الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
فَلَوْ أَمَرَ مُحْرِمٌ حَلاَلاً بِالتَّصَيُّدِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُطِيعُهُ وَيَأْتَمِرُ لَهُ فَالْمُحْرِمُ هُوَ الْقَاتِلُ لِلصَّيْدِ فَهُوَ حَرَامٌ, وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لاَ يَأْتَمِرُ لَهُ، وَلاَ يُطِيعُهُ فَلَيْسَ الْمُحْرِمُ هَاهُنَا قَاتِلاً, بَلْ أَمَرَ بِمُبَاحٍ حَلاَلٍ لِلْمَأْمُورِ. وَلَوْ اشْتَرَكَ حَلاَلٌ وَمُحْرِمٌ فِي قَتْلِ صَيْدٍ كَانَ مَيْتَةً لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ; لأَِنَّه لَمْ تَصِحَّ فِيهِ الذَّكَاةُ خَالِصَةً, وَعَلَى الْمُحْرِمِ جَزَاؤُهُ كُلُّهُ لأَِنَّه قَاتِلٌ، وَلاَ جَزَاءَ عَلَى الْمُحِلِّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمُبَاحٌ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُقَبِّلَ امْرَأَتَهُ وَيُبَاشِرَهَا مَا لَمْ يُولِجْ, لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَنْهَ إلاَّ عَنْ الرَّفَثِ, وَالرَّفَثُ: الْجِمَاعُ, فَقَطْ. ، وَلاَ عَجَبَ أَعْجَبُ مِمَّنْ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْهَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلاَ رَسُولُهُ عليه السلام قَطُّ عَنْ ذَلِكَ, وَيُبْطِلُ الْحَجَّ بِالإِمْنَاءِ فِي مُبَاشَرَتِهَا الَّتِي لَمْ يَنْهَهُ قَطُّ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ عَنْهَا, ثُمَّ لاَ يُبْطِلُ حَجَّهُ بِالْفُسُوقِ الَّذِي صَحَّ نَهْيُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ عَنْهُ فِي الْحَجِّ مِنْ تَرْكِ الصَّلاَةِ, وَقَتْلِ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى بِغَيْرِ الْحَقِّ وَسَائِرِ الْفُسُوقِ, إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ شَيْخٍ يُقَالُ لَهُ: أَبُو هَرِمٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ مِنْ امْرَأَتِهِ كُلُّ شَيْءٍ إلاَّ هَذَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ يَدِهِ يَعْنِي الْجِمَاعَ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَسَأَلْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ: مَا نَعْلَمُ فِيهَا شَيْئًا فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَسَمِعْت عَطَاءً يَقُولُ: مِثْلَ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ لاَ يُفْسِدُ الْحَجَّ إلاَّ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ فَإِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَسَدَ الْحَجُّ وَوَجَبَ الْغُرْمُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ قَالَ: سَأَلَنِي وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ, وَحَلِيمُ بْنُ الدُّرَيْمِ مُحْرِمٌ فَقَالَ: وَضَعْت يَدِي مِنْ امْرَأَتِي مَوْضِعًا فَلَمْ أَرْفَعْهَا حَتَّى أَجْنَبْت . فَقُلْنَا كُلُّنَا: مَا لَنَا بِهَذَا عِلْمٌ فَمَضَى إلَى أَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ فَسَأَلَهُ, ثُمَّ رَجَعَ إلَيْنَا يُعْرَفُ الْبِشْرُ فِي وَجْهِهِ فَسَأَلْنَاهُ مَاذَا أَفْتَاك فَقَالَ: إنَّهُ اسْتَكْتَمَنِي فَهَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ لَمْ يَرَوْا فِي ذَلِكَ شَيْئًا فَإِنْ ذَكَرُوا الرِّوَايَةَ عَنْ عَائِشَةَ: يُحَرَّمُ عَلَى الْمُحْرِمِ مِنْ امْرَأَتِهِ كُلُّ شَيْءٍ إلاَّ الْكَلاَمَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّمَا الرَّفَثُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ عِنْدَ النِّسَاءِ فَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا لأَِنَّهمْ يُبِيحُونَ لَهُ النَّظَرَ, ثُمَّ إنَّهَا وَابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَجْعَلاَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا. وقال أبو حنيفة: وَالشَّافِعِيُّ: مَنْ جَامَعَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلاَّ دَمٌ وَتُجْزِئُهُ شَاةٌ وَحَجُّهُ تَامٌّ. وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَصِحَّ فِيمَنْ نَظَرَ فَأَمْذَى, أَوْ أَمْنَى: عَلَيْهِ دَمٌ. وَعَنْ عَلِيٍّ، وَلاَ يَصِحُّ: مَنْ قَبَّلَ فَعَلَيْهِ دَمٌ. أَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَعَنْ شَرِيكٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ. وَأَمَّا رِوَايَةُ عَلِيٍّ فَعَنْ شَرِيكٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ وَكُلُّهُمْ لاَ شَيْءُ. قال أبو محمد: إيجَابُ الدَّمِ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ, وَلاَ سُنَّةٌ, وَلاَ قِيَاسٌ, وَلاَ قَوْلٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ تَطَيَّبَ نَاسِيًا, أَوْ تَدَاوَى بِطِيبٍ, أَوْ مَسَّهُ طِيبُ الْكَعْبَةِ, أَوْ مَسَّ طِيبًا لِبَيْعٍ, أَوْ شِرَاءٍ, أَوْ لَبِسَ مَا يُحَرَّمُ عَلَى الْمُحْرِمِ لِبَاسُهُ نَاسِيًا, أَوْ لِضَرُورَةٍ طَالَ كُلُّ ذَلِكَ مِنْهُ, أَوْ قَصُرَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ, وَلاَ يَكْدَحُ ذَلِكَ فِي حَجِّهِ, وَعَلَيْهِ أَنْ يُزِيلَ عَنْ نَفْسِهِ كُلَّ ذَلِكَ سَاعَةَ يَذْكُرُهُ أَوْ سَاعَةَ يَسْتَغْنِي عَنْهُ, وَكَذَلِكَ مَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ نَاسِيًا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ, وَلَهُ أَنْ يَحْتَجِمَ وَيَحْلِقَ مَوَاضِعَ الْمَحَاجِمِ, وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ, وَلَهُ أَنْ يَدْهُنَ بِمَا شَاءَ, فَلَوْ تَعَمَّدَ لِبَاسَ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ أَوْ فِعْلَ مَا حُرِّمَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ: بَطَلَ حَجُّهُ وَإِحْرَامُهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وقال أبو حنيفة: مَنْ غَطَّى رَأْسَهُ, أَوْ وَجْهَهُ, أَوْ لَبِسَ مَا نُهِيَ عَامِدًا, أَوْ نَاسِيًا, أَوْ مُكْرَهًا يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ فَعَلَيْهِ دَمٌ, فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ, فَإِنْ حَلَقَ قَفَاهُ لِلْحِجَامَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ, فَإِنْ حَلَقَ بَعْضَ عُضْوٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ. وقال مالك: مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَأَمَاطَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ أَذًى فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ الَّتِي عَلَى مَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ, وَلاَ يَحْتَجِمُ إلاَّ مِنْ ضَرُورَةٍ, فَإِنْ حَلَقَ مَوَاضِعَ الْمَحَاجِمِ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. وقال الشافعي: لاَ شَيْءَ فِي النِّسْيَانِ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلاَّ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ فَقَطْ فَفِيهِ الْفِدْيَةُ قَالَ: وَلاَ يَحْلِقُ مَوْضِعَ الْمَحَاجِمِ, وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ فِدْيَةً. قال أبو محمد: أَمَّا أَقْوَالُ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرَةُ الْفَسَادِ وَالتَّنَاقُضِ، وَلاَ نَعْلَمُهَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ, وَلاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا لاَ مِنْ قُرْآنٍ, وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ, وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ, وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ, وَلاَ قِيَاسٍ; لأَِنَّ تَفْرِيقَهُ بَيْنَ ذَلِكَ يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ: دَعْوَى فَاسِدَةٌ. وقال بعضهم: هَذَا هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ لِبَاسِ النَّاسِ. قَالَ عَلِيٌّ: كَذَبَ فِي ذَلِكَ بَلْ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَالنَّخَعِيِّ, أَنَّ مَنْ تَرَكَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا فَلْيُرِقْ دَمًا قلنا: أَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ لاَِنَّكُمْ تَجْعَلُونَ فِي أَكْثَرِ ذَلِكَ صَدَقَةً لاَ دَمًا ;، وَلاَ عَجَبَ أَعْجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِشَيْءٍ يَرَاهُ حَقًّا, ثُمَّ هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَإِنَّهُ قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ, وَلَوْ كَانَتْ إمَاطَتُهُ الأَذَى بِغَيْرِ حَلْقِ الرَّأْسِ تُوجِبُ الْفِدْيَةَ لاََوْجَبَ الْفِدْيَةَ: الْبَوْلُ, وَالْغَائِطُ, وَالأَكْلُ, وَالشُّرْبُ, وَالْغُسْلُ لِلْحَرِّ وَالتَّرَوُّحِ, وَالتَّدَفُّؤُ لِلْبَرْدِ, وَقَلْعُ الضِّرْسِ لِلْوَجَعِ, فَكُلُّ هَذَا إمَاطَةُ أَذًى. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى إسْقَاطِهِ الْفِدْيَةَ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قلنا: حَسْبُنَا وَإِيَّاكُمْ إقْرَارُكُمْ بِصِحَّةِ الإِجْمَاعِ عَلَى إبْطَالِ عِلَّتِكُمْ, وَعَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ إمَاطَةِ أَذًى تَجِبُ فِيهِ فِدْيَةٌ, وَإِلْزَامُ الصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهَدْيِ شَرْعٌ لاَ يُجَوِّزُ إلْزَامَهُ أَحَدٌ حَيْثُ لَمْ يُلْزِمْهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلاَ رَسُولُهُ عليه السلام. فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا كَذَبُوا; لأَِنَّهمْ لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُورِدُوا فِي ذَلِكَ قَوْلَ عَشَرَةٍ مِنْ صَاحِبٍ, وَتَابِعٍ فِي ذَلِكَ مَعَ اخْتِلاَفِهِمْ فِي أَقْوَالِهِمْ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ احْتَجَّ لَهُ مُقَلِّدُهُ بِأَنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا يَقْدِرُ النَّاسُ عَلَى إزَالَتِهِ عَنْ نَفْسِهِ إلاَّ حَلْقَ الشَّعْرِ فَلاَ يَقْدِرُ عَلَى إنْبَاتِهِ . فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا وَأَيُّ شَيْءٍ فِي هَذَا مِمَّا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ وَهَلْ زِدْتُمْ إلاَّ دَعْوَى لاَ بُرْهَانَ لَهَا وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَأْكُلُ الْخَبِيصَ الأَصْفَرَ وَهُوَ مُحْرِمٌ يَعْنِي الْمُزَعْفَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: يَكْتَحِلُ الْمُحْرِمُ بِأَيِّ كُحْلٍ شَاءَ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ شُمَيْسَةَ الأَزْدِيَّةِ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ لَهَا: اكْتَحِلِي بِأَيِّ كُحْلٍ شِئْت غَيْرَ الإِثْمِدِ أَمَا إنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَكِنَّهُ زِينَةٌ, وَنَحْنُ نَكْرَهُهُ. وَمِنْ الْخِلاَفِ فِي ذَلِكَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَمَرَ امْرَأَةً مُحْرِمَةً اكْتَحَلَتْ بِإِثْمِدٍ أَنْ تُهْرِقَ دَمًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا مَرْوَانُ، هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ، حدثنا صَالِحُ بْنُ حَيٍّ قَالَ: رَأَيْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَصَابَ ثَوْبَهُ خَلُوقُ الْكَعْبَةِ فَلَمْ يَغْسِلْهُ وَكَانَ مُحْرِمًا وَعَنْ عَطَاءٍ, وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلُهُ سَوَاءٌ سَوَاءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: إنْ شَمَّ الْمُحْرِمُ رَيْحَانًا, أَوْ مَسَّ طِيبًا: أَهْرَقَ دَمًا. وقد رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ, وطَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا الْمُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنِ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام بِطَرِيقِ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَسَطَ رَأْسِهِ. قال أبو محمد: لَمْ يُخْبِرْ عليه السلام أَنَّ فِي ذَلِكَ غَرَامَةً، وَلاَ فِدْيَةً وَلَوْ وَجَبَتْ لَمَا أَغْفَلَ ذَلِكَ, وَكَانَ عليه السلام كَثِيرَ الشَّعْرِ أَفْرَعَ وَإِنَّمَا نُهِينَا عَنْ حَلْقِ الرَّأْسِ فِي الإِحْرَامِ وَالْقَفَا لَيْسَ رَأْسًا، وَلاَ هُوَ مِنْ الرَّأْسِ. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَ مُحْرِمًا احْتَجَمَ أَنْ يَفْتَدِيَ بِصِيَامٍ, أَوْ صَدَقَةٍ, أَوْ نُسُكٍ; فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ; فَهَذَا عَلَيْهِمْ; لأَِنَّهمْ خَالَفُوهُ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَوْجَبَ الدَّمَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ إنْ حَلَقَ لَهَا شَعْرًا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ شَيْئًا عَلَى مَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهَا وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا. وَرُوِّينَا عَنْ مَسْرُوقٍ، أَنَّهُ قَالَ: يَحْتَجِمُ الْمُحْرِمُ, وَلاَ يَحْتَجِمُ الصَّائِمُ, وَلَمْ يَشْتَرِطْ تَرْكَ حَلْقِ الْقَفَا. وَعَنْ طَاوُوس يَحْتَجِمُ الْمُحْرِمُ إذَا كَانَ وَجِعًا وَمَا نَعْلَمُ مَنْ أَوْجَبَ فِي ذَلِكَ حُكْمًا مِنْ التَّابِعِينَ إلاَّ الْحَسَنَ فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ أَرَاقَ دَمًا. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ, وَعَطَاءٍ: إنْ حَلَقَ مَوَاضِعَ الْمَحَاجِمِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ. وَأَمَّا الاِدِّهَانُ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ، وَ، هُوَ ابْنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ مُرَّةِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: رَآنَا أَبُو ذَرٍّ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ فَقَالَ: اُدْهُنُوا أَيْدِيَكُمْ. وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُعَالِجَ الْمُحْرِمُ يَدَيْهِ بِالدَّسَمِ, وَأَنْ يَدْهُنَ بِالسَّمْنِ رَأْسَهُ لِصُدَاعٍ أَصَابَهُ وَلَمْ يَجْعَلْ فِي ذَلِكَ شَيْئًا. وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ: مَنْ تَدَاوَى بِدَوَاءٍ فِيهِ طِيبٌ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَلاَ بَأْسَ بِالأَدْهَانِ الْفَارِسِيَّةِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ: فِي الطِّيبِ الْفِدْيَةُ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ: إذَا تَدَاوَى الْمُحْرِمُ بِالسَّمْنِ, أَوْ الزَّيْتِ, أَوْ الْبَنَفْسَجِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ: كَانَ الْحَكَمُ, وَأَصْحَابُنَا يَقُولُونَ فِي الْمُحْرِمِ يُدَاوِي قُرُوحًا بِرَأْسِهِ وَجَسَدِهِ: إنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَتَيْنِ. وَأَمَّا اللِّبَاسُ نَاسِيًا: فَعَنْ عَطَاءٍ فِي الْمُحْرِمِ يُغَطِّي رَأْسَهُ نَاسِيًا لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ لَبِسَ قَمِيصًا نَاسِيًا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ تَعَالَى; فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَالْكَفَّارَةُ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ بِمِثْلِهِ لاَ شَيْءَ فِي ذَلِكَ عَلَى النَّاسِي. وَعَنْ مُجَاهِدٍ, وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُمَا أَجَازَا لِلْمُحْرِمِ أَكْلَ الطَّعَامِ, وَفِيهِ الزَّعْفَرَانُ وَكَرِهَهُ عَطَاءٌ, وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لاَ يَأْثُرُ قَوْلَهُ عَنْ أَحَدٍ. وَعَنْ طَاوُوس, وَعَطَاءٍ: إبَاحَةُ الْخَبِيصِ الْمُزَعْفَرِ لِلْمُحْرِمِ. وَمِثْلُهُ عَنْ الْحَسَنِ, وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ, وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ, وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ, وَعَطَاءٍ, وَالْحَسَنِ, فِي لِبَاسِ الْقَمِيصِ, وَالْقَلَنْسُوَةِ, وَالْخُفَّيْنِ لِلْمُحْرِمِ أَنَّهُ يُهْرِقُ دَمًا: وَهَذِهِ كُلُّهَا أَقْوَالٌ مُخَالِفَةٌ لاَِقْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ, وَمَالِكٍ. قال أبو محمد: وَأَمَّا مَنْ تَعَمَّدَ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ فَقَدْ فَسَقَ, وَالْفُسُوقُ يُبْطِلُ الْحَجَّ كَمَا قَدَّمْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلِلْمُحْرِمِ أَنْ يَشُدَّ الْمِنْطَقَةَ عَلَى إزَارِهِ إنْ شَاءَ أَوْ عَلَى جِلْدِهِ وَيَحْتَزِمَ بِمَا شَاءَ, وَيَحْمِلَ خُرْجَهُ عَلَى رَأْسِهِ, وَيَعْقِدَ إزَارَهُ عَلَيْهِ وَرِدَاءَهُ إنْ شَاءَ, وَيَحْمِلَ مَا شَاءَ مِنْ الْحُمُولَةِ عَلَى رَأْسِهِ, وَيَعْصِبَ عَلَى رَأْسِهِ لِصُدَاعٍ, أَوْ لِجَرْحٍ, وَيَجْبُرَ كَسْرَ ذِرَاعِهِ, أَوْ سَاقِهِ, وَيَعْصِبَ عَلَى جِرَاحِهِ, وَخُرَّاجِهِ, وَقَرْحِهِ, وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ, وَيُحْرِمُ فِي أَيِّ لَوْنٍ شَاءَ حَاشَا مَا صُبِغَ بِوَرْسٍ, أَوْ زَعْفَرَانٍ لأَِنَّه لَمْ يَنْهَهُ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا قُرْآنٌ, وَلاَ سُنَّةٌ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا إلاَّ أَنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ أَبِي حَسَّانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى مُحْرِمًا مُحْتَزِمًا بِحَبْلٍ فَقَالَ: يَا صَاحِبَ الْحَبْلِ أَلْقِهِ. وبه إلى ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: لاَ تَعْقِدْ عَلَيْكَ شَيْئًا وَأَنْتَ مُحْرِمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ الْهِمْيَانَ لِلْمُحْرِمِ. فأما الأَثَرُ فَمُرْسَلٌ لاَ حُجَّةَ فِيهِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الأَسْلَمِيِّ عَمَّنْ سَمِعَ صَالِحًا مَوْلَى التَّوْأَمَةِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام فِي الْهِمْيَانِ لِلْمُحْرِمِ. قال أبو محمد: كِلاَهُمَا وَتَمْرَةٌ وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم خِلاَفُ هَذَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ, وطَاوُوس قَالاَ جَمِيعًا: رَأَيْنَا ابْنَ عُمَرَ قَدْ شَدَّ حَقْوَيْهِ بِعِمَامَةٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ هُشَيْمٍ:، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا كَانَتْ تُرَخِّصُ فِي الْهِمْيَانِ يَشُدُّهُ الْمُحْرِمُ عَلَى حَقْوَيْهِ, وَفِي الْمِنْطَقَةِ أَيْضًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حُمَيْدٍ الأَعْرَجِ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي الْهِمْيَانِ لِلْمُحْرِمِ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ الزُّبَيْرِ جَاءَ حَاجًّا فَرَمَلَ حَتَّى رَأَيْت مِنْطَقَتَهُ قَدْ انْقَطَعَتْ عَلَى بَطْنِهِ. قال أبو محمد: لاَ شَكَّ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا إلَى إحْرَازِ نَفَقَتِهِ, وَابْنُ عُمَرَ لَمْ يَجْعَلْ فِي ذَلِكَ شَيْئًا وَرَأَى مَالِكٌ عَلَى مَنْ عَصَبَ رَأْسَهُ فِدْيَةً. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ: لاَ يَعْصِبُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ بِسَيْرٍ، وَلاَ بِخِرْقَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عَبَّاسٍ قَدْ شَدَّ شَعْرَهُ بِسَيْرٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَكِلاَهُمَا لَمْ يَجْعَلْ فِيهِ شَيْئًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قُلْت لِجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَبِي الشَّعْثَاءَ: يَنْحَلُّ إزَارِي يَوْمَ عَرَفَةَ قَالَ: اعْقِدْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ: أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا أَنْ يَتَوَشَّحَ الْمُحْرِمُ بِثَوْبِهِ وَيَعْقِدَهُ عَلَى قَفَاهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَرَ بَأْسًا أَنْ يَعْقِدَ الْمُحْرِمُ ثَوْبَهُ عَلَى نَفْسِهِ. وَأَبَاحَ لِبَاسَ الْهِمْيَانِ لِلْمُحْرِمِ: مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ, وَعَطَاءٌ, وطَاوُوس ,، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ,، وَإِبْرَاهِيمُ, وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ, وَمُجَاهِدٌ, وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَكَرِهَهُ آخَرُونَ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ أَبَاحَ لِلْمُحْرِمِ يَنْكَسِرُ ظُفْرُهُ: أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهِ مُرَارَةً وَلَمْ يَأْمُرْ فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا أَبُو الأَحْوَصِ، حدثنا مَنْصُورٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَمُجَاهِدٍ قَالاَ جَمِيعًا: يَجْبُرُ الْمُحْرِمُ عَظْمَهُ إذَا انْكَسَرَ, قَالاَ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كَفَّارَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إذَا انْكَسَرَتْ يَدُ الْمُحْرِمِ, أَوْ شُجَّ عَصَبَ عَلَى الشَّجِّ وَالْكَسْرِ وَعَقَدَ عَلَيْهِ, وَلَمْ يَجْعَلْ فِي ذَلِكَ شَيْئًا. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ, وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَعْقِدَ الْمُحْرِمُ: قَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَى الْقَرْحَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: عَلَى الْجَرْحِ. وَأَبَاحَ أَبُو حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيُّ, وَأَبُو سُلَيْمَانَ لِلْمُحْرِمِ: الْهِمْيَانَ وَالْمِنْطَقَةَ, وَأَنْ يَحْمِلَ الْخُرْجَ عَلَى رَأْسِهِ, وَنَحْوَ ذَلِكَ, وَلَمْ يَرَوْا فِيهِ بَأْسًا. وَأَبَاحَ مَالِكٌ لِبَاسَ الْمِنْطَقَةِ لِلْمُحْرِمِ إذَا كَانَتْ فِيهَا نَفَقَتُهُ, وَمَنَعَهُ لِبَاسَهَا إذَا كَانَتْ فِيهَا نَفَقَةُ غَيْرِهِ. وَجَعَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبَهُ فِي ذَلِكَ الْفِدْيَةَ. وَمَنَعَ مَالِكٌ مِنْ شَدِّ الْمِنْطَقَةِ عَلَى الْعَضُدِ لِلْمُحْرِمِ, وَأَبَاحَ شَدَّهَا عَلَى جِلْدِهِ, وَمَنَعَ مِنْ شَدِّهَا فَوْقَ الإِزَارِ. وَجَعَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبَهُ فِي ذَلِكَ فِدْيَةً فَأَقْوَالٌ مُتَنَاقِضَةٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا, وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهَا قَبْلَهُمَا. وَمَنَعَ مَالِكٌ الْمُحْرِمَ مِنْ حَمْلِ خُرْجٍ لِغَيْرِهِ عَلَى رَأْسِهِ, وَرَأَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فِدْيَةً, وَأَبَاحَ لَهُ حَمْلَهُ عَلَى رَأْسِهِ إذَا كَانَ لَهُ وَهَذَا فَرْقٌ فَاسِدٌ لاَ نَعْلَمُهُ أَيْضًا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ إبَاحَةُ حَمْلِ الْمُحْرِمِ الْمِكْتَلَ عَلَى رَأْسِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: رَأَى عُمَرُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ ثَوْبَيْنِ مُضَرَّجَيْنِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ: مَا هَذَا فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: مَا أَخَالُ أَحَدًا يُعَلِّمُنَا السُّنَّةَ فَسَكَتَ عُمَرُ. وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَبِسَ ثَوْبًا مُوَرَّدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ. فإن قيل: قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى طَلْحَةَ لِبَاسَ ثَوْبٍ مَصْبُوغٍ لِلْمُحْرِمِ قلنا: أَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ فَلَمْ تُنْكِرُوهُ، وَلاَ رَأَيْتُمْ فِيهِ شَيْئًا وَهَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ الْقِيَاسَ فَأَبَاحُوا الْمُصَبَّغَاتِ وَلَمْ يَقِيسُوهَا عَلَى الْوَرْسِ وَالْمُعَصْفَرِ, كَمَا قَاسُوا كُلَّ مَنْ أَمَاطَ بِهِ أَذًى عَلَى حَالِقٍ رَأْسَهُ, وَكَمَا قَاسُوا جَارِحَ الصَّيْدِ عَلَى قَاتِلِهِ; وَكَمَا أَوْجَبُوهَا عَلَى مَنْ لَبِسَ قَمِيصًا أَوْ عِمَامَةً. وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ قَطْعُ شَيْءٍ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ بِمَكَّةَ, وَالْمَدِينَةِ، وَلاَ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا, وَلاَ مِنْ حَشِيشِهِ حَاشَا الإِذْخِرَ فَإِنَّ جَمْعَهُ مُبَاحٌ فِي الْحَرَمِ وَمُبَاحٌ لَهُ أَنْ يَرْعَى إبِلَهُ أَوْ بَعِيرَهُ أَوْ مَوَاشِيَهُ فِي الْحَرَمِ فَإِنْ وَجَدَ غُصْنًا قَدْ قَطَعَهُ غَيْرُهُ أَوْ وَقَعَ فَفَارَقَ جِذْمَهُ فَلَهُ أَخْذُهُ حِينَئِذٍ. فَإِنْ احْتَطَبَ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ خَاصَّةً فَإِنَّ سَلْبَهُ حَلاَلٌ لِمَنْ وَجَدَهُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةٍ اللَّهِ تَعَالَى إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لاَِحَدٍ قَبْلِي, وَلَمْ يَحِلَّ لِي إلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ, فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةٍ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ يُعْضَدُ شَجَرُهُ، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهُ, وَلاَ يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إلاَّ مَنْ عَرَّفَهَا، وَلاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا قَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إلاَّ الإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ فَقَالَ: إلاَّ الإِذْخِرَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا لَيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ " أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ فَلاَ يَحِلَّ لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلاَ يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام فِيهَا فَقُولُوا لَهُ: إنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ, وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ. قال أبو محمد: هَذَا مَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عليه السلام وَلَمْ يَنْهَ عَنْ إرْعَاءِ الْمَوَاشِي: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: بِكَرَاهِيَةِ الرَّعْيِ فِي حَرَمِ مَكَّةَ وَهَذَا تَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَبَاحَ مَالِكٌ أَخْذَ السَّنَى وَسَائِرِ حَشِيشِ الْحَرَمِ وَهَذَا أَيْضًا خِلاَفُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام, وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ السَّنَى وَبَيْنَ سَائِرِ حَشِيشِ الْحَرَمِ. وقال أبو حنيفة, وَالشَّافِعِيُّ, وَسُفْيَانُ: بِإِيجَابِ الْجَزَاءِ عَلَى قَاطِعِ شَجَرِ الْحَرَمِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْغُصْنِ فَمَا فَوْقَهُ إلَى الدَّوْحَةِ: قِيمَةُ ذَلِكَ, فَإِنْ بَلَغَ هَدْيًا أَهْدَاهُ, فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ هَدْيًا فَقِيمَتُهُ طَعَامًا يَتَصَدَّقُ بِهِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعِ حِنْطَةٍ, أَوْ صَاعُ تَمْرٍ, أَوْ شَعِيرِ, وَلاَ يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ صِيَامٌ. وَقَالَ زُفَرُ: يَتَصَدَّقُ بِالْقِيمَةِ، وَلاَ يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ، وَلاَ صِيَامٌ. قال أبو محمد: رُوِّينَا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ فِي الدَّوْحَةِ بَدَنَةٌ. وَعَنْ عَطَاءٍ فِيهَا بَقَرَةٌ, وَفِي الْوَتَدِ مُدٌّ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ فِي الدَّوْحَة: بَقَرَةٌ. وَعَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ فِي الدَّوْحَةِ سِتَّةُ دَنَانِيرَ, أَوْ خَمْسَةٌ, أَوْ سَبْعَةٌ يَتَصَدَّقُ بِهَا بِمَكَّةَ وَمَا نَعْلَمُ لاَِبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ فِي قَوْلِهِمَا سَلَفًا. وقال مالك, وَأَبُو سُلَيْمَانَ: لاَ شَيْءَ فِي ذَلِكَ وَهُوَ الْحَقُّ لأَِنَّه لَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ لَبَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلاَ يَجُوزُ شَرْعُ هَدْيٍ, وَلاَ إيجَابُ صِيَامٍ, وَلاَ إلْزَامُ غَرَامَةِ إطْعَامٍ, وَلاَ صَدَقَةٍ, إلاَّ بِقُرْآنٍ, أَوْ سُنَّةٍ; وَهَذَا مِمَّا تَرَكَتْ فِيهِ الطَّوَائِفُ الْمَذْكُورَةُ الْقِيَاسَ. فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيَّ قَاسَا إيجَابَ الْجَزَاءِ فِي شَجَرِ الْحَرَمِ عَلَى إيجَابِ الْجَزَاءِ فِي صَيْدِهِ وَلَمْ يَقِيسَا إيجَابَ الْجَزَاءِ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ عَلَى إيجَابِهِ فِي حَرَمِ مَكَّةَ وَكِلاَهُمَا حَرَمٌ مُحَرَّمٌ صَيْدُهُ. وَقَاسَ مَالِكٌ إيجَابَ الْفِدْيَةِ عَلَى اللاَّبِسِ وَالْمُتَطَيِّبِ عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى حَالِقِ رَأْسِهِ, وَلَمْ يَقِسْ إيجَابَ الْجَزَاءِ فِي شَجَرِ حَرَمِ مَكَّةَ, وَفِي صَيْدِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ عَلَى وُجُوبِهِ فِي صَيْدِ حَرَمِ مَكَّةَ. وَكُلُّ ذَلِكَ تَنَاقُضٌ لاَ وَجْهَ لَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُسْفَكَ فِي حَرَمِ مَكَّةَ دَمٌ بِقِصَاصٍ أَصْلاً, وَلاَ أَنْ يُقَامَ فِيهَا حَدٌّ, وَلاَ يُسْجَنَ فِيهَا أَحَدٌ, فَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أُخْرِجَ عَنْ الْحَرَمِ وَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام أَنْ يُسْفَكَ بِهَا دَمٌ, وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَأَمَّا إخْرَاجُ الْعَاصِي مِنْهُ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ وَكَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا قَالَ: سَمِعْت طَاوُوسًا يَقُولُ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: مَنْ أَصَابَ حَدًّا, ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَمَ لَمْ يُجَالَسْ وَلَمْ يُبَايَعْ وَذَكَرَ كَلاَمًا وَفِيهِ: فَإِذَا خَرَجَ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ, وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَوْ وَجَدْتُ فِيهِ قَاتِلَ عُمَرَ مَا نَدَهْتُهُ يَعْنِي حَرَمَ مَكَّةَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ وَجَدْت قَاتِلَ أَبِي فِي الْحَرَمِ مَا عَرَضْت لَهُ. قال أبو محمد: فَلَمْ يَخُصُّوا مَنْ أَصَابَ حَدًّا فِي الْحَرَمِ مِمَّنْ أَصَابَهُ خَارِجَ الْحَرَمِ; ثُمَّ لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ وَفَرَّقَ عَطَاءٌ, وَمُجَاهِدٌ بَيْنَهُمَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ خَرَّجَ قَوْمًا مِنْ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ فَصَلَبَهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ فِيمَنْ قَتَلَ, ثُمَّ لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ قَالَ: يُخْرَجُ مِنْهُ فَيُقْتَلُ. وقال أبو حنيفة: تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْحَرَمِ إلاَّ الْقَتْلَ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ لاَ يُقَامُ فِيهِ حَدُّ قَتْلٍ، وَلاَ قَوَدٍ حَتَّى يَخْرُجَ بِاخْتِيَارِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُخْرَجُ فَيُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَتْلِ. قَالَ عَلِيٌّ: تَقْسِيمُ أَبِي حَنِيفَةَ فَاسِدٌ وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ أَبَاحَ الْقَتْلَ فِي الْحَرَمِ حَجَّةً أَصْلاً, وَلاَ سَلَفًا, إلاَّ الْحُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ, وَمَنْ بَعَثَهُ, وَالْحَجَّاجَ, وَمَنْ بَعَثَهُ. قال أبو محمد: وَأَمَّا مَنْ تُعُدِّيَ عَلَيْهِ فِي الْحَرَمِ فَلْيَدْفَعْ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ تَعَالَى: وَلاَ يُخْرَجُ شَيْءٌ مِنْ تُرَابِ الْحَرَمِ، وَلاَ حِجَارَتِهِ إلَى الْحِلِّ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا هُشَيْمٌ أَنَا حَجَّاجٌ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: يُكْرَهُ أَنْ يُخْرَجَ مِنْ تُرَابِ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ, أَوْ يُدْخَلَ تُرَابُ الْحِلِّ إلَى الْحَرَمِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرِهِ. وَلاَ بَأْسَ بِإِخْرَاجِ مَاءِ زَمْزَمَ لأَِنَّ حُرْمَةَ الْحَرَمِ إنَّمَا هِيَ لِلأَرْضِ وَتُرَابِهَا وَحِجَارَتِهَا, فَلاَ يَجُوزُ لَهُ إزَالَةُ حُرْمَتِهَا وَلَمْ يَأْتِ فِي الْمَاءِ تَحْرِيمٌ. وَمِلْكُ دُورِ مَكَّةَ وَبَيْعُهَا وَإِجَارَتُهَا جَائِزٌ. وقد رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ قَالَ: لاَ يَحِلُّ بَيْعُ دُورِهَا، وَلاَ إجَارَتُهَا. وَمَنَعَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ كِرَائِهَا. وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ الْمَنْعَ مِنْ التَّبْوِيبِ عَلَى دُورِهَا; وَرُوِّينَا فِي ذَلِكَ خَبَرَيْنِ مُرْسَلَيْنِ لاَ يَصِحَّانِ وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ مَلَكَ الصَّحَابَةُ بِهَا دُورَهُمْ بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّه عليه السلام فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ, وَكُلُّ مَنْ مَلَكَ رَبْعًا فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا مَنْ احْتَطَبَ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ فَحَلاَلٌ سَلْبُهُ كُلَّ مَا مَعَهُ فِي حَالِهِ تِلْكَ وَتَجْرِيدُهُ إلاَّ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ فَقَطْ; فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ عَمِّهِ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: إنَّ سَعْدًا أَبَاهُ رَكِبَ إلَى قَصْرِهِ بِالْعَقِيقِ فَوَجَدَ عَبْدًا يَقْطَعُ شَجَرًا أَوْ يَخْبِطَهُ فَسَلَبَهُ فَلَمَّا رَجَعَ سَعْدٌ جَاءَهُ أَهْلُ الْعَبْدِ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى غُلاَمِهِمْ أَوْ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَ مِنْ غُلاَمِهِمْ فَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا نَفَّلَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام وَأَبَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ لِمَوْلًى لِعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ: إنِّي اسْتَعْمَلْتُك عَلَى مَا هَاهُنَا فَمَنْ رَأَيْتَهُ يَخْبِطُ شَجَرًا أَوْ يَعْضِدُهُ: فَخُذْ حَبْلَهُ وَفَأْسَهُ قُلْت: آخُذُ رِدَاءَهُ قَالَ: لاَ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُ هَذَا. قال أبو محمد: وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ يُعْرَفُ وَلَيْسَ هَذَا فِي الْحَشِيشِ لأَِنَّ الأَثَرَ إنَّمَا جَاءَ فِي الاِحْتِطَابِ وَسِتْرُ الْعَوْرَةِ فَرْضٌ بِكُلِّ حَالٍ. وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى مَكَّةَ أَوْ إلَى عَرَفَةَ أَوْ إلَى مِنًى أَوْ إلَى مَكَان ذَكَره مِنْ الْحَرَمِ عَلَى سَبِيلِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، أَوْ الشُّكْرِ لَهُ تَعَالَى لاَ عَلَى سَبِيلِ الْيَمِينِ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى حَيْثُ نَذَرَ لِلصَّلاَةِ هُنَالِكَ, أَوْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَقَطْ، وَلاَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُجَّ, وَلاَ أَنْ يَعْتَمِرَ إلاَّ أَنْ يَنْذِرُ ذَلِكَ وَإِلاَّ فَلاَ. فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى حَيْثُ نَذَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَرْكَبْ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ; فَإِنْ رَكِبَ الطَّرِيقَ كُلَّهُ لِغَيْرِ مَشَقَّةٍ فِي طَرِيقٍ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ، وَلاَ يُعَوِّضُ مِنْهُ صِيَامًا، وَلاَ إطْعَامًا. فَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَلْيَمْشِ مِنْ الْمِيقَاتِ حَتَّى يُتِمَّ حَجَّهُ. وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَرْكَبَ فِي ذَلِكَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْكَبَ، وَلاَ بُدَّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلاَ يَعْصِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: وَقَالَ قَوْمٌ: لاَ يَمْشِي إلاَّ فِي حَجٍّ, أَوْ عُمْرَةٍ. قال أبو محمد: وَهَذَا خَطَأٌ; لأَِنَّه إلْزَامُ مَا لَمْ يَنْذِرْهُ عَلَى نَفْسِهِ بِغَيْرِ قُرْآنٍ, وَلاَ سُنَّةٍ. وقال مالك: إنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى الْمَسْجِدِ, أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ, أَوْ إلَى الْحَرَمِ لَزِمَهُ, فَإِنْ نَذَرَ إلَى عَرَفَةَ, أَوْ إلَى مُزْدَلِفَةَ, أَوْ مِنًى, أَوْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ وَهَذَا تَقْسِيمٌ بِلاَ بُرْهَانٍ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَّمٍ، حدثنا الْفَزَارِيّ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ أَخْبَرَنِي ثَابِتٌ هُوَ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام: أَنَّهُ رَأَى شَيْخًا يُهَادِي بَيْنَ بَنِيهِ فَقَالَ: مَا بَالُ هَذَا قَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ قَالَ: إنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ, وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ فَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ عليه السلام شَيْئًا لِرُكُوبِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: قَالَ عَلِيٌّ: الْفَزَارِيّ هَذَا هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ أَوْ مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ, وَكِلاَهُمَا ثِقَةٌ إمَامٌ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حدثنا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا الْخَيْرِ حَدَّثَهُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَرَتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَفْتَيْتُ النَّبِيَّ عليه السلام فَقَالَ: لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ فَأَمَرَهَا بِكِلاَ الأَمْرَيْنِ وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ شَيْئًا. وَقَدْ عَلِمْنَا ضَرُورَةً أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عليه السلام لَمْ يَأْمُرْهَا بِالْمَشْيِ إلاَّ وَهِيَ قَادِرَةٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا أَبُو الْوَلِيدِ هُوَ الطَّيَالِسِيُّ، حدثنا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ، حدثنا قَتَادَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى الْبَيْتِ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ عليه السلام أَنْ تَرْكَبَ وَتُهْدِيَ هَدْيًا. فَهَذَانِ أَمْرَانِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام, أَحَدُهُمَا: أَنْ تَرْكَبَ وَتَمْشِيَ دُونَ إلْزَامِ شَيْءٍ فِي ذَلِكَ, وَالآخَرُ: أَنْ تَرْكَبَ وَتُهْدِيَ هَدْيًا دُونَ مَشْيٍ فِي ذَلِكَ وَهَذَا هُوَ قَوْلُنَا. قال أبو محمد: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زُحَرَ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الرُّعَيْنِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ " أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَهَا أَنْ تَصُومَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ". وَرُوِيَ أَيْضًا مِثْلُ هَذَا مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا حَيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَمِثْلُهُ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا شَرِيكٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ نَبَّهْنَا عَلَيْهَا لِئَلاَّ يُغْتَرَّ بِهَا. وَقَدْ اعْتَرَضَ قَوْمٌ فِي الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ أَوْرَدْنَا بِأَنْ قَالُوا: قَدْ رَوَاهُ مَطَرُ الْوَرَّاقُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عُقْبَةَ, وَعِكْرِمَةُ لَمْ يَلْقَ عُقْبَةَ; وَأَوْقَفَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ رُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلاَفُهُ. قال علي: وهذا مِمَّا يَمْقُتُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ; لأَِنَّ الْمُفْتَرَضَ بِهَذَا مِنْ قَوْلِهِ: إنَّ الْمُرْسَلَ وَالْمُنْقَطِعَ كَالْمُسْنَدِ ثُمَّ يَعِيبُ هُنَا مُسْنَدًا صَحِيحًا بِرِوَايَةِ مَنْ رَوَاهُ مُنْقَطِعًا أَوْ مَوْقُوفًا إنْ خَالَفَ تَقْلِيدَهُ, وَهَذَا فِعْلُ مَنْ لاَ وَرَعَ لَهُ، وَلاَ صِدْقَ، وَلاَ يَعْتَرِضُ عَلَى الْمُسْنَدِ الَّذِي تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ بِمِثْلِ هَذَا إلاَّ جَاهِلٌ; لأَِنَّه اعْتِرَاضٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ وَدَعْوَى فَاسِدَةٌ; لأَِنَّ الْمُسْنَدَ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ, وَالْمُرْسَلُ مُطَّرَحٌ, وَأَيُّ نَقِيصَةٍ عَلَى الْحَقِّ مِنْ رِوَايَةِ آخَرَ مِمَّا لاَ حُجَّةَ فِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ قَدْ رُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلاَفُ مَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ, فَإِنَّ الرِّوَايَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ اخْتَلَفَتْ: فَرُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: امْشِ مَا اسْتَطَعْت وَارْكَبْ وَاذْبَحْ, أَوْ تَصَدَّقْ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا رُوِيَ إلاَّ ذِكْرُ الصَّدَقَةِ فَقَطْ. وَرُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طَرِيق حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرٍ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَمَرَ امْرَأَةً نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً بِأَنْ تَشْتَرِيَ رَقَبَةً وَلْتَمْشِ فَإِذَا عَجَزَتْ فَلْتَرْكَبْ وَلْتَمْشِ الرَّقَبَةُ فَإِذَا أَعْيَتْ الرَّقَبَةُ فَلْتَرْكَبْ وَلْتَمْشِ النَّاذِرَةُ فَإِذَا قَضَتْ حَجَّهَا فَلْتُعْتِقْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ أُمِّ مَحَبَّةَ أَنَّهَا نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى الْكَعْبَةِ فَمَشَتْ حَتَّى أَعْيَتْ فَرَكِبَتْ, ثُمَّ أَتَتْ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلَتْهُ فَقَالَ: أَتَسْتَطِيعِينَ أَنْ تَحُجِّي قَابِلاً وَتَرْكَبِي حَتَّى تَنْتَهِي إلَى الْمَكَانِ الَّذِي رَكِبْت فِيهِ فَتَمْشِي مَا رَكِبْتِ قَالَتْ: لاَ, قَالَ: أَلَكِ ابْنَةٌ تَمْشِي عَنْك قَالَتْ: لِي ابْنَتَانِ هُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ; قَالَ: فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إلَيْهِ. قال أبو محمد: هَذِهِ أُمُّ مَحَبَّةَ الَّتِي عَوَّلُوا عَلَى رِوَايَتِهَا فِي بَيْعِ الْعَبْدِ مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ إلَى أَجَلٍ بِثَمَانِمِائَةٍ وَابْتِيَاعِهَا إيَّاهُ مِنْهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ, فَمَرَّةً يُقَلِّدُونَ رِوَايَتَهَا حَيْثُ اشْتَهَوْا, وَمَرَّةً يَطْرَحُونَهَا; وَالْحُجَّةُ إنَّمَا هِيَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ لاَ فِي رَأْيِهِ وَقَدْ يَهِمُ وَيَنْسَى, وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا أَخَذُوا بِهِ مِمَّا رَوَاهُ الصَّاحِبُ وَخَالَفَهُ كَرِوَايَةِ عَائِشَةَ تَحْرِيمَ الرَّضَاعِ بِلَبَنِ الْفَحْلِ, ثُمَّ كَانَتْ لاَ تُدْخِلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَهُ نِسَاءُ إخْوَتِهَا. وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَلْيَرْكَبْ وَلِيُهْدِ هَدْيًا. وَرُوِّينَا عَنْهُ أَيْضًا يُهْدِي بَدَنَةً. وَعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ, وَابْنِ عُمَرَ: يَمْشِي فَإِذَا أَعْيَا يَرْكَبُ وَيَعُودُ مِنْ قَابِلٍ فَيَرْكَبُ مَا مَشَى وَيَمْشِي مَا رَكِبَ. وقال أبو حنيفة: يَمْشِي فَإِنْ رَكِبَ فَلْيُهْدِ شَاةً فَمَا فَوْقَهَا. وقال مالك فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ: يَمْشِي, فَإِنْ عَجَزَ رَكِبَ وَأَهْدَى شَاةً فَمَا فَوْقَهَا وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمُ أَنَّهُ يَمْشِي فَإِذَا أَعْيَا رَكِبَ وَيَعْرِفُ الْمَوْضِعَ الَّذِي رَكِبَ مِنْهُ فَإِذَا كَانَ مِنْ قَابِلٍ رَجَعَ فَمَشَى مَا رَكِبَ وَرَكِبَ مَا مَشَى فَإِنْ كَانَ رُكُوبُهُ يَوْمًا فَأَقَلَّ لَمْ يَرْجِعْ لِذَلِكَ وَلَكِنْ عَلَيْهِ الْهَدْيُ, فَإِنْ رَكِبَ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى إلَى عَرَفَةَ إلَى مُزْدَلِفَةَ إلَى مِنًى إلَى مَكَّةَ رَجَعَ مِنْ قَابِلٍ فَمَشَى كُلَّ ذَلِكَ بِخِلاَفِ الرُّكُوبِ يَوْمًا فِي الطَّرِيقِ وَعَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ هَدْيٌ فَإِنْ كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا مَشَى وَلَوْ نِصْفَ مِيلٍ; ثُمَّ رَكِبَ وَيُهْدِي، وَلاَ يَرْجِعُ ثَانِيَةً. وقال الشافعي: يَمْشِي فَإِنْ أَعْيَا رَكِبَ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ غَيْرُ وَاجِبٍ, وَلَكِنْ احْتِيَاطًا. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ كَقَوْلِنَا: إنْ عَجَزَ رَكِبَ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ. فأما قَوْلُ مَالِكٍ فَتَقْسِيمٌ لاَ يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ قَبْلَهُ, وَخِلاَفٌ لِكُلِّ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ, وَقَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ. وَرُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ الْمَشْيَ إلَى الْبَيْتِ قَالَ: يَمْشِي مِنْ حَيْثُ نَوَى فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَلْيَرْكَبْ فَإِذَا دَخَلَ الْحَرَمَ مَشَى إلَى الْبَيْتِ. فَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا, أَوْ يَعْتَمِرَ مَاشِيًا فَكَمَا ذَكَرْنَا، وَلاَ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إلاَّ مُذْ يُحْرِمُ إلَى أَنْ يُتِمَّ مَنَاسِكَ عَمَلِهِ; لأَِنَّ هَذَا هُوَ الْحَجُّ, فَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَكَّةَ فَكَمَا قَالَ عَطَاءٌ: مِنْ حَيْثُ نَوَى, فَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَلْيَمْشِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَشْيٍ وَلْيَرْكَبْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ; لأَِنَّه قَدْ أَوْفَى بِمَا نَذَرَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَدُخُولُ مَكَّةَ بِلاَ إحْرَامٍ جَائِزٌ; لأَِنَّ النَّبِيَّ عليه السلام إنَّمَا جَعَلَ الْمَوَاقِيتَ لِمَنْ مَرَّ بِهِنَّ يُرِيدُ حَجًّا, أَوْ عُمْرَةً, وَلَمْ يَجْعَلْهَا لِمَنْ لَمْ يُرِدْ حَجًّا، وَلاَ عُمْرَةً, فَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ, وَلاَ رَسُولُهُ عليه السلام بِأَنْ لاَ يَدْخُلَ مَكَّةَ إلاَّ بِإِحْرَامٍ فَهُوَ إلْزَامُ مَا لَمْ يَأْتِ فِي الشَّرْعِ إلْزَامُهُ. وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لاَ يَدْخُلُ أَحَدٌ مَكَّةَ إلاَّ مُحْرِمًا. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَجَعَ مِنْ بَعْضِ الطَّرِيقِ فَدَخَلَ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ. وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ: لاَ بَأْسَ بِدُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ. وقال أبو حنيفة: أَمَّا مَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بِحَيْثُ يَكُونُ الْمِيقَاتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَلاَ يَدْخُلُهَا إلاَّ بِإِحْرَامٍ بِعُمْرَةٍ أَوْ حَجَّةٍ, وَأَمَّا مَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَمَكَّةَ أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمِيقَاتِ فَلَهُ دُخُولُ مَكَّةَ، وَلاَ إحْرَامَ. وقال مالك: لاَ يَدْخُلُ أَحَدٌ مَكَّةَ إلاَّ بِإِحْرَامٍ إلاَّ مَنْ اخْتَلَفَ مِنْ الطَّائِفِ وَعُسْفَانَ, بِالْحَطَبِ, وَالْفَاكِهَةِ: فَلَهُ دُخُولُهَا بِلاَ إحْرَامٍ, وَإِلاَّ الْعَبِيدَ فَلَهُمْ دُخُولُهَا بِلاَ إحْرَامٍ, وَإِلاَّ مَنْ خَرَجَ مِنْهَا, ثُمَّ رَجَعَ مِنْ قُرْبٍ فَلَهُ دُخُولُهَا بِلاَ إحْرَامٍ. وقال الشافعي: لاَ يَدْخُلُهَا أَحَدٌ إلاَّ بِإِحْرَامٍ. فأما قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ; لأَِنَّه تَقْسِيمٌ لاَ يُعْقَلُ، وَلاَ لَهُ وَجْهٌ, وَفِيهِ إيجَابُ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَلاَ رَسُولُهُ عليه السلام; وَإِنَّمَا يَجِبُ فِي الدِّينِ مَرَّةً فِي الدَّهْرِ إلاَّ مَنْ نَذَرَ ذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ يَفِيَ بِنَذْرِهِ بِالنَّصِّ, وَقَوْلُ مَالِكٍ أَيْضًا: كَذَلِكَ سَوَاءٌ سَوَاءٌ وَمَا نَعْرِفُ لَهُمَا فِي هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ سَلَفًا أَصْلاً. وَالْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِ مَنْ احْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَكَّةَ إنَّهَا حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَمْ تَحِلَّ لاَِحَدٍ قَبْلِي، وَلاَ تَحِلُّ لاَِحَدٍ بَعْدِي وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ, ثُمَّ عَادَتْ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ. فَلَيْتَ شِعْرِي بِأَيِّ شَيْءٍ اسْتَحَلُّوا أَنْ يُوهِمُوا فِي هَذَا الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ أَثَرٌ، وَلاَ دَلِيلٌ وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عليه السلام أَنَّ سَفْكَ الدِّمَاءِ وَالْقِتَالَ حَرَامٌ لَمْ يَحِلَّ لاَِحَدٍ قَبْلَهُ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِلإِحْرَامِ مَعْنًى. وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام دَخَلَهَا وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ أَوْ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ, وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ وَحَتَّى لَوْ لَمْ يَأْتِ هَذَا لَكَانَ فِي أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِإِيجَابِ الإِحْرَامِ عَلَى مَنْ قَصَدَهَا لِغَيْرِ حَجٍّ, أَوْ عُمْرَةٍ كِفَايَةٌ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ, أَوْ يَعْتَمِرَ, وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ، وَلاَ اعْتَمَرَ قَطُّ فَلْيَبْدَأْ بِحَجَّةِ الإِسْلاَمِ وَعُمْرَتِهِ, وَلاَ يُجْزِيهِ إلاَّ ذَلِكَ, وَلاَ يُجْزِيه أَنْ يَحُجَّ نَاوِيًا لِلْفَرْضِ وَلِنَذْرِهِ, وَلاَ لِحَجَّةِ فَرْضٍ وَعُمْرَةِ نَذْرٍ, وَلاَ لِحَجَّةِ نَذْرٍ وَعُمْرَةِ فَرْضٍ; لأَِنَّ عَقْدَ اللَّهِ ثَابِتٌ عَلَيْهِ قَبْلَ نَذْرِهِ, فَإِنْ أَخَّرَ مَا قَدَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ عَاصٍ وَالْمَعْصِيَةُ لاَ تَنُوبُ عَنْ الطَّاعَةِ، وَلاَ يُجْزِي عَمَلٌ وَاحِدٌ عَنْ عَمَلَيْنِ مُفْتَرَضَيْنِ إلاَّ حَيْثُ أَجَازَهُ النَّصُّ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَقْرِنَ فَالْعُمْرَةُ الْمُوجَبَةُ عَلَيْهِ لَسَوْقِ الْهَدْيِ هِيَ غَيْرُ الَّتِي نَذَرَ; فَلاَ يُجْزِئُهُ غَيْرُ مَا أُمِرَ بِهِ، وَلاَ يُجْزِئُهُ عَمَلٌ عَنْ عَمَلَيْنِ إلاَّ حَيْثُ أَجَازَهُ النَّصُّ, وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ. وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لاَ تُجْزِئُ صَلاَةٌ عَنْ صَلاَتَيْنِ, وَوَافَقُونَا نَعْنِي الْحَاضِرِينَ مِنْ خُصُومِنَا عَلَى أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ صَوْمُ يَوْمٍ عَنْ يَوْمَيْنِ, وَلاَ رَقَبَةٌ عَنْ رَقَبَتَيْنِ، وَلاَ زَكَاةٌ عَنْ زَكَاتَيْنِ, فَتَنَاقَضُوا, وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَأَلَتْهُ امْرَأَةٌ عَمَّنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ بَعْدُ فَقَالَ: هَذِهِ حَجَّةُ الإِسْلاَمِ وَفِي بِنَذْرِك. وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: يَبْدَأُ بِالْفَرِيضَةِ فِيمَنْ نَذَرَ وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ بَعْدُ. وَفِي هَذَا خِلاَفٌ. رُوِّينَا عَنْ مُجَاهِدٍ, وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ حَجَّةَ الإِسْلاَمِ, قَالاَ جَمِيعًا: تُجْزِئُهُ حَجَّةُ الإِسْلاَمِ عَنْهُمَا جَمِيعًا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ, وَأَبُو يُوسُفَ: مَنْ حَجَّ حَجَّةَ الإِسْلاَمِ فَنَوَى بِعَمَلِهِ فَرْضَهُ, وَالتَّطَوُّعَ مَعًا: أَنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الإِسْلاَمِ, وَتَبْطُلُ نِيَّةُ التَّطَوُّعِ. فَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ فَحَجَّ يَنْوِي نَذْرَهُ وَالتَّطَوُّعَ مَعًا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُجْزِئُهُ عَنْ نَذْرِهِ فَقَطْ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هِيَ تَطَوُّعٌ، وَلاَ تُجْزِي عَنْ النَّذْرِ. قال أبو محمد: الْعَمَلُ كُلُّهُ بَاطِلٌ; لأَِنَّه لَمْ يُخْلِصْ النِّيَّةَ لِمَا لَزِمَهُ كَمَا أُمِرَ. مَنْ أَهْدَى هَدْيَ تَطَوُّعٍ فَعَطِبَ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ بُلُوغِهِ مَكَّةَ, أَوْ مِنًى فَلْيَنْحَرْهُ, وَلْيُلْقِ قَلاَئِدَهُ فِي دَمِهِ وَلِيُخْلِ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ; وَإِنْ قَسَّمَهُ بَيْنَ النَّاسِ ضَمِنَ مِثْلَ مَا قَسَّمَ. فَلَوْ قَالَ: شَأْنُكُمْ بِهِ أَوْ نَحْوَ هَذَا فَلاَ بَأْسَ ;، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ هُوَ، وَلاَ رُفَقَاؤُهُ مِنْهُ شَيْئًا, فَمَنْ أَكَلَ مِنْهُمْ مِنْهُ أَدَّى إلَى الْمَسَاكِينِ لَحْمًا مِثْلَ مَا أَكَلَ فَقَطْ الْغَنَمُ, وَالْبَقَرُ, وَالإِبِلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ سَوَاءٌ. فَإِنْ بَلَغَ مَحَلَّهُ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَلاَ بُدَّ, وَيَتَصَدَّقُ مِنْهُ، وَلاَ بُدَّ وَهَكَذَا رُوِّينَا عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ, وَمَعْمَرٍ, كُلِيهِمَا عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ يَعْطَبُ: لِيَنْحَرْهُ, ثُمَّ لِيَغْمِسْ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ, ثُمَّ لِيَضْرِبْ بِالنَّعْلِ صَفْحَتَهُ فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ, أَوْ أَمَرَ بِأَكْلِهِ غُرِّمَ. فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَعَطِبَ فَلْيَنْحَرْهُ, ثُمَّ لِيَغْمِسْ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ, ثُمَّ لِيَضْرِبْ بِالنَّعْلِ صَفْحَتَهُ فَإِنْ شَاءَ أَكَلَ, وَإِنْ شَاءَ أَهْدَى; وَإِنْ شَاءَ تَقَوَّى بِهِ فِي ثَمَنِ أُخْرَى وَعَنْ عَطَاءٍ مِثْلُ هَذَا كُلِّهِ وَعَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فِي التَّطَوُّعِ مِثْلُهُ. وَرُوِّينَا خِلاَفَ هَذَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ: أَخْبَرَنِي حَمَّادٌ، هُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ فِي الْهَدْيِ يَعْطَبُ فِي الطَّرِيقِ: كُلُوهُ، وَلاَ تَدَعُوهُ لِلْكِلاَبِ, وَالسِّبَاعِ, فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَأَهْدُوا مَكَانَهُ هَدْيًا, وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَإِنْ شِئْتُمْ فَلاَ تُهْدُوا وَإِنْ شِئْتُمْ فَأَهْدُوا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عَطِبَتْ لَهُ بَدَنَةُ تَطَوُّعٍ فَنَحَرَهَا ابْنُ عُمَرَ وَأَكَلَهَا وَلَمْ يُهْدِ مَكَانَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا أَهْدَيْت هَدْيًا وَهُوَ تَطَوُّعٌ فَعَطِبَ فَانْحَرْهُ, ثُمَّ اغْمِسْ النَّعْلَ فِي دَمِهِ, ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهُ, ثُمَّ كُلْهُ إنْ شِئْت, وَاهْدِهِ إنْ شِئْت وَتَقَوَّ بِهِ فِي هَدْيٍ آخَرَ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ تَطَوُّعًا فَعَطِبَ: كُلْ وَأَطْعِمْ وَلَيْسَ عَلَيْك الْبَدَلُ وَهُوَ قَوْلُ نَافِعٍ أَيْضًا. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ إذَا عَطِبَ الْهَدْيُ قَبْلَ مَحِلِّهِ فَكُلْ مِنْ التَّطَوُّعِ, وَلاَ تَأْكُلْ مِنْ الْوَاجِبِ. وَرُوِّينَا قَوْلاً آخَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: يَدْعُهَا تَمُوتُ فَرَجَعْنَا إلَى السُّنَّةِ فَ وَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا حَمَّادٌ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ فُلاَنٍ الأَسْلَمِيِّ ثَمَانِ عَشْرَةَ بَدَنَةً فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ أُزْحِفَ عَلَيَّ مِنْهَا شَيْءٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام: تَنْحَرُهَا ثُمَّ تَصْبِغُ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا ثُمَّ اضْرِبْ بِهَا عَلَى صَفْحَتِهَا، وَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا أَنْتَ، وَلاَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حدثنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَاجِيَةَ الأَسْلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عليه السلام بَعَثَ مَعَهُ بِهَدْيٍ فَقَالَ: إنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ فَانْحَرْهُ, ثُمَّ اُصْبُغْ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ, ثُمَّ خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ هَدْيٍ. قال أبو محمد: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا وَهَذَا خِلاَفُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام; لأَِنَّه إذَا تَوَلَّى تَوْزِيعَهَا: فَلَمْ يُخَلِّ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا. وقال مالك: إنْ أَكَلَ مِنْهَا شَيْئًا ضَمِنَ الْهَدْيَ كُلَّهُ. وَهَذَا خَطَأٌ; لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: وقال أبو حنيفة, وَالشَّافِعِيُّ, وَأَبُو سُلَيْمَانَ: لاَ يَغْرَمُ إلاَّ مِثْلَ مَا أَكَلَ. وَهَذَا مِمَّا يَتَنَاقَضُ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ, وَمَالِكٌ, فَأَخَذَا فِيهِ بِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَتَرَكَا رَأْيَهُ الَّذِي خَالَفَ فِيهِ مَا رُوِيَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ كَانَ الْهَدْيُ عَنْ وَاجِبٍ وَهِيَ سِتَّةُ أَهْدَاءٍ فَقَطْ لاَ سَابِعَ لَهَا: إمَّا جَزَاءُ صَيْدٍ, وَأَمَّا هَدْيُ الْمُتَمَتِّعِ, وَأَمَّا هَدْيُ الإِحْصَارِ, وَأَمَّا نُسُكُ فِدْيَةِ الأَذَى, وَأَمَّا هَدْيُ مَنْ نَذَرَ مَشْيًا إلَى الْكَعْبَةِ فَرَكِبَ, وَأَمَّا نَذْرُ هَدْيٍ. وَهَذَا الْهَدْيُ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ بِغَيْرِ عَيْنِهِ, وَقِسْمٌ مَنْذُورٌ بِعَيْنِهِ فَإِنْ عَطِبَ الْوَاجِبُ قَبْلَ بُلُوغِهِ مَحِلَّهُ فَعَلَ بِهِ صَاحِبُهُ مَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ هَدِيَّةٍ أَوْ صَدَقَةٍ وَيُهْدِي مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَلاَ بُدَّ حَاشَا الْمَنْذُورَ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَنْحَرُهُ وَيَتْرُكُهُ، وَلاَ يُبَدِّلُهُ; لأَِنَّه إنَّمَا عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا هَدْيٌ وَاجِبٌ فِي مَالِهِ وَذِمَّتِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ أَبَدًا وَمَا لَمْ يُؤَدِّهِ عَمَّا عَلَيْهِ فَهُوَ مَالٌ مِنْ مَالِهِ يَفْعَلُ فِيهِ مَا شَاءَ عَطِبَ أَوْ لَمْ يَعْطَبْ. وَأَمَّا الْمَنْذُورُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ مَالِهِ لاَ حَقَّ لَهُ فِيهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَدِّلَهُ إلاَّ أَنْ يَتَعَدَّى عَلَيْهِ فَيُهْلِكَهُ فَيَضْمَنَهُ بِالْوَجْهِ الَّذِي نَذَرَهُ لَهُ; لأَِنَّه اعْتَدَى عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ. وَأَمَّا مَنْ مَنَعَ مِنْ تَحَكُّمِ الْمَرْءِ فِي هَدْيِهِ مَا لَمْ يُبْلِغْهُ مَحِلَّهُ فَمُبْطِلٌ بِلاَ دَلِيلٍ, وَإِنَّمَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ التَّطَوُّعُ يَعْطَبُ قَبْلَ مَحِلِّهِ بِالنَّصِّ الَّذِي أَوْرَدْنَا. وَالتَّطَوُّعُ ثَلاَثَةُ أَهْدَاءٍ لاَ رَابِعَ لَهَا: مَنْ سَاقَ هَدْيًا فِي قِرَانٍ أَوْ فِي عُمْرَةٍ وَهُوَ لاَ يُرِيدُ أَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ, أَوْ أَهْدَى وَهُوَ لاَ يُرِيدُ حَجًّا، وَلاَ عُمْرَةً.
|