الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***
قال القاري في المرقاة: قيل هو مشترك بين الوطء والعقد اشتراكاً لفظياً. وقيل حقيقة في العقد مجاز في الوطء وقيل بقلبه وعليه مشائخنا انتهى. قلت: قال الحافظ في الفتح النكاح في اللغة الضم والتداخل. وفي الشرع حقيقة في العقد. مجاز في الوطء على الصحيح. والحجة في ذلك كثرة وروده في الكتاب والسنة للعقد. حتى قيل إنه لم يرد في القرآن إلا للعقد. قال: وقيل مقول بالاشتراك على كل منهما، وبه جزم الزجاجي وهذا الذي يترجح في نظري. وإن كان أكثر ما يستعمل في العقد انتهى 1074- حدثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ. حدثنا حَفْصُ بنُ غِيَاثِ، عَنِ الْحجّاجِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أبي الشّمَالِ، عَنْ أبي أيّوبَ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "أرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرسَلِينَ: الحَيَاءُ والتّعَطُر وَالسّواكُ وَالنّكَاحُ". قال: وفي البابِ عَنْ عُثْمانَ وثَوْبَانَ وابنِ مَسْعُودِ وعَائِشَةَ وَعبْدِ الله بنِ عَمْروٍ وأبي نجج وجَابِرٍ وعَكّافٍ. قال أبو عيسى: حدِيثُ أبي أيّوبَ حديثٌ حسنٌ غَرِيبٌ. حدثنا مَحْمُودُ بنُ خِدَاشٍ البغدادي. حدثنا عَبّادُ بنُ الْعَوّام، عنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أبي الشّمالِ، عَنْ أبي أيّوبَ، عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوَ حدِيثِ حَفصٍ. قال أبو عيسى: وَرَوَى هذَا الْحَديِثَ هُشَيمٌ ومُحَمّدُ بنُ يَزِيدَ الوَاسِطِيّ وأبُو مُعَاوِيَةَ وغَيْرُ وَاحِدً عنِ الْحَجّاجِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبي أيّوبَ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ (عَنْ أبي الشّمالِ). وحَدِيثُ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ وَعبّادِ بنِ الْعَوّامِ أصَحّ. 1075- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ. حدثنا أبُو أحْمَدَ الزبيري. حدثنا سُفْيَانُ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ قالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم ونُحْنُ شَبَابٌ لاَ نَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ. فقَالَ: "يَا مَعْشَرَ الشبَابِ عَليْكُمْ بِالْبَاءَةِ. فإنّهُ أغَضّ لِلْبَصَرِ وأحْصَنُ لِلْفَرْجِ، فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَعَلَيْهِ بِالصّوْمِ. فإِنّ الصّوْمَ لَهُ وِجَاءٌ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. حدثنا الحَسَنُ بنُ عَلي الْخَلاّلُ. حدثنا عَبْدُ الله بنُ نُمَيْرٍ. حدثنا الأعْمَشُ عَنْ عمَارَةَ، نحْوَهُ. قال أبو عيسى: وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الأعْمَشِ بِهَذَا الإسْنَادِ، مِثْلَ هذَا. وَرَوَى أبُو مُعَاوِيةَ والْمُحَارِبيّ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الله، عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوَهُ. قال أبو عيسى: كِلاَهُما صحيح. (حدثنا حفص بن غياث) بكسر الغين المعجمة الكوفي القاضي ثقة فقيه تغير حفظه قليلاً في الاَخر (عن أبي الشمال) بن ضباب بكسر المعجمة وبموحدتين مجهول كذا في الخلاصة والتقريب. وقال في الميزان: حدث عنه مكحول بحديث: أربع من سنن المرسلين. لا يعرف إلا بهذا الحديث. قاله أبو زرعة قوله: (أربع) أي أربع خصال (من سنن المرسلين) أي فعلاً وقولاً. يعني التي فعلوها وحثوا عليها. وفيه تغليب. لأن بعضهم كعيسى ما ظهر منه الفعل في بعض الخصال وهو النكاح. قاله القاري في المرقاة. وقال المناوي في شرح الجامع الصغير، المراد أن الأربع من سنن غالب الرسل، فنوح لم يختتن وعيسى لم يتزوج انتهى. (الحياء) قال العراقي وقع في روايتنا بفتح الحاء المهملة وبعدها ياء مثناة من تحت وصحفه بعضهم بكسر الحاء وتشديد النون، وقال ابن القيم في الهدى: روى في الجامع بالنون والياى أي الحناء والحياء، وسمعت أبا الحجاج الحافظ فيقول الصواب الختان وسقطت النون من الحاشية. كذلك رواه المحاملي عن شيخ الترمذي. كذا في قوت المغتذي وأورد الخطيب التبريزي هذا الحديث في المشكاة نقلاً عن الترمذي هكذا: أربع من سنن المرسلين الحياء ويروي الختان والتعطر الخ. قال القاري في المرقاة: قال الطيبي: اختصر المظهر كلام التوربشتي و قال: في الحياء ثلاث روايات بالحاء المهملة والياء التحتانية يعني به ما يقتضي الحياء من الدين، كستر العورة، والتنزه عما تأباه المروءة ويذمه الشرع من الفواحش وغيرها، لا الحياء الجبلي نفسه، فإنه مشترك بين الناس. وإنه خلق غريزي لا يدخل في جملة السنن، وثانيها: الختان بخاء معجمة وتاء فوقها نقطتان، وهي من سنة الأنبياء من لدن إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وثالثها: الحناء بالحاء المهملة والنون المشددة. وهذه الرواية غير صحيحة، ولعلها تصحيف لأنه يحرم على الرجال خضاب اليد والرجل تشبهاً بالنساء. وأما خضاب الشعر به فلم يكن قبل نبيناً صلى الله عليه وسلم، فلا يصح إسناده إلى المرسلين انتهى ما في المرقاة (والتعطر) أي استعمال العطر وهو الطيب. قوله: (وفي الباب عن عثمان) بن عفان رضي الله عنه مرفوعاً: من كان منكم ذا طول فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج. ومن لا، فالصوم له وجاء. و (وثوبان) أخرجه الترمذي والروياني ورجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعاً. كذا في التلخيص. (وابن مسعود) أخرجه الجماعة (وعن عائشة) أخرجه ابن ماجه بلفظ: النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني الحديث. وفي إسناده عيسى بن ميمون وهو ضعيف (وعبد الله بن عمرو) بن العاص أخرجه النسائي وابن ماجه والبيهقي بلفظ: إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كان فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كان إلى غير ذلك فقد هلك. (وجابر) أخرجه الجماعة بلفظ: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا جابر تزوجت بكراً أم ثيباً؟ قال ثيباً الحديث. وأخرج عبد الرزاق في الجامع عن جابر مرفوعاً: أيما شاب تزوج في حداثة سنه عج شيطانه عصم مني دينه (وعكاف) قال في القاموس. عكاف كشداد بن وداعة الصحابي انتهى. وقال الحافظ في تعجيل المنفعة: عكاف بن وداعة الهلالي، يقال ابن يسر التميمي، أخرج حديثه أبو علي بن السكن، والعقيلي، في الضعفاء والطبراني، في مسند الشاميين من طريق برد بن سنان عن مكحول عن غضيف بن الحارث عن عطية بن بسر المازني عن عكاف بن وداعة الهلالي، وأخرج أبو يعلى في مسنده وابن مندة في المعرفة من طريق بقية بن الوليد عن معاوية بن يحي عن سليمان بن موسى عن مكحول عن عضيف بن الحارث عن عطية بن بسر المازني قال: جاء عكاف بن وداعة الهلالي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عكاف ألك زوجة؟ قال: لا. قال: ولا جارية؟ قال: لا. قال: وأنت صحيح موسر؟ قال نعم الحمدلله، قال: فأنت إذن من إخوان الشياطين، إما أن تكون من رهبان النصارى، فأنت منهم وإما أن تكون منا فاصنع كما نصنع، فإن من سنتنا النكاح. شراركم عزابكم، ويحك يا عكاف، تزوج الحديث. ثم ذكر الحافظ طرقاً أخرى ثم قال: ولا يخلو طريق من طرقه من ضعف انتهى. قوله: (حديث أبي أيوب حديث حسن غريب) في تحسين الترمذي هذا الحديث نظر، فإنه قد تفرد به أبو الشمال، وقد عرفت أنه مجهول إلا أن يقال: إن الترمذي عرفه ولم يكن عنده مجهولا، أو يقال إنه حسنه لشواهده فروى نحوه عن غير أبي أيوب. قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر حديث أبي أيوب هذا: رواه أحمد والترمذي، ورواه ابن أبي خيثمة وغيره من حديث مليح بن عبد الله عن أبيه عن جده نحوه. ورواه الطبراني من حديث ابن عباس انتهى. قوله: (ونحن شباب) على وزن سحاب جمع شاب، قال الأزهر لم يجمع فاعل على فعال غيره (لانقدر على شيء) أي من المال، وفي رواية البخاري: لا نجد شيئاً (يا معشر الشباب) المعشر جماعة يشملهم وصف وخصهم بالخطاب لأن الغالب وجود قوة الداعي فيهم إلى النكاح (وعليكم بالباءة) بالهمزة وتاء التأنيث ممدوداً. قال النووي فيها أربع لغات: الفصيحة المشهورة البآءة بالمد والهاء. والثانية الباءة بلا مد. والثالثة البآء بالمد بلا هاء. والرابعة الباهة بهائين بلا مد. وأصلها في اللغة الجماع مشتقة من المباءة وهي المنزل. ومنه مباءة الإبل وهي مواطنها. ثم قيل لعقد النكاح باءة لأن من تزوج امرأة بوأها منزلاً. قال واختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين يرجعان إلى معنى واحد: أصحهما أن المراد معناه اللغوي وهو الجماع. فتقديره من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنه وهي مؤن النكاح فليتزوج. ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه فعليه الصوم ليدفع شهوته. والقول الثاني: أن المراد هنا بالباءة مؤن النكاح سميت باسم ما يلازمها. والذي حمل القائلين بهذا قوله: ومن لم يستطع فعليه بالصوم. قالوا: والعاجز عن الجماع لا يحتاج إلى الصوم لدفع الشهوة فوجب تأويل الباءة على المؤن انتهى كلام النووي ملخصاً. (فإنه) أي التزوج (أغض للبصر) أي أخفض وأدفع لعين المتزوج عن الأجنبية من غض طرفه أي خفضه وكفه (وأحصن) أي أحفظ (للفرج) أي عن الوقوع في الحرام (فإن الصوم له وجاء) بكسر الواو وبالمد أي كسر لشهوته، وهو في الأصل رض الخصيتين ودقهما لتضعف الفحولة. فالمعنى أن الصوم يقطع الشهوة ويدفع شر المنى كالوجاء قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم. قوله: (وروى أبو معاوية والمحاربي عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله الخ) أخرج البخاري هذا الحديث في صحيحه بهذا السند. وبالسند المتقدم كليهما. وإبراهيم هذا هو النخعي. والمحاربي هذا هو عبد الرحمَن بن محمد بن زياد أبو محمد الكوفي لا بأس به. تنبيه: استدل بهذا الحديث بعض المالكية على تحريم الاستمناء لأنه أرشد عند العجز عن التزويج إلى الصوم الذي يقطع الشهوة فلو كان الاستمناء مباحاً لكان الإرشاد إليه أسهل. وتعقب دعوى كونه أسهل لأن الترك أسهل من الفعل. وقد أباح الاستمناء طائفة من العلماء. وهو عند الـحنابلة وبعض الحنفية لأجل تسكين الشهوة كذا في فتح الباري. قلت: في الاستمناء ضرر عظيم على المستمنى بأي وجه كان. فالحق أن الاستمناء فعل حرام لا يجوز ارتكابه لا لغرض تسكين الشهوة. ولا لغرض آخر ومن أباحه لأجل التسكين فقد غفل غفلة شديدة ولم يتأمل فيما فيه من الضرر. هذا ما عندي والله تعالى أعلم.
(باب ما جاء في النهي عن التبتل) هو في الأصل الانقطاع والمراد به هنا الانقطاع من النساء وترك التزوج. 1076- حدثنا أبُو هِشَامٍ الرّفَاعِيّ و زَيْدُ بنُ أَخْزَمَ الطائي و إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيم الصواف الْبَصْرِيّ، قَالُوا: حدثنا مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نهَى عَنِ التّبَتّلِ". قال أبو عيسى: وَزَادَ زَيْد بنُ أَخْزَمَ في حَدِيثِهِ وَقَرَأَ قَتَادَةُ {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجَاً وَذُرّيّةً}. قال: وفي البابِ عَنْ سَعْد وأَنَسِ بنِ مَالِكٍ وعَائِشَةَ وابنِ عَبّاسٍ. قال أبو عيسى: حدِيثُ سَمُرَةَ حدِيثٌ حسنٌ غرِيبٌ. وَرَوَى الأشْعَثُ بنُ عَبْدِ المْلِكِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْحَسَنِ. عَنْ سَعْدِ بنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ. وَيُقَالُ: كِلاَ الْحَدِيِثَيْنِ صَحْيحٌ. 1077- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلي الخَلاّلُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا: أخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ. أخبرنا مَعْمَرٌ عنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَعِيدِ بنِ الْمُسَيّبِ، عن سَعْد بن أبي وَقّاصٍ قالَ: "رَدّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى عُثمَانَ بنِ مَظْعُونٍ التّبَتّلَ. ولوْ أَذِنَ لَهُ لاَخْتَصَيْنَا". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل) أي لم يأذن له حين استأذنه بل نهاه عنه. قال النووي: وهذا عند أصحابنا محمول على من تاقت نفسه ووجد مؤنه (ولو أذن له لاختصينا) أي لجعل كل منا نفسه خصياً كيلا يحتاج إلى النساء. قال الطيبي كان الظاهر أن يقول: ولو أذن له لتبتلنا. ولكنه عدل عن هذا الظاهر إلى قوله: لاختصينا لإرادة المبالغة. أي لبالغنا في التبتل حتى يفضي بنا الاختصاء. ولم يرد به حقيقة الاختصاء لأنه حرام. وقيل بل هو على ظاهره، وكان ذلك قبل النهي عن الاختصاء. ويؤيده توارد استيذان جماعة من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كأبي هريرة وابن مسعود وغيرهما كذا في فتح الباري. قال النووي وهذا محمول على أنهم كانوا يظنون جواز الاختصاء باجتهادهم، ولم يكن ظنهم هذا موافقاً فإن الاختصاء في الاَدمي حرام صغيراً كان أو كبيراً. قال البغوي: وكذا يحرم خصاء كل حيوان لا يؤكل، وأما المأكول فيجوز خصاؤه في صغره ويحرم في كبره انتهى. قلت يدل على عدم جواز خصاء البهائم مطلقاً صغيرة كانت أو كبيرة مأكولة كانت أو غير مأكولة ما أخرجه البزار قال الشوكاني في النيل بإسناد صحيح من حديث ابن عباس: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صبر الروح، وعن إخصاء البهائم نهياً شديداً. وأخرجه أيضاً البيهقي في سننه الكبرى. ويؤيد هذا الحديث مارواه أحمد والطحاوي بإسناد ضعيف عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إخصاء الخيل والبهائم، ثم قال ابن عمر: فيها نماء الخلق قال الشوكاني في النيل تحت هذا الحديث فيه دليل على تحريم خصي الحيوانات. وقول ابن عمر: فيها نماء الخلق أي زيادته إشارة إلى أن الخصي تنمو به الحيوانات، ولكن ليس كل ما كان جالباً لنفع يكون حلالاً، بل لا بد من عدم المانع وإيلام الحيوان، ههنا مانع لأنه ايلام لم يأذن به الشارع بل نهى عنه انتهى كلام الشوكاني. وقد استدل بعض الصحابة والتابعين على عدم جواز إخصاء البهائم بقوله تعالى: {ولأضلنهم ولأمنينهم ولاَمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولاَمرتهم فليغيرن خلق الله} قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: {ولاَمرنهم فليغيرن خلق الله} قال ابن عباس يعني بذلك خص الدواب وكذا روى عن ابن عمر وأنس وسعيد بن المسيب وعكرمة وأبي عياض وقتادة وأبي صالح والثوري. وقد ورد في حديث النهي عن ذلك انتهى. وقيل المراد بتغيير خلق الله في هذه الأية تغيير دين الله ففي تفسير ابن كثير: وقال ابن عباس في رواية عنه ومجاهد وعكرمة وإبراهيم النخعي، والحسن وقتادة والحكم والسدى والضحاك وعطاء الخراساني: {ولاَمرنهم فليغيرن خلق الله} يعني دين الله عز وجل وهذا كقوله تعالى: {أقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله} على قول من جعل ذلك أمراً أي لا تبدلوا فطرة الله ودعوا الناس إلى فطرتهم انتهى. قلت: لو تأملت وتدبرت في الاَيتين ظهر لك أن المراد بتغيير خلق الله في الاَية الأولى هو تغيير الصورة وأن المراد بتبديل خلق الله في الاَية الثانية هو تبديل دين الله. ويدل على أن المراد بتغيير خلق الله في الاَية الأولى هو تغيير الصورة ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود: قال لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن. المغيرات خلق الله الحديث. وقد استدل من قال بجواز إخصاء البهائم بما ورد من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين موجوئين. قالوا: لو كان إخصاء الحيوان المأكول حراماً. لما ضحى بالكبش الموجوء البتة. وفي هذا الاستدلال نظر كما لا يخفى على المتأمل. وقد بسطت الكلام في هذه المسألة في رسالتي إرشاد الهائم إلى حكم إخصاء البهائم. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان. قوله: (نهى عن التبتل) قال الجزري في النهاية: التبتل الانقطاع عن النساء. وترك النكاح. وامرأة بتول منقطعة عن الرجال لا شهوة لها فيهم. وبها سميت مريم أم المسيح عليهما السلام. وسمت الفاطمة البتول لانقاعها عن نساء زمانها فضلاً وديناً وحسباً. وقيل لانقطاعها عن الدنيا إلى الله تعالى انتهى. قوله: (ولقد أرسلنا رسلنا من قبلك الخ) يعني أن النكاح من سنة المرسلين فلا ينبغي تركها أصلاً. وقد استدلت عائشة بهذه الاَية على منع التبتل روى النسائي عن سعد بن هشام: أنه دخل على أم المؤمنين عائشة قال قلت إني أريد أن أسألك عن التبتل فما ترين فيه؟ قالت فلا تفعل. أما سمعت الله عز وجل يقول (ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية) فلا تبتل. قوله: (وفي الباب عن سعد) بن أبي وقاص أخرجه الطبراني وفيه: أن الله أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة. كذا في النيل (وأنس بن مالك) أخرجه أحمد بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهياً شديداً. ويقول تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة. وأخرجه أيضاً ابن حبان وصححه وذكره في مجمع الزوائد في موضعين، وحسن إسناده في أحدهما كذا في النيل (وعائشة) أخرجه النسائي بلفظ حديث الباب (وابن عباس) أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم والطبراني مرفوعاً بلفظ: لا صرورة في الإسلام. قال الحافظ في التلخيص: وهو من رواية عطاء عن عكرمة عنه. ولم يقع منسوباً فقال ابن طاهر هو ابن وزار وهو ضعيف لكن في رواية الطبراني ابن أبي الخوار وهو موثق انتهى. قوله: (حديث سمرة حديث حسن غريب) فيه أن في سماع الحسن عن سمرة خلافاً مشهوراً.
1078- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا عَبْدُ الحَمِيدِ بنُ سُلَيمانَ عن ابنِ عَجْلاَنَ، عَنِ ابنِ وَثِيمَةَ النّصْرِيّ، عن أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا خَطَبَ إلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ، فَزَوّجُوهُ. إلاّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرْضِ وفَسَادٌ عرِيضٌ". قال وفي البابِ عَنْ أبي حَاتِم المُزَنِيّ وَعَائِشَةَ. قال أبو عيسى: حديثُ أبي هُرَيْرَةَ، قَدْ خُولِفَ عبْدُ الحَمِيدِ بنُ سُلَيمانَ في هذا الحديثِ، فَرَوَاهُ اللّيْثُ بنُ سَعْدٍ عَنْ ابنِ عَجْلاَنَ. عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم، مُرْسَلاً. قال أبو عيسى: قالَ مُحَمّد: وحديثُ اللّيْثُ أشبَهُ. وَلَمْ يَعُدّ حديثَ عبْدِ الحَمِيدِ مَحْفُوظاً. 1079- حدثنا مُحَمّدُ بنُ عَمْوو السّواق البلخي حدثنا حَاتِمُ بنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ الله بنِ مُسْلِمِ بنِ هرْمُزَ، عَنْ مُحَمّدٍ وَسَعِيدِ ابْنٍى عبَيْدُ عَنْ أبي حَاتِمٍ المُزَنِيّ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوُهُ، إلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرْضِ وَفَسَادٌ". قَالُوا يا رسولَ الله وَإنْ كانَ فيهِ؟ قالَ: "إذَا جَاءكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فأنْكحِوهُ "ثَلاَثَ مَرّاتٍ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وأبُو حاتم المُزَنيّ لَهُ صُحْبَةٌ. وَلاَ نَعْرِفُ لَهُ عَنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ هذَا الحدْيثَ. قوله: (حدثنا عبد الحميد بن سليمان) الخزاعي أبو عمر المدني نزيل بغداد ضعيف من الثامنة (عن ابن وثيمة) بفتح واو وكسر مثلثة وسكون ياه اسمه زفر الدمشقي مقبول من الثالثة قوله: (إذا خطب إليكم) أي طلب منكم أن تزوجوه امرأة من أولادكم وأقاربكم (من ترضون) أي تستحسنون (دينه) أي ديانته (وخلقه) أي معاشرته (فزوجوه) أي إياها (إلا تفعلوا) أي إن لم تزوجوا من ترضون دينه وخلقه وترغبوا في مجرد الحسب والجمال أو المال (وفساد عريض) أي ذو عرض أي كبير، وذلك لأنكم إن لم تزوجوها إلا من ذي مال أو جاه، ربما يبقى أكثر نسائكم بلا أزواج، وأكثر رجالكم بلا نساء، فيكثر الافتتان بالزنا، وربما يلحق الأولياء عار فتهيج الفتن والفساد، ويترتب عليه قطع النسب وقلة الصلاح والعفة. قال الطيبي: وفي الحديث دليل لمالك، فإنه يقول لا يراعى في الكفاءة إلا الدين وحده. ومذهب الجمهور: أنه يراعى أربعة أشياء الدين والحرية والنسب والصنعة، فلا تزوج المسلمة من كافر، ولا الصالحة من فاسق، ولا الحرة من عبد، ولا المشهورة النسب من الخامل، ولا بنت تاجر أو من له حرفة طيبة ممن له حرفة خبيثة أو مكروهة، فإن رضيت المرأة أو وليها بغير كفء صح النكاح كذا في المرقاة. قوله: (وفي الباب عن أبي حاتم المزني) أخرجه الترمذي (وعائشة) أي أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وكان ممن شهد بدراً مع النبي صلى الله عليه وسلم تبنى سالماً وأنكحه ابنة أخيه الوليد بن عتبة بن ربيعة، وهو مولى امرأة من الأنصار. وأخرجه البخاري والنسائي وأبو داود. قوله: (مرسلاً) أي منقطعاً بعدم ذكر ابن وثيمة قوله: (ولم يعد حديث عبد الحميد محفوظاً) لأنه ضعيف، وأما الليث بن سعد ثقة ثبت. قوله: (وإن كان فيه) أي شيء من قلة المال أو عدم الكفاءة. قوله: (هذا حديث حسن غريب) في سنده عبد الله بن مسلم بن هرمز وهو ضعيف، إلا أنه قد تأيد بحديث أبي هريرة المذكور قبله. قوله: (وأبو حاتم المزني له صحة) وقيل لا صحبة له كذا في التقريب.
1080- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مُحَمّدٍ بنِ مُوسَى. أخبرنا إسْحَاقُ بنُ يُوسُفَ الأزْرَقُ. أخبرنا عَبْدُ الْملكِبن أبي سليمان عَنْ عَطَاءِ، عَنْ جَابِرٍ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إنّ الْمَرْأةَ تُنْكَحُ عَلَى ديِنهَا ومَالِهَا وجَمَالِهَا. فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدّينِ. تَرِبَتْ يَدَاكَ". قال: وفي البابِ عَنْ عَوفِ بنِ مَالِكٍ وعَائِشَةَ وعَبْدِ الله بنِ عَمْرِو وأبي سَعِيدٍ. قال أبو عيسى: حديثُ جابرٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (تنكح) بصيغة المجهول (على دينها) أي لأجل دينها فعلى بمعنى اللام لما في الصحيحين: تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها. الحديث (فعليك بذات الدين) قال القاضي رحمه الله: من عادة الناس أن يرغبوا في النساء ويختاروها لإحدى الخصال، واللائق بذوى المروءات وأرباب الديانات أن يكون الدين مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون، لا سيما فيما يدوم أمره ويعظم خطره انتهى. وقد وقع في حديث عبد الله بن عمر وعند ابن ماجه والبزار والبيهقي رفعه: لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين. ولأمة سوداء ذات دين أفضل. (تربت يداك) قال الجزري في النهاية يقال ترب الرجل إذا افتقر أي لصق بالتراب وأترب إذا استغنى وهذه الكلمة جارية على ألسنة العرب، لا يريدون بها الدعاء على المخاطب، ولا وقوع الأمر به. قال وكثيراً ترد للعرب ألفاظاً ظاهرها الذم، وإنما يريدون بها المدح كقولهم: لا أب لك، ولا أم لك، ولا أرض لك. ونحو ذلك انتهى. قوله: (وفي الباب عن عوف بن مالك وعائشة) لينظر من أخرج حديثهما (وعبد الله بن عمرو) أخرجه ابن ماجه وتقدم لفظه وأخرجه أيضاً البزار والبيهقي (وأبي سعيد) أخرجه الحاكم وابن حبان بلفظ تنكح المرأة على إحدى ثلاث خصال: جمالها ودينها وخلقها فعليك بذات الدين والخلق. قوله: (حديث جابر حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم.
1081- حدثنا أحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ. حدثنا ابنُ أبي زَائِدَةَ قال: حدّثَني عَاصِمٍ بنُ سُلَيمانَ (هو الأحول) عَنْ بَكْرِ بنِ عَبْدِ الله الْمُزْنّي، عَنِ الْمُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ أَنّهُ خَطَبَ امْرَأَةً، فقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أنْظُرْ إِلَيْهَا فإِنّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا". وفي البابِ عَنْ مُحَمّدِ بنِ مَسْلَمةَ وَجَابِرٍ وأَنَس وأبي حُميْدٍ وأبي هُرَيْرَةَ. قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ. وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلى هذَا الْحَدِيثِ، وَقالُوا: لاَ بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا مَا لَمْ يَرَ مِنْهَا مُحَرّماً. وهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وإسْحَاقَ. ومَعْنَى قَوْلِهِ (أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا) قالَ: أَحْرَى أَنْ تَدُومَ الْمَوَدّةُ بَيْنَكُمَا. قوله: (فإنه) أي النظر إليها (أحرى) أي أجدر وأولى والنسب (أن يؤدم بينكما) أي بأن يؤلف ويوفق بينكما، قال ابن الملك: يقال أدم الله بينكما يأدم أي أدما بالسكون أصلح وألف، وكذا آدم في الفائق الأدم والإيدام الإصلاح والتوفيق من أدم الطعام وهو إصلاحه بالإدام، وجعله موافقاً للطاعم. والتقدير يؤدم به. فالجار والمجرور أقيم مقام الفاعل ثم حذف أو نزل المتعدي منزلة اللازم، أي يوقع الأدم بينكما يعني يكون بينكما الألفة والمحبة، لأن تزوجها إذا كان بعد معرفة فلا يكون بعدها غالباً ندامة. وقيل بينكما نائب الفاعل كقوله تعالى (تقطع بينكم) بالرفع كذا في المرقاة. قوله: (وفي الباب عن محمد بن مسلمة) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا ألقى الله عز وجل في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها". أخرجه أحمد وابن ماجه. وأخرجه أيضاً ابن حبان والحاكم وصححاه وسكت عنه الحافظ في التلخيص (وجابر) قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا خطب أحدكم المرأة فقدر أن يرى منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل". أخرجه أحمد وأبو داود (وأنس). أخرجه ابن حبان والدارقطني والحاكم وأبو عوانة وصححوه وهو مثل حديث المغيرة (وأبي حميد) أخرجه أحمد مرفوعاً: إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر منها، إذا كان إنما ينظر إليها لخطبة، وإن كانت لا تعلم. وأخرجه أيضاً الطبراني والبزار، وأورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه، وقال في مجمع الزوائد: رجال أحمد رجال الصحيح (وأبي هريرة) قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنظرت إليها؟" قال لا. قال "فاذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئاً". أخرجه مسلم وأحمد والنسائي قوله: (هذا حديث حسن) أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه والدارمي وابن حبان وصححه. قوله: (وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث وقالوا لا بأس أن ينظر إليها الخ) قال النووي في شرح مسلم تحت حديث أبي هريرة: فيه استحباب النظر إلى من يريد تزوجها. وهو مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة وسائر الكوفيين، وأحمد وجماهير العلماء. وحكى القاضي عن قوم كراهته، وهذا مخالف لصريح هذا الحديث ومخالف لإجماع الأمة على جواز النظر للحاجة عند البيع والشراء والشهادة. ثم إنه إنما يباح له النظر إلى وجهها وكفيها فقط لأنهما ليسا بعورة، ولأنه يستدل بالوجه على الجمال، وبالكفين على خصوبة البدن أو عدمها. هذا مذهبنا ومذهب الأكثرين، وقال الأوزاعي: ينظر إلى مواضع اللحم. وقال داود: ينظر إلى جميع بدنها. وهذا خطأ ظاهر تنابذ لأصول السنة والإجماع، ثم مذهبنا ومذهب مالك وأحمد والجمهور أنه لا يشترط في جواز النظر رضاها بل له ذلك في غفلتها، ومن غير نقدم إعلام. لكن قال مالك: أكره نظره في غفلتها مخافة من وقوع نظره على عورة. وعن مالك رواية ضعيفة: أنه لا ينظر إليها إلا بإذنها، وهذا ضعيف لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن في ذلك مطلقاً ولم يشترط استيذانها، ولأنها نستحي غالباً من الإذن انتهى كلام النووي. قوله: (قال أحرى أن تدوم المحبة بينكما) قال في النهاية: أحرى أن يؤدم بينكما المحبة والاتفاق يقال أدم الله بينكما يأدم ادما بالسكون أي ألف ووفق وكذلك آدم يودم بالمد انتهى.
1082- حدثنا أحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ. حدثنا هُشَيمٌ. أخبرنا أَبُو بَلْجٍ عنْ مُحَمّدِ بنِ حَاطِبٍ الْجُمَحِيّ. قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَرَامِ والْحَلاَلِ الدّفّ والصّوْتُ". قال: وفي البابِ عنْ عَائِشَةَ وجَابِرٍ والرّبَيّعِ بِنْتِ مُعَوّذٍ. قال أبو عيسى: حدِيثُ مُحَمّدِ بنِ حَاطِبٍ حديثٌ حسنٌ. وأبُو بَلْجٍ اسْمُهُ يَحْيَى بنُ أبي سُلَيمٍ، ويُقَالُ ابنُ سُلَيمِ أيْضاً. ومُحَمّدُ بنُ حَاطِبٍ قَدْ رَأى النبيّ صلى الله عليه وسلم وهُوَ غُلاَمٌ صَغِيرٌ. 1083- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ. حدثنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ. أخبرنا عيسَى بنُ مَيْمُونٍ الأنصاري عنِ الْقَاسِمِ بنِ مُحَمّد، عنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَعْلِنُوا هذَا النّكَاحَ واجْعَلُوهُ في المَسَاجِدِ، واضْرِبُوا عَليْهِ بِالدّفُوفِ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ غريب حسنٌ فِي هذَا الْبَابِ. وعيسى بنُ مَيْمُونٍ الأنْصَارِيّ يُضَعّفُ فِي الْحَدِيثِ. وَعيسَى بنُ مَيْمُونٍ الذي يَرْوِي عنِ ابنِ أبي نَجِيحٍ التّفْسِيرَ هُوَ ثِقَة. 1084- حدثنا حُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ الْبَصْرِيّ حدثنا بِشْرُ بنُ المُفَضّلِ. حدثنا خَالِدُ بنُ ذَكْوَانَ، عنِ الرّبَيّعِ بِنْتِ مُعَوّذٍ قالَتْ: جَاءَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ عَلَيّ غَدَاةَ بنيَ بِي. فَجَلَسَ عَلَى فِراشِي كَمَجْلِسِكَ مِنّي، وَجُوَيْرِيَاتٌ لَنَا يَضْرِ بْنَ بِدُفُوِ فِهِنّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبائِي يَوْمَ بَدْرٍ. إلَى أَنْ قالَتْ إِحْدَاهُنّ: (وَفِينَا نَبيّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ) فقَالَ لهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُسْكُتِي عَنْ هذِهِ، وَقُولِي الذي كُنْتِ تَقُولِينَ قَبْلَهَا". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (حدثنا هشيم) بالتصغير ابن بشير بوزن عظيم، ابن القاسم بن دينار السلمى أبو معاوية الواسطي ثقة ثبت كثير التدليس والإرسال (أخبرنا أبو بلج) بفتح الموحدة وسكون اللام بعدها جيم الكوفي ثم الواسطي، صدوق ربما أخطأ من الخامسة وهو أبو بلج الكبير (الجمحى) بضم الجيم وفتح الميم وبالحاء المهملة منسوب إلى جمح بن عمرو كذا في المغنى. قوله: (وفصل ما بين الحلال والحرام) أي فرق ما بينهما (الصوت) قال الجزري في النهاية: يريد إعلان النكاح وذلك بالصوت والذكر به في الناس يقال له صوت وصيت انتهى. (والدف) بضم الدال وفتحها، قال القاري في المرقاة: الصوت أي الذكر والتشهير، والدف أي ضربه فإنه يتم به الإعلان. قال ابن الملك: ليس المراد أن لا فرق بين الحلال والحرام في النكاح إلا هذا الأمر، فإن الفرق يحصل بحضور الشهود عند العقد بل المراد الترغيب إلى إعلان أمر النكاح بحيث لا يخفى على الأباعد. فالسنة إعلان النكاح بضرب الدف وأصوات الحاضرين بالتهنئة أو النغمة في إنشاء الشعر المباح. وفي شرح السنة معناه: إعلان النكاح واضطراب الصوت به، والذكر في الناس كما يقال: فلان ذهب صوته في الناس. وبعض الناس يذهب به إلى السماع وهذا خطأ يعني السماع المتعارف بين الناس الاَن انتهى كلام القاري. قلت: الظاهر عندي والله تعالى اعلم أن المراد بالصوت ههنا الغناء المباح، فإن الغناء المباح بالدف جائز في العرس، يدل عليه حديث الربيع بنت معوذ الاَتي في هذا الباب، وهو حديث صحيح أخرجه البخاري وفيه: فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف، ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر. قال المهلب: في هذا الحديث إعلان النكاح بالدف والغناء المباح انتهى. وروى البخاري في صحيحه عن عائشة أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة ما كان معكم لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو". قال الحافظ في رواية شريك: فقال فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني. وأخرج النسائي من طريق عامر بن سعد عن قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاريين قال: إنه رخص لنا في اللهو عند العرس الحديث، وصححه الحاكم. وللطبراني من حديث السائب بن يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: وقيل له أترخص في هذا؟ قال "نعم إنه نكاح لاسفاح، أشيدوا النكاح انتهى". قوله: (حديث محمد بن حاطب حديث حسن) أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم قوله: (أعلنوا هذا النكاح) أي بالبينة فالأمر للوجوب أو بالإظهار والاشتهار فالأمر للاستحباب كما في قوله (واجعلوه في المساجد) وهو إما لأنه أدعى للإعلان أو لحصول بركة المكان (واضربوا عليه) أي على النكاح (بالدفوف) لكن خارج المسجد. وقال الفقهاء: المراد بالدف ما لا جلاجل له. كذا ذكره ابن الهمام قال الحافظ: واستدل بقوله "واضربوا" على أن ذلك لا يختص بالنساء لكنه ضعيف، والأحاديث القوية فيها الإذن في ذلك للنساء فلا يلتحق بهن الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن انتهى. قلت: وكذلك الغناء المباح في العرس مختص بالنساء فلا يجوز للرجال. قوله (هذا حديث حسن غريب) كذا في النسخ الحاضرة وأورد هذا الحديث الشيخ ولي الدين في المشكاة وقال رواه الترمذي، وقال هذا حديث غريب ولم يذكر لفظ حسن. وكذلك أورد الشوكاني هذا الحديث في النيل. وقال قال الترمذي هذا حديث غريب ولم يذكر هو أيضاً لفظ حسن، فالظاهر أن النسخة التي كانت عند صاحب المشكاة وعند الشوكاني هي الصحيحة، ويدل على صحتها تضعيف الترمذي عيسى بن ميمون أحد رواة هذا الحديث. وقد صرح الحافظ في الفتح بضعف هذا الحديث والله تعالى أعلم. وأخرج ابن ماجه هذا الحديث بلفظ: اعلنوا هذا النكاح واضربوا عليه بالغربال. وفي سنده خالد بن إلياس وهو متروك. وأخرجه من حديث عبد الله بن الزبير أحمد وصححه ابن حبان والحاكم بلفظ: أعلنوا النكاح وليس فيه: واضربوا عليه بالدفوف. قوله: (وعيسى بن ميمون الأنصارى يضعف في الحديث) عيسى بن ميمون هذا هو مولى القاسم بن محمد يعرف بالواسطي. قال البخاري منكر الحديث، وقال ابن حبان يروي أحاديث كلها موضوعات (وعيسى بن ميمون الذي يروي عن أبي نجيح التفسير هو ثقة) قال الحافظ في تهذيب التهذيب: عيسى بن ميمون الجرشي المكي أبو موسى المعروف بإبن داية وهو صاحب التفسير، وروى عن مجاهد وابن أبي نجيح، وعنه السفيانان وغيرهما. قال الدورى عن ابن معين ليس به بأس. وقال ابن المديني ثقة كان سفيان يقدمه على ورقاء. وقال الساجي ثقة. ووثقه أيضاً الترمذي وأبو أحمد الحاكم والدارقطني وغيرهم انتهى مختصراً. قوله: (عن الربيع) بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد الياء المكسورة (بنت معوذ) بكسر الواو المشددة (غداة بني) بصيغة المجهول (بي) وفي رواية الشيخين: على أي سلمت وزففت إلى زوجي والبناء الدخول بالزوجة، وبين ابن سعد أنها تزوجت حينئذ إياس بن البكير الليثي وأنها ولدت له محمد بن إياس قيل له صحبة (كمجلسك منى) بكسر اللام أي مكانك خطاب لمن يروي الحديث عنها وهو خالد بن ذكوان، قال الحافظ في الفتح. قال الكرماني هو محمول على أن ذلك كان من وراء حجاب، أو كان قبل نزول آية الحجاب، أو جاز النظر للحاجة، أو عند الأمن من الفتنة انتهى. قال الحافظ والأخير هو المعتمد. والذي وضح لنا بالأدلة القوية أن من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم جواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها. وهو الجواب الصحيح عن قصة أم حرام بنت ملحان في دخوله عليها ونومه عندها وتفليتها رأسه، ولم يكن بينهما محرمية ولا زوجية انتهى كلام الحافظ واعترض القاري في المرقاة على كلام الحافظ هذا فقال: هذا غريب فإن الحديث لا دلالة فيه على كشف وجهها، ولا على الخلوة بها، بل ينافيها مقام الزفاف، وكذا قولها فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف الخ. قلت لو ثبت بالأدلة القوية أن من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم جواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها لحصل الجواب بلا تكلف، ولكان شافياً وكافياً. ولكن لم يذكر الحافظ تلك الأدلة ههنا (وجويريات) بالتصغير قيل المراد بهن بنات الأنصار دون المملوكات (يضربن بدفهن) بضم الدال ويفتح، قيل تلك البنات لم تكن بالغات حد الشهوة، وكان دفهن غير مصحوب بالجلاجل (ويندبن) بضم الدال من الندبة بضم النون. وهي ذكر أوصاف الميت بالثناء عليه، وتعديد محاسنه بالكرم والشجاعة ونحوها. قوله: (من قتل من أبائي يوم بدر) قال الحافظ: إن الذي قتل من آبائها إنما قتل بأحد، وآباؤها الذين شهدوا بدراً معوذ ومعاذ وعوف واحدهم أبوها وآخران عماها أطلقت الأبوة عليهما تغليباً، (أسكتى عن هذه) أي عن هذه المقالة وفي رواية البخاري دعى هذه أي اتركي ما يتعلق بمدحى الذي فيه الإطراء المنهي عنه. زاد في رواية حماد بن سلمة: لا يعلم ما في غد إلا الله. فأشار إلى علة المنع (وقولي التي كنت تقولين قبلها) فيه جواز سماع المدح والمرثية مما ليس فيه مبالغة تفضي إلى الغلو. قاله الحافظ. قال القاري في المرقاة وإنما منع القائلة بقولها وفينا نبي الخ. لكراهة نسبة علم الغيب إليه لأنه لا يعلم الغيب إلا الله، وإنما يعلم الرسول من الغيب ما أخبره. أو لكراهة أن يذكر في أثناء ضرب الدف وأثناء مرثية القتلى لعلو منصبه عن ذلك انتهى قلت المعتمد هو الأول لما ورد به التصريح في رواية حماد بن سلمة كما مر آنفاً قوله: (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري.
(باب فيما يقال للمتزوج) أي من الدعاء. 1085- حدثنا قُتَيْبَةَ حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بنُ مُحَمّدٍ عنْ سُهَيْلِ بنِ أبي صَالِحٍ، عنْ أبيهِ، عنْ أبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ إِذَا رَفّأَ الإنْسَانَ، إذَا تَزَوّجَ قالَ: "بَارَكَ الله وبَارَكَ عَلَيْكَ. وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا في الْخَيْرِ" قال: وفي البابِ عنْ علي بنِ أبي طَالِب. قال أبو عيسى: حَدِيثُ أبِي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (كان إذا رفأ الإنسان) بفتح الراء وتشديد الفاء مهموز معناه دعا له. قاله الحافظ في الفتح. وفي القاموس: رفأه ترفئة وترفيا قال له: بالرفاه والبنين أي بالالتئام وجمع الشمل انتهى. وذلك لأن الترفئة في الأصل الالتئام يقال رفأ الثوب لأم خرقه، وضم بعضه إلى بعض. وكانت هذه ترفئة الجاهلية ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأرشد إلى ما في حديث الباب. فروى بقي بن مخلد عن رجل من بني تميم قال: كنا نقول في الجاهلية بالرفاه والبنين، فلما جاء الاسلام علمنا نبينا قال: قولوا بارك الله لكم وبارك فيكم وبارك عليكم. وأخرجه النسائي والطبراني عن عقيل بن أبي طالب: أنه قدم البصرة فتزوج امرأة فقالوا له بالرفاه والبنين فقال لا تقولوا هكذا، وقولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم بارك لهم وبارك عليهم". ورجاله ثقات (قال بارك الله وبارك عليك) وفي رواية غير الترمذي: بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير. قوله: (وفي الباب عن عقيل بن أبي طالب) أنه تزوج امرأة من بني جشم فقالوا بالرفاه والبنين. فقال: لا تقولوا هكذا ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم بارك لهم وبارك عليهم. أخرجه النسائي وابن ماجه وأحمد بمعناه وفي رواية له: لا تقولوا ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن ذلك قولوا بارك الله فيك وبارك لك فيها. وأخرجه أيضاً أبو يعلى والطبراني وهو من رواية الحسن عن عقيل قال في الفتح: ورجاله ثقات إلا أن الحسن لم يسمع من عقيل. قوله: (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) أخرجه أصحاب السنن وابن حبان والحاكم قاله الحافظ في الفتح.
1086- حدثنا ابنُ أبِي عُمَرَ حدثنا سُفْيانُ بنُ عُيَيْنَةَ عنْ مَنْصُورِ، عنْ سَالِمِ بنِ أبي الجَعْدِ، عنْ كُرَيْبٍ، عنِ ابنِ عبّاسٍ قالَ: قالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لوْ أنّ أَحَدَكمْ، إذَا أتَى أهْلَهُ، قالَ: بِسْمِ الله اللّهُمّ جَنّبْنَا الشّيْطَانَ وَجَنّبِ الشيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا فإنْ قَضَى الله بَيْنَهُمَا وَلَداً لَمْ يَضُرّهُ الشّيْطانُ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (إذا أتى أهله) أي جامع امرأته أو جاريته. والمعنى: إذا أراد أن يجامع فيكون القول قبل الشروع، وفي روايته لأبي داود: إذا أراد أن يأتي أهله. وهي مفسرة لغيرها من الروايات التي تدل بظاهرها على أن القول يكون مع الفعل فهي محمولة على المجاز كقوله تعالى (وإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) أي إذا أردت القراءة (جنبنا) أي بعدنا (الشيطان) مفعول ثان (ما رزقتنا) من الولد (لم يضره الشيطان) أي لم يسلط عليه بحيث لا يكون له عمل صالح. وإلا فكل مولود يمسه الشيطان إلا مريم وابنها، ولا بد له من وسوسة لكن كان ممن ليس له عليهم سلطان. قاله في المجمع. قلت وقد وقع في رواية لمسلم وأحمد: لم يسلط عليه الشيطان. وقد وقع في رواية للبخاري: لم يضره شيطان أبداً قال الحافظ في الفتح: واختلف في الضرر المنفي بعد الاتفاق على عدم الحمل على العموم في أنواع الضرر، على ما نقل القاضي عياض. وإن كان ظاهراً في الحمل على عموم الأحوال من صيغة النفي مع التأييد. وكان سبب ذلك الاتفاق ما ثبت في الصحيح: إن كل بني آدم يطعن الشيطان في بطنه حين يولد، إلا من استثنى. فإن هذا الطعن نوع من الضرر ثم اختلفوا، فقيل المعنى لم يسلط عليه من أجل بركة التسمية، بل يكون من جملة العباد الذين قيل فيهم (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) وقيل المراد لم يصرعه، وقيل لم يضره في بدنه. وقال الداودي: معنى لم يضره أي لم يفتنه عن دينه إلى الكفر وليس المراد عصمته منه عن المعصية انتهى كلام الحافظ مختصراً. وقد ذكر أقوالاً أخر من شاء الاطلاع عليه فليرجع إلى الفتح قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا النسائي كذا في المنتقى.
1087- حدثنا محمد بن بشار حدثنا يَحْيَى بنُ سَعيِدٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عنْ إسْمَاعِيلَ بنِ أُمَيّةَ، عنْ عَبْدِ الله بنِ عُرْوَةَ، عنْ عُرْوَةَ، عنْ عَائِشَةَ قالَتْ: "تَزَوّجَنِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في شَوّالٍ، وَبَنَى بِي في شَوّالٍ". وكانَتْ عائِشَةُ تَسْتَحِبُ أنْ يُبْنَى بِنِسَائِها في شَوّالٍ. قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حديث الثّوْرِيّ عَنْ إسْمَاعِيلِ بن أمية. قوله: (بنى بي) أي دخل معي وزف بي. قال في النهاية: الابتناء والبناء الدخول بالزوجة. والأصل فيه أن الرجل كان إذا تزوج امرأة بنى عليها قبة ليدخل بها فيها. فيقال بنى الرجل على أهله. قال الجوهري: ولا يقال بنى بأهله. وهذا القول فيه نظر، فإنه قد جاء في غير موضع من الحديث وغير الحديث. وعاد الجوهري فاستعمله في كتابه انتهى (وبنى بي في شوال) زاد مسلم في روايته فأي نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحظى عنده مني (وكانت عائشة تستحب أن يبني بنائها في شوال) ضمير نسائها يرجع إلى عائشة. قال النووي: فيه استحباب التزويج والتزوج والدخول في شوال، وقد نص أصحابنا على استحبابه، واستدلوا بهذا الحديث: وقصدت عائشة بهذا الكلام رد ما كانت الجاهلية عليه وما يتخيله بعض العوام اليوم من كراهة التزوج والتزويج والدخول في شوال. وهذا باطل لا أصل له وهو من آثار الجاهلية، كانوا يتطيرون بذلك لما في اسم شوال من الإشالة والرفع انتهى. وقال القاري: قيل إنما قالت هذا رداً على أهل الجاهلية فإنهم كانوا لا يرون يمناً في التزوج والعرس في أشهر الحج انتهى، قوله: (هذا حديث حسن) ورواه أحمد ومسلم والنسائي.
(باب ما جاء في الوليمة) قال العلماء من أهل اللغة والفقهاء وغيرهم: الوليمة الطعام المتخذ للعرس مشتقة من الولم وهو الجمع، لأن الزوجين يجتمعان. قاله الأزهري وغيره وقال الأنباري أصلها تمام الشيء واجتماعه والفعل منها أو لم قاله النووي واعلم أن العلماء ذكروا أن الضيافات ثمانية أنواع: الوليمة للعرس. والخرس بضم الخاء المعجمة ويقال بالصاد المهملة أيضاً للولادة والأعذار بكسر الهمزة وبالعين المهملة والذال المعجمة للختان. والوكيرة للبناء. والنقيعة لقدوم المسافر، مأخوذة من النقع وهو الغبار ثم قيل إن المسافر يصنع الطعام وقيل يصنعه غيره له والعقيقة يوم سابع الولادة. والوضيمة بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة، الطعام عند المصيبة. والمأدبة بضم الدال وفتحها، الطعام المتخذ ضيافة بلا سبب. والوضيمة من هذه الأنواع الثمانية ليست بجائرة بل هي حرام. وقال الحافظ في الفتح وقد فاتهم ذكر الحذاق بكسر المهملة وتخفيف الذال المعجمة وآخره قاف الطعام الذي يتخذ عند حذق الصبي ذكره ابن الصباغ في الشامل. وقال ابن الرفعة هو الذي يصنع عند الختم أي ختم القرآن كذا قيده. ويحتمل ختم قدر مقصود منه، ويحتمل أن يطرد ذلك في حذقه لكل صناعة قال وروى أبو الشيخ والطبراني في الأواسط عن أبي هريرة رفعه: الوليمة حق وسنة الحديث. وفي آخره قال: والخرس والاعذار والتوكير أنت فيه بالخيار. وفيه تفسير ذلك، وظاهر سياقه الرفع، ويحتمل الوقف. وفي مسند أحمد من حديث عثمان بن أبي العاص في وليمة الختان: لم يكن يدعى لها انتهى 1088- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ ثَابِتٍ، عنْ أَنَسٍ أَنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رَأَى عَلَى عَبْدِ الرّحْمَن بنِ عَوْفٍ أثَرَ صفْرَةٍ. فقَالَ "مَا هذا؟" فقَالَ: إني تَزَوّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. فقَالَ "بَارَكَ الله لَكَ. أَوْ لِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ". قال: وفي البابِ عِنْ ابنِ مَسْعُودٍ وعَائِشَةَ وَجَابِرٍ وزُهَيْرِ بنِ عُثمانَ. قال أبو عيسى: حدِيثُ أَنَسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقالَ أحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: وَزْنُ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ: وَزْنُ ثَلاَثَةِ دَرَاهمَ وثُلُثٍ. وقالَ إسْحَاقُ: هُوَ وَزْنُ خَمْسَة دَرَاهمَ وثُلُثٍ. 1089- حدثنا ابنُ أبي عُمرَ: حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن وَائِلِ بنِ دَاوُدَ عن أبيه، عن الزُهْرِيّ، عنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ: "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أوْ لَمْ عَلَى صَفِيّةَ بِنْتَ حُيَي بِسَوِيِقٍ وتمْرٍ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. 1090- حدثنا مُحَمّدُ بنُ يَحْيَى. حدثنا الحُمَيْديّ، عنْ سُفْيَانَ، نَحْوَ هذا. وقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ هذا الحَدِيثَ عنِ ابنِ عُيَيْنَةَ، عنِ الزّهْرِيّ عنْ أَنَسٍ. ولَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ (عنْ وَائِلٍ عن أبيه أو ابنِهِ). قال أبو عيسى: وكانَ سُفْيانُ بنُ عُيَيْنَةَ يُدَلّسُ في هذَا الحديث. فَرُبّمَا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ (عن وَائِلٍ عن أبيه) وَرُبّمَا ذَكَرَهُ. 1091- حدثنا مُحَمّدُ بنُ موسَى البَصْرِيّ. حدثنا زِيَادُ بنُ عبدِ الله حدثنا عَطَاءُ بنُ السّائِبِ عنْ أبي عَبْدِ الرّحْمَنِ، عنِ ابنِ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "طَعَامُ أَوّلِ يَوْمٍ حَقّ. وطَعَامُ يَوْمِ الثّانِي سُنّةٌ. وطَعَامُ يَوْمِ الثّالِثِ سُمْعَةٌ. ومَنْ سَمّعَ سَمّعَ الله بِهِ". قال أبو عيسى: حَديثُ ابنِ مَسْعُودٍ لاَ نَعْرِفُهُ مَرْفُوعاً إلا مِنْ حَديثِ زِيَادِ بنِ عبْدِ الله وزِيَادُ بنُ عَبْدِ الله كَثِيرُ الْغَرَائِبِ والمَنَاكِيرِ. قال: وسَمِعْتُ مُحَمّدَ بنَ إسْمَاعِيلَ يَذْكُرُ عنْ مُحَمّدِ بنِ عُقْبَةَ قالَ: قالَ وَكِيعٌ: زِيَادُ بنُ عَبْدِ الله، مَعَ شَرَفِهِ، يَكْذِبُ في الْحَدِيثِ. قوله: (رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة) قال النووي وفي رواية ردع من زعفران براء ودال وعين مهملات. هو أثر الطيب. والصحيح في معنى هذا الحديث أنه تعلق به أثر من الزعفران وغيره من طيب العروس. ولم يقصده ولا تعمد التزعفر. فقد ثبت في الصحيح النهي عن التزعفر للرجال. وكذا نهى الرجال عن الخلوق لأنه شعار النساء. وقد نهى الرجال عن التشبه بالنساء فهذا هو الصحيح في معنى الحديث. وهو الذي اختاره القاضي والمحققون قال القاضي: وقيل إنه يرخص في ذلك الرجل العروس وقد جاء ذلك في أثر ذكره أبو عبيد. أنهم كانوا يرخصون في ذلك للشاب أيام عرسه. قال وقيل لعله كان يسيراً فلم ينكر انتهى كلام النووي. (على وزن نواة من ذهب) قال الخطابي النواة اسم لقدر معروف عندهم فسروها بخمسة دراهم من ذهب قال القاضي: كذا فسرها أكثر العلماء (أولم ولو بشاة) قال الحافظ ليست "لو" هذه الامتناعية إنما هي التي للتقليل. ووقع في حديث أبي هريرة بعد قوله: أعرست؟ قال نعم. قال أولمت؟ قال لا: فرمى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنواة من ذهب فقال أولم ولو بشاة. وهذا لو صح كان فيه أن الشاة من إعانة النبي صلى الله عليه وسلم. وكان يعكر على من استدل به على أن الشاة أقل ما يشرع للموسر. ولكن الإسناد ضعيف قال. ولولا ثبوت أنه صلى الله عليه وسلم أولم على بعض نسائه بأقل من الشاة لكان يمكن أن يستدل به على أن الشاة أقل ما تجزئ في الوليمة. ومع ذلك فلا بد من تقييده بالقادر عليها. قال عياض. وأجمعوا على أن لا حد لأكثرها، وأما أقلها فكذلك. ومهما تيسر أجزأ والمستحب أنها على قدر حال الزوج. وقد تيسر على الموسر الشاة فما فوقها انتهى. وقد استدل بقوله: أولم ولو بشاة على وجوب الوليمة، لأن الأصل في الأمر الوجوب. وروى أحمد من حديث بريدة قال: لما خطب على فاطمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه لا بد للعروس من وليمة". قال الحافظ: سنده لا بأس به. وهذا الحديث قد استدل به على وجوب الوليمة، وقال به بعض أهل العلم: وأما قول ابن بطال: لا أعلم أحداً أوجبها، ففيه أنه نفى علمه، وذلك لا ينافي ثبوت الخلاف في الوجوب. وقد وقع في حديث وحشي بن حرب عند الطبراني مرفوعاً: الوليمة حق. وكذا وقع في أحاديث أخرى. قال ابن بطال قوله: حق أي ليس بباطل، بل يندب إليها وهي سنة فضيل، وليس المراد بالحق الوجوب، وأيضاً هو طعام لسرور حادث، فأشبه سائر الأطعمة، والأمر محمول على الاستحباب، ولكونه أمر بشاة وهي غير واجبة اتفاقاً. قوله: (وفي الباب عن ابن مسعود وعائشة وجابر وزهير بن عثمان) أما حديث ابن مسعود فأخرجه الترمذي في هذا الباب. وأما حديث عائشة فلينظر من أخرجه. وأما حديث جابر فأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه عنه مرفوعاف: إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم، وإن شاة ترك. وأما حديث زهير بن عثمان فأخرجه أبو داود والنسائي، ولفظ أبو داود: الوليمة أول يوم حق والثاني معروف، واليوم الثالث سمعة ورياء قال المنذري في تلخيصه: قال أبو القاسم البغوي: ولا أعلم لزهير بن عثمان غير هذا. وقال أبو عمر النمري: في إسناده نظر. يقال إنه مرسل وليس له غيره. وذكر البخاري هذا الحديث في تاريخه الكبير في ترجمة زهير بن عثمان وقال: ولا يصح إسناده. ولا نعرف له صحبة. وقال ابن عمر وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا دعى أحدكم إلى وليمة فليجب". ولم يخص ثلاثة أيام ولا غيرها، وهذا أصح. وقال ابن سيرين عن أبيه لما بنى بأهله أولم سبعة أيام، ودعى في ذلك أبي بن كعب فأجابه انتهى. قال الحافظ في الفتح وقد وجدنا لحديث زهير بن عثمان شواهد فذكرها. ثم قال: وهذه الأحاديث وإن كان كل منها لا يخلو عن مقال فمجموعها يدل على أن للحديث أصلاً انتهى كلام الحافظ. قوله: (حديث أنس حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم. قوله: (وقال أحمد بن حنبل وزن نواة من ذهب وزن ثلاثة دراهم وثلث) قال الحافظ: وقع في رواية حجاج بن أرطاة عن قتادة عند البيهقي: قومت ثلاثة دراهم وثلثاً. وإسناده ضعيف ولكن جزم به أحمد انتهى. (وقال إسحاق هو وزن خمسة دراهم) قال الحافظ: واختلف في المراد بقوله نواة. فقيل المراد واحدة نوى التمر كما يوزن بنوى الخروب. وإن القيمة عنها كانت يومئذ خمسة دراهم. وقيل لفظ النواة من ذهب عبارة عما قيمته خمسة دراهم من الورق. وجزم به الخطابي. واختاره الأزهري. ونقله عياض عن أكثر العلماء. ويؤيده أن في رواية البيهقي من طريق سعيد بن بشر عن قتادة: وزن نواة من ذهب قومت خمسة دراهم انتهى كلام الحافظ مختصراً. وذكر فيه أقوالاً أخرى. قوله: (عن وائل بن داود) التيمي الكوفي والد بكر ثقة من السادسة (عن ابنه نوف) بفتح النون وسكون الواو وفي رواية أبي داود عن ابنه بكر بن وائل. وليس في التقريب ولا في الخلاصة ولا في تهذيب التهذيب ذكر نوف بن وائل. فلينظر. وأما بكر بن وائل بن داود فصدوق روى عن الزهرى وغيره. وروى عنه أبوه وائل بن داود وغيره. (أولم على صفية بنت حي بسويق وتمر) وفي رواية الصحيحين: أولم عليها بحيس قال القاري في المرقاة جمع بينهما بأنه كان في الوليمة كلاهما: فاخر كل راو بما كان عنده انتهى. قلت وقع في رواية للبخاري أنه أمر بالإنطاع فألقى فيها من التمر والأقط والسمن. فكانت وليمته قال الحافظ في الفتح. ولا مخالفة بينهما يعنى بين هذه الرواية وبين الرواية التي فيها ذكر الحيس. لأن هذه من أجزاء الحيس. قال أهل اللغة الحيس يؤخذ التمر فينزع نواه ويخلط بالأقط أو الدقيق أو السويق انتهى. ولو جعل فيه السمن لم يخرج عن كونه حيساً انتهى كلام الحافظ. قلت السمن أيضاً من أجزاء الحيس. قال في القاموس. الحيس الخلط وتمر يخلط بسمن وأقط فيعجن شديداً. ثم يندر منه نواه وربما جعل فيه سويق انتهى قوله: (حديث حسن غريب) ورواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري. قوله: (وكان سفيان بن عيينة يدلس في هذا الحديث) اعلم أن سفيان بن عيينة لم يكن يدلس إلا عن ثقة كما صرح به الحافظ في طبقات المدلسين. قوله: (أخبرنا زياد بن عبد الله) بن الطفيل العامري البكائي بفتح المهملة وتشديد الكاف. أبو محمد الكوفي صدوق ثبت في المغازي. وفي حديثه عن غير ابن إسحاق لين. من الثامنة قاله الحافظ (عن أبي عبد الرحمن) السلمي الكوفي المقري اسمه عبد الله بن حبيب بن ربيعة ثقة ثبت من الثانية (طعام أول يوم حق) أي ثابت ولازم فعله وإجابته. أو واجب وهذا عند من ذهب إلى أن الوليمة واجبة أو سنة مؤكدة. فإنها في معنى الواجب. حيث يسيء بتركها ويترتب عتاب. وإن لم يجب عقاب. قاله القاري. قلت هذا الحديث من متمسكات من قال بالوجوب كما تقدم (وطعام يوم الثاني سنة) وروى أبو داود هذا الحديث عن رجل أعود من ثقيف بلفظ الوليمة أول يوم حق. والثاني معروف الخ. أي ليس بمنكر (وطعام يوم الثالث سمعة) بضم السين أي سمعة ورياء ليسمع الناس ويرائيهم. وفي رواية أبي داود سمعة ورياء (ومن سمع سمع الله به) بتشديد الميم فيهما أي من شهر نفسه بكرم أو غيره فخراً أو رياء شهره الله يوم القيامة بين أهل العرصات، بأنه مراء كذاب، بأن أعلم الله الناس بريائه وسمعته، وقرع باب أسماع خلقه، فيفتضح بين الناس. قال الطيبي: إذا أحدث الله تعالى لعبد نعمة حق له أن يحدث شكراً، واستحب ذلك في الثاني جبراً لما يقع من النقصان في اليوم الأول، فإن السنة مكملة للواجب. وأما اليوم الثالث فليس إلا رياء وسمعة، والمدعو يجب عليه الإجابة في الأول، ويستحب في الثاني، ويكره بل يحرم في الثالث انتهى. قال القاري وفيه رد صريح على أصحاب مالك حيث قالوا باستحباب سبعة أيام لذلك انتهى. قلت لعلهم تمسكوا بما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق حفصة بنت سيرين قالت: لما تزوج أبي دعا الصحابة سبعة أيام. فلما كان يوم الأنصار دعا أبي بن كعب، وزيد بن ثابت وغيرهما، فكان أبي صائماً فلما طعموا دعا أبي وأثنى. وأخرجه البيهقي من وجه آخر أتم سياقاً منه، وأخرجه عبد الرزاق إلى حفصة فيه ثمانية أيام. ذكره الحافظ في الفتح. وقد جنح الإمام البخاري في صحيحه إلى جواز الوليمة سبعة أيام حيث قال باب حق إجابة الوليمة والدعوة ومن أولم بسبعة أيام ونحوه. ولم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم يوماً ولا يومين انتهى. وأشار بهذا إلى ضعف حديث الباب. ولكن ذكر الحافظ في الفتح شواهد لهذا الحديث وقال بعد ذكرها: هذه الأحاديث وإن كان كل منها لا يخلو عن مقال فمجموعها يدل على أن للحديث أصلاً. قال وقد عمل به يعني بحديث الباب الشافعية، والحنابلة. قال: وإلى ما جنح إليه البخاري ذهب المالكية، قال عياض: استحب أصحابنا لأهل السعة كونها أسبوعاً. قال وقال بعضهم: محله إذا دعا في كل يوم من لم يدع قبله ولم يكرر عليهم، وإذا حملنا الأمر في كراهة الثالث على ما إذا كان هناك رياء وسمعة ومباهاة كان الرابع وما بعده كذلك. فيمكن حمل ما وقع من السلف من الزيادة على اليومين عند الأمن من ذلك، وإنما أطلق ذلك على الثالث لكونه الغالب انتهى كلام الحافظ مختصراً. قوله: (حديث ابن مسعود لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث زيادة بن عبد الله) وقال الدارقطني به زياد بن عبد الله عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمى عنه، قال الحافظ وزياد مختلف في الاحتجاج به، ومع ذلك فسماعه عن عطاء بعد الاختلاط (وزياد بن عبد الله كثير الغرائب والمناكير) قال الحافظ في الفتح وشيخه فيه عطاء بن السائب وسماع زياد منه بعد اختلاطه، فهذه علته انتهى. وقد عرفت أن لحديثه شواهد يدل مجموعها أن للحديث أصلاً (قال وكيع زياد بن عبد الله مع شرفه يكذب في الحديث) قال الحافظ في التقريب: لم يثبت أن وكيعاً كذبه وله في البخاري موضع واحد متابعة انتهى. وحديث الباب أخرجه أبو داود من حديث رجل من ثقيف، قال قتادة: إن لم يكن اسمه زهير بن عثمان فلا أدري ما اسمه. وإسناده ليس بصحيح كما صرح به البخاري في تاريخه الكبير، وأخرجه ابن ماجه من حديث أبي هريرة وفي إسناده عبد الملك بن حسين النخعي الواسطي، قال الحافظ ضعيف. وفي الباب عن أنس عند البيهقي وفي إسناده بكر بن خنيس وهو ضعيف. وذكره ابن أبي حاتم والدارقطني في العلل من حديث الحسن عن أنس ورجحا رواية من أرسله عن الحسن وفي الباب أيضاً عن وحشي بن حرب عند الطبراني بإسناد ضعيف. وعن ابن عباس عنده أيضاً بإسناد كذلك.
1092- حدثنا أبو سَلَمةَ يَحْيَى بنُ خَلَفٍ. حدثنا بِشْرُ بنُ المُفضّلِ عنْ إسْمَاعِيلَ بنِ أُمَيّةَ، عنْ نَافِعٍ، عنِ ابنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ائْتُوا الدّعْوةَ إذَا دُعِيتُمْ". قال: وفي البابِ عنْ عَلِي وأبي هُرَيْرَةَ والبَرَاءِ وأَنَسٍ وأبي أَيّوبَ. قال أبو عيسى: حدِيثُ ابنِ عُمَرَ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (إئتوا الدعوة إذا دعيتم) قال النووي دعوه الطعام بفتح الدال، ودعوة النسب بكسرها، هذا قول جمهور العرب، وعكسه تيم الرباب فقالوا الطعام بالكسر، والنسب بالفتح. وأما قول قطرب في المثلث: أن دعوة الطعام بالضم فغلطوه فيه. والحديث دليل على أنه يجب الإجابة إلى كل دعوة من عرس وغيره. وقد أخذ بظاهر هذا الحديث بعض الشافعية فقال بوجوب الإجابة إلى الدعوة مطلقاً عرساً كان أو غيره بشرطه. ونقله ابن عبد البر عن عبيد الله بن الحسن قاضي البصرة. وزعم ابن حزم أنه قول جمهور الصحابة والتابعين. ويعكر عليه ما روى عن عثمان بن أبي العاص وهو من مشاهير الصحابة أنه قال في وليمة الختان لم يكن يدعى لها لكن يمكن الانفصال عنه بأن ذلك لا يمنع القول بالوجوب لو دعو وعند عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر: أنه دعا لطعام فقال رجل من القوم: أعفني. فقال ابن عمر: إنه لا عافية لك من هذا فقم وأخرج الشافعي وعبد الرزاق بسند صحيح عن ابن عباس أن ابن صفوان دعاه فقال: إني مشغول، وإن لم تعفني جئته. وجزم بعدم الوجوب في غيره وليمة النكاح المالكية والحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية، وبالغ السرخسي منهم فنقل فيه الإجماع ولفظ الشافعي: إتيان دعوة الوليمة حق. والوليمة التي تعرف وليمة العرس، وكل دعوة دعى إليها رجل وليمة، فلا أرخص لأحد في تركها، ولو تركها لم يتبين لي أنه عاص في تركها، كما تبين لي في وليمة العرس. قاله الحافظ. وقال في شرح حديث أبي هريرة الذي أشار إليه الترمذي في هذا الباب وذكرنا لفظه ما لفظه: والذي يظهر أن اللام في الدعوة للعهد من الوليمة المذكورة أولاً. وقد تقدم أن الوليمة إذا أطلقت حملت على طعام العرس، بخلاف سائر الولائم فإنها تقيد انتهى. قلت: قال الشوكاني في النيل بعد ذكر كلام الحافظ هذا ما لفظه: ويجاب أولاً بأن هذا مصادرة على المطلوب، لأن الوليمة المطلقة هي محل النزاع وثانياً بأن في أحاديث، الباب ما يشعر بالإجابة إلى كل دعوة، ولا يمكن فيه ما أدعاه في الدعوة، وذلك نحو ما في رواية ابن عمر بلفظ: من دعى فلم يجب فقد عصى الله. وكذلك قوله: من دعي إلى عرس أو نحوه فليجب. ثم قال الشوكاني: لكن الحق ما ذهب إليه الأولون يعني بهم الذين قالوا بوجوب الإجابة إلى كل دعوة. قلت الظاهر هو ما قال الشوكاني والله تعالى أعلم. فائدة: قال الحافظ في الفتح بعد أن حكى وجوب الإجابة إلى الوليمة، وشرط وجوبها أن يكون الداعي مكلفاً حراً رشيداً وأن لا يخص الأغنياء دون الفقراء، وأن لا يظهر قصد التودد لشخص بعينه لرغبة فيه أو رهبة منه، وأن يكون الداعي مسلماً على الأصح. وأن يختص باليوم الأول على المشهور، وأن لا يسبق فمن سبق تعينت الإجابة له دون الثاني، وإن جاءا معاً قدم الأقرب رحماً على الأقرب جواراً، على الأصح، فإن استويا أقرع، وأن لا يكون هناك من يتأذى بحضوره. قوله: (وفي الباب عن علي) لينظر من أخرجه (وأبي هريرة) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شر الطعام طعام الوليمة، يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء، ومن ترك الدعوة فقد عصى الله رسوله أخرجه البخاري ومسلم (والبراء) أخرجه البخاري (وأنس) أخرجه أحمد عنه: أن يهودياً دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى خبز شعير وإهاله سنخة، فأجابه. كذا في عمدة القاري. (وأبي أيوب) لم أقف على حديثه قوله: (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم.
1093- حدثنا هَنّادٌ. حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عنِ الأعْمَشِ، عنْ شَقِيقٍ، عنْ أبي مَسْعُودٍ قالَ: جَاءَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو شُعَيْبٍ إلَى غُلاَمٍ لَهُ لَحّامٍ، فقَالَ: اصْنَعْ لِي طَعَاماً يَكْفِي خَمْسَةً. فَإِنْي رَأَيْتُ في وَجْهِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم الْجُوعَ قال: فَصَنَعَ طعَاماً، ثُمّ أَرْسَلَ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَاهُ وَجُلَسَاءَهُ الّذِينَ مَعَهُ. فَلَمّا قامَ النبيّ صلى الله عليه وسلم اتّبَعَهُمْ رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ حِينَ دُعُوا. فَلَمّا انْتَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى الْبَابِ، قالَ لِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ: "إنّهُ اتّبَعَنَا رَجُلٌ لَمْ يَكَنْ مَعَنَا حِينَ دَعَوْتَنَا، فإنْ أَذِنْتَ لَهُ دَخَلَ". قالَ: فَقَدْ أَذِنّا لَهُ، فَلْيَدْخلْ. قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قال: وفي البابِ عنِ ابنِ عُمَرَ. قوله: (إلى غلام له لحام) بتشديد الخاء أي بائع اللحم كتمار، وهو مبالغة لاحم فاعل للنسبة كلابن وتامر، قاله القاري. قلت وقع في رواية للبخاري لفظ قصاب، والقصاب هو الجزار. قال الحافظ وفيه جواز الاكتساب بصنعة الجزارة انتهى. (فإن أذنت له دخل قال فقد أذنا له) فيه أنه لا يجوز لأحد أن يدخل في ضيافة قوم بغير إذن أهلها ولا يجوز للضيف أن يأذن لأحد في الإتيان معه إلا بأمر صريح، أو إذن عام، أو علم برضاه. قال الحافظ في الفتح: وفيه أن المدعو لا يمتنع من الإجابة إذا امتنع الداعي من الإذن لبعض من صحبه. وأما ما أخرجه مسلم من حديث أنس: أن فارسياً كان طيب المرق، صنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً ثم دعاه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وهذه لعائشة فقال لا: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا فيجاب عنه بأن الدعوة لم تكن لوليمة، وإنما صنع الفارسي طعاماً بقدر ما يكفي الواحد، فخشي إن أذن لعائشة أن لا يكفي النبي صلى الله عليه وسلم. ويحتمل أن يكون الفرق أن عائشة كانت حاضرة عند الدعوة بخلاف الرجل، وأيضاً فالمستحب للداعي أن يدعو خواص المدعو معه، كما فعل اللحام بخلاف الفارسي، فلذلك امتنع من الإجابة إلا أن يدعوها. أو علم حاجة عائشة لذلك الطعام بعينه أو أحب أن تأكل معه منه، لأنه كان موصوفاً بالجودة ولم يعلم مثله في قصة اللحام وأما قصة أبي طلحة حيث دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى العصيدة فقال لمن معه قوموا. فأجاب عنه المازري أنه يحتمل أن يكون علم رضا أبي طلحة فلم يستأذنه، ولم يعلم رضا أبي شعيب فاستأذنه، ولأن الذي أكله القوم عند أبي طلحة كان مما خرق الله فيه العادة لنبيه صلى الله عليه وسلم، فكان جل ما أكلوه من البركة التي لا صنيع لأبي طلحة فيها. فلم يفتقر إلى استيذانه انتهى. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم قوله: (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه أبو داود مرفوعاً: من دعى فلم يجب فقد عصى الله ورسوله، ومن دخل على غير دعوة دخل سارقاً وخرج مغيراً. وهو حديث ضعيف كما صرح به الحافظ في الفتح.
(باب ما جاء في تزويج الأبكار) جمع بكر وهي التي لم توطأ واستمرت على حالتها الأولى 1094- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عن عَمْروِ بنِ دِينَارٍ، عنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله قالَ: تَزَوّجْتُ امْرَأةً، فَأَتَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فقَالَ "أتَزَوّجْتَ يَا جَابِرُ؟" فَقلت: نَعَمْ. فقَالَ "بِكْراً أَمْ ثَيّباً"؟ فَقلت: لاَ. بَلْ ثَيّباً. فقَالَ "هَلاّ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ"؟ فَقلت: يا رسولَ الله إنّ عَبْدَ الله مَاتَ وتَرَكَ سَبْعَ بَنَاتٍ أوْ تِسْعاً. فَجِئْتُ بِمَنْ يَقُومُ عَلَيْهِنّ. قال: "فَدَعَا لِي" قال: وفي البابِ عنْ أُبَيّ بنِ كَعْبٍ وَكَعْبِ بنِ عُجْرَةَ. قال أبو عيسى: حديثُ جَابِر بن عبد الله حَدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (هلا جارية) أي بكرا (تلاعبها وتلاعبك) فيه أن تزوج البكر أولى، وأن الملاعبة مع الزوج مندوب إليها، قال الطيبي: وهو عبارة عن الألفة التامة، فإن الثيب قد تكون معلقة القلب بالزوج الأول فلم تكن محبتها كاملة بخلاف البكر. وعليه ما ورد: عليكم بالأبكار فإنهن أشد حباً وأقل خباً (فجئت بمن يقوم عليهن) وفي رواية للبخاري: كن لي تسع أخوات، فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهن، ولكن امرأة تقوم عليهن وتمشطهن. قال أصبت (فدعا لي) وفي رواية للبخاري: قال فبارك الله لك. وفي الحديث دليل على استحباب نكاح الأبكار إلا لمقتض لنكاح الثيب كما وقع لجابر. قوله: (وفي الباب عن أبي بن كعب) لم أقف على حديثه (وكعب بن عجرة) أخرجه الطبراني بنحو حديث جابر وفيه: تعضها وتعضك وفي الباب أيضاً عن عويم بن ساعدة في ابن ماجة والبيهقي بلفظ: عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواهاً، وأنتق أرحاماً، وأرضى باليسير. وعن ابن عمر نحوه وزاد: وأسحن أقبالاً. رواه أبو نعيم في الطب. وفيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف كذا في التلخيص. قوله: (حديث جابر حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
|