الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
وَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ مِنْ الإِبِلِ, وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ, وَثَوْرِ الْوَحْشِ, وَالآُرْوِيَّةِ الْعَظِيمَةِ, وَالآُيَّلِ: بَقَرَةٌ, وَفِي الْغَزَالِ, وَالْوَعِلِ وَالظَّبْيِ: عَنْزٌ, وَفِي الضَّبِّ, وَالْيَرْبُوعِ, وَالأَرْنَبِ وَأُمِّ حُبَيْنٍ جَدْيٌ, وَفِي الْوَبْرِ: شَاةٌ, وَكَذَلِكَ فِي الْوَرَلِ وَالضَّبُعِ, وَفِي الْحَمَامَةِ, وَكُلِّ مَا عَبَّ وَهَدَرَ مِنْ الطَّيْرِ: شَاةٌ, وَكَذَلِكَ الْحُبَارَى وَالْكُرْكِيُّ, والبلدج, وَالإِوَزُّ الْبَرِّيُّ, وَالْبُرَكُ الْبَحْرِيُّ, وَالدَّجَاجُ الْحَبَشِيُّ, وَالْكَرَوَانُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الْمُمَاثَلَةِ مِنْ أَقَلِّ الْوُجُوهِ, وَهُوَ وَجْهٌ وَاحِدٌ فَوَجَدْنَا كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ لاَ تَحَاشَ شَيْئًا, فَهُوَ يُمَاثِلُ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ مِنْ وَجْهٍ، وَلاَ بُدَّ وَهُوَ الْخَلْقُ, لأَِنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ وَهُوَ مَا دُونَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مَخْلُوقٌ فَبَطَلَ هَذَا الْقِسْمُ أَيْضًا. وَلَوْ اُسْتُعْمِلَ لاََجْزَأَتْ الْعَنْزُ بَدَلَ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ, وَالنَّعَامَةِ; لأَِنَّهمَا حَيَّانِ مَخْلُوقَانِ مَعًا; وَهَذَا مَا لاَ يَقُولُهُ أَحَدٌ. فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَهُوَ الْمُمَاثَلَةُ مِنْ أَغْلَبِ الْوُجُوهِ, وَأَظْهَرِهَا, وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ إلاَّ أَقْوَالٌ مَحْصُورَةٌ فَبَطَلَتْ كُلُّهَا إلاَّ وَاحِدًا فَهُوَ الْحَقُّ بِلاَ شَكٍّ; فَهَذَا مُوجَبُ الْقُرْآنِ. وَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ حَكَمَ فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ, فَعَلِمْنَا يَقِينًا أَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا بَيَّنَ لَنَا أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ إنَّمَا هِيَ فِي الْقَدِّ وَهَيْئَةِ الْجِسْمِ, لأَِنَّ الْكَبْشَ أَشْبَهُ النَّعَمِ بِالضَّبُعِ وَبِهَذَا جَاءَ حُكْمُ السَّلَفِ الطَّيِّبِ رضي الله عنهم. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ " قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الضَّبُعِ فَقَالَ: هُوَ صَيْدٌ وَجَعَلَ فِيهِ كَبْشًا إذَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، حدثنا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: حَكَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الضَّبُعِ كَبْشًا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ رَبَاحٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَكَمَ فِي الضَّبُعِ كَبْشًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: فِي الضَّبُعِ كَبْشٌ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ, وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالاَ جَمِيعًا: فِي الضَّبُعِ كَبْشٌ فَهُمْ: عُمَرُ, وَعَلِيٌّ, وَجَابِرٌ, وَابْنُ عُمَرَ, وَابْنُ عَبَّاسٍ, وَقَدْ بَلَغَ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَوْلُ عُمَرَ هَذَا فَلَمْ يُخَالِفْهُ وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ, وَعُثْمَانَ, وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ, وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالُوا فِي النَّعَامَةِ: بَدَنَةٌ مِنْ الإِبِلِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ, وَمُعَاوِيَةَ, قَالاَ: فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ يَعْنِي مِنْ الإِبِلِ وَهُوَ قَوْلُ طَاوُوس, وَعَطَاءٍ, وَمُجَاهِدٍ, وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ, وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ, وَلاَ شَيْءَ أَشْبَهُ بِالنَّعَامَةِ مِنْ النَّاقَةِ فِي طُولِ الْعُنُقِ, وَالْهَيْئَةِ وَالصُّورَةِ. وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي حِمَارِ الْوَحْشِ بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ, وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ بَدَنَةٌ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ فِيهِ بَدَنَةٌ وَعَنْ عَطَاءٍ فِيهِ بَدَنَةٌ, وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَيْضًا فِيهِ بَقَرَةٌ وَالرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لاَ تَصِحُّ, وَلاَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ لأَِنَّه مُرْسَلٌ عَنْهُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالاَ جَمِيعًا: فِي حِمَارِ الْوَحْشِ: بَقَرَةٌ, وَفِي بَقَرَةِ الْوَحْشِ: بَقَرَةٌ, قَالَ عَطَاءٌ: وَفِي الأَرْوَى بَقَرَةٌ, وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فِي الْقَادِرِ الْعَظِيمِ مِنْ الأَرْوَى بَقَرَةٌ, وَهَذَا صَحِيحٌ عَنْهُمَا وَهُمَا ذَوَا عَدْلٍ مِنَّا فَوَجَدْنَا حِمَارَ الْوَحْشِ أَشْبَهَ بِالْبَقَرَةِ مِنْهُ بِالنَّاقَةِ, لأَِنَّ الْبَقَرَ, وَحِمَارَ الْوَحْشِ, ذَوَا شَعْرٍ وَذَنَبٍ سَابِغٍ وَلَيْسَ لَهُمَا سَنَامٌ, وَالنَّاقَةُ ذَاتُ وَبَرٍ وَذَنَبٍ قَصِيرٍ وَسَنَامٍ فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِالْبَقَرَةِ لِقُوَّةِ الْمُمَاثَلَةِ. وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الآُيَّلِ: بَقَرَةٌ . وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ. وَفِي الثَّيْتَلِ: بَقَرَةٌ, وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ. وَفِي الْوَبْرِ: شَاةٌ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ, وَالشَّافِعِيِّ, وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَطَاءٍ فِي الْغَزَالِ: شَاةٌ. قال أبو محمد: الشَّاةُ تَقَعُ عَلَى الْمَاعِزَةِ كَمَا تَقَعُ عَلَى الضَّأْنِيَّةِ. وَعَنْ سَعْدٍ, وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي الظَّبْيِ: تَيْسٌ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ, وَزَيْدٍ عَنْ جَابِرٍ فِي الضَّبِّ: جَدْيٌ رَاعٍ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ, وَطَارِقِ بْنِ شِهَابٍ مِثْلُهُ أَيْضًا فَقَالَ مَالِكٌ, وَأَبُو حَنِيفَةَ: لاَ يَجُوزُ هَذَا. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ فِي الضَّبِّ: شَاةٌ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ فِي الضَّبِّ: حُفْنَةٌ مِنْ طَعَامٍ. وَهَذَا كُلُّهُ لاَ شَيْءَ لأَِنَّ خِلاَفَ حُكْمِ عُمَرَ, وَطَارِقٍ, وَمَنْ مَعَهُمَا لاَ يُجَوِّزُ خِلاَفَهُ, لأَِنَّهمْ ذَوُو عَدْلٍ مِنَّا مَعَ مُوَافَقَتِهِمْ الْقُرْآنَ فِي الْمُمَاثَلَةِ; وَقَوْلُ عَطَاءٍ حَادِثٌ بَعْدَهُمْ, وَقَوْلُ مُجَاهِدٍ كَذَلِكَ مَعَ خِلاَفِ قَوْلِهِمَا, وَقَوْلِ مَالِكٍ لِلْقُرْآنِ. وَبِقَوْلِ عُمَرَ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ, وَأَبُو سُلَيْمَانَ, وَأَبُو يُوسُفَ ,، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَحْمَدُ, وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْ عُمَرَ فِي الأَرْنَبِ: عَنَاقٌ, وَهِيَ الْجَدْيُ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ, وَعَمْرِو بْنِ حَبَشِيٍّ, وَابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ, وَأَحْمَدَ, وَأَبِي يُوسُفَ, وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ, وَغَيْرِهِمْ, قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ, وَمَالِكٌ: لاَ يَجُوزُ فَخَالَفُوا كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا, وَالْمُمَاثَلَةَ الْمَأْمُورَ بِهَا فِي الْقُرْآن. وَعَنْ عُمَرَ, وَابْنِ مَسْعُودٍ, وَمُجَاهِدٍ فِي الْيَرْبُوع: سَخْلَةٌ, أَوْ جَفْرَةٌ, وَهُمَا سَوَاءٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ, وَأَبِي يُوسُفَ, وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ, وَغَيْرِهِمْ. وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ: لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ بِشَيْءٍ, وَعَنْ الزُّهْرِيِّ: فِيهِ حُكُومَةٌ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ: فِيهِ قِيمَتُهُ وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وقال مالك فِي الأَرْنَبِ, وَالضَّبِّ, وَالْيَرْبُوعِ قِيمَتُهُ يُبْتَاعُ بِهِ طَعَامٌ وَهَذَا خَطَأٌ لَمْ يُوجِبْهُ الْقُرْآنُ, وَلاَ السُّنَّةُ, وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ, وَلاَ إجْمَاعٌ, وَلاَ قِيَاسٌ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا عَلَى الأَضَاحِيِّ لاَ يَجُوزُ فِيهِ الْجَذَعُ مِنْ غَيْرِ الضَّأْنِ، وَلاَ مَا دُونَ الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ قلنا: الْقِيَاسُ بَاطِلٌ, ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكُنْتُمْ أَوَّلَ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْقِيَاسِ لاَِنَّكُمْ تَقُولُونَ: إنَّ الْكَبْشَ, وَالتَّيْسَ, أَفْضَلُ فِي الأَضَاحِيِّ مِنْ الإِبِلِ, وَالْبَقَرِ, وَإِنَّ الذَّكَرَ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ الآُنْثَى, وَتَقُولُونَ فِي الْهَدْيِ كُلِّهِ: إنَّ الإِبِلَ, وَالْبَقَرَ: أَفْضَلُ مِنْ الضَّأْنِ, وَالْمَاعِزِ, وَإِنَّ الإِنَاثَ أَفْضَلُ فِيهَا مِنْ الذُّكُورِ; فَمَرَّةً تَقِيسُونَ حُكْمَ بَعْضِ ذَلِكَ عَلَى بَعْضٍ, وَمَرَّةً تُفَرِّقُونَ بَيْنَ أَحْكَامِهَا بِلاَ نَصٍّ، وَلاَ دَلِيلٍ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: لاَ تُجْزِئُ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَ أَبِي بُرْدَةَ. قلنا: نَعَمْ, وَاَلَّذِي أَخْبَرَ بِهَذَا هُوَ الَّذِي أَخْبَرَنَا عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى بِإِيجَابِ مِثْلِ الصَّيْدِ الْمَقْتُول مِنْ النَّعَمِ, وَلَيْسَ بَعْضُ كَلاَمِهِ أَوْلَى بِالطَّاعَةِ مِنْ بَعْضٍ, بَلْ كُلُّهُ فُرِضَ اسْتِعْمَالُهُ, وَلاَ يَجُوزُ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْهُ لِشَيْءٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَمْ يَنْهَ قَطُّ عليه السلام عَنْ مَا دُونَ الْجَذَعِ بِاسْمِهِ; لَكِنْ لَمَّا كَانَ بَعْضُ مَا دُونَ الْجَذَعِ لاَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ شَاةٍ لَمْ يُجْزِ فِيمَا جَاءَ فِيهِ النَّصُّ بِإِيجَابِ شَاةٍ فَقَطْ. وَأَمَّا الْجَذَعَةُ فَلاَ تُجْزِئُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ أَيْضًا; لأَِنَّ النَّهْيَ عَنْهَا عُمُومٌ, إلاَّ حَيْثُ أُوجِبَتْ بِاسْمِهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ إلاَّ فِي زَكَاةِ الإِبِلِ, وَالْبَقَرِ, فَقَطْ, مَعَ أَنَّ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ, وَالْمَاعِزِ, وَالإِبِلِ, وَالْبَقَرِ: لاَ مَعْنَى لِمُرَاعَاتِهِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ إنَّمَا يُرَاعَى الْمِثْلُ فِي الْقَدِّ وَالصُّورَةِ لاَ مَا لاَ يُعْرَفُ إلاَّ بَعْدَ فَرِّ الأَسْنَانِ فَصَحَّ أَنَّ الْجَذَعَةَ لاَ تُجْزِئُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ فِي الْوَرَلِ: شَاةٌ. قال أبو محمد: إنْ كَانَ عَظِيمًا فِي مِقْدَارِ الشَّاةِ فَكَذَلِكَ, وَإِلاَّ فَفِيهِ, وَفِي الْقُنْفُذِ: جَدْيٌ صَغِيرٌ. وَعَنْ عُمَرَ, وَعُثْمَانَ, وَابْنِ عَبَّاسٍ, وَابْنِ عُمَرَ فِي الْحَمَامَةِ: شَاةٌ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ, وَأَحْمَدَ. وقال الشافعي, وَأَبُو سُلَيْمَانَ: كُلُّ مَا يَعُبُّ كَمَا تَعُبُّ الشَّاةُ فَفِيهِ شَاةٌ بِهَذِهِ الْمُمَاثَلَةِ وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الدُّبْسِيِّ, وَالْقُمْرِيِّ, وَالْحُبَارَى, وَالْقَطَاةِ, وَالْحَجَلَةِ شَاةٌ شَاةٌ. وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ فِي كُلِّ ذَلِكَ مِثْلَ هَذَا أَيْضًا. وَكَذَلِكَ فِي الْكَرَوَانِ, وَابْنِ الْمَاءِ. وَرُوِّينَا عَنْ الْقَاسِمِ, وَسَالِمٍ: ثُلُثُ مُدٍّ: خَيْرٌ مِنْ حَجَلَةٍ. قال أبو محمد: لاَ يَجُوزُ هَاهُنَا خِلاَفُ مَا حَكَمَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ, وَعَطَاءٌ. قَالَ عَلِيٌّ: وَعَنْ عَطَاءٍ فِي الْهُدْهُدِ: دِرْهَمٌ, وَفِي الْوَطْوَاطِ: ثُلُثَا دِرْهَمٍ, وَفِي الْعُصْفُورِ: نِصْفُ دِرْهَمٍ. وَعَنْ عُمَرَ فِي الْجَرَادَةِ: تَمْرَةٌ, وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلُ ذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ: لاَ شَيْءَ فِيهَا; لأَِنَّها مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ, وَهَذَا خَطَأٌ; لأَِنَّها إنْ غُمِسَتْ فِي الْبَحْرِ مَاتَتْ. وَعَنْ كَعْبٍ فِي الْجَرَادَةِ دِرْهَمٌ. قال أبو محمد: إنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَحْكِيمٍ فِي الْجَزَاءِ مِنْ النَّعَمِ لاَ فِي الإِطْعَامِ، وَلاَ فِي الصِّيَامِ, فَلاَ يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي هَذَيْنِ الْعَمَلَيْنِ, وَإِنَّمَا هُوَ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ, فَكُلُّ مَا كَانَ لَهُ مِثْلٌ مِنْ صِغَارِ النَّعَمِ جُزِيَ بِهِ وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ مِنْ كِبَارِ النَّعَمِ، وَلاَ صِغَارِهِ فَإِنَّمَا فِيهِ فِدْيَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَمَّا الصِّيَامُ فَلاَ صِيَامَ فِي الإِسْلاَمِ أَقَلُّ مِنْ صَوْمِ يَوْمٍ, فَفِي كُلِّ صَغِيرٍ مِنْهَا صَوْمُ يَوْمٍ فَقَطْ; فَإِنْ كَانَ يُشْبِعُ بِكِبَرِ جِسْمِهِ إنْسَانَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً فَأَكْثَرَ: فَلِكُلِّ آكِلٍ صَوْمُ يَوْمٍ كَمَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى. فإن قيل: إنَّ هَذَا قَوْلٌ لاَ يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ سَلَفَ قلنا: نَحْنُ لاَ نَدَّعِي الإِحَاطَةَ بِأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ جَمِيعِهِمْ وَالتَّابِعِينَ كُلِّهِمْ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ بَلْ نَقُولُ وَنَقْطَعُ: أَنَّ مَنْ ادَّعَى الإِحَاطَةَ بِأَقْوَالِهِمْ فَقَدْ كَذَبَ كَذِبًا مُتَيَقَّنًا لاَ خَفَاءَ بِهِ, وَلاَ نُنْكِرُ الْقَوْلَ بِمَا أَوْجَبَهُ الْقُرْآنُ أَوْ السُّنَّةُ وَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ رِوَايَةٌ عَنْ إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ; لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ لَنَا قَطُّ، وَلاَ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم لاَ تَقُولُوا بِمَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنَّ إنْسَانًا قَالَ بِمَا فِيهِمَا; بَلْ هَذَا الْقَوْلُ عِنْدَنَا ضَلاَلٌ وَبِدْعَةٌ وَكَبِيرَةٌ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ, وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى: وَالنَّاسُ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي الْجَرَادِ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَزِّمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْجَرَادُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى عَنْ حَمَّادٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ جَابَانَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدًا مِثْلُهُ. وَعَنْ كَعْبٍ، أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ الْجَرَادَ نَثْرُ حُوتٍ يَنْثُرُهُ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّتَيْنِ, وَأَبَاحَ أَكْلَهُ لِلْمُحْرِمِ وَصَيْدَهُ; فَهَذَا قَوْلٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا هُشَيْمٌ، حدثنا أَبُو بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ قَالَ كَعْبٌ: ذُكِرَ لِعُمَرَ أَنِّي أَصَبْت جَرَادَتَيْنِ وَأَنَا مُحْرِمٌ فَقَالَ لِي عُمَرُ: مَا نَوَيْت فِي نَفْسِك قُلْت: دِرْهَمَيْنِ, فَقَالَ عُمَرُ: تَمْرَتَانِ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَتَيْنِ, امْضِ لِمَا نَوَيْت فِي نَفْسِك. فَهَذَا عُمَرُ, وَكَعْبٌ: جَعَلاَ فِي الْجَرَادَةِ دِرْهَمًا فَهَذَا قَوْلٌ آخَرُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ فِي مُحْرِمٍ أَصَابَ جَرَادَةً: تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ حَكَمَ فِي الْجَرَادَةِ تَمْرَةٌ فَهَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَفْتَى ابْنُ عَبَّاسٍ فِي جَرَادَةٍ يُصِيبُهَا الْمُحْرِمُ بِأَنْ يَقْصِدَ بِقَبْضَةٍ مِنْ طَعَامٍ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ شُعَيْبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: فِي الْجَرَادَةِ إذَا صَادَهَا الْمُحْرِمُ: قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ فِي الْجَرَادَةِ: قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ فَهَذَا قَوْلٌ رَابِعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ فِي الْجَرَادَةِ: قَبْضَةٌ أَوْ لُقْمَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ, وَعَطَاءٍ, وطَاوُوس, وَمُجَاهِدٍ, قَالُوا كُلُّهُمْ: فِي الْجَرَادَةِ لَيْسَ فِيهَا فِي الْخَطَأِ شَيْءٌ فَإِنْ قَتَلَهَا عَمْدًا أَطْعَمَ شَيْئًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي الْجَرَادَةِ قَالَ: يُطْعِمُ كِسْرَةً فَهَذَا قَوْلٌ خَامِسٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي مُحْرِمٍ أَصَابَ صَيْدًا لَيْسَ لَهُ نِدٌّ مِنْ النَّعَمِ: إنَّهُ يُهْدِي ثَمَنَهُ إلَى مَكَّةَ. وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْ عِكْرِمَةَ فِيهِ ثَمَنُهُ فَهَذَا قَوْلٌ سَادِسٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: الْجَرَادُ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ فَهَذَا قَوْلٌ سَابِعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ الصَّنْعَانِيُّ، حدثنا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ كَعْبِ الأَحْبَارِ أَنَّ عُمَرَ كَرِهَ أَكْلَ الْجَرَادِ لِلْمُحْرِمِ وَلَمْ يَجْعَلْ فِيهِ جَزَاءً. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ هُشَيْمٍ أَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ قَالَ: نَهَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ أَخْذِ الْجَرَادِ فِي الْحَرَمِ قَالَ: لَوْ عَلِمُوا مَا فِيهِ مَا أَخَذُوهُ, فَهِيَ ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ كَمَا أَوْرَدْنَا, فَمَا الَّذِي جَعَلَ بَعْضَهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ وَأَمَّا الْخَبَرُ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَوْضُوعٌ بِلاَ شَكٌّ لأَِنَّ فِي أَحَدِ طَرِيقَيْهِ أَبَا الْمُهَزِّمِ وَهُوَ هَالِكٌ وَفِي الآُخْرَى مَيْمُونُ بْنُ جَابَانَ وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَبِالْعِيَانِ يَرَى النَّاسُ الْجَرَادَ يَبِيضُ فِي الْبَرِّ وَفِي الْبَرِّ يَفْقِسُ عَنْهُ الْبَيْضُ وَفِي الْبَرِّ يَبْقَى حَتَّى يَمُوتَ, وَأَنَّهُ لَوْ غُمِسَ فِي مَاءٍ عَذْبٍ أَوْ مَلْحٍ لَمَاتَ فِي مِقْدَارِ مَا يَمُوتُ فِيهِ سَائِرُ حَيَوَانِ الْبَرِّ إذَا غُمِسَ فِي الْمَاءِ, وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يَقُولُ الْكَذِبَ; فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينٍ. وَصَحَّ أَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ الْمُحَرَّمِ عَلَى الْمُحْرِمِ وَفِي الْحَرَمِ بِلاَ شَكٍّ. وَالأَقْوَالُ الْبَاقِيَةُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ, وَكَعْبٍ فِي الْجَرَادَةِ: دِرْهَمٌ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي الْجَرَادَة: تَمْرَةٌ. وَقَالَ عُمَرُ: تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَابْنِ عُمَرَ, وَابْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الْجَرَادَةِ: قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ. وَعَنْ عَطَاءٍ: قَبْضَةٌ أَوْ لُقْمَةٌ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ: كِسْرَةٌ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ, وَعَطَاءٍ, وطَاوُوس, وَمُجَاهِدٍ: يُطْعِمُ شَيْئًا إنْ أَصَابَهَا عَمْدًا وَإِلاَّ فَلاَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَا لاَ نِدَّ لَهُ مِنْ النَّعَمِ: ثَمَنُهُ يُهْدِيهِ إلَى مَكَّةَ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ: ثَمَنُهُ وَالْجَرَادَةُ مِمَّا لاَ نِدَّ لَهَا مِنْ النَّعَمِ. وَعَنْ الْحَسَنِ: هِيَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. وَعَنْ عُمَرَ, وَابْنِ عَبَّاسٍ: الْمَنْعُ مِنْ صَيْدِهَا وَلَمْ يَجْعَلاَ فِيهَا شَيْئًا. فَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ هُوَ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا الرُّجُوعَ إلَيْهِ إذْ يَقُولُ تَعَالَى: وَالْقُرْآنُ يُوجِبُ مَا قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ خَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ, وَمَالِكٌ فِي بَيْضِ الصَّيْدِ كُلَّ مَا رُوِيَ فِيهِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ فَأَنَّى لَهُمْ إنْكَارُ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِمْ وَفِي صِغَارِ الصَّيْدِ: مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ ذَوَاتِ الأَرْبَعِ, أَوْ الطَّيْرِ صِغَارُهَا فِي صِغَارِهِ, وَكِبَارُهَا فِي كِبَارِهِ, فَفِي رَأْلِ النَّعَمِ: فَصِيلٌ مِنْ الإِبِلِ. وَفِي وَلَدِ كُلِّ مَا فِيهِ بَقَرَةٌ عُجَيْلٌ مِثْلُ ذَلِكَ الصَّغِيرِ, وَفِيمَا فِيهِ شَاةٌ, حَمَلٌ, أَوْ جَدْيٌ: عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. وقال مالك: فِي صِغَارِهَا مَا فِي كِبَارِهَا وَهَذَا خَطَأٌ لأَِنَّ الْكَبِيرَ لَيْسَ مِثْلاً لِلصَّغِيرِ. وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ حَكَمَ فِي فَرْخَيْ حَمَامَةٍ وَأُمِّهِمَا بِثَلاَثَةٍ مِنْ الْغَنَمِ وَقَدْ خَالَفُوا ابْنَ عُمَرَ وَغَيْرَهُ فِي كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرْنَا قَبْلُ. وَيُفْدَى الْمَعِيبُ بِمَعِيبٍ مِثْلِهِ, وَالسَّالِمُ بِسَالِمٍ, وَالذَّكَرُ بِالذَّكَرِ وَالآُنْثَى بِالآُنْثَى لقوله تعالى: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: فِي الظَّبْيَةِ الْوَالِدِ: شَاةٌ وَالِدٌ. وَفِي الْحِمَارَةِ الْوَحْشِ النَّتُوجِ بَقَرَةٌ نَتُوجٌ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَرَأَيْت لَوْ أَصَبْت صَيْدًا فِيهِ نَقْصٌ أَوْ عَوَرٌ أَغْرَمُ مِثْلَهُ قَالَ: نَعَمْ, قُلْت: الْوَفِيُّ أَحَبُّ إلَيْك قَالَ: نَعَمْ وَفِي وَلَدِ الضَّبُعِ وَلَدُ الْكَبْشِ لأَِنَّ الصَّغِيرَ مِنْ الضِّبَاعِ لاَ يُسَمَّى ضَبُعًا إنَّمَا يُسَمَّى الْفَرْغَلَ. وَالسُّلَحْفَاةُ هِيَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ, لأَِنَّ عَيْشَهَا الدَّائِمَ فِي الْبَرِّ فَفِيهَا الْجَزَاءُ بِصَغِيرٍ مِنْ الْغَنَمِ. وَمَا كَانَ سَاكِنًا فِي الْمَاءِ أَبَدًا لاَ يُفَارِقُهُ فَهُوَ مُبَاحٌ لِلْمُحْرِمِ. وقد رُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ فِيمَا عَاشَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ فِيهِ: نِصْفُ الْجَزَاءِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ; لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ لِلْمُحْرِمِ صَيْدَ الْبَحْرِ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ صَيْدَ الْبَرِّ فَلَيْسَ إلاَّ حَرَامٌ أَوْ حَلاَلٌ, وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَلاَلٌ حَرَامٌ مَعًا, وَلاَ لاَ حَلاَلٌ، وَلاَ حَرَامٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَبَيْضُ النَّعَامِ وَسَائِرِ الصَّيْدِ حَلاَلٌ لِلْمُحْرِمِ وَفِي الْحَرَمِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ, وَأَصْحَابِهِمَا: لأَِنَّ الْبَيْضَ لَيْسَ صَيْدًا, وَلاَ يُسَمَّى صَيْدًا, وَلاَ يُقْتَلُ, وَإِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُحْرِمِ قَتْلَ صَيْدِ الْبَرِّ فَقَطْ; فَإِنْ وَجَدَ فِيهَا فَرْخَ مَيِّتٍ فَلاَ جَزَاءَ لَهُ, لأَِنَّه لَيْسَ صَيْدًا وَلَمْ يَقْتُلْهُ; فَإِنْ وَجَدَ فِيهَا فَرْخَ حَيٍّ فَمَاتَ فَجَزَاؤُهُ بِجَنِينٍ مِنْ مِثْلِهِ; لأَِنَّه صَيْدٌ قَتَلَهُ. وقال مالك: فِي بَيْضَةِ النَّعَامَةِ: عُشْرُ الْبَدَنَةِ, وَفِي بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ, عُشْرُ الشَّاةِ, قَالَ: لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ لِلْمُحْرِمِ, وَلاَ لِلْحَلاَلِ إذَا شَوَاهُ الْمُحْرِمُ أَوْ كَسَرَهُ. وقال الشافعي: فِيهِ قِيمَتُهُ فَقَطْ. قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَخَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ صَيْدًا; وَأَخْطَأَ خَطَأً آخَرَ أَيْضًا وَهُوَ أَنَّهُ جَزَاؤُهُ بِثَمَنِهِ وَالْجَزَاءُ بِالثَّمَنِ لاَ يُوجَدُ فِي قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَجَمَعَ فِيهِ مِنْ الْخَطَأِ وُجُوهًا: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ قَوْلٌ لاَ يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا قَالَ بِهِ قَبْلَهُ وَهُمْ يُنْكِرُونَ مِثْلَ هَذَا أَشَدَّ الإِنْكَارِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا فِي قَوْلِنَا فِي الْجَرَادِ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ قَوْلٌ لاَ يُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ, وَلاَ فِي السُّنَّةِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُمْ لاَ يُجِيزُونَ الاِشْتِرَاكَ فِي الْهَدْيِ حَيْثُ صَحَّ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالسُّنَّةِ عَلَى جَوَازِهِ, ثُمَّ أَجَازُوهُ هَاهُنَا حَيْثُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ يُعْرَفُ قَبْلَهُمْ فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا تُقَوَّمُ الْبَدَنَةُ, أَوْ الشَّاةُ, ثُمَّ نَأْخُذُ عُشْرَ تِلْكَ الْقِيمَةِ فَنُطْعِمُ بِهِ قلنا: هَذَا خَطَأٌ رَابِعٌ فَاحِشٌ لاَِنَّكُمْ تُلْزِمُونَهُ وَتَأْمُرُونَهُ بِمَا تَنْهَوْنَهُ عَنْهُ مِنْ وَقْتِكُمْ فَتُوجِبُونَ عَلَيْهِ عُشْرَ بَدَنَةٍ, وَعُشْرَ شَاةٍ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ إهْدَاؤُهُ, إنَّمَا يَلْزَمُهُ طَعَامٌ بِقِيمَةِ ذَلِكَ الْعُشْرِ, وَهَذَا تَخْلِيطٌ نَاهِيكَ بِهِ, وَتَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ. وَخَامِسُهَا: احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى جَنِينِ الْحُرَّةِ الَّذِي فِيهِ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ . فَقُلْنَا: هَذَا قِيَاسٌ لِلْخَطَأِ عَلَى الْخَطَأِ وَتَشْبِيهٌ لِلْبَاطِلِ بِالْبَاطِلِ الْمُشَبَّهِ بِالْبَاطِلِ وَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ، وَلاَ فِي جَنِينِ الأَمَةِ: عُشْرَ دِيَةِ أُمِّهِ, وَلاَ عُشْرَ قِيمَةِ أُمِّهِ; وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْجَنِينِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عليه السلام: غُرَّةً عَبْدًا, أَوْ أَمَةً فَقَطْ, وَلاَ جَعَلَ فِي الدِّيَةِ قِيمَةً; بَلْ جَعَلَهَا مِائَةً مِنْ الإِبِلِ. قال أبو محمد: وَأَمَّا اخْتِلاَفُ النَّاسِ فِي هَذَا فَإِنَّنَا: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا عَمَّارُ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَهْدَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْضًا وَتَتْمِيرَ وَحْشٍ فَقَالَ لَهُ: أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ فَإِنَّا حُرُمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلُهُ حَرْفًا حَرْفًا. قال أبو محمد: الأَوَّلُ مُرْسَلٌ, وَفِي الثَّانِي عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ, ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَمَا كَانَ فِيهِمَا نَهْيٌ عَنْ أَكْلِهَا وَإِنَّمَا هُوَ تَرْكٌ مِنْهُ عليه السلام وَقَدْ يَتْرُكُ مَا لَيْسَ حَرَامًا كَمَا تَرَكَ الضَّبَّ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ. وَأَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ كِلاَهُمَا، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ هُوَ أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ بَيْضِ نَعَامٍ أَصَابَهَا مُحْرِمٌ فَقَالَ عليه السلام: فِي كُلِّ بَيْضَةٍ صِيَامُ يَوْمٍ أَوْ إطْعَامُ مِسْكِينٍ. قَالَ عَلِيٌّ: أَبُو الزِّنَادِ لَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ, وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ, وَقَالَ بِهَذَا بَعْضُ السَّلَفِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ فِي بَيْضَةِ النَّعَامَةِ يُصِيبُهَا الْمُحْرِمُ: صَوْمُ يَوْمٍ, أَوْ إطْعَامُ مِسْكِينٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا عَبْدَةُ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي بَيْضِ النَّعَامِ يُصِيبُهَا الْمُحْرِمُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ فِيهِ: صَوْمُ يَوْمٍ, أَوْ إطْعَامُ مِسْكِينٍ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ قَالَ: فِي كُلِّ بَيْضَةٍ مِنْ بَيْضِ النَّعَامِ صِيَامُ يَوْمٍ, أَوْ إطْعَامُ مِسْكِينٍ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ أَفْتَى بِذَلِكَ عَلَى مُحْرِمٍ أَشَارَ لِحَلاَلٍ إلَى بَيْضِ نَعَامٍ فَهَذَا قَوْلٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَخْبَرَنِي عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَضَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي بَيْضِ النَّعَامَةِ يُصِيبُهَا الْمُحْرِمُ تُرْسِلُ الْفَحْلَ عَلَى إبِلِك فَإِذْ تَبَيَّنَ لِقَاحُهَا سَمَّيْت عَدَدَ مَا أَصَبْت مِنْ الْبَيْضِ فَقُلْت: هَذَا هَدْيٌ ثُمَّ لَيْسَ عَلَيْك ضَمَانُ مَا فَسَدَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَعَجِبَ مُعَاوِيَةُ مِنْ قَضَاءِ عَلِيٍّ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يَعْجَبْ مُعَاوِيَةُ مِنْ عَجَبٍ مَا هُوَ إلاَّ مَا يُبَاعُ بِهِ الْبَيْضُ فِي السُّوقِ يُتَصَدَّقُ بِهِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ عَطَاءٌ: مَنْ كَانَتْ لَهُ إبِلٌ فَإِنَّ فِيهِ مَا قَالَ عَلِيٌّ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إبِلٌ فَفِي كُلِّ بَيْضَةٍ دِرْهَمَانِ فَهَذَا قَوْلٌ آخَرُ; وَثَالِثٌ وَرَابِعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حدثنا الأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي بَيْضِ النَّعَامِ: قِيمَتُهُ. أَوْ ثَمَنُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ فِي بَيْضِ النَّعَامِ: قِيمَتُهُ, أَوْ ثَمَنُهُ. وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ, وَالشَّعْبِيِّ, وَالزُّهْرِيِّ, وَالشَّافِعِيِّ. وَأَمَّا بَيْضُ الْحَمَامِ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ وَعَطَاءٍ كِلاَهُمَا قَالَ: إنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: فِي كُلِّ بَيْضَتَيْنِ دِرْهَمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فِي كُلِّ بَيْضَةٍ مِنْ بَيْضِ حَمَامِ مَكَّةَ دِرْهَمٌ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ; وَقَالَ: فَإِنْ كَانَ فِيهَا فَرْخٌ فَدِرْهَمٌ. وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: بِنِصْفِ دِرْهَمٍ طَعَامٌ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ, وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ فِي بَيْضِ حَمَامِ مَكَّةَ: دِرْهَمٌ وَفِي بَيْضَةٍ مِنْ بَيْضِ حَمَامِ الْحِلِّ: مُدٌّ. قَالَ مَعْمَرٌ: وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: فِيهِ ثَمَنُهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ خُصَيْفٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي الْبَيْضَةِ: دِرْهَمٌ فَهِيَ أَقْوَالٌ كَمَا تَرَى: أَحَدُهَا: أَنَّ فِي بَيْضَةِ النَّعَامَةِ صَوْمَ يَوْمٍ, أَوْ إطْعَامَ مِسْكِينٍ فِيهِ خَبَرٌ مُسْنَدٌ; وَهُوَ قَوْلُ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ, وَابْنِ مَسْعُودٍ, وَابْنَيْهِ أَبِي عُبَيْدَةَ, وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ, وَابْنِ سِيرِينَ. وَثَانِيهَا: أَنَّ فِي كُلِّ بَيْضَةٍ مِنْهَا لِقَاحَ نَاقَةٍ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ, وَمُعَاوِيَةَ, وَعَطَاءٍ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ فِي بَيْضَةِ النَّعَامَةِ ثَمَنَهَا هُوَ قَوْلُ عُمَرَ, وَابْنِ مَسْعُودٍ, وَابْنِ عَبَّاسٍ, وَإِبْرَاهِيمَ, وَالشَّعْبِيِّ, وَالزُّهْرِيِّ, وَالشَّافِعِيِّ. وَرَابِعُهَا: أَنَّ مَنْ لَهُ إبِلٌ فَفِي كُلِّ بَيْضَةٍ لِقَاحُ نَاقَةٍ وَمَنْ لاَ إبِلَ لَهُ فَفِي كُلِّ بَيْضَةٍ دِرْهَمَانِ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ. وَفِي بَيْضِ الْحَمَامِ أَقْوَالٌ: أَحَدُهَا: فِي الْبَيْضَةِ دِرْهَمٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَثَانِيهَا: فِي الْبَيْضَةِ نِصْفُ دِرْهَمٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ, وَثَالِثُهَا: فِيهَا نِصْفُ دِرْهَمٍ, فَإِنْ كَانَ فِيهَا فَرْخٌ فَدِرْهَمٌ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ, وَرَابِعُهَا: فِي بَيْضَةٍ مِنْ حَمَامِ مَكَّةَ دِرْهَمٌ, وَفِي بَيْضَةٍ مِنْ حَمَامِ الْحِلِّ مُدٌّ وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ. وَخَامِسُهَا: فِيهَا ثَمَنُهَا وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ, وَالشَّافِعِيِّ. فَخَرَجَ قَوْلاَ: مَالِكٍ, وَأَبِي حَنِيفَةَ عَنْ أَنْ يُعْرَفَ لَهُمَا قَائِلٌ مِنْ السَّلَفِ. وَهُمْ يُعَظِّمُونَ هَذَا إذَا خَالَفَ تَقْلِيدَهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَا يُجْزَى الْهَدْيُ فِي ذَلِكَ إلَّا مُوقَفًا عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ يُنْحَرُ بِمَكَّةَ أَوْ بِمِنًى لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَأَمَّا الْإِطْعَامُ وَالصِّيَامُ فَحَيْثُ شَاءَ, لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَحُدَّ لَهُمَا مَوْضِعًا . وَصَيْدُ كُلِّ مَا سَكَنَ الْمَاءَ مِنْ الْبِرَكِ, أَوْ الأَنْهَارِ, أَوْ الْبَحْرِ, أَوْ الْعُيُونِ أَوْ الآبَارِ حَلاَلٌ لِلْمُحْرِمِ صَيْدُهُ وَأَكْلُهُ, لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: ثُمَّ حُرِّمَ بِالإِحْرَامِ وَفِي الْحَرَمِ صَيْدُ الْبَرِّ وَلَمْ يُحَرَّمْ صَيْدُ الْبَحْرِ فَكَانَ مَا عَدَا صَيْدَ الْبَرِّ حَلاَلاً كَمَا كَانَ إذْ لَمْ يَأْتِ مَا يُحَرِّمُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْجَزَاءُ وَاجِبٌ كَمَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ فِيمَا أُصِيبَ فِي حَرَمِ مَكَّةَ, أَوْ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ أَصَابَهُ حَلاَلٌ, أَوْ مُحْرِمٌ; لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَمَنْ كَانَ فِي حَرَمِ مَكَّةَ, أَوْ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ فَاسْمُ " حَرَمٍ " يَقَعُ عَلَيْهِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا وَكِيعٌ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى عَمَّنْ أَصَابَ صَيْدًا بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ: يُحْكَمُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ, وَمُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ النَّيْسَابُورِيِّ, وَبَعْضِ كِبَارِ أَصْحَابِ مَالِكٍ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَرَّمَ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْ الْمَدِينَةِ وَهُمَا حَرَّتَانِ بِهَا مَعْرُوفَتَانِ, وَحَرَمُ الْمَدِينَةِ مَعْرُوفٌ كَحَرَمِ مَكَّةَ. وقال أبو حنيفة, وَمَالِكٌ: لاَ جَزَاءَ فِيهِ وَهُوَ خَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَا; وَاحْتَجَّ بَعْضُ مَنْ اُمْتُحِنَ بِتَقْلِيدِهِمَا بِخَبَرَيْنِ: فِي أَحَدِهِمَا: أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ كَانَ يَتَصَيَّدُ بِالْعَقِيقِ وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ; لأَِنَّه خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ, وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْحَرَمِ بِالْمَدِينَةِ وَالنَّهْيِ عَنْ صَيْدِهَا. وَالثَّانِي: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَهُ وَحْشٌ فَكَانَ يَلْعَبُ فَإِذَا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبَعَ وَهُوَ خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ, ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ, لأَِنَّ الصَّيْدَ إذَا صِيدَ فِي الْحِلِّ, ثُمَّ أُدْخِلَ فِي الْحَرَمِ حَلَّ مِلْكُهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَمَنْ تَعَمَّدَ قَتْلَ صَيْدٍ فِي الْحِلِّ وَهُوَ فِي الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ لأَِنَّه قَتَلَ الصَّيْدَ وَهُوَ حَرَمٌ, فَإِنْ كَانَ الصَّيْدُ فِي الْحَرَمِ وَالْقَاتِلُ فِي الْحِلِّ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلاَ يُؤْكَلُ ذَلِكَ الصَّيْدُ، وَلاَ جَزَاءَ فِيهِ; أَمَّا سُقُوطُ الْجَزَاءِ فَلاَِنَّهُ لَيْسَ حَرَمًا وَأَمَّا عِصْيَانُهُ وَالْمَنْعُ مِنْ أَكْلِ الصَّيْدِ فَلاَِنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ وَلَمْ يَأْتِ فِيهِ جَزَاءٌ إنَّمَا جَاءَ تَحْرِيمُهُ فَقَطْ; وَإِنَّمَا جَاءَ الْجَزَاءُ عَلَى الْقَاتِلِ إذَا كَانَ حَرَمًا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا جَرِيرُ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ افْتَتَحَ مَكَّةَ فَذَكَرَ كَلاَمًا فِيهِ: هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ, وَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حدثنا أَبِي، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ، حدثنا عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "، أَنَّهُ قَالَ: إنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْ الْمَدِينَةِ أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهُهَا أَوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لاَِهْلِهَا وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ. قال أبو محمد: فَصَحَّ تَحْرِيمُ قَتْلِ صَيْدِ الْمَدِينَةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَحُكْمِ حَرَمِ مَكَّةَ سَوَاءٌ سَوَاءٌ. فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ صَيْدٍ قُتِلَ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ, أَوْ مَكَّةَ فَهُوَ غَيْرُ ذَكِيٍّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. رُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ, وَقَتَادَةَ: مَنْ رَمَى صَيْدًا فِي الْحِلِّ, وَالرَّامِي فِي الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْقَارِنُ, وَالْمُعْتَمِرُ, وَالْمُتَمَتِّعُ: سَوَاءٌ فِي الْجَزَاءِ فِيمَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ فِي حِلٍّ أَصَابُوهُ, أَوْ فِي حَرَمٍ إنَّمَا فِي كُلِّ ذَلِكَ جَزَاءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ; وَالشَّافِعِيِّ. وقال أبو حنيفة: عَلَى الْقَارِنِ جَزَاءَانِ فَإِنْ قَتَلَهُ فِي الْحَرَمِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَجَزَاءٌ وَاحِدٌ وَهَذَا تَنَاقُضٌ شَدِيدٌ; ثُمَّ قَالَ: إنْ قَتَلَ الْمُحِلُّ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ فَإِنَّمَا فِيهِ الْهَدْيُ, أَوْ الصَّدَقَةُ فَقَطْ, وَلاَ يُجْزِئُهُ صِيَامٌ وَهَذَا تَخْلِيطٌ آخَرُ, وَقَوْلٌ لاَ يُعْرَفُ أَحَدٌ قَالَ بِهِ قَبْلَهُ; وَإِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قَاتِلِ الصَّيْدِ وَهُوَ حَرَمٌ جَزَاءَ مِثْلِ مَا قَتَلَ, لاَ جَزَاءَ مِثْلَيْ مَا قَتَلَ; فَخَالَفَ الْقُرْآنَ فِي كِلاَ الْمَوْضِعَيْنِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ جَاءَتْ آثَارٌ عَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَنَّهُمْ سُئِلُوا عَنْ الصَّيْدِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ فَمَا سَأَلُوا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَقَارِنٌ هُوَ, أَمْ مُفْرِدٌ, أَمْ مُعْتَمِرٌ فَبَطَلَ مَا قَالُوهُ جُمْلَةً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي قَتْلِ صَيْدٍ عَامِدِينَ لِذَلِكَ كُلُّهُمْ, فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ إلاَّ جَزَاءٌ وَاحِدٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ أَنَّ مَوَالِيَ لاِبْنِ الزُّبَيْرِ قَتَلُوا ضَبُعًا وَهُمْ مُحْرِمُونَ فَسَأَلُوا ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: اذْبَحُوا كَبْشًا فَقَالُواعَنْ كُلِّ إنْسَانٍ مِنَّا فَقَالَ: بَلْ كَبْشٌ وَاحِدٌ جَمِيعَكُمْ وَهَذَا فِي أَوَّلِ دَوْلَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ, وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مُخَالِفٌ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ, وَالزُّهْرِيِّ, وَمُجَاهِدٍ, وَالنَّخَعِيِّ, وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ; وَالْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ, وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ, وَالأَوْزَاعِيِّ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ, وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ, وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ, وَالشَّعْبِيِّ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاءٌ. وَرُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ النَّخَعِيِّ, وَالْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وقال أبو حنيفة: أَمَّا الْمُحْرِمُونَ فَسَوَاءٌ أَصَابُوهُ فِي الْحَرَمِ, أَوْ الْحِلِّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاءٌ كَامِلٌ, وَأَمَّا الْحَلاَلاَنِ فَصَاعِدًا يُصِيبُونَ الصَّيْدَ فِي الْحَرَمِ فَعَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ; فَكَانَ هَذَا الْفَرْقُ طَرِيفًا جِدًّا لاَ يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ: وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ إحْرَامَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحْرِمِينَ غَيْرُ إحْرَامِ صَاحِبِهِ, وَالْحَرَمُ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَقِيلَ لَهُمْ: بَلْ مَوْضِعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ الْحَرَمِ غَيْرُ مَوْضِعِ الآخَرِ, وَكُلُّ مَكَان مِنْ الْحَرَمِ فَهُوَ حَرَمٌ آخَرُ, غَيْرُ الْمَكَانِ الثَّانِي, وَالإِحْرَامُ حُكْمٌ وَاحِدٌ لاَزِمٌ لِجَمِيعِ الْمُحْرِمِينَ. وَاحْتَجَّ بَعْضُ مَنْ رَأَى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَزَاءٌ بِأَنْ قَالَ: هِيَ كَفَّارَةٌ, فَكَمَا عَلَى كُلِّ قَاتِلِ خَطَأٍ إذَا اشْتَرَكُوا فِي دَمِ الْمُؤْمِنِ كَفَّارَةٌ, وَعَلَى كُلِّ حَانِثٍ إذَا اشْتَرَكُوا فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ فَهَذَا مِثْلُهُ فَعَارَضَهُمْ الآخَرُونَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَذَلِكَ عَلَيْهِمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ وَإِطْعَامٌ وَاحِدٌ. قال أبو محمد: وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ, وَالصَّحِيحُ أَنَّ أَمْوَالَ النَّاسِ مَحْظُورَةٌ فَلاَ يَجُوزُ إلْزَامُهُمْ غَرَامَةً بِغَيْرِ نَصٍّ، وَلاَ إجْمَاعٍ, فَالْجَزَاءُ بَيْنَهُمْ وَالإِطْعَامُ كَذَلِكَ. وَأَمَّا الصِّيَامُ فَإِنْ اخْتَارُوهُ: فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الصِّيَامُ كُلُّهُ لأَِنَّ الصَّوْمَ لاَ يُشْتَرَكُ فِيهِ، وَلاَ يُمْكِنُ ذَلِكَ, بِخِلاَفِ الأَمْوَالِ. فَإِنْ اخْتَلَفُوا: فَمَنْ اخْتَارَ مِنْهُمْ الْجَزَاءَ لَمْ يُجْزِهِ إلاَّ بِمِثْلٍ كَامِلٍ لاَ بِبَعْضِ مِثْلٍ وَمَنْ اخْتَارَ الإِطْعَامَ لَمْ يُجْزِهِ أَقَلُّ مِنْ ثَلاَثَةِ مَسَاكِينَ, لأَِنَّه كَانَ يَكُونُ خِلاَفَ النَّصِّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ قَتَلَ الصَّيْدَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ مَرَّةٍ جَزَاءٌ وَلَيْسَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَحَلاَلٌ لِلْمُحْرِمِ ذَبْحُ مَا عَدَا الصَّيْدَ مِمَّا يَأْكُلُهُ النَّاسُ مِنْ الدَّجَاجِ, وَالإِوَزِّ الْمُتَمَلَّكِ, وَالْبُرَكِ الْمُتَمَلَّكِ, وَالْحَمَامِ الْمُتَمَلَّكِ, وَالإِبِلِ, وَالْبَقَرِ, وَالْغَنَمِ, وَالْخَيْلِ, وَكُلِّ مَا لَيْسَ صَيْدًا الْحِلُّ وَالْحَرَمُ سَوَاءٌ وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مَعَ أَنَّ النَّصَّ لَمْ يُحَرِّمْهُ; وَكَذَلِكَ يَذْبَحُ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا الْحَلاَلُ فِي الْحَرَمِ بِلاَ خِلاَفٍ أَيْضًا مَعَ أَنَّ النَّصَّ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ. وَجَائِزٌ لِلْمُحْرِمِ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ, وَلِلْمُحِلِّ فِي الْحَرَمِ وَالْحِلِّ قَتْلُ كُلِّ مَا لَيْسَ بِصَيْدٍ مِنْ الْخَنَازِيرِ, وَالآُسْدِ وَالسِّبَاعِ, وَالْقَمْلِ, وَالْبَرَاغِيثِ, وَقِرْدَانِ بَعِيرِهِ أَوْ غَيْرِ بَعِيرِهِ, وَالْحَلَمِ كَذَلِكَ. وَنَسْتَحِبُّ لَهُمْ قَتْلَ الْحَيَّاتِ, وَالْفِئْرَانِ, وَالْحِدَأِ وَالْغِرْبَانِ, وَالْعَقَارِبِ, وَالْكِلاَبِ الْعَقُورَةِ, صِغَارُ كُلِّ ذَلِكَ وَكِبَارُهُ سَوَاءٌ, وَكَذَلِكَ الْوَزَغُ وَسَائِرُ الْهَوَامِّ، وَلاَ جَزَاءَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا، وَلاَ فِي الْقَمْلِ. فَإِنْ قَتَلَ مَا نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ مِنْ هُدْهُدٍ, أَوْ صُرَدٍ, أَوْ ضُفْدَعٍ, أَوْ نَمْلٍ: فَقَدْ عَصَى، وَلاَ جَزَاءَ فِي ذَلِكَ. بُرْهَانُ مَا ذَكَرْنَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ قَتْلَ مَا ذَكَرْنَا, ثُمَّ لَمْ يَنْهَ الْمُحْرِمَ إلاَّ عَنْ قَتْلِ الصَّيْدِ فَقَطْ, وَلاَ نَهَى إلاَّ عَنْ صَيْدِ الْحَرَمِ فَقَطْ, وَلاَ جَعَلَ الْجَزَاءَ إلاَّ فِي الصَّيْدِ فَقَطْ. فَمَنْ حَرَّمَ مَا لَمْ يَأْتِ النَّصُّ بِتَحْرِيمِهِ, أَوْ جَعَلَ جَزَاءً فِيمَا لَمْ يَأْتِ النَّصُّ بِالْجَزَاءِ فِيهِ: فَقَدْ شَرَّعَ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ. وقال أبو حنيفة: لاَ يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ إلاَّ الْكَلْبَ الْعَقُورَ, وَالْحَيَّةَ, وَالْعَقْرَبَ, وَالْحِدَأَةَ, وَالْغُرَابَ, وَالذِّئْبَ فَقَطْ, وَلاَ جَزَاءَ عَلَيْهِ فِيهَا. فأما الأَسَدُ, وَالنَّمِرُ, وَالسَّبُعُ, وَالدُّبُّ, وَالْخِنْزِيرُ, وَسَائِرُ سِبَاعِ ذَوَاتِ الأَرْبَعِ, وَجَمِيعُ سِبَاعِ الطَّيْرِ فَفِيهَا الْجَزَاءُ إلاَّ أَنْ تَكُونَ ابْتَدَأَتْهُ فَلاَ جَزَاءَ عَلَيْهِ فِيهَا, وَجَزَاؤُهَا عِنْدَهُ الأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ كُلِّ ذَلِكَ أَوْ شَاةٌ, وَلاَ يَتَجَاوَزُ بِجَزَاءِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ شَاةً وَاحِدَةً, وَيَقْتُلُ الْقِرْدَانَ عَنْ بَعِيرِهِ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ, وَلاَ يَقْتُلُ الْقُمَّلَ, فَإِنْ قَتَلَهَا أَطْعَمَ شَيْئًا, وَلَهُ قَتْلُ الْبُرْغُوثِ, وَالذَّرِّ, وَالْبَعُوضِ, وَلاَ جَزَاءَ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ زُفَرُ: سَوَاءٌ ابْتَدَأَتْ الْمُحْرِمَ السِّبَاعُ أَوْ لَمْ تَبْتَدِئْهُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ فِيمَا قَتَلَ مِنْهَا; وَقَالَ الطَّحَاوِيَّ: لاَ يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الْحَيَّةَ, وَلاَ الْوَزَغَ, وَلاَ شَيْئًا غَيْرَ الْحِدَأَةِ, وَالْغُرَابِ, وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ, وَالْفَأْرَةِ وَالْعَقْرَبِ. وقال مالك: يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الْفَأْرَةَ, وَالْعَقْرَبَ, وَالْحِدَأَةَ, وَالْغُرَابَ, وَالْكَلْبَ الْعَقُورَ, وَالْحَيَّةَ, وَجَمِيعَ سِبَاعِ ذَوَاتِ الأَرْبَعِ, إلاَّ أَنَّهُ كَرِهَ قَتْلَ الْغُرَابِ, وَالْحِدَأَةِ, إلاَّ أَنْ يُؤْذِيَاهُ. وَلاَ يَجُوزُ لَهُ قَتْلُ الثَّعْلَبِ, وَلاَ الْهِرِّ الْوَحْشِيِّ, وَفِيهِمَا الْجَزَاءُ عَلَى مَنْ قَتَلَهُمَا, إلاَّ إنْ ابْتَدَآهُ بِالأَذَى. وَلاَ يَجُوزُ لَهُ قَتْلُ صِغَارِ السِّبَاعِ أَصْلاً، وَلاَ قَتْلُ الْوَزَغِ, وَلاَ قَتْلُ الْبَعُوضِ, وَلاَ قِرْدَانِ بَعِيرِهِ خَاصَّةً, فَإِنْ قَتَلَهُ أَطْعَمَ شَيْئًا, وَلاَ يَقْتُلُ شَيْئًا مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ, فَإِنْ فَعَلَ فَفِيهَا الْجَزَاءُ, وَلَهُ قَتْلُ الْقُرَادِ إذَا وَجَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ. وَلاَ يَجُوزُ لَهُ قَتْلُ صِغَارِ الْغِرْبَانِ, وَلاَ صِغَارِ الْحِدَأَةِ; وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي صِغَارِ الْفِئْرَانِ أَيَقْتُلُهَا أَمْ لاَ قَالَ: وَلاَ يَقْتُلُ الْقُمَّلَ, فَإِنْ قَتَلَهَا أَطْعَمَ شَيْئًا. وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِنَا إلاَّ فِي الثَّعْلَبِ فَإِنَّهُ رَأَى فِيهِ الْجَزَاءَ. وَرُوِّينَا عَنْ مُجَاهِدٍ: قَتِّلْ الْحِدَأَةَ, وَارْمِ الْغُرَابَ, وَلاَ تَقْتُلْهُ. وَمِنْ طَرِيق وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: لاَ يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الْفَأْرَةَ. قال أبو محمد: كُلُّ مَا ذَكَرْنَا آرَاءٌ فَاسِدَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ, وَلَئِنْ كَانَتْ السِّبَاعُ مُحَرَّمَةً عَلَى الْمُحْرِمِ وَفِي الْحَرَمِ فَإِنَّ تَفْرِيقَ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ جَزَاءِ الصَّيْدِ; فَرَأَى فِيهِ قِيمَتَهُ يَبْتَاعُ مَا بَلَغَتْ مِنْ الإِهْدَاءِ وَلَوْ ثَلاَثَةً, أَوْ أَرْبَعَةً وَبَيْنَ جَزَاءِ السِّبَاعِ فَلَمْ يَرَ فِيهَا إلاَّ الأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ شَاةً فَقَطْ لاَ يَزِيدُ عَلَى وَاحِدَةٍ: عَجَبٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ, وَدِينٌ جَدِيدٌ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ, وَقَوْلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ لاَ مِنْ قُرْآنٍ, وَلاَ سُنَّةٍ. وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ. وَلاَ قَوْلِ أَحَدٍ يُعْرَفُ قَبْلَهُ. وَلاَ قِيَاسٍ. وَلاَ رَأْيٍ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ السَّدَادِ. وَكَذَلِكَ تَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ صِغَارِ الْغِرْبَانِ, وَالْحُدَيَّا, وَبَيْنَ صِغَارِ الْعَقَارِبِ, وَالْحَيَّاتِ, وَبَيْنَ سِبَاعِ الطَّيْرِ, وَبَيْنَ سِبَاعِ ذَوَاتِ الأَرْبَعِ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا سِبَاعَ ذَوَاتِ الأَرْبَعِ عَلَى الْكَلْبِ الْعَقُورِ قلنا: فَهَلاَّ قِسْتُمْ سِبَاعَ الطَّيْرِ عَلَى الْحِدَأَةِ أَوْ هَلاَّ قِسْتُمْ سِبَاعَ ذَوَاتِ الأَرْبَعِ عَلَى الضَّبُعِ وَعَلَى الثَّعْلَبِ عِنْدَكُمْ وَاحْتَجُّوا فِي الْقِرْدَانِ بِأَنَّهَا مِنْ الْبَعِيرِ. قال علي: هذا كَلاَمٌ فَاحِشُ الْفَسَادِ لِوَجْهَيْنِ, أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بَاطِلٌ وَمَا كَانَتْ الْقِرْدَانُ قَطُّ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الإِبِلِ, وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَا عُلِمَ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى إحْرَامٌ عَلَى بَعِيرٍ وَلَوْ أَنَّ مُحْرِمًا أَنْزَى بَعِيرَهُ عَلَى نَاقَةٍ أَوْ أَنْزَى بَعِيرًا عَلَى نَاقَتِهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ, فَكَيْفَ أَنْ يُعَذَّبَ بِأَكْلِ الْقِرْدَانِ لَهُ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ وَاحْتَجُّوا فِي الْقَمْلَةِ بِأَنَّهَا مِنْ الإِنْسَانِ . فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا وَهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ أَنَّ الصُّفَارَ مِنْ الإِنْسَانِ وَلَوْ قَتَلَهَا الْمُحْرِمُ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عِنْدَهُمْ شَيْءٌ, وَقَالُوا: هُوَ إمَاطَةُ الأَذَى عَنْ نَفْسِهِ . فَقُلْنَا: نَعَمْ فَكَانَ مَاذَا وَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ فِي إمَاطَةِ الأَذَى بِغَيْرِ حَلْقِ الرَّأْسِ بِشَيْءٍ وَأَنْتُمْ لاَ تَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ تَعْصِيرَ الدُّمَّلِ وَحَكَّ الْجِلْدِ وَغَسْلَ الْقَذَى عَنْ الْعَيْنِ وَقَتْلَ الْبَرَاغِيثِ إمَاطَةُ أَذًى، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ عِنْدَكُمْ; وَإِذْ قِسْتُمْ إمَاطَةَ الأَذَى حَيْثُ اشْتَهَيْتُمْ عَلَى إمَاطَةِ الأَذَى بِحَلْقِ الرَّأْسِ فَاجْعَلُوا فِيهَا مَا فِي إمَاطَةِ الأَذَى بِحَلْقِ الرَّأْسِ وَإِلاَّ فَقَدْ خَلَطْتُمْ وَتَنَاقَضْتُمْ وَأَبْطَلْتُمْ قِيَاسَكُمْ قال علي: وهذا الْبَابُ كُلُّهُ مَرْجِعُهُ إلَى شَيْئَيْنِ, أَحَدُهُمَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: قَالَ عَلِيٌّ: فَقَالَ قَائِلُونَ: قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم بِالْبَيَانِ وَسُئِلَ: مَاذَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ فَأَجَابَهُمْ عليه السلام بِهَذِهِ الْخَمْسِ, وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لاَ جُنَاحَ فِي قَتْلِهِنَّ فِي الْحَرَمِ وَالإِحْرَامِ, فَلَوْ كَانَ هُنَالِكَ سَادِسٌ لَبَيَّنَهُ عليه السلام وَحَاشَا لَهُ مِنْ أَنْ يُغْفِلَ شَيْئًا مِنْ الدِّينِ سُئِلَ عَنْهُ. فَصَحَّ أَنَّ مَا عَدَا هَذِهِ الْخَمْسَةَ لاَ يَجُوزُ قَتْلُهُنَّ. قال أبو محمد: وَهَذَا الاِحْتِجَاجُ لاَ يُمَكِّنُ الْمُقَلِّدِينَ لاَِبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَحْتَجُّوا بِهِ لأَِنَّهمْ كُلَّهُمْ قَدْ زَادُوا إلَى هَذِهِ الْخَمْسِ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِنَّ, فَأَضَافَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَيْهِنَّ: الذِّئْبَ, وَالْحَيَّاتِ, وَالْجِعْلاَنَ وَالْوَزَغَ, وَالنَّمْلَ, وَالْقُرَادَ وَالْبَعُوضَ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا زِدْنَا الذِّئْبَ لِلْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ حَرْمَلَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الذِّئْبَ وَالْمُرْسَلُ وَالْمُسْنَدُ سَوَاءٌ قلنا: فَقُولُوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ هُشَيْمٍ قَالَ: أَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعْمٍ الْبَجَلِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَمَّا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ فَقَالَ: الْحَيَّةُ, وَالْعَقْرَبُ, وَالْفُوَيْسِقَةُ, وَيَرْمِي الْغُرَابَ، وَلاَ يَقْتُلُهُ, وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ, وَالْحِدَأَةُ, وَالسَّبُعُ الْعَادِي فَاقْتُلُوا كُلَّ سَبُعٍ عَادٍ. وَلَمْ يَقُلْ عليه السلام: السَّبُعُ الْعَادِي عَلَيْهِ بَلْ أَطْلَقَهُ إطْلاَقًا. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَمْ نَأْخُذْ بِمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الْغُرَابِ; لأَِنَّ رَاوِيَهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَقَدْ قَالَ فِيهِ ابْنُ الْمُبَارَكِ: ارْمِ بِهِ, عَلَى جُمُودِ لِسَانِ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَشِدَّةِ تَوَقِّيهِ وَتَكَلَّمَ فِيهِ شُعْبَةُ, وَأَحْمَدُ وَقَالَ فِيهِ يَحْيَى: لاَ يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَكَذَّبَهُ أَبُو أُسَامَةَ, وَقَالَ: لَوْ حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا مَا صَدَّقْته. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الضَّبُعِ الْجَزَاءَ وَهِيَ سَبُعٌ ذُو نَابٍ قلنا: نَعَمْ, وَهِيَ حَلاَلٌ مِنْ بَيْنِ السِّبَاعِ فَهِيَ صَيْدٌ فَمَا الَّذِي أَوْجَبَ أَنْ تَقِيسُوا سَائِرَ السِّبَاعِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَى الضَّبُعِ الْحَلاَلِ أَكْلُهَا وَلَمْ تَقِيسُوهَا عَلَى الذِّئْبِ الَّذِي هُوَ حَرَامٌ عِنْدَكُمْ وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الأَسَدَ: هُوَ الْكَلْبُ الْعَقُورُ, وَأَبُو هُرَيْرَةَ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ, وَلاَ مُخَالِفَ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ يُعْرَفُ فِي ذَلِكَ. قال أبو محمد: أَمَّا هَذِهِ الأَقْوَالُ فَظَاهِرَةُ الْفَسَادِ, وَلَمْ يَبْقَ الْكَلاَمُ إلاَّ فِي تَخْصِيصِ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ وَإِلْحَاقِ مَا عَدَا مَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْخَبَرِ بِالتَّحْرِيمِ, أَوْ تَخْصِيصِ الآيَةِ وَإِلْحَاقِ مَا عَدَا مَا ذَكَرَ فِيهَا بِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ, أَوْ أَنْ نَحْكُمَ بِمَا فِي الآيَةِ وَبِمَا فِي الْخَبَرِ وَنَطْلُبَ حُكْمَ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِمَا مِنْ غَيْرِ هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَكَانَ الْوَجْهَانِ الأَوَّلاَنِ مُتَعَارِضَيْنِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الآخَرِ; وَأَيْضًا: فَإِنَّ إلْحَاقَ مَا لَمْ يَذْكُرْ فِي الآيَةِ بِمَا ذَكَرَ فِيهَا, أَوْ إلْحَاقَ مَا لَمْ يَذْكُرْ فِي الْخَبَرِ بِمَا ذَكَرَ فِيهِ قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ, وَتَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَشَرَّعَ فِي الدِّينِ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى, وَهَذَا لاَ يَحِلُّ, فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ الْوَجْهُ الثَّالِثُ, فَكَانَ هُوَ الْحَقَّ لأَِنَّه هُوَ الاِئْتِمَارُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ عليه السلام وَتَرْكُ تَعَدٍّ لِحُدُودِهِمَا. فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ: فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا حَرَّمَ فِي الإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ قَتْلَ الصَّيْدِ, وَجَعَلَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ وَهُوَ حَرَمٌ بِالْعَمْدِ الْجَزَاءَ, فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِذَلِكَ. وَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ عليه السلام قَدْ أَخْبَرَ بِأَنَّ الْمُحْرِمَ يَقْتُلُ الْخَمْسَ الْمَذْكُورَاتِ, وَأَنَّهُ لاَ جُنَاحَ فِي قَتْلِهِنَّ فِي حَرَمٍ, أَوْ إحْرَامٍ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِذَلِكَ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا عَدَا الْخَمْسَ الْمَذْكُورَاتِ مِمَّا لَيْسَ صَيْدًا: فَوَجَدْنَا الْكَلاَمَ فِيهِمَا فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا: قَتْلُهَا, وَالثَّانِي: هَلْ فِي قَتْلِهَا جَزَاءٌ أَمْ لاَ فَنَظَرْنَا فِي إيجَابِ الْجَزَاءِ فِي ذَلِكَ: فَوَجَدْنَاهُ بَاطِلاً لاَ إشْكَالَ فِيهِ, لأَِنَّه لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلٌ عَلَى إيجَابِ جَزَاءٍ فِي ذَلِكَ أَصْلاً، وَلاَ شَيْءٌ مِنْ النُّصُوصِ كُلِّهَا; فَكَانَ الْقَوْلُ بِذَلِكَ شَرْعًا فِي الدِّينِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى; فَبَطَلَ جُمْلَةً وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَتْلِهَا: فَوَجَدْنَا مَنْ مَنَعَ مِنْهُ يَقُولُ: اقْتِصَارُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَوَابِ السَّائِلِ عَمَّا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا عَدَاهَا بِخِلاَفِهَا وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَكَانَ كَلاَمُهُ عليه السلام غَيْرَ مُسْتَوْعِبٍ لِجَوَابِ السَّائِلِ، وَلاَ مُبَيِّنٍ لَهُ حُكْمَ مَا سَأَلَ عَنْهُ, وَحَاشَا لَهُ مِنْ هَذَا, وَوَجَدْنَا مَنْ أَبَاحَ قَتْلَهَا يَقُولُ: اقْتِصَارُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمَنْعِ مِنْ قَتْلِ الصَّيْدِ خَاصَّةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقِسْمٌ مُحَرَّمٌ قَتْلُهُ بِنُصُوصٍ وَارِدَةٍ فِيهِ: كَالْهُدْهُدِ, وَالصُّرَدِ, وَالضَّفَادِعِ, وَالنَّحْلِ, وَالنَّمْلِ; فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى حُكْمِهِ كَمَا كَانَ, وَأَنْ لاَ يُنْقَلَ بِظَنٍّ قَدْ عَارَضَهُ ظَنٌّ آخَرُ, وَبِغَيْرِ نَصٍّ جَلِيٍّ; فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لاَ يَجُوزُ تَعَدِّيهِ. فإن قيل: فَإِنَّ مَا لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ قَدْ يَصِيدُهُ الْمَرْءُ لِيُطْعِمَهُ جَوَارِحَهُ قلنا: هَذَا بَاطِلٌ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ نَصَّ عَلَيْنَا حُكْمَ الصَّيْدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} فَصَحَّ أَنَّ الْمُحَلَّلَ لَنَا إذَا حَلَلْنَا هُوَ الْمُحَرَّمُ عَلَيْنَا إذَا أَحْرَمْنَا, وَأَنَّهُ تَصَيُّدُ مَا عَلَّمَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حُكْمَهُ الَّذِي بِالْتِزَامِهِ يَتَبَيَّنُ مَنْ يَخَافُ رَبَّهُ تَعَالَى فَيَلْتَزِمُ مَا أَمَرَ بِهِ فِي صَيْدِهِ وَيَجْتَنِبُ مَا نَهَى عَنْهُ فِيهِ مِمَّنْ لاَ يَخَافُ رَبَّهُ فَيَعْتَدِي مَا أَمَرَهُ تَعَالَى; وَلَيْسَ هَذَا بِيَقِينٍ إلاَّ فِيمَا تُصُيِّدَ لِلأَكْلِ, وَمَا عَلِمْنَا قَطُّ فِي لُغَةٍ، وَلاَ شَرِيعَةٍ أَنَّ الْجَرْيَ خَلْفَ الْخَنَازِيرِ, وَالآُسْدِ, وَقَتْلَهَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ: صَيْدٍ. فإن قيل: فَمَا وَجْهُ اقْتِصَارِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى هَذِهِ الْخَمْسِ قلنا: وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: ظَاهِرُ الْخَبَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مَحْضُوضٌ عَلَى قَتْلِهِنَّ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَيَكُونُ غَيْرُهُنَّ مُبَاحًا قَتْلُهُ أَيْضًا وَلَيْسَ هَذَا الْخَبَرُ مِمَّا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الْخَمْسِ مَأْمُورًا بِقَتْلِهِ أَيْضًا: كَالْوَزَغِ, وَالأَفَاعِي, وَالْحَيَّاتِ, وَالرُّتَيْلاَ وَالثَّعَابِينِ. وَقَدْ يَكُونُ عليه السلام تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي هَذِهِ فَاكْتَفَى عَنْ إعَادَتِهَا عِنْدَ ذِكْرِهِ الْخَمْسَ الْفَوَاسِقَ, وَلَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ لَهُنَّ, فَلَوْلاَ هَذَا الْخَبَرُ مَا عَلِمْنَا الْحَضَّ عَلَى قَتْلِ الْغُرَابِ، وَلاَ تَحْرِيمَ أَكْلِهِ, وَأَكْلِ الْفَأْرَةِ, وَالْعَقْرَبِ, فَلَهُ أَعْظَمُ الْفَائِدَةِ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وقد قلنا: إنَّ هَذَا الْحِجَاجَ كُلَّهُ لاَ مَدْخَلَ فِي شَيْءٍ لاَِبِي حَنِيفَةَ, وَلاَ لِمَالِكٍ لأَِنَّهمْ زَادُوا عَلَى الْخَمْسِ دَوَابَّ كَثِيرَةً, وَمَنَعُوا مِنْ قَتْلِ دَوَابَّ كَثِيرَةٍ بِالرَّأْيِ الْفَاسِدِ الْمُجَرَّدِ, فَلاَ بِالآيَةِ تَعَلَّقُوا، وَلاَ بِالْحَدِيثِ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ: فَإِنَّهُ تَنَاقَضَ فِي الثَّعْلَبِ, لأَِنَّه ذُو نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ فَهُوَ حَرَامٌ لَمْ يَأْتِ تَحْلِيلُهُ فِي نَصٍّ قَطُّ وَلَيْسَ صَيْدًا. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ احْتَجَّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ بِحَدِيثِ الْخَمْسِ الْفَوَاسِقِ وَأَوْهَمَ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ غَيْرُ مُتَعَدٍّ لَهُ; وَقَدْ كَذَبُوا فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا. ثُمَّ لَمْ يُبَالُوا بِأَنْ يَزِيدُوا عَلَى حَدِيثِ الأَصْنَافِ السِّتَّةِ فِي الرِّبَا أَلْفَ صِنْفٍ لاَ يُذْكَرُ, لاَ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ, وَلاَ فِي غَيْرِهِ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حدثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: اُقْتُلْ مِنْ السِّبَاعِ مَا عَدَا عَلَيْك وَمَا لَمْ يَعْدُ عَلَيْك وَأَنْتَ مُحْرِمٌ قَالَ: وَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يَقْتُلَ الْمُحْرِمُ: الذِّئْبَ, وَالسِّنَّوْرَ الْبَرِّيَّ, وَالنَّسْرَ. قال أبو محمد: أَمَّا النَّسْرُ فَفِيهِ الْجَزَاءُ; لأَِنَّه صَيْدٌ حَلاَلٌ أَكْلُهُ; إذْ لَمْ يُنَصَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ: وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: مَا سَمِعْنَا أَنَّ الثَّعْلَبَ يُفْدَى وَعَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ: أَنَّ الثَّعْلَبَ سَبُعٌ, وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ جَزَاءٌ, أَوْ أَنْ يَكُونَ صَيْدًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: أَمَرَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِقَتْلِ الْحَيَّةِ, وَالْعَقْرَبِ, وَالْفَأْرِ, وَالزُّنْبُورِ, وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: لَيْسَ فِي الزُّنْبُورِ جَزَاءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ قَتَلَ وَزَغًا فَلَهُ بِهِ صَدَقَةٌ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: اُقْتُلُوا الْوَزَغَ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقْتُلُ الْوَزَغَ فِي بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ: سَأَلْت عَطَاءً أَيُقْتَلُ الْوَزَغُ فِي الْحَرَمِ قَالَ: لاَ بَأْسَ, وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمْ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمِ التَّيْمِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَدِيرِ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يُقَرِّدُ بَعِيرَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حدثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عِيسَى بْنِ عَلِيٍّ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَخَّصَ فِي الْمُحْرِمِ أَنْ يُقَرِّدَ بَعِيرَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، حدثنا الْعَلاَءُ، هُوَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ قَالَ: سُئِلَ عَطَاءٌ أَيُقَرِّدُ الْمُحْرِمُ بَعِيرَهُ قَالَ: نَعَمْ, قَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُقَرِّدُ بَعِيرَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ، حدثنا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُقَرِّدَ الْمُحْرِمُ بَعِيرَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَمَرَهُ أَنْ يُقَرِّدَ بَعِيرًا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَكَرِهَ عِكْرِمَةُ, فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُمْ فَانْحَرْهُ فَنَحَرَهُ, فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ أُمَّ لَك كَمْ قَتَلْت مِنْ قُرَادٍ وَحَلَمَةٍ وَحَمْنَانَةٍ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ إلاَّ رِوَايَةٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَدْ أَوْرَدْنَا عَنْهُ خِلاَفَهَا. وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: يُقَرِّدُ الْمُحْرِمُ بَعِيرَهُ, وَيَطْلِيهِ بِالْقَطْرَانِ, لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وقد رُوِّينَا خِلاَفَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ. وَأَمَّا النَّمْلُ: فَلاَ يَحِلُّ قَتْلُهُ, وَلاَ قَتْلُ الْهُدْهُدِ, وَلاَ الصُّرَدِ, وَلاَ النَّحْلَةِ, وَلاَ الضُّفْدَعِ: لِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حدثنا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ: النَّمْلَةِ, وَالنَّحْلَةِ, وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حدثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ: أَنَّ طَبِيبًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ضُفْدَعٍ يَجْعَلُهَا فِي دَوَاءٍ فَنَهَاهُ النَّبِيُّ عليه السلام عَنْ قَتْلِهَا. قال أبو محمد: فَلاَ يَحِلُّ قَتْلُ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ لاَ لِمُحِلٍّ, وَلاَ لِمُحْرِمٍ, فَإِنْ قَتَلَ شَيْئًا مِنْهَا عَامِدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ عَالِمًا بِالنَّهْيِ: فَهُوَ فَاسِقٌ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, وَلاَ جَزَاءَ عَلَيْهِ لأَِنَّها لَيْسَتْ صَيْدًا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَزِّمِ: سَمِعَ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَسَأَلَهُ مُحْرِمٌ عَنْ قَتْلِهِ نَمْلاً فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: لَيْسَ عَلَيْك شَيْءٌ. وَأَمَّا الْبَعُوضُ, وَالذُّبَابُ: فَرُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: مَا أُبَالِي لَوْ قَتَلْت عِشْرِينَ ذُبَابَةً وَأَنَا مُحْرِمٌ, وَأَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِقَتْلِ الْبَقِّ لِلْمُحْرِمِ يَعْنِي الْبَعُوضَ. وَعَنْ عَطَاءٍ: لاَ بَأْسَ بِقَتْلِ الذُّبَابِ لِلْمُحْرِمِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ لاَ شَيْءَ فِي الرَّخَمِ وَالْعُقَابِ, وَالصَّقْرِ, وَالْحِدَأِ, يُصِيبُهَا الْمُحْرِمُ. وَأَمَّا الْقَمْلُ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ هُوَ الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: شَهِدْت امْرَأَةً سَأَلَتْ ابْنَ عُمَرَ عَنْ قَمْلَةٍ قَتَلَتْهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ فَقَالَ: مَا نَعْلَمُ الْقَمْلَةَ مِنْ الصَّيْدِ, وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حدثنا عِيسَى بْنُ حَفْصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَآنِي ابْنُ عُمَرَ وَأَنَا أَنْقُرُ رَأْسِي وَأَنَا مُحْرِمٌ فَقَالَ: هَكَذَا حَكًّا شَدِيدًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حدثنا عُيَيْنَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْت عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ أَحُكُّ رَأْسِي وَأَنَا مُحْرِمٌ فَحَكَّ ابْنُ عَبَّاسٍ رَأْسَهُ حَكًّا شَدِيدًا; فَقَالَ الرَّجُلُ: أَفَرَأَيْت إنْ قَتَلْت قَمْلَةً, قَالَ: بَعُدْت مَا الْقَمْلَةُ مَانِعَتِي أَنْ أَحُكَّ رَأْسِي وَإِيَّاهَا أَرَدْت; وَمَا نُهِيتُمْ إلاَّ عَنْ الصَّيْدِ. وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ كُلُّ مَا لاَ يُؤْكَلُ فَإِنْ قَتَلْته وَأَنْتَ مُحْرِمٌ فَلاَ غُرْمَ عَلَيْك فِيهِ, مَعَ أَنَّهُ يُنْهَى عَنْ قَتْلِهِ إلاَّ أَنْ يَكُونَ عَدُوًّا أَوْ يُؤْذِيك. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا بِقَتْلِ الْمُحْرِمِ الْقَمْلَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا هُشَيْمٌ سَمِعْت أَبَا بِشْرٍ وَقَدْ سَأَلْته عَنْ الْقَمْلَةِ يَقْتُلُهَا الْمُحْرِمُ, فَقَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ لَيْسَ لِلْقَمْلَةِ جَزَاءٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الْهَوَامَّ كُلَّهَا إلاَّ الْقَمْلَةَ فَإِنَّهَا مِنْهُ. قال أبو محمد: لَمْ يَجْعَلْ فِيهَا شَيْئًا. وقال أبو حنيفة: إنْ قَتَلَ قَمْلَةً أَطْعَمَ شَيْئًا; وَأَبَاحَ لِلْمُحْرِمِ غَسْلَ ثِيَابِهِ, وَغَسْلَ رَأْسِهِ وَهَذَا تَنَاقُضٌ. وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْبَعُوضِ, وَالْبَرَاغِيثِ, يَقْتُلُهَا الْمُحْرِمُ أَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ فَقَالَ: إنِّي لاَ أُحِبُّ ذَلِكَ هَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ, وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، أَنَّهُ قَالَ فِي مُحْرِمٍ لَدَغَتْهُ دَبْرَةٌ فَقَتَلَهَا وَهُوَ لاَ يَشْعُرُ فَقَالَ: يُطْعِمُ شَيْئًا, وَكَذَلِكَ مَنْ قَتَلَ قَمْلَةً. وقال الشافعي: إنْ أَخَذَهَا مِنْ رَأْسِهِ فَقَتَلَهَا فَلْيُطْعِمْ لُقْمَةً. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ احْتَجُّوا بِمَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ إذْ رَآهُ يَتَنَاثَرُ الْقَمْلُ عَلَى وَجْهِهِ فَأَمَرَهُ بِحَلْقِ رَأْسِهِ, وَأَنْ يَفْتَدِيَ قلنا: نَعَمْ هَذَا حَقٌّ وَلَسْنَا مَعَكُمْ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ إنَّمَا نَحْنُ فِي قَتْلِ الْقَمْلِ, وَلَمْ يَقُلْ عليه السلام: إنَّ هَذِهِ الْفِدْيَةَ إنَّمَا هِيَ لِقَتْلِ الْقَمْلِ; وَمَنْ قَوَّلَهُ هَذَا فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ, وَلَئِنْ كَانَتْ الْقَمْلَةُ لَيْسَتْ مِنْ الصَّيْدِ فَمَا لَهَا جَزَاءٌ, وَلَئِنْ كَانَتْ مِنْ الصَّيْدِ فَمَا مِثْلُهَا لُقْمَةً, وَلاَ قَبْضَةَ طَعَامٍ; وَإِنَّمَا مِثْلُهَا حَبَّةَ سِمْسِمَة. فَمَا نَدْرِي بِمَاذَا تَعَلَّقُوا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَجَائِزٌ لِلْمُحْرِمِ دُخُولُ الْحَمَّامِ, وَالتَّدَلُّكُ, وَغَسْلُ رَأْسِهِ بِالطِّينِ, وَالْخِطْمِيِّ, وَالاِكْتِحَالُ, وَالتَّسْوِيكُ, وَالنَّظَرُ فِي الْمِرْآةِ, وَشَمُّ الرَّيْحَانِ, وَغَسْلُ ثِيَابِهِ, وَقَصُّ أَظْفَارِهِ وَشَارِبِهِ, وَنَتْفُ إبْطِهِ, وَالتَّنَوُّرُ, وَلاَ حَرَجَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ, وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ; لأَِنَّه لَمْ يَأْتِ فِي مَنْعِهِ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا قُرْآنٌ, وَلاَ سُنَّةٌ, وَمُدَّعِي الإِجْمَاعِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ: كَاذِبٌ عَلَى جَمِيعِ الآُمَّةِ, قَائِلٌ مَا لاَ عِلْمَ بِهِ وَمَنْ أَوْجَبَ فِي ذَلِكَ غَرَامَةً فَقَدْ أَوْجَبَ شَرْعًا فِي الدِّينِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ دَخَلَ حَمَّامَ الْجُحْفَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لاَ يَصْنَعُ بِوَسَخِ الْمُحْرِمِ شَيْئًا. وَ، أَنَّهُ قَالَ: الْمُحْرِمُ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ, وَيَنْزِعُ ضِرْسَهُ, إنْ انْكَسَرَ ظُفْرُهُ طَرَحَهُ, أَمِيطُوا عَنْكُمْ الأَذَى إنَّ اللَّهَ لاَ يَصْنَعُ بِأَذَاكُمْ شَيْئًا. وَأَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بِشَمِّ الرَّيْحَانِ لِلْمُحْرِمِ بَأْسًا, وَأَنْ يَقْطَعَ ظُفْرَهُ إذَا انْكَسَرَ, وَيَقْلَعَ ضِرْسَهُ إذَا آذَاهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَعْضَ بَنِيهِ أَحْسَبُهُ قَالَ عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ, وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى ضِفَّةِ الْبَحْرِ, وَهُمَا يَتَمَاقَلاَنِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ: يُغَيِّبُ هَذَا رَأْسَ هَذَا وَيُغَيِّبُ هَذَا رَأْسَ هَذَا: فَلَمْ يَعِبْ عَلَيْهِمَا. وَعَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْت أُطَاوِلُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ النَّفَسَ وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ فِي الْحِيَاضِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، حدثنا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتنِي أُمَاقِلُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِالْجُحْفَةِ وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ الْمُمَاقَلَةُ: التَّغْطِيسُ فِي الْمَاءِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ هُوَ، وَابْنُ عُمَرَ بِإِخَاذِ بِالْجُحْفَةِ يَتَرَامَسَانِ وَهُمَا مُحْرِمَانِ:. قال أبو محمد: الإِخَاذُ الْغَدِيرُ وَالتَّرَامُسُ التَّغَاطُسُ. وَرَأَى مَالِكٌ عَلَى مَنْ غَيَّبَ رَأْسَهُ فِي الْمَاءِ: الْفِدْيَةَ, وَخَالَفَ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا; وَاخْتَلَفَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ فِي غَسْلِ الْمُحْرِمِ رَأْسَهُ فَاحْتَكَمَا إلَى أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ, وَوَجَّهَا إلَيْهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُنَيْنٍ فَوَجَدَهُ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ, وَأَخْبَرَهُ: أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ تَنْقُضَ رَأْسَهَا وَتَمْتَشِطَ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حدثنا الْعُمْرِيُّ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَغْسِلَ الْمُحْرِمُ ثِيَابَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ يَعْنِي عَنْ غَسْلِ الْمُحْرِمِ ثِيَابَهُ فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ إنَّ اللَّهَ لاَ يَصْنَعُ بِدَرَنِك شَيْئًا وَمِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: لاَ بَأْسَ أَنْ تُمَشِّطَ الْمَرْأَةُ الْحَرَامُ الْمَرْأَةَ الْحَرَامَ وَتَقْتُلَ قَمْلَ غَيْرِهَا. وَعَنْ عَطَاءٍ, وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالاَ: لاَ بَأْسَ بِدُخُولِ الْمُحْرِمِ الْحَمَّامَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ. فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ يَجْعَلُ فِيمَنْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ, أَوْ أُبِيحَ لَهُ وَلَمْ يُنْهَ عَنْهُ: كَفَّارَةً أَوْ غَرَامَةً, ثُمَّ لاَ يَجْعَلُ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي فُسُوقِهِ وَمَعَاصِيهِ, وَارْتِكَابِهِ الْكَبَائِرَ شَيْئًا, لاَ فِدْيَةً, وَلاَ غَرَامَةً, بَلْ يَرَى حَجَّهُ ذَلِكَ تَامًّا مَبْرُورًا وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ فِي الْمِرْآةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ الْمُحْرِمُ فِي الْمِرْآةِ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ, وَابْنِ سِيرِينَ, وَعَطَاءٍ, وطَاوُوس, وَعِكْرِمَةَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ وقال مالك: يُكْرَهُ ذَلِكَ وَقَدْ رُوِيَتْ كَرَاهَةُ ذَلِكَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ; وَالإِبَاحَةُ عَنْهُ أَصَحُّ. وقال أبو حنيفة: إنْ قَلَّمَ الْمُحْرِمُ أَظْفَارَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ, أَرْبَعَ أَصَابِعَ مِنْ كُلِّ يَدٍ مِنْ يَدَيْهِ, وَمِنْ كُلِّ رِجْلٍ مِنْ رِجْلَيْهِ: فَعَلَيْهِ إطْعَامٌ مَا شَاءَ, فَإِنْ قَلَّمَ أَظْفَارَ كَفٍّ وَاحِدَةٍ فَقَطْ, أَوْ رِجْلٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ: فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إنْ قَلَّمَ خَمْسَةَ أَظْفَارٍ مِنْ يَدٍ وَاحِدَةٍ, أَوْ مِنْ رِجْلٍ وَاحِدَةٍ, أَوْ مِنْ يَدَيْنِ, أَوْ مِنْ رِجْلَيْنِ, أَوْ مِنْ يَدَيْهِ, وَرِجْلَيْهِ مَعًا: فَعَلَيْهِ دَمٌ, فَإِنْ قَلَّمَ أَرْبَعَةَ أَظْفَارٍ كَذَلِكَ: فَعَلَيْهِ إطْعَامٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ, إلاَّ، أَنَّهُ قَالَ: يُطْعِمُ عَنْ كُلِّ ظُفْرٍ نِصْفَ صَاعٍ. وَقَالَ زُفَرُ, وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: إنْ قَلَّمَ ثَلاَثَةَ أَظْفَارٍ مِنْ يَدٍ وَاحِدَةٍ, أَوْ مِنْ رِجْلٍ وَاحِدَةٍ; أَوْ مِنْ يَدَيْنِ وَرِجْلٍ, أَوْ مِنْ رِجْلَيْنِ وَيَدٍ: فَعَلَيْهِ دَمٌ فَإِنْ قَلَّمَ أَقَلَّ فَعَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَ عَنْ كُلِّ أُصْبُعٍ نِصْفَ صَاعٍ. وَقَالَ الطَّحَاوِيَّ: لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يُقَلِّمَ جَمِيعَ أَظْفَارِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ: فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. وقال مالك: مَنْ قَلَّمَ مِنْ أَظْفَارِهِ مَا يُمِيطُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ أَذًى فَالْفِدْيَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ عَلَيْهِ. وقال الشافعي: مَنْ قَلَّمَ ظُفْرًا وَاحِدًا فَلْيُطْعِمْ مُدًّا, فَإِنْ قَلَّمَ ظُفْرَيْنِ فَمُدَّيْنِ, فَإِنْ قَلَّمَ ثَلاَثَةَ أَظْفَارٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ الأَقْوَالِ الشَّنِيعَةِ الَّتِي لاَ حَظَّ لَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ وُجُوهِ الصَّوَابِ، وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهَا قَبْلَهُمْ وَقَدْ ذَكَرْنَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ آنِفًا: لاَ بَأْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ إذَا انْكَسَرَ ظُفْرُهُ أَنْ يَطْرَحَهُ عَنْهُ وَأَنْ يُمِيطَ عَنْ نَفْسِهِ الأَذَى. وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ, وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ, وَمُجَاهِدٍ, وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ, وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ, وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ, لَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ جَعَلَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا. وَعَنْ عَطَاءٍ: إنْ قَصَّ أَظْفَارَهُ لاَِذًى بِهِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ, فَإِنْ قَصَّهَا لِغَيْرِ أَذًى فَعَلَيْهِ دَمٌ وَعَنْهُ, وَعَنْ الْحَسَنِ: إنْ قَلَّمَ ظُفْرَهُ الْمُنْكَسِرَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ, فَإِنْ قَلَّمَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْكَسِرَ: فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ: إنْ نَزَعَ الْمُحْرِمُ ضِرْسَهُ: فَعَلَيْهِ دَمٌ. قال أبو محمد: وَلاَ مُخَالِفَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم, وَيَلْزَمُ مَنْ رَأَى فِي إمَاطَةِ الأَذَى الدَّمَ أَنْ يَقُولَ بِقَوْلِ الشَّعْبِيِّ فِي إيجَابِ إمَاطَةِ الأَذَى بِقَلْعِ الضِّرْسِ, وَنَعِمَ, وَفِي الْبَوْلِ, وَفِي الْغَائِطِ لأَِنَّ كُلَّ ذَلِكَ إمَاطَةُ أَذًى. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ ثِيَابَهُ. وَمِنْ طُرُقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ فِي غَسْلِ الْمُحْرِمِ ثِيَابَهُ: إنَّ اللَّهَ لاَ يَصْنَعُ بِدَرَنِك شَيْئًا. وبه إلى سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لاَ بَأْسَ بِغَسْلِ الْمُحْرِمِ ثِيَابَهُ, وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيُّ, وَأَبُو سُلَيْمَانَ. وَكُلُّ مَا صَادَهُ الْمُحِلُّ فِي الْحِلِّ فَأَدْخَلَهُ الْحَرَمَ, أَوْ وَهَبَهُ لِمُحْرِمٍ, أَوْ اشْتَرَاهُ مُحْرِمٌ: فَحَلاَلٌ لِلْمُحْرِمِ, وَلِمَنْ فِي الْحَرَمِ مِلْكُهُ, وَذَبْحُهُ, وَأَكْلُهُ وَكَذَلِكَ مَنْ أَحْرَمَ وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ قَدْ مَلَكَهُ قَبْلَ ذَلِكَ, أَوْ فِي مَنْزِلِهِ قَرِيبًا, أَوْ بَعِيدًا, أَوْ فِي قَفَصٍ مَعَهُ فَهُوَ حَلاَلٌ لَهُ كَمَا كَانَ أَكْلُهُ, وَذَبْحُهُ وَمِلْكُهُ, وَبَيْعُهُ, وَإِنَّمَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً التَّصَيُّدُ لِلصَّيْدِ وَتَمَلُّكُهُ وَذَبْحُهُ حِينَئِذٍ فَقَطْ, فَلَوْ ذَبَحَهُ لَكَانَ مَيْتَةً, وَلَوْ انْتَزَعَهُ حَلاَلٌ مِنْ يَدِهِ لَكَانَ لِلَّذِي انْتَزَعَهُ, وَلاَ يَمْلِكُهُ الْمُحْرِمُ وَإِنْ أَحَلَّ, إلاَّ بِأَنْ يَحْدُثَ لَهُ تَمَلُّكًا بَعْدَ إحْلاَلِهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: وَقَالَ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هَاتَانِ الآيَتَانِ عَلَى عُمُومِهِمَا, وَالشَّيْءُ الْمُتَصَيَّدُ هُوَ الْمُحَرَّمُ مِلْكُهُ وَذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ كَيْفَ كَانَ فَحَرَّمُوا عَلَى الْمُحْرِمِ أَكْلَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ لَحْمِ الصَّيْدِ جُمْلَةً وَإِنْ صَادَهُ لِنَفْسِهِ حَلاَلٌ وَإِنْ ذَبَحَهُ الْحَلاَلُ. وَحَرَّمُوا عَلَيْهِ ذَبْحَ شَيْءٍ مِنْهُ, وَإِنْ كَانَ قَدْ مَلَكَهُ قَبْلَ إحْرَامِهِ, وَأَوْجَبُوا عَلَى مَنْ أَحْرَمَ وَفِي دَارِهِ صَيْدٌ أَوْ فِي يَدِهِ, أَوْ مَعَهُ فِي قَفَصٍ أَنْ يُطْلِقَهُ, وَأَسْقَطُوا عَنْهُ مِلْكَهُ أَلْبَتَّةَ, وَلَمْ يُبِيحُوا لاَِحَدٍ مِنْ سُكَّانِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ أَكْلَ شَيْءٍ مِنْ لَحْمِ الصَّيْدِ, أَوْ تَمَلُّكَهُ, أَوْ ذَبْحَهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَقَالُوا: قوله تعالى: وَاسْتَدَلَّتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ عَلَى مَا قَالَتْهُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَقَالُوا: لاَ يُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ اسْمُ الصَّيْدِ إلاَّ عَلَى مَا كَانَ فِي الْبَرِّيَّةِ وَحْشِيًّا غَيْرَ مُتَمَلَّكٍ فَإِذَا تُمُلِّكَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ اسْمُ صَيْدٍ بَعْدُ. قال أبو محمد: فَهَذَانِ الْقَوْلاَنِ هُمَا اللَّذَانِ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُفْهَمَ مِنْ الآيَةِ غَيْرُهُمَا وَكُلُّ مَا عَدَاهُمَا فَقَوْلٌ فَاسِدٌ مُتَنَاقِضٌ لاَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ دَلِيلٌ أَصْلاً فَوَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي أَيِّ الْقَوْلَيْنِ يَقُومُ عَلَى صِحَّتِهِ الْبُرْهَانُ: فَوَجَدْنَا أَهْلَ الْمَقَالَةِ الآُولَى يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ حِمَارَ وَحْشٍ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ, وَقَالَ: إنَّا حُرُمٌ لاَ نَأْكُلُ الصَّيْدَ. وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيث أَيْضًا بِلَفْظِ: أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِمَارَ وَحْشٍ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: لَوْلاَ أَنَّا مُحْرِمُونَ لَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ. رُوِّينَا اللَّفْظَ الأَوَّلَ: مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ. وَاللَّفْظَ الثَّانِيَ: مِنْ طَرِيقِ الأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَهْدَى الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا يَحْيَى، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُهْدِيَ لَهُ عُضْوٌ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ فَرَدَّهُ وَقَالَ: إنَّا لاَ نَأْكُلُهُ إنَّا حُرُمٌ. وَهَذَانِ خَبَرَانِ رُوِّينَاهُمَا مِنْ طُرُقٍ كُلُّهَا صِحَاحٌ وَهَذَا قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَمُعَاذٍ, وَابْنِ عُمَرَ . وَبِهِ يَقُولُ أَبُو بَكْرٍ بْنُ دَاوُد: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: أُهْدِيَ إلَى ابْنِ عُمَرَ ظَبْيٌ مَذْبُوحَةٌ بِمَكَّةَ فَلَمْ يَقْبَلْهَا, وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِ الصَّيْدِ عَلَى كُلِّ حَالٍ: فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ الطَّائِفَةُ الآُخْرَى: فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حدثنا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، حدثنا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ قَالَ: سَمِعْت أَبَا مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إذَا كُنَّا بِالْقَاحَةِ فَمِنَّا الْمُحْرِمُ وَمِنَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ إذْ بَصُرْت بِأَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا فَنَظَرْتُ فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ فَأَسْرَجْتُ فَرَسِي وَأَخَذْتُ رُمْحِي ثُمَّ رَكِبْتُ فَسَقَطَ مِنِّي سَوْطِي فَقُلْتُ لاَِصْحَابِي: نَاوِلُونِي سَوْطِي وَكَانُوا مُحْرِمِينَ فَقَالُوا: لاَ وَاَللَّهِ لاَ نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَنَزَلْتُ فَتَنَاوَلْتُهُ; ثُمَّ رَكِبْتُ فَأَدْرَكْتُ الْحِمَارَ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ وَرَاءَ أَكَمَةٍ فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحٍ فَعَقَرْتُهُ فَأَتَيْتُ بِهِ أَصْحَابِي فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُوهُ, وقال بعضهم: لاَ تَأْكُلُوهُ, وَكَانَ النَّبِيُّ عليه السلام أَمَامَنَا فَحَرَّكْتُ فَرَسِي فَأَدْرَكْتُهُ فَقَالَ: هُوَ حَلاَلٌ فَكُلُوهُ. أَبُو مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ ثِقَةٌ اسْمُهُ نَافِعٌ رَوَى عَنْهُ أَبُو النَّضْرِ وَغَيْرُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، حدثنا فُضَيْلٍ بْنُ سُلَيْمَانَ النُّمَيْرِيُّ، حدثنا أَبُو حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ مُحْرِمُونَ وَأَبُو قَتَادَةَ مُحِلٌّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ قَالُوا: مَعَنَا رِجْلُهُ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام فَأَكَلَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا يَحْيَى، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ, وَنَحْنُ حُرُمٌ فَأُهْدِيَ لَنَا طَيْرٌ وَطَلْحَةُ رَاقِدٌ, فَمِنَّا مَنْ تَوَرَّعَ, وَمِنَّا مَنْ أَكَلَ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ طَلْحَةُ وَفَّقَ مَنْ أَكَلَهُ, وَقَالَ: أَكَلْنَاهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمِ التَّيْمِيِّ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَلَمَةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالرَّوْحَاءِ وَهُمْ حُرُمٌ إذَا حِمَارٌ مَعْقُورٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم دَعُوهُ فَيُوشِكُ صَاحِبُهُ أَنْ يَأْتِيَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَهْزٍ هُوَ الَّذِي عَقَرَ الْحِمَارَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَأْنَكُمْ بِهَذَا الْحِمَارِ, فَأَمَرَ عليه السلام أَبَا بَكْرٍ فَقَسَّمَهُ بَيْنَ النَّاسِ. وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ, وَطَلْحَةَ كَمَا ذَكَرْنَا, وَأَبِي هُرَيْرَةَ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ أَبَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَأَلَنِي قَوْمٌ مُحْرِمُونَ عَنْ مُحَلِّينَ أَهْدَوْا لَهُمْ صَيْدًا قَالَ: فَأَمَرْتهمْ بِأَكْلِهِ, ثُمَّ لَقِيت عُمَرَ فَأَخْبَرْته, فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ أَفْتَيْتهمْ بِغَيْرِ هَذَا لاََوْجَعْتُك. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي عَمَّارٍ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مُحْرِمِينَ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَمِيرُنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَأَتَى رَجُلٌ بِحِمَارِ وَحْشٍ قَدْ عَقَرَهُ فَابْتَاعَهُ كَعْبُ بْنُ مُسْلِمٍ فَجَاءَ مُعَاذٌ وَالْقُدُورُ تَغْلِي بِهِ, فَقَالَ مُعَاذٌ: لاَ يُطِيعُنِي أَحَدٌ إلاَّ أَكْفَأَ قِدْرَهُ فَأَكْفَأَ الْقَوْمُ قُدُورَهُمْ فَلَمَّا وَافَوْا عُمَرَ قَصَّ عَلَيْهِ كَعْبٌ قِصَّةَ الْحِمَارِ, قَالَ عُمَرُ: مَا بَأْسُ ذَلِكَ وَمَنْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ لَعَلَّك أَفْتَيْت بِذَلِكَ يَا مُعَاذُ قَالَ: نَعَمْ فَلاَمَهُ عُمَرُ. وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ, وَابْنِ مَسْعُودٍ, وَأَبِي ذَرٍّ, وَمُجَاهِدٍ, وَاللَّيْثِ, وَأَبِي حَنِيفَةَ, وَغَيْرِهِمْ. قال أبو محمد: فَكَانَتْ هَذِهِ الأَخْبَارُ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا صِحَاحًا كُلُّهَا, فَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ الأَخْذُ بِجَمِيعِهَا وَاسْتِعْمَالُهَا كَمَا هِيَ دُونَ أَنْ يُزَادَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مَا لَيْسَ فِيهِ, فَيَقَعُ فَاعِلُ ذَلِكَ فِي الْكَذِبِ, فَنَظَرْنَا فِي هَذِهِ الأَخْبَارِ فَوَجَدْنَا فِيهَا إبَاحَةَ أَكْلِ مَا صَادَهُ الْحَلاَلُ لِلْمُحْرِمِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا فَوَجَدْنَاهَا لَيْسَ فِيهَا نَهْيُ الْمُحْرِمِ عَنْ أَكْلِ مَا صَادَهُ الْمُحِلُّ أَصْلاً وَإِنَّمَا فِيهَا قَوْلُهُ عليه السلام: إنَّا لاَ نَأْكُلُهُ إنَّا حُرُمٌ, وَلَوْلاَ أَنَّنَا مُحْرِمُونَ لَقَبِلْنَاهُ فَإِنَّمَا فِيهِ رَدُّ الصَّيْدِ عَلَى مُهْدِيهِ, لأَِنَّهمْ حُرُمٌ وَتَرْكُ أَكْلِهِ لأَِنَّهمْ حُرُمٌ; وَهَذَا فِعْلٌ مِنْهُ عليه السلام وَلَيْسَ أَمْرًا, وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ أَمْرُهُ وَإِنَّمَا فِي فِعْلِهِ الاِئْتِسَاءُ بِهِ فَقَطْ. وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ عليه السلام: أَمَّا أَنَا فَلاَ آكُلُ مُتَّكِئًا. وَتَرْكِهِ أَكْلَ الضَّبِّ فَلَمْ يُحَرِّمْ بِذَلِكَ الأَكْلَ مُتَّكِئًا لَكِنْ هُوَ الأَفْضَلُ. وَلَمْ يُحَرَّمْ أَيْضًا أَكْلُ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ يَصِيدُهُ الْمُحِلُّ بِقَوْلِهِ عليه السلام إنَّا لاَ نَأْكُلُهُ إنَّا حُرُمٌ لَكِنْ كَانَ تَرْكُ أَكْلِهِ أَفْضَلَ. وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، وَلاَ حَرَجَ فِي أَكْلِهِ أَصْلاً، وَلاَ كَرَاهَةَ لأَِنَّه عليه السلام قَدْ أَبَاحَهُ وَأَكَلَهُ أَيْضًا, فَمَرَّةً أَكَلَهُ, وَمَرَّةً لَمْ يَأْكُلْهُ, وَمَرَّةً قَبِلَهُ, وَمَرَّةً لَمْ يَقْبَلْهُ فَكُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ مُبَاحٌ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْضُ نَعَامٍ وَتَتْمِيرُ وَحْشٍ فَقَالَ: أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ فَإِنَّا حُرُمٌ لَوْ صَحَّ فَكَيْفَ، وَلاَ يَصِحُّ فَإِذْ لاَ شَكَّ فِي هَذَا فَقَدْ صَحَّ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: وَصَحَّ أَنَّ قوله تعالى: فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْ تَذْكِيَتِهِ, وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَمْ يَأْتِ النَّصُّ بِنَهْيٍ عَنْ تَمَلُّكِ الصَّيْدِ بِغَيْرِ التَّصَيُّدِ فَهُوَ حَلاَلٌ. وَبُرْهَانٌ قَاطِعٌ: وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام سَكَنَ الْمَدِينَةَ إلَى أَنْ مَاتَ, وَهِيَ حَرَمٌ كَمَكَّةَ سَوَاءٌ سَوَاءٌ وَأَصْحَابُهُ بَعْدَهُ, وَلَمْ يَزَلْ عليه السلام يُهْدَى لَهُ الصَّيْدُ وَلاَِصْحَابِهِ وَيَدْخُلُ بِهِ الْمَدِينَةَ حَيًّا فَيُبْتَاعُ وَيُذْبَحُ وَيُؤْكَلُ وَيُتَمَلَّكُ, وَمُذَكًّى فَيُبَاعُ وَيُؤْكَلُ, هَذَا أَمْرٌ لاَ يَقْدِرُ عَلَى إنْكَارِهِ أَحَدٌ جِيلاً بَعْدَ جِيلٍ, وَكَذَلِكَ بِمَكَّةَ وَهِيَ حَرَمٌ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ النَّمَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ دَاوُد بْنَ أَبِي هِنْدٍ يُحَدِّث هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ أَنَّ عَطَاءً يَكْرَهُ مَا أُدْخِلَ مِنْ الصَّيْدِ مِنْ الْحِلِّ أَنْ يُذْبَحَ فِي الْحَرَامِ, فَقَالَ هِشَامٌ: وَمَا عِلْمُ عَطَاءٍ, وَمَنْ يَأْخُذُ، عَنِ ابْنِ رَبَاحٍ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِمَكَّةَ يَعْنِي عَمَّهُ ابْنَ الزُّبَيْرِ تِسْعَ سِنِينَ يَرَاهَا فِي الأَقْفَاصِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام يُقَدِّمُونَ بِهَا الْقَمَارِيَّ وَالْيَعَاقِيبَ لاَ يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ. قال أبو محمد: مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ الْحَرَمُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ الإِحْرَامُ إذْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ ذَلِكَ النَّصُّ أَصْلاً فَارْتَفَعَ الإِشْكَالُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ إلاَّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: مَنْ أَحْرَمَ وَفِي مَنْزِلِهِ صَيْدٌ أَوْ مَعَهُ فِي قَفَصٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إرْسَالُهُ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ فَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ إحْلاَلِهِ فِي يَدِ إنْسَانٍ قَدْ أَخَذَهُ كَانَ لَهُ ارْتِجَاعُهُ وَانْتِزَاعُهُ مِنْ الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ, وَهَذَا تَخْلِيطٌ نَاهِيكَ بِهِ, وَلَئِنْ كَانَ يَسْقُطُ مِلْكُهُ عَنْهُ بِإِحْرَامِهِ فَمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِمَّنْ مَلَكَهُ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى عَوْدَةِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ سُقُوطِهِ إلاَّ بِبُرْهَانٍ, وَإِنْ كَانَ مِلْكُهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ بِإِحْرَامِهِ فَلاَ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ. وَقَالَ أَيْضًا: إنْ صَادَ مُحِلٌّ صَيْدًا فَأَدْخَلَهُ حَرَمَ مَكَّةَ حَيًّا فَعَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ فَإِنْ بَاعَهُ فُسِخَ بَيْعُهُ, فَإِنْ بَاعَهُ مِمَّنْ يَذْبَحُهُ أَوْ ذَبَحَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَهَذَا تَخْلِيطٌ وَتَنَاقُضٌ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. وَرُوِّينَا عَنْ مُجَاهِدٍ لاَ بَأْسَ أَنْ يُدْخَلَ الصَّيْدُ فِي الْحَرَمِ حَيًّا ثُمَّ يُذْبَحَ. وَعَنْ عَطَاءٍ, وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ, وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَيْضًا مِثْلُ هَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: رَأَيْت الصَّيْدَ يُبَاعُ بِمَكَّةَ حَيًّا فِي إمَارَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. قال أبو محمد: وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ كَانَ فِي الْحَرَمِ, وَبَيْنَ الْمُحْرِمِ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ, لأَِنَّ كِلَيْهِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ حَرَمٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ فَإِذْ قَدْ صَحَّ هَذَا فَالْوَاجِبُ فِيمَنْ قَتَلَ صَيْدًا مُتَمَلَّكًا وَهُوَ مُحْرِمٌ أَوْ فِي الْحَرَمِ أَنْ يُؤَدِّيَ لِصَاحِبِهِ صَيْدًا مِثْلَهُ يَبْتَاعُهُ لَهُ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ لَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ, وَلاَ جَزَاءَ فِيهِ، وَلاَ يُؤْكَلُ الَّذِي قُتِلَ لأَِنَّه مَيْتَةٌ, إذْ قَتْلُهُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ. قال أبو محمد: وَهَا هُنَا قَوْلاَنِ آخَرَانِ, أَحَدُهُمَا: قَوْمٌ قَالُوا: لَحْمُ الصَّيْدِ حَلاَلٌ لِلْمُحْرِمِ مَا لَمْ يَصِدْهُ هُوَ أَوْ يُصَدْ لَهُ, وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابِي وَلَمْ أُحْرِمْ فَرَأَيْتُ حِمَارَ وَحْشٍ فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ فَاصْطَدْتُهُ فَذَكَرْتُ شَأْنَهُ لِلنَّبِيِّ عليه السلام وَذَكَرْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَحْرَمْتُ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ حِينَ أَخْبَرْتُهُ أَنِّي اصْطَدْتُهُ لَهُ. وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام: صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلاَلٌ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إلاَّ مَا اصْطَدْتُمْ وَصِيدَ لَكُمْ. فَرُوِّينَا هَذَا عَنْ عُثْمَانَ وَأَنَّهُ أُتِيَ بِصَيْدٍ وَهُوَ وَأَصْحَابُهُ مُحْرِمُونَ فَأَمَرَهُمْ بِأَكْلِهِ وَلَمْ يَأْكُلْهُ هُوَ فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: يَا عَجَبًا لَك تَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ مِمَّا لَسْت آكِلاً فَقَالَ عُثْمَانُ: إنِّي أَظُنُّ إنَّمَا صِيدَ مِنْ أَجْلِي, فَأَكَلُوا وَلَمْ يَأْكُلْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. قال أبو محمد: أَمَّا خَبَرُ جَابِرٍ فَسَاقِطٌ, لأَِنَّه عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي قَتَادَةَ فَإِنَّ مَعْمَرًا رَوَاهُ كَمَا ذَكَرْنَا. وَرَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلاَّمٍ, وَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ كِلاَهُمَا يَقُولُ فِيهِ: عَنْ يَحْيَى حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ, وَلاَ يَذْكُرَانِ مَا ذَكَرَ مَعْمَرٌ, وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مَعْمَرٌ سَمَاعَ يَحْيَى لَهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ. وَرَوَاهُ أَيْضًا: شُعْبَةُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مَا ذَكَرَ مَعْمَرٌ. وَرَوَاهُ أَيْضًا: أَبُو مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مَا ذَكَرَ مَعْمَرٌ, وَرَوَاهُ أَبُو حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ فَذَكَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عليه السلام أَكَلَ مِنْهُ. فَلاَ يَخْلُو الْعَمَلُ فِي هَذَا مِنْ ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ تُغَلَّبَ رِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ عَلَى رِوَايَةِ مَعْمَرٍ لاَ سِيَّمَا وَفِيهِمْ مَنْ يَذْكُرُ سَمَاعَ يَحْيَى مِنْ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَعْمَرًا. وَتَسْقُطَ رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ جُمْلَةً لأَِنَّه اضْطَرَبَ عَلَيْهِ وَيُؤْخَذَ بِرِوَايَةِ أَبِي حَازِمٍ, وَأَبِي مُحَمَّدٍ, وَابْنِ مَوْهَبٍ, الَّذِينَ لَمْ يَضْطَرِبْ عَلَيْهِمْ لأَِنَّه لاَ يَشُكُّ ذُو حِسٍّ أَنَّ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهْمٌ. إذْ لاَ يَجُوزُ أَنْ تَصِحَّ الرِّوَايَةُ فِي أَنَّهُ عليه السلام أَكَلَ مِنْهُ, وَتَصِحَّ الرِّوَايَةُ فِي أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ, وَهِيَ قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ, فِي مَكَان وَاحِدٍ فِي صَيْدٍ وَاحِدٍ, وَيُؤْخَذُ بِالزَّائِدِ وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي لاَ يَجُوزُ تَعَدِّيهِ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ: فَوَجَدْنَا مَنْ رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ مِنْهُ قَدْ أَثْبَتَ خَبَرًا وَزَادَ عِلْمًا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ, فَوَجَبَ الأَخْذُ بِالزَّائِدِ، وَلاَ بُدَّ وَتَرْكُ رِوَايَةِ مَنْ لَمْ يُثْبِتْ مَا أَثْبَتَهُ غَيْرُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا فِعْلُ عُثْمَانَ فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ أَبَا النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُ أَنَّ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يُصَادُ لَهُ الْوَحْشُ عَلَى الْمَنَازِلِ ثُمَّ يُذْبَحُ فَيَأْكُلُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ سَنَتَيْنِ مِنْ خِلاَفَتِهِ, ثُمَّ إنَّ الزُّبَيْرَ كَلَّمَهُ, فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا هَذَا يُصَادُ لَنَا وَمِنْ أَجْلِنَا لَوْ تَرَكْنَاهُ فَتَرَكَهُ. فَصَحَّ أَنَّهُ رَأْيٌ مِنْ عُثْمَانَ, وَالزُّبَيْرِ, وَاسْتِحْسَانٌ, لاَ مَنْعٌ, وَلاَ عَنْ أَثَرٍ عِنْدَهُمَا, وَمِثْلُ هَذَا لاَ تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ, وَلاَ يَشُكُّ أَحَدٌ فِي أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ لَمْ يَصِدْ الْحِمَارَ إلاَّ لِنَفْسِهِ وَأَصْحَابِهِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ فَلَمْ يَمْنَعْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَكْلِهِ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ. وَقَوْلٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّهُ حَلاَلٌ لِلْمُحْرِمِ مَا صَادَهُ الْحَلاَلُ مَا لَمْ يُشِرْ لَهُ إلَيْهِ أَوْ يَأْمُرْهُ بِصَيْدِهِ وَاحْتَجَّ هَؤُلاَءِ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ أَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُمْ كَانُوا فِي مَسِيرٍ لَهُمْ بَعْضُهُمْ مُحْرِمٌ وَبَعْضُهُمْ لَيْسَ بِمُحْرِمٍ فَرَأَيْتُ حِمَارَ وَحْشٍ فَرَكِبْتُ فَرَسِي وَأَخَذْتُ رُمْحِي فَاسْتَعَنْتُهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي فَاخْتَلَسْتُ سَوْطًا مِنْ بَعْضِهِمْ وَشَدَدْتُ عَلَى الْحِمَارِ فَأَصَبْتُهُ فَأَكَلُوا مِنْهُ فَأَشْفَقُوا مِنْهُ, فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام فَقَالَ: هَلْ أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ قَالُوا: لاَ, قَالَ: فَكُلُوهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ بِمِثْلِهِ إلاَّ، أَنَّهُ قَالَ: هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ قَالُوا: لاَ. قال أبو محمد: وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لاَِنَّنَا لاَ نَدْرِي مَاذَا كَانَ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَوْ قَالَ لَهُ: نَعَمْ إلاَّ أَنَّ الْيَقِينَ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يَقُلْهُ عليه السلام، وَلاَ حَكَمَ بِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ لاَزِمٍ، وَلاَ تُؤْخَذُ الدِّيَانَةُ بِالتَّكَهُّنِ, وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ لَوْ لَزِمَ بِإِشَارَتِهِمْ إلَيْهِ, أَوْ أَمْرِهِمْ إيَّاهُ, أَوْ عَوْنِهِمْ لَهُ حُكْمُ تَحْرِيمٍ لَبَيَّنَهُ عليه السلام, فَإِذْ لَمْ يَفْعَلْ فَلاَ حُكْمَ لِذَلِكَ. وقد رُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ فِي مُحْرِمٍ كَانَ بِمَكَّةَ فَاشْتَرَى حَجَلَةً فَأَمَرَ مُحِلًّا بِذَبْحِهَا أَنَّهُ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
|