصَدَقَةٍ فَلاَ يَقْبَلُهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ; ثُمَّ يَمْلِكُ تِلْكَ الْعَيْنَ آخَرُ فَيَتَصَدَّقُ بِهَا فَتُقْبَلُ مِنْهُ. وأما رَمْيُهَا رَاكِبًا حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ، حدثنا وَكِيعٌ، حدثنا أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ صَهْبَاءَ, لاَ ضَرْبَ, وَلاَ طَرْدَ, وَلاَ إلَيْكَ إلَيْكَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَقَلَّ مِنْ سَاعَةٍ: رَمْيُ الْجَمْرَتَيْنِ الآخِرَتَيْنِ رَاكِبًا أَفْضَلُ وَرَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ رَاجِلاً أَفْضَلُ; وَهَذَا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ بِلاَ بُرْهَانٍ بَلْ رَمْيُهَا رَاكِبًا أَفْضَلُ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . وَيُبْطِلُ الْحَجَّ تَعَمُّدُ الْوَطْءِ فِي الْحَلاَلِ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالأَمَةِ ذَاكِرًا لِحَجِّهِ أَوْ عُمْرَتِهِ فَإِنْ وَطِئَهَا نَاسِيًا; لأَِنَّهُ فِي عَمَلِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ, وَكَذَلِكَ يَبْطُلُ بِتَعَمُّدِهِ أَيْضًا حَجُّ الْمَوْطُوءَةِ وَعُمْرَتُهَا قَالَ تَعَالَى: فَلاَ رَفَثَ، وَلاَ فُسُوقَ، وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ; فَمَنْ جَامَعَ فَلَمْ يَحُجَّ, وَلاَ اعْتَمَرَ كَمَا أُمِرَ, وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وأما النَّاسِي, وَالْمُكْرَهُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ. وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَإِنْ وَطِئَ وَعَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِنْ طَوَافِ الإِفَاضَةِ أَوْ شَيْءٌ مِنْ رَمْيِ الْجَمْرَةِ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ كَمَا قلنا, قَالَ تَعَالَى: فَصَحَّ أَنَّ مَنْ رَفَثَ وَلَمْ يُكْمِلْ حَجَّهُ فَلَمْ يَحُجَّ كَمَا أُمِرَ, وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَقَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ يَبْطُلُ الْحَجُّ بِالْوَطْءِ بَعْدَ عَرَفَةَ; وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وقال مالك: إنْ وَطِئَ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ بَطَلَ حَجُّهُ, وَإِنْ وَطِئَ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ لَمْ يَبْطُلْ حَجُّهُ, وَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ قَبْلَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ لَمْ يَبْطُلْ حَجُّهُ. فأما قَوْلُ مَالِكٍ فَتَقْسِيمٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلاً. وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : الْحَجُّ عَرَفَةَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا لأَِنَّ الَّذِي قَالَ هَذَا هُوَ الَّذِي أَخْبَرَنَا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى بِ، أَنَّهُ قَالَ: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَبِ، أَنَّهُ قَالَ: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ. وَهُوَ الَّذِي أَمَرَ بِرَمْيِ الْجَمْرَةِ فَلاَ يَجُوزُ الأَخْذُ بِبَعْضِ قَوْلِهِ دُونَ بَعْضٍ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَقَوْلُهُ عليه السلام: الْحَجُّ عَرَفَةَ لاَ يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْحَجُّ غَيْرَ عَرَفَةَ أَيْضًا; وَقَدْ وَافَقَنَا الْمُخَالِفُ عَلَى أَنَّ امْرَأً لَوْ قَصَدَ عَرَفَةَ فَوَقَفَ بِهَا فَلَمْ يُحْرِمْ، وَلاَ لَبَّى, وَلاَ طَافَ, وَلاَ سَعَى فَلاَ حَجَّ لَهُ; فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِقَوْلِهِ عليه السلام: الْحَجُّ عَرَفَةَ. فَمَنْ وَطِئَ عَامِدًا كَمَا قلنا فَبَطَلَ حَجُّهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَمَادَى عَلَى عَمَلٍ فَاسِدٍ بَاطِلٍ لاَ يُجْزِئُ عَنْهُ لَكِنْ يُحْرِمُ مِنْ مَوْضِعِهِ, فَإِنْ أَدْرَكَ تَمَامَ الْحَجِّ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لاَ يُدْرِكُ تَمَامَ الْحَجِّ فَقَدْ عَصَى, وَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى, وَلاَ هَدْيَ فِي ذَلِكَ, وَلاَ شَيْءَ; إلاَّ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ, فَعَلَيْهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا: فَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنْ يَتَمَادَيَا فِي حَجِّهِمَا, ثُمَّ يَحُجَّانِ مِنْ قَابِلٍ وَيَتَفَرَّقَانِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي جَامَعَ فِيهِ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ وَعَلَيْهَا, وَهَذَا مُرْسَلٌ عَنْ عُمَرَ; لاَِنَّهُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عُمَرَ وَلَمْ يُدْرِكْ مُجَاهِدُ عُمَرَ. وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ عَلَى كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَنَةٌ وَيَتَفَرَّقَانِ إذَا حَجَّا مِنْ قَابِلٍ وَهَذَا مُرْسَلٌ عَنْ عَلِيٍّ, لاَِنَّهُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَلِيٍّ, وَالْحَكَمُ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا. وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَقْوَالاً مِنْهَا: أَنْ يَتَمَادَيَا عَلَى حَجِّهِمَا ذَلِكَ وَعَلَيْهِمَا هَدْيٌ وَحَجٌّ قَابِلٌ وَيَتَفَرَّقَانِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو, وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا صَامَ صِيَامَ الْمُتَمَتِّعِ, وَقَوْلٌ آخَرُ مِثْلُ هَذَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُعَوِّضْ مِنْ الدَّمِ صِيَامًا. وَعَنِ ابْنِ عَمْرٍو, وَابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ, وَلَمْ يَذْكُرُوا تَفْرِيقًا. وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ, وَيَتَفَرَّقَانِ مِنْ قَابِلٍ قَبْلَ الْمَوْضِعِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَدْيٌ. وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ، أَنَّهُ قَالَ لِلْمُجَامِعِ: أُفٍّ لاَ أُفْتِيكَ بِشَيْءٍ وأما مَنْ جَامَعَ بَعْدَ عَرَفَةَ: فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ مَنْ وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ وَالْهَدْيُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا: عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ وَبَدَنَةٌ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزُورٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَنْ وَاقَعَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا بَدَنَةٌ. وَرُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لاَ هَدْيَ إلاَّ عَلَى الْمُحْصَرِ. وقال أبو حنيفة: إنْ وَطِئَ قَبْلَ عَرَفَةَ تَمَادَيَا عَلَى حَجِّهِمَا ذَلِكَ وَعَلَيْهِمَا حَجٌّ; قَابِلٌ وَهَدْيٌ وَيُجْزِئُ فِي ذَلِكَ شَاةٌ، وَلاَ يَتَفَرَّقَانِ, فَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ عَرَفَةَ فَحَجُّهُ تَامٌّ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ. قال أبو محمد: فَكَانَ مِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُ إذَا بَطَلَ حَجُّهُ أَجْزَأَهُ هَدْيُ شَاةٍ وَإِذَا تَمَّ حَجُّهُ لَمْ يُجِزْهُ إلاَّ بَدَنَةٌ, وَهَذَا تَقْسِيمٌ مَا رُوِيَ عَنْ أَحَدٍ; فَإِنْ تَعَلَّقَ بِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَدْ اخْتَلَفَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا ذَكَرْنَا وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم, وَلَيْسَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ, وَهَذَا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعَمٍ لَمْ يُوجِبْ فِي ذَلِكَ هَدْيًا أَصْلاً، وَلاَ أَمَرَ بِالتَّمَادِي عَلَى الْحَجِّ. قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْحَجَّ إنَّمَا يَجِبُ مَرَّةً; وَمَنْ أَلْزَمهُ التَّمَادِي عَلَى ذَلِكَ الْحَجِّ الْفَاسِدِ, ثُمَّ أَلْزَمَهُ حَجًّا آخَرَ فَقَدْ أَلْزَمَهُ حَجَّتَيْنِ, وَهَذَا خِلاَفُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ, وَهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ أَبْطَلَ صَلاَتَهُ أَنَّهُ لاَ يَتَمَادَى عَلَيْهَا فَلِمَ أَلْزَمُوهُ التَّمَادِي عَلَى الْحَجِّ وَقَدْ خَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ ابْنَ عَبَّاسٍ, وَعُمَرَ, وَعَلِيًّا فِيمَا رُوِيَ عنهم مِنْ التَّفَرُّقِ فَلاَ نَكِرَةَ فِيمَنْ خَالَفَ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي قَوْلٍ قَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلاَفُهُ, وَإِنَّمَا هُمْ سِتَّةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مُخْتَلِفُونَ كَمَا ذَكَرْنَا, فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى الْقُرْآنِ, وَالسُّنَّةِ, وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُوجَبُ هَدْيٌ بِغَيْرِ قُرْآنٍ, وَلاَ عَهْدٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ, وَطَاوُسٍ فِيمَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ: أَنَّ حَجَّهُ يَصِيرُ عُمْرَةً وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَبَدَنَةٌ فَلَمْ يَرَيَا عَلَيْهِ التَّمَادِي فِي عَمَلِ الْحَجِّ. وَرُوِّينَا عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّهُمَا يَرْجِعَانِ إلَى حَدِّهِمَا يَعْنِي الْمِيقَاتَ وَيُهِلاَّنِ بِعُمْرَةٍ, وَيَتَفَرَّقَانِ, وَيُهْدِيَانِ هَدْيًا هَدْيًا. وَعَنْ الْحَسَنِ فِيمَنْ وَطِئَ قَبْلَ طَوَافِ الإِفَاضَةِ قَالَ: عَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَلَمْ يَذْكُرْ هَدْيًا أَصْلاً. وقال مالك: إنْ وَطِئَ قَبْلَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ يَوْمَ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ وَحَجٌّ قَابِلٌ وَيَتَفَرَّقَانِ مِنْ حَيْثُ جَامَعَهَا; فَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ فَحَجُّهُ تَامٌّ وَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَهَدْيُ بَدَنَةٍ, فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبَقَرَةٌ, فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَشَاةٌ, فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ صِيَامَ الْمُتَمَتِّعِ, فَكَانَ إيجَابُ الْعُمْرَةِ, هَاهُنَا عَجَبًا لاَ يُدْرَى مَعْنَاهُ وَكَذَلِكَ تَقْسِيمُهُ الْهَدْيَ وَتَقْسِيمُهُ وَقْتَ الْوَطْءِ، وَلاَ يُعْرَفُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. وقال الشافعي: إنْ وَطِئَ مَا بَيْنَ أَنْ يُحْرِمَ إلَى أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَسَدَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ, فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَدَنَةً فَبَقَرَةٌ, فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَقَرَةً فَسَبْعٌ مِنْ الْغَنَمِ, فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قُوِّمَتْ الْبَدَنَةُ بِمَكَّةَ دَرَاهِمَ, ثُمَّ قُوِّمَتْ الدَّرَاهِمُ طَعَامًا فَأَطْعَمَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا, فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا, فَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَحَجُّهُ تَامٌّ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ فَكَانَ هَذَا أَيْضًا قَوْلاً لاَ يُؤَيِّدُهُ قُرْآنٌ, وَلاَ سُنَّةٌ, وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ, وَلاَ قِيَاسٌ, وَلاَ يُوجَدُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ أَخْطَأَ فِي رُؤْيَةِ الْهِلاَلِ لِذِي الْحِجَّةِ فَوَقَفَ بِعَرَفَةَ الْيَوْمَ الْعَاشِرَ وَهُوَ يَظُنُّهُ التَّاسِعَ, وَوَقَفَ بِمُزْدَلِفَةَ اللَّيْلَةَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ وَهُوَ يَظُنُّهَا الْعَاشِرَةَ: فَحَجُّهُ تَامٌّ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ, لأَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقُلْ: إنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ لاَ يَكُونُ إلاَّ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ أَوْ اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ مِنْهَا; وَإِنَّمَا أَوْجَبَ عليه السلام الْوُقُوفَ بِهَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا. فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَنْ وَقَفَ بِهَا أَجْزَأَهُ مَا لَمْ يَقِفْ فِي وَقْتٍ لاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّهُ لاَ يُجْزِيهِ فِيهِ. وَقَدْ تَيَقَّنَ الإِجْمَاعُ مِنْ الصَّغِيرِ, وَالْكَبِيرِ, وَالْخَالِفِ, وَالسَّالِفِ: أَنَّ مَنْ وَقَفَ بِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ التَّاسِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ أَوْ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ اللَّيْلَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَلاَ حَجَّ لَهُ, وَكَذَلِكَ إنْ وَقَفَ بِهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهَا الْعَاشِرَةُ, وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ النَّاسِ. فَإِنْ صَحَّ عِنْدَهُ بِعِلْمٍ أَوْ بِخَبَرٍ صَادِقٍ: أَنَّ هَذَا هُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ إلاَّ أَنَّ النَّاسَ لَمْ يَرَوْهُ رُؤْيَةً تُوجِبُ أَنَّهَا الْيَوْمُ الثَّامِنُ فَفَرَضَ عَلَيْهِ الْوُقُوفَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي صَحَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ الْيَوْمُ التَّاسِعُ, وَإِلاَّ فَحَجُّهُ بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: شَهِدَ نَفَرٌ أَنَّهُمْ رَأَوْا هِلاَلَ ذِي الْحِجَّةِ فَذَهَبَ بِهِمْ سَالِمٌ إلَى ابْنِ هِشَامٍ وَهُوَ أَمِيرُ الْحَجِّ فَلَمْ يَقْبَلْهُمْ فَوَقَفَ سَالِمٌ بِعَرَفَةَ لِوَقْتِ شَهَادَتِهِمْ, ثُمَّ دَفَعَ, فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَقَفَ مَعَ النَّاسِ. وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي إحْرَامِهِ, أَوْ جُنَّ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ فِي عَقْلِهِ فَإِحْرَامُهُ صَحِيحٌ, وَكَذَلِكَ لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ, أَوْ جُنَّ بَعْدَ أَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَلَوْ طَرْفَةَ عَيْنٍ أَوْ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَ شَيْئًا مِنْ الصَّلاَةِ بِمُزْدَلِفَةَ مَعَ الإِمَامِ فَحَجُّهُ تَامٌّ; لأَِنَّ الإِغْمَاءَ وَالْجُنُونَ لاَ يُبْطِلاَنِ عَمَلاً تَقَدَّمَ أَصْلاً, وَلاَ جَاءَ بِذَلِكَ نَصٌّ أَصْلاً، وَلاَ إجْمَاعٌ, وَلَيْسَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ: فَذَكَرَ النَّائِمَ حَتَّى يَنْتَبِهَ وَالْمُبْتَلَى حَتَّى يُفِيقَ وَالصَّبِيَّ حَتَّى يَبْلُغَ بِمُوجِبِ بُطْلاَنِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ, وَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ فَقَطْ, فَإِذَا أَفَاقُوا صَارُوا عَلَى حُكْمِهِمْ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ, أَوْ جُنَّ, أَوْ نَامَ قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ فَلَمْ يُفِقْ, وَلاَ اسْتَيْقَظَ إلاَّ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ يَوْمِ النَّحْرِ, فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ, سَوَاءٌ وَقَفَ بِهِ بِعَرَفَةَ أَوْ لَمْ يَقِفْ بِهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ جُنَّ, أَوْ نَامَ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ شَيْئًا مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ بِمُزْدَلِفَةَ مَعَ الإِمَامِ فَلَمْ يُفِقْ، وَلاَ اسْتَيْقَظَ إلاَّ بَعْدَ سَلاَمِ الإِمَامِ مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ; فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ. فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ فَنَامَتْ, أَوْ جُنَّتْ, أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ تَقِفَ بِمُزْدَلِفَةَ فَلَمْ تُفِقْ,، وَلاَ انْتَبَهَتْ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ, فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهَا, وَسَوَاءٌ وَقَفَ بِهَا بِمُزْدَلِفَةَ, أَوْ لَمْ يَقِفْ, لأَِنَّ الأَعْمَالَ الْمَذْكُورَةَ فَرْضٌ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَجْزِي عَمَلٌ مَأْمُورٌ بِهِ إلاَّ بِنِيَّةِ الْقَصْدِ إلَيْهِ مُؤَدًّى بِإِخْلاَصٍ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ كَمَا أَمَرَ عَزَّ وَجَلَّ; وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا فَلَمْ يَعْبُدْ اللَّهَ فِي الأَعْمَالِ الْمَذْكُورَةِ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ بِهَا فَلَمْ يَأْتِ بِهَا, وَلاَ حَجَّ لِمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا, وَلاَ يُجْزِي أَنْ يَقِفَ بِهِ غَيْرُهُ هُنَالِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ امْرَأً مَرَّ بِعَرَفَةَ مُجْتَازًا لَيْلَةَ النَّحْرِ نَزَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَنْزِلْ وَهُوَ لاَ يَدْرِي أَنَّهَا عَرَفَةُ فَلاَ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ، وَلاَ حَجَّ لَهُ حَتَّى يَقِفَ بِهَا قَاصِدًا إلَى الْوُقُوفِ بِهَا كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا, فَقَالَ مَالِكٌ: لاَ يُجْزِئُ أَنْ يُحْرِمَ أَحَدٌ عَنْ غَيْرِهِ فَإِذَا أَحْرَمَ بِنِيَّةِ الْحَجِّ أَجْزَأَ كُلُّ عَمَلٍ فِي الْحَجِّ بِلاَ نِيَّةٍ. وقال أبو حنيفة, وَالشَّافِعِيُّ: أَعْمَالُ الْحَجِّ كُلُّهَا تَجْزِي بِلاَ نِيَّةٍ, وَلَوْ أَنَّ مَنْ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ حَجَّ، وَلاَ يَنْوِي إلاَّ التَّطَوُّعُ أَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْفَرْضِ. قال أبو محمد: وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالتَّنَاقُضِ, وَقَدْ أَجْمَعُوا لَوْ أَنَّ امْرَأً عَلَيْهِ صَلاَةُ الصُّبْحِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا, أَوْ عَلَيْهِ الظُّهْرُ فَصَلَّى أَرْبَعًا تَطَوُّعًا أَنَّ ذَلِكَ لاَ يُجْزِئُهُ مِنْ الْفَرْضِ, وَأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ فَتَصَدَّقَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ تَطَوُّعًا أَنَّهَا لاَ تُجْزِئُهُ مِنْ الْفَرْضِ. وَأَجْمَعُوا إلاَّ زُفَرَ: أَنَّ مَنْ صَامَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ يَنْوِي بِهِ التَّطَوُّعَ فَقَطْ, أَوْ لاَ يَنْوِي بِهِ شَيْئًا فَإِنَّهُ لاَ يُجْزِئُهُ مِنْ صَوْمِ الْفَرْضِ فَلَيْتَ شِعْرِي أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الصَّوْمِ, وَالصَّلاَةِ, وَالزَّكَاةِ, وَالْحَجِّ لَوْ نَصَحُوا أَنْفُسَهُمْ فَإِنْ قَالُوا: قَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ أَنَّ لِلصَّبِيِّ حَجًّا, وَسَمِعَ إنْسَانًا لَمْ يَكُنْ حَجَّ يُلَبِّي عَنْ شُبْرُمَةَ فَقَالَ لَهُ اجْعَلْ حَجَّكَ هَذَا عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ. قلنا: أَمَّا إخْبَارُهُ عليه السلام أَنَّ لِلصَّبِيِّ حَجًّا فَخَبَرٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ، وَلاَ مُتَعَلِّقَ لَكُمْ بِهِ; لأَِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ عليه السلام ذَلِكَ الْحَجَّ جَازِيًا مِنْ حَجِّ الْفَرِيضَةِ, فَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْكُمْ, وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ لِلصَّبِيِّ حَجًّا كَمَا قَالَ عليه السلام وَهُوَ تَطَوُّعٌ لاَ يُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ, وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ لِلصَّبِيِّ صَلاَةً وَصَوْمًا وَكُلُّ ذَلِكَ تَطَوُّعٌ مِنْهُ وَلَهُ, وَقَدْ كَانَ الصِّبْيَانُ يَشْهَدُونَ الصَّلَوَاتِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا حَجَّ بِهِمْ مَعَهُ، وَلاَ فَرْقَ. وأما خَبَرُ شُبْرُمَةَ فَلاَ يَصِحُّ, وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ; لأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ حَجَّهُ عَنْ شُبْرُمَةَ يُجْزِي عَنْ الَّذِي حَجَّ عَنْهُ, بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ; لأَِنَّ فِيهِ أَنْ يَجْعَلَ الْحَجَّةَ عَلَى نَفْسِهِ, وَفِي هَذَا إيجَابٌ لِلنِّيَّةِ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ فِيمَنْ عَلَيْهِ شَهْرَانِ مُتَتَابِعَانِ مِنْ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ, أَوْ نَذْرٍ, وَعَلَيْهِ حَجٌّ نَذَرَهُ وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ حَجَّةَ الْفَرِيضَةِ فَصَامَ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَحَجَّ فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ, وَعَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ, وَتِلْكَ الْحَجَّةُ تُجْزِئُهُ عَنْ نَذْرِهِ وَفَرْضِ الإِسْلاَمِ, وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالَ مَالِكِيٌّ: الْحَجُّ كَصَوْمِ الْيَوْمِ إذَا دَخَلَ فِيهِ بِنِيَّةٍ, ثُمَّ عَزَبَتْ نِيَّتُهُ أَجْزَأَهُ قلنا: لَيْسَ كَذَلِكَ; لأَِنَّ الْحَجَّ أَعْمَالٌ كَثِيرَةٌ مُتَغَايِرَةٌ يَحُولُ بَيْنَهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا كَالتَّلْبِيَةِ, وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ, وَمُزْدَلِفَةَ, وَرَمْيِ الْجِمَارِ, وَطَوَافِ الإِفَاضَةِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ, فَلاَ بُدَّ لِكُلِّ عَمَلٍ مِنْ نِيَّةٍ لَهُ. وأما الإِحْرَامُ فَهُوَ عَمَلٌ مُتَّصِلٌ لاَ يَنْفَصِلُ فَيُجْزِئُهُ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِيهِ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ إحَالَةَ نِيَّتِهِ أَوْ إبْطَالَ إحْرَامِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ الإِمَامِ صَلاَةَ الصُّبْحِ بِمُزْدَلِفَةَ مِنْ الرِّجَالِ فَلَمَّا سَلَّمَ الإِمَامُ ذَكَرَ هَذَا الإِنْسَانُ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ, لأَِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ الصَّلاَةَ مَعَ الإِمَامِ, وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ قَتَلَ صَيْدًا مُتَصَيِّدًا لَهُ ذَاكِرًا لاِِحْرَامِهِ عَامِدًا لِقَتْلِهِ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ أَوْ عُمْرَتُهُ لِبُطْلاَنِ إحْرَامِهِ وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ مَعَ ذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: قال أبو محمد: وَهَذَا إقْدَامٌ مِنْهُمْ عَظِيمٌ عَلَى تَقْوِيلِ اللَّهِ تَعَالَى مَا لَمْ يَقُلْهُ قَطُّ, وَإِنَّمَا سَمَّاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: حُرُمًا, قَبْلَ قَتْلِ الصَّيْدِ, وَنَهَاهُمْ إذَا كَانُوا حُرُمًا عَنْ قَتْلِ الصَّيْدِ, وَمَا سَمَّاهُمْ تَعَالَى قَطُّ بَعْدَ قَتْلِ الصَّيْدِ: حُرُمًا فَأُفٍّ لِكُلِّ عَصَبِيَّةٍ لِمَذْهَبٍ تَحْدُو إلَى الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى جِهَارًا. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وقال بعضهم: قَدْ أَوْجَبَ عليه السلام فِي الضَّبُعِ كَبْشًا وَلَمْ يُخْبِرْ بِأَنَّ إحْرَامَهُ بَطَلَ قلنا لَهُمْ: قُلْتُمْ الْبَاطِلَ, بَلْ قَدْ أَخْبَرَ عليه السلام بِأَنَّ إحْرَامَهُ قَدْ بَطَلَ بِقَوْلِهِ عليه السلام: مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ. وَأَيْضًا: فَلَمْ يَقُلْ عليه السلام قَطُّ: إنَّ إحْرَامَهُ لَمْ يَبْطُلْ، وَلاَ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد: وَكُلُّ فُسُوقٍ تَعَمَّدَهُ الْمُحْرِمُ ذَاكِرًا لاِِحْرَامِهِ فَقَدْ بَطَلَ إحْرَامُهُ, وَحَجُّهُ, وَعُمْرَتُهُ, لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَقَالَ عليه السلام: مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا: أَنَّ الآيَةَ وَرَدَتْ كَمَا تَلَوْنَا فَأَبْطَلُوا الْحَجَّ بِالرَّفَثِ وَلَمْ يُبْطِلُوهُ بِالْفُسُوقِ; وأعجب مِنْ هَذَا: أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: مَنْ وَطِئَ فِي إحْرَامِهِ نَاسِيًا غَيْرَ عَامِدٍ، وَلاَ ذَاكِرٍ لأَِنَّهُ مُحْرِمٌ امْرَأَتَهُ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَطْأَهَا قَبْلَ الإِحْرَامِ أَوْ بَعْدَهُ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ; فَلَوْ تَعَمَّدَ اللِّيَاطَةَ بِذَكَرٍ, أَوْ أَنْ يُلاَطَ بِهِ ذَاكِرًا لاِِحْرَامِهِ فَحَجُّهُ تَامٌّ وَإِحْرَامُهُ مَبْرُورٌ فَأُفٍّ لِهَذَا الْقَوْلِ عَدَدَ الرَّمْلِ, وَالْحَصَى, وَالتُّرَابِ فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا يَبْطُلُ إحْرَامُهُ بِأَنْ يَأْتِيَ مَا حُرِّمَ فِي حَالِ الإِحْرَامِ فَقَطْ, لاَ بِمَا هُوَ حَرَامٌ قَبْلَ الإِحْرَامِ, وَفِي الإِحْرَامِ وَبَعْدَ الإِحْرَامِ قلنا: وَعَنْ هَذَا التَّقْسِيمِ الْفَاسِدِ سَأَلْنَاكُمْ، وَلاَ حُجَّةَ لَكُمْ فِيهِ, وَأَنْتُمْ تُبْطِلُونَ الصَّلاَةَ بِكُلِّ عَمَلٍ مُحَرَّمٍ, قَبْلَهَا, وَفِيهَا, وَبَعْدَهَا, كَمَا تُبْطِلُونَهَا بِمَا حُرِّمَ فِيهَا فَقَطْ. وَقَدْ نَقَضْتُمْ هَذَا الأَصْلَ الْفَاسِدَ فَلَمْ تُبْطِلُوا الإِحْرَامَ بِتَعَمُّدِ لِبَاسِ مَا حُرِّمَ فِيهِ مِمَّا هُوَ حَلاَلٌ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ, فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ هَذَا التَّقْسِيمَ الْفَاسِدَ فَأَيْنَ الْقِيَاسَ الَّذِي تَنْتَسِبُونَ إلَيْهِ بِزَعْمِكُمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَكَّدَ الْحَجَّ وَخَصَّهُ بِتَحْرِيمِ الْفُسُوقِ فِيهِ, كَمَا خَصَّهُ بِتَحْرِيمِ الرَّفَثِ فِيهِ، وَلاَ فَرْقَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ الرَّازِيّ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النَّحَّاسِ بِمِصْرَ، حدثنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا عُبَيْدُ بْنُ غَنَّامِ بْنِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ النَّخَعِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ عَبْدِ السَّلاَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرٍ الأَحْمَسِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَابِرٍ الأَحْمَسِيَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا فِي امْرَأَةٍ حَجَّتْ مَعَهَا مُصْمِتَةً: قُولِي لَهَا: تَتَكَلَّمُ فَإِنَّهُ لاَ حَجَّ لِمَنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ. وَقَدْ ذَكَرْنَا رِوَايَةَ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ نُوحِ بْنِ حَبِيبٍ الْقُومِسِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . أَمَرَ الَّذِي أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ أَنْ يُجَدِّدَ إحْرَامًا. قال أبو محمد: وَلاَ سَبِيلَ لَهُمْ إلَى أَنْ يُوجِدُوا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَنَّ الْفُسُوقَ لاَ يُبْطِلُ الإِحْرَامَ; وأما مَنْ فَسَقَ غَيْرَ ذَاكِرٍ لاِِحْرَامِهِ فَإِنَّهُ لاَ يَبْطُلُ بِذَلِكَ إحْرَامُهُ; لأَِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إبْطَالَهُ، وَلاَ أَتَى بِإِحْرَامِهِ بِخِلاَفِ مَا أُمِرَ بِهِ عَامِدًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْجِدَالُ قِسْمَانِ: قِسْمٌ فِي وَاجِبٍ وَحَقٍّ, وَقِسْمٌ فِي بَاطِلٍ; فَاَلَّذِي فِي الْحَقِّ وَاجِبٌ فِي الإِحْرَامِ وَغَيْرِ الإِحْرَامِ قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ جَادَلَ فِي طَلَبِ حَقٍّ لَهُ فَقَدْ دَعَا إلَى سَبِيلِ رَبِّهِ تَعَالَى, وَسَعَى فِي إظْهَارِ الْحَقِّ وَالْمَنْعِ مِنْ الْبَاطِلِ, وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ جَادَلَ فِي حَقٍّ لِغَيْرِهِ أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى. وَالْجَدَلُ بِالْبَاطِلِ وَفِي الْبَاطِلِ عَمْدًا ذَاكِرًا لاِِحْرَامِهِ مُبْطِلٌ لِلإِحْرَامِ وَلِلْحَجِّ لقوله تعالى: 866 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ لَمْ يُلَبِّ فِي شَيْءٍ مِنْ حَجِّهِ أَوْ عُمْرَتِهِ بَطَلَ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ فَإِنْ لَبَّى وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً أَجْزَأَهُ, وَالاِسْتِكْثَارُ أَفْضَلُ; فَلَوْ لَبَّى وَلَمْ يَرْفَعْ صَوْتَهُ فَلاَ حَجَّ لَهُ، وَلاَ عُمْرَةَ لاَِمْرِ جِبْرِيلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنْ يَأْمُرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ, فَمَنْ لَمْ يُلَبِّ أَصْلاً أَوْ لَبَّى وَلَمْ يَرْفَعْ صَوْتَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ فَلَمْ يَحُجَّ، وَلاَ اعْتَمَرَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى, وَقَدْ قَالَ عليه السلام: مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَلَوْ أَنَّهُمْ رضي الله عنهم إذْ أَمَرَهُمْ عليه السلام بِرَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ بِالتَّلْبِيَةِ أَبَوْا لَكَانُوا عُصَاةً بِلاَ شَكٍّ, وَالْمَعْصِيَةُ فُسُوقٌ بِلاَ خِلاَفٍ, وَقَدْ أَعَاذَهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ لَبَّى مَرَّةً وَاحِدَةً رَافِعًا صَوْتَهُ فَقَدْ لَبَّى كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَوَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ: مُلَبٍّ وَعَلَى فِعْلِهِ اسْمُ: التَّلْبِيَةِ, فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ, وَمَنْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ فَرْضًا أَنْ يُؤَدِّيَ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ, وَالْفَرَائِضُ لاَ تَكُونُ إلاَّ مَحْدُودَةً لِيَعْلَمَ النَّاسُ مَا يَلْزَمُهُمْ مِنْهَا, وَمَا لاَ حَدَّ لَهُ فَلَيْسَ فَرْضًا عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ; لأَِنَّ فِي إلْزَامِهِ تَكْلِيفَ مَا لاَ يُطَاقُ وَقَدْ أَمَّنَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ. وَجَائِزٌ لِلْمُحْرِمِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَنْ يَتَظَلَّلُوا فِي الْمَحَامِلِ وَإِذَا نَزَلُوا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَصْحَابِنَا. وقال مالك: يَتَظَلَّلُونَ إذَا نَزَلُوا، وَلاَ يَتَظَلَّلُونَ فِي الْمَحَامِلِ، وَلاَ رِكَابًا, وَهَذَا تَقْسِيمٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ فَهُوَ خَطَأٌ. فإن قيل: قَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ قلنا: نَعَمْ, وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ مَنْ قَدَّمَ ثِقْلَهُ مِنْ مِنًى فَلاَ حَجَّ لَهُ, فَمَا الَّذِي جَعَلَ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ فِي النَّهْيِ عَنْ التَّظَلُّلِ حُجَّةً وَلَمْ يَجْعَلْ قَوْلَ أَبِيهِ فِي النَّهْيِ عَنْ تَقَدُّمِ الثِّقَلِ مِنْ مِنًى وَتَشَدُّدِهِ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ وَقَدْ صَحَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِيمَنْ أَفْطَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ نَاسِيًا أَنَّ صِيَامَهُ تَامٌّ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ. وَصَحَّ عَنْهُ إبَاحَةُ تَقْرِيدِ الْبَعِيرِ لِلْمُحْرِمِ. وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَنْ وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ طَوَافَ الإِفَاضَةِ بَطَلَ حَجُّهُ، وَلاَ مُخَالِفَ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا إلاَّ ابْنَ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ رَأَى حَجَّ مَنْ وَطِئَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ تَامًّا فَخَالَفُوهُ; فَمَا الَّذِي جَعَلَ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ حُجَّةً, وَفِي بَعْضِهَا لَيْسَ حُجَّةً رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حدثنا مَعْقِلٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: سَمِعْت جَدَّتِي أُمِّ الْحُصَيْنِ تَقُولُ حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْته حِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ انْصَرَفَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ, وَمَعَهُ بِلاَلٌ, وَأُسَامَةُ, أَحَدُهُمَا يَقُودُ رَاحِلَتَهُ, وَالآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الشَّمْسِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ جَدَّتِهِ قَالَتْ حَجَجْتُ مَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ, وَبِلاَلاً وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنْ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. فَهَذَا هُوَ الْحُجَّةُ لاَ مَا سِوَاهُ, وَقَدْ خَالَفَ ابْنُ عُمَرَ فِي هَذَا الْقَوْلِ بِلاَلاً وَأُسَامَةَ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ, وَالأَسْوَدِ, وَغَيْرِهِمَا.
868 - مَسْأَلَةٌ: وَالْكَلاَمُ مَعَ النَّاسِ فِي الطَّوَافِ جَائِزٌ, وَذِكْرُ اللَّهِ أَفْضَلُ; لأَِنَّ النَّصَّ لَمْ يَأْتِ بِمَنْعٍ مِنْ ذَلِكَ, وَقَالَ تَعَالَى:
|