الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **
أحد أئمة الدين كلاما وأصولا وفروعا جمع أشتات العلوم واتفقت الأئمة على تبجيله وتعظيمه وجمعه شرائط الإمامة قال الحاكم انصرف من العراق بعد المقام بها وقد أقر له أهل العلم بالعراق وخراسان بالتقدم والفضل فاختار الوطن إلى أن خرج بعد الجهد إلى نيسابور وبنى له المدرسة التي لم يبن قبلها بنيسابور مثلها ودرس فيها وحدث سمع بخراسان الشيخ أبا بكر الإسماعيلي وبالعراق أبا بكر محمد بن عبد الله الشافعي ودعلج بن أحمد وأقرانهما روى عنه أبو بكر البيهقي وأبو القاسم القشيري وأبو السنابل هبة الله بن أبي الصهباء ومحمد بن الحسن البالوي وجماعة قيل وكان يلقب ركن الدين وله التصانيف الفائقة منها كتاب الجامع في أصول الدين والرد على الملحدين ومسائل الدور وتعليقة في أصول الفقه وغير ذلك قال عبد الغافر كان أبو إسحاق طراز ناحية المشرق فضلا عن نيسابور ونواحيها ثم كان من المجتهدين في العبادة المبالغين في الورع انتخب عليه أبو عبد الله الحاكم عشرة أجزاء وذكره في تاريخه لجلالته قال وكان ثقة ثبتا في الحديث وقال الحافظ ابن عساكر حكى لي من أثق به أن الصاحب بن عباد كان إذا انتهى إلى ذكر ابن الباقلاني وابن فورك والإسفرايني وكانوا متعاصرين من أصحاب أبي الحسن الأشعري قال لأصحابه ابن الباقلاني بحر مغرق وابن فورك صل مطرق والإسفرايني نار تحرق وقال الشيخ أبو إسحاق درس عليه شيخنا القاضي أبو الطيب وعنه أخذ الكلام والأصول عامة شيوخ نيسابور وقال أبو صالح المؤذن سمعت أبا حازم العبدوي يقول كان الأستاذ يقول لي بعد ما رجع من أسفراين أشتهي أن يكون موتى بنيسابور حتى يصلي على جميع أهل نيسابور فتوفي بعد هذا الكلام بنحو من خمسة أشهر يوم عاشوراء سنة ثمان عشرة وأربعمائة أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز قراءة عليه وأنا أسمع قال أنبأنا الشيخان أبو بكر محمد ورقية ابنا إسماعيل الأنماطي حضورا وغيرهما قالوا حدثنا أبو بكر بن أبي سعد الصفار كتابة أنبأنا أبو منصور عبد الخالق بن زاهر الشحامي سماعا أنبأنا الشيخ أبو إبراهيم محمد بن الحسن بن محمد ابن أحمد بن محمد البالوي أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبرايهم الإسفرايني أنبأنا أبو محمد دعلج ابن أحمد السجزي ببغداد حدثنا علي بن عبد العزيز المكي حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن سعد بن إبراهيم عن ابن كعب بن مالك عن أبيه عن النبي ( مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع يميلها الرياح مرة هكذا ومرة هكذا ومثل المنافق كمثل الأرزة المجذبة على الأرض حتى يكون انجعافها ) أخبرنا الحافظ أبو العباس بن المظفر بقراءتي عليه أخبرنا أحمد بن هبة الله الدمشقي عن أبي بكر القاسم بن أبي سعد عبد الله بن عمر الصفار وأبي المظفر عبد الرحيم بن أبي سعد عبد الكريم بن السمعاني قالا أنبأتنا عائشة ابنة أبي نصر أحمد بن منصور بن الصفار قراءة عليها ونحن نسمع قالت أنبأنا الشريف أبو السنابل هبة الله ابن أبي الصهباء محمد بن حيدر القرشي قراءة عليه وأنا أسمع حدثنا الأستاذ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم المهرجاني الإسفرايني إملاء في مسجد عقيل بعد صلاة العصر يوم الخميس في المحرم سنة إحدى عشرة وأربعمائة وهو أول إملاء عقد له أخبرنا الإمام أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي حدثنا محمد بن عثمان ابن أبي شيبة حدثنا أحمد بن طارق حدثنا مسلم بن خالد حدثنا زياد بن سعد عن محمد بن المنكدر عن صفوان بن سليم عن أنس بن مالك قال قال رسول الله ( بعثن على أثر ثمانية آلاف نبي منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل )
تكلم الأستاذ الإسفرايني في كتاب الحلي في أصول الدين على قول الشافعي رضي الله عنه الإيمان لا يشركه الشرك والشرك يشركه الشرك بما حاصله أن الإيمان لو قارنه اعتقاد قدم العالم أو نحوه من الكفران ارتفع بجملته والكفر كالتثليث مثلا لو قارنه اعتقاد خروج الشيطان على الرحمن ومغالبته كما يقول المجوس لم يرتفع شركه بالنصرانية بل ازداد شركا بالمجوسية وأطال في ذلك قلت فيؤخذ منه أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص وأن الكفر يزيد وينقص فتأمل ذلك ومن المسائل الحديثية التي سألها الحافظ أبو سعد عبد الرحمن بن الحسن ابن عليك النيسابوري من الأستاذ أبي إسحاق إذا روى عن الشيخ الأحاديث الطوال وقال فيه وذكر الحديث بطوله ثم أحب هذا أن يروي الحديث بطوله ولا يختصر هل له ذلك أجاب الأستاذ أن ذلك لا يجوز قلت وهذا الذي أراه وقد قدمته في الطبقة الثانية في ترجمة داود الظاهري وذكرت ما فيه عن أبي بكر الإسماعيلي وأبي علي الزجاجي وفيها أنه لا يرجح الذكورة عن الأنوثة في الرواية بل هما سواء وأنه إذا سقط من الأستاذ رجل يعلم أنه غلط من الكاتب لم يجز أن يثبت اسم ذلك الرجل وقال الأستاذ ومن فعله سقط في جميع أحاديثه وأنه إذا قلب الأستاذ والمتن على حاله فجعل بدل شعبة سعيدا وما أشبهه يريد أن يجعل الحديث مرغوبا فيه غريبا يصير دجالا كذابا تسقط به جميع أحاديثه وإن رواها على وجهها نقل الرافعي عن الأستاذ أبي إسحاق أن الأمم تعتق إذا أعتق حملها مالكها كما يعتق هو بعتقها وهذا مشكل فإنه لا تتخيل فيه السراية فإن السراية في الأشقاص لا في الأشخاص والحمل إنما يتبع الأم إذا أعتقها مالكها لأن الحمل تابع للأم لا للسراية لما ذكرناه وكيف تتبع الأم الحمل والتابع كيف ينقلب متبوعا
قال عبد الجبار في ابتداء جلوسه للمناظرة سبحان من تنزه عن الفحشاء فقال الأستاذ مجيبا سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء فقال عبد الجبار أفيشاء ربنا أن يعصى فقال الأستاذ أيعصى ربنا قهرا فقال عبد الجبار أفرأيت إن منعني الهدى وقضى علي بالردى أحسن إلي أم أسا فقال الأستاذ إن كان منعك ما هو لك فقد أسا وإن منعك ما هو له فيختص برحمته من يشا فانقطع عبد الجبار الفقيه النظار أحد كبراء الأصحاب ومناظريهم ومن له الثروة الزائدة والجاه الوافر تفقه على الأستاذ أبي الوليد الفقيه وروى عنه وعن أبي العباس الأصم وغيرهما روى عنه البيهقي وغيره وقع لنا حديثه في الأربعين الصغرى للبيهقي بالسين المهلة والراء المفتوحين نسبة إلى سارية بلدة من بلاد مازندران وربما نسب إليها الساري والمطهري نسبة إلى مطهر قرية من قرى سارية وهي بفتح الهاء اسم لمفعول طهر له تصانيف كثيرة في المذهب والخلاف والأصول والفرائض تفقه ببلده على أبي محمد بن أبي يحيى وببغداد على أبي حامد الإسفرايني وقرأ الفرائض على ابن اللبان وولي قضاء سارية والتدريس والفتوى وسمع المخلص وأبا العباس النسوي وأبا نصر بن الإمام أبي بكر الإسماعيلي وأملى الحديث وتوفي عن مائة في صفر سنة ثمان وخمسين وأربعمائة قال عبد الغافر وكان آخر العهد به سنة إحدى وثمانين وأربعمائة الإمام الجليل محدث هراة صاحب المصنفات الكثيرة ولد سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة وطلب الحديث فأكثر قال أبو النصر الفامي حتى إن عدد شيوخه زاد على ألف ومائتي نفس وله تاريخ السنين الذي صنفه في وفيات أهل العلم من زمان رسول الله سنة وفاته سنة تسع وعشرين ومن تصانيفه أيضا كتاب نسيم المهج وكتاب الأنس والسلوة وكتاب شمائل العباد قال وكان زاهدا مقلا من الدنيا قلت ومن مشايخه العباس بن الفضل النضروي وأبو الفضل محمد بن عبد الله اليساري وعبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي وزاهر بن أحمد الفقيه وأحمد بن عبد الله النعيمي والخليل بن أحمد القاضي وكتب عمن هو أصغر منه وحدث عن الحافظ أبي علي الوخشي وهو من أصحابه روى عنه أبو إسماعيل الأنصاري وأبو الفضل أحمد بن أبي عاصم الصيدلاني والحسين بن محمد بن مت وغيرهم توفي سنة تسع وعشرين وأربعمائة صاحب الكفاية في التفسير وغيرها ولد سنة إحدى وستين وثلاثمائة وقرأ الخطيب عليه صحيح البخاري كاملا في ثلاثة مجالس حدث عن زاهر السرخسي وغيره مات بعد سنة ثلاثين وأربعمائة وقفت بخطه على شرح عيون المسائل للفارسي علقه عن الشيخ أبي محمد بنيسابور في مجلدة واحدة . . . الفقيه المقرىء السرخسي ثم الهروي أخو الحافظ إسحاق هذا مصنف كتاب مناقب الشافعي الذي رتبه على مائة وستة عشر بابا أولها في نسب النبي يرجع إليه نسب الشافعي وآخرها أربعون بابا جمع فيها أربعين حديثا من أحاديث الأحكام من رواية الشافعي بسنده إليه إلى النبي كتاب حافل رأيت منه نسخة في مجلدين في خزانة كتب دار الحديث الأشرفية بدمشق وله مصنفات في علوم أخر كتاب درجات التائبين وكتاب الشافي في القراءات وكتاب الكافي وكتاب الجمع بين الصحيحين وكان إماما في عدة علوم زاهدا ورعا تفقه على الداركي وسمع الحديث من أبي بكر الإسماعلي بجرجان ومنصور بن العباس بهراة وأحمد بن محمد بن مقسم ببغداد ومن محمد بن عبد الله الساري وأبي عمرو بن حمدان وعلي بن عيسى العاصمي وأبي أحمد الغطريفي ومخلد بن جعفر الباقرحي وبشر بن أحمد الإسفرايني ومحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن زيد الصفار وعلي بن الحسن بن علي الجراحي ومحمد بن عبد الله أبي عبد الله بن الحاكم وغيرهم وروى عنه الأنصاري صاحب كتاب ذم الكلام وأبو عطاء عبد الأعلى بن عبد الواحد بن أحمد المليحي وغيرهما وكان إماما مبرزا في عدة علوم زاهدا ورعا ذكره أبو نصر الفامي ويوسف بن أحمد الشيرازي الحافظان وقالا كان في عدة علوم إماما منها الحديث والقراءات ومعاني القرآن والفقه والأدب وله تصانيف كلها حسنة قالا وكان في الزهد والتقلل من الدنيا آية قالا ولم يجد سوق فضله بهراة نفاقا لأن الاسم كان لغيره قال ابن الصلاح وقد رأيت بنيسابور كتابه الكافي في القراءات وهو كتاب يشتمل على علم كثير في مجلدات عدة وفي كتابه المناقب يقول لقيت جماعة من أصحاب أبي العباس يعني ابن سريح فمنهم من سمع الحديث منه ومنهم من تفقه عليه ومنهم من حكى لي عنه حكايات قال ابن الصلاح ووجدت عن الحاكم أبي عبد الله أنه ذكره فقال كان من صالحي أهل العلم والمقدمين في معرفة القراءات طلب العلم بخراسان والعراق وكان من أجل بيت لأهل الحديث بهراة انتهى قلت وقد تأخرت وفاته عن الحاكم فإنه مات في شعبان سنة أربع عشرة وأربعمائة ومات الحاكم سنة خمس وأربعمائة وقد حدث هو أيضا في كتابه المناقب عن الحاكم وأكثر فيه النقل عنه وقد نقلت من كتاب المناقب هذا فوائد استعذبتها فمنها قال سمعت أبا القاسم عبد العزيز بن عبد الله الداركي يقول ببغداد في درسه حكي له أنه صلى على أحمد بن حنبل ستمائة ألف رجل وستون ألف امرأة وذكر ذلك في الباب الرابع والثلاثين من الجزء الثاني من المناقب والجزء الثاني مشتمل على ثلاثة وسبعين بابا فإنه جزأ كتابه جزئين أولها أربعة وأربعون بابا أولها في النسب الزكي وآخرها في ألفاظ رويت عن الشافعي في فضل العلم والعلماء وذلك سنة ثلاث وستين أولها في تبحر الشافعي في اللغة والعربية وآخرها حديث من روايته في الوعظ والتذكير هو آخر الأربعين التي هي آخر الكتاب تلميذ أبي بكر الطوسي قال فيه عبد الغافر الفقيه الإمام فاضل جليل نبيه ثقة أمين من أركان فقهاء أصحاب الشافعي درس الفقه على أبي بكر الطوسي قديما قال وسافر إلى العراق وحج مع الشيخ أبي محمد الجويني وزين الإسلام يعني القشيري أبا القاسم والبيهقي وقال ابن السمعاني كان شيخا فقيها حسن السيرة صالحا دينا كثير السماع والرواية ثقة صدوقا سمع أبا الطيب سهل بن محمد الصعلوكي والقاضي أبا عمر البسطامي والشيخ أبا عبد الرحمن السلمي وأبا بكر الحيري وخلائق وذكر عبد الغافر أن مولده سنة سبع وتسعين وثلاثمائة وذكر غيره أنه ولد سنة خمس وتسعين قال ابن السمعاني والأول أشبه قال وسمعت أبا الحسن علي بن جعفر الكاتب يقول يقال إنه توفي سنة تسع وسبعين وأربعمائة الفقيه المحدث المفسر الخطيب الواعظ المشهور الاسم الملقب بشيخ الإسلام لقبه أهل السنة في بلاد خراسان فلا يعنون عند إطلاقهم هذه اللفظة غيره وأما المجسمة بمدينة هراة فلما ثارت نفوسهم من هذا اللقب عمدوا إلى أبي إسماعيل عبد الله الأنصاري صاحب كتاب ذم الكلام فلقبوه بشيخ الإسلام وكان الأنصاري المشار إليه رجلا كثير العبادة محدثا إلا أنه يتظاهر بالتجسيم والتشبيه وينال من أهل السنة وقد بالغ في كتابه ذم الكلام حتى ذكر أن ذبائح الأشعرية لا تحل وكنت أرى الشيخ الإمام يضرب على مواضع من كتاب ذم الكلام وينهى عن النظر فيه وللأنصاري أيضا كتاب الأربعين سمتها أهل البدعة الأربعون في السنة يقول فيها باب إثبات القدم لله باب إثبات كذا وكذا وبالجملة كان لا يستحق هذا اللقب وإنما لقب به تعصبا وتشبيها له بأبي عثمان وليس هو هناك وكان أهل هراة في عصره فئتين فئة تعتقده وتبالغ فيه لما عنده من التقشف والتعبد وفئة تكفره لما يطهره من التشبيه ومن مصنفاته التي فوقت نحوه سهام أهل الإسلام كتاب ذم الكلام وكتاب الفاروق في الصفات وكتاب الأربعين وهذه الكتب الثلاثة أبان فيها عن اعتقاد التشبيه وأفصح وله قصيدة في الاعتقاد تنبىء عن العظائم في هذا المعنى وله أيضا كتاب منازل السائرين في التصوف وكان الشيخ تقي الدين أبو العباس ابن تيمية مع ميله إليه يضع من هذا الكتاب أعني منازل السائرين قال شيخنا الذهبي وكان يرمي أبا إسماعيل بالعظائم بسبب هذا الكتاب ويقول إنه مشتمل على الاتحاد قلت والأشاعرة يرمونه بالتشبيه ويقولون إنه كان يلعن شيخ السنة أبا الحسن الأشعري وأنا لا أعتقد فيه أنه يعتقد الاتحاد وإنما أعتقد أنه يعتقد التشبيه وأنه ينال من الأشاعرة وأن ذلك بجهله بعلم الكلام وبعقيدة الأشعرية فقد رأيت أقواما أتوا من ذلك وكان شديد التعصب للفرق الحنبلية بحيث كان ينشد على المنبر على ما حكى عنه تلميذه محمد بن طاهر أنا حنبلي ما حييت وإن أمت ** فوصيتي للناس أن يتحنبلوا وترك الرواية عن شيخه القاضي أبي بكر الحيري لكونه أشعريا وكل هذا تعصب زائد برأنا الله من الأهواء وذكر أبي إسماعيل خارج عن غرض هذا الكتاب فإنما أردنا أن ننبه على الفرق بينه وبين شيخ الإسلام على الحقيقة أبي عثمان نترجمه الآن فلنعد إلى ترجمته فنقول ذكره عبد الغافر في السياق فقال هو الأستاذ الإمام شيخ الإسلام أبو عثمان الخطيب المفسر المحدث الواعظ أوحد وقته في طريقته وعظ المسلمين في مجالس التذكير سبعين سنة وخطب وصلى في الجامع يعني بنيسابور نحوا من عشرين سنة ثم قال ورزق العز والجاه في الدين والدنيا وكان جمالا للبلد زينا للمحافل والمجالس مقبولا عند الموافق والمخالف مجمعا على أنه عديم النظير وسيف السنة ودافع البدعة وهو النسيب المعمم المخول المدلي من جهة الأمومة إلى الحنفية والفصلية والشيبانية والقرشية والتميمية والمزنية والضبية من الشعب النازلة إلى الشيخ أبي سعد يحيى بن منصور بن حسنويه السلمي الزاهد الأكبر على ما هو مشهور من أنسابهم عند جماعة من العارفين بالأنساب لأنه أبو عثمان إسماعيل بن زين البيت ابنة الشيخ أبي سعيد الزاهد بن أحمد بن مريم بنت أبي سعد الأكبر الزاهد وأما من جهة الأب فهو الأصل الذي لا يحتاج نسبه إلى زيادة فقل وكان أبوه أبو نصر من كبار الواعظين بنيسابور ففتك به لأجل التعصب والمذهب وقلد الأمة صبيا بع حول سبع سنين فاستدعى أن يذكر صبيا دعي للختم على رأس قبر أبيه كل يوم وأقعد بمجلس الوعظ مقام أبيه وحضر أئمة الوقت مجالسه وأخذ الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان الصعلوكي في تربيته وتهيئة أسبابه وترتيب حشمته ونوبه وكان يحضر مجالسه ويثني عليه مع تكبره في نفسه وكذلك سائر الأئمة كالأستاذ الإمام أبي إسحاق الإسفرايني والأستاذ أبي بكر بن فورك وسائر الأئمة كانوا يحضرون مجلس تذكيره ويتعجبون من كمال ذكائه وعقله وحسن إيراده الكلام عربيه وفارسيه وحفظه الأحاديث حتى كبر وبلغ مبلغ الرجال وقام مقام أسلامفه في جميع ما كان إليهم من النوب ولم يزل يرتفع شأنه حتى صال إلى ما صار إليه من الحشمة التامة والجاه العريض وهو في جميع أوقاته مشتغل بكثرة العبادات ووظائف الطاعات بالغ في العفاف والسداد وصيانة النفس معروف بحسن الصلاة وطول القنوت واستشعار الهيبة حتى كان يضرب به المثل في ذلك وكان محترما للحديث ولثبت الكتب قرأت من خط الفقيه أبي سعيد السكري أنه حكى عن بعض من يوثق بقوله من الصالحين أن شيخ الإسلام قال ما رويت خبرا ولا أثرا في المجلس إلا وعندي إسناده وما دخلت بيت الكتب قط إلا على طهارة وما رويت الحديث ولا عقدت المجلس ولا قعدت للتدريس قط إلا على الطهارة وقال منذ صح عندي أن النبيكان يقرأ بسورة الجمعة والمنافقين في ركعتي صلاة العشاء ليلة الجمعة ما تركت قراءتهما فيهما قال وقد كنت في بعض الأسفار المخوفة وكان أصحابي يفرقون من اللصوص وقطاع الطريق وينكرون على في التطويل بقراءة السورتين وغير ذلك فلم أمتنع عن ذلك ولم أنقص شيئا مما كنت أواظب عليه في الحضر فتولانا الله بحفظه ولم تلحقنا آفة وقرأت من خط السكري أيضا قال قرأت في كتاب كتبه الإمام سهل الصعلوكي إلى زاهر بن أحمد الإمام بسرخس حين قصد الأستاذ الإمام إسماعيل أن يرحل إليه لسماع الحديث في صباه بعد ما قتل أبوه شهيدا وفي الكتاب بعد الخطاب وإذا عدت الأحداث التي كانت في هذه السنن الخالية قطارا أرسالا ومتصلة اتصالا ومتوالية حالا فحالا كان أعظمها نكاية في الدين وجناية عليه ما جرى من الفتك بأبي نصر الصابوني رحمه الله نهارا والمكر الذي مكر به كبارا كما إذا عدت غرائب الوقت وعجائبه في الحسن كان بولده الولد الفقيه أبي عثمان إسماعيل أدام الله بقاه وسلامته الابتداء وبذكره الافتتاح فإنه بلغ ولم يبلغ بالسن ما تقصر عنه الأمنية والاقتراح من التدبر والتعلم والوجاهة والتقدم على التحفظ والتورع والتيقظ وقد كان في نفسه لذكائه وكيسه وفطنته وهدايته وعقله الرحلة إلى الشيخ فذكر فصلا فيه ثم قال ولا نشك أنه يصادف منه في الإكرام والتقديم والتعظيم ما يليق بصفاته وإنجابه ودرجاته وأنا شريك في الامتنان لذالك كله وراغب في تعجيل إصداره إلى موضعه ومكانه في عمارة العلم بقعوده للتذكير والتبصير وما يحصل به من النفع الكثير فإن الرجوع لغيبته شديد والاقتضاء بالعموم لعوده أكيد والسلام وذكر عن الشيخ أحمد البيهقي أنه قال عهدي بالحاكم الإمام أبي عبد الله مع تقدمه في السن والحفظ والإتقان أنه يقوم للأستاذ عند دخوله إليه ويخاطبه بالأستاذ الأوحد وينشر علمه وفضله ويعيد كلامه في وعظه متعجبا من حسنه معتدا بكونه من أصحابه قال السكري ورأيت كتاب الأستاذ الإمام أبي إسحاق الإسفرايني الذي كتبه بخطه وخاطبه بالأستاذ الجليل سيف السنة وفي كتاب آخر غيظ أهل الزيغ وحكى الأستاذ أبو القاسم الصيرفي المتكلم أن الإمام أبا بكر بن فورك كان رجع عن مجلسه يوما فقال تعجبت اليوم من كلام هذا الشاب تكلم بكلام مهذب عذب بالعربية والفارسية وحكى عن الشيخ الإمام سهل أيضا أنه كان يقول له بالفارسية أبي سرايخ براتيش است بيش است قرأت بخط السكري أن الأستاذ أبا عثمان كان يتكلم بين يدي الإمام سهل الصعلوكي وكان ينحرف بوجهه عن جانبه فصاح به الإمام سهل استقبلني واترك الانحراف عني فقال إني أستحيي أن أتكلم في حر وجهك فقال الإمام سهل انظروا إلى عقله ولقد أكثر الأئمة الثناء عليه ولذلك مدحه الشعراء في صباه إلى وقت شبابه ومشيبه بما يطول ذكره فمن ذلك ما قال فيه بعض من ذكر من أئمة الأصحاب بينا المهذب إسماعيل أرجحهم ** علما وحلما ولم يبلغ مدى الحلم وكتب أبو المظفر الجمحي إليه بعد أن سمع خطبته بهذه الأبيات أستدفع الله عنه آفة العين ** وكم قرأت عليه آية العين العلم يفخر والآداب فاخرة ** منيرة يهتدي فيها ذوو الشين لو عاد سحبان حيا قال من عجب ** عين الإله على عين الفريقين قد كان ديني على إتمام رؤيته ** لما رأيت محياه قضي ديني قل للذي زانه علم ومعرفة ** كم للعلوم بإسماعيل من زين وقال فيه البارع الزوزني ماذا اختلاف الناس في متفنن ** لم يبصروا للقدح فيه سبيلا والله ما رقي المنابر خاطب ** أو واعظ كالحبر إسماعيلا ولقد عاش عيشا حميدا بعد ما قتل أبوه شهيدا إلى آخر عمره فكان من قضاء الله تعالى أنه كان يعقد المجلس فيما حكاه الأثبات والثقات يوم الجمعة في جانب الحسين على العادة المألوفة منذ نيف وستين سنة ويعظ الناس فبالغ فيه ودفع إليه كتاب ورد من بخارى مشتمل على ذكر وباء عظيم وقع بها واستدعي فيه أغنياء المسلمين بالدعاء على رءوس الأملاء في كشف ذلك البلاء عنهم ووصف فيه أن واحدا تقدم إلى خباز يشتري الخبز فدفع الدراهم إلى صاحب الحانوت فكان يزنها والخباز ويخبز والمشتري واقف فمات الثلاثة في الحال فاشتد الأمر على عامة الناس فلما قرأ الكتاب هاله ذلك واستقرأ من القارىء قوله تعالى فلما كان يوم الخميس سابع مرضه ظهرت آثار سكره الموت عليه وودع أولاده وأوصالهم بالخير ونهاهم عن لطم الخدود وشق الجيوب والنياحة ورفع الصوت بالبكاء ثم دعا بالمقرىء أبي عبد الله خاصته حتى قرأ سورة يس وتغير حاله وطاب وقته وكان يعالج سكرات الموت إلى أن قرأ إسنادا فيه ما روي أن رسول الله قال ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ) ثم توفي من ساعته عصر يوم الخميس وحملت جنازته من الغد عصر يوم الجمعة إلى ميدان الحسين الرابع من المحرم سنة تسع وأربعين وأربعمائة واجتمع من الخلائق ما الله أعلم بعددهم وصلى عليه ابنه أبو بكر ثم أخوه أبو يعلى ثم نقل إلى مشهد أبيه في سكة حرب ودفن بين يدي أبيه وكان مولده سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة وكان وفاته طاعنا في سنة سبع وسبعين من سنته وسمعت الإمام خالي أبا سعيد يذكر مجلسه في موسم من ذلك العام على ملأ عظيم من الخلق وأنه يصيح بصوت عال مرارا ويقول لنفسه يا إسماعيل هفتا دوهفت هفتا دو هفت بالفارسية فلم يأت عليه إلا أيام قلائل ثم توفي لأنه كان يذكر المشايخ الذين ماتوا في هذه السن من أعمارهم ثم قرأت في المنامات التي رؤيت له في حياته وبعد مماته أجزاء لو حكيتها لطال النفس فيها فأقتصر على شيء من ذلك ومن جملته ما حكاه الفقيه أبو المحاسن بن الشيخ أبي الحسن القطان في عزاء شيخ الإسلام أنه رأى في النوم كأن في خان الحسن وشيخ الإسلام على المنبر مستقبل القبلة يذكر الناس إذ نعس نعسة ثم انتبه وقال نعست نعسه فلقيت ربي ورحمني ورحم أهلي ورحم من شيعني وحكى الثقات عن المقرىء أبي عبد الله المخصوص به أنه رأى قبيل مرض شيخ الإسلام كأن منبره خال عنه وقد أحدق الناس بالمقرىء ينتظرون قراءته فجاء على لسانه قال فانتبهت ولم أر أحدا فما مضت إلا أيام قلائل حتى بدأ مرضه وتوفي منه وحكى بعض الصالحين أنه رأى أبا بكر بن أبي نصر المفسر الحنفي جالسا على كرسي وبيده جزء يقرؤه فسأله عما فيه فقال إذا احتاج الملائكة إلى الحج وزيارة بيت الله العتيق جاءوا إلى زيارة قبر إسماعيل الصابوني وقرأت من خط الفقيه أبي سعد السكري أنه حكى عن السيد أبي إبراهيم بن أبي الحسن بن ظفر الحسيني أنه قال رأيت في النوم السيد النقيب زيد بن أبي الحسن بن الحسين بن محمد بن الحسين وبين يديه طبق عليه من الجواهر ما شاء الله فسألته فقال أتحفت بهذا مما نثر على روح إسماعيل الصابوني وحكى المقرىء محمد بن عبد الحميد الأبيوردي الرجل الصالح عن الإمام فخر الإسلام أبي المعالي الجويني أنه رأى في المنام كأنه قيل له عد عقائد أهل الحق قال فكنت أذكرها إذ سمعت نداء كان مفهومي منه أنى أسمعه من الحق تبارك وتعالى يقول ألم نقل إن ابن الصابوني رجل مسلم وقرأت أيضا من خط السكري حكاية رؤيا رآها الشيخ أبو العباس الشقاني واستدعى منه شيخ الإسلام أن يكتبها فكتب يقول أحمد بن محمد بن محمد الحسنوي لولا امتناع خروجي عن طاعة الأستاذ الإمام شيخ الإسلام لوجوبها علي لم أكن لأحكي شيئا من هذه الرؤيا هيبة لها لما فيها مما لا أستجيز ذكرها فرقا منها ثم ذكر زيارته لتربة الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة يوما وأنه طاب وقته عندها فرجع إلى بيته ونام وقت الهاجرة فرأى الحق تبارك وتعالى في منامه ذكر الإمام بما قال ولم يحك ذلك ثم عقب ذلك بحديث الأستاذ الإمام وذكر أشياء نسيت بعضها والذي أذكر منها أنه قال وأما ابن ذلك المظلوم فإن له عندنا قرى ونعمى وزلفى إلى آخر ما كان منه ثم قال أبو العباس كتبته وحق الحق لحرمته وطاعة لأمره وقرأت من خط قديم معروف أنه حكي عن يهودي أنه قال اغتممت لوفاة أبي نصر الصابوني وقتله فاستغفرت له ونمت فرأيته في المنام وعليه ثياب خضر ما رأيت مثلها قط وهو جالس على كرسي بين يديث جماعة كثيرة من الملائكة وعليهم ثياب خضر فقلت يا أستاذ أليس قد قتلوك قال فعلوا بي ما رأيت فقلت ما فعل بك ربك قال يا أبا حوايمرد كلمة بالفارسية لمثلي يقال هذا غفر لي وغفر لمن صلى علي كبيرهم وصغيرهم ومن يكون على ريقي قلت أما أنا فلم أصل عليك قال لأنك لم تكن على طريقي فقلت إيش أفعل لأكون على طريقك فقال قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فقلت ذلك ثم قلت أنا مولاك قال لا أنت مولى الله قال فانتبهت فجاء من عنده إلى قبره وذكر ما رأى في المنام وقال أنا مولاه وأسلم عند قبره ولم يأخذ شيئا من أحد وقال إني غني أسلمت لوجه الله لا لوجه المال وحكى أبو سهل بن هارون قال قال أبو بكر الصيدلاني وكان من الصالحين كنت حاضرا قبره حين جاء اليهودي فأسلم وقرأت من مضمون كتاب كتبه الإمام زين الإسلام من طوس في تعزية شيخ الإسلام أبي عثمان فصولا كتبت منها هذه الكلمات اختصارا يا ليلة فترة الشريعة ليتك ترى الإصباح ويا محنة أهل السنة أنخت بكلكلك لعله لا براح ويا معراج السماء ليت شعري كيف حالك وقد خلوت من صواعد دعوات مجلس شيخ الإسلام ويا ضلة الإسلام لولا أنك محكوم لك بالدوام لقلنا فنيت عن كل النظام ويا أصحاب المحابر حطوا رحالكم فقد استتر بخلال التراب من كان عليه إلمامكم ويا أرباب المنابر أعظم الله أجوركم فلقد مضى سيدكم وإمامكم وقالوا الإمام قضى نحبه ** وصيحة من قد نعاه علت فقلت في فصل واحد قد مضى ** ولكنه أمة قد خلت وفيه فصل آخر أليس لم يجسر مفتر أن يكذب على رسول الله وقته أليست السنة كانت بمكانة منصورة والبدعة لفرط حشمته مقهورة أليس كان داعيا إلى الله هاديا عباد الله شابا لا صبوة له ثم كهلا لا كبوة له ثم شيخا لا هفوة له أليس دموع ألوف من المسلمين كل مجلس بذكره كانت تتبرج وقلوبهم بتأثير وعظة كانت تتوهج ترى أن الملائكة لم يؤمروا باستقباله والأنبياء والصديقين لم يستبشروا بقدومه عليهم وإقباله قلت ولما انقلب إلى رحمة الله كثرت فيه المرائي والأشعار وكانت حاله كما قيل لقد حسنت فيك المرائي وذكرها ** كما حسنت من قبل فيك المدائح ومن أحسن ما قيل فيه ما كتبته بهراة في مرثيته للإمام جمال الإسلام أبي الحسن عبد الرحمن بن محمد الداوودي البوشنجي حيث يقول أودى الإمام الحبر إسماعيل ** لهفي عليه فليس منه بديل بكت السما والأرض يوم وفاته ** وبكى عليه الوحي والتنزيل والشمس والقمر المنير تناوحا ** حزنا عليه وللنجوم عويل والأرض خاشعة تبكي شجوها ** ويلي تولول أين إسماعيل أين الإمام الفرد في آدابه ** ما إن له في العالمين عديل لا تخدعنك مني الحياة فإنها ** تلهي وتنسي والمنى تضليل وتأهبن للموت قبل نزوله ** فالموت حتم والبقاء قليل هذا كلام عبد الغافر وقد اشتمل من ترجمة شيخ الإسلام على ما فيه مقنع وبلاغ ذكره أبو سعد المسمعاني أيضا وأطنب في وصفه وقال زرت قبره ما لا أحصيه كثرة ورأيت أثر الإجابة لكل دعاء دعوته ثم وذكره الإمام الرافعي في كتاب الأمالي وقال نشر العلم إملاء تصنيفا وتذكيرا واستفاد منه الناس على اختلاف طبقاتهم قلت وبالجملة كان مجمعا على دينه وسيادته وعلمه لا يختلف عليه أحد من الفرق وقد حدث عنه البيهقي وهو من أقراه وقال فيه إنه إمام المسلمين حقا وشيخ الإسلام صدقا وأهل عصره كلهم مذعنون لعلو شأنه في الدين والسيادة وحسن الاعتقاد وكثرة العلم ولزوم طريقة السلف وقال أبو عبد الله المالكي أبو عثمان الصابوني ممن شهدت له أعيان الرجال بالكمال في الحفظ والتفسير وغيرهما حدث عن زاهر بن أحمد السرخسي وأبي سعيد عبد الله بن محمد الرازي والحسن بن أحمد المخلدي وأبي بكر ابن مهران المقرىء وأبي طاهر بن خزيمة وأبي الحسين الخفاف وعبد الرحمن بن أبي شريخ والحاكم أبي عبد الله الحافظ وأبي بكر محمد بن عبد الله الجوزقي وغيرهم قال ابن السمعاني وسمع منه عالم لا يحصون قلت منهم عبد العزيز الكتاني وعلي بن الحسن بن صصرى وأبو القاسم المصيصي ونصر الله الخشنامي وأبو بكر البيهقي وخلق آخرهم أبو عبد الله الفراوي وتقدم في كلام عبد الغافر أنه توفي لأربع ليال مضين من المحرم سنة تسع وأربعين وأربعمائة ولو لم يكن في ترجمة هذا الرجل إلا ما حكيناه من قول البيهقي فيه إنه إمام المسلمين حقا وشيخ الإسلام صدقا لكفى في الدلالة على علو شأنه فما ظنك بما تقدم من كلام أئمة عصره وبه قال زين الإسلام وكتبه من طوس وزين الإسلام المشار إليه ليس هو فيما أظن بالغزالي فإن الغزالي لم يكن ولد هذا الزمان ويبعد أن يكون كتب كتابا للتعزية فيه مع وفاته قبل ميلاده ولعله أبو القاسم القشيري كان بنيسابور فإنه كان وقت وفاة أبي عثمان كان بطوس وليس ببعيد والله أعلم
قال عبد الغافر الفارسي من فضائله نظم الشعر على ما يليق بالعلماء ومن غير مبالغة في تعمق يلحقه بالمنهي وقد أنشد له الثعالبي في تتمة اليتيمة إذا لم أصب أموالكم ونوالكم ** ولم أنل المعروف منكم ولا البرا وكنتم عبيدا للذي أنا عبده ** فمن أجل ماذا أتعب البدن الحرا
هذا ما أوصى به إسماعيل بن عبد الرحمن بن إسماعيل أبو عثمان الصابوني الواعظ غير المتعظ الموقظ غير المتيقظ الآمر غير المؤتمر الزاجر غنير المنزجر المتعلم المعترف المنذر المخوف المخلط المفرط المسرف المقترف للسيئات المغترف الواثق مع ذلك برحمة ربه الراجي لمغفرته المحب لرسول الله الداعي الناس إلى التمسك بسنته وشريعته أوصى وهو يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا أحدا فردا صمدا لم يتخذ صاحبه ولا ولدا ولم يشرك في حكمه أحدا الأول الآخر الظاهر الباطن الحي القيوم الباقي بعد فناء خلقه المطلع على عباده العالم بخفيات الغيوب الخبير بضمائر القلوب المبدىء المعيد الغفور الودود ذو العرش المجيد الفعال لما يريد ويشهد أن محمدما عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ويشهد أن الجنة حق وجملة ما أعد الله تبارك وتعالى فيها لأوليائه حق ويسأل مولاه الكريم جل جلاله أن يجعلها مأواه ومثواه فضلا منه وكرما ويشهد أن النار وما أعد الله فيها لأعدائه حق ويسأل الله مولاه أن يجيره منها ويزحزحه عنها ويجعله من الفائزين قال الله عز وجل ويشهد أن صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمر وهو من المسلمين والحمد لله رب العالمين وأنه رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرآن إماما على ذلك يحيي وعليه يموت إن شاء الله عز وجل ويشهد أن الملائكة حق وأن النبيين حق وأن الساعة لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ويشهد أن الله سبحانه وتعالى قدر الخير وأمر به ورضيه وأحبه وأراد كونه من فاعله ووعد حسن الثواب على فعله وقدر الشر وزجر عنه ولم يرضه ولم يحبه وأراد كونه من مرتكبه غير راض به ولا محب له تعالى ربنا عما يقول الظالمون علوا كبيرا وتقدس أن يأمر بالمعصية أو يحبها ويرضاها وجل أن يقدر العبد على فعل شيء لم يقدره عليه أو يحدث من العبد ما لا يريده ولا يشاؤه ويشهد أن القرآن كتاب الله وكلامه ووحيه وتنزيله غير مخلوق وهو الذي في المصاحف مكتوب وبالألسنة مقروء وفي الصدور محفوظ وبالآذان مسموع قال الله تعالى ويشهد أن الإيمان تصديق بالقلب بما أمر الله أن يصدق به وإقرار باللسان بما أمر الله أن يقر به وعمل بالجوارح بما أمر الله أن يعمل به وانزجار عما زجر عنه من كسب قلب وقول لسان وعمل جوارح وأركان ويشهد أن لله سبحانه وتعالى مستو على عرشه استوى عليه كما بينه في كتابه في قوله تعالى قال إمام المسلمين في عصره أبو عبد الله مالك بن أنس رضي الله عنه في جواب من سأله عن كيفية الاستواء الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وأظنك زنديقا أخرجوه من المسجد ويشهد أن الله تعالى موصوف بصفات العلى التي وصف بها نفسه في كتابه وعلى لسان نبيه لا ينفي شيئا منها ولا يعتقد شبها له بصفات خلقه بل يقول إن صفاته لا تشبه صفات المربوبين كما لا تشبه ذاته ذوات المحدثين تعالى الله عما يقول المعطلة والمشبهة علوا كبيرا ويسلك في الآيات التي وردت في ذكر صفات البارىء جل جلاله والأخبار التي صحت عن رسول الله بابها كآيات مجيء الرب يوم القيامة وإتيان الله في ظلل من الغمام وخلق آدم بيده واستوائه على عرشه وكأخبار نزوله كل ليلة إلى سماء الدينا والضحك والنجوى ووضع الكنف على من يناجيه يوم القيامة وغيرها مسلك السلف الصالح وأئمة الدين من قبولها وروايتها على وجهها بعد صحة سندها وإيرادها على ظاهرها والتصديق بها والتسليم لها واتقاء اعتقاد التكييف والتشبيه فيها واجتناب ما يؤدي إلى القول بردها وترك قبولها أو تحريفها بتأويل يستنكر ولم ينزل الله به سلطانا ولم يجر به للصحابة والتابعين والسلف الصالحين لسان وينهى في الجملة عن الخوض في الكلام والتعمق فيه وفي الاشتغال بما كره السلف رحمهم الله الاشتغال به ونهوا وزجروا عنه فإن الجدال فيه والتعمق في دقائقه والتخبط في ظلماته كل ذلك يفسد القلب ويسقط منه هيبة الرب جل جلاله ويوقع الشبه الكبيرة فيه ويسلب البركة في الحال ويهدي إلى الباطل والمحال والخصومة في الدين والجدال وكثرة القيل والقال في الرب ذي الجلال الكبير المتعال سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا والحمد لله على ما هدانا من دينه وسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه حمدا كثيرا ويشهد أن القيامة حق وكل ما ورد به الكتاب والأخبار الصحاح من أشراطها وأهوالها وما وعدنا به وأوعدنا به فيها فهو حق نؤمن به ونصدق الله سبحانه ورسوله أخبر به عنه كالحوص والميزان والصراط وقراءة الكتب والحساب والسؤال والعرض والوقوف والصدر عن المحشر إلى جنة أو إلى نار مع الشفاعة الموعودة لأهل التوحيد وغير لك مما هو مبين في الكتاب ومدون في الكتب الجامعة لصحاح الأخبار ويشهد بذلك كله في الشاهدين ويستعين بالله تبارك وتعالى في الثبات على هذه الشهادات إلى الممات حتى يتوفى عليها في جملة المسلمين المؤمنين الموقنين الموحدين ويشهد أن الله تبارك وتعالى يمن على أوليائه بوجوه ناضرة إلى ربها ناظرة ويرونه عيانا في دار البقاء لا يضارون في رؤيته ولا يمارون ولا يضامون ويسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل وجهه من تلك الوجوه وبقيه كل بلاء وسوء ومكروه ويبلغه كل ما يؤمله من فضله ويرجوه بمنه ويشهد أن خير الناس بعد رسول الله بكر الصديق ثم عمر الفاروق ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجميعن ويترحم على جميع الصحابة ويتولاهم ويستغفر لهم وكذلك ذريته وأزواجه أمهات المؤمنين ويسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله معهم ويرجو أن يفعله به فإنه قد صح عنده من طرق شتى أن رسول الله ( المرء مع من أحب ) ويوصي إلى من يخلفه من ولد أخ وأهل وقريب وصديق وجميع من يقبل وصيته من المسلمين عامة أن يشهدوا بجميع ما شهد به وأن يتقوا الله حق تقاته وألا يموتوا إلا وهم مسلمون ويوصيهم بصلاح ذات البيت وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران والأقارب والإخوان ومعرفة حق الأكابر والرحمة على الأصاغر وينهاهم عن التدابر والتباغض والتقاطع والتحاسد ويأمرهم أن يكونوا إخوانا على الخيرات أعوانا وأن يعتصموا بحبل الله جميعا ولا يتفرقوا ويتبعوا الكتاب والسنة وما كان عليه علماء الأمة وأئمة الملة كمالك بن أنس والشافعي وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وأحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم ويحيى بن يحيى وغيرهم من أئمة المسلمين وعلماء الدين رضي الله عنهم أجمعين وجمع بيننا وبينهم في ظل طوبى ومستراح العابدين أوصى بهذا كله إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني إلى أولاده وأهله وأصحابه ومختلفة مجالسه وأوصى أنه إذا نزلت به المنية التي لا شك أنها نازلة والله يسأل خير ذلك اليوم الذي تنزل المنية به فيه وخير تلك الليلة التي تنزل به فيه وخير تلك الساعة وخير ما قبلها وخير ما بعدها أن يلبس لباسا طيبا حسنا طاهرا نقيا ويوضع على رأسه العمامة التي كان يشدها في حال حياته وضعا على الهيئة التي كان يضعها على رأسه أيام حياته ويوضع الرداء على عاتقيه ويضجع مستلقيا على قفاه موجها إلى القبلة وتجلس أولاده عند رأسه ويضعوا المصاحف على حجورهم ويقرءوا القرآن جهرا وحرج عليهم ألا يمكنوا امرأة لا قرابه بينه وبينها ولا نسب ولا سبب من طريق الزوجية تقرب من مضجعه تلك الساعة أو تدخل بيتا يكون فيه وكذلك يحرج عليهم أن يأذنوا لأحد من الرجال في الدخول عليه في تلك الساعة بل يأمرون الأخ والأحباب وغيرهم أن يجلسوا في المدرسة ولا يدخلوا الار وليساعدوا الأصحاب في قراءة القرآن وإمداده بالدعاء فلعل الله سبحانه وتعالى أن يهون عليه سكرات الموت ويسهل له اقتحام عقبة الموت على الإسلام والسنة في سلامة وعافية وأوصى إذا قضى نحبه وأجاب ربه وفارقت روحه جسده أن يشد ذقنه وتغمض عيناه وتمد أعضاؤه ويسجى بثوب ولا يكشف عن وجهه لنظر إليه إلا أن يأتيه غاسله فيحمله إلى مغتسله جعل الله ذلك الحمل مباركا عليه ونظر بعين الرحمة إليه وغفر له ما قدمه من الأعمال السيئة بين يديه وأوصى ألا يناح عليه وأن يمنع أولياؤه وأقرباؤه وأحباؤه وجميع الناس من الرجال والنساء أنفسهم عن الشق والحلق والتخريق للثياب والتمزيق وألا يبكوا عليه إلا بكاء حزن قلب ودموع عين لا يقدرون على ردهما ودفعهما وأما دعاء بويل ورن شيطان وخمش وجوه وحلق شعر ونتفه وتخريق ثوب وتمزيقه وفتقه فلا وهو بريء ممن فعل شيئا من ذلك كما برىء النبي وأوصى أن يعجل تجهيزه وغسله وتكفينه وحمله إلى حفرته ولا يحبس ولا يبطأ به وإن مات ضحوة النهار أو وقت الزوال أو بكرة فإنه لا يؤخر تجهيزه إلى الغد ولا يترك ميتا بين أهله بالليل أصلا بل يعجل أمره فينقل إلى حفرته نقلا بعد أن يغسل وترا ويجعل في آخر غلسه من غسلاته كافور ويكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية إن وجدت فإن لم توجد سحولية كفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ويجمر كفنه وترا لا شفعا قبل أن يلف عليه ويسرع بالسير بجنازته كما أمر به رسول الله ويحمل للصلاة عليه إلى ميدان الحسين ويصلي عليه ولده أبو نصر إن كان حاضرا فإن عجز عن القيام بالصلاة عليه فأمر الصلاة عليه إلى أخيه أبي يعلى ثم يرد إلى المدرسة فيدفن فيها بين يدي والده الشهيد رضي الله تعالى عنه ويلحد له لحد وينصب عليه اللبن نصبا ولا يشق له شق ولا يتخذ له تابوت أصلا ولا يوضع في التابوت للحمل إلى المصلى وليوضع على الجنازة ملفوفا في الكفن مسجى بثوب أبيض ليس فيه إبريسم بحال ولا يطين قبره ولا يجصص ويرش عليه الماء ويوضع عليه الحصا ويمكث عند قبره مقدار ما ينحر جزور ويقسم لحمه حتى يعلم ما يراجع به رسل ربه جل وعلا ويسأل الله تعالى على رأس قبره له التثبيت الموعود لجملة المؤمنين في قوله تعالى ويفتحان في قبره بابا من الجنة فضلا من الله ومنة فيفوز فوزا ويحوز ثوابا كريما ويلقى روحا وريحانا وربا كريما رحيما آخر الوصية من أهل جرجان قال ابن السمعاني كان وافر العلم والزهد درس القرآن والفقه وكان مجتهدا في الطاعة ثقة صدوقا أصيلا مأمونا سمع أبا الحارث محمد بن عبد الرحيم الأسواني وعبد الغافر بن محمد الفارسي وغيرهما قال وتوفي بعد سنة إحدى وسبعين وأربعمائة الواعظ الصوفي العنبري قدم نيسابور قديما وبنى بها مدرسة لأصحاب الشافعي تنسب إليه وروى عن أبيه وعن علي بن الحسن بن حيوية روى عنه أحمد بن أبي جعفر القاضي وأبو بكر الخطيب البغدادي الحافظ وأحمد الموسياباذي وغيرهم مات في حدود سنة أربعين وأربعمائة ذكره أبو النصر عبد الرحمن الهروي في تاريخه فقال هو الفحل المقرم والإمام المقدم في فنون الفضل وأنواع العلم توفي سنة ثمان وأربعمائة والفضيلي بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة وسكون الياء آخر الحروف في آخرها اللام نسبة إلى الفضيل اسم جده والله تعالى أعلم من أهل جرجان من بيت العلم والفضل والرياسة كان صدرا رئيسا وعالما كبيرا يعظ ويملي على فهم ودراية وديانة جيد الفقه مليح الوعظ والنظم والنثر ولد سنة سبع وأربعمائة وقيل سنة ست بجرجان قال ابن السمعاني والأول أشبه سمع أباه وعمه المفضل وحمزة السهمي والقاضي أبا بكر محمد بن يوسف الشالنجي وأحمد بن إسماعيل الرباطي وجماعة والقاضي أبا عمر البسطامي وخلقا وروى عنه زاهر ووجيه ابنا الشحامي وإسماعيل بن السمرقندي وأبو منصور ابن حمدون وأبو البدر الكرخي وآخرون قال أبو محمد عبد الله بن يوسف الجرجاني فيه أوحد عصره وفريد وقته في الفقه والأدب والورع والزهد سمع جواد مراع لحقوق الفضلاء والغرباء والواردين أخذ الفقه عن عمه أبي العلاء وأبي نصر الشعيري وله شعر وترسل وحسن خط وإليه اليوم الدرس والفتوى والإملاء انتهى وقال ابن السمعاني سافر البلاد ودخلها وروى الحديث بها مثل نيسابور والري وأصبهان ودخل بغداد حاجا وحدث بالكامل لابن عدي وتاريخ جرجان وغيرهما انتهى ولما دخل أبو القاسم هذا بغداد دخل عليه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي مسلما فقام إليه واستقبله وقال لا أدري بأيهما أنا أشد فرحا بدخولي مدينة السلام أو رؤية الشيخ الإمام فاستحسن أهل بغداد قوله توفي بجرجان سنة سبع وسبعين وأربعمائة وباي بفتح الباء الموحدة وآخرها آخر الحروف مشددة ووهم من زعمه بباءين أو بباء مفتوحة بدل آخر الحروف تفقه على الشيخ أبي حامد وكان من مدرسي أصحاب الشيخ أبي حامد وحكى أنه لما آه أن يجلس في الحلقة قيل للخليفة كيف تعطى الحلقة من اسمه هذا فغيره وصيره عبد الله قال الخطيب سمع الحديث من أبي الحسن بن الجندي بضم الجيم وأبي القاسم الصيدلاني وغيرهما قال وكتبنا عنه وكان ثقة مات في أول محرم سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة بفتح الباء الموحدة وكسر الدال ثم آخر الحروف ساكنة ثم لام البرزندي وبرزند بفتح الباء الموحدة وبعدها راء ساكنة ثم زاي ثم نون ثم دال كنيته أبو محمد ويقال أبو القاسم وأبو عبد الله تفقه ببغداد وسمع القاضي أبا الطيب والحسن بن علي الجوهري وأبا الحسين بن المهتدي وأبا الغنائم بن المأمون وغيرهم روى عنه إسماعيل بن السمرقندي وأبو العز بن كادش وجماعة مات سنة خمس وسبعين وأربعمائة والله تعالى أعلم أبو مسلم الجيلي أحد أصحاب الشيخ أبي حامد وهو والد الشيخ أبي منصور المتقدم سمع الحديث من أبي بكر المقرىء وابن بطة العكبري روى عنه الخطيب وقال مات سنة سبع عشرة وأربعمائة بقرية بزيذي بباء موحدة ثم زاي مكسورة ثم ياء مثناة من تحت ساكنة ثم ذال معجمة قال الشيخ ولد سنة إحدى وستين وثلاثمائة ومات سنة خمس عشرة وأربعمائة بعد موت أبيه بسنة وتفقه على أبي القاسم الصيمري وكان ظريفا عفيفا أديبا فقيها جامعا للمحاسن وله ديوان شعر قيل إنه غسله قبل موته قدم معرة النعمان في سنة ثماني عشرة وأربعمائة واستوطنها ودرس بها وحمل عنه أهلها الفقه وصنف في المذهب كتابا سماه الذخيرة لم أقف عليه إنما المشهور ذخيرة البندنيجي توفي أبو الخير سنة سبع وأربعين وأربعمائة أما المنيعي فنسبة إلى جده منيع بن خالد وأما الحاجي فلغة العجم في النسبة إلى من حج يقولون للحاج إلى بيت الله الحرام حاجي وأبو علي هذا هو واقف الجامع المنيعي بنيسابور الذي كان إمام الحرمين خطيبه وقبله أبو عثمان الصابوني شيخ الإسلام وكان الرئيس أبو علي من أهل مرو الروذ وكان في أول أمره تاجرا إلى أن نما ماله وتزايدت النعم عليه وعلت منزلته وصار مشارا إليه عند السلاطين وفقه الله تعالى فحج إلى بيت الله الحرام ثم عاد وأنفق أموالا جزيلة في بناء المساجد والربط وتنوع في المعروف وبنى جامعا بمرو الروذ تقام فيه الجمعة والجماعة قال عبد الغافر عم الآفاق وبره وكان يدخل نيسابور في أوائل أمره ويعامل أهلها فلما رأى اضطراب الأمور وتزايد التعصب من الفريقين قبل أن يجلس السلطان ألب أرسلان على سرير ملكه ويزين وجه الآفاق بطلعة نظام ملكه انقطع حتى انقطعت مادة الأهواء وطوي بساط العصبية بذب نظام الملك عن حريم الملة الحنيفية ومساعدة السلطان الذي هو سلطان الوقت المذعن إلى الخير المنقاد إلى المعروف ألب أرسلان وعند ذلك سأل الرئيس أبو علي السلطان والوزير في بناء الجامع المنيعي بنيسابور فأجيب إلى مسألته فعمد إلى خالص ماله وأنفق في بنائه الأموال الجزيلة وكان لا يفتر آونة من ليل ولا ساعة من نهار مخافة تغير الأمور واضطراب الآراء إلى أن تم وأقيمت الجمعة فيه وصار جامع البلد المشهور وهو الذي كان إمام الحرمين خطيبه قال ابن السمعاني بلغني أن عجوزا جاءته وهو يبني جامع بنيسابور ومعها ثوب يساوي نصف دينار وقالت سمعت أنك تبني الجامع فأردت أن يكون لي في النفقة المباركة أثر فدعا خازنه واستحضر ألف دينار واشترى بها منها الثوب وسلم المبلغ إليها ثم قبض منها الخازن ثم قال له أنفق هذه الألف منها في بناء المسجد وقال احفظ هذا الثوب لكفني ألقى الله فيه وكان أبو علي على قدم عظيم من الاجتهاد في العبادة والتواضع والبر وكثرة الصدقات والصلاة يقوم الليل ويصوم النهار ويلبس خشن الثياب مع كثرة الأموال الجزيلة والجاه العريض في الدنيا ونفاذ الكلمة ولما وقع القحط بتلك البلاد في شهور سنة إحدى أو اثنتين وستين وأربعمائة أنفق أموالا عظيمة وكان ينصب القدر ويفرق أكثر من ألف من خبزا كل يوم للفقراء أو ينصب القدور ويفرق طعاما كثيرا كل ذلك غير ما يتصدق به سرا وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر والملوك تسعى إليه وتحترمه حتى قيل إن السلطان ألب أرسلان قال في مملكتي من لا يخافني وإنما يخاف من الله مشيرا إليه وكان كلما أقبل الشتاء يتخذ الجباب والقمص والسراويلات ويكسو قريبا من ألف فقير وبالجملة كان كثير المحاسن وقد سمع من أبي طاهر الزيادي وأبي القاسم بن حبيب وأبي الحسن السقا وجماعة روى عنه محيى السنة البغوي وأبو المظفر عبد المنعم القشيري ووجيه الشحامي وغيرهم قال عبد الغافر الفارسي لو تتبعنا ما ظهر من آثاره وحسناته لعجزنا توفي في يوم الجمعة سابع عشرى ذي القعدة سنة ثلاث وستين وأربعمائة
وهو الذي لقنه القاضي الحسين مسألة ليغالط بها فقهاء مرو إذا قدم عليهم وصورتها رجل غضب حنطة في زمن الغلاء وفي زمن الرخص طالبه المالك فهل يطالب بالمثل أو القيمة فمن قال إنه يطالب بالمثل فقط غلط ومن قال يطالب بالقيمة غلط لأن في المسألة تفصيلا إذا تلفت الحنطة في يده كما هي قبل الطحن كما إذا احترقت وجب المثل وإن طحن وعجن وخبز وأكل فعليه القيمة لأن الطحن والعجن والخبز من ذوات القيم وقد نقل ذلك أبو سعد الهروي في الإشراف والرافعي في الشرح أبو علي الكشي ثم الشيرازي سمع ببغداد من إسماعيل الصفار وعبد الله بن درستويه وبنيسابور من الأصم وابنالأخرم الشيباني وبفارس من الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي سمع منه أبو عبد الله الحاكم وقال هو مقدم في معرفة القراءات حافظ للحديث رحال قدم علينا الأصم ثم قدم علينا سنة ثلاث وخمسين وسمع منه أيضا أبو الشيخ الحافظ وغير واحد ورحل إلى هراة ومعه ابناه الليث وأبو بكر فسمعوا بها الحديث من أبي الفضل بن خميرويه توفي في شعبان سنة خمس وأربعمائة صاحب أبي حامد المروروذي قال الشيخ سكن بغداد ودرس بها قلت روى عن أبي بكر النقاش وغيره من خلائق يطول تعدادهم وروى عنه جماعة منهم أبو القاسم الأزهري وكان يضعفه في الحديث وله كتاب في مناقب الشافعي رضي الله عنه توفي في سنة خمس وأربعمائة القاضي أبو محمد الإستراباذي نزيل بغداد حدث عن ابن عدي ويوسف بن القاسم الميانجي وخلف بن محمد الخيام وأبي بكر القطيعي وإسماعيل بن محمد وبشر بن أحمد الإسفرايني وغيرهم روى عنه الخطيب أبو بكر الحافظ وعبد الواحد بن علوان بن عقيل وطاهر بن أحمد الفارسي نزيل دمشق قال الخطيب كتب عنه وكان صدوقا فاضلا صالحا سافر الكثير ولقي شيوخ الصوفيه وكان يفهم الكلام على مذهب الأشعري والفقه على مذهب الإمام الشافعي مات سنة ثنتي عشرى وأربعمائة وقيل عبيد الله مصغرا هو القاضي أبو علي البندنيجي صاحب الذخيرة وأحد العظماء من أصحاب الشيخ أبي حامد وله عنه تعليقة مشهورة كان فقيها عظيما غواصا على المشكلات صالحا ورعا قال الشيخ أبو إسحاق كان حافظا للمذهب وقال الخطيب كانت له حلقة في جامع المنصور للفتوى وكان صالحا دينا ورعا سمعت أبا عبد الكريم بن علي القصري يقول لم أر فيمن صحب أبا حامد أدين من أبي علي البندنيجي قال الخطيب وخرج بأخرة إلى البندنيجين فمات بها في جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وأربعمائة والله أعلم
حكى في الذخيرة وجهين فيمن دخل المسجد في الأوقات المكروهة لا لغرض هل يجوز له صلاة التحية والرافعي والأكثر خصصوا الوجهين بما إذا دخل لغرض التحية فقط وقالوا الأقيس الكراهة فالصور إذا ثلاثة من دخل لغرض ما من درس أو اعتكاف أو غيرهما فيصليهما إما بلا خلاف أو على الصحيح عند من يثبت الخلاف في هذه الصورة ومن دخل لا لحاجة بل ليصلي التحية وفيها الوجهان في الرافعي وغيره ومن دخل لا لحاجة أصلا وهي صورة البندنيجي إلا أن ينزل كلامه على ما صور الرافعي والأظهر عندي العكس وهو أن ينزل كلام الرافعي على كلام البندنيجي ويقال الوجهان فيمن دخل لا لغرض غير التحية سواء دخل لغرض التحية أم لا لغرض أصلا ويظهر عندي ترجيح الكراهة فيمن دخل لأجل التحية وهو ما صور الرافعي ورجح وترجيع عدم كراهة الصلاة فيمن دخل لا لغرض أصلا فليبحث عن ذلك نقل البندنيجي عن الشافعي والأصحاب أن المسافر إذا جمع بين الظهر والعصر تقديما حرم عليه أن يتنفل بعد ذلك في وقت الظهر قال لأنها نافلة بعد العصر ولم أره في الذخيرة وكأنه حكاه في التعليقة وقد أفتى الشيخ العماد بن يونس بخلاف ذلك وكأنه لم ير كلام البندنيجي مع أن المسألة محتملة نسبة إلى نيه بكسر النون وسكون آخر الحروف وفي آخرها الهاء بلدة صغيرة بين سجستان وأسفراين هو الفقيه الجليل أبو محمد تلمذ القاضي الحسين وشيخ إبراهيم المروروذي قال ابن السمعاني إمام فاضل ورع عارف بالمذهب انتشر عنه الأصحاب سمع الحديث من أستاذه يعني القاضي الحسين ومن أبي عبد الله محمد بن محمد ابن العلاء البغوي وغيرهما وكانت وفاته في حدود سنة ثمانين وأربعمائة قال الرافعي في أوائل حد القذف من كتاب موجبات الضمان ولو قال له يا مؤاجر فليس بصريح في القذف بأنه يؤتى وعن الشيخ إبراهيم المروروذي أنه حكى عن أستاذه النيهي أنه قال هو صريح لاعتياد الناس القذف به انتهى وقد تصحف النيهي في نسخ الرافعي بالتيمي بالتاء المثناة من فوق بعدها آخر الحروف ثم الميم وإنما هو النيهي هذا فاضبط ذلك والفرح مسطور في تعليقه الشيخ إبراهيم وفيه مقالة ثالثة عن عبد الله أخي الحسن النيهي فإن إبراهيم في تعليقته ذكر في باب حد القذف أن الأصحاب قالوا إنه كناية إذ ليس فيه إلا معنى الإجارة والإنسان قد يؤاجر نفسه لبعض الأعمال ثم قال وقال الشيخ الإمام الحسن النيهي هو صريح في القذف لاعتياد الناس القذف به وقال أخوه الشيخ الإمام عبد الله يحتمل أن يجعل هذا كناية من المميز صريحا من العامي كقوله حلال الله علي حرام انتهى وذكره القاضي الحسين في التعليقة وقال إنه صريح لجريان العرف بالقذف به ومنه فيما أحسب أخذ الحسن النيهي وحكاه صاحب العمد في باب حد القذف عن القفال فقد بان أن القفال قائل هذه المقالة ومنه أخذها تلميذه القاضي الحسين ومنه أخذها تلميذه النيهي ولعل هذا في بلادهم أما بلادنا فلا عرف لهذه اللفظة فيها فالأشبه أن لا تجعل صريحا ولا كناية والله تعالى أعلم الوزير الكبير العالم العادل أبو علي الملقب نظام الملك وزير غالي الملوك في سمعتها وغالب الضراغم وكانت له النصرة مع شدة منعتها وضاهى الخلفاء في عطائها وباهى الفراقد فكان فوق سمائها ملك طائفة الفقهاء بإحسانه وسلك في سبيل البر معهم سبيلا لم يعهد قبل زمانه هو أشهر من بنى لهم المدارس وشيد أركانهم ولولاه خيف أن يكون كالطلال الدارس كان جوادا يخجل لديه كل ذي جبين وضاح ويتنافس على أريج ثنائه مسك الليل وكافور الصباح طمس ذكر من كنا نسمع في المكارم من الملوك خبره وغرس في القلوب شجرات إحسانه المثمرة دولته كلها فضل وأيامه جميعها عدل ووقته وابل بالسماح مغدق ومجلسه بجماعة العلماء صباح مشرق كل يوم من أيامه مقداره ألف سنة وكل معدلة من أحكامه أنامت الأنام فأمن كل واستطاب وسنه لو هدد الدهر بعدله لما تعدى بصروفه ولو عرض نداه في كل ناد من الخلفاء لعرف من بينهم بمعروفه إن جلس بين العلماء جلس وعليه سيما الوقار وله من التأدب معهم ما شهدت به في التواريخ الأخبار يتضاءل بين العلماء ويتنازل وإن كان منزلة أعلا من نجم السماء خلق أرق من النسيم ومحيا تعرف فيه نضرة النعيم تنبي طلاقة بشره عن وجوده ** فيكاد يلقى النجح قبل لقائه وضياء وجه لو تأمله امرؤ ** صادي الجوانح لارتوى من مائه وإن قعد للمظالم أقام بالكتاب والسنة وأخاف في الله ببطشه كل ذي يد عادية تغدو بعدها النفوس مطمئنة حتى أقرت له بالعدل عظماء السلاطين واستقرت في أيامه بالأمن الناس لا يخشون نازلة المتعالين وإن أفاض جوده أخجل الغمام وأجزل كل عطاء جزل لم تره النفس إلا في آمال اليقظة أو أحلام المنام ليس التعجب من مواهب ماله ** بل من سلامتها إلى أوقاتها وإن ركب الهيجاء لم يكن له حاجب إلا مواضي الصفاح ولا طليعة إلا شهب الأسنة على رءوس الرماح ولا كتب إلا المشرفية عنده ** ولا رسل إلا الخميس العرموم ولم يخل من نصر له من له يد ** ولم يخل من شكر له من له فم ولم يخل من أسمائه عود منبر ** ولم يخل دينار ولم يخل درهم يرفع لواء الإسلام ويسمع نوح الحمام على أمم أنزل بهم الحمام ويقوم فيقعدكل كمى ويرعف أنف كل مشرفي وسمهري على عاتق الملك الأعز نجاده ** وفي يد جبار السموات قائمه يقاتل ليكون كلمة الله العليا ويناضل فلا يدع في حي الأعداء حيا ويبارز حيث تتأخر الجياد السنابك ويجاوز فلا تسمع إلا من يقول وما الناس إلا هالك وابن هالك في جحفل ستر العيون غباره ** فكأنما يبصرن بالآذان قد سودت روس الجبال شعورهم ** فكأن فيه مسفة الغربان إن السيوف مع الذين قلوبهم ** كقلوبهم إذا التقى الجمعان يلقى الحسام على جراءة حده ** مثل الجبان بكف كل جبان أسنة مسنونة وسنة مسنونة وأيام بعدله مأمونة وزمن بالنعماء مشحون وفوق الزمن السالف إذا اعتبرت السنون وأجل وكيف وفي ذلك فرد أمين ومأمون وكل أحد في زمن هذا أمين ومأمون فلا عقرب إلا بخد مليحة ** ولا جور إلا في ولاية ساق وملك هو نظامه وسلك هو واسطته إذا عدت أيامه وإفك هو ماحيه إذا دجى ظلامه بطل شجاع ورجل يخافه على صافناتها الأبطال وفوق سريرها الملوك وفي أجماتها السباع مقدم العساكر ومقدامها وأسد الممالك وضرغامها وأسد الأبطال رأيا وهمامها لا تضع الحرب عنده أوزارها حتى يضع العصاة أوزارها وترجع إلى الله تعالى رجعة نفوس لا تبالي ولى عنها شيطانها أوزارها ولد نظام الملك سنة ثمان وأربعمائة وكان من أولاد الدهاقين الذين يعملون في البساتين بنواحي طوس فحفظه أبوه القرآن وشغله في التفقه على مذهب الشافعي ثم خرج من عند أبيه إلى غزنة وخدم في الديوان السلطاني ورقت به الأحوال سفرا وحضرا وخدم في الدواوين بخراسان وغزنة واختص بأبي علي بن شاذان وزير السلطان ألب رسلان فلما حانت وفاة ابن شاذان أوصى ألب أرسلان به وذكر له كفاءته وأمانته فنصبه مكانه في الوزارة ولم يزل السعد يخدمه والأمور تجري على وفق مراده واتفق في أيامه من محاسن الأفعال ونشر العدل وضبط الأحوال ما سارت به الركبان وتناقلته الألسنة وصار بابه محط الرحال ومنتهى الآمال وأخذ في بناء المساجد والمدارس والرباطات وفعل أصناف المعروف بتنوع أقسامه واختلاف أنواعه واشتدت مع ذلك وطأته وعظمت مكانته وتزايدت هيبته إلى أن انقضت دولة ألب أرسلان فملك بعده السلطان الكبير ملكشاه بتدبير نظام الملك وكفايته فازدادت حرمته وتصاعدت مرتبته وقدم بغداد مرارا مع السلطان وقوبل من الخليفة بنهاية الإجلال العظيم والتعظيم وبنى ببغداد مدرسة ورباطا وتوجه مع السلطان ملكشاة إلى الغزاة ببلاد الروم وفتح عدة بلاد من ديار بكر وربيعة والجزيرة وحلب ومنبج ثم عاد إلى خراسان وما وراء النهر وجرت أموره على السداد نافذة أموره في أقطار الأرض إليه يرجع الناس بأمورهم وهو الحاكم لا كلمة لغيره ومجالسه معمورة بالعلماء مأهولة بالأئمة والزهاد لم يتفق لغيره ما اتفق له من ازدحام العلماء عليه وتردادهم إلى بابه وثنائهم على عدله وتصنيفهم الكتب باسمه يحضر سماطه مثل أبي القاسم القشيري وأبي إسحاق الشيرازي وإمام الحرمين وغيرهم وذكر النقلة أنه لم يكن في زمانه أكفأ منه في صناعة الحساب وصناعة الإنشاء ووصفوه بسداد الألفاظ فيهما عربية وفارسية وكان من أخلاقه أنه ما جلس قط إلا على وضوء ولا توضأ إلا وتنفل ويقرأ القرآن ولا يتلوه مستندا إعظاما له ويستصحب المصحف معه أينما توجه وإذا أذن المؤذن أمسك عن كل شغل هو فيه وأجابه ويصوم يوم الاثنين والخميس ولا يمنع أحدا من الدخول عليه لا وقت الطعام ولا غيره إذا جلس وهجمت امرأة عليه مرة وقت الطعام ومعها قضية فزبرها بعض الحجاب فحانت منه التفاتة إليه فلقيه بالكلام الصعب وقال إنما أريدك وأمثالك لإيصال مثل هذه وأما المحتشمون فهم يوصلون نفوسهم وبنى مدرسة ببغداد ومدرسة ببلخ ومدرسة بنيسابور ومدرسة بهراة ومدرسة بأصبهان ومدرسة بالبصرة ومدرسة بمرو بآمل طبرستان ومدرسة بالموصل ويقال إن له في كل مدينة بالعراق وخراسان مدرسة وله بيمارستان بنيسابور ورباط ببغداد قلت وشيخنا الذهبي زعم أنه أول من بنى المدارس وليس كذلك فقد كانت المدرسة البيهقية بنيسابور قبل أن يولد نظام الملك والمدرسة السعدية بنيسابور أيضا بناها الأمير نصر بن سبكتكين أخو السلطان محمود لما كان واليا بنيسابور ومدرسة ثالثة بنيسابور بناها أبو سعد إسماعيل بن علي بن المثنيى الإستراباذي الواعظ الصوفي شيخ الخطيب ومدرسة رابعة بنيسابور أيضا بنيت للأستاذ أبي إسحاق الإسفرايني وقد قال الحاكم في ترجمة الأستاذ لم يبن بنيسابور قبلها يعني مدرسة الأستاذ مثلها وهذا صريح في أنه بني قبلها غيرها وقد أدرت فكري وغلب علي ظني أن نظام الملك أول من قدر المعاليم للطلبة فإنه لم يتضح لي هل كانت المدارس قبله بمعاليم للطلبة أو لا والأظهر أنه لم يكن لهم معلوم ونقلت من خط إمام الحرمين في خطبة الغياثي ما قاله يصف نظام الملك سيد الورى ومؤيد الدين والدنيا ملاذ الأمم مستخدم للسيف والقلم ومن ظل ظل الملك بيمن مساعيه ممدودا ولواء النصر معقودا فكم باشر أوزار الحرب وأدار رحى الطعن والضرب فلا يده ارتدت ولا طلعته البهية أربدت ولا عزمه انثنى ولا حده نبا قد سدت مسالك المهالك صوارمه وحصنت الممالك صرائمه وحلت شكائم العدى عزائمه وتحصنت المملكة بنصله وتحسنت الدنيا بأفضاله وفضله وعم ببره آفاق البلاد ونفى الغي عنها بالرشاد وجلي ظلام الظلم عدله وكسر فقار الفقر بذله وكانت خطة الإسلام شاغرة وأفواه الخطوب إليها فاغرة فجمع الله برأيه الثاقب شملها ووصل بيمن نقيبته حبلها وأصبحت الرعايا في رعايته وادعة وأعين الحوادث عنها هاجعة والدين يزهى بتهلل أساريره وإشراق جبينه والسيف يفخر في يمينه يرجوه الآيس البائس في أدراج أنينه ويركع له تاج كل شامخ بعرنينه ويهابه الليث المزمجر في عرينه انتهى وهذا من هذا الإمام الجليل وإن لم يخل عن بعض المبالغة شاهد عدل لعلو مقدار نظام الملك عند هذا الحبر الذي يحتج بكلماته المتقدمون والمتأخرون وعنه انتشرت شريعة الله أصولا وفروعا وحكى الأمير أبو نصر بن ماكولا قال حضرت مجلس نظام الملك وقد رمى بعض أرباب الحوائج رقعة إليه فوقعت على دواته وكان مدادها كثيرا فنال المداد عمامته وثيابه فاسودت فلم يقطب ولم يتغير ومد يده إلى الرقعة فأخذها ووقع عليها فتعجبت من حلمه فحكيت لأستاذ داره فقال الذي جرى في بارحتنا أعجب كان في نوبتنا أربعون فراشا فهبت ريح شديده ألقت التراب على بساطه الخاص فالتمست أحدهم ليكنسه فلم أجده فاسودت الدنيا في عيني وقلت أقل ما يجري صرفي وعقوبتهم فأظهرت الغضب فقال نظام الملك لعل أسبابا لهم اتفقت منعتهم من الوقوف بين أيدينا وما يخلو الإنسان من عذر مانع وشغل قاطع يصده عن تأدية الفرض وما هم إلا بشر مثلنا يألمون كما نألم ويحتاجون إلى ما نحتاج إليه وقد فضلنا الله عليهم فلا نجعل شكر نعمته مؤاخذتهم على ذنب يسير قال فعجبت من حلمه ويحكى عنه من هذا الباب لطائف كثيرة قلت وفي هذه الحكاية أيضا دلالة على كثرة ما كان فيه من الحشمة لدلالتها على أن نوبة الفراشين عنده أربعون نفسا فإن كان يعمل النوب ثلاثا كعادة السلاطين في بلادنا فيدل على أن له مائة وعشرين فراشا وإن كان يعملها نوبتين كعادة نواب السلطنة والأمراء الكبار فيدل على أن له ثمانين فراشا وهذا أمر عظيم فنائب الشام وهو أعظم نواب سلطان الإسلام في هذا الزمان ليس له غير ستة عشر فراشا كل نوبة ثمانية هذا حاله وحال من قبله من زمان تنكز إلى الآن لا يزيدون على هذا القدر وأكثرهم ينقص عنه وكان من قبل تنكز دونه ومما يدل أيضا على عظمته وحشمته مع ديانته ما حكي أن الأستاذ أبا القاسم القشيري دخل عليه مرة فوجد بين يديه الجمدارية قد اصطفت ميمنة وميسرة وكانوا ثمانين جمدارا ملبسين أحسن الملابس وكلهم مرد ملاح فقطب الأستاذ ففهم نظام الملك أن الأستاذ أنكر هذه الحالة فقال له يا أستاذ ما في هؤلاء المماليك الثمانين إلا من شراؤه فوق الثمانين ألفا ومع ذلك والله ما حللت سراويلي على حرام قط ولكن حرمة الوزارة والملك تقتضي هذا فهذه الحكاية تدل على أن له إما مائة وستين جمدارا إن كان يعمل نوبتين أو أكثر إن كان أكثر من نوبتين وإن كان هذا عدد الجمدارية وهم عبارة عن مماليك مردان يكونون مع الملوك في غالب أحوالهم فما يكون عدد مماليكه الذين يعدهم للحرب وكل ذلك خارج عن أجناده المجندة فإن أولئك مضافون إلى السلطان لا إليه وإن كانوا في خدمته ومؤتمرين بأمره وقد كانت حالته تقتضي أكثر من ذلك فإنه مكث في الوزارة ثلاثين سنة ولم تكن وزارته وزارة بل فوق السلطنة فإن السلطان جلال الدولة ملكشاه بن ألب أرسلان اتسعت ممالكه فكانت تحت ملكه بلاد ما وراء النهر وبلاد الهياطلة وباب الأبواب وخراسان والعراق والشام والروم والجزيرة فمملكته من كاشغر وهي أقصى مدائن الترك إلى بيت المقدس طولا ومن قرب قسطنطينية إلى بحر الهند عرضا ولم يكن مع ذلك لملكشاه مع نظام الملك غير الاسم والأبهة والتنوع في اللذات وكان مشغولا بالصيد واللذة ونظام الملك هو الآمر المتصرف لا يجري جليل ولا حقير إلا بأمره مستبدا بذلك ويقال إن نظام الملك أول من فرق الإقطاعات على الجند ولم يكن عادة الخلفاء والسلاطين من لدن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلا أن الأموال كلها تجبى إلى الديوان ثم تفرق العطايا على الأمراء والأجناد على حسب المقرر لهم فلما اتسعت مملكة نظام الملك رأى أن يسلم إلى كل مقطع قرية أو أكثر أو أقل على قدر إقطاعه قال فإن فيه أنه إذا تسلمها وليس له غيرها عمره واعتنى بها بخلاف ما إذا شمل الكل ديوان واحد فإن الخرق يتسع ففعل ذلك فكان سبب عمارة البلاد وكثرة الغلات وتناقلته الملوك بعده واستمرت إلى اليوم في بلاد الإسلام وأما بلاد العجم وممالك نظام الملك كلها الآن فما أظنها على هذا الوجه بل تغيرت أحوالها لكثرة التغيرات وحكى أخوه أبو القاسم عبد الله بن علي بن إسحاق أنه كان بمكة وأراد الخروج إلى عرفات فأخبره رجل أن إنسانا من الخراسانية مات ببعض الزوايا وأنه انتفخ وفسد ولزم القيام بحقه قام فمكثت لذلك فرآني بعض من كان يأتمنه نظام الملك على أمور الحاج فقال لي ما وقوفك ها هنا والقوم قد رحلوا فحكيت له القصة فقال اذهب ولا تهتم لأمر هذا الميت فإن عندي خمسين ألف ذراع من الكرباس لتكفين الموتى من جهة الصاحب نظام الملك قال وكان أخي نظام الملك يملي الحديث بالري فلما فرغ قال إني لست أهلا لما أتولاه من الإملاء لكني أريد أن أربط نفسي على قطار نقلة حديث رسول الله قلت وقد سمع الحديث بأصبهان من محد بن علي بن مهريزد الأديب وأبي منصور شجاع بن علي بن شجاع وبنيسابور من الأستاذ أبي القاسم القشيري وببغداد من أبي الخطاب بن البطر وغيره وأملى ببغداد مجلسين أحدهما بجامع المهدي بالرصافة والآخر بمدرسته وحضر إملاء الأئمة وروى عنه جماعة منهم نصر بن نصر العكبري وعلي بن طراد الزينبي وأبو محمد الحسن بن منصور السمعاني وغيرهم قال أبو الوفاء بن عقيل في الفنون أيامه التي شاهدناها تربي على كل أيام سمعنا بها وصدقنا بما رأيناه ما سمعناه وإن كنا قبل ذلك مستبعدين له ناسبين ما ذكر في التواريخ إلى نوع تحسين من الكذب فأبهرت العقول سيرته جودا وكرما وعدلا وإحياء لمعالم الدين بنى المدارس ووقف الوقوف ونعش من العلم وأهله ما كان خاملا مهملا في أيام من قبله وفتح طريق الحج وعمره وعمر الحرمين واستقام الحجيج وابتاع الكتب بأوفر الأثمان وأدر الحرايات للخزان وكانت سوق العلم في أيامه قائمة والنعم على أهله دارة وكانوا مستطيلين على صدور أرباب الدولة أرفع الناس في مجلسه لا يحجبون عن بابه بتوسل بهم الناس في حوائجهم هذا بعض كلام ابن عقيل وحكى عبد الله الساوجي أن نظام الملك استأذن السلطان ملكشاه في الحج فأذن له وهو إذ ذاك ببغداد فعبر دجلة وعبروا بالآلات والأقمشة وضربت الخيام على شط دجلة قال فأردت يوما أن أدخل عليه فرأيت بباب الخيمة فقيرا يلوح عليه سيما القوم فقال لي يا شيخ أمانة توصلها إلى الصاحب قلت نعم فأعطاني رقعة مطوية فدخلت بها ولم أنظر فيها حفظا للأمانة ووضعتها بين يدي الوزير فنظر فيها وبكى بكاء شديدا حتى ندمت وقلت في نفسي ليتني نظرت فيها فإن كان ما فيها يسوءه لم أدفعها إليه ثم قال لي يا شيخ أدخل علي صاحب هذه الرقعة فخرجت فلم أجده وطلبته فلم أظفر به فأخبرت الوزير بذلك فدفع إلي الرقعة فإذا فيها رأيت النبي لي ( اذهب إلى الحسن وقل له أين تذهب إلى مكة حجك ها هنا أما قلت لك أقم بين يدي هذا التركي وأعن أصحاب الحوائج من أمتي ) فرجع نظام الملك وكان يقول لو رأيت ذلك الفقير حتى أتبرك به قال فرأيته على شط دجلة وهو يغسل خريقات له فقلت له إن الصاحب يطلبك فقال ما لي وللصاحب إنما كانت عندي أمانة فأديتها قال ابن الصلاح الساوجي هذا كان خيرا كثير المعروف يعرف بشيخ الشيوخ وحكى الفقيه أبو القاسم أخو نظام الملك أنه كان عنده ليلة على أحد جانبيه والعميد خليفة على الجانب الآخر وبجنبه فقير مقطوع اليمنى قال فشرفني الصاحب بالمواكلة وجعل يلحظ العميد خلفة كيف يلاحظ الفقير قال فتنزه خليفة من مواكلة الفقير لما رآه يأكل بيساره فقال لخليفة تحول إلى هذا الجانب وقال للفقير إن خليفة رجل كبير في نفسه مستنكف من مواكلتك فتقدم إلي وأخذ يواكله وحكي عنه أنه كان بهمذان وقدم عليه ابنه مؤيد الملك من بلخ فإنه كان استقدمه لينفذه إلى بغداد حين زوجه فدخل عليه ووقف بين يديه ساعة وقضى للناس حوائجهم فلما أذن المؤذن لصلاة الظهر وتفرق الناس نظر إلى ابنه واستدناه فجعل يقبل الأرض ويدنو فضمه إليه وقبل بين عينيه وقال له يا بني توجه إلى بيتك إلى بغداد في ساعتك هذه فودعه وقبل يده وسار من ساعته والتفت نظام الملك إلى من عنده وقد تغرغرت عينه بالدموع وقال إن عيش أحد البقالين أصلح من عيشي يخرج إلى دكانه غدوة ويروح عشية ومعه ما قسم له من الرزق فيجتمع هو وأولاده على طعامه ويسر بقربهم منه وحضورهم معه وهذا ولدي ما رأيته منذ ولد غير أوقات يسيرة وقد نشأ هذا المنشأ وما يظهر على ما عندي من الحنو والشفقة فنهاري بين أخطار وتكلف ومشاق وليلى بين سهر وفكر تارة لتدبير الممالك والبلدان ومن أرتب في كل صقع ومكان وما يخرج لكل واحد من العطاء والإحسان وكيف أرضى هذا السلطان حتى يميل إلي ولا يتغير علي وبأي أمر أدفع شر من يقصدني فمتى يكون لي زمان ألتذ فيه بنعمتي وأستدرك أفعالي بما ينفعني عند لقاء ربي وبكى بكاء شديدا وقال أبو الحسن محمد بن عبد الله الهمذاني قدم نظام الملك إلى بغداد مرتين وكان يباكر دار السلطان ويعود من الديوان إذا أضحى النهار فيخلو بنفسه إلى وقت الظهر ويصلي فيجلس ويحضر الناس ويقرأ بين يديه جزء من الحديث على شيخ كبير على السند ويكرمه ويجلسه إلى جانبه ويتكلم الفقهاء في المسائل ويقعد نظام الملك مطأطأ الرأس وهو يسمع جميع ما يجري في المجلس ويسأل الحوائج في أثناء ذلك الوقت ويجيب عنها وينعم بالأموال الطائلة والهبات الجزيلة ويقال كان يتصدق في بكرة كل يوم بمائة دينار ولم تبرح أموره على ما شرحناه وفوق ما وصفناه إلى أن خرج مع السلطان من بغداد إلى أصبهان في شهر ربيع الأول سنة خمس وأربعمائة فأقام بها شهورا فلما انقضى الحر توجها إلى بغداد في شهر رمضان وقد تغير السلطان على نظام الملك بأمور منها ما هو من محاسن نظام الملك وهو تعظيمه لأمر الخليفة وكان نظام الملك يتقرب بذلك إلى الله تعالى ولما دخل على أمير المؤمنين المقتدي بالله أذن له في الجلوس بين يديه وقال له يا حسن بن علي رضي الله عنك برضا أمير المؤمنين عنك وكان نظام الملك يستبشر بهذا ويفرح ويقول أرجو أن الله تعالى يستجيب دعاءه وانضم إلى ذلك أن تاج الملك أبا الغنائم استولى على قلب السلطان وتوصل إلى أن حظي بالمنزلة الرفيعة عنده ولم يكن للسلطان من القدرة أن يعزل نظام الملك لشدة استيلاء نظام الملك على السلطنة فلما انفصلوا عن نهاوند وعسكروا بجانبها في يوم الخميس عاشر شهر رمضان وحان وقت الإفطار اتفق في ليلته قتل نظام الملك
صلى نظام الملك المغرب في هذه الليلة وجلس على السماط وعنده خلق كثير من الفقهاء والقراء والصوفية وأصحاب الحوائج فجعل يذكر شرف المكان الذي نزلوه من أرض نهاوند وأخبار الوقعة التي كانت به بين الفرس والمسلمين في زمان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ومن استشهد هناك من الأعيان ويقول طوبى لمن لحق بهم فلما فرغ من إفطاره خرج من مكانه قاصدا مضرب حرمه فبدر إليه حدث ديلمي كأنه مستميح أو مستغيث فعلق به وضربه وحمل إلى مضرب الحرم فيقال إنه أول مقتول قتلته الإسماعيلية المسمون عندنا بالفداوية فانبث الخبر في الجيش وصاحت الأصوات وجاء السلطان ملكشاه حين بلغه الخبر مظهرا الحزن والنحيب والبكاء وجلس عند نظام الملك ساعة وهو يجود بنفسه حتى مات فعاش سعيدا ومات شهيدا فقيدا حميدا وكان قاتله قد تعثر بأطناب الخيمة فلحقه مماليك نظام الملك وقتلوه وقال بعض خدامه كان آخر كلام نظام الملك أن قال لا تقتلوا قاتلي فإني قد عفوت عنه وتشهد ومات قال فمضيت أنا فإذا هو قد قتل ولو قلت لما قبل قولي ثم اختلف الأقاويل في الجيش فمن قائل إن الباطنية جهزوا إليه من قتله فإن ابن صباح رأس الباطنية في ذلك الوقت دخل على المستنصر صاحب مصر فأكرمه وأمره أن يدعو إلى إمامته فعاد إلى خراسان ونواحي الشرق يضل الناس وأقام بقلعة ألموت بناحية قزوين وأظهر الزهد إغواء للناس وتسلم القلعة المذكورة بالجبل فبلغ نظام الملك فأرسل له عسكرا ضايقوه فبعث هو لما علم أنه لا قبل له بنظام الملك من قتل نظام الملك وصار الإقدام على القتل سنة للباطنية واستفحل أمرهم بعد الصاحب وهذا القول هو الأقرب عندي إلى الصحة ومن قائل إن السلطان هو الذي دس عليه هذا القاتل وذكروا لذلك أسبابا ظهرت على السلطان حاصلها أنه كان بينهما وحشة من قبل أن نظام الملك كان يعظم أمر الخليفة كما قدمناه وكلما أراد السلطان نزع الخليفة منعه النظام وأرسل في الباطن إلى الخليفة ينبهه ويرشده إلى استمالة خاطر السلطان ولم يكن النظام يفعل ذلك إلا تدينا وذبا عن حريم الخلافة وإلا فقد كانت حالته وحشمته إضعاف أحوال الخلفاء وفي حدود سنة سبعين لما فهم النظام التغير من السلطان على الخليفة أرسل إلى الخليفة وأشار عليه بأن يخطب ابنة السلطان لينسج الود بينهما فخطبها وكان السفير بينهما الشيخ أبو إسحاق الشيرازي صاحب التنبيه فتزوج بها ودخل بها في أول سنة ثمانين وكان عرسا هائلا تناقل أخباره المؤرخون فاستمرت معه إلى سنة اثتنين وثمانين أرسلت إلى والدها تشكو من الخليفة كثرة اطراحه لها فأرسل يطلب بنته منه طلبا لا بد منه فأرسلها الخليفة ومعها ولدها جعفر فذهبت فماتت بأصبهان في ذي القعدة سنة اثنتين وثمانين فلما كان شهر رمضان سنة خمس وثمانين توجه السلطان من أصبهان إلى بغداد عازما على تغيير الخليفة وعرف أن ذلك لا يتم له ونظام الملك في الحياة فعمل على قتله قبل الوصول إلى بغداد حسبما شرحناه وكان من ذنوب نظام الملك عنده غير ما ذكرناه استيلاء أولاده على الممالك وشدة وطأته وأنه بالآخرة ولي ابن ابنه مرو فتوجه إليها ومعه شحنة السلطان فجرى بين شحنة السلطان بمرو وبين ولد نظام الملك ما أغضبه عليه فعمل ابن نظام الملك وقبض على الشحنة فلما بلغ السلطان الخبر غضب وبعث جماعة إلى نظام الملك يعتبه ويوبخه ويقول إن كنت شريكي في الملك فلذلك حكم وهؤلاء أولادك قد استولى كل واحد منهم على إقليم كبير ولم يكفهم حتى تجاوزا أمر السياسة فأدوا الرسالة إلى نظالم الملك فيقال إنه قوى نفسه وأخذ يجيب بأمور وأنه قال في آخر كلامه إن كان لم يعلم أني شريكه في الملك فليعلم فاشتد غضب السلطان وعمل عليه الحيلة سنين حتى تمت له في هذه السنة ويقال إن أول تغيير خاطره عليه من سنة ست وسبعين وممن كان غير خاطره عليه في هذه السنة سيد الرؤساء أبو المحاسن ابن كمال الدين ابن ابي الرضا وهو رجل تقرب إلى خاطر السلطان في هذه السنة أعني سنة ست وسبعين وأربعمائة وكان أبوه كمال الملك يكتب الإنشاء للسلطان وكان أبو المحاسن هذا عنده جراءة فقال للسلطان أيها الملك سلم إلي نظام الملك وأنا أعطيك ألف ألف دينار فإنهم قد أكلوا البلاد فبلغ ذلك نظام الملك فمد سماطا وأقام عليه مماليكه وهم ألوف من الأتراك وأقام سلاحهم وخيلهم ودعا السلطان فلما حضر قال له إني خدمتك وخدمت أباك وجدك ولي حق خدمة وقد بلغك أخذي لأموالك وصدق القائل أنا آخذ المال وأعطيه لهؤلاء الغلمان الذين جعلتهم لك وأصرفه أيضا في الصدقات والوقوف والصلات التي معظم ذكرها لك وأجرها لك وأموالي وجميع ما أملكه بين يديك وأنا أقنع بمرقعة وزاوية فصفا له السلطان وأمر أن تسمل عينا أبي المحاسن ونفذه إلى قلعة ساوة فسمع أبوه كمال الملك الخبر فاستجار بنظام الملك وحمل مائتي ألف دينار وعزل عن الطغراء يعني كتابة السر ووليها مؤيد الملك بن نظام الملك ومن قائل لم يصف له السلطان باطنا ولكن عرف عجزه عنه وهذه الحكاية حكاها ابن الإثير وأظن نظام الملك كان أعظم من أن يطلب منه ألف ألف دينار ولعل هذا المبلغ يسير مما يصل إليه كل عام ثم لم يمتع السلطان بعد قتل نظام الملك ولم يلذ له عيش بل تنكدت أحواله وتعكست أموره وأما نظام الملك فحمل ميتا إلى أصبهان ودفن هناك بمحلة له فأما السلطان فاستمر ذاهبا إلى بغداد واستوزر تاج الملك أبا الغنائم وقدم بغداد متمرضا وهي المقدمة الثالثة فإنه لم يعبرها غير ثلاث مرات ووجد المقتدى قد جعل ولده المستظهر بالله ولي العهد فألزمه أن يعزله ويجعل ابن بنته جعفرا ولي العهد وكان طفلا وأن يسلم بغداد له ويخرج إلى البصرة تكون دار خلافته فشق ذلك على الخليفة وبالغ في استعطاف ملكشاه واستنزله عن هذا الرأي فلم يفعل فاستمهله عشرة أيام ليتجهز فقيل إن الخليفة جعل يصوم ويطوي وإذا أفطر جلس على الرماد ودعا على ملكشاه فقوي مرضه ومات والحاصل أنه بعد نظام الملك لم يمتع بملكه ولم يعش غير شهر واحد وأن الوزير تاج الملك أيضا وكان رجلا خيرا كما سيأتي في ترجمته لم يمتع ويقال من سعادة ذي المنصب ألا يليه بعده كفو له فصادف أنه ولي مكان نظام الملك فمقته الخلق مع جودته وجرى له ما سنشرحه إن شاء الله تعالى في ترجمته ووصل الخبر إلى بغداد بوفاة نظام الملك فجلس الوزير عميد الدولة للعزاء وحضر الناس على اختلاف طبقاتهم ورأى صاحب العدة الحسين الطبري في منامه حين توفي نظام الملك مكتوبا على أديم السماء بالنجوم رفع العدل عن أهل الأرض ورآه آخر في المنام وهو متوج بتاج مرصع بجوهر قال فقلت له بأي شيء بلغت هذه المنزلة فقال بفضل الله وحده ومات نظام الملك وله سبع وسبعون سنة
أخبرنا عبد الغالب بن محمد بن عبد القاهي الماكسيني بقراءتي عليه بدمشق أخبرنا عبد المنعم بن يحيى بن إبرايهم الزهري الخطيب أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي المعالي عبد الله بن جامع البناء الصوفي في سنة ثمان وستمائة أخبرنا نصر بن نصر العكبري أخبرنا نظام الملك أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق الوزير أخبرنا أبو بكر أحمد ابن منصور بن خلف أخبرنا أبو طاهر بن خزيمة حدثنا محمد بن إسحاق السراج حدثنا قتيبة حدثنا مالك بن أنس عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم الأنصاري عن أبي قتادة السلمي أن رسول الله ( إذا جاء أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس ) قال أبو سعد بن السمعاني قرأت في كتاب سر السرور لصديقنا القاضي أبي العلاء محمد بن محمود الغزنوي أن نظام الملك صادف في سفر رجلا في زي العلماء قد مسه الكلال فقال له أيها الشيخ أعييت أم أعييت فقال أعييت فتقدم إلى حاجبه بتقديم بعض الجنائب إليه والإصلاح من شأنه وأخذ في اصطناعه وإنما أراد بسؤاله اختباره فإن عيى في اللسان وأعيى كل وتعب قال أبو الخير دلف بن عبد الله بن محمد التبان البغدادي سمعت الإمام عبد الرحيم ابن الشافعي القزويني بقزوين يقول دخل أبو علي القومساني على نظام الملك أبي علي الوزير في مرضة مرضها يعوده فأنشأ يقول إذا مرضنا نوينا كل صالحة ** فإن شفينا فمنا الزيغ والزلل نرجو الإله إذا خفنا ونسخطه ** إذا أمنا فما يزكو لنا عمل فبكى نظام الملك وقال هو كما يقول
|