الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***
جمع المثل بفتحتين وهو تشبيه شيء بشيء في حكمه وتقريب المعقول من المحسوس أو أحد المحسوسين من الاَخر واعتبار أحدهما بالاَخر، قاله ابن القيم في الأعلام. وقال البيضاوي في تفسيره: أكثر الله تعالى في كتبه الأمثال، وفشت في كلام الأنبياء والحكماء، والمثل في الأصل بمعنى النظير، يقال مثل ومثل ومثيل كشبه وشبه وشبيه، ثم قيل للقول السائر الممثل مضربه بموردة ولا يضرب إلا ما فيه غرابة، ولذلك حوفظ عليه من التغير، ثم استعير لكل حال أو قصة أو صفة لها شأن وفيها غرابة كقوله تعالى: {مثل الجنة التي وعد المتقون} وقوله تعالى: {ولله المثل الأعلى} انتهى.
2935- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ السّعْدِيّ، أخبرنا بِقَيّةُ بنُ الْوَلِيدِ، عن بجير بنِ سَعِدٍ، عن خَالدِ بنِ مَعْدَانَ، عن جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عن النّوّاسِ بنِ سِمْعَانَ الْكِلاَبِيّ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الله ضَرَبَ مَثَلاً صِرَاطاً مُسْتَقِيمَاً، عَلَى كَنَفَي الصّرَاطِ داران لَهُمَا أَبُوَابٌ مُفَتّحَةً، عَلَى الأَبْوَابِ سُتُورٌ، وَدَاعٍ يَدْعُو عَلَى رَأْسِ الصّرَاطِ وَدَاعٍ يَدْعُو فَوْقَهُ وَالله يَدْعُو إِلَى دَارِ السّلاَمِ وَيَهْدِيِ مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطِ مُسْتَقِيمٍ وَالأَبْوَابُ الّتِي عَلَى كَنَفَي الصّرَاطِ حُدُودُ الله، فَلاَ يَقَعُ أَحَدٌ فِي حدُودِ الله حَتّى يَكْشِفَ السّتْرَ، وَالّذِي يَدْعُو مِنْ فَوْقِهِ وَاعِظُ رَبّهِ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. قال سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ عَبْدِ الرّحْمَن يَقُولُ سَمِعْتُ زَكَرِيّا بنَ عَدِيٍ يَقُولُ، قالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ: خُذُوا عن بَقِيّةَ مَا حَدّثَكُمْ عن الثّقَاتِ، وَلاَ تَأْخُذُوا عن إسْمَاعِيلَ بنِ عَيّاشٍ مَا حَدّثَكُمْ عن الثّقَاتِ، وَلاَ غَيْرِ الثّقَاتِ. 2936- حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا الّليْثُ عن خَالِدِ بنِ يَزِيدَ، عن سَعِيدِ بنِ أَبي هِلاَلِ، أَنّ جَابِرَ بنَ عَبْدِ الله الأَنْصَارِيّ قالَ: "خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَاً، فَقَالَ: "إِنّي رَأَيْتُ فِي المَنَامِ كَأَنّ جِبْرَيلَ عِنْدَ رَأَسِي وَمِيكَائِيلَ عِنْدَ رِجْلى، يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اضْرِبْ لَهُ مَثَلاً، فَقَالَ: اسْمَعْ سَمِعَت أُذُنُكَ، وَاعْقِلْ عَقَلَ قَلْبُكَ، إِنّمَا مَثَلُكَ، وَمَثَلُ أُمّتِكَ، كَمَثَلِ مَلِكٍ اتّخَذَ دَاراً، ثُمّ بَنَى فِيهَا بَيْتَاً، ثُمّ جَعَلَ فِيهَا مَائِدَةً، ثُمّ بَعَثَ رَسُولاً يَدْعُو النّاسَ إِلَى طَعَامِهِ. فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ الرّسُولَ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَهُ، فَالله هُوَ المَلِكُ وَالدّارُ الإِسْلاَمُ، وَالْبَيْتُ الْجنَةُ، وَأَنْتَ يَا مُحمّدُ رَسُولٌ فمن أَجَابَكَ دَخَلَ الإِسْلاَمَ، وَمَنْ دَخَلَ الإِسْلاَمَ دَخَلَ الْجَنّةَ، وَمَنْ دَخَلَ الْجَنّةَ أَكَلَ مَا فِيهَا". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ مُرْسَلٌ. سَعِيدُ بنُ أَبي هِلاَلٍ لَمْ يُدْرِكْ جَابِرَ بنَ عَبْدِ الله. وفي البابِ عن ابنِ مَسْعُودٍ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم عن غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ بِإِسْنَادِ أَصَحّ مِنْ هَذَا. 2937- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ أبي عَدِيّ عن جَعْفَرِ بنِ مَيْمُونٍ، عن أَبي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيّ عن أَبي عُثْمَانَ، عن ابنِ مَسْعُودٍ قال: "صَلّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْعِشَاءَ ثُمّ انْصَرَفَ فَأَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ حَتّى خَرَجَ بِهِ إِلَى بَطْحَاءِ مَكّةَ فَأَجْلَسَهُ ثُمّ خَطّ عَلَيْهِ خَطّاً، ثمّ قال: "لا تَبْرَحَنّ خَطّكَ فَأَنّهُ سَيَنْتَهِي إِلَيْكَ رِجَالٌ فَلاَ تُكَلّمْهُمْ فَإِنّهُمْ لاَ يُكَلّمُوكَ"، قال: ثُمّ مَضَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حَيْثُ أَرَادَ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ في خَطّى إِذْ أَتَانِي رِجَالٌ كأَنّهُمْ الزّطّ أَشْعَارَهُمْ وَأَجْسَاَمَهُمْ. لا أَرَى عَوْرَةٌ ولا أَرَى قِشْراً، وَيَنْتَهُونَ إِلَيّ ولا يُجَاوِزُونَ الْخَطّ، ثُمّ يَصْدُرُونَ إِلَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حَتّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ الّليلِ، لَكِنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَدْ جَاءَنِي وَأَنَا جَالِسٌ فَقَالَ: "لَقَدْ أُرَانِي مُنْذُ الّليْلَةَ"، ثُمّ دَخَلَ عَلَيّ في خَطّي فَتَوَسّدَ فَخِذِي وَرَقَدَ، وَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا رَقَدَ نَفَخَ، فَبَيْنَا أَنَا قَاعِدٌ ورَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مُتَوَسّدٌ فَخِذِي، إِذَا أَنا بِرِجَالٍ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ بِيضٌ. الله أَعْلَمُ مَا بِهِمْ مِنَ الْجَمَالِ فَانْتَهَوْا إِلَيّ، فَجَلَسَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ رَأْسِ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، ثُمّ قالُوا بَيْنَهُمْ: مَا رَأَيْنَا عَبْداً قَطّ أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ هَذَا النبيّ صلى الله عليه وسلم، إِنّ عَيْنَيْهِ تَنَامَانِ وَقَلْبَهُ يَقْظَانُ، اضْرِبُوا لَه مَثَلاً: مَثَلُ سَيّدٍ بَنَى قَصْراً ثُمّ جَعَلَ مَأدبة فَدَعَا النّاسَ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرابِهِ، فَمَنْ أَجَابَهُ أَكَلَ مِنْ طَعَامِهِ وَشَرِبَ مِنْ شَرَابِهِ، وَمَنْ لَمْ يُجِبْهُ عَاقَبَهُ، أو قال عَذّبَهُ. ثُمّ ارْتَفَعُوا وَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ، فقال: سَمِعْتُ مَا قَالَ هَؤُلاءِ. وَهَلْ تَدْرِي مَنْ هَؤُلاءِ؟ قلت: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قال: هُمُ المَلاَئِكَةُ، فَتَدْرِي مَا المَثَلُ الّذِي ضَرَبُوهُ؟ قلت: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قال: المَثَلُ الّذِي ضَرَبُوهُ: الرّحْمَنُ تبارك وتعالى بَنَى الْجَنّةَ وَدَعَل إِلَيْهَا عِبَادَهُ، فَمَنْ أَجَابَهُ دَخَلَ الْجَنّةَ، وَمَنْ لَمْ يُجِبُهُ عَاقَبَهُ أَو عَذّبَهُ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الْوَجْهِ. وأبو تَمِيمَةَ هو الهجيميّ اسْمُهُ طَرِيفُ بن مُجَالِدٍ، وأبو عثمانَ النّهْدِيّ اسْمُهُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنُ ملٍ، وَسُلَيْمَانُ التّيْطيّ قد روى هذا الحديث عند معتمرو هو سليمان ابن طَرْحَانَ، وإنما كَانَ يَنْزلُ بَنِي تَيمٍ فَنُسِبَ إِلَيْهِمْ. قال عَلِيٌ قال يَحْيَىَ بنُ سَعِيدٍ: ما رَأَيْتُ أَخْوَفَ لله تعالى مِنْ سُلَيْمَانَ التّيْمِيّ. - قوله: (عن بجير بن سعيد) بفتح الموحدة وكسر الحاء المهملة السحولى (عن خالد بن معدان) الكلاعي الحمصي كنيته أبو عبد الله، ثقة عابد يرسل كثيراً من الثالثة (عن النواس) بفتح النون وتشديد الواو (بن سمعان) بكسر السين المهملة، وقيل بفتحها وسكون الميم وبالعين المهملة، صحابي مشهور سكن الشام. قوله: (إن الله ضرب مثلاً) أي بين مثلاً (صراطاً مستقيماً) بدل من مثلاً لا على إهدام المبدل كما في قولك: زيد رأيت غلامه رجلاً صالحاً (على كنفي الصراط) أي على جانبيها والكنف محركة الجانب (زوران) بضم الزاي تثنية زور، أي جداران. وفي حديث ابن مسعود عند رزين سوران بضم السين المهملة تثنية سور، والظاهر أن السين قد أبدلت بالزاي كما يقال في الأسدي الأزدي (لهما) أي للزورين وفي حديث ابن مسعود فيهما (على الأبواب ستور) جمع الستر بالكسر (وداع يدعو على رأس الصراط). وفي حديث ابن مسعود: وعند رأس الصراط داع يقول: استقيموا على الصراط ولا تعوجوا (وداع يدعو فوقه) أي فوق الداعي الأول (والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) وفي حديث ابن مسعود: وفوق ذلك داع يدعو كلما هم عبد أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب، قال: ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه (والأبواب النبي على كنفي الصراط حدود الله) أي محارمه (والذي يدعو من فوقه واعظ ربه) وفي حديث ابن مسعود ثم فسره فأخبر أن الصراط هو الإسلام، وأن الأبواب المفتحة محارم الله، وأن الستور المرخاة حدود الله، وأن الداعي على رأس الصراط هو القرآن وأن الداعي من فوقه هو واعظ الله في قلب كل مؤمن. قال الطيبي: قوله هو واعظ الله في قلب كل مؤمن، هو لمة الملك في قلب المؤمن، واللمة الأخرى هي لمة الشيطان. قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد والبيهقي في شعب الإيمان (سمعت عبد الله بن عبد الرحمن) هو الدارمي (يقول سمعت زكريا بن عدي) قال في التقريب: زكريا بن عدي بن الصلت التيمي مولاهم أبو يحيى، نزيل بغداد وهو آخر يوسف ثقة جليل يحفظ من كبار العاشرة، ووقع في بعض النسخ زكريا بن أبي عدي بزيادة أبي بين ابن وعدي وهو غلط، لأنه ليس في شيوخ الدارمي ولا في أصحاب أبي إسحاق الفزاري من يسمى بزكريا بن أبي عدي (يقول قال أبو إسحاق الفزاري) اسمه إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة بن حفص بن حذيفة ثقة حافظ له تصانيف من الثامنة (خذوا عن بقية ما حدثكم عن الثقات) وكذلك قال غير واحد من أئمة الحديث، وقال الحافظ في التقريب في ترجمة بقية بن الوليد هذا: إنه صدوق كثير التدليس انتهى، فعنعنته غير مقبولة وإن كانت عن الثقات، وروي هذا الحديث عن بجير بن سعد بالعنعنة (ولا تأخذوا عن إسماعيل بن عياش ما حدثكم عن الثقات ولا غير الثقات) هذا الذي قاله أبو إسحاق خلاف قول جمهور الأئمة، وقد تقدم بيانه في باب: لا وصية لوارث. من أبواب الوصايا. - قوله: (أخبرنا الليث) بن سعد (عن خالد بن يزيد) الجمحي المصري. قوله: (كأن جبرئيل) بتشديد النون (وميكائيل عند رجلي) وفي رواية البخاري: جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم. وفي حديث ابن مسعود الاَتي: إذا أنا برجال عليهم ثياب بيض، فيحتمل أنه كان مع كل منهما غيره. واقتصر في رواية الترمذي هذه على من باشر الكلام منهم ابتداء وجواباً (اضرب) أي بين (له) أي للنبي صلى الله عليه وسلم مثلاً، أي تمثيلاً وتصويراً للمعنى المعقول في صورة الأمر المحسوس ليكون أوقع تأثيراً في النفوس (فقال اسمع) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم (سمعت أذنك) جملة دعائية (واعقل) أي افهم، وفي حديث ربيعة الجرشي عند الدارمي: لتنم عينك ولتسمع أذنك وليعقل قلبك قال المظهر: معناه لا تنظر بعينك إلى شيء ولا تصغ بأذنك إلى شيء ولا تجر شيئاً في قلبك أي كن حاضراً حضوراً تاماً لتفهم هذا المثل (إنما مثلك ومثل أمتك) أي صفتك وصفة أمتك (كمثل ملك) أي كصفة ملك بكسر اللام (اتخذ داراً) أي بناها (ثم بنى فيها بيتاً) قال في القاموس: الدار المحل يجمع البناء والعرصة كالدائرة انتهى، والبيت قطعة من الدار (ثم جعل فيها مائدة) قال في القاموس: المائدة الطعام والخوان عليه الطعام كالميدة فيهما، وفي رواية البخاري: وجعل فيها مأدبة. والمأدبة بضم الدال وتفتح، طعام عام يدعى الناس إليه لوليمة (ثم بعث رسولاً) وفي رواية البخاري داعياً (إلى طعامه) أي إلى طعام الملك (فمنهم من أجاب الرسول) أي قبل دعاءه (ومنهم من تركه) أي لم يجبه. وفي حديث ابن مسعود الاَتي: ومن لم يجبه عاقبه أو قال عذبه، وفي رواية أحمد: عذب عذاباً شديداً. قوله: (هذا حديث مرسل) أي منقطع، قال الحافظ في الفتح بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه: وقد اعتضد هذا المنقطع بحديث ربيعة الجرشي عند الطبراني بنحو فإنه سياقه وسنده جيد. قوله: (وفي الباب عن ابن مسعود) أخرجه الترمذي بعد هذا (وقد روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه بإسناد أصح من هذا) رواه البخاري في صحيحه عن جابر من غير طريق الترمذي. - قوله: (أخبرنا محمد بن أبي عدي) هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي (عن جعفر بن ميمون) التميمي كنيته أبو علي، ويقال أبو العوام بياع الأنماط، صدوق يخطئ من السادسة. قوله: (خرج به إلى بطحاء مكة) أي مسيل واديها، قال في القاموس: البطح ككتف، والبطيحة والبطحاء والأبطح مسيل واسع فيه دقاق الحصى (ثم خط عليه) أي خط حوله (خطاً) أي خطاً مستديراً محيطاً به (لا تبرحن خطك) أي لا تفارقن الخط الذي خط لك (فإنه سينتهي إليك) أي سيصل إليك (كأنهم الزط) قال في القاموس: الزط بالضم جبل من الهند معرب جت بالفتح والقياس يقتضي فتح معربة أيضاً والواحدة زطى انتهى. وقال في النهاية: الزط هم جنس من السودان والهنود (أشعارهم وأجسامهم) يجوز النصب على نزع الخافض أي كأنهم الزط في أشعارهم وأجسامهم، ويجوز الرفع على الابتداء والخبر محذوف أي أشعارهم وأجسامهم مثل الزط (لا أرى عورة ولا أرى قشرة) بكسر القاف وسكون المعجمة: غشاء الشيء خلقة أو عرضاً وكل ملبوس قال في المجمع: أي لا أرى منهم عورة منكشفة ولا أرى عليهم ثياباً (ثم يصدرون) أي يرجعون (لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءني) أي حتى إذا كان من آخر الليل ما جاؤا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءني (فقال لقد أراني منذ الليلة) أي لم أنم (فتوسد فخذي) أي جعل فخذي وسادة (إذا أنا برجال) إذا للمفاجأة (إن عينيه تنامان والقلب يقظان) غير منصرف، وقيل منصرف لمجيء فعلانة منه. قال زين العرب: يقظان منصرف لمجيء فعلانة، لكنه قد صح في كثير من نسخ المصابيح على أنه غير منصرف، يعني فلا يفوته شيء مما تقول (مثل سيد) أي مثله مثل سيد. قوله: (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه أحمد وابن خزيمة وصححه (وأبو عثمان النهدي اسمه عبد الرحمن بن مل) بلام ثقيلة والميم مثلثة (وسليمان التيمي هو ابن طرخان الخ) ليس لسلمان التيمي ذكر في هذا الباب أصلاً، فإيراد الترمذي ترجمته ههنا لا يظهر له وجه فتأمل.
2938- حدثنا مُحمّدُ بن إسْمَاعِيلَ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ سِنَانٍ، أخبرنا سَلِيمُ بنُ حَيّانٍ بصري، أخبرنا سَعِيدُ بنُ مِينَاءٍ، عن جابرِ بنِ عَبْدِ الله قالَ: قالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إِنّمَا مَثَلي وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ قبلي كَرَجُلٍ بَنَى دَاراً فَأَكْمَلَهَا وَأَحْسَنَهَا إِلاّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ، فَجَعَلَ النّاسُ يَدْخُلُونَهَا وَيَتَعَجّبُونَ مِنْهَا ويَقُولُونَ: لَوْلاَ مَوْضِعُ الِلّبِنَةِ". وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ وَ أُبيّ بنِ كَعبٍ. قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوَجْهِ. - قوله: (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري رحمه الله (أخبرنا محمد ابن سنان) الباهلي أبو بكر البصري العوفي بفتح المهملة والواو بعدها فاء، ثقة ثبت من كبار العاشرة (أخبرنا سليم) بفتح أوله (ابن حيان) بحاء مهملة وتحتانية ثقيلة الهذلي البصري ثقة من السابعة (أخبرنا سعيد بن ميناء) بكسر الميم ومد النون مولى البختري ابن أبي ذباب الحجازي، مكي أو مدني، يكنى أبا الوليد، ثقة من الثالثة. قوله: (إنما مثلي ومثل الأنبياء كرجل بنى داراً) قيل المشبه به واحد والمشبه جماعة فكيف صح التشبيه؟ وجوابه أنه جعل الأنبياء كرجل واحد لأنه لا يتم ما أراد من التشبيه إلا باعتبار الكل، وكذلك الدار لا تتم إلا باجتماع البنيان، ويحتمل أن يكون من التشبيه التمثيلي وهو أن يؤخذ وصف من أوصاف المشبه ويشبه بمثله من أحوال المشبه به فكأنه، شبه الأنبياء وما بعثوا به من إرشاد الناس ببيت أسست قواعده ورفع بنيانه، وبقي منه موضع به يتم صلاح ذلك البيت. وزعم ابن العربي أن اللبنة المشار إليها كانت في رأس الدار المذكورة وأنها لولا وضعها لانقضت تلك الدار، قال وبهذا يتم المراد من التشبيه المذكور انتهى. وهذا إن كان منقولاً فهو حسن وإلا فليس بلازم. نعم ظاهر السياق أن تكون اللبنة في مكان يظهر عدم الكمال في الدار بفقدها، وقد وقع في رواية همام عند مسلم: إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها، فيظهر أن المراد أنها مكملة محسنة وإلا لاستلزم أن يكون الأمر بدونها كان ناقصاً وليس كذلك، فإن شريعة كل نبي بالنسبة إليه كاملة فالمراد هنا النظر إلى الأكمل بالنسبة إلى الشريعة المحمدية مع ما مضى من الشرائع الكاملة (لولا موضع اللبنة) بفتح اللام وكسر الموحدة بعدها نون وبكسر اللام وسكون الموحدة أيضاً هي القطعة من الطين تعجن وتجعل وتعد للبناء، ويقال لها ما لم تحرق لبنة، فإذا أحرقت فهي آجرة، وقوله موضع اللبنة بالرفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف، أي لولا موضع اللبنة يوهم النقص لكان بناء الدار كاملاً، ويحتمل أن يكون لولا تحضيضة وفعلها محذوف تقديره: لولا أكمل وضع اللبنة. ووقع في رواية همام عند أحمد: ألا وضعت ههنا لبنة فيتم بنيانك وفي الحديث ضرب الأمثال للتقريب للأفهام وفضل النبي صلى الله عليه وسلم على سائر النبيين، وأن الله ختم به المرسلين وأكمل به شرائع الدين. قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة وأبي بن كعب) أما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان والنسائي، وأما حديث أبي بن كعب فأخرجه الترمذي في أوائل المناقب. قوله: (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه الشيخان.
2939- حدثنا مُحمّدُ بن إسْمَاعِيلَ، أخبرنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ، أخبرنا أَبَانُ بنُ يَزِيدَ، أخبرنا يَحْيَىَ بنُ أَبي كَثِيرٍ، عن زَيدِ بنِ سَلاّمٍ: أَنّ أَبَا سَلاّمٍ حَدّثَهُ أَنّ الْحَارِثَ الاشْعَرِيّ حَدّثَهُ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنّ الله أَمَرَ يَحْيىَ بنَ زَكَرِيّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا وَيأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا، وَإِنّهُ كَادَ أَنْ يبطئ بِهَا. فقالَ عِيسَى: إِنّ الله أَمَرَكَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ لِتَعْمَلَ بهَا وَتَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بهَا. فَإِمّا أَنْ تَأْمُرَهُمْ وَإِمّا أَنْ آمُرَهُمْ، فَقَالَ يَحْيىَ أَخْشَى إِنْ سَبَقْتَنِي بِهَا أَنْ يُخْسَفَ بي أَوْ أُعَذّبَ. فَجَمَعَ النّاسَ في بَيْتِ المَقْدِسِ فَامْتَلأ المَسْجِدُ وَقَعَدُوا عَلَى الشّرَفِ، فَقَالَ: إِنّ الله أَمَرَني بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ أَعْمَلَ بِهِنّ وآمُرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِنّ: أَوّلَهُنّ أَنْ تَعْبُدُوا الله وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئَاً. وَإِنّ مَثَلَ مَنْ أَشْرَكَ بِالله كَمَثَلِ رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْداً مِنْ خَالِصِ مَالِهِ بِذِهَبٍ أَوْ وَرِقٍ فَقَالَ: هَذِهِ دَارِي وَهَذَا عَمَلِي فَاعْمَلْ وَأَدّ إِلَىّ، فَكَانَ يَعْمَلُ وَيُؤَدّي إِلَى غَيْر سَيّدِهِ. فَأَيّكُمْ يَرْضَى أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ كَذَلِكَ؟ وَإِنّ الله أَمَرَكُمْ بِالصّلاَةِ فَإِذَا صَلَيْتُمْ فَلاَ تَلْتَفِتُوا فَإِنّ الله يَنْصُبُ وَجْهَهَ لِوَجْهِ عَبْدِهِ في صَلاَتِهِ مَالَمْ يَلْتَفِتْ. وَآمَرَكُمْ بالصّيَامِ، فَإِنّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثلِ رَجُلِ في عصَابَةٍ مَعَهُ صُرّةٌ فِيهَا مِسْكٌ فَكُلّهُمُ يُعْجَبُ أَوْ يُعْجِبُهُ رِيحُهَا وَإِنّ رِيحَ الصّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ الله مِنْ رِيحِ المِسْكِ. وَآمَرَكُمْ بالصّدَقَةِ، فَإِنّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثلِ رَجُلٍ أَسَرَهُ الْعَدُوّ فَأَوْثَقُوا يَدَهُ إِلَى عُنْقِهِ وَقَدّمُوهُ لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ، فَقَالَ أَنَا أَفْدِيِه مِنْكُمْ بالقَلِيلِ وَالكَثِيرِ فَفَدا نَفْسَهُ مِنْهُمْ. وآمَرَكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا الله فَإِنّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ العَدُوّ في أَثَرِهِ سِرَاعاً حَتّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ كَذَلِكَ العَبْدُ لاَ يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشّيْطَانِ إِلاّ بِذِكْرِ الله. قالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ الله أَمَرَنِي بِهِنّ: السّمْعِ وَالطَاعَةِ وَالْجِهَاد وَالْهِجْرَةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَإِنّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيْدَ شِبْرٍ، فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلاَمِ مِنْ عُنُقِهِ إِلاّ أَنْ يرَجِعَ. وَمَنْ ادّعَى دَعْوَى الْجَاهِلّيةِ، فَإِنّهُ مِنْ جُثَى جَهَنّمَ، فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولُ الله وَإِنْ صَلّى وَصَامَ؟ فَقَالَ وَإِنْ صَلّى وَصَامَ. فَادْعُوا بِدَعْوَى الله الّذِي سَمَاكُم المُسْلِمِينَ المُؤْمِنينَ عِبَادَ الله". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ. قالَ مُحمّدُ بنُ إسْمَاعِيلَ: الْحَارثُ الأَشْعَرِيّ لَهُ صُحْبَةٌ وَلَهُ غَيْرُ هَذَا الْحَديثِ. 2940- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا أَبُو داوُدَ الطّيَالِسِيّ، أخبرنا أَبَانُ بنُ يَزِيدَ عن يَحْيَى بنِ أَبي كَثِيرٍ عن زَيْدِ بنِ سَلاّمٍ عن أَبي سَلاّمٍ عن الْحَارِثِ الأَشْعَريّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ. قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ. وَأَبُو سَلاّمٍ الحبشي اسْمُهُ مَمْطُورٌ. وقد رَوَاهُ عَلِيّ بنُ المُبَارَكِ عن يَحْيىَ بنِ أَبي كَثِيرٍ. - قوله: (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري (أخبرنا موسى بن إسماعيل) هو المنقري (أخبرنا أبان بن يزيد) هو العطار البصري (أخبرنا يحيى بن أبي كثير) هو الطائي (عن زيد بن سلام) بن أبي سلام ممطور الحبشي بالمهملة والموحدة والمعجمة ثقة من السادسة كذا في التقريب. وقال صاحب مجمع البحار في المغني. الحبشي بمهملة وموحدة مفتوحتين ومعجمة منسوب إلى الحبش، أي الجبل الأسود وإلى حبش حي من اليمن، منهم أبو سلام ممطور الأعرج ومعاوية ابن سلام قال الأصيلي: الحبشي بضم الحاء وسكون موحدة انتهى (أن أبا سلام) بتشديد اللام واسمه ممطور هو جد زيد بن سلام (أن الحارث الأشعري) قال في التقريب الحارث بن الحارث الأشعري الشامي صحابي، يكنى أبا مالك تفرد بالرواية عنه أبو سلام وفي الصحابة أبو مالك الأشعري اثنان غير هذا. قوله: (إن الله أمر يحيى بن زكريا) أي أوحى إليه كما في رواية ابن خزيمة (وإنه كاد أن يبطئ بها) من الإبطاء وهو ضد الإسراع، وفي رواية ابن خزيمة: فكأنه أبطأ بهن (فقال يحيى أخشى إن سبقتني بها الخ) وفي رواية ابن خزيمة: فقال يا أخي لا تفعل فإني أخاف إن سبقتني بهن الخ (فجمع الناس) أي بنى إسرائيل كما في رواية ابن خزيمة (فامتلأ) وفي بعض النسخ فامتلأ المسجد (وقعدوا على الشرف) بضم الشين المعجمة وفتح الراء جمع شرفة. قال في القاموس: شرفة القصر بالضم معروف والجمع شرف. وقال في الصراح: شرفة بالضم كنكرة (فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك) زاد في رواية ابن خزيمة: فإن الله خلقكم ورزقكم فلا تشركوا به شيئاً (فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده) وفي رواية ابن خزيمة: فإن الله يقبل بوجه إلى وجه عبده (في عصابة) بكسر العين أي جماعة (معه صرة) بضم الصاد وشدة الراء المهملتين. قال في القاموس: هي شرح الدراهم ونحوها (فكلهم يعجب أو يعجبه ريحها) أو للشك من الراوي وفي رواية ابن خزيمة كلهم يحب أن يجد ريحها (أنا أفديه) من الفداء وهو فكاك الأسير أي أفك عنقي (بالقليل والكثير) أي بجميع مالي (خرج العدو في أثره) قال في القاموس: خرج في أثره وإثره أي بعده (سراعاً) بكسر السين حال من العدو أي مسرعين (حتى إذا أتى على حصن حصين) الحصن بالكسر: كل مكان محمى منيع لا يوصل إلى جوفه، والحصين من الأماكن المنيع، يقال درع حصين: أي محكمة وحصن حصين للمبالغة (فأحرز نفسه منهم) أي حفظها منهم (السمع والطاعة) أي للأمير في غير المعصية (والجهاد) أي في سبيل الله لإعلاء كلمته (والهجرة) أي الانتقال من مكة إلى المدينة قبل فتح مكة، ومن دار الكفر إلى دار الإسلام ومن دار البدعة إلى دار السنة، ومن المعصية إلى التوبة لقوله صلى الله عليه وسلم: "المهاجر من هجر ما نهى الله عنه" (والجماعة) قال الطيبي: المراد بالجماعة الصحابة ومن بعدهم من التابعين وتابعي التابعين من السلف الصالحين، أي أمركم بالتمسك بهديهم وسيرتهم والانخراط في زمرتهم (فإنه) قال الطيبي: اسم إن ضمير الشأن والجملة بعده تفسيره وهو كالتعليل للأمر بالتمسك بعرى الجماعة (قيد شبر) بكسر القاف وسكون التحتية أي قدره وأصله القود من القود وهو المماثلة والقصاص، والمعنى من فارق ما عليه الجماعة بترك السنة واتباع البدعة ونزع اليد عن الطاعة ولو كان بشيء يسير يقدر في الشاهد بقدر شبر (فقد خلع) أي نزع (ربقة الإسلام) بكسر الراء وسكون الموحدة وهي في الأصل عروة في حبل يجعل في عنق البهيمة أو يدها تمسكها فاستعارها للإسلام، يعني ما شد المسلم به نفسه من عرى الإسلام أي حدوده وأحكامه وأوامره ونواهيه. وقال بعضهم: المعنى فقد نبذ عهد الله وأخفر ذمته التي لزمت أعناق العباد لزوم الربقة بالكسر وهي واحدة الربق وهو حبل فيه عدة عرى يشد به البهم، أي أولاد الضأن، والواحدة من تلك العرى ربقة (ومن ادعى دعوى الجاهلية) قال الطيبي: عطف على الجملة التي وقعت مفسرة لضمير الشأن للإيذان بأن التمسك بالجماعة وعدم الخروج عن زمرتهم من شأن المؤمنين، والخروج من زمرتهم من هجيرى الجاهلية، كما قال صلى الله عليه وسلم: "من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية". فعلى هذا ينبغي أن يفسر دعوى الجاهلية بسننها على الإطلاق لأنها تدعو إليها وهو أحد وجهي ما قال القاضي، والوجه الاَخر الدعوى تطلق على الدعاء وهو النداء، والمعنى من نادى في الإسلام بنداء الجاهلية وهو أن الرجل منهم إذا غلب عليه خصمه نادى بأعلى صوته قومه: يا آل فلان فيبتدرون إلى نصره ظالماً كان أو مظلوماً جهلا منهم وعصبية. وحاصل هذا الوجه يرجع أيضاً إلى الوجه السابق (فإنه) أي الداعي المذكور (من جثى جهنم) بضم الجيم مقصور أي من جماعاتها جمع جثوة بالحركات الثلاث، وهي الحجارة المجموعة، وروى من جثى بتشديد الياء وضم الجيم جمع جاث من جثى على ركبتيه يجثو ويجثى وكسر الجيم جائز لما بعدها من الكسرة وقرئ بهما في قوله تعالى: {ونذر الظالمين فيها جثياً} (وإن صلى وصام) أي ولو صلى وصام. قوله: (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم وأخرجه النسائي ببعضه.
2941- حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا أَبُو عَوَانَةَ عن قَتَادَةَ عن أَنَسٍ عن أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيّ قال: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ المُؤْمِنِ الذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الأُتْرجّة رِيحُهَا طَيّبٌ وَطَعْمُهَا طَيّبٌ، وَمَثَلُ المُؤمِنِ الذِي لا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ التّمْرَةِ لاَ رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ، وَمَثَلُ المُنَافِقِ الذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الرّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌ، وَمَثَلُ المُنَافِقِ الذِي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ رِيْحُهَا مُرٌ وَطَعْمُهَا مُرٌ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقد رَوَاهُ شُعْبَةُ عن قَتَادَةَ أَيْضَاً. 2942- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِيٍ الْخَلاّلُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا، أخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ، أخبرنا مَعْمَرٌ عن الزّهْرِيّ عن سَعِيدِ بنِ المسيّبِ عن أَبي هرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ المؤْمِنِ كَمَثَلِ الزّرْعِ لاَ تَزَالُ الرّيَاحُ تُفَيّئُهُ وَلاَ يَزَالُ المؤْمِنُ يُصِيبهُ بَلاَءٌ، وَمَثَلُ المنَافِقِ كَمَثَلِ شَجَرَةِ الأُرْزِ لاَ تَهْتَزّ حَتّى تُسْتَحْصَدَ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. 2943- حدثنا إِسْحَاقُ بنُ مُوسَى الأنصاري، أخبرنا مَعْنٌ، أخبرنا مَالِكٌ عن عَبْدِ الله بنِ دِينَارٍ عن ابنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنّ مِنَ الشّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطَ وَرَقُهَا وَهِيَ مَثَلُ المُؤْمِنُ. حَدّثُونِي مَا هِيَ؟" قالَ عَبْدُ الله: فَوَقَعُ النّاسُ في شَجَرِ البَوَادِي وَوَقَعَ في نَفْسِي أَنّهَا النّخْلَةُ. فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم "هِيَ النّخْلَةُ"، فَاسْتَحْيَيْتُ يَعْنِي أَنْ أَقُولَ، قالَ عَبْدُ الله فَحَدّثْتُ عُمَرَ بِالّذِي وَقَعَ فِي نَفْسِي فَقَالَ لاَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبّ إِلَيّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه. - قوله: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن) عبر بالمضارع لإفادة تكريره لها ومداومته عليها حتى صارت دأبه وعادته، كفلان يقري الضيف، ويحمي الحريم يعطي وفي رواية يقرأ القرآن ويعمل به (كمثل الأترنجة) بضم الهمزة وسكون الفوقانية وضم الراء وسكون النون وبتخفيف الجيم وفيه لغات قال في القاموس: الأترج والاترجة والترنجة والترنج معروف وهي أحسن الثمار الشجرية وأنفسها عند العرب انتهى. ووجه التشبيه بالأترنجة لأنها أفضل ما يوجد من الثمار في سائر البلدان وأجدى لأسباب كثيرة جامعة للصفات المطلوبة منها والخواص الموجودة فيها فمن ذلك كبر جرمها وحسن منظرها وطيب مطعمها ولين ملمسها تأخذ الأبصار صبغة ولوناً، فاقع لونها تسر الناظرين، تتوق إليها النفس قبل التناول تفيد آكلها بعد الالتذاذ بذوقها، طيب نكهة ودباغ معدة، وهضم واشتراك الحواس الأربع، البصر والذوق والشم واللمس في الاحتظاء بها (ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن) أي ويعمل به كما في رواية شعبة عن قتادة عند البخاري، قال الطيبي: التمثيل في الحقيقة وصف لموصوف اشتمل على معنى معقول صرف لا يبرزه عن سكنونة إلا تصويره بالمحسوس المشاهد، ثم إن كلام الله تعالى له تأثير في باطن العبد وظاهره وإن العباد متفاوتون في ذلك فمنهم من له النصيب الأوفر من ذلك التأثير وهو المؤمن القارئ، ومنهم من لا نصيب له البتة وهو المنافق الحقيقي، ومنهم من تأثر ظاهره دون باطنه وهو المراثي أو بالعكس وهو المؤمن الذي لا يقرأه، وإبراز هذه المعاني وتصويرها إلى المحسوسات ما هو مذكور في الحديث ولم يوجد ما يوافقها ويلائمها أقرب ولا أحسن ولا أجمع من ذلك لأن المشبهات والمشبه بها واردة على تقسيم الحاصل لأن الناس إما مؤمن أو غير مؤمن، والثاني إما منافق صرف أو ملحق به، والأول إما مواظب على القراءة أو غير مواظب عليها وعلى هذا فقس الأثمار المشبه بها، ووجه الشبه في المذكورات منتزع من أمرين محسوسين طعم وريح وليس بمفرق كما في قوله أمرئ القيس: كأن قلوب الطير رطباً ويابساً لدى وكرها العناب والحشف البالي (كمثل الريحانة) هي كل نبت طيب الريح من أنواع المشموم (كمثل الحنظلة) الحنظل نبات يمتد على الأرض كالبطيخ وثمره يشبه ثمر البطيخ لكنه أصغر منه جداً ويضرب المثل بمرارته (ريحها مر وطعمها مر) وفي رواية البخاري كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها، قال العيني: قيل الذي عند البخاري أحسن لأن الريح لا طعم له إذ المرارة عرض والريح عرض والعرض لا يقوم بالعرض، ووجه هذا بأن ريحها لما كان كريحها استعير للكراهة لفظ المراره لما بينهما من الكراهة المشتركة انتهى. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة. - قوله: (لا تزال الرياح تفيئه) بضم الفوقية وفتح الفاء وتشديد التحتية أي تحركه وتميله يميناً وشمالاً (ولا يزال المؤمن يصيبه بلاء) قال الطيبي: التشبيه إما مفرق فيقدر للمشبه معان بإزاء ما للمشبه به وفيه إشارة إلى أن المؤمن ينبغي أن يرى نفسه عارية معزولة عن استيفاء اللذات والشهوات معروضة للحوادث والمصيبات مخلوقة للاَخرة لأنها دار خلود (كمثل شجرة الأرز) قال في القاموس الأرز ويضم شجر الصنوبر، وقال في النهاية الأرزة بسكون الراء وفتحها شجرة الأرزن وهو خشب معروف وقيل هو الصنوبر (لا تهتز) أي لا تتحرك (حتى تستحصد) على بناء المفعول وقال ابن الملك بصيغة الفاعل أي يدخل وقت حصادها فتقطع انتهى، فكذلك المنافق يقل بلاؤه في الدنيا لئلا يخف عذابه في العقبى قال الطيبي: شبه قلع شجرة الصنوبر والأرزن في سهولته بحصاد الزرع فدل على سوء خاتمة الكافر. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان. - قوله: (حدثنا إسحاق بن موسى) الأنصاري (أخبرنا معن) هو ابن عيسى القزاز (أخبرنا مالك) إمام دار الهجرة. قوله: (إن من الشجر شجرة) زاد في رواية مجاهد عند البخاري في باب الفهم في العلم: قال صحبت ابن عمر إلى المدينة فقال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتى بجمار فقال إن من الشجر، وله عنه في البيوع: كنت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل جماراً (لا يسقط ورقها وهي مثل المؤمن) بكسر الميم وسكون المثلثة أو بفتح الميم والمثلثة وهما بمعنى، قال الجوهر مثله ومثله كلمة تسوية كما يقال شبهه وشبهه بمعنى، قال والمثل بالتحريك أيضاً ما يضرب من الأمثال انتهى. ووجه الشبه بين النخلة والمؤمن من جهة عدم سقوط الورق ما رواه الحرث بن أسامة في هذا الحديث من وجه آخر عن ابن عمر ولفظه: قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: "إن مثل المؤمن كمثل شجرة لا تسقط لها أنملة أتدرون ما هي"؟ قالوا لا. قال "هي النخلة لا تسقط لها أنملة ولا تسقط لمؤمن دعوة"، ووقع عند البخاري في الأطعمة من طريق الأعمش قال حدثني مجاهد عن ابن عمر قال: بينا نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتى بجمار فقال "إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم"، وهذا أعم من الذي قبله، وبركة النخل موجودة في جميع أجزائها مستمر في جميع أحوالها، فمن حين تطلع إلى أن تيبس تؤكل أنواعاً ثم بعد ذلك ينتفع بجميع أجزائها حتى النوى في علف الدواب والليف في الحبال وغير ذلك مما لا يخفي، وكذلك بركة المؤمن عامة في جميع الأحوال ونفعه مستمر له ولغيره حتى بعد موته (حدثوني) أي أخبروني (فوقع الناس) أي ذهبت أفكارهم في أشجار البادية فجعل كل منهم يفسرها بنوع من الأنواع وذهلوا عن النخلة يقال وقع الطائر على الشجرة إذ نزل عليها (ووقع في نفسي) بين أبو عوانة في صحيحه من طريق مجاهد عن ابن عمر وجه ذلك قال فظننت أنها النخلة من أجل الجمار الذي أتى به، وفيه إشارة إلى أن الملغز له ينبغي أن يتفطن لقرائن الأحوال الواقعة عند السؤال، وأن الملغز ينبغي له أن لا يبالغ في التعمية بحيث لا يجعل للملغز بابا يدخل منه بل كلما قربه كان أوقع في نفس سامعه (فاستحييت) وفي رواية البخاري في باب الفهم في العلم فأردت أن أقول هي النخلة فإذا أنا أصغر القوم (أحب إلى من أن يكون لي كذا وكذا) زاد ابن حبان في صحيحه: أحسبه قال حمر النعم وفي هذا الحديث إمتحان العالم أذهان الطلبة بما لا يخفي مع بيانه لهم إن لم يفهموه، وأما ما رواه أبو داود من حديث معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الأغلوطات قال الأوزاعي أحد رواته هي صعاب المسائل فإن ذلك محمول على ما لا نفع فيه أو ما خرج على سبيل تعنت المسئول أو تعجيزه. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان. قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة) قال الحافظ في الفتح بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه: أشار بذلك إلى حديث مختصرة لأبي هريرة أورده عبد بن حميد في تفسير لفظه: مثل المؤمن مثل النخلة.
2944- حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا الّليْثُ عن ابنِ الْهَادِ عن مُحمّدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ عن أَبي سَلَمَةَ بنِ عَبْد الرّحْمَنِ عن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنّ نَهْراً بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ منهِ كُلّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ قالوا لاَ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قالَ فَذَلِكَ مَثَلُ الصّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو الله بِهنّ الْخَطَايَا". وفي البابِ عن جَابِرٍ. قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. ...- حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا بَكْرُ بنُ مُضْرَ القُرَشِيّ عن ابنِ الْهَادِ نَحْوَهُ. - قوله: (حدثنا الليث) هو ابن سعد (عن ابن الهاد) اسمه يزيد بن عبد الله (عن محمد بن إبراهيم) هو ابن الحارث. قوله: (أرأيتم) أي أخبروني هو استفهام تقرير متعلق بالاستخبار أي أخبروني هل يبقى (لو أن نهراً) قال الطيبي: لفظ لو يقتضي أن يدخل على الفعل وأن يجاب لكنه وضع الاستفهام موضعه تأكيداً وتقريراً، والتقدير لو ثبت نهر صفته كذا لما بقي والنهر بفتح الهاء وسكونها ما بين جنبي الوادي سمي بذلك لسعته وكذلك سمي النهار لسعة ضوئه قاله الحافظ (هل يبقى) بفتح التحتانية (من درنه) بفتح الدال والراء أي وسخه يعني هل يبقى على جسده شيء من درنه (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فذلك) أي النهر المذكور قاله ابن الملك. قال القاري: والأظهر أن الإشارة إلى ما ذكر من الغسل في النهر خمس مرات. قال الطيبي: الفاء جزاء شرط أي إذا أقررتم بذلك وصح عندكم فذلك (مثل الصلوات الخمس) عكس في التشبيه حيث أن الأصل تشبيه المعقول بالمحسوس مبالغة كقوله تعالى: {قالوا إنما البيع مثل الربا} (يمحو الله بهن) أي بالصلوات (الخطايا) أي الصغائر. قال ابن العربي: وجه التمثيل أن المرء كما يتدنس بالأقذار المحسوسة في بدنه وثيابه ويطهره الماء الكثير فكذلك الصلوات تطهر العبد عن أقذار الذنوب حتى لا نبقي له ذنباً إلا أسقطته انتهى. قال الحافظ: وظاهره أن المراد بالخطايا في الحديث ما هو أعم من الصغيرة والكبيرة لكن روى مسلم قبله حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً: "الصلوات الخمس كفارة لما بينها ما اجتنبت الكبائر". فعلى هذا المقيد يحمل المطلق في غيره. فائدة: قال ابن بزبزة في شرح الأحكام: يتوجه على حديث العلاء إشكال يصعب التخلص منه. وذلك أن الصغائر بنص القرآن مكفرة باجتناب الكبائر وإذا كان كذلك فما الذي تكفر الصلوات الخمس انتهى قال الحافظ: وقد أجاب عنه شيخنا الإمام البلقيني بأن السؤال غير وارد لأن مراد الله أن تجتنبوا أي في جميع العمر ومعناه الموافاة على هذه الحالة من وقت الإيمان أو التكليف إلى الموت، والذي في الحديث أن الصلوات الخمس تكفر ما بينها أي في يومها إذا اجتنبت الكبائر في ذلك اليوم، فعلى هذا لا تعارض بين الاَية والحديث انتهى وعلى تقدير ورود السؤال فالتخلص منه بحمد الله سهل وذلك أنه لا يتم اجتناب الكبائر إلا بفعل الصلوات الخمس، فمن لم يفعلها لم يعد مجتنباً للكبائر لأن تركها من الكبائر فوقف التكفير على فعلها انتهى. قوله: (وفي الباب عن جابر) أخرجه مسلم. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي.
2945- حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا حَمّادُ بنُ يَحْيىَ الأَبَحّ عن ثَابِتٍ الْبُنَانِيّ عن أَنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ أُمّتِي مَثَلُ المَطَرِ لاَ يُدْرَى أَوّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرَهُ". قال: وفي البابِ عن عَمّارٍ وَعَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو وَابنِ عُمَرَ. وهذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هذا الْوَجْهِ. وَروَى عن عَبْد الرّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍ أَنّهُ كَانَ يُثَبّتُ حَمّادَ بنَ يَحْيىَ الأبَحّ، وَكَانَ يَقُولُ هُوَ مِنْ شُيُوخِنَا. - قوله: (أخبرنا حماد بن يحيى الأبح) بفتح الهمزة والموحدة بعدها مهملة أبو بكر السلمي البصري صدوق يخطئ من الثامنة. قوله: (مثل أمتي مثل المطر) أي في حكم إبهام أفراد الجنس (لا يدري) بصيغة المجهول (أوله) أي أوائل المطر أو المطر الأول (خير) أي أنفع (أم آخره) أي أواخره أو المطر الاَخر قال التوربشتي: لا يحمل هذا الحديث على التردد في فضل الأول على الاَخر فإن القرن الأول هم المفضلون على سائر القرون من غير شبهة ثم الذين يلونهم وفي الرابع اشتباه من قبل الراوي، وإنما المراد بهم نفعهم في بث الشريعة والذب عن الحقيقة. قال القاضي: نفي تعلق العلم بتفاوت طبقات الأمة في الخيرية وأراد به نفي التفاوت كما قال تعالى: {قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض} أي بما ليس فيهن كأنه قال لو كان لعلم لأنه أمر لا يخفي ولكن لا يعلم لاختصاص كل طبقة منهم بخاصية وفضيلة توجب خيريتها كما أن كل نوبة من نوب المطر لها فائدة في النشو والنماء لا يمكنك إنكارها والحكم بعدم نفعها، فإن الأولين آمنوا بما شاهدوا من المعجزات وتلقوا دعوة الرسول الله صلى الله عليه وسلم بالإجابة والإيمان والاَخرين آمنوا بالغيب لما تواتر عندهم من الاَيات واتبعوا من قبلهم بالإحسان، وكما أن المتقدمين اجتهدوا في التأسيس والتمهيد فالمتأخرون بذلوا وسعهم في التلخيص والتجريد وصرفوا عمرهم في التقرير والتأكيد، فكل ذنبهم مغفور وسعيهم مشكور وأجرهم موفور انتهى. قال الطيبي: وتمثيل الأمة بالمطر إنما يكون بالهدى والعلم كما أن تمثيله صلى الله عليه وسلم الغيث بالهدى والعلم فتختص هذه الأمة المشبهة بالمطر بالعلماء الكاملين منهم المكملين لغيرهم فيستدعي هذا التفسير أن يراد بالخير النفع فلا يلزم من هذا المساواة في الأفضلية، ولو ذهب إلى الخيرية فالمراد وصف الأمة قاطبة سابقها ولا حقها وأولها وآخرها بالخير وأنها ملتحمة بعضها مع بعض مرصوصة بالبنيان مفرغة كالحلقة التي لا يدري أين طرفاها. وفي أسلوب هذا الكلام قول الأنمارية: هم كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها تريد المكملة، ويلح إلى هذا المعنى قول الشاعر: إن الخيار من القبائل واحد *** وبنو حنيفة كلهم أخيار فالحاصل أن الأمة مرتبط بعضها مع بعض في الخيرية بحيث أبهم أمرها فيها وارتفع التمييز بينها وإن كان بعضها أفضل من بعض في نفس الأمر وهو قريب من سوق المعلوم مساق غيره وفي معناه أنشد مروان بن أبي حفصة. تشابه يوماه علينا فأشكلافما نحن ندري أي يوميه أفضل يوم بداء العمر أم يوم يأسهوما منهما إلا أغر محجل ومن المعلوم علماً جلياً أن يوم بداءة العمر أفضل من يوم يأسه، لكن البدء لما يكن يكمل ويستتب إلا باليأس أشكل عليه الأمر فقال ما قال وكذا أمر المطر والأمة انتهى. قوله: (وفي الباب عن عمار وعبد الله بن عمرو وابن عمر) أما حديث عمار وهو ابن ياسر فأخرجه أحمد، وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الطبراني وأما حديث ابن عمر فلينظر من أخرجه. قوله: (هذا حديث حسن غريب) قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث وهو حديث حسن له طرق قد يرتقي بها إلى الصحة، وأغرب النووي فعزاه في فتاواه إلى مسند أبي يعلى من حديث أنس بإسناد ضعيف مع أنه عند الترمذي بإسناد أقوى منه من حديث أنس، وصححه ابن حبان من حديث عمار.
2946- حدثنا مُحمّدُ بنُ إسْمَاعِيلَ، أخبرنا خَلاّدُ بنُ يَحْيىَ، أخبرنا بَشِيرُ بنُ المُهَاجِرِ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ بُرَيْدَةَ عن أَبِيهِ. قالَ: قالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "هَلْ تَدْرُونَ مَا مَثَلُ هَذِهِ وَهَذِهِ؟ وَرَمَى بحَصَاتَيْنِ". قَالُوا الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قالَ: "هَذَاكَ الأمَلُ وَهَذَاكَ الأجَلُ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هذا الْوَجْهِ. 2947- حدثنا إِسْحَاقُ بنُ مُوسَى الأَنْصَارِيّ، أخبرنا مَعْنٌ، أخبرنا مَالِكٌ عن عَبْدِ الله بنِ دِينَارٍ عن ابنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنّمَا أَجَلَكُمْ فِيمَا خَلاَ مِنَ الأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغَارِبِ الشّمْسِ، وَإِنّمَا مَثَلَكُمْ وَمَثَلُ الْيَهُودِ والنّصَارَى كَرَجُلِ اسْتَعْمَلَ عُمّالاً، فَقَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النّهَارِ عَلَى قيرَاطٍ قِيرَاطٍ فَعَمِلَتِ اليَهُودُ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، ثمّ قالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النّهَارِ إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيراطٍ قيراطٍ، فَعَمِلَتِ النّصَارَى عَلى قيراطٍ قيراطٍ، ثمّ أَنْتُمْ تَعْمَلُونَ مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغَارِبِ الشّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِرَاطَيْنِ، فَغَضِبَتْ الْيَهُودُ والنّصَارَى وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلاً وَأَقَلّ عَطَاءً؟ فَقَالَ هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقّكُمْ شَيْئَاً، قَالُوا لاَ، قالَ فَإِنّهُ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ". هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. 2948- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِيٍ الْخَلاّلُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قالُوا، أخبرنا عبدُ الرّزّاقِ، أخبرنا مَعْمَرٌ عن الزّهْرِيّ عن سَالِمٍ عن ابنِ عُمَرَ. قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّمَا النّاسُ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لاَ يَجِدُ الرّجُلُ فِيهَا رَاحِلَةً". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. 2949- حدثنا سَعِيدُ بنُ عَبْد الرّحْمَنِ المَخْزُومِيّ، أخبرنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن الزّهْرِيّ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ وَقَالَ: "لاَ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَة أو قال: لا تجد فيها إلا راحلة". 2950- حدثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، أخبرنا المُغِيرَةُ بنُ عَبْد الرّحْمَن عن أَبي الزّنَادِ عن الأَعْرَجِ عن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ أُمّتِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوقَدَ نَاراً فَجَعَلَتِ الدّوَابّ وَالفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا وَأنا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ وَأَنْتُمْ تَقَحّمُونَ فِيهَا". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وقد روي من غير وجهٍ. - قوله: (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري (أخبرنا خلاد بن يحيى) ابن صفوان السلمى أبو محمد الكوفى نزيل مكة صدوق رمي بالإرجاء وهو من كبار شيوخ البخاري من التاسعة (أخبرنا بشير بن المهاجر) الكوفي الغنوي بالمعجمة والنون صدوق لين الحديث رمي بالإرجاء من الخامسة. قوله: (ما مثل هذه وهذه) أي هذه الحصاة وهذه الحصاة (ورمى بحصاتين) أي إحداهما قريبة والأخرى بعيدة والجملة حالية (هذاك) أصله ذا فزيدت الهاء في أوله والكاف في آخره أي هذا الحصاء المرمى بعيداً (الأمل) أي مرجوه ومأموله الذي يظن أنه يدركه قبل حلول أجله (وهذاك) أي الحصاء المرمي قريباً (الأجل) أي موته فيشتغل الإنسان بما يأمله ويريد أن يحصله فيلحقه الموت قبل أن يصله. قوله: (هذا حديث حسن غريب) ذكره المنذري في الترغيب وذكر تحسين الترمذي وأقره. - قوله: (إنما الناس) أي في اختلاف حالاتهم وتغير صفاتهم (كإبل مائة) وفي رواية البخاري: كالإبل المائة. قال الخطابي: العرب تقول للمائة من الإبل إبل، يقولون لفلان إبل أي مائة بغير ولفلان إبلان أي مائتان انتهى. قال الحافظ: فعلى هذا فالرواية التي بغير ألف ولام يكون قوله مائة تفسيراً لقوله إبل لأن قوله كإبل أي كمائة بعير. ولما كان مجرد لفظ إبل ليس مشهور الاستعمال في المائة ذكر المائة توضيحاً ورفعاً للإلباس، وأما على رواية البخاري فاللام للجنس (لا يجد الرجل فيها) أي في مائة من الإبل راحلة أي ناقة شابة قوية مرتاضة تصلح المركوب. فكذلك لا تجد في مائة من الناس من يصلح للصحبة وحمل المودة وركوب المحبة فيعاون صاحبه ويلين له جانبه قاله القارى. وقال النووي في شرح مسلم: قالوا الراحلة هي البعير الكامل الأوصاف الحسن المنظر القوي على الأحمال والأسفار سميت راحلة لأنها ترحل أي يجعل عليها الرحل فهي فاعلة بمعنى مفعولة كعيشة راصية أي مرضية ونظائره، والمعنى المرضي الأحوال من الناس الكامل الأوصاف قليل فيهم جداً كقلة الراحلة في الإبل انتهى. وقال الجزري في النهاية: الراحلة من الإبل البعير القوي على الأسفار والأحمال والذكر والأنثى فيه سواء والهاء فيها للمبالغة وهي التي يختارها الرجل لمركبه ورحله على النجابة وتمام الخلق وحسن المنظر فإذا كانت في جماعة الإبل عرفت. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان. - قوله: (عن سالم عن ابن عمر الخ) هذا بيان لقوله بهذا الإسناد نحوه. - قوله: (حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن) الحزامي المدني. قوله: (إنما مثلى) أي صفتي العجيبة الشأن معكم أيها الأمة أو مع الناس (كمثل رجل استوقد) أي أوقد وزيدت السين للتأكيد (ناراً) أي عظيمة (فجعلت) أي شرعت (الدّواب) جمع دابة والمراد من الدواب التي تقع في النار إذا أضاءت (والفراش) هو بفتح الفاء دويبة طير تتساقط في النار يقال بالفارسي يروانه (فأنا آخذ) قال النووي: يروى على وجهين أحدهما اسم فاعل بكسر الخاء وتنوين الدار، والثاني فعل مضارع بضم الخاء والأول أشهر وهما صحيحان (بحجزكم) بضم الحاء وفتح الجيم بعدها زاي جمع الحجزة وهي معقد الإزار ومن السراويل موضع التكة. قال الأبهري: ويجوز ضم الجيم في الجمع (وأنتم تقحمون فيها) من باب التفعل بحذف إحدى التائين أي تدخلون فيها بشدة ومزاحمة. قيل التقحم هو الدخول في الشيء من غير روية ويعبر به عن الهلاك وإلقاء النفس في الهلاك. وقال الطيبي: التقحم الإقدام والوقوع في أمر شاق. قال النووي: ومقصود الحديث أنه صلى الله عليه وسلم شبه تساقط الجاهلين والمخالفين بمعاصيهم وشهواتهم في نار الاَخرة وحرصهم على الوقوع في ذلك مع منعه إياهم وقبضه على مواضع المنع منهم بتساقط الفراش في نار الدنيا لهواه وضعف تمييزة فكلاهما حريص على هلاك نفسه ساع في ذلك لجهله. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان. - قوله: (إنما أجلكم) قال الطيبي: الأجل المدة المضروبة للشيء، قال تعالى {ولتبلغوا أجلاً مسمى} ويقال للمدة المضروبة لحياة الإنسان أجل فيقال دنا أجله وهو عبارة من دنو الموت وأصله استيفاء الأجل أي مدة الحياة، والمعنى ما أجلكم في أجل من مضى من الأمم السابقة في الطول والقصر إلا مقدار ما بين صلاة العصر إلى صلاة المغرب من الزمان (فيما خلا من الأمم كما بين صلاة العصر إلى مغارب الشمس) وفي رواية للبخاري: إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس قال الحافظ: ظاهره أن بقاء هذه الأمة وقع في زمان الأمم السالفة وليس ذلك المراد قطعاً وإنما معناه أن نسبة مدة هذه الأمة إلى مدة من تقدم من الأمم مثل ما بين صلاة العصر وغروب الشمس إلى بقية النهار فكأنه قال إنما بقاؤكم بالنسبة إلى ما سلف إلى آخره، وحاصله أن في بمعنى إلى وحذف المضاف وهو لفظ نسبة (وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى) أي مع الرب سبحانه وتعالى (كرجل استعمل عمالاً) بضم فتشديد جمع عامل أي طلب منهم العمل (فقال) أي على طريق الاستفهام (من يعمل لي إلى نصف النهار) وهو من طلوع الشمس إلى زوالها، فالمراد بالنهار العرفي لأنه عرف عمل العمال (على قيراط قيراط) أي نصف دانق على ما في الصحاح، وقيل القيراط جزء من أجزاء الدينار وهو نصف عشرة في أكثر البلاد والياء فيه بدل من الراء كما أنها بدل من النون في الدينار ويدل عليه جمعهما على دنانير وقراريط، وكرر قيراط الدلالة على أن الأجر لكل واحد منهم قيراط لا أن مجموع الطائفة قيراط (ثم قال) أي الرجل المستعمل للعمال (فغضبت اليهود والنصارى وقالوا نحن أكثر عملاً وأقل عطاء) أي قال أهل الكتاب ربنا أعطيب أمة محمد ثواباً كثيراً مع قلة أعمالهم. وأعطيتنا ثواباً قليلاً مع كثرة أعمالنا، ولعلهم يقولون ذلك يوم القيامة وقد حكي عن النبي صلى الله عليه وسلم بصيغة الماضي لتحقق ذلك أو صدر عنهم مثل ذلك لما اطلعوا على فضائل هذه الأمة في كتبهم أو على ألسنة رسلهم، وعلى كل تقدير ففي الحديث دليل على أن الثواب للأعمال ليس على قدر التعب، ولا على جهة الاستحقاق لأن العبد لا يستحق على مولاه لخدمته أجرة بل المولى يعطيه من فضله، وله أن يتفضل على من يشاء من العبيد على وجه المزيد. فإنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. قال الطيبي: لعل هذا تخييل وتصوير لا أن ثمة مقاولة ومكالمة حقيقية اللهم الا أن يحمل ذلك على حصولها عند إخراج الذر فيكون حقيقة انتهى كذا في المرقاة (فقال هل ظلمتكم) أي هل نقصتكم (شيئاً) مفعول به أو مطلق (قالوا) أي أهل الكتاب (فإنه) أي الشأن (فضلي) أي عطائي الزائد (أوتيه من أشاء) أو التقدير فإن العطاء الكثير المدلول عليه بالسياق فضلي. وقد استدل الحنفية بهذا الحديث لقول أبي حنيفة رحمه الله إن أوله العصر بصيرورة ظل كل شيء مثليه. وقد تقدم في باب تأخير صلاة العصر جوابهم وجوه مفصلاً. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري.
|