الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **
الذي جمع ما انتهى إليه من فضائل الشافعي رضي الله عنه روى عن عبد الله بن جعفر بن الورد والحسن بن رشيق وجماعة روى عنه القاضي أبو عبد الله القضاعي وأبو إسحاق إبراهيم بن سعيد الحبال وجماعة توفي في المحرم سنة سبع وأربعمائة القاضي بدجيل قال ابن السمعاني تفقه على مذهب الشافعي وكان رضي السيرة في القضاء سمع أبا عمر عبد الواحد بن محمد بن مهدي الفارسي وأبا الحسن محمد بن محمد بن محمد بن مخلد البزاز ثم قال روى لنا عنه بن عبد الباقي البزاز ويجيى بن علي الطراح مات سنة أربع وستين وأربعمائة وبخط شيخنا الذهبي أبي شعيب بن عبد الله بن الفضل بن عقبة أبو منصور الروياني نزيل بغداد سمع ابن كيسان النحوي وسهل بن أحمد الديباجي روى عنه الخطيب مات في شهر ربيع الأول سنة ست وثلاثين وأربعمائة كان إماما جليلا له الرتبة الرفيعة في الفقه وله معرفة بالأدب صنف في كل منهما وكان يعرف بالشافعي واعلم أن البيضاوي في هذه الطبقة من أصحابنا ثلاثة هذا القاضي وختن القاضي أبي الطيب الطبري وأبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد شيخ أبي إسحاق الشيرازي سيردان ولم يذكر الشيخ أبو إسحاق في كتابه غير شيخه وأبو بكر هذا هو مصنف التبصرة في الفقه مختصر هو عندي وله عليه كتابان أحدهما الأدلة في تعليل مسائل التبصرة ذكر ابن الصلاح أنه وقف عليه والثاني التذكرة في شرح التبصرة وقفت أنا عليه وهو في مجلدين ذكر في خطبته أنه لما حصل بفرج سنة إحدى وعشرين وأربعمائة سئل فيه وقال في آخره صنفت هذا الكتاب بقرح عند رجوعي من بارم ولم يكن معي كتاب أعتمد في شيء عليه أو أرجع في وقت إليه وارتفع ذلك في مدة أربعة أشهر مع توفري كل يوم على التدريس ومذاكرة الجماعة إلى نصف النهار وكفى بالله ثم الشيوخ الشاهدين تأليفي هذا الكتاب على ما قلته شهيدا وانتهى الكتاب في الرابع عشر من شوال سنة إحدى وعشرين وأربعمائة هذا نص كلامه وهو شرع حسن فيه فوائد وله أيضا على ما ذكر ابن الصلاح كتاب الإرشاد في شرح كفاية الصيمري ولم يذكره الخطيب في تاريخ بغداد إما لأنه لم يدخلها أو أنه لا رواية له أو لغير ذلك وإنما ذكر البيضاوي الآخر محمد بن عبد الله
أما تعليل مسائل التبصرة فلم أقف عليه إلى الآن ووقف عليه ابن الصلاح وذكر أنه ذكر فيه أن الحائض لو قالت أنا أتبرع بقضاء ما فات من الصلوات في أيام الحيض قلنا لا يجوز ذلك بل تصلين ما أحببت من النوافل فأما قضاء ذلك فلا واحتج بأن أمرأة ذكرت مثل ذلك لعائشة رضي الله عنها فنهتها وقالت أحرورية أنت قال ابن الصلاح وصحح في كتاب الإرشاد القول بأن رب الدار أولى بالإمامة من السلطان وهو قول الشافعي قلت وسيأتي في الطبقة السادسة في ترجمة القاضي ابن شداد تفصيله بين الجمعة والعيد وغيرهما وقوله إنما يكون الإمام أولى بالجمعة والعيد وكان الخطابي سبقه إليه قلت ولا موقع لهذا التفصيل فإن الجمعة والعيد لا يكونان في دار حتى يقال السلطان أولى من رب الدار وإنما الكلام فيما يقام في الدور فهو في الحقيقة قول بأن رب الدار أولى كما صححه هذا البيضاوي رضي الله تعالى عنه
قد علم أن الشافعي رضي الله عنه ذكر في صيغتها أن الشاهد يقول دخول المردود في المكحلة إذ قال في مختصر المزني في باب حد الزنا ولا يجوز على الزنا واللواط وإتيان البهائم إلا أربعة يقولون رأينا ذلك منه يدخل في ذلك منها دخول المردود في المكحلة انتهى وكذا قال رضي الله عنه في الأم والتصريح به أن يقولوا رأينا ذلك منه يدخل في ذلك منها دخول المردود في المكحلة إلى أن قال فإذا صرحوا بذلك فقد وجب الحد قال ابن الرفعة وقد صار إلى ذلك الفوراني ولم يحك في إبانته غيره ويوافقه قول القاضي الحسين وقد قيل إن ذلك التشبيه واجب كأنه لما غلظ بالعدد غلظ بالتشبيه ليكون أبلغ قال ولكن الذي ذكره القاضي أبو الطيب أنه يكفي أن يقول أولج ذكره في فرجها وإن ذكر كالمردود في المكحلة والإصبع في الخاتم والرشاء في البئر كان آكد وهذا ما أورده الرافعي لا غير وعزاه إلى القاضي أبي سعيد انتهى كلام ابن الرفعة ملخصا وأقول أما اقتصار الفوراني في إبانته على ذكر هذا التشبيه فقد اقتصر عليه أيضا الماوردي في الحاوي والبغوي في التهذيب والغزالي لكن من تأمل كلامهم لم يجده نصا في تعيين هذه اللفظة أعني لفظة التشبيه وقد تركها أبو علي بن أبي هريرة فلم يذكرها في تعليقته بل اقتصر على قوله ولا بد أن يقولوا رأيناه يزني بها ورأينا ذلك منه في ذلك منها انتهى وكذلك فعل المحاملي في كتاب المقنع وغير واحد لم يذكر أحد منهم لفظ المرود في المكحلة بالكلية وصرح صاحب الشامل بأن أصحابنا قالوا إذا قال رأيت ذكره في فرجها كفى والتشبيه تأكيد انتهى وتبعه صاحب البحر فقال قال أصحابنا ولو قال رأينا ذكره غاب في فرجها أجزأهم ولا يحتاجون إلى قولهم مثل المرود في المكحلة لأنه صريح في هذا المعنى فإن ذكروه كان تأكيدا انتهى وأفاد قبيل ذلك أن قول الشافعي ذلك منه في ذلك منها تحسين للعبارة والمراد التصريح بما يحقق المراد وهذه عبارته قال الشافعي ثم يتفهم الحاكم حتى يثبتوا أنهم رأوا ذلك منه يدخل في ذلك منها دخول المرود في المكحلة وهذا تحسين للعبارة من جهة السلف فأما رسول الله قنع إلا بصريح العبارة انتهى فدل أن المراد تحقيق الإيلاج خشية أن يظن المفاخذة زنا لا أنا متعبدون بلفظ المرود والمكحلة على خلاف ما يتسارع إلى الفهم من كلام الشافعي ومن جرى على ظاهر نصه فليحمل كلام من أطلق على ما فسره القاضي أبو الطيب والقاضي أبو سعد ونقله ابن الصباغ والروياني عن الأصحاب من أن لفظ المرود والمكحلة غير شرط وإنما المراد الإيضاح دون التقيد به وأما قول ابن الرفعة إن القاضي الحسين قال وقد وقد قيل إن ذلك واجب فكأنه مستخرج في المسألة خلافا وقد كشفت فوجدت الخلاف مصرحا به في كلام القاضي أبي بكر البيضاوي قال في باب الشهادة على الزنا من كتابه شرح التبصرة ما نصه قال الشافعي رحمه الله كدخول المرود في المكحلة فمن أصابنا من قال ذلك على الوجوب وإذا لم يقولوا ذلك لم تتم الشهادة والأصح أنه إذا قالوا نشهد أنه زنى بها ورأينا الذكر منه قد دخل في الفرج بها تمت الشهادة لأن الباقي تشبيه والتشبيه ليس من تمام الشهادة كما لو شهدوا أن ذلك ذبح فلانا فلا يحتاج أن يقولوا كما يذبح القصاب الشاة انتهى فخرج في المسألة وجهان مصرح بهما بنقل هذا الإمام الثبت وأصحهما كما ذكر وهو الذي عزا إلى الأصحاب عدم الاحتياج وحمل ما وقع في كلام الشافعي على الإيضاح لا التقيد وما وقع في كلام الشافعي وفي رواية أبي داود في حديث ماعز فإن رسول الله له ( أنكتها ) قال نعم قال ( حتى غاب ذلك منك في ذلك منها ) قال نعم قال كما يغيب الميل في المكحلة والرشاء في البئر قال نعم الحديث ولفظ الرشاء في البئر لم يقع في كلام الشافعي فدل أنه لم يفهم منه تعين هذه الألفاظ نعم أنا أقول ينبغي أن يتعين لفظ النيك بصريح النون والياء والكاف فإني وجدته في غالب الروايات وفي لفظ الصحيحين قال أنكتها لا يكنى قال نعم الحديث ولا أجد في الصراحة ما هو بالغ مبلغ لفظ النيك وقد كان رسول الله أشد الناس حياء وأشد حياء من العذر في خدرها فلولا تعين هذه اللفظة لما نطقت بها شفتاه هذا ما يترجح عندي وإن لم أجده في كلام الأصحاب ولكن كلامهم لا يأباه ولعلهم كنوا عنه بقولهم ذلك منه في ذلك منها ويرشد إلى هذا قول الروياني إنهم حسنوا العبارة وإن رسول الله يقنع إلا بصريح العبارة فما لنا أن نقنع إلا بما قنع به رسول الله واعلم أن أكثر الأصحاب إنما أوردوا تبعا للشافعي هذه المسألة في حد الزنا والغزالي أوردها في الشهادات فتبعه الرافعي ومن تابعه تفقه على الماوردي وأبي إسحاق الشيرازي وسمع الحديث من أبي إسحاق إبراهيم بن عمر البرمكي والقاضي أبي الطيب الطبري وأبي القاسم التنوخي وأبي طالب بن غيلان والحسن بن علي الجوهري وغيرهم روى عنه هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي وأبو الفتيان الرواسبي وإسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ وكثير بن سماليق وأبو نصر الحديثي الشاهد وآخرون وكتب الكثير بخطه مات في مستهل صفر سنة أربع وتسعين وأبعمائة ودفن في مقبرة الشونيزي تفقه على الشيخ أبي حامد وسمع أبا بكر بن شاذان وأبا طاهر المخلص وابن بطة وغيرهم بعدة بلاد وسكن مصر وروى عنه جماعة توفي سنة إحدى وأربعين وأربعمائة سمع إسماعيل الصفار وعثمان السماك والنجاد قال الدارقطني حفظ القرآن والفرائض ودرس مذهب الشافعي وكتب الحديث وهو عندي ممن يزداد كل يوم خيرا قال الخطيب مولده سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة ومات في رجب سنة سبع وأربعمائة صاحب الزيادات وزيادات الزيادات والمبسوط والهادي وأدب القضاء الذي شرحه أبو سعد الهروي في كتابه الإشراف على غوامض الحكومات وله أيضا طبقات الفقهاء وكتاب الرد على القاضي السمعاني كذا رأيت في فصل ابن باطيش وغير ذلك كان إماما جليلا حافظا للمذهب بحرا يتدفق بالعلم وكان معروفا بغموض العبارة وتعويص الكلام ضنة منه بالعلم وحبا لاستعمال الأذهان الثاقبة فيه مولده سنة خمس وسبعين وثلاثمائة أخذ العلم عن أربعة القاضي أبي منصور محمد بن محمد الأزدي بهراة والقاضي أبي عمر البسطامي والأستاذ أبي طاهر الزيادي وأبي إسحاق الإسفرايني بنيسابور قال القاضي أبو سعد الهروي لقد كان يعني أبا عاصم أرفع أبناء عصره في غزارة نكت الفقه والإحاطة بغرائبه عمادا وأعلاهم فيه إسنادا قال وتعليق الكلام كان من عادته التي لم يصادف على غيرها في مدة عمره قال والمحصلون وإن أزروا عليه تغميض الكلام وتحروا الإيضاح عليه لكن جيلا من العلماء الأولين عمدوا على التغميض وفضلوه على الإيضاح وكأنهم ضنوا بالمعاني التي هي الأعلاق النفيسة على غير أهلها ثم قال مع أن السبب الذي دعاه إلى التغليق وحمله على التغميض أنه كان من المتلقنين على الإمام أبي إسحاق الإسفرايني ومن تصفح مصنفات أبي إسحاق لا سيما تجربة الأفهام في الفقه ألفاها على شدة الغموض والإغلاق واعلم أن الأستاذ أبا إسحاق أعدى الشيخ أبا عاصم بدائه وذهب به في مذهب الإيضاح عن سوائه انتهى كلام أبي سعد روى أبو عاصم عن أبي بكر أحمد بن محمد بن إبراهيم بن سهل القراب وغيره وروى عنه إسماعيل بن أبي صالح المؤذن مات في شوال سنة ثمان وخمسين وأربعمائة عن ثلاث وثمانين سنة
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن قيم الضيائية قراءة عليه وأنا أسمع بقاسيون أخبرنا أبو الحسين علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي سماعا أخبرنا أبو القاسم عبد الواحد بن أبي المطهر القاسم بن الفضل الصيدلاني إجازة أخبرنا أبو سعد إسماعيل بن الحافظ أبي صالح أحمد بن عبد الملك النيسابوري أخبرنا الشيخ الإمام أبو عاصم محمد بن أحمد بن محمد العبادي الهروي أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن سهل القراب أخبرنا أبو علي أحمد بن محمد بن علي بن رزين الباشاني حدثنا عبد الجبار بن العلاء حدثنا سفيان حدثنا عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال قال رجل يا رسول الله من أحق الناس مني بحسن الصحبة قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك فكانوا يرون أن للأم الثلثين وللأب الثلث رواه البخاري في الأدب عن قتيبة عن جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة به وقال في عقبه وقال عبد الله بن شبرمة ويحيى بن أيوب حدثنا أبو زرعة مثله رواه مسلم عن قتيبة وزهير كلاهما عن جرير عن عمارة بن القعقاع به وعن أبي بكر بن أبي شيبة عن شريك وعن أبي كريب عن محمد بن فضيل عن أبيه كلاهما عن عمارة بن القعقاع به وأخرجه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة وبه قال وحدثنا سفيان عن زائدة عن عبد الله الملك بن عمير عن ربعي عن حذيفة قال قال رسول الله ( اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ) أخرجه الترمذي عن الحسن بن الصباح البزار عن سفيان بن عيينة عن زائدة به وعن أحمد بن منيع وغير واحد كلهم عن سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير نحوه وقال الحسين وكان سفيان يدلس في هذا فربما ذكر زائدة وربما لم يذكره وروي بإسناد أتم من هذا وهو هكذا سفيان عن زائدة عن عبد الملك بن عمير عن هلال مولى ربعي عن ربعي ورواه ابن ماجة عن علي بن محمد عن وكيع وعن ابن بشار عن مؤمل كلاهما عن سفيان الثوري به وبه قال حدثنا سفيان قال حدثني عبد ربه عن عمرة عن عائشة أن النبي يقول ( بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفي سقيمنا بإذن ربنا ) أخرجه البخاري عن علي بن عبد الله وعن صدقة بن الفضل المروزي ومسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وابن أبي عمر وأبو داود عن زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة والنسائي عن أبي قدامة السرخسي وابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة سبعتهم عن سفيان بن عيينة عن عبد ربه بن سعيد به
قال في الزيادات تعلم القدر الزائد من القرآن على ما تصح به الصلاة أفضل من صلاة التطوع لأن حفظه واجب على الأمة ) وقال المريض إذا كانت عليه زكاة ولا مال له يعزم على أن يؤدى إن قدر على ما فرط ولا يستقرض لأنه دين وقال شاذان بن إبراهيم يستقرض لأن حق الله تعالى أحق وقال إذا أولج قبل الصبح فخشى فنزع وطلع الصبح فأمنى لم يفسد صومه وهو بمنزلة الاحتلام وقال الوصي إذا أدى الموصي به من ماله ليرجع في التركة جاز إن كان وارثا وإن لم يكن يعد ولا يرجع لأن الدين لا يثبت في ذمة الميت وفي زيادات الزيادات على أبي عاصم فيمن وكل وكيلين بقبول نكاح امرأة له وله أخوان فزوج كل أخ من وكيل ووقع العقدان معا قال بأن يفرض أنهما تكلما بالعقد والمؤذن يقول الله أكبر وفرغ كل منهما عند بلوغه حرف الراء إن العقد باطل لأن الزوج وإن كان واحدا فالإيحاب والقبول مختلفان لأن الموجب لأحد الوكيلين لو قبله منه الثاني لم يصح فسقطا قلت المسألة مسطورة في الرافعي والصحيح فيها الصحة غير أنه وقع في الرافعي أن أبا الحسن العبادي حكى عن القاضي وغيره البطلان فربما توهم من لا خبرة له أن القاضي هو القاضي الحسين وأغرب من ذلك أن النووي أسقط في الروضة لفظ أبي الحسن واقتصر على ذكر العبادي والعبادي إذا أطلق لا يتبادر الذهن منه إلا إلى أبي عاصم نفسه فربما توهم أيضا أن أبا عاصم نقل ذلك عن القاضي الحسين وأبو عاصم أقدم من القاضي الحسين ولادة ووفاة وإنما القاضي المشار إليه فيما اعتقد هو القاضي أبو عاصم نفسه ولده أبو الحسن إذا أطلق القاضي فإنما يعني أباه ولعل ذلك خفي على الرافعي وإلا فكان يحسن أن يقول وحكى أبو الحسن العبادي عن أبيه القاضي أبي عاصم وغيره فإن قلت فقد ذكر العبادي القاضي الحسين في كتاب الطبقات فغير بدع أن ينقل عنه قلت ذكره له في الطبقات ذكر الأصاغر للأكابر والقاضي الحسين نقل عن العبادي في غير موضع ويمكن أن يتفق العكس وهو نقل العبادي عن القاضي الحسين لكنا لم نر ذلك ولا يظهر فيما ذكرناه ولا حامل على الحمل عليه بعد البيان الذي بيناه وعن القاضي أبي عاصم في عالم وعامي أسيرا وعند الإمام ما يفدي أحدهما أن العامي أولى لأنه ربما يفتن عن دينه والعالم إذا أكره يتلفظ وقلبه مطمئن بالإيمان قال بخلاف ما لو دخل عالم وعامي حماما وليس هناك إلا إزار واحد فالعالم أولى به لأن العالم بعلمه يمتنع عن النظر إلى عورة العامي إن كشف عورته قال أبو عاصم أنشدني أبو الفتح البستي الأديب لنفسه رميتك من حكم القضاء بنظرة ** وما لي عن حكم القضاء مناص فلما جرحت الخد منك بنظرة ** جرحت فؤادي والجروح قصاص
ذكر الإمام الشيخ الوالد رحمه الله في كتاب الطوالع المشرقة فيمن قال وقفت على أولادي ثم أولاد أولادي أن القاضي الحسين نقل عن أبي عاصم أنه لا يقول بالترتيب بل يحمله على الجمع قال الشيخ الإمام وكذلك نقله ابن أبي الدم وقال إن ثم عنده كالواو ثم توقف الشيخ الإمام في ثبوت ذلك عن أبي عاصم مطلقا وذكر أنه لم يجده في كلامه وأنه إن صح فيحمل على أن ثم عنده كالواو في هذه المسألة لأن ثم إنشاء لا يتصور دخول ترتيب فيه كقوله بعث هذا ثم هذا لا يصح إرادة الترتيب حتى يقال ينتقل الملك قريبا بل يكون كالواو قال وأما إنكار أن ثم للترتيب مطلقا فيجل أبو عاصم عنه فإن ذلك مما لا خلاف فيه بين النحاة والأدباء والأصوليين والفقهاء بل هو من المعلوم باللغة بالضرورة قال وقد تكلم المفسرون من زمان ابن عباس إلى اليوم في قوله تعالى نعم يدخل ثم أيضا في متعلقات الإنشاء مما ليس بخبر كقولك اخترت هذا ثم هذا وأطال الشيخ الإمام في هذا الفصل قلت وقد نقل عن بعض النحاة منهم الفراء والأخفش وقطرب إنكار كونها للترتيب فلا بدع أن يوافقهم أبو عاصم غير أن المنقول عنه أن الواو للترتيب ولا يمكن قائل هذا أن ينكر ترتيب ثم فإن الجمع بين المقالتين لا يمكن الذهاب إليه فمن ثم توقف الوالد في تثبيته عليه والوالد أيضا لا يثبت خلاف هؤلاء وهم عنده محجوجون إن ثبت النقل عنهم بزمان ابن عباس رضي الله عنهما فمن بعده ومن ثم صرح بنفي الخلاف وزعمه معلوما في اللغة بالضرورة فلا تعجب منه إذا حمل كلام أبي عاصم على ما حمل إنما تعجب من بعض أصحابه ممن يأخذ القدر الذي يفهمه من كلامه فيفرقه في كتبه غير معزو إليه كيف ينقل الخلاف في ثم ويجعل كونها للترتيب أمرا مختلفا فيه خلافا قريبا ثم ينقل مقالة أبي عاصم ويقول إنما قالها في هذه الصورة خاصة وذلك أنه أخذ مقالة أبي عاصم من كلام الوالد ورأى فيه أنه لعله إنما قالها في هذه الصورة خاصة وذلك أنه أخذ مقالة أبي عاصم من كلام الوالد ورأى فيه أنه لعله إنما قالها في هذه الصورة بناء على اعتقاده وأن لا خلاف فيها فتتابعه في ذلك غافلا عن نفسه وإثباتها الخلاف وذلك صنع من لا يتأمل ما يصنع وإنشاء ذكره الوالد من الترتيب في الإنشاء فبحث نفيس هو المخترع له وكان كثيرا ما يردده ويطيل التفنن فيه ولعلنا نشبع الكلام عليه في مكان آخر وأذكره ليلة حضرنا ختمة وكان من الحاضرين الشيخ علاء الدين القونوي شيخ الشيوخ وهو علاء الدين المتأخر الحنفي لا السابق شارح الحاوي فإني لم أره فقرأ القارىء قال أبو عاصم في الزيادات إذا ختم القرآن في الصلاة في الركعة الأولى فإنه يقرأ في الركعة الثانية الفاتحة وشيئا من أول سورة البقرة لأن النبي ( خير الناس الحال المرتحل ) وفسره لما سئل عنه انتهى ونقله النووي في كتاب التبيان عن بعض الأصحاق وسكت عنه قال أبو عاصم في أدب القضاء إذا حجر القاضي على السفيه وأشهد عليه لا يتصرف إلا في الطلاق والإقرار بالقصاص وغيره من موجبات الحدود وهل يؤاجر نفسه فيه قولان قال أبو سعد الهروي ذكره الإشهاد على سبيل الاحتياط لا أنه ركن في صحة الحجر فسر أبو عاصم كلمة التنصر بشيء عارضه فيه القاضي أبو سعد وسكت عليه الرافعي بأن ظاهره غير مستقيم وسأذكره في ترجمة أبي سعد آخر هذه الطبقة وأوجه كلام أبي عاصم قال عبد الغافر من شيوخ الشافعية المتعصبين في المذهب سمع من أبي منصور البغدادي وغيره وخرج إلى نسا فسمعت أنه بلغه الخبر بوقعة موحشة للإمام أبي القاسم بن إمام الحرمين أبي المعالي على يدي عميد خراسان محمد بن محمد بن منصور ووضع من حشمته فحزن لذلك وتقطعت مرارته ومات من ليلته في رجب سنة أربع وثمانين وأربعمائة قال ابن باطيش كان إمام وقته ببلد نسا مشهورا بالكرم والبذل أحد أئمة مرو ورؤسائها قال صاحب الكافي كان من كبار خوارزم فضلا ورتبة وبيته بيت العلم والصلاح تفقه بمرو على الفوراني وكان فحلا في المناظرة فصيح المحاورة لم يكن بكاث في عهده بعد الإمام إسماعيل الدرغاني أنظر منه ولي قضاء كاث بعد سعيد بن محمد الكعبي وتوفي في المحرم سنة ثمان وتسعين وأربعمائة من أهل جرجرايا من نواحي النهروان وهو تلميذ محمد بن أحمد المفيد ورحل وجال في البلاد سمع ببغداد من أحمد بن نصر الذارع وطبقته وبجرجان من أبي بكر الإسماعيلي وبأصبهان من ابن المقرىء وبدمشق من محمد بن أحمد الخلال وعثمان بن عمر الشافعي وروى عنه عبد الصمد بن إبراهيم البخاري الحافظ وهناد النسفي وأحمد بن الفضل الناظر قال وأبو حامد أحمد بن محمد بن ماما الحافظ وآخرون سكن بخارى آخر عمره وكان معروفا بالمعرفة والحفظ والانتخاب على المشايخ مات في شهر ربيع الآخر سنة خمس عشرة وأربعمائة وقد ذكره الحافظ ابن عساكر في التاريخ مجهولا لأنه لم يعرفه سمع أبا علي حامد بن محمد الرفاء ومحمد بن عبد الله السليطي وأبا إسحاق القراب والد الحافظ أبي يعقوب وعبد الله بن الحسين البصري المروزي وسليمان بن أحمد الطبراني ومحمد بن علي بن حامد وإسماعيل بن نجيد السلمي وأحمد بن محمد بن سلمويه النيسابوري وعمر بن محمد بن جعفر الأهوازي البصري وجماعة كثيرة بنيسابور والري وهمذان وأصبهان والبصرة وبغداد والحجاز روى عنه أبو عطاء المليحي وعبد الله بن محمد الأنصاري الملقب شيخ الإسلام وكان إذا حدث عنه يقول حدثنا إمام أهل المشرق أبو الفضل وطوائف هرويون قال أبو النصر الفامي كان عديم النظير في العلوم خصوصا في علم الحفظ والتحديث وفي التقلل من الدنيا والاكتفاء بالقوت وحيدا في الورع وقد رأى بعض الناس في نومه رسول الله بزيارة قبر الجارودي وقال بعضهم هو أول من سن بهراة تخريج الفوائد وشرح الرجال والتصحيح وقال ابن طاهر المقدسي سمعت أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري يقول سمعت الجارودي يقول رحلت إلى الطبراني فقربني وأدناني وكان يتعسر علي في الأخذ فقلت له أيها الشيخ تتعسر علي وتبذل للآخرين فقال لأنك تعرف قدر هذا الشأن توفي في الثالث والعشرين من شوال سنة ثلاث عشرة وأربعمائة قال صاحب الكافي تفقه ببغداد على القاضي أبي الطيب الطبري قال وله كتاب اسمه النهاية في شرح المذهب وكتاب في المختلف اسمه المشخص يدلان على كمال فضله في الفقه قال ووفاته قريب من سنة ستين وأربعمائة فيما علقته من خط ابن الصلاح من مجموعه الذي انتخبه فوائد كتبها من كتاب الجمع بين الطريقين قال وهو كتاب علقه بعضهم عن هذا الشيخ منها قال بعض أصحاب الرأي قوله تعالى وأجاب الشيخ القفال عن هذا وقال إنما أنت في الأولى لأنها وردت في الثيب فتكون أكثر القصد هناك من المرأة والآية التالية وردت في البكر والبكر تستحي فتكون أكثر القصد من الرجل فلهذا غلب التذكير كان الأستاذ أبو إسحاق يقول القيام بفروض الكفايات خير في الأجر والثواب من فروض الأعيان لأن في فروض الأعيان يسقط عن نفسه فقط وفي الكفاية يسقط عن نفسه وغيره قلت وهذا قاله أيضا إمام الحرمين من تلامذة الشيخ أبي حامد الإسفرايني تفقه عليه ببغداد وبيته بيت كبير قال صاحب الكافي في تاريخ خوارزم لبيته نحو مائتين وخمسين سنة معمور بالعلماء وأطال في ترجمته في تاريخ خوارزم وقال توفي بعد سنة أربع وأربعين وأربعمائة من أهل خوارزم رحل منها سنة تسعين وثلاثمائة إلى بغداد فتفقه بها على الشيخ أبي حامد الإسفرايني والشيخ أبي محمد الباقي ثم عاد إلى خوارزم في سنة اثنتى عشرة وأربعمائة وتوطن حشراخوان قال صاحب الكافي فكان هو المفتي والخطيب والواعظ والمدرس بها زمانا من أهل مازندران قال ابن السمعاني كان طويل الباع في الفقه والنظر وكان حسن السيرة تقيا ثقة صدوقا واسع الرواية كثير السماع رحل وكتب وعمر حتى حدث بالكثير سمع حمزة بن يوسف السهمي وأبا الحسن بن رزقويه وخلقا ذكره ابن السمعاني وأغفله ابن النجار أيضا أبو علي ابن أبي عمرو العراقي الطوسي من أهلها قال ابن السمعاني ولي القضاء مدة بالطابران قصبة طوس ولقب بالعراقي لظرافته وطول مقامه ببغداد قال وكان فقيها فاضلا مبرزا حسن السيرة مفضلا مكرما مشهورا بخراسان والعراق تفقه ببغداد على أبي حامد الإسفرايني وسمع الحديث من أبي ظاهر المخلص وأبي القاسم يوسف بن كج الدينوري وأبي زكرياء عبد الله بن أحمد البلاذري الحافظ وجماعة سمع منه جماعة من العلماء مثل أبي محمد عبد الله بن يوسف الجرجاني وأبي الحسن محمد بن عبد الله بن يوسف الجرجاني وأبي الحسن محمد بن عبد الله البسطامي وأبي الفضل محمد بن أسعد الفاشاني المروزي وغيرهم قال وقرأت في كتاب الفقهاء لأبي محمد عبد الله بن يوسف القاضي الجرجاني الحافظ فقال أبو علي العراقي الطابراني سمعته يقول أقمت ببغداد إحدى عشرة سنة كنت أختلف إلى أبي محمد البافي ثم اختلفت عشر سنين إلى أبي حامد وعلقت عنه جميع المختصر فلما رجعت قصدت جرجان فدخلت على الإمام أبي سعد الإسماعيلي وحضرت مجلسه وناظرت بين يديه ثم دخلت نيسابور وحضرت مجلس الإمام أبي الطيب الصعلوكي وناظرت فيه ثم رجعت إلى وطني توفي سنة تسع وخمسين وأربعمائة وهو ممن أخل ابن النجار بذكره مع ذكر ابن السمعاني له من نوقان بفتح النون ثم واو ساكنة ثم قاف يليها ألف ثم نون إحدى مدائن طوس ذكره الرافعي في الشيح في كتاب الإجارة وكتاب الجراح وغير موضع قال أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن هو إمام أصحاب الشافعي بنيسابور وفقيههم ومدرسهم وله الدرس والأصحاب ومجلس النظر وله مع ذلك الورع والزهد والانقباض عن الناس وترك طلب الجاه والدخول على السلاطين وما لا يليق بأهل العلم من الدخول في الوصايا والأوقاف وما في معناه وكان من أحسن الناس خلقا ومن أحسنهم سيرة وظهرت بركته على أصحابه وتفقه عند الأستاذ أبي محمد الباقي وحكي عن محمد بن مأمون قال كنت مع الشيخ أبي عبد الرحمن السلمي ببغداد فقال لي تعال حتى أريك شابا ليس في جملة الصوفية ولا المتفقهة أحسن طريقة ولا أكثر أدبا منه فأخذ بيدي فذهب إلى حلقة البافي وأراني الشيخ أبا بكر الطوسي تفقه على الطوسي جماعات منهم الأستاذ أبو القاسم القشيري وتوفي بنوقان سنة عشرين وأربعمائة شيخ الروياني وفخر الإسلام الشاشي والفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي سكن آمد وتفقه به خلق وحدث عن أحمد بن الحسين بن سهل بن خليفة البلدي والقاضي أبي عمر الهاشمي وأبي الفتح بن أبي الفوارس وابن رزقويه وغيرهم روى عنه الفقيه نصر بن إبراهيم بن فارس الأزدي وأبو غانم عبد الرزاق العدي وعبد الله بن الحسن بن النحاس مات سنة خمس وخمسين وأربعمائة
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ومحمد بن الحسن بن نباتة المحدث بقراءتي عليهما أخبرنا الغرافي أخبرنا القطيعي أخبرنا ابن الخل أخبرنا فخر الإسلام أبو بكر الشاشي قراءة علينا من كتابه أخبرنا محمد بن بيان الكازروني قراءة عليه في جامع ميافارقين أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن مهدي الفارسي قراءة عليه حدثنا أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل القاضي حدثنا أحمد بن إسماعيل المدني حدثنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله ( من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان ) فقال أبو بكر بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على أحد ممن دعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها قال نعم وأرجو أن تكون منهم وأخرجه البخاري عن أبي اليمان عن شعيب وعن إبراهيم بن المنذر عن معن بن عيسى عن مالك ومسلم عن أبي الطاهر وحرملة كلاهما عن ابن وهب عن يونس وعن عمرو الناقد والحسن الحلواني وعبد بن حميد ثلاثتهم عن يعقوب ابن إبراهيم عن أبيه عن صالح وعن عبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر خمستهم عن الزهري به نزيل أصبهان قال ابن السمعاني إمام غزير الفضل حسن السيرة تفقه فبرع في الفقه حتى صار من جملة رؤساء الأئمة حشمة ونعمة وتخرج به وبكلامه جماعة من أهل العلم وانتشر علمه في الآفاق وولاه نظام الملك مدرسته التي بناها بأصبهان درس الفقه بها مدة وكانت له يد باسطة في النظر والأصول سمع الحديث من أبيه أبي محمد ثابت بن الحسن وأبي الحسن علي بن أحمد الإسترابادي وعبد الصمد بن نصر العاصمي وأبي سهل أحمد بن علي الأبيوردي وكان أستاذه في الفقه روى لنا عنه أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الطلحي وأبو منصور محمد بن أحمد بن عبد المنعم بن فاذشاه وأحمد بن الفضل المميز وغيرهم توفي سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة وعليه تفقه أبو العباس بن الرطبي وأبو علي الحسن بن سلمان الأصفهاني قلت وأظنه صاحب كتاب زواهر الدرر في نقض جواهر النظر وهذا الكتاب يرويه فخر الإسلام الشاشي عنه رواه عباد بن سرحان بن مسلم بن سيد الناس من فضلاء المغرب دخل بغداد وسمع بها من رزق الله بن التميمي وغيره وقد روى هذا الكتاب عن الشاشي عنه ذكر ذلك ابن الصلاح في ترجمة الشاشي وقد أخل ابن النجار في الذيل بذكر الخجندي مع ذكر ابن السمعاني له ونقل القاضي مجلى في ذخائره وجهين عن روضة المناظر للخجندي وما أراه إلا هذا فيمن نذر صلاة مؤقتة وأخرجها عن وقتها هل تقبل ولكن المذهب أنها لا تقبل وهذا الوجه المستغرب ذكره الشيخ أبو إسحاق في النكت احتمالا لنفسه وفي فتاوي ابن الصباغ أن واقعة وقعت بأصبهان وهي حاكم حكم بقياس ثم ظهر له أنه منصوص بنص يوافق ما حكم به فأفتى الخجندي بأن الحكم نافذ وقال ابن الصباغ نافذ من حين الحكم قلت وقد ثبت في كتاب الأشباه والنظائر أن ما قاله الخجندي أصح ذكر أبو علي بن البناء في طبقات الفقهاء كما نقله عنه ابن النجار أن له القدر العالي في الفقه والأصول والقرآن والأدب وأنه مات في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة في صفر كان إماما ورعا عارفا عابدا وسمع الكثير من القفال ومسلم بن الحسن الكاتب ورحل إلى هراة فسمع أبا الفضل عمر بن إبراهيم بن أبي سعد وأحمد بن محمد ابن الخليل وغيرهما توفي سنة أربع وقيل سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة فقيه الشيعة ومصنفهم كان ينتمي إلى مذهب الشافعي له تفسير القرآن وأملى أحاديث وحكايات تشتمل على مجلدين قدم بغداد وتفقه على مذهب الشافعي وقرأ الأصول والكلام على أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المعروف بالمفيد فقيه الإمامية وحدث عن هلال الحفار روى عنه ابنه أبو علي الحسن وقد أحرقت كتبه عدة نوب بمحضر من الناس توفي بالكوفة سنة ستين وأربعمائة الأستاذ أبو بكر الأنصاري الأصبهاني الإمام الجليل والحبر الذي لا يجاري فقها وأصولا وكلاما ووعظا ونحوا مع مهابة وجلالة وورع بالغ رفض الدنيا وراء ظهره وعامل الله في سره وجهره وصمم على دينه مصمم ليس تلويه عواذله ** في الدين ثبت قوي بأسه عسر وحوم على المنية في نصرة الحق لا يخاق الأسد في عرينه ولا يلين لغير الحق يتبعه ** حتى يلين لضرس الماضغ الحجر وشمر عن ساق الاجتهاد بهمة في الثريا إثر أخمصها ** وعزمة ليس من عاداتها السأم ودمر ديار الأعداء ذوي الفساد وعمر الدين عزم منه معتضد ** بالله تشرق من أنواره الظلم وصبر والسيف يقطر دما والصبر أجمل إلا أنه صبر ** وربما جنت الأعقاب من عسله وبدر بجنان لا يخادعه حب الحياة ولا تشوقه الحاظ الدمى لكنه مغرم بالحق يتبعه ** لله في الله هذا منتهى أمله أقام أولا بالعراق إلى أن درس بها مذهب الأشعري على أبي الحسن الباهلي ثم لما ورد الري وشت به المبتدعة وسعوا عليه قال الحاكم أبو عبد الله فتقدمنا إلى الأمير ناصر الدولة أبي الحسن محمد بن إبراهيم والتمسنا منه المراسلة في توجهه إلى نيسابور فبنى له الدار والمدرسة من خانقاه أبي الحسن البوشنجي وأحيا الله به في بلدنا أنواعا من العلوم لما استوطنها وظهرت بركته على جماعة من المتفقهة وتخرجوا به سمع عبد الله بن جعفر الأصفهاني وكثر سماعه بالبصرة وبغداد وحدث بنيسابور هذا كلام الحاكم وروى عنه حديثا واحدا قال عبد الغافر بن إسماعيل سمعت أبا صالح المؤذن يقول كان الأستاذ أوحد وقته أبو علي الدقاق يعقد المجلس ويدعو للحاضرين والغائبين من أعيان البلد وأئمتهم فقيل له يوما قد نسيت ابن فورك ولم تدع له فقال كيف أدعو له وكنت أقسم على الله البارحة بإيمانه أن يشفي علتي وكان به وجع البطن تلك الليلة ولما حضرت الوفاة واحد عصره وسيد وقته أبا عثمان المغربي أوصى بأن يصلي عليه الإمام أبو بكر بن فورك وذلك سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة وذكر الإمام الشهيد أبو الحجاج يوسف بن دوناس الفندلاوي المالكي المدفون خارج باب الصغير بدمشق وقبره ظاهر معروف باستجابة الدعاء عنده أنه روي أن الإمام أبا بكر بن فورك ما نام في بيت فيه مصحف قط وإذا أراد النوم انتقل عن المكان الذي فيه إعظاما لكتاب الله عز وجل نقلت هذه الحكاية من خط شيخنا الحافظ أبي العباس بن المظفر قال عبد الغافر بلغت تصانيفه في أصول الدين وأصول الفقه ومعاني القرآن قريبا من المائة وحكى عن ابن فورك أنه قال كان سبب اشتغالي بعلم الكلام أني كنت بأصبهان أختلف إلى فقيه فسمعت أن الحجر يمين الله في الأرض فسألت ذلك الفقيه عن معناه فلم يجب بجواب شاف فأرشدت إلى فلان من المتكلمين فسألته فأجاب بجواب شاف فقلت لا بد من معرفة هذا العلم فاشتغلت به وقد سمع ابن فورك من عبد الله بن جعفر الأصبهاني المذكور في كلام الحاكم جميع مسند الطيالسي وسمع أيضا من ابن خرزاذ الأهوازي روى عنه الحافظ أبو بكر البيهقي والأستاذ أبو القاسم القشيري وأبو بكر أحمد ابن علي بن خلف ودعي إلى مدينة عزنة وجرت له بها مناظرات ولما عاد منها سم في الطريق فتوفي سنة ست وأربعمائة حميدا شهيدا ونقل إلى نيسابور ودفن بالحيرة وقبره ظاهر قال عبد الغافر يستسقى به ويستجاب الدعاء عنده وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري تلميذه سمعت الإمام أبا بكر بن فورك يقول حملت مقيدا إلى شيراز لفتنة في الدين فوافيت باب البلد مصبحا وكنت مهموم القلب فلما أسفر النهار وقع بصري على محراب في مسجد على باب البلد مكتوب عليه وكان شديد الرد على أبي عبد الله بن كرام وأذكر أن سبب ما حصل له من المحنة من شغب أصحاب ابن كرام وشيعتهم المجسمة
اعلم أنه يعز علينا شرح هذه الأمور لوجهين أحدهما أن كتمانها وسترها أولى من إظهارها وكشفها لما في ذلك من فتح الأذهان لما هي غافلة عنه مما لا ينبغي التفطن له والثاني ما يدعو إليه كشفها من تبيين معرة أقوام وكشف عوارهم وقد كان الصمت أزين ولكن ما رأينا المبتدعة تشمخ بآنافها وتزيد وتنقص على حسب أغراضها وأهوائها تعين لذلك ضبط الحال وكشفه مع مراعاة النصفة فنقول كان الأستاذ أبو بكر بن فورك كما عرفناك شديدا في الله قائما في نصرة الدين ومن ذلك أنه فوق نحو المشبهة الكرامية سهاما لا قبل لهم بها فتحزبوا عليه ونموا غير مرة وهو ينتصر عليهم وآخر الأمر أنهم أنهوا إلى السلطان محمود بن سبكتكين أن هذا الذي يؤلب علينا عندك أعظم منا بدعة وكفرا وذلك أنه يعتقد أن نبينا محمدا نبيا اليوم وأن رسالته انقطعت بموته فاسأله عن ذلك فعظم على السلطان هذا الأمر وقال إن صح هذا عنه لأقتلنه وأمر بطلبه والذي لاح لنا من كلام المحررين لما ينقلون الواعين لما يحفظون الذين يتقون الله فيما يحكون أنه لما حضر بين يديه وسأله عن ذلك كذب الناقل وقال ما هو معتقد الأشاعرة على الإطلاق أن نبينا في قبره رسول الله أبد الآباد على الحقيقة لا المجاز وأنه كان نبيا وآدم بين الماء والطين ولم تبرح نبوته باقية ولا تزال وعند ذلك وضح للسلطان الأمر وأمر بإعزازه وإكرامه ورجوعه إلى وطنه فلما أيست الكرامية وعلمت أن ما وشت به لم يتم وأن حيلها ومكايدها قد وهت عدلت إلى السعي في موته والراحة من تعبه فسلطوا عليه من سمه فمضى حميدا شهيدا هذا خلاصة المحنة والمسألة المشار إليها وهي انقطاع الرسالة بعد الموت مكذوبة قديما على الإمام أبي الحسن الأشعري نفسه وقد مضى الكلام عليها في ترجمته إذا عرفت هذا فاعلم أن أبا محمد بن حزم الظاهري ذكر في النصائح أن ابن سبكتكين قتل ابن فورك بقوله لهذه المسألة ثم زعم ابن حزم أنها قول جميع الأشعرية قالت وابن حزم لا يدري مذهب الأشعري ولا يفرق بينهم وبين الجهمية لجهلهم بما يعتقدون وقد حكى ابن الصلاح ما ذكره ابن حزم ثم قال ليس الأمر كما زعم بل هو تشنيع على الأشعرية أثارته الكرامية فيما حكاه القشيري قلت وقد أسلفنا كلام القشيري في ذلك في ترجمة الأشعري وذكر شيخنا الذهبي كلام ابن حزم وحكى أن السلطان أمر بقتل ابن فورك فشفع إليه وقيل هو رجل له سن فأمر بقتله بالسم فسقي السم ثم قال وقد دعا ابن حزم للسلطان محمود أن وفق لقتل ابن فورك وقال في الجملة ابن فورك خير من ابن حزم وأجل وأحسن نحلة وقال قبل ذلك أعني شيخنا الذهبي كان ابن فورك رجلا صالحا ثم قال كان مع دينه صاحب فلتة وبدعة انتهى قلت أما السلطان أمر بقتله فشفع إليه إلى آخر الحكاية فأكذوبة سمجة ظاهرة الكذب من جهات متعددة منها أن ابن فورك لا يعتقد ما نقل عنه بل يكفر قائله فكيف يعترف على نفسه بما هو كفر وإذا لم يعترف فكيف يأمر السلطان بقتله وهذا أبو القاسم القشيري أخص الناس بابن فورك فهل نقل هذه الواقعة بل ذكر أن من عزى إلى الأشعرية هذه المسألة فقد افترى عليهم وأنه لا يقول بها أحد منهم ومنها أنه بتقدير اعترافه وأمره بقتله كيف ترك ذلك لسنه وهل قال مسلم إن السن مانع من القتل بالكفر على وجه الشهرة أو مطلقا ثم ليت الحاكي ضم إلى السن العلم وإن كان أيضا لا يمنع القتل ولكن لبغضه فيه لم يجعل له خصلة يمت بها غير أنه شيخ مسن فيا سبحان الله أما كان رجلا عالما أما كان اسمه ملأ بلاد خراسان والعراق أما كان تلامذته قد طبقت طبق الأرض فهذا من ابن حزم مجرد تحامل وحكاية لأكذوبة سمجة كان مقداره أجل من أن يحكيها وأما قول شيخنا الذهبي إنه مع دينه صاحب فلتة وبدعة فكلام متهافت فإنه يشهد بالصلاح والدين لمن يقضي عليه بالبدعة ثم ليت شعري ما الذي يعني بالفلتة إن كانت قيامه في الحق كما نعتقد نحن فيه فتلك من الدين وإن كانت في الباطل فهي تنافي الدين وأما حكمه بأن ابن فورك خير من ابن حزم فهذا التفضيل أمره إلى الله تعالى ونقول لشيخنا إن كنت تعتقد فيه ما حكيت من انقطاع الرسالة فلا خير فيه ألبتة وإلا فلم لا نبهت على أن ذلك مكذوب عليه لئلا يغتر به
أخبرنا الحافظ أبو العباس ابن المظفر بقراءتي عليه أخبرنا الشيخان أبو عبد الله محمد بن عبد السلام بن المطهر بن أبي عصرون وأبو الفضل أحمد بن هبة الله بن عساكر سماعا عليهما قالا أخبرنا أبو روح عبد العزيز بن محمد الهروي إجازة أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر الشحامي أخبرنا الأستاذ أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري أخبرنا الإمام أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك أخبرنا أبو بكر أحمد ابن محمد بن خرزاذ الأهوازي بها حدثنا أحمد بن سهل بن أيوب حدثنا خالد يعني ابن يزيد حدثنا سفيان الثوري وشريك بن عبد الله وسفيان بن عيينة عن سليمان عن خيثمة عن عبد الله عن النبي قال ( لا ترضين أحدا بسخط الله ولا تحمدن أحدا على فضل الله ولا تذمن أحدا على ما لم يؤتك الله فإن رزق الله لا يسوقه حرص حريص ولا يرده عنك كراهة كاره وإن الله بعدله وقسطه جعل الروح والفرح في الرضا واليقين وجعل الهم والحزن في الشك والسخط
أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا همام عن قتادة سمع أنسا يقول قال رسول الله ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )
قال كل موضع ترى فيه اجتهادا ولم يكن عليه نور فاعلم أنه بدعة خفية قلت وهذا كلام بالغ في الحسن دال على أن الأستاذ كثير الذوق وأصله قوله ( البر ما اطمأنت إليه النفس )
قيل تناظر هو وأبو عثمان المغربي الذي ذكرناه أنه أوصى عند موته أن ابن فورك يصلى عليه في أن الولي هل يجوز أن يعرف أنه ولي فكان الأستاذ أبو بكر لا يجوز ذلك لأنه يسلبه الخوف ويوجب له الأمن قيل وكان أو عثمان يقول بجوازه قلت والذي نقله الأستاذ أبو القاسم في الرسالة أن الخلاف في هذه المسألة إنما هو بين الأستاذين أبي بكر بن فورك وأبي علي الدقاق وأن الدقاق قال بالجواز قال الأستاذ أبو القاسم وهو الذي نؤثره ونختاره ونقول به قال الأستاذ أبو القاسم ولا يجب ذلك في جميع الأولياء بل يجوز أن يعلم بعضهم ويكون علمه كرامة زائدة له وألا يعلم آخرون ثم رد قول ابن فورك إن العلم بذلك يسقط الخوف بأن الذي يجدونه من الهيبة والإجلال يزيد ويربي على كثير من الخوف قتلت وما ذكره أبو القاسم هو الحق الذي لا مرية فيه والعلم بالولاية لا ينافي الخوف بل ولا النبوة ألا ترى أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أشد الناس خوفا لربهم تعالى وهم يعلمون أنهم أنبياء فمقالة ابن فورك ضعيفة شاذة والولي ما دام إحساسه حاضرا وهو غير مصطلم يخاف المكر وذلك من أعظم الخوف وذكر الأستاذ أبو القاسم بعد ذلك أنه يجوز أن يعلم أنه مأمون العاقبة قلت ومع ذلك لا يزايله الخوف كما قلنا في الأنبياء عليهم السلام فإنهم يعلمون أنهم مأمونو العواقب وهم أشد خوفا والعشرة المشهود لهم بالجنة كذلك وقد قال عمر رضي الله عنه لو أن رجلي الواحدة داخل الجنة والأخرى خارجها ما أمنت مكر الله أما والده فهو الإمام المشهور بالذكر وأما هو فقد حدث عن أبي مسعود أحمد بن محمد بن عبد الله البجلي الرازي الحافظ وغيره سمع منه أبو عبد الله الحميدي وأبو بكر بن الخاضبة وغيرهما ولد سنة عشرين وأربعمائة ولم أعلم لوفاته تاريخا ذكره الشيخ في شرح المنهاج في النكاح في شروط الكفاية الوزير أبو شجاع ولد سنة سبه وثلاثين وأربعمائة وكان والده من أهل روذراور وصحب الأمير كرشاسف بن علاء الدولة صاحب همذان وأصبهان وبلاد الجبل وكان ينقاد له وصحب الأمير هرارست أمير خوزستان والبصرة وواسط ثم استوحش منه وجهز أمواله إلى بغداد وأخفى نفسه وولده وخرج إلى حلب ثم توجه إلى همذان ثم إن القائم بأمر الله صرف وزيره ابن جهير عن الوزارة وصور في نفسه أن يستوزره فورد الخبر بوفاته فقال الخليفة عولنا على هذه الدارج في وزارتنا فحالت الأقدار بيننا وبين الإيثار وقد عرفنا تميز ولده إلا أن السن لم ينته به إلى هذا المنصب فرقاه ولا يزال أبو شجاع يترقى إلى أن انتهت الخلافة إلى المقتدى وتزايد عظمة وترقت به الحال فوق ما كانت ثم إن نظام الملك كاتب المقتدى في إبعاد أبي شجاع فإنه كان يكرهه فكتب الخليفة الجواب بخطه وعرف نظام الملك منزلة أبي شجاع عنده وفضله ودينه وأكد عليه في الوصاية به وترك الالتفات إلى قول أعدائه وأمر الوزير أبا شجاع بالخروج إلى أصبهان إلى خدمة نظام الملك وأصحبه بعض خدمه فتلقاه نظام الملك بالبشر وأعاده إلى بغداد مكرما فعاد وخرج إليه عسكر الخليفة مستلقين ثم لما عزل المقتدى بالله عميد الدولة أبا منصور ابن جهير من وزارته ولاها ظهير الدين أبا شجاع وخلع عليه في النصف من شعبان سنة ست وسبعين وأربعمائة وتوالت السعادة في وزارته وما زال يتقدم في كل يوم تقدما لم يكن لغيره وصار الأمر أمره والمقبول من ارتضاه والمدفوع من أباه وعظم الحق وانتشر العدل وكان لا يخرج من بيته حتى يقرأ شيئا من القرآن ويصلي وكان يصلي الظهر ويجلس للمظالم إلى وقت العصر وحجابه تنادي أين أصحاب الحوائج قال النقلة فلم يطمع في أيامه طمع ولم يحدث نفسه بالظلم ظالم وكان من سعادته أن قاضي القضاة الشامي ذاك الرجل العالم الصالح هو القاضي في أيامه فانتظم أمر بغداد كما ينبغي واستدعى يوما بعض كبار الأمراء بالنواحي فجاءه في خمسمائة فارس من الأمراء والسلارية فلما مثل بين يديه فقال له إن بعض أعوانك أخذ عمامة رجل فقال يا مولانا إنك تتعمد الغض مني والنقص من محلي وهذا مما يسأل عنه من استنبته في الشرطة من أصحابي والمستخدمون على أبوابي فقال له الوزير وإذا سألك الله تعالى في الموقف الذي يسألك فيه عن اللفظة واللحظة ومثقال الذرة يكون هذا جوابك فخرج ذلك الملك واستبحث عن العمامة حتى عادت وأخباره في ذلك ونظائره مشهورة كثيرة ثم لاح له توفيق إلهي فحاسب نفسه على زكاة ماله وعلم أنه أخل بأدائها فيما تقدم واحتاط بأن أخرجها عن والده سنين كثيرة ورأوه عدة أيام خاليا يكتب ويحسب فأشفق عليه بعض الأصدقاء وأرجف به الأعداء وقالوا خولط ولحقته السوداء وأما ما كان يفعله من صنائع البر والتنوع في صلة المعروف فعجيب كثير وحكي أنه استدعى بعض أخصائه في يوم بارد وعرض عليه رقعة من بعض الصالحين يذكر فيها أن في الجار الفلانية امرأة معها أربعة أطفال أيتام وهم عراة جياع فقال له امض الآن وابتع لهم جميع ما يصلح لهم ثم خلع أثوابه وقال والله لا لبستها ولا أكلت حتى تعود وتخبرني أنك كسوتهم وأشبعتهم وبقي يرعد بالبرد إلى حيث قضى الأمر وعاد إليه وأخبره وقال بعض من كان يتولى صدقاته إنه حسب ما انصرف على يده من صلاته فاشتمل على مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار قال وكنت واحدا من عشرة يتولون صدقاته ثم إن السلطان ملكشاه سأل الخليفة في عزلة فعزله في ربيع الأول سنة أربع وثمانين وأربعمائة فأنشد أبو شجاع في حال انصرافه تولاها وليس له عدو ** وفارقها وليس له صديق وخرج إلى الجامع يوم الجمعة وأمالت العامة عليه تصافحه وتدعو له وأقام في داره مكرما محترما وبنى على بابها مسجدا واستمر إلى أن أذن له الخليفة في الحج في موسم سنة أربع وثمانين فلما عاد مع الحجيج في سنة خمس تلقاه من أصحاب السلطان من منعه من دخول العراق وسار به إلى روذراور فأقام بها إلى سنة سبع وثمانين وتوجه منها إلى الحج ودخل بعد وفاة المقتدي والسلطان ملكشاه ونظام الملك فأقام بمدينة النبي عن العز والجاه والأهل والوطن ومات أحد خدام روضة المصطفى يكنس المسجد ويفرش الحصر ويشعل المصابيح وكتب إلى والده أبي منصور بأن يقف عنه مدرسة على أصحاب الشافعي وكان رجلا فاضلا أديبا له شعر كثير حسن وقد كتب إليه أبو الحسن محمد بن علي بن أبي الصقر الواسطي يلتمس شعره لينظر فيه بقصيدة يقول فيها يا ماجدا لو رمت مدح سواه لم ** أقدر على بيت ولا مصراع امنن علي بشعرك الدر الذي ** شعر الرضى له من الأتباع فأجابه لو كنت أرضى ما جمعت شتيته ** ما صنت معرضه عن الأسماع لكن شعري شبه شوهاء اتقت ** عيابها فتسترت بقناع توفي في منتصف جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة ودفن بالبقيع عند قبر إبراهيم بن سيدنا محمد وبسطام بفتح الباء قاضي نيسابور كان أحد الأئمة من أصحابنا والرفعاء من علمائهم قدم بغداد في حياة الشيخ أبي حامد الإسفرايني وكان الشيخ أبو حامد يجله ويعظمه وكان القاضي أبو عمر نظير أبي الطيب الصعلوكي حشمة وجاها وعلما فصاهره أبو الطيب وجاء من بينهما فضلاء أئمة سمع القاضي أبو عمر الحديث بالعراق والأهواز وأصبهان وسجستان وأملى وحدث عن أبي القاسم الطبراني وأحمد بن عبد الرحمن بن الجارود الرقي وأبي بكر القطيعي وعلي بن حماد الأهوازي وأحمد بن محمود بن خرزاذ القاضي وأبي محمد بن ماسي وغيرهم روى عنه أبو عبد الله الحاكم مع تقدمه وأبو بكر البيهقي وأبو الفضل محمد بن عبيد الله الصرام وسفيان ومحمد ابنا الحسين بن فتحويه ويوسف الهمذاني وغيرهم ذكره الحاكم في التاريخ فقال الفقيه المتكلم البارع الواعظ ثم قال وورد له العهد بقضاء نيسابور وقرىء علينا العهد غداة الخميس ثالث ذي القعدة سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة وأجلس في مجلس القضاء في مسجد رجا في تلك الساعة وأظهر أهل الحديث من الفرح والاستبشار والنثار ما يطول شرحه وكتبنا بالدعاء والشكر إلى السلطان أيده الله وإلى أوليائه وذكره أبو علي الحسن بن نصر بن كاكا المرندي فقال كان منفردا بلطائف السيادة معتمدا لمواقف الوفادة سفر بين السلطان المعظم ومجلس الخلافة أيام القادر بالله فأفتن أهل بغداد بلسانه وإحسانه وبزهم في إيراده وإصداره بصحة إتقانه ونكت في ذلك المشهد النبوي والمحفل الإمامي أشياء أعجب بها كفاته وسلم الفضل له فيها حماته وقالوا مثله فليكن نائبا عن ذلك السلطان المؤيد بالتوفيق والنصرة وافدا على مثل هذه الحضرة حتى صدر وحقائبه مملوءة من أصناف الإكرام وسهامه فائزة بأقصى المرام ثم كان شافعي العلم شريحي الحكم سحباني البيان سحار اللسان وذكر الخطيب أن أبا صالح المؤذن وأبا بكر محمد بن يحيى بن إبراهيم النيسابوري أخبراه أن القاضي أبا عمر توفي بنيسابور سنة سبع وأربعمائة وقال عبد الغافر الفارسي إنه توفي سنة يمان وأربعمائة وأعقب الموفق والمؤيد ولدين إمامين
أخبرنا أبو محمد بن القيم سماعا عليه أن أبا الحسن بن البخاري أخبره عن عبد الواحد بن أبي المطهر الصيدلاني أخبرنا أبو سعيد بن أبي صالح الحافظ المؤذن أخبرنا السيد أبو القاسم علي بن الحسين بن القاسم قدم علينا من هراة سنة سبع وخمسين وأربعمائة أخبرنا القاضي أبو عمر محمد بن الحسين بن محمد البسطامي أخبرنا أحمد بن عبد الواحد بن الجارود الرقي بعسكر مكرم حدثنا يزيد بن سنان البصري بمصر حدثنا يحيى بن سعيد القطان حدثنا يحيى بن العلاء عن طلحة العقيلي عن الحسن ابن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله ( نعم المفتاح الهدية أمام الحاجة ) لم يرو هذا الحديث من حديث الحسن رضي الله عنه في شيء من الكتب الستة أبو عبد الرحمن السلمي جدا لأنه سبط أبي عمرو إسماعيل بن نجيد السلمي النيسابوري بلدا كان شيخ الصوفية وعالمهم بخراسان له اليد الطولى في التصرف والعلم الغزير والسير على سنن السلف سمع من أبي العباس الأصم وأحمد بن علي بن حسنويه المقرىء وأحمد بن محمد بن عبدوس ومحمد بن أحمد بن سعيد الرازي صاحب ابن وارة وأبي ظهير عبد الله بن فارس العمري البلخي ومحمد بن المؤمل الماسرجسي والحافظ أبي علي الحسين ابن محمد النيسابوري وسعيد بن القاسم البردعي وأحمد بن محمد بن رميح النسوي وجده أبي عمرو روى عنه الحاكم أبو عبد الله وأبو القاسم القشيري وأبو بكر البيهقي وأبو سعيد ابن رامش وأبو بكر محمد بن يحيى المزكي وأبو صالح المؤذن وأبو بكر ابن خلف وعلى بن أحمد المديني المؤذن والقاسم بن الفضل الثقفي وخلق سواهم وقع لنا الكثير من حديثه بعلو واختلف في مولده فالمشهور أنه في رمضان سنة ثلاثين وثلاثمائة وقيل بل سنة خمس وعشرين وثلاثمائة ذكره الحافظ عبد الغافر في السياق فقال شيخ الطريقة في وقته الموفق في جميع علوم الحقائق ومعرفة طريق التصوف وصاحب التصانيف المشهورة العجيبة في علم القوم وقد ورث التصوف عن أبيه وجده وجمع من الكتب ما لم يسبق إلى ترتيبه حتى بلغ فهرست تصانيفه المائة وأكثر وحدث أكثر من أربعين سنة إملاء وقراءة وكتب الحديث بنيسابور ومرو والعراق والحجاز وانتخب عليه الحفاظ الكبار توفي في شعبان سنة اثنتى عشرة وأربعمائة
قال الخطيب قال لي محمد بن يوسف النيسابوري القطان كان السلمي غير ثقة وكان يضع للصوفية قال الخطيب قدر أبي عبد الرحمن عند أهل بلده جليل وكان مع ذلك محمودا صاحب حديث قلت قول الخطيب فيه هو الصحيح وأبو عبد الرحمن ثقة ولا عبرة بهذا الكلام فيه قال الخطيب وأخبرنا أبو القاسم القشيري قال كنت بين يدي أبي على قال كنت بين يدي أبي علي الدقاق فجرى حديث أبي عبد الرحمن السلمي وأنه يقوم في السماع موافقة للفقراء فقال أبو علي مثله في حاله لعل السكون أولى به امض إليه فستجده قاعدا في بيت كتبه وعلى وجه الكتب مجلدة صغيرة مربعة فيها أشعار الحسين بن منصور فهاتها ولا تقل له شيئا قال فدخلت عليه فإذا هو في بيت كتبه والمجلدة بحيث ذكر أبو علي فلما قعدت أخذ في الحديث وقال كان بعض الناس ينكر على واحد من العلماء حركته في السماع فرئى ذلك الإنسان يوما خاليا في بيت وهو يدور كالمتواجد فسئل عن حاله فقال كانت مسألة مشكلة علي فتبين لي معناها فلم أتمالك من السرور حتى قمت أدور فقل له مثل هذا يكون حالهم فلما رأيت ذلك منهما تحيرت كيف أفعل بينهما فقلت لا وجه إلا الصدق فقلت إن أبا علي وصف هذه المجلدة وقال احملها إلي من غير أن يعلم الشيخ وأنا أخافك وليس يمكنني مخالفته فأيش تأمر فأخرج أجزاء من كلام الحسين بن منصور وفيها تصنيف له سماه الصيهور في نقض الدهور وقال احمل هذه إليه قلت الذي أفهمه من هذه الحكاية أن أبا عبد الرحمن يقول جوابا لأبي علي عن قوله إن مثله في حاله لعل السكون أولى به ما حاصله أن الحركة لم ينشيءها السماع وأنى ليست بحيث يأخذ مني السماع ولكن يعرض لي أمر لا مدخل للسماع فيه فيحصل معه من السرور ما يتعقبه بالحركة من غير تمالك ولا اختيار وليس للسماع هناك أثر لأن مثله يتفق للإنسان وهو خال في بيت مفرد ثم يوجد متواجدا لذلك فمثل هذا حالي وليس كما توهم في أن السماع يأخذ منمي فإن حالي كما ذكر أبو علي أرفع وأما إرساله كتاب الصيهور في نقض الدهور فلعل فيه إشارة خفية بين الشيخين لم أفهمها ولم يكن والله أعلم أبو عبد الرحمن وإن أباح السماع بحيث يتأثر به وقد أنكر بقلبه على أستاذه أبي سهل فيما حكاه الأستاذ أبو القاسم القشيري قال سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن يقول خرجت إلى مرو يعني من نيسابور في حياة الأستاذ أبي سهل الصعلوكي وكان له قبل خروجي أيام الجمعة بالغدوات مجلس دور القرآن يختم به فوجدته عند رجوعي قد رفع ذلك المجلس وعقد لابن العقابي في ذلك الوقت مجلس القول فداخلني من ذلك شيء وكنت أقول في نفسي قد استبدل مجلس الختم بمجلس القول فقال لي يوما أيش يقول الناس في قلت يقولون رفع مجلس القرآن ووضع مجلس القول فقال من قال لأستاذه لم لا يفلح أبدا وقال شيخنا أبو عبد الله الذهبي كان يعني السلمي وافر الجلالة له أملاك ورثها من أمه وورثتها هي من أبيها وتصانيفه يقال إنها ألف جزء وله كتاب سماه حقائق التفسير ليته لم يصنفه فإنه تحريف وقرمطة فدونك الكتاب فسترى العجب انتهى قلت لا ينبغي له أن يصف بالجلالة من يدعي فيه التحريف والقرمطة وكتاب حقائق التفسير المشار إليه قد كثر الكلام فيه من قبل أنه اقتصر فيه على ذكر تأويلات ومحال للصوفية ينبو عنها ظاهر اللفظ تلميذ ابن فورك وختنه وهو صاحب كتاب تلخيص الدلائل توفي في ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وأربعمائة أبو بكر شارح مختصر المزني وهو الصيدلاني تلميذ الإمام أبي بكر القفال المروزي كذا تحققناه بعد أن كنا شاكين فيه قال ابن الرفعة أكثر النقل عنه في المطلب وتوهمه غير الصيدلاني وقال في كلامه على دية الجنين ابن داود متقدم على القفال المروزي ونقلت أنا ذلك عنه في الطبقات الوسطى والصغرى ثم رأيت في الأنساب لابن السمعاني في ترجمة الداودي ما نصه وأبو المظفر سليمان بن داود بن محمد بن داود الصيدلاني المعروف بالداودي نسبة إلى جده الأعلى وهو نافلة الإمام أبي بكر الصيدلاني صاحب أبي بكر القفال انتهى ثم وقفت على مجلدين من شرحه للمزني وفي أوله اسمه أبو بكر محمد بن داود المروزي المعروف بالصيدلاني ثم وقع لي في شعبان سنة إحدى وسبعين وسبعمائة ربع الجنايات من شرحه وقد كتبه كاتبه في سنة إحدى وسبعين وأربعمائة وقال إنه طريقة الشيخ أبي بكر القفال المروزي التي حررها الشيخ أبو بكر بن داود الداودي الصيدلاني فتحققت بهذا أن الداودي هو الصيدلاني وهو الذي علق على المزني شرحا مسمى عند الخراسانيين بطريقة الصيدلاني لأنه علقه على طريقة القفال التي كان يسمعها عنه مع زيادات يذكرها من قبله وصرت على قطع من ذلك ولله الحمد أبو بكر النسائي إمام نسا وخطيبها الفقيه قاضي مصر مصنف أبا مسلم محمد بن أحمد الكاتب وأحمد بن ثرثال وأبا الحسن بن جهضم وأبا محمد بن النحاس وآخرين روى عنه الحميدي وأبو سعيد عبد الجليل الساوي ومحمد بن محمد بن بركات السعيدي وسهل بن بشر الإسفرايني وأبو عبد الله الرازي في مشيخته والخطيب وابن ماكولا وآخرون قال الأمير ابن ماكولا كان متفننا في عدة علوم ولم أر في مصر من يجري مجراه وقال السلفي كان من الثقات الأثبات شافعي المذهب والاعتقاد مرضي الجملة قلت وقد ذهب إلى الروم رسولا ومن عجيب ما اتفق له أنه لقي شيخا بمدينة القسطنطينية فسمع منه بها ثم حدث عنه ورزجاه بفتح الراء المهملة كذا ذكر أبو سعيد بن السمعاني قال شيخنا الذهبي وقيل بضمها ثم سكون الزاي ثم جيم وفي آخرها هاء قرية من قرى بسطام كان فقيها أديبا محدثا تفقه على الأستاذ أبي سهل الصعلوكي وسمع أبا بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي وأبا أحمد بن عدي الجرجانيين وأبا أحمد الحاكم الحفاظ وأبا أحمد الغطريفي وأبا علي بن المغيرة روى عنه الحافظ أبو بكر البيهقي وأبو عبد الله الثقفي وأبو سعيد بن أبي صادق وأبو الحسن علي بن محمد بن أحمد الفقاعي وآخرون مولده سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة وكان يجلس لإسماع الحديث والأدب وله حلقة وانتقل في آخر عمره إلى بسطام ومات بها في ربيع الأول سنة ست وعشرين وأربعمائة القاضي أبو عبد الله البيضاوي ولي القضاء بربع الكرخ من بغداد وحدث بيسير عن أبي بكر ابن مالك القطيعي والحسين بن محمد بن عبيد العسكري قال الخطيب كتبت عنه وكان ثقة صدوقا دينا سديدا وقال الشيخ أبو إسحاق تفقه على الداركي وحضرت مجلسه وعلقت عنه وكان ورعا حافظا للمذهب والخلاف موفقا في الفتاوي انتهى مات فجأة في ليلة الجمعة رابع عشر رجب سنة أربع وعشرين وأربعمائة ودفن بمقبرة باب حرب قال ابن الصلاح أظنه من بيضاء فارس قال ابن الصلاح أيضا قرأت بخط القاضي أبي منصور بن الصباغ في كتابه كتاب الإشعار بمعرفة اختلاف علماء الأمصار وإذا رأى في ثوبه نجاسة ثم خفيت عليه فيما يغلب عليه ظني أني سمعت قاضي القضاة أبا عبد الله الدامغاني أو وجدته في كتابه أنه استفتي في هذه المسألة في زمان أبي عبد الله البيضاوي وأن جماعة فقهاء الوقت أفتوا بأنه يجب عليه غسل جميعه إلا البيضاوي فإنه أفتى بأنه يجب غسل ما رآه في الثوب فاستحسن ذلك منه قال ابن الصلاح وهذا فيه غموض وكشفه أن النجاسة لم تحقق إلا فيما رأى فالاشتباه لا يتعداه فلا يتعداه الغسل إلى ما لم يره وهذا الخلاف خلاف ما يقال إذا أصاب الثوب نجاسة وخفي موضعها غسله كله قلت هذا في الحقيقة ليس خلافا لما أفتوا به فإنه لو عرض عليهم لقبلوه وإنما الذهن السريع الإدراك يبادر إليه فهو دليل على حسن بديهة البيضاوي واتقاد ذهنه ومثل هذا ما وقع في عصرنا وردت على فتيا صورتها رجل وقف على الفقراء والمساكين وابن ابنه فقير فهل يدفع إليه من مال الوقف ويكون أحق من الأجانب فكتبت الأفضل الدفع إليه ووافقني جماعة من المفتين ثم حضرت والدي رحمه الله تعالى وقد وردت عليه الفتيا مشحونة بخطوط المفتين فكتب تحتهم في الوقت الحاضر الأجوبة المذكورة صحيحة بشرطين أحدهما أن لا يكون الوقف في مرض الموت ويكون ابن ابنه وارثا فمتى كان كذلك لا يصرف إليه شيء والثاني أن يحصل الصرف إلى خمسة سواه اثنين من الفقراء وثلاثة من المساكين ليحصل حقيقة الجمع التي دل عليها لفظ الفقراء ولفظ المساكين فإذا اجتمع هذان الشرطان كان الأفضل الصرف إليه الفرضي الفقيه إمام عصره في الفرائض وقسمة التركات وله في ذلك التصانيف المشهورة سمع أبا العباس الأثرم والحسن بن محمد بن عثمان الفسوي وأبا بكر بن داسة وغيرهم وحدث ببغداد سمع منه القاضي أبو الطيب محمد بن بكر الطبري سنن أبي داود سماعة من ابن داسة عن أبي داود قال الشيخ أبو إسحاق كان ابن اللبان إماما في الفقه والفرائض صنف فيها كتبا كثيرة ليس لأحد مثلها وعنه أخذ الناس ممن أخذ عنه أبو أحمد بن أبي مسلم الفرضي وأبو الحسين أحمد بن محمد ابن يحيى الكازروني الذي لم يكن في زمانه أفرض منه ولا أحسب انتهى وقال الخطيب انتهى إليه علم الفرائض وروي أنه كان يقول ليس في الدنيا فرضي إلا من أصحابي أو أصحاب أصحابي أبو لا يحسن شيئا صاحب التصانيف في علوم الحديث منها تاريخ نيسابور وهو عندي أعود التواريخ على الفقهاء بفائدة ومن نظره عرف تفنن الرجل في العلوم جميعها وله المستدرك على الصحيحين وعلوم الحديث وكتاب مزكي الأخبار وكتاب الإكليل وكتاب فضائل الشافعي وغير ذلك كان إماما جليلا وحافظا حفيلا اتفق على إمامته وجلالته وعظم قدره ولد صبيحة الثالث من شهر ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة وطلب العلم من الصغر باعتناء والده وخاله فأول سماعه سنة ثلاثين واستملى على أبي حاتم بن حبان سنة أربع وثلاثين ورحل من نيسابور إلى العراق سنة إحدى وأربعين بعد موت إسماعيل الصفار بأشهر وشيوخه الذين سمع منهم بنيسابور وحدها نحو ألف شيخ وسمع بغيرها من نحو ألف شيخ أيضا وروى عن محمد بن علي المذكر ومحمد بن يعقوب الأصم ومحمد بن يعقوب بن الأخرم ومحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني الصفار نزيل نيسابور وأبي حامد بن حسنويه المقرىء وأبي بكر بن إسحاق الصبغي الفقيه وأبي النصر محمد بن محمد بن يوسف الفقيه وأبي عمرو عثمان بن السماك وأبي بكر النجار وأبي علي النيسابوري الحافظ وبه تخرج وأبي الوليد الفقيه وعبد الباقي بن قانع الحافظ وخلق وكتب عن غير واحد أصغر منه سنا وسندا روى عنه أبو الحسن الدارقطني وهو من شيوخه وأبو الفتح بن أبي الفوارس وأبو ذر الهروي وأبو بكر البيهقي والأستاذ أبو القاسم القشيري وأبو صالح المؤذن وجماعة آخرهم أبو بكر أحمد بن علي بن خلف الشيرازي وانتخب على خلق كثير وتفقه على أبي علي بن أبي هريرة وأبي سهل الصعلوكي وأبي الوليد النيسابوري وصحب في التصوف أبا عمر بن محمد بن جعفر الخلدي وأبا عثمان المغربي وجماعة ورحل إليه من البلاد لسعة علمه وروايته واتفاق العلماء على أنه من أعلم الأئمة الذين حفظ الله بهم هذا الدين وحدث عنه في حياته وكتب أبو عمر الطلمنكي علوم الحديث للحاكم عن شيخ له سنة تسع وثمانين وثلاثمائة بسماعه من صاحب الحاكم عن الحاكم كتب إلي أحمد بن أبي طالب عن جعفر الهمداني أخبرنا أبو طاهر السلفي قال سمعت إسماعيل بن عبد الجبار القاضي بقزوين يقول سمعت الخليل بن عبد الله الحافظ يقول فذكر الحاكم أبا عبد الله وعظمه وقال له رحلتان إلى العراق والحجاز الرحلة الثانية سنة ثمان وثلاثين وناظر الدارقطني فرضيه وهو ثقة واسع العلم بلغت تصانيفه قريبا من خمسمائة جزء وقال أبو حازم عمر بن أحمد بن إبراهيم العبدوي الحافظ إن الحاكم أبا عبد الله قلد قضاء نسا سنة تسع وخمسين في أيام السامانية ووزارة العتبي فدخل الخليل بن أحمد السجزي القاضي على أبي جعفر العتبي فقال هنأ الله الشيخ فقد جهز إلى نسا ثلاثمائة ألف حديث لرسول الله فتهلل وجهه قال وقلد بعد ذلك مشيختنا يقولون كان الشيخ أبو بكر بن إسحاق وأبو الوليد النيسابوري يرجعان إلى أبي عبد الله الحاكم في السؤال عن الجرح والتعديل وعلل الحديث وصحيحه وسقيمه قال وأقمت عند الشيخ أبي عبد الله العصمي قريبا من ثلاث سنين ولم أر في جملة مشايخنا أتقى منه ولا أكثر تنقيرا فكان إذا أشكل عليه شيء أمرني أن أكتب إلى الحاكم أبي عبد الله وإذا ورد عليه جوابه حكم به وقطع بقوله وانتخب على المشايخ خمسين سنة وحكى القاضي أبو بكر الحيري أن شيخا من الصالحين حكى أنه رأى النبي النوم قال فقلت له يا رسول الله بلغني أنك قلت ولدت في زمن الملك العادل وإني سألت الحاكم أبا عبد الله عن هذا الحديث فقال هذا كذب ولم يقله رسول الله ( صدق أبو عبد الله ) قال أبو حازم أول من اشتهر بحفظ الحديث وعلله بنيسابور بعد الإمام مسلم ابن الحجاج إبراهيم بن أبي طالب وكان يقابله النسائي وجعفر الفريابي ثم أبو حامد بن الشرقي وكان يقابله أبو بكر بن زياد النيسابوري وأبو العباس بن سعد ثم أبو علي الحافظ وكان يقابله أبو أحمد العسال وإبراهيم بن حمزة ثم الشيخان أبو الحسين الحجاج وأبو أحمد الحاكم وكان يقابلهما في عصرهما ابن عدي وابن المظفر والدارقطني وتفرد الحاكم أبو عبد الله في عصرنا من غير أن يقابله أحد بالحجاز والشام والعراقين والجبال والري وطبرستان وقومس وخراسان بأسرها وما وراء النهر هذا بعض كلام أبي حازم ذكره في حياة الحاكم وقال في آخره جعلنا الله لهذه النعمة من الشاكرين وذكر أنه سمعه يقول شربت ماء زمزم وسألت الله أن يرزقني حسن التصنيف وقال عبد الغافر الفارسي إن الحاكم اختص بصحبة إمام وقته أبي بكر أحمد بن إسحاق الصبغي وإنه كان يراجعه في الجرح والتعديل والعلل وأنه أوصى إليه في أمور مدرسته دار السنة وفوض إليه تولية أوقافه في ذلك وسمعت مشايخنا يذكرون أيامه ويحكمون أن مقدمي عصره مثل الإمام أبي سهل الصعلوكي والإمام ابن فورك وسائر الأئمة يقدمونه على أنفسهم ويراعون حق فضله ويوفون له الحرمة الأكيدة بسبب تفرده بحفظه ومعرفته وكان إذا حضر مجلس سماع محتو على مشايخ وصدور يؤنسهم بمحاضرته ويطيب أوقاتهم بحكاياته بحيث يظهر صفاء كلامه على الحاضرين فيأنسون بحضوره قال محمد بن طاهر الحافظ سألت سعدا الزنجاني الحافظ بمكة قلت له أربعة من الحفاظ تعاصروا أيهم أحفظ فقال من قلت الدارقطني ببغداد وعبد الغني بمصر وأبو عبد الله بن مندة بأصبهان وأبو عبد الله الحاكم بنيسابور فسكت فألححت عليه فقال أما الدارقطني فأعلمهم بالعلل وأما عبد الغني فأعلمهم بالأنساب وأما ابن مندة فأكثرهم حديثا مع معرفة تامة وأما الحاكم فأحسنهم تصنيفا وحكي أن أبا الفضل الهمذاني الأديب لما ورد نيسابور وتعصبوا له ولقب بديع الزمان أعجب بنفسه إذ كان يحفظ المائة بيت إذا أنشدت بين يديه مرة وينشدها من آخرها إلى أولها مقلوبة فأنكر على الناس قولهم فلان الحافظ في الحديث ثم قال وحفظ الحديث مما يذكر فسمع به الحاكم ابن البيع فوجه إليه بجزء وأجله جمعة في حفظه فرد إليه الجزء بعد الجمعة وقال من يحفظ هذا محمد بن فلان وجعفر بن فلان عن فلان أسامي مختلفة وألفاظ متباينة فقال له الحاكم فاعرف نفسك واعلم أن حفظ هذا أضيق مما أنت فيه تذاكرنا يوما روى سليمان التيمي عن أنس فمررت أنا في الترجمة وكان بحضرة أبي علي وجماعة من المشايخ إلى أن ذكرت حديث ( لا يزني الزاني وهو مؤمن ) فحمل بعضهم علي فقال أبو علي له لا تفعل فما رأيت أنت ولا نحن في سنه مثله وأنا أقول إذا رأيته رأيت ألف رجل من أصحاب الحديث وروى أبو موسى المديني أن الحاكم أبا عبد الله دخل الحمام واغتسل وخرج وقال آه وقبض روحه وهو متزر لم يلبس قميصه بعد وذلك في ثالث صفر سنة خمس وأربعمائة يوم الأربعاء ودفن بعد العصر وصلى عليه القاضي أبو بكر الحيري وقال الحسن بن أشعث القرشي رأيت الحاكم في المنام على فرس في هيئة حسنة وهو يقول النجاة فقلت له أيها الحاكم فيما ذا قال في كتبة الحديث قلت كذا صح وثبتت وفاته سنة خمس وأربعمائة ووهم من قال سنة ثلاث وأربعمائة رحمه الله
أول ما ينبغي لك أيها المنصف إذا سمعت الطعن في رجل أن تبحث عن خلطائه والذين عنهم أخذ ما ينتحل وعن مرباه وسبيله ثم تنظر كلام أهل بلده وعشيريته من معاصريه العارفين به بعد البحث عن الصديق منهم له والعدو الخالي عن الميل إلى إحدى الجهتين وذلك قليل في المتعارصرين المجتمعين في بلد وقد رمي هذا الإمام الجليل بالتشيع وقيل إنه يذهب إلى تقديم علي من غير أن يطعن في واحد من الصحابة رضي الله عنهم فنظرنا فإذا الرجل محدث لا يختلف في ذلك وهذه العقيدة تبعد على محدث فإن التشيع نادر وإن وجد في أفراد قليلين ثم نظرنا مشايخه الذين أخذ عنهم العلم وكانت له بهم خصوصية فوجدناهم من كبار أهل السنة ومن المتصلبة في عقيدة أبي الحسن الأشعري كالشيخ أبي بكر بن إسحاق الصبغي والأستاذ أبي بكر بن فورك والأستاذ أبي سهل الصعلوكي وأمثالهم وهؤلاء هم الذين كان يجالسهم في البحث ويتكلم معهم في أصول الديانات وما يجري مجراها ثم نظرنا تراجم أهل السنة في تاريخه فوجدناه يعطيهم حقهم من الإعظام والثناء مع ما ينتحلون وإذا شيءت فانظر ترجمة أبي سهل الصعلوكي وأبي بكر بن إسحاق وغيرهما من كتابه ولا يظهر عليه شيء من الغمز على عقائدهم وقد استقريت فلم أجد مؤرخا ينتحل عقيدة ويخلو كتابه عن الغمز ممن يحيد عنها سنة الله في المؤرخين وعادته في النقلة ولا حول ولا قوة إلا بحبله المتين ثم رأينا الحافظ الثبت أبا القاسم بن عساكر أثبته في عداد الأشعريين الذين يبدعون أهل التشيع ويبرءون إلى الله منهم فحصل لنا الريب فيما رمي به هذا الرجل على الجملة ثم نظرنا تفاصيله فوجدنا الطاعنين يذكرون أن محمد بن طاهر المقدسي ذكر أنه سأل أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري عن الحاكم أبي عبد الله فقال ثقة في الحديث رافضي خبيث وأن ابن طاهر هذا قال إنه كان شديد التعصب للشيعة في الباطن وكان يظهر التسنن في التقديم والخلافة وكان منحرفا غاليا عن معاوية وأهل بيته يتظاهر به ولا يتعذر منه فسمعت أبا الفتح ابن سمكويه بهراة يقول سمعت عبد الواحد المليحي يقول سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول دخلت على أبي عبد الله الحاكم وهو في داره لا يمكنه الخروج إلى المسجد من أصحاب أبي عبد الله بن كرام وذلك أنهم كسروا منبره ومنعوه من الخروج فقلت له لو خرجت وأمليت في فضائل هذا الرجل حديثا لاسترحت من هذه الفتنة فقال لا يجيء من قلبي يعني معاوية وأنه قال أيضا سمعت أبا محمد بن السمرقندي يقول بلغني أن مستدرك الحاكم ذكر بين يدي الدارقطني فقال نعم يستدرك عليهما حديث الطير فبلغ ذلك الحاكم فأخرج الحديث من الكتاب هذا ما يذكره الطاعنون وقد استخرت الله كثيرا واستهديته التوفيق وقطعت القول بأن كلام أبي إسماعيل وابن الطاهر لا يجوز قبوله في حق الإمام لما بينهم من مخالفة العقيدة وما يرميان به من التجسيم أشهر مما يرمى به الحاكم من الرفض ولا يغرنك قول أبي إسماعيل قبل الطعن فيه إنه ثقة في الحديث فمثل هذا الثناء يقدمه من يريد الإزراء بالكبار قبل الإزراء عليهم ليوهم البراءة من الغرض وليس الأمر كذلك والغالب على ظني أن ما عزي إلى أبي عبد الرحمن السلمي كذب عليه ولم يبلغنا أن الحاكم ينال من معاوية ولا يظن ذلك فيه وغاية ما قيل فيه الإفراط في ولاء علي كرم الله وجهه ومقام الحاكم عندنا أجل من ذلك وأما ابن كرام فكان داعية إلى التجسيم لا ينكر أحد ذلك ثم إن هذه حكاية لا يحكيها إلا هذا الذي يخالف الحاكم في المعتقد فكيف يسع المرء بين يدي الله تعالى أن يقبل قوله فيها أو يعتمد على نقله ثم أنى له اطلاع على باطن الحاكم حتى يقضي بأنه كان يتعصب للشيعة باطنا وأما ما رواه الرواة عن الدارقطني إن صح فليس فيه ما يرمي به الحاكم بل غايته أنه استقبح منه ذكر حديث الطير في المستدرك وليس هو بصحيح فهو يكثر من الأحاديث التي أخرجها في المستدرك واستدركت عليه ثم قول ابن طاهر إن الحاكم أخرج من حديث الطير من المستدرك فيه وقفة فإن حديث الطير موجود في المستدرك إلى الآن وليته أخرجه منه فإن إدخاله فيه من الأوهام التي تستقبح ثم لو دلت كلمة الدارقطني على وضع من الحاكم لم يعتد بها لما ذكر الخطيب في تاريخه من أن الأزهري حدثه أن الحاكم ورد بغداد قديما ذكر لي أن حافظكم يعني الدارقطني خرج لشيخ واحد خمسمائة جزء فأروني بعضها فحمل إليه منها وذلك مما خرجه لأبي إسحاق الطبري فنظر في أول الجزء الأول حديثا لعطية العوفي فقال استفتح بشيخ ضعيف ثم رمى الجزء من يده ولم ينظر في الباقي فهذه كلمة من الحاكم في الدارقطني تقابل كلمة الدارقطني فيه وليس على واحد منها فضاحة غير أنه يؤخذ منهما أنه قد يكون بينهما ما قد يكون بين الأقران وقد قدمنا في الطبقة الأولى في ترجمة أحمد بن صالح أن كلام النظير في النظير عند ذلك غير مقبول ولا يوجب طعنا على القائل ولا المقول فيه وحققنا في ذلك جملة صالحة وذلك كله بتقدير ثبوت الحكاية وأن فيها تعريضا من الدارقطني بغمز الحاكم بسوء العقيدة ولا يسلم واحد من الأمرين وإنما فيها عندنا الغمز من كتاب المستدرك لما فيه مما يستدرك وهو غمز صحيح ثم قال ابن طاهر وسمعت المظفر بن حمزة بجرجان يقول سمعت أبا سعد الماليني يقول طالعت المستدرك فلم أجد فيه حديثا على شرط الشيخين قلت ليس في هذا تعرض للتشيع بنفي ولا إثبات ثم هو غير مسلم قال شيخنا الذهبي بل هو من غلو و إسراف من الماليني ففي المستدرك جملة وافرة على شرطهما وجملة كبيرة على شرط أحدهما قال شيخنا الذهبي لعل مجموع ذلك نحو نصف الكتاب قال وفيه نحو الربع صح سنده وإن كان فيه علة قال وما بقي وهو نحو الربع فهو مناكير وواهيات لا تصح وفي بعض ذلك موضوعات ثم ذكر ابن طاهر أنه رأى بخط الحاكم حديث الطير في جزء ضخم جمعه وقال وقد كتبته للتعجب قلنا وغاية جمع هذا الحديث أن يدل على أن الحاكم يحكم بصحته ولولا ذلك لما أودعه المستدرك ولا يدل ذلك منه على تقديم علي رضي الله عنه على شيخ المهاجرين والأنصار أبي بكر الصديق رضي الله عنه إذ له معارض أقوى لا يقدر على دفعه وكيف يظن بالحاكم مع سعة حفظه تقديم علي ومن قدمه على أبي بكر فقد طعن على المهاجرين والأنصار فمعاذ الله أن يظن ذلك بالحاكم ثم ينبغي أن يتعجب من ابن طاهر في كتابه هذا الجزء مع اعتقاده بطلان الحديث ومع أن كتابته سبب شياع هذا الخبر الباطل واغترار الجهال به أكثر مما يتعجب من الحاكم ممن يخرجه وهو يعتقد صحته وحكى شيخنا الذهبي كلام ابن طاهر وذيل عليه أن للحاكم جزءا في فضائل فاطمة وهذا لا يلزم منه رفض ولا تشيع ومن ذا الذي ينكر فضائلها رضي الله عنها فإن قلت فهل ينكر أن يكون عند الحاكم شيء من التشيع قلت الآن حصحص الحق والحق أحق أن يتبع وسلوك طريق الإنصاف أجدر بذوي العقل من ركوب طريق الاعتساف فأقول لو انفرد ما حكيته عن أبي إسماعيل وعن ابن طاهر لقطعت بأن نسبة التشيع إليه كذب عليه ولكني رأيت الخطيب أبا بكر رحمه الله تعالى قال فيما أخبرني به محمد بن إسماعيل المسند إذنا خاصا والحافظ أبو الحجاج المزي إجازة قالا أخبرنا مسلم بن محمد بن علان قال الأول إجازة وقال الثاني سماعا أخبرنا أبو اليمن الكندي أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر الخطيب قال أبو عبد الله بن البيع الحاكم كان ثقة أول سماعه في سنة ثلاثين وثلاثمائة وكان يميل إلى التشيع فحدثني إبراهيم بن محمد الأرموي بنيسابور وكان صالحا عالما قال جمع أبو عبد الله الحاكم أحاديث وزعم أنها صحاح على شرط البخاري ومسلم منها حديث الطير ومن كنت مولاه فعلي مولاه فأنكر عليه أصحاب الحديث ذلك ولم يلتفتوا إلى قوله انتهى قلت والخطيب ثقة ضابط فتأملت مع ما في النفس من الحاكم من تخريجه حديث الطير في المستدرك وإن كان خرج أشياء غير موضوعة لا تعلق لها بتشيع ولا غيره فأوقع الله في نفسي أن الرجل كان عنده ميل إلى علي رضي الله عنه يزيد على الميل الذي يطلب شرعا ولا أقول إنه ينتهي به إلى أن يضع من أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ولا إنه يفضل عليا على الشيخين بل أستبعد أن يفضله على عثمان رضي الله عنهما فإني رأيته في كتابه الأربعين عقد بابا لتفضيل أبي بكر وعمر وعثمان واختصهم من بين الصحابة وقدم في المستدرك ذكر عثمان على علي رضي الله عنهما وروى فيه من حديث أحمد بن أخي ابن وهب حدثنا عمي حدثنا يحيى بن أيوب حدثنا هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة قالت أول حجر حمله النبي المسجد ثم حمل أبو بكر ثم حمل عمر حجرا ثم حمل عثمان حجرا فقلت يا رسول الله ألا ترى إلى هؤلاء كيف يسعدونك فقال ( يا عائشة هؤلاء الخلفاء من بعدي ) قال الحاكم على شرطهما وإنما اشتهر من رواية محمد بن الفضل بن عطية فلذلك هجر قلت وقد حكم شيخنا الذهبي في كتابه تلخيص المستدرك بأن هذا الحديث لا يصح لأن عائشة لم يكن النبي بها إذ ذاك قال وأحمد منكر الحديث وإن كان مسلم خرج له في الصحيح ويحيى وإن كان ثقة فيه ضعف قلت فمن يخرج هذا الحديث الذي يكاد يكون نصا في خلافة الثلاثة مع ما في إخراجه من الاعتراض عليه يظن به الرفض وخرج أيضا في فضائل عثمان حديث لينهض كل رجل منكم إلى كفئه فنهض النبي عثمان وقال ( أنت ولي في الدنيا والآخرة ) وصححه مع أن في سنده مقالات وأخرج غير ذلك من الأحاديث الدالة على أفضلية عثمان مع ما في بعضها من الاستدراك عليه وذكر فضائل طلحة والزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص فقد غلب على الظن أنه ليس فيه ولله الحمد شيء مما يستنكر عليه إفراط في ميل لا ينتهي إلى بدعة وأنا أجوز أن يكون الخطيب إنما يعني بالميل إلى ذلك ولذلك حكم بأن الحاكم ثقة ولو كان يعتقد فيه رفضا لجرحه به لا سيما على مذهب من يرى رد رواية المبتدع مطلقا فكلام الخطيب عندنا يقرب من الصواب وأما قول من قال إنه رافضي خبيث ومن قال إنه شديد التعصب للشيعة فلا يعبأ بهما كما عرفناك هذا ما ظهر لي والله أعلم وحكى شيخنا الذهبي أن الحاكم سئل عن حديث الطير فقال لا يصح ولو صح لما كان أحد أفضل من علي بعد رسول الله ثم قال شيخنا وهذه الحكاية سندها صحيح فما باله أخرج حديث الطير في المستدرك ثم قال فلعله تغير رأيه قلت وكلام شيخنا حق وإدخاله حديث الطير في المستدرك مستدرك وقد جوزت أن يكون زيد في كتابه وألا يكون هو أخرجه وبحثت عن نسخ قديمة من المستدرك فلم أجد ما ينشرح الصدر لعدمه وتذكرت قول الدارقطني إنه يستدرك حديث الطير فغلب على ظني أنه لم يوضع عليه ثم تأملت قول من قال إنه أخرجه من الكتاب فجوزت أن يكون خرجه ثم أخرجه من الكتاب وبقي في بعض النسخ فإن ثبت هذا صحت الحكايات ويكون خرجه في الكتاب قبل أن يظهر له بطلانه ثم أخرجه منه لاعتقاده عدم صحته كما في هذه الحكاية التي صحح الذهبي سندها ولكنه بقي في بعض النسخ إما لانتشار النسخ بالكتاب أو لإدخال بعض الطاعنين إياه فيه فكل هذا جائز والعلم عند الله تعالى وأما الحكم على حديث الطير بالوضع فغير جيد ورأيت لصاحبنا الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي عليه كلاما قال فيه بعد ما ذكر تخريج الترمذي له وكذلك النسائي في خصائص علي رضي الله عنه إن الحق في الحديث أنه ربما ينتهي إلى درجة الحسن أو يكون ضعيفا يحتمل ضعفه قال فأما كونه ينتهي إلى أنه موضوع من جميع طرقه فلا قال وقد خرجه الحاكم من رواية محمد بن أحمد بن عياض قال حدثنا أبي حدثنا يحيى بن حسان عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال ورجال هذا السند كلهم ثقاة معروفون سوى أحمد بن عياض فلم أر من ذكره بتوثيق ولا جرح ويقرب من حديث الطير حديث علي خير البشر من أبي فقد كفر أخرجه الحاكم أيضا فقال حدثنا عبد الله بن محمد أبو عبد الله الهاشمي قال قلت للحر بن سعيد النخعي أحدثك شريك قال حدثني شريك عن أبي إسحاق عن أبي وائل عن حذيفة قال قال رسول الله وهو مما ينكر على الحاكم إخراجه وقد رواه الخطيب أبو بكر من وجه آخر فقال أخبرنا الحسن بن أبي طالب حدثنا محمد بن إسحاق القطيعي حدثني أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى صاحب كتاب النسب حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبد الرزاق حدثنا الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي بلفظه إلا أن الخطيب تعقبه بقوله هذا حديث منكر ما رواه سوى العلوي بهذا الإسناد وليس بثابت ولم يعجب شيخنا الذهبي اقتصار الخطيب على هذه العبارة وقال ينبغي أني يأتي بأبلغ منها مما يدل على أن هذا حديث جلي البطلان وأخرج الحاكم أيضا حديث محمد بن دينار من أهل الساحل في شأن تزوج علي بفاطمة رضي الله عنها أخرجه بطوله ساكتا وهو موضوع ولعل واضعه محمد بن دينار فإنه الذي يقال له العرقي لا يعرف الإمام أبو عبد الله المروزي أحد أئمة أصحاب القفال المروزي كان إماما مبرزا زاهدا ورعا حافظا للمذهب شرح مختصر المزني وسمع القليل من أستاذه أبي بكر القفال وتوفي نيف وعشرين وأربعمائة بمرو وقال ابن الصلاح وحكاية من صحب القفال من الأئمة عن المسعودي تشعر بجلالة قدره قلت كان المسعودي إن لم يكن من أقران القفال كما دل عليه كلام الفوراني في خطبة الإبانة فهو من أكبر تلامذته والذي يقع لي أنه من أقران الصيدلاني وفوق درجة الفوراني وسئل القفال وهو يتكلم عن العوام عن رجل حلف بطلاق زوجته لا يأكل البيض فلقيه إنسان وفي كمه شيء فقال إن لم آكل مما في كم فلان فامرأتي طالق وكان الذي في كمه البيض فما الحيلة في ألا يقع طلاقه ففكر القفال ولم يحضره الجواب فلما نزل قال المسعودي يجعل ذلك البيض في القبيطاء يعني الحلاوة الناطف ثم يأكله ولا يقع طلاقه قلت ومما حكاه الفوراني عن المسعودي في العمد أن المصلي صلاة العيد يقول بين كل تكبيرتين من التكبيرات الزوائد سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك وجل ثناؤك ولا إله غيرك وقد نقله النووي في زيادة الروضة عن المسعودي لكن في نقل الفرواني إياه عن المسعودي كما نقل مسألة الناطف مما يشعر بجلالة المسعودي ورب قرين لقوم يكاد يكون لهم شيخا فهو يبتسم وبين الشيخ الأستاذ كالمعبد فكأن المسعودي كان معيدا بين يدي القفال فكذلك كان صاحب التقريب بين يدي والده القفال الكبير ولذلك كان تلامذة أبيه كالحليمي يرجعون إليه
قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح كل ما يوجد في كتاب البيان للعمراني منسوبا إلى المسعودي فإنه غير صحيح النسبة وإنما المراد به صاحب الإبانة أبو القاسم الفوراني قال وذلك أن الإبانة وقعت في اليمن منسوبة إلى المسعودي على جهة الغلط لتباعد الديار قلت وقال أبو عبد الله الطبري صاحب العدة في أولها بعد أن ذكر ما ذكره ابن الصلاح إن الإبانة تنسب في بعض بلاد خراسان إلى الصفار وفي بعضها إلى الشاشي وما ذكره ابن الصلاح من أن كل ما يوجد عن المسعودي في البيان فهو عن الإبانة مشكل بمواضع منها أن صاحب البيان نقل فيه أن المسعودي قال إذا اشترى مالا شفعة فيه أصلا لا بالأصالة ولا بالتبعية كالسيف وما فيه شفعة أنه لا تثبت الشفعة في الشقص لتفرق الصفقة في الشقص على المشتري وقد كشف الإبانة فلم أجد ذلك فيها ولعلنا نزيد الكلام على هذا الوجه بسطة في ترجمة ابن أبي الدم إذا أنتهينا إليها إن شاء الله تعالى ومنها نقل في البيان عن المسعودي أنه إذا ابتاع بثمن مؤجل فله أن يبيع ولا يخبر بالأجل وهذا يوافقه قول سليم في المجرد إنه يكره له أن يبيعه ولا يذكر الأجل وقد صرح الروياني في البحر بحكايته وجها عن الخراساني إلا أني كشفت الإبانة للفوراني فلم أر ذلك فيها ومنها قال في البيان قال المسعودي في الأب هل يزوج ابنه الصغير وجهان الأصح لا لأنه لا حاجة له إليه وهذا لم يوجد في الإبانة وقد وقع الروضة أن الفوراني وجها وصححه أن الأب لا يملك تزويج الابن الصغير العاقل قال وهو غلط قال ابن الرفعة في المطلب ولم أر الوجه المذكور في الإبانة هنا قلت ما أظن النووي أتي إلا من قبل ابن الصلاح فإنه لما استقر في نفسه ما ذكره من أن كل ما ينسب في البيان إلى المسعودي فهو إلى الفوراني ووجد هذا منسوبا إلى المسعودي نسبه إلى الفوراني وهو مكان كيس قد ذكرناه مع نظائر له في الكتاب الذي لقبناه خدم الرافعي في باب وهم على وهم
نقل ابن يونس في شرح التنبيه عن المسعودي أنه لا يسمع شهادة الفرع إلا عند موت شهود الأصل وهذا تصحيف إنما هو الشعبي أما أصحابنا فلم يقل منهم بذلك قائل لا المسعودي ولا غيره نبه عليه ابن الرفعة في المطلب أقضى القضاة ولد سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة وكان يعرف بالقاضي الرئيس وذكره كل واحد من عبد الله بن محمد الجرجاني في طبقات الشافعية وأبي سعد السمعاني في الذيل ومحمود الخوارزمي في تاريخ خوارزم قال الجرجاني هو قاضي القضاة الحسن الداماني النسوي ثم رحل إلى العراق ومصر وحصل العلم وولاه أمير المؤمنين القائم بأمر الله القضاء بالنواحي المذكورة ولقبه بأقضى القضاة صنف كتبا في الفقه والتفسير حسن السيرة في القضاء مرضي الطريقة وقال ابن السمعاني هو المعروف بالقاضي الرئيس كان من أكابر أهل عصره فضلا وحشمة وقبولا عند الملوك بعث رسولا إلى دار الخلافة ببغداد من جهة الأمير طغرلبك وله آثار وجدت بخراسان وخوارزم وولي قضاء مدة وبنى بها مدرسة سافر الكثير وسمع بنيسابور الإمام أبا إسحاق الإسفرايني الجرجاني وأبا معمر الإسماعيلي وبمصر أبا عبد الله محمد بن الفضل بن نظيف الفراء وبدمشق أبا الحسين بن علي بن موسى السمسار وبمكة أبا ذر الهروي وبنسا أبا بكر محمد بن زهير بن أخطل النسائي وأملى المجلس وتكلم على الأحاديث وروى عنه أبو عبد الله الفراوي وعبد المنعم القشيري وغيرهم وقال الخوارزمي فاق أهل عصره فضلا وإفضالا وتقدم على أبناء دهره رتبة وجلالة وحشمة ونعمة وقولا وإقبالا له الفضل الوافر في فنون العلوم الدينية وأنواعها الشرعية وكان لغويا نحويا مفسرا مدرسا فقيها مفتيا مناظرا شاعرا محدثا إلى أن قال وله الدين المتين الوازع عن ارتكاب ما يشين إلى أن قال وكان سلاطين السلجوقية يعتمدونه فيما يعن لهم من المهمات وذكر أن السلطان ملك شاه بن أرسلان استحضره بإشارة نظام الملك من خوارزم إلى أصبهان وجهزه إلى الخليفة ليخطب له ابنته فلما مثل بين يدي الخليفة وضعوا له كرسيا جلس عليه والخليفة على السرير فلما بلغ من إبلاغ الرسالة نزل عن السرير وقال هذه الرسالة وبقيت النصيحة قال قل قال لا تخلط بيتك الطاهر النبوي بالتركمانية فقال الخليفة سمعنا رسالتك وقبلنا نصيحتك فرجع عن حضرة الخليفة وقد بلغ نظام الملك الخبر قبل وصلوله إليه فلما دخل إلى أصبهان قال له دعوناك من خوارزم لإصلاح أمر أفسدته فقال قال رسول الله ( الدين النصيحة وأنا لا أبيع الدين بالدنيا ولم تنتقص حشمته بذلك ) ومن شعره قوله من رام عند الإله منزلة ** فليطع الله حق طاعته وحق طاعاته القيام بها ** مبالغا فيه وسع طاقته ومنه اتخذ طاعة الإله سبيلا ** تجد الفوز بالجنان وتنجو وأترك الإثم والفواحش طرا ** يؤتك الله ما تروم وترجو قال محمود الخوارزمي ولم يكن له كل قضاء خوارزم إنما كان قاضيا بالجانب الشرقي منها قال وكان أبو القاسم محمود الزمخشري يحكي أنه كان لا يذكر أحدا إلا بخير وأنه ذكر له فقيه كثير المساوىء فقال لا تقولوا ذلك فإنه يتعمم حسنا يعني لم يجد وصفا جميلا إلا حسن عمته فذكره به وتوفي سنة ثمان وسبعين وأربعمائة ولم يذكره ابن النجار المذكور في أوائل الباب الثاني في أركان الطلاق من شرح الرافعي من قرية ماخوان بضم الخاء المعجمة وبالنون من قرى مرو وهو الإمام الكبير أبو الفضل المروزي قال ابن السمعان إمام فاضل متبحر في مذهب الشافعي تفقه على أبي طاهر الشنجي وروى الحديث عن أبي علي السنجي روى لنا عنه ابناه عتيق وعبد الرازق وعبد الرحمن بن علي العمي العدل وغيرهم توفي سنة ست وتسعين وأربعمائة كان فقيها صالحا زاهدا وله ديوان شعر حدث عن أبي عمرو بن حمدان وأبي احمد الحاكم وغيرهما روى عنه إسماعيل بن عبد الغافر وأحمد بن عبد الملك المؤذن وغيرهما وأملى الحديث مدة وعمر ثمانين سنة مات سنة ست وثلاثين وأربعمائة
أخبرنا الحافظ أبو العباس بن المظفر بقراءتي عليه أخبرنا أحمد بن هبة الله بن عساكر بقراءتي عليه أخبرنا أبو المظفر بن السمعاني إجازة أخبرنا الجنيد بن محمد القايني أنبأنا أبو الفضل الطبسي أنبأنا أبو عبد الرحمن النيلي فيما أنشده لنفسه ما حال من أسر الهوى ألبابه ** ما حل من كسر التصابي بابه نادى الهوى أسماعه فأجابه ** حتى إذا ما جاز أغلق بابه أهوى لتمزيق الفؤاد فلم يجد ** في صدره قلبا فشق ثيابه
|