الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **
الأستاذ أبو علي الدقاق شيخ الأستاذ أبي القاسم القشيري تفقه على الخضري والقفال وصحب في التصوف أبا القاسم النصراباذي وسمع الحديث من أبي عمرو بن حمدان وأبي الهيثم محمد بن مكي الكشميهني وأبي علي محمد بن عمر الشبويى وغيرهم روى عنه القشيري وغيره قال عبد الغافر هو لسان وقته وإمام عصره نيسابوري الأصل تعلم العربية وحصل علم الأصول وخرج إلى مرو وتفقه بها على الخضري وبرع في الفقه وأعاد على الشيخ أبي بكر القفال المروزي في درس الخضري ولما استمع ما يحتاج إليه من العلوم أخذ في العمل وسلك طريق التصوف وصحب الأستاذ أبا القاسم النصراباذي وكان الأستاذ أبو علي لا يستند إلى شيء كأنه يعود نفسه ترك الرفاهية قال الأستاذ أبو القاسم القشيري كنت في ابتداء وصلتي بالأستاذ أبي علي عقد لي المجلس في مسجد المطرز فاستأذنته وقت الخروج إلى نسا فأذن لي فكنت أمشي معه يوما في طريق مجلسه فخطر ببالي ليته ينوب عني في الأسبوع يومين بل ليته يقتصر على يوم واحد في الأسبوع فالتفت إلي وقال إن لم يمكني في الأسبوع يومين أنوب مرة واحدة فمشيت قليلا فخطر لي شيء ثالث فالتفت إلي وصرح بالإخبار عنه على القطع توفي في ذي الحجة سنة خمس وأربعمائة ووهم من قال سنة ست
أنبأنا الحافظ أبو العباس بن المظفر بقراءتي عليه أخبرنا أحمد بن هبة الله بن عساكر بقراءتي عليه أخبرنا الإمام شهاب الدين أبو بكر القاسم بن الإمام أبي سعد عبد الله بن عمر بن الصفار إجازة أخبرنا جدي عصام الدين أبو حفص عمر بن أحمد بن منصور بن الصفار سماعا عليه قال سمعت جدي ابن الفارسي يقول سمعت أبا القاسم القشيري يقول سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول من استهان بأدب من آداب الإسلام عوقب بحرمان السنة ومن ترك سنة عوقب بحرمان الفريضة ومن استهان بالفرائض قيض الله له مبتدعا يذكر عنده باطلا فيوقع في قلبه شبهة قال أبو علي فيما روي من قوله ( من أكرم غنيا لغناه ذهب ثلثا دينه ) إنما ذلك لأن المرأ بقلبه ولسانه ونفسه فإذا تواضع لغني بلسانه ونفسه ذهب ثلثا دينه فإن اعتقد فضله بقلبه كما تواضع له بلسانه ونفسه ذهب دينه كله وقال تكلم الناس في الفقر والغنى أيهما أفضل وعندي الأفضل أي يعطى الرجل كفايته ثم يصان فيه أحد أئمة الأصحاب لم أجد له ترجمة تشفي الغليل وقد طان أجل او من أجل تلامذة أبي العباس ابن القاص ومن أجل مشايخ القاضي أبي الطيب الطبري قال الشيخ أبو إسحاق له كتاب زيادة المفتاح وعنه أخذ فقهاء آمل قلت وله أيضا كتاب في الدور علقه عن ابن القاص قلت وأراه توفي في حد الأربعائة إما قبلها وإما بعدها ولعل الأشبه أن يكون قبل الأربعائة ولذلك ذكرناه في الثالثة ثم أعدنا ذكره هنا استظهارا وقد وقع لنا حديثه لأن روى عن شيخه ابن القاص جزءا في الكلام على حديث أبي عمر
قال في مسائل الدولا أصل هذه المسائل كلها قوله تعالى إذا قاسم الوصي الورثة وأخذ الثلث الموصى به لغير معينين فتلف في يده قال أبو علي الزجاجي ليست هذه القسمة إلى الوصي كما ليس إليه القسمة في حق الغائب ويؤتمن في ولايته فإذا تلف المال فإن كان بغير تعديه فتصير القسمة كأن لم تكن فيخرج الثلث ثانيا وقال أبو علي الثقفي صحت القسمة وبطلت الوصية نقله القاضي أبو سعد في الإشراف والقاضي شريح في أدب القضاء ورجح أبو سعد قول الثقفي وقال هو كزكاة واحد دفعها إلى العامل فتلفت في يده من غير تفريط الفقيه المتكلم على مذهب الأشعري حدث بدمشق عن أبي طالب بن غيلان وأبي ذر الهروي وغيرهما روى عنه نصر المقدسي وهو من أقرانه وغيره توفي في ذي القعدة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة عن ست وسبعين سنة تفقه على القاضي أبي الطيب قال ابن النجار وكانت له مقامات سنية في النظر والجدال وكان فقيها فاضلا بارعا كاملا مدققا حسن النظر محققا جميل الطريقة زاهدا متعبدا عفيفا نزها على طريقة السلف ولي القضاء بحريم دار الخلافة عن أبي عبد الله الدامغاني مولده سنة إحدى وأربعمائة ومات في الحادي والعشرين من شعبان سنة سبع وسبعين وأربعمائة أحد أئمة الدهر وشيخ الشافعيين بما وراء النهر قال فيه الحاكم الفقيه القاضي أبو عبد الله بن أبي محمد أوحد الشافعيين بما وراء النهر وأنظرهم بعد أستاذيه أبي بكر القفال وأبي بكر الأودني قدم نيسابور سنة سبع وسبعين حاجا فحدث وخرجت له الفوائد ثم قدمها سنة خمس وثمانين رسولا من السلطان فعقدنا له الإملاء وحدث مدة مقامه بنيسابور وروى عنه الحاكم وعن أخيه أبي الفضل الحسن بن أبي محمد الحسن الحليمي وفي ترجمة الشيخ أبي عبد الله ثم قال توفي الحاكم العالم أبو عبد الله الحليمي في سنة ثلاث وأربعمائة قلت ومولده سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة وكذلك مولد أخيه أبي الفضل الحسن ولدا في سنة واحدة ببخارى كذا ضكره الحاكم في ترجمة أبي الفضل قال وأبو عبد الله من حرة جرجانية وأبو الفضل من جارية تركية قال وأبو عبد الله حدث وقضى في بلاد خراسان قلت وروى عنه أبو سعد الكنجروذي ذلك وقد وقع لنا حديثه من طريقه أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه أخبرنا أحمد بن هبة الله بن عساكر بقراءتي عليه أجازنا أبو روح أخبرنا زاهر بن طاهر أخبرنا الإمام أبو سعد محمد ابن عبد الرحمن بن محمد أخبرنا الشيخ الإمام أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن محمد الحليمي أخبرنا أبو بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي حدثنا أحيد بن الحسين أخبرنا مقاتل بن إبراهيم حدثنا نوح بن أبي مريم عن يزيد الرقاشي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله ( لصاحب القرآن دعوة مستجابة عند ختمه ) تفرد به نوح بن أبي مريم وهو نوح بن يزيد قاضي مرو الجامع أبو عصمة روى الترمذي قال أبو عبد الله الحاكم وضع نوح الجامع حديث فضائل القرآن الطويل وروى عن الزهري وعدة وقال فيه البخاري منكر الحديث قلت وقد نقل ابن القطان أن البخاري قال كل من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه ومن مصنفات الحليمي كتاب المنهاج في شعب الإيمان وهو من أحسن الكتب وفيه ما نصه وشرب الخمر من الكبائر فإن استكثر الشارب منه حتى سكر أو جاهر به فذاك من الفواحش فإن مزج خمرا بمثلها من الماء فذهبت شرتها وشربها فذاك من الصغائر انتهى والغرابة في قوله مزج فداك من الصغائر ولعله أراد مزجا يصير المجموع به غير مسكر أما إذا مزج بالماء قدرا من الخمر لا يخرجه الماء بالمزج عن كونه مسكرا فلا يظهر إلا أنه من الكبائر جزما وقال فيه أيضا قذف المحصنات كبيرة فإن كانت المقذوفة أما أو أختا أو امرأة قانتة كان فاحشة وقذف الصغيرة والمملوكة والحرة المتهتكة من الصغائر وقال أيضا أما الخدشة أو الضربة بالعصا مرة أو مرتين فمن الصغائر قال الإصحاب إذا اشترك جماعة في قتل واحد إن دم كل واحد منهم مستحق للولي وقال الحليمي القصاص مفضوض عليهم فإذا قتل عشرة واحدا فالمستحق للولي العشر من دم كل واحد إلا أنه لا يمكن استيفاؤه إلا باستيفاء الباقي وقد يستوفى من المتعدي غير المستحق إذا لم يمكن استيفاء المستحق إلا به كما إذا أدخل الغاصب المغصوب في بيت ضيق واحتيح في رده إلى قلع الباب وهدم الجدار وكما إذا وقع دينار في محبرة ولا يمكن إخراجه إلا بكسرها فإنها تكسر ولذلك نظائر كثيرة وتظهر فائدة الخلاف بين الحليمي والجمهور في مسائل منها ل اشتركوا في موضحة واحدة فهل يقتص من كل واحد بقدر جميع ما أوضحه أو توزع عليهم ويوضح من كل بقسطه وفيه احتمالان للإمام وبالأول منهما قطع في التهذيب وهو يوافق قول الجمهور بخلاف الثاني ومنها لو اشتركوا في قتل خطأ فإن قلنا بقول الجمهور ضرب على عاقلة كل واحد ما يخصه في ثلاث سنين لأنه بدل النفس فأشبه بدل النفس الناقصة وإن قلنا بقول الحليمي ضرب ما يخص كل واحد في سنة كأرش الطرف ومنها إذا اشتركوا في قتل خطأ فهل يجب على كل واحد كفارة أو على الكل كفارة واحدة فيه قولان أولهما يوافق قول الجمهور والثاني قول الحليمي وقد عورض الحليمي في مقالته بوجوه ثلاثة الأول قال الإمام إن استدلاله بالدية يبطل بقتل الرجل المرأة فإنه يقتل بها وإذا آل الأمر إلى الدية لم يجب إلا نصفها وأجاب عنه ابن الرفعة بأن نفس المرأة جعلها الشرع مضمونة بقصاص أو دية في نصف دية الرجل فمن انفرد بإتلافها ضمن كل البدل والرجل إذا قتلها ينفرد بالإتلاف بخلاف ما نحن فيه فإنه إنما أتلف العشر فوجب أن لا يضمن إلا نصف المقدر من القصاص كما لا يضمن إلا عشر المقدر من المال والثاني قال الإمام قوله إن الزائد يستوفى تبعا باطل كما لو قطع شخص يدا من نصف الساعد فإنه لا يجري القصاص فيه خوفا من استيفاء زيادة على الجناية بجزء يسير فكيف يرمق تسعة أعشار الدم من غير استحقاق لاستيفاء عشر واحد وأجاب عنه ابن الرفعة بأن القياس المنع ولكن وجب حسم مادة إهدار النفوس وذلك مفقود في قطع نصف الساعد لأن القصاص مشروع والحالة هذه في الكف وبه تحصل صيانة العضو عن الإهدار وعصمته قال في المطلب وهذا الجواب لا محيص عنه والثالث ذكره ابن الرفعة في الكفاية وهو أن الحليمي ناقض أصله إذ قال فيما إذا قتل واحد جماعة وتمالأ على القاتل أولياء القتيل فقلتوه جميعا إنه يكتفى به عن جميعهم ولا رجوع إلى الدية محتحا له بأنه في المسألة المتقدمة التي هي عكس هذه يجعل كل واحد كالمنفرد بالقتل فلما جعل كالمنفرد في الاعتداء فكذلك في الاستيفاء فيقال للحليمي أنت لم تجعل كل واحد في تلك كالمنفرد بل صاحب عشر قلت لعل الحليمي لم يبن هنا كلامه على مقالته بل على مقالة الأصحاب وإن بنى على أصله فقد يقول كما نزل الشارع من اعتدى على عشر دم منزلة المعتدى على كله في وجوب القصاص كذلك ينزل من استوفى مع آخر منزلة المنفرد بالاستيفاء
أنه يستحب الغسل لكل ليلة من رمضان وأن القيء إذا خرج غير متغير فهو طاهر كالإنفحة وكذلك في التتمة والمجزوم به في الرافعي والروضة أن القيء نجس من غير تفصيل وأن الإنسان إذا خرج منه ريح فإن كانت ثيابه رطبة تنجست وإن كانت يابسة فلا وكذا قال القاضي لو أصاب دخان النجاسة ثوبا فإن كان رطبا نجسه وإن كان يابسا فوجهان ولو دخل الإصطبل وراثت الدواب وخرج منها دخان فإن أصاب ثوبا رطبا نجسه أو يابسا فوجهان
قوله إنا إذا قلنا بإباحة الدف فلا يجوز تعاطيه إلا للنساء والجمهور لم يفرقوا بين الرجال والنساء قال الشيخ الإمام الوالد رحمه الله وفرق الحليمي ضعيف وقال في المنهاج في باب الحث على ترك الحسد إن تمني الكفر لا يكون كفرا إلا إذا كان على وجه الاستحسان له واستدل بدعاء موسى عليه الصلاة والسلام على فرعون وقومه حيث قال قال فاستقباح الإنسان الكفر هو الذي يحمله أن يدعو به على عدوه أو يتمناه له واستحسانه الإسلام هو الذي يحمله على أن يكرهه له هذا ملخص كلامه الحسين بن شعيب بن محمد السنجي من قرية سنج بكسر السين المهملة بعدها نون ساكنة ثم جيم وهي من أكبر قرى مرو وهذا هو الإمام الجليل الشيخ أبو علي السنجي فقيه العصر وعالم خراسان وأول من جمع بين طريقتي العراق وخراسان وهو والقاضي الحسين أنجب تلامذة القفال وقد تفقه على شيخ العراقيين الشيخ أبي حامد ببغداد وعلى شيخ الخراسانيين أبي بكر القفال بمرو وهو أخص به كتب بنيسابور عن السيد أبي الحسن محمد بن الحسين العلوي وأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ وببغداد عن أصحاب المحاملي وصنف شرح المختصر وهو الذي يسميه إمام الحرمين بالمذهب الكبير وشرح تلخيص ابن القاص وشرح فروع ابن الحداد قال بعض أصحابنا بنيسابور الأئمة بخراسان ثلاثة مكثر محقق ومقل محقق ومكثر غير محقق فأما المكثر المحقق فالشيخ أبو علي السنجي وأما المقل المحقق فالشيخ أبو محمد الجويني والمكثر غير المحقق فالفقيه ناصر العمري المروزي ومن مستحسن الكلام الشيخ والقاضي زينة خراسان والشيخ والقاضي زينة العراق وهم الشيخ أبو علي والقاضي الحسين والشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب توفي في سنة ثلاثين وأربعمائة وقبره بجنب أستاذه القفال بمقبرة مرو
حكى في شرح الفروع وجها في فرع ابن الحداد الشهير وهو أول فروعه أنه إن مس الكلب نفس الإناء لم يطهر بطهارة الماء وإن مس الماء دون الإناء فإذا طهر الماء طهر الإناء وهذا وجه غريب وقد يشبه بالوجه الضعيف في الصبة المفرق بين أن يلاقي محل الشرب فيحرم أو لا فلا ولقد أحسن الشيخ أبو علي في شرح هذا الفرع وهو كلب ولغ في إناء فيه ماء اقل من قلتين ثم صب في ذلك الإناء ماء حتى بلغ بالماء الأول قلتين فالماء طاهر ما دام قلتين فإن نقص فسد فإن الإناء نجس بحاله حتى يغسل تمام سبع إحداهن بالتراب لأن الإناء لو ولغ فيه الكلب فألقي في البحر ثم أخرج لم يطهر ولم يكن إلقاؤه في البحر إلا كغسلة واحدة هذا مذهب ابن الحداد وفي المسألة وجه ثالث أن الإناء يطهر وأجاد الشيخ أبو علي في الشرح الكلام على هذه المسألة وهي من أشهر المسائل بين الأصحاب ومن أشهر مولدات ابن الحداد ثم ليست هي في الرافعي وإنما تؤخذ من كلامه قال في الروضة من زياداته في باب الوضوء ولو نسي لمعة في وضوئه أو غسله ثم نسي أنه توضأ أو اغتسل فأعاد الوضوء أو الغسل بنية الحدث أجزأه وتكمل طهارته بلا خلاف انتهى وقد حكى الشيخ أبو علي الخلاف في شرح الفورع فقال رأيت بعض أصحابنا قال هذا على القول الذي يجوز تفريق الطهارة لأنه غسل قدر اللمعة في المرة الثانية دون الأولى فهل تجزئه على قوليه قال الشيخ أبو علي وهذا غلط جدا لأنا إن لم نجوز التفريق فهو قد غسل جميع بدنه بنية الجنابة فأجزأ الكل كما أجزأ قدر اللمعة قال ومثل هذه المسألة ما قال المزني لو أن رجلا صلى الظهر ونسي سجدة منها ثم أدرك تلك الصلاة بعينها تصلي جماعة فصلاها وعنده أنه قد أداها مرة على الكمال لم يجزه ما فعل عن الفرض وعليه أن يعيد مرة ثالثة إذا علم أنه قد ترك سجدة من الفعلة الأولى ولو كانت المسألة بحالها صلى الظهر وترك منها سجدة ثم أدرك تلك الصلاة بعينها وقد نسي أن يكون صلى واحدة فصلاها على أنها عليه ثم تذكر أنه كان قد صلاها مرة وترك سجدة منها أجزأه الثاني ولم يضره ما أغفله منها في المرة الأولى وذكر الشيخ أبو علي في هذه المسألة ما إذا اغتسلت المرأة بعد الحيض لتمكين الزوج فقط هل يرتفع حدثها والمسألة فيها وجوه كثيرة مشهورة إلا أن الصحيح عند الرافعي والنووي والشيخ الإمام أن الحدث يرتفع فنقله الشيخ أبو علي عن شيخه وهو القفال ثم قال رأيت للكثير من أصحابنا أنه لا يصح انتهى فتكون الجماعة قد صححوا خلاف ما عليه الكثير من الأصحاب على ما نقل الشيخ أبو علي وبعض الناس سأل أما هذه المسألة أعني ما إذا نوت وتمكين الزوج فقط غير المسألة المشهورة إذا نوى رفع بعض الأحداث وعينها ذات الأوجه والجواب أن الفارق أن الذي لا يصحح هنا علته كما قال الشيخ أبو علي أن اغتسالها وقع لما ينقضه وهو الجماع فليس في ضمنه رفع الحدث ولا يوجب صحته في حق الوطء أن يصح في حق الصلاة واستدل عليه الشيخ أبو علي بالمذهب في أن الذمة إذا اغتسلت لتحل لزوجها المسلم يصح في إباحة الوطء دون الصلاة لو أسلمت قلت ويشهد له أن المرأة التي زال حيضها لو نوت بالغسل الصلاة فقط لجاز للزوج الوطء بلا شك على هذا فدل على أن المأخذ ليس هو استباحة بعض ما يستباح وحده قال الإمام في الأساليب في تقويم الطعام المغصوب الإنسان إذا أشار إلى طعام غيره فقال ألي وذكر لآخر ذلك وأباح له أكله فإذا غرمه رجع على من غره وإن لم تثبت يد الغار عليه تعويلا على الغرور وهذا مذهب حكاه الشيخ أبو علي وارتضاه لنفسه وهو جار على طرق قياس الغرور انتهى كلام الأساليب قال الشيخ أبو علي في شرح التلخيص بعد ما حكى الخلاف في التفريق بين الجارية وولدها المرهونة بالبيع ما نصه ولو كان للراهن سوى الجارية وولدها كلف قضاء الدين منه ولا تباع لأن بيعها دون الولد أو مع الولد وليس برهن كلاهما ضرورة فلا يصار إليه مع وجود المال ويحكى هذا عن أبي إسحاق المروزي وقد نقله عنه صاحب التعجيز في شرحه للوجيز وهو غريب حسن لا ينبغي أن يختلف فيه
حكى الإمام في النهاية عن شرح التخليص للشيخ أبي علي وجهين فيما لو احتيج إلى قطع نبات غير الإذخر من الحرم للدواء هل يجوز قطعه قياسا على الإذخر وتبعه الغزالي والرافعي ومن بعدهما ولم أر في شرح التلخيص للشيخ أبي علي عن حكاية الوجهين إلا في وجوب الجزاء أما القطع فجزم بجوازه ابن الأمير أبي دلف العجلي أبو عبد الله الجرباذقاني المعروف بابن ماكولا ولي قضاء القضاة ببغداد من قبل القادر بالله أمير المؤمنين وكان قد ولي قبلها قضاء البصرة قال الخطيب وكان نزها عفيفا لم نر قاضيا أعظم نزاهة منه ولا أظلف نفسا وسمعته يذكر أنه سمع الحديث بأصبهان من أبي عبد الله بن مندة الحافظ مات في ثامن عشر شوال سنة سبع وأربعين وأربعمائة وقيل إن مولده سنة ثمان وستين وثلاثمائة صاحب العدة الموضوعة شرحا على إبانة الفوراني إمام كبير تفقه على ناصر العمري بخراسان وعلى القاضي أبي الطيب ببغداد صغير ولازم بعده الشيخ أبا إسحاق الشيرازي وبرع وصار من عظماء أصحابه ودرس بالنظامية بعد أبي القاسم الدبوسي منفردا ثم اشترك فيها مع أبي محمد الفامي فكان يدرس كل منهما يوما إلى أن قدم الغزالي فعزلا جميعا به إلى أن ترك الغزالي تدريسها في سنة تسع وثمانين وأربعمائة فأعيد صاحب العدة إلى التدريس وكان إماما كبيرا أشعري العقيدة جرت بينه وبين الحنابلة القائلين بالحرف والصوت خطوب وسمع الحديث من القاضي أبي الطيب والشيخ أبي إسحاق وغيرهما وسمع صحيح مسلم من عبد الغافر الفارسي روى عنه إسماعيل الحافظ والسلفي وآخرون وجاور بمكة وصار له بها أعقاب وأولاد والأقرب أنه توفي سنة خمس وتسعين وأربعمائة لا أدري بمكة أم بأصبهان وهذا الذي ذكرته في ترجمته ملخص من اختلاف كثير وقع نبهت عليه في الطبقات والوسطى واقتصرت هنا على ما وقع لي أنه الصواب
مسألة تعمد الكذب هل هو من الصغائر أو الكبائر حتى ترد الشهادة بالمرة الواحدة منه هذه المسألة قد استبهم على وجه النقل فيها فقضية ما وجدته في أكثر الكتب أي كتب المتقدمين من أصحابنا يشهد لكونه كبيرة وقضية ما وجدته في أكثر كتب المتأخرين يشهد لكونه صغيرة والنفس إلى الأول أميل لكثرة الأحاديث الواردة في التحذير منه وقد جمعت في الأحاديث الواردة فيه مجلسا جامعا وقد لخص الكلام بكذب فيه ضرر أما ما لا ضرر فيه وفيه غرض صحيح فلا يخفى لخروجه عن المعصية مطلقا وأما ما لا غرض فيه صحيح ولا ضرر فقد يقال إنه صغيرة ولكنه مسقط للمروءة فترد به الشهادة من هذا الوجه وقد يقال بل ما فيه ضرر كبير وما لا ضرر فيه موضع النظر في أنه كبيرة أم صغيرة وبالجملة الكلام في الكذب من حيث هو كذب ذكر الرافعي في كتاب الشهادات أن صاحب العدة عد من الصغائر الكذب الذي لا حد فيه ولا ضرر وسكت عليه الرافعي والنووي في باب الرهن وفي الباب الرابع في النزاع ولو زعم كل واحد منهما أنه ما رهن نصيبه وأن شريكه رهن وشهد عليه فوجهان ويقال قولان أحدهما وبه قال الشيخ أبو حامد أنه لا تقبل شهادة واحد منهما لأن المدعي يزعم أن كل واحد منهما كاذب ظالم بالجحود وطعن المشهود له في الشاهد يمنع قبول شهادته والثاني تقبل وبه قال الأكثرون لأنهما ربما نسيا وإن تعمدا فالكذبة الواحدة لا توجب الفسق ولهذا لو تخاصم رجلان في شيء ثم شهدا في حادثة تقبل شهادتهما وإن كان أحدهما كاذبا في ذلك التخاصم انتهى وقال في كتاب الشهادات بعد كلامه المتقدم فيمن يمدج الناس ويطري إذا كان كذبا محضا عامة الأصحاب وهو ظاهر كلام الشافعي أنه كسائر أنواع الكذب حتى إذا أكثر منه ردت شهادته كما إذا أكثر الكذب في غير الشعر وعن القفال والصيدلاني لا يلتحق بالكذب لأن الكاذب يرى الكذب صدقا ويروجه وليس غرض الشاعر أن يصدق في شعره وإنما هو صناعة وعلى هذا فلا فرق بين القليل والكثير وهذا حسن بالغ انتهى ولست على ثقة بأن قوله حتى إذا أكثر منه ردت شهادته إلى آخره من منقوله عن عامة الأصحاب بل قد يكون من عنده فرعها على قول الأكثرين أنه كسائر أنواع الكذب فلما كان في ذهنه مع ذلك أن سائر أنواع الكذب يفرق بين قليله وكثيره ذكر هذه الزيادة كذا أحسب وقال الروياني في البحر فرع لو كذب عن قصد ردت شهادته وإن لم يكن فيما يقوله من الكذب ضرر على غيره من نميمة أو بهتان لأن الكذب حرام بكل حال قال القفال إلا أن يقول ذلك على مذهب الكتاب والشعراء وفي المبالغة في الكلام مثل أن يشبه الرجل في الشجاعة بالأسد ولعله من أحبن الناس وبالبدر حسنا وإنما يعد تنزيلنا للكلام وهو بمنزلة لغو اليمين لا حكم له وقد روى موسى بن شيبة أن النبي شهادة من كذبة كذبها وهذا مرسل انتهى لفظ البحر وبه تبين أيضا أن قول الرافعي وعلى هذا لا فرق بين القليل والكثير بحث منه وليس هو من كلام القفال والصيدلاني لأن القفال أطلق القول ولم يبين تعميمه وقد يفرق مع ذلك بين القليل والكثير فلينظر من هذا مسألة إدخال المجانين والصغار المسجد ذكر الرافعي عن صاحب العدة ساكتا عليه أنه عد من صغار الذنوب إدخال الصغار والمجانين والنجاسات المسجد فأما النجاسات فواضح كونه معصية وأما إدخال الصغار والمجانين فلعل المراد إدخالهم مع الغفلة عنهم بحيث لا يؤمن أذاهم في المسجد وإلا فمجرد إدخالهم لا يظهر تحريمه عد في العدة أيضا التغوط في طريق المسلمين وكشف العورة في الحمام من صغائر الذنوب كما نقله عنه الرافعي ساكتا عليه
قال صاحب العدة فيها في الباب الثاني من أبواب ثلاثة عقدها في الضمانات وهو باب صول الفحل ما نصه فإن قدع يد رجل عند القصد فلما تولى تبعه وقتله كان لوليه القصاص في النفس لأن حين ولي عنه لم يكن له أن يقتله ولورثه المقصود أن يرجعوا في تركه القاصد بنصف الدية لأن القصاص سقط عنه بهلاكه ا هـ وهو صحيح والضمير في قوله قطع عائد على القاصد وفي تبعه عائد على المقصود إلى أن قال الصائل قطع يد رجل صيالا ثم تولى فتبعه المقطوع المقصود فقتله فورثه المقتول وهو الصائل ترجع على ورثة المقتول وهو المصول عليه ابتداء بالقصاص وترجع ورثة المقطوع إذا قتل قصاصا على ورثة المقتول بنصف الدية ليد مورثهم المقطوعة ظلما بالصيال فهذا صحيح وقد نص عليه الشافعي رضي الله تعالى عنه في الأم فقال قبل ما جاء في الرجل يقتل ابنه من جراح العمد ما نصه ولو شهدوا أنه أقبل إليه في صحراء بسلاح فضربه فقطع يدي الذي ارتد ثم ولي عنه فأدركه فذبحه أقدته منه وضمنت المقتول دية يدي القاتل ا هـ والمسألة من مشهورات المنصوصات وقد وقع فيها شيء عجيب وذلك أن صاحب البيان فهم أن المقطوع هو المقتول وهو الصائل فاعترض باعتراض صحيح لو كان الأمر على ما فهمه وتبعه الرافعي والنووي رحمهما الله وهذه عبارة البيان وإن قصده فقطع يده فولى عنه ثم تبعه فقتله كان لوليه القصاص في النفس لأنه ما ولي عنه لم يكن له قتله قال في العدة ولورثة المقصود أن يرجعوا في تركه القاصد بنصف الدية لأن القصاص سقط عنه بهلاكه والذي يقتضيه المذهب أنهم لا يرجعون بشيء كما لو اقتص منه فقطع يده ثم قتله فلأن النفس لا تنقص بنقصان اليد ولهذا لو قتل رجل له يدان رجلا ليس له إلا يد واحدة قتل به ولا شيء لورثة القاتل ا هـ لفظه والاعتراض ناشىء عن فهمه أن المقطوع يده هو الصائل وتبعه الرافعي واقتصر على عزو المسألة إلى البيان وصرح بأن المقطوع يده هو الصائل فقال وفي البيان أنه لو قطع يد الصائل في الدفع إلى آخر كلام البيان وسكت عليه وتبعه النووي وهما معذوران ولو نظرا النص لقالا ولو قطع يد المصول عليه وتعلما أن اعتراض العمراني في البيان ناشىء عن تصوير المسألة على غير وجهها الإمام الجليل أحد رفعاء الأصحاب ومن له الصيت في آفاق الأرضين التحقيق إلى سوق المعاني حتى يخرج الوجه من صورة إلى صورة السامي على آفاق السماء والعالي على مقدار النجم في الليلة الظلماء والحال فوق فرق الفرقد وكذا تكون عزائم العلماء قاض مكمل الفضل فلو يتعرف به النحاة لما قالت في قاض إنه منقوص وبحر علم زخرت فوائده فعمت الناس وتعميم الفقهاء بها للخصوص وإمام تصطف الأئمة خلفه كأنهم بنيان مرصوص كان القاضي جبل فقه منيعا صاعدا ورجل علم من يساجله يساجل ماجدا وبطل بحث يترك القرن مصفرا أنامله قائما وقاعدا روى الحديث عن أبي نعيم عبد الملك الإسفرايني روى عنه عبد الرزاق المنيعي وتلميذه محيي السنة البغوي وغيرهما وتفقه على القفال المروزي وهو والشيخ أبو علي أنجب تلامذته وأوسعهم في الفقه دائرة أشهرهم به اسما وأكثرهم له تحقيقا وللقاضي رحمه الله مع ذلك الغوص على المعاني الدقيقة وكثرة التحرير وسداد النظر ذكره عبد الغافر في السياق وقال فيه فقيه خراسان قال وكان عصره تاريخا به قال الرافعي وكان يقال له حبر الأمة قلت وفي كلام إمام الحرمين أنه حبر المذهب على الحقيقة وتخرج عليه من الأئمة عدد كثير منهم إمام الحرمين وصاحب التتمة والتهذيب المتولي والبغوي وغيرهم قال الرافعي سمعت سبطة الحسن بن محمد بن الحسين بن محمد بن القاضي الحسين يقول أتى القاضي رحمه الله رجل فقال حلفت بالطلاق أنه ليس أحد في الفقه والعلم مثلك فأطرق رأسه ساعة وبكى ثم قال هكذا يفعل موت الرجال لا يقع طلاقك وقد تكلمنا على هذه الحكاية في أول ديباجة هذا الكتاب توفي القاضي رحمه الله في المحرم سنة اثنتين وستين وأربعمائة ومن شعره إذا ما رماك الدهر يوما بنكبة ** فأوسع لها صدرا وأحسن لها صبرا فإن إله العالمين بفضله ** سيعقب بعد العسر من فضله يسرا
أخبرنا محمد بن إسماعيل الحموي قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف بن محمد البعلي أخبرنا أبو المجد محمد بن الحسين بن أحمد بن الحسين القزويني أخبرنا الإمام أبو منصور محمد بن أسعد بن محمد المعروف بحفدة العطاري ح وأخبرنا جماعة من مشايخنا منهم الحافظان أبو الحجاج المزي وأبو عبد الله الذهبي عن أبي الحسن بن البخاري عن فضل الله بن محمد النوقاني قالا أخبرنا الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي قال حفدة سماعا وقال فضل الله إجازة أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أخبرنا أبو القاسم إبراهيم بن محمد بن علي بن الشاة حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد حفيد العباس بن حمزة حدثنا جدي العباس بن حمزة حدثنا محمد بن مهاجر حدثنا أبو معاوية وعبد الله بن نمير وأبو أسامة قالوا حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( من سلك طريقا يبتغي فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ) خازن كتب المدرسة النظامية ببغداد صاحب أبي الحسين بن القطان وحضر مجلس الداركي وكان يضرب به المثل في حفظ المذهب وارتحل الناس إليه من الآفاق وأطنبوا في وصفه بحيث يفضله بعضهم على الشيخ أبي حامد وقال له فقيه يا أستاذ الاسم لأبي حامد والعلم لك قال ذاك رفعته بغداد وحطتني الدينور وجهين الجواز لأنه استقبل القبلة والمنع لأن قبلته وجه دابته أقر في مرض موته بأن ما في هذا الدار لفلان ومات فتنازع المقر له والورثة في بعض أمتعة الدار فقال الورثة لم يكن هذا في الدار وقت الإقرار أجاب القاضي الحسين بأن القول قول المقر له لأنه أقر له بما في الدار وقد وجدنا هذا الشيء موضوعا فيها بعد الإقرار وقال البغوي لا تسمع الدعوى على أنه كان في الدار لأن كونه في الدار غير مقصود بل يدعي أن الأب أقر لي به والقول قول الوارث مع يمينه يحلف أنه لا يعلم إقرار الأب به قلت نظير المسألة أن يقر بما في يده ثم يتنازع مع المقر له في شيء هل كان في يده وقت الإقرار والمجزوم به في الرافعي والروضة أن القول قول المقر وهو يشهد لما قاله البغوي هنا رجل ضل شمشكة في ضيافة وترك هناك شمشك آخر قال القاضي الحسين ليس له لبسه وإن علم أنه شمشك من أخذ شمشكه وإن فعل عصى الله وقع في شرح المنهاج للوالد رحمه الله أن القاضي الحسين منع استئجار الوالد ولده للخدمة والذي في تعليقة القاضي نقل ذلك عن أبي حنيفة فقط ومن الغرائب أن مثل هذا وقع للنووي في الروضة فحكاه وجها والذي في الرافعي عزوه إلى أبي حنيفة فقط في فتاوي القاضي أنه لو دخل سارق دار إنسان فلم يمكنه الخروج زمانا وبقي مختفيا لا يجب عليه أجرة المثل لأنه لم يستول عليها بإزالة يد المالك بخلاف الغاصب قتل وقد تنازع في هذا القول صاحب التتمة فيمن جلس مع غيره على بساطه بغير إذنه أنه يلزمه الأجرة وإن لم يزعج المالك ولكن الفرق أن الجالس على البساط قاصد الانتفاع بخلاف السارق فإن الضرورة أرهقته ومن مسألة التتمة لا مسألة القاضي يؤخذ فرع كثير الوقوع شخص يدخل دار غيره على سبيل التنزه دون الغصب فالظاهر وجوب الأجرة عليه وليس كمسألة السرقة وبل هو أولى بالوجوب من مسألة التتمة قال القاضي في التعليقة عند نية الخروج من الصلاة إذا عين الخروج عن غير ما هو فيه عامدا بطلت سواء اشترطنا نية الخروج أم لم نشترطها لأنه أبطل ما هو فيه بنية الخروج عن غيره وخرجه فميا إذا كان ساهيا على وجوب نية الخروج والذي جزم به الرافعي تفريعا على وجوب نية الخروج إنما هو البطلان عند التعمد لا عند السهو وتفريعا على عدم الوجوب أنه لا يضر الخطأ في التعيين
قال القاضي في التعليقة في باب صفة الصلاة بعد كلامه على التشهد في المرء يتيقن أنه ترك في عمره صلوات لا يدري كم عددها ما نصه فرع رجل عليه فوائت لا يدري قدرها ولا عددها كان القفال يقول يقال له قدم وهمك وخذ بما تتيقن فما تيقنت وجوبه في ذمتك فعليك قضاؤه وما شككت في وجوبه فلا بخلاف ما لو شك في أداء فرض الوقت يلزمه فعله لأن الأصل وجوبه في الذمة ووقع الشك في سقوطه عن ذمته وفيما نحن فيه شك في أصل الوجوب قبل اليقين والطريق فيه أن يقال له إذا كان عدد من الصبح أو الظهر هل تتيقن أنه صبح أو ظهر واحد فإن قال نعم قلنا عليك فعلها ثم نقول هل تتيقن أنها صبحان أو ظهران فإن قال نعم قلنا عليك فعلها وهكذا إلى أن ينتهي إلى حال يشك فيه فنطرح عنه المشكوك ونكلفه أداء اليقين قال القاضي الحسين وعندي يقال للمصلي كم تيقنت من فرائض هذه السنة قد أديتها فالذي تيقنت سقط عنك والباقي في ذمتك لأن الأصل اشتغال ذمتك بالفريضة وما قاله القفال يخرج على القول القديم أنه لو شك أنه هل ترك ركنا من أركان الصلاة فعلى قوله القديم الأصل مضيه على السلامة وفي الجديد يلزمه الاستئناف لأن الأصل اشتغال ذمته به ولو أنه على الشك قضى فائتة فالذي يرجى فيه من فضل الله تعالى أن يجبر بها خللا في الفرائض ويحسبها له نفلا سمعت بعض أصحاب القاضي أبي عاصم يقول إنه قضى صلوات عمره كلها مرة وقد استأنف قضاءها ثانيا ومن مذهب أبي حنيفة لو مرت عليه فوائت فأراد أن يقضيها ينوي أولا أول صبح فاته أو أول ظهر ثم بعد ذلك ينوي ما يليه أو ينوي آخر ظهر أو آخر صبح ثم ينوي ما يليه فيستجيب أن ينوي على هذا الوجه ولو أطلق النية فنوى قضاء فائتة الصبح أو الظهر جاز انتهى كلامه في التعليقة
إذا مات محهول الدين وله ولدان مسلم ونصراني قال كل منهما لم يزل علىديني حتى مات جعلت التركة كمال في يد اثنين تنازعاه وقال القاضي حسين إن كان في يد أحدهما فالقول قوله قال الغزالي وهذه زلة لأنه معترف بأن يده من جهة الميراث فلا أثر ليده مع ذلك واعلم أن الغزالي تلقى هذا الكلام من إمامه غير أن إمامه جعل الحمل فيه على الناقل عن القاضي مع تصريحه بأن القاضي قاله وهذا عجيب وهذه عبارة النهاية وقد ذكر القاضي أنا ننظر إلى اليد فإن كانت التركة في يد أحدهما فالقول قوله مع يمينه وهذا وهم وزلل من الناقل عنه انتهى فكأنه وإن أبصره في كتاب القاضي لم يتحقق أنه من قبله لعلو فهم القاضي عنده وضعف هذه المقالة فأضاف الزلل إلى المعلق وقد خلا كلام الغزالي عن هذه الزيادة لا سيما وفي بعض نسخ الوسيط وهذه زلة من كبير وهذا يكاد يصرح بثبوتها على القاضي وهو شيء فر منه الإمام لكن ما عزي للقاضي هو قول الشيخ أبي حامد شيخ العراقيين وجماعة كما قال الرافعي وليت شعري لم جعل زللا وما جعل القول قول الثالث إذا كان المال في يده زللا وكان القياس إذا أقر به لأحدهما أن يكون الحكم كما لو كان في يدهما نظرا لما أبطل به الإمام كلام القاضي وقد أطنب ابن الرفعة في المطلب في تأييد كلام القاضي وذكر هذا الذي ذكرناه وغيره ولكني أقول الإمام في النهاية لم يذكر ما إذا كان المال في يد غيرهما والرافعي وإن كان جزم بأن القول قول الثالث لكنا لا ندري ما حال هذا الجزم عند الإمام وقد ذكر ابن الرفعة أن القاضي عماد الدين بن السكري اعترض في حواشي الوسيط قائلا يمكن أن يقال يوقف فإن بيت المال يقول لعله مات على غير دينكما فيحتاج كل مدع إلى إثبات ما يدعيه وليس المال في يدهما بل قد علم أن المال كان في الميت الذي لم يعرف حاله ونقل عن صاحب الشامل أنه ذكر وجها يوافق هذا البحث لكن ابن الرفعة قال إن هذه الأوجه له لأن ما أبداه يحتمل فيما إذا توافقا أنه مات على دينهما أو كان واحد ومع ذلك لا يوافق اتفاقا
قال القاضي في التعليقة ولو قال سلام عليكم من غير ألف ولام لم يتحلل به من الصلاة نص الشافعي على أنه إذا نقص حرفا منه تبطل به صلاته ولو قال سلام عليكم وزاد التموين ونقص الألف واللام فيه وجهان أحدهما يقوم التنوين مقامه فيقع به التحلل والثاني لا ولو قال سلام عليكم من غير التنوين ترتب على التنوين أن قلنا لا يخرج به عن صلاة فهنا أولى وإلا فوجهان أحدهما يخرج من الصلاة كذلك لأن إسقاط التنوين لا يغير معناه فهو كما لو قال منونا انتهى ومسألة سلام عليكم منكرا منونا مشهورة ورجح الرافعي فيها الإجراء والنووي عدم الإجزاء وقال إنه المنصوص أما مسألة سلام منكرا غير منون فغريبة ومن العجيب أن الشيخ برهان الدين ابن الفركاج نقل فيها في تعليقه على التنبيه أن القاضي قال لا يجزىء وكأنه نظر أول ما حكيناه من كلامه ولو تأمل آخره لوجده قد حكى فيها وجهين كما رأيت وفي كتاب سر الصناعة لابن جني أن أبا الحسن حكى عنهم سلام عليكم غير منون ووجهه بأن اللفظة كثرت في كلامهم فحذف تنوينها تخفيفا قال عبد الغافر فيه ركن من أركان أصحاب الشافعي بناحية بيهق مدرسهم ومفتيهم ومذكرهم والمرجوع إليه في مهمات الأمور دينا ودنيا فيهم هذا ما ذكره عبد الغافر نقلته من منتخب كتابه وذكره في طبقة القاضي الحسين وأقرانه مات في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين وأربعمائة أبو علي الدلفي المقدسي البغدادي تفقه على ابن الصباغ قال أبو علي بن سكرة لم ألق ببغداد أصلح منه ولا أزهد كان في سنة أربع وثمانين وأربعمائة الشيخ الإمام الكبير أبو عبد الله الحناطي الطبري والحناطي بحاء مهملة بعدها نون مشددة وهذه النسبة لجماعة من أهل طبرستان منهم هذا الإمام ولعل بعض آبائه كان يبيع الحنطة كان الحناطي إماما جليلا له المصنفات والأوجه المنظورة قدم بغداد وحدث بها عن عبد الله بن عدي وأبي بكر الإسماعيلي ونحوهما قال الخطيب حدثنا عنه أبو منصور محمد بن أحمد بن شعيب الروياني والقاضي أبو الطيب الطبري قلت وقال القاضي أبو الطيب في تعليقته في باب التحفظ في الشهادة عند الكلام على الحناطي كان الحناطي رجلا حافظا لكتب الشافعي ولكتب أبي العباس انتهى ذكره بعد ما قال الذي شاهدت عليه أصحابنا العراقيين أنهم يقولون إن المذهب أن شهادته لا تسمع وأن ابن سريج قال تسمع وأنه سمع الحناطي يعكس ويقول المذهب أنها تسمع وابن سريج يقول لا تسمع قلت والأول ما نقله الحسن بن أحمد البصري في كتاب أدب القضاء فإنه ذكر أن أكثر أصحابنا قالوا لا تقبل وإن ابن سريج قال تقبل قال وهو القياس قلت ووفاة الحناطي فيما يظهر بعد الأربعمائة بقليل أو قبلها بقليل والأول أظهر
رأيت في فتاويه أنه لا يجوز جعل الذهب والفضة في كاغد كتب عليه وفيها أن من صلى في فضاء من الأرض بأذان وإقامة ثم حلف أنه صلى في جماعة أنه يبر لقوله ( إن الملائكة تصلي خلفه ) ووافقه الشيخ الإمام أبي رحمه الله وأنه لو قال لغريمه أحللتك في الدنيا دون الآخرة برىء في الدارين لأن البراءة في الآخرة تابعة للبراءة في الدنيا قلت وقد ينازع في ذلك ويقال لا يلزم من البراءة في الدنيا البراءة في الآخرة وإنما هو كتأجيل الدين ولا أعني صيرورته مؤجلا وأن الحال لا يؤجل وإنما أعني نحو الوصية أو نذر تأخير المطالبة وكأنه ترك حقه من المطالبة في الدنيا نعم يتجه أن يقال لا يبرأ مطلقا ويبقى الدين في ذمته كما كان غير أن الدائن لا يستحق المطالبة به في الدنيا وإن أحب المدين البراءة الكلية التي لا يتبعه معها في دنيا ولا أخرى وفي الدائن دينه ثم للدائن أخذه ولا يمنعه إبراؤه في الدنيا لأنا قد قلنا إن معنى الإبراء في الدنيا ترك حق المطالبة فغايته تأجيل الحال ثم من له دين مؤجل قد يعجل له فإن قلت أيصح رد كلام الحناطي بأن يعكس قوله لما أبرأه في الدنيا بريء في الآخرة ويقال لما لم يبرأ في الآخرة لم يبرأ في الدنيا يعين ما قاله فإنه علله بأن الآخرة تابعة وكما لا ينفصل التابع عن المتبوع كذلك لا ينفصل المتبوع عن التابع وذلك شأن المتلازمين قلت لا يصح ذلك لأن إعمال قوله أبرأتك في الدنيا أولى من إعمال لم أبرئك في الآخرة فإن قوله دون الأخرى لا يزيد على أنه بقي الأمر في الآخرة على ما كان عليه وذلك مستفاد من قبل الإبراء وهو إنما أصدر الإبراء في الدنيا وجعل صدر كلامه مكانه أولى بأن ينظر إليه ويحذف ما بعده لوقوعه كالمعارض له فهو يشبه رفع الشيء بعد ثبوته فلا يسمع كألف من ثمن خمر وأنه سئل عن مريض تحقق موته في مرضه هل تصح وصيته فقال لا تصح ولا قصاص على قاتله وإن أثم انتهى ومراده من انتهى إلى حركة المذبوحين ولم يبق فيه حياة مستقرة ولا يحمل التأخير لحظة وبذلك صرح العراقيون في كتاب الوصايا فقال الشيخ أبو حامد إذا كان في النزع وقد شخص بصره وانتصبت عيناه فلا قود ولا دية ولا كفارة وتبعه جماعات منهم المتولي والرافعي والنووي لكنهم جميعا صرحوا في كتاب الجراج بوجوب القود فقالوا والعبارة للإمام رضي الله تعالى عنه لو انتهى المريض إلى سكرات الموت وبدت مخايله وتغيرت الأنفاس في الشراسيف فلا يحكم له بالموت وإن كان يظن أنه في حالة المقدود لأن بلوغه إلى تلك الحالة غير مقطوع وقد يظن به ذلك ثم يشفى بخلاف المقدود قال الإمام وكم من مذفف شق عليه الجيوب وشد حنكه ثم تثور قوته وتعود فلا يتصور الحكم بالموت على ثقة ما لم يخمد ويفض نفسه فإذا ضرب ضارب رقبته وهو يتنفس فنجعله قاتلا على التحقيق هذا كلام الإمام وتبعه الأصحاب وسبقه غيره وهو منصوص للشافعي رضي الله عنه ولقائل أن يقول التعبير بأنه في سكرات الموت وأنه انتهى إلى حركة المذبوح مع تفرقتهم بأن بلوغه إلى تلك الحالة غير مقطوع ليس بصواب بل الصواب التعبير بعبارة صاحب المهذب فإنه قال في الأم من جنى على رجل يرى من حضره أنه في السياق وأنه يقبض مكانه فضربه بحديدة فمات فعليه فيه القود لأنه قد يعيش بعد ما يرى أنه يموت انتهى وأنه وصل إلى حركة المذبوح قد لا يكون في نفس الأمر كذلك فيجب القصاص على قاتله وهو ما جزم به الأصحاب في كتاب الجراح ومن تيقنا أنه انتهى إلى حركة المذبوح وأن الحياة فيه غير مستقرة فلا قصاص فيه وهو ما ذكره في باب الوصايا فلا تناقض بين الموضعين ومن شككنا أنه وصل إلى هذه الحالة فالصواب ألا يحكم بوصوله إليها وأن نوجب القصاص على قاتله جريا على الأصل هذا ما يظهر وبه يجتمع كلام الأصحاب في الوصايا والجراح ولا يعد تناقضا وإنما أتي من أتي من سوء التعبير فإذا قال قائل يجب القصاص على قاتل المريض وإن ظن انتهاؤه إل حركة المذبوح بخلاف من تيقن أنه انتهى إلى هذه الحالة كما صرحوا بالأول في الجراح وبالثاني في الوصايا كان مصيبا وإذا زاد فقال لكن ما ذكروه في باب الوصايا لا يتحقق محله لأن تلك الحالة لا يتحقق الانتهاء إليها فإطلاق وجوب القصاص صحيح كان مصيبا أيضا وهذا مختصر من جملة مطولة متشعبة في كلام الأصحاب قد لخصتها لك هنا خرج لك منا أن ما ذكره الحناطي في فتاويه وإن كان حقا في نفس الأمر إذا حمل على من تيقن أنه انتهى إلى حركة المذبوح وقع ألفاظا وفقا لما ذكره في باب الوصايا لكنه غير معمول به لعدم تيقن تلك الحالة وأما الظن بالحناطي أنه يقول لا قصاص وإن لم ينته إلى حركة المذبوح إذا تيقنا موته بذلك المرض فهذا ظن باطل إذ لا يقول بذلك عاقل بل لو تيقنا موته بذلك المرض وأنه لا يعيش إلا لحظة واحدة فقتله قاتل وجب عليه القود جزما لأن الموت محال على قتله فإن المرض قد كان يبقيه تلك اللحظة ففوتها عليه وإن كان القاتل عندنا معاشر أهل السنة لا يقطع أجلا لكن ذلك واد آخر من غير هذا الوادي الفقهي الذي نحن الآن نمشي فيه وكشفل بفتح الكاف وضم الفاء بينهما شين معجمة ساكنة وآخرها اللام من قرى آمل طبرستان تفقه على أبي القاسم الداركي وتفقه قبله على أبي عبد الله الحناطي قال الشيخ أبو إسحاق كان فقيها مجودا موصوفا بجودة النظر وقال الخطيب كان من فقهاء الشافعيين قال ودرس في مسجد عبد الله بن المبارك بعد موت أبي حامد الإسفرايني قال وكان فهما فاضلا صالحا متقللا زاهدا وحكي أن بعض طلبته اشتكى إليه فاقة وأنه تأخرت عنه نفقته التي ترد عليه من أبيه فأخذ الكشفلي بيده وذهب إلى بعض التجار بقطيعة الربيع فاستقرض له منه خمسين دينارا فقال حتى نأكل شيئا فمد السماط فأكلوا ثم قال يا جارية هاتي المال فأحضرت جاريته شيئا من المال فوزن منه خمسين دينارا ودفعها إلى الشيخ فلما قاما إذا بوجه الفقيه قد تغير فقال له الكشفلي ما لك فقال يا سيدي قد سكن قلبي حب الجارية فرجع به إلى التاجر فقال وقد وقعنا في فتنة أخرى قال ما هي قال إن الفقيه قد هوي الجارية فأمر التاجر بأن تخرج وسلمها إليه وقال ربما تكون قد وقع في قلبها منه مثل الذي وقع في قلبه منها فلما كان بعد ليال قدمت على الفقيه نفقة من أبيه ستمائة دينار فوفى التاجر ما كان له عليه من ثمن الجارية والقرض مات الكشفلي في ربيع الآخر سنة أربع عشرة وأربعمائة ودفن بمقبرة باب حرب بفتح الواو وتشديد النون الشيخ أبو عبد الله الفرضي كان متقدما في علم الفرائض له فيه تصانيف جيدة قال ابن السمعاني وكانت له يد في علوم أخر وكان حسن الذكاء سمع الحديث من أصحاب أبي علي الصفار وأبي جعفر بن البختري وغيرهما وسمع منه أبو حكيم الخبري وغيره قال ابن ماكولا سمعت أبا بكر الخطيب يقول حضرنا مجلس بعض المحدثين وكان معنا أبو عبد الله الوني فأملى أحاديث ونهضنا وقد حفظ الوني منها بضعة عشر حديثا قتل الوني ببغداد في فتنة البساسيري سنة خمسين وأربعمائة صاحب المطارحات ذكره الرافعي في كتاب الغصب وحكى قوله في المطارحات فيما إذا وطىء الغاصب المغصوبة وأحبلها المشتري ثم ماتت في الولادة في يد المالك أنه إن كان عالما فلا شيء عليه لأنه ليس منه أي لا يلحقه حتى يقال ماتت لولادة ولده ونقل في صورة الجهل قولين لأن الولد لاحق به فيصح أن يقال ماتت من الولادة التي كانت منه والذي أطلقه المتولي وصححه النووي القول بوجوب الضمان وقد وقفت على المطارحات ورأيت ذلك فيها وهذه عبارتها مسألة رجل غصب جارية وباعها وأحبلها المشتري ثم استحقها المغصوب منه وردت عليه ثم ماتت في الولادة الجواب إن كان المشتري عالما بالغصب لم يضمن الجارية لأن الولد تلده لا يلحقه ولا يصح أن يقال ماتت من ولادة الولد الذي منه وإن كان غير عالم ضمن قيمة الجارية في ماله لأنه إذا لم يكن عالما بالغصب فالولد لاحق به فيصح أن يقال ماتت من الولادة التي كانت منه وفي ذلك قول آخر أن قيمة الجارية على عاقلته انتهى وفي المطارحات رجل في يده قميص قال خاطه لي فلان فقال فلان بل هذا قميصي إن القول قول من في يده قميص إلا أن يقول أخذته من هذا الخياط فالقول قول الخياط حينئذ والفرق أنه في الأول يحتمل أن يكون خاطه في يده أو في داره فيكون الخياط مدعيا والقول لصاحب اليد بخلاف ما إذا قال أخذته من هذا الخياط فإنه مقر للخياط باليد يتصل نسبه بالزبير بن العوام أبو عبد الله الزبيري ليس أبا عبد الله المشهور ذاك اسمه الزبير وهذا رجل سمع الحديث الكثير وسافر في طلبه إلى خراسان ولقي الأئمة وتفقه على ناصر العمري وولي قضاء طبرستان وإستراباذ وناظر الأئمة وحدث عن أبي بكر أحمد بن الحسين بن الحافظ وأبي عبد الرحمن محمد بن أحمد المزكي وناصر العمري والشيخ أبي محمد الجويني وأبي عثمان سعيد بن سعيد العيار وغيرهم روى عنه أبو القاسم السمرقندي وغيره قال شيرويه قدم علينا همذان وسمعت منه ببغداد وقال ابن السمعاني ولد قبل العشرين وأربعمائة وتوفي بنيسابور ليلة الجمعة لخمس بقين من ربيع الأول سنة أربع وسبعين وأربعمائة وحمل تابوته إلى آمل ودفن بها الشيخ أبو محمد منتسب إلى ذيمون بالمعجمة وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين وضم الميم وسكون الواو بعدها ثم النون على فرسخين ونصف من بخارى تفقه أبو محمد هذا على أبي عبد الله الخضري ودرس الكلام على الأستاذ أبي إسحاق وكان بصيرا بمذهب الأشعري قيما بمذهب الشافعي توفي ببخارى في شهر ربيع الأول سنة عشر وأربعمائة الفقيه الزاهد المعروف بالحمال روى عن أبي عمر بن مهدي الفارسي وأبي الحسن بن رزقويه وغيرهما حدث عن سهل بن بشر الإسفرايني وجعفر السراج وغيرهما وكان فقيها متكلما تفقه على الشيخ أبي حامد الإسفرايني وأخذ علم الأصول عن القاضي أبي بكر قال هياج بن عبيد كان لرافع الحمال في الزهد قدم وإنما تفقه أبو الحسن رافع على أبي إسحاق الشيرازي ومن شعره يقول اقطع الآمال عن فضل ** بني أدم طرا أنت ما استغنيت عن مثلك ** أعلا الناس قدرا توفي بها سنة سبع وأربعين وأربعمائة كتب إلي أحمد بن أبي طالب أنبأنا الحافظ محمد بن محمود أخبرنا محمد بن أبي المعالي المقرىء أخبرنا محمد بن عبد الباقي أخبرنا أبو الحسين أحمد بن عبد القادر ابن محمد بن يوسف قال سمعت رافعا الحمال البغدادي الفقيه ونحن نطوف بالبيت يقول سمعت بكرا الواعظ يقول وقد سئل أيهما أفضل محمد أو موسى فقال محمد فقيل له فما الدليل على ذلك فقال إنه تعالى أدخل بينه وبين موسى لام الملك فقال القاضي أبو زرعة الرازي حفيد الإمام أبي بكر بن السني الحافظ الدينوري كتب عنه الخطيب وقال كان صدوقا فهما أديبا يتفقه على مذهب الشافعي قال ابن الصلاح يطلق هو وغيره لفظة يتفقه على من ليس بمبتدىء في الفقه سمع أبو زرعة من أبي زرعة أحمد بن الحسين الرازي وجعفر الفناكي وابن فارس اللغوي وأقرانهم روى عنه الخطيب وغيره مات سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة ولد بعد السبعين وثلاثمائة وسمع من زاهر السرخسي وتفقه على الشيخ أبي حامد الإسفرايني وروى السنن عن أبي عمر الهاشمي وكان رئيس المحدثين بسرخس توفي في شوال سنة أربع وخمسين وأربعمائة أبو معمر بفتح الميم وإسكان العين الهروي ويعرف بغولجه بضم الغين المعجمة وبالجيم لغة هروية وهو تصغير غول كان أحد أئمة الدين وعلماء المسلمين ذكره العبادي في طبقة الشيخ أبي محمد وناصر المروزي وشبههما وذكره أبو النصر في تاريخ هراة فقال وكان إماما في أنواع العلوم وهو الذي قيل فيه ما عبر جسر بغداد مثل سالم صنف كتاب اللمع في الرد على أهل البدع في مسائل أصول الاعتقاد وما يخالف فيه أهل السنة أهل الاعتزال والإلحاد روى عنه الحاكم توفي سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة شيخ عصره في العلم والأدب رحل وسمع بالري وهمذان والكوفة وبغداد وروى عن جده والدارقطني وأبي أحمد الغطريفي وأبي حفص بن شاهين وغيرهم وكان مفتي جرجان بعد والده الإمام أبي سعد تفقه به جماعة توفي في سنة ثلاثين وأربعمائة أبو طاهر البريدي من أهل الري تفقه ببغداد وسمع من أبي عبد الله أحمد بن عبد الله بن الحسين المحاملي وأبي القاسم بن بشران وغيرهما روى عنه الخطيب المذكور في الباب الثاني في أركان الطلاق من شرح الرافعي وفي فروع الطلاق أيضا تفقه بنيسابور على ناصر العمري وبمروالروذ على القاضي الحسين ثم لازم إمام الحرمين وصار من أخصائه وكان إماما بارعا سمع أبا الحسين الفارسي وأبا حفص بن مسرور والكنجروذي قال عبد الغافر الفارسي هو الفقيه البارع أحد أركان الفقه المختصين بإمام الحرمين بعد أن درس الفقه قديما على ناصر وغيره من فقهاء نيسابور ثم خرج إلى القاضي الحسين بمروالروذ وأقام عنده وتخرج به توفي ليلة الجمعة خامس عشر شوال سنة تسعين وأربعمائة نزيل همذان قال ابن السمعاني كان ثقة مفتنا حسن المناظرة كثير العلم والعمل وكان مفتي همذان سمع القاضي أبا الطيب وأبا إسحاق البرمكي وسمع بمكة كريمة المروزية روى عنه إسماعيل التيمي والسلفي إجازة قال شيرويه قرأت عليه شيئا من الفقه وكان حسن المناظرة هيوبا مات في ذي القعدة سنة أربع وتسعين وأربعمائة الورع أبو القاسم الزنجاني سمع بمصر أبا عبد الله محمد بن الفضل بن نظيف وغيره وبزنجان محمد بن أبي عبيد وبدمشق عبد الرحمن بن ياسر وغيره روى عنه الخطيب وهو أكبر منه وأبو المظفر السمعاني ومحمد بن طاهر المقدسي وعبد المنعم بن القشيري وآخرون جاور بمكة مدة وصار شيخ حرمها قال أبو الحسن محمد بن أبي طالب الكرجي سألت محمد بن طاهر عن أفضل من رأى فقال سعد الزنجاني وعبد الله بن محمد الأنصاري فسألته أيهما أفضل فقال عبد الله كان متفننا وأما الزنجاني فكان أعرف بالحديث منه وذلك أني كنت أقرأ على عبد الله فأترك شيئا لأجريه ففي بعض يرد وفي بعض يسكت والزنجاني كنت إذا تركت اسم رجل يقول تركت بين فلان وفلان اسم فلان قال ابن السمعاني صدق كان سعد أعرف بحديثه لقلته وكان عبد الله مكثرا قال أبو سعد سمعت بعض مشايخي يقول كان جدك أبو المظفر قد عزم على أن يقيم بمكة ويجاور بها صحبة الإمام سعد بن علي فرأى ليلة من الليالي والدته كأنها قد كشفت رأسها وقالت له يا بني بحقي عليك إلا ما رجعت إلى مرو فإني لا أطيق فراقك فانتبهت مغموما وقلت أشاور الشيخ سعدا وهو قاعد في الحرم ولم أقدر من الزحام أن أكلمه فلما تفرق الناس وقام تبعته إلى داره فالتفت إلي وقال يا أبا المظفر العجوز تنتظرك ودخل البيت فعرفت أنه تكلم على ضميري فرجعت مع الحاج تلك السنة قال أبو سعد كان الزنجاني حافظا متقنا ثقة ورعا كثير العبادة صاحب كرامات وآيات وإذا خرج إلى الحرم يخلو المطاف ويقبلون يده أكثر مما يقبلون الحجر الأسود وقال محمد بن طاهر ما رأيت مثله سمعت أبا إسحاق الحبال يقلول لم يكن في الدنيا مثل أبي القاسم الزنجاني في الفصل وكان يحضر معنا المجالس ويقرأ الخطأ بين يديه فلا يرد على أحد إلا أن يسأل فيجيب قال ابن طاهر وسمعت هياج بن عبيد إمام الحرمين ومفتيه يقول يوم لا أرى فيه سعد بن علي لا أعتد أني عملت خيرا وكان هياج من أولياء الله تعالى وفضلاء عصره وقال ابن طاهر وكان الشيخ سعد لما عزم على المجاورة عزم على نيف وعشرين عزيمة أنه يلزمها نفسه من المجاهدات والعبادات ومات بعد ذلك بأربعين سنة ولم يخل بواحدة منها قال ودخلت عليه وأنا ضيق الصدر من رجل من أهل شيراز لا أذكره فأخذت يده فقبلتها فقال لي ابتداء من غير أن أعلمه بما أنا فيه يا أبا الفضل لا تضيق صدرك عندنا في بلاد العجم مثل يضرب يقال بخل أهوازي وحماقة شيرازي وكثرة كلام رازي ودخلت عليه لما عزمت على الخروج إلى العراق حتى أودعه ولم يكن عنده خبر من خروجي فلما دخلت عليه قال أراحلون فنبكي أم مقيمونا فقلت ما أمر الشيخ لا نتعداه فقال على أي شيء عزمت قلت على الخروج إلى العراق لألحق مشايخ خراسان فقال تدخل خراسان وتبقى بها وتفوتك مصر وتبقى في قلبك فاخرج إلى مصر ثم منها إلى العراق وخراسان فإنه لا يفوتك شيء ففعلت وكان في ذلك البركة ولد سعد في حدود سنة ثمانين وثلاثمائة أو قبلها وتوفي سنة إحدى وسبعين أو في آخر سنة سبعين بمكة بضم الجيم بعدها الواو الساكنة ثم اللام المفتوحة وفي آخرها الكاف نسبة إلى جولك رجل من الغزاة استشهد على باب رباط دهستان كان والده أبو سعد رجلا رئيسا من أهل جرجان ولي الرياسة بها إلى أن توفي فوليها بعده والده هذا وكان والده هذا يكنى أبا المحاسن وكان فقيها بارعا محققا مناظرا خلف أباه في حياته وهو ابن ثمان عشرة سنة وتخرجت به الفقهاء وروى عن جده لأمه أبي سعد وأبي نصر الإسماعيلي ووالده أبي سعد الجولكي وغيره ولد في جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة وكان الأمير فلك المعالي منوجهر بن قابوس وشمكير أمير جرجان وجهه إلى غزنة رسولا سنة إحدى عشرة وأربعمائة بخرج وعقد له مجلس النظر بنيسابور وهراة وغزنة ورجع سالما غانما موقرا قتل ظلما بأستراباذ في رجب سنة أربع وخمسين وأربعمائة أخو الشيخ أبي عبد الرحمن فقيه شاعر إمام في الطب ثقة في الحديث وروى عن أبي عمرو بن حمدان وغيره مات فجأة سنة عشر وأربعمائة عن سبع وستين سنة الشيخ الإمام أبو الفتح الرازي اشتغل قبل الفقه بالتفسير والحديث واللغة ثم سافر إلى بغداد فتفقه بها على الشيخ أبي حامد حتى برع في المذهب وصار إماما لا يشق غباره وفارسا لا تلحق آثاره ومجدا لا يعرفه بغير الدأب في العلم والعبادة ليله ونهاره وعلق عن الشيخ أبي حامد التعليقة ولما توفي الشيخ أبو حامد درس مكانه ثم سافر إلى الشام وأقام بثغر صور مرابطا محتسبا ينشر العلم سمع أبا الحسين أحمد بن فارس اللغوي وشيخه أبا حامد الإسفرايني وأحمد بن عبد الله الأصبهاني وأحمد بن محمد البصير الرازي ومحمد بن عبد الله الجعفي ومحمد ابن جعفر التميمي الكوفيين وأحمد بن محمد المجبر وجماعة روى عنه الكتاني وأبو بكر الخطيب والفقيه نصر المقدسي وأبو نصر الطريثيثي وعبد الرحمن بن علي الكاملي وسهل بن بشر الإسفرايني وخلق وقع لنا الكثير من حديثه قال سهل الإسفرايني حدثني سليم أنه كان في سفرة بالري وله نحو عشر سنين فحضر بعض الشيوخ وهو يلقن فقال لي تقدم فاقرأ فجهدت أن أقرأ الفاتحة فلم أقدر على ذلك لانغلاق لساني فقال ألك والدة قلت نعم قال قل لها تدعو لك أن يرزقك الله القرآن والعلم فرجعت فسألتها الدعاء فدعت لي ثم إني كبرت ودخلت بغداد فقرأت بها العربية والفقه ثم عدت إلى الري فبينا أنا في الجامع أقابل مختصر المزني وإذا الشيخ قد حضر وسلم علينا وهو لا يعرفني فسمع مقالتنا وهو لا يعلم ما نقول ثم قال متى نتعلم مثل هذا فأردت أن أقول إن كانت لك والدة قل لها تدو لك فاستحييت منه أو كما قال صاحب الفتاوي وأرغيان بفتح الألف وسكون الراء وكسر الغين المعجمة وفتح الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفي آخرها النون اسم لناحية من نواحي نيسابور بها عدة من القرى وسهل هذا هو الحاكم أبو الفتح من قرية بان بفتح الباء الموحدة من تحت وفي آخرها النون وهي من جملة أرغيان ولك أن تقول فيه الباني والأرغياني قال ابن السمعاني إمام فاضل حسن السيرة تفقه على القاضي الحسين بمرو الروذ وأقام عنده حتى حصل طريقته ذكر أنه ما علق شيئا من المذهب إلا على طهارة ودخل طوس وقرأ التفسير والأصول على شهفور الإسفرايني ثم دخل نيسابور وقرأ الكلام على إمام الحرمين وعاد إلى ناحيته وولي القضاء بها وحمدت سيرته في ولايته ثم ترك القضاء وانزوى بعد ما حج واشتغل بالعبادة سمع ينيسابور أبا عثمان الصابوني وأبا حفص بن مسرور وأبا سعد الكنجروذي وطبقتهم وببوشنج أبا الحسن الداوودي وبهراة أبا عمر المليحي روى لنا عنه أبو طاهر السنجي وكانت ولادته سنة ست وعشرين وأربعمائة وتوفي أول يوم من محرم سنة تسعين وأربعمائة ببان وأوصى أن يدفن في الصحراء هذا كلام ابن السمعاني قال عبد الغافر فاضل فقيه من أفاضل فقهاء الشافعية سمع من المخلدي وطبقته وهو من بيت العلم والحديث والدين مات في حد الكهولة الحنفي نسبا الأستاذ الكبير والبحر الواسع أبو الطيب الصعلوكي ولد الأستاذ أبي سهل هو الفقيه الأديب مفتي نيسابور النجيب ابن النجيب الصعلوكي إلا أنه الغني الذي لا يسأل إلا ويجيب ما أمه الطالب إلا وجده سهلا ولا أمله الراغب إلا وتلقاه بالبشر وقال له أهلا جمع بين رياستي الدين والدنيا واتفق علماء عصره على إمامته وسيادته وجمعه بين العلم والعمل والأصالة والرياسة يضرب المثل باسمه وتضرب أكباد الإبل للرحلة إلى مجلسه وكان يلقب شمس الإسلام سمع أباه الأستاذ أبا سهل وبه تفقه وعليه تخرج ولديه ربي ومحمد بن يعقوب الأصم وأبا عمرو بن نجيد وأبا علي الرفاء وغيرهم روى عنه الحاكم أبو عبد الله والحافظ أبو بكر البيهقي ومحمد بن سهل وأبو نصر الشاذياخي وآخرون قال الشيخ أبو إسحاق كان فقيها أديبا جمع رياسة الدين والدنيا وأخذ عنه فقهاء نيسابور وقال الحاكم الفقيه الديب مفتي نيسابور وابن مفتيها وأكتب من رأيناه من علمائها وأنظرهم قال وقد كان بعض مشايخنا يقول من أراد أن يعلم النجيب ابن النجيب يكون بمشيئة الله تعالى فلينظر إلى سهل بن أبي سهل واجتمع إليه الخلق اليوم الخامس من وفاة الأستاذ أبي سهل سنة تسع وستين وثلاثمائة وقد تخرج به جماعة من الفقهاء بنيسابور وسائر مدن خراسان وتصدى للفتوى والقضاء والتدريس قال وخرجت له الفوائد من سماعاته وحدث وأملى قال وبلغني أنه وضع في مجلسه أكثر من خمسمائة محبرة عشية الجمعة الثالث والعشرين من المحرم سنة سبع وثمانين وثلاثمائة وكان أبوه يقول سهل والد ودخلت على الأستاذ في ابتداء مرضه وسهل غائب إلى بعض ضياعه وكان الأستاذ يشكو ما هو فيه فقال غيبة سهل أشد علي من هذا الذي أنا فيه وسمعت الرئيس أبا محمد الميكالي يقول الناس يتعجبون من كتابة الأستاذ أبي سهل وسهل أكتب منه وسمعت أبا الأصبغ عبد العزيز بن عبد الملك وانصرف إلينا من نيسابور ونحن ببخارى فسألناه ما الذي استفدت هذه الكرة بنيسابور فقال رؤية سهل بن أبي سهل فإني منذ فارقت وطني بأقصى المغرب وجئت إلى أقصى المشرق ما رأيت مثله وقال أبو عاصم العبادي هو الإمام في الأدب والفقه والكلام والنحو والبارع في النظر وقال الحافظ الإمام أثير الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن غانم بن أبي زيد المقرىء في كتابه الذي سماه الكتاب الذي أعده شافعي في مناقب الإمام الشافعي سهل بن محمد الصعلوكي كان فيما قيل عالما في شخص وأمة في نفس وإمام الدنيا بالإطلاق وشافعي عصره بالإطباق ومن لو رآه الشافعي لقرت عينه وشهد أنه صدر المذهب وعينه وأنا إن شاء الله أذكر محاسن هذا الإمام في كتاب شفاء الصدور في طبقة الأصحاب ليقف على حاله الجاهل والعالم فإن فضائله أشهر وأكثر من أن يحملها هذا الموضع انتهى ذكره بعد أن أنشد الأبيات التي أنشأها المطوعي وسنذكرها قلت وقد كتبت هذا من خط شيخنا الحافظ أبي العباس بن المظفر ولم يثبت أن الحافظ أثير الدين المشار إليه نقله من المطوعي في كتاب المذهب وأن المطوعي صنف الكتاب المذكور للإمام سهل المذكور وأسند الحافظ ابن عساكر في كتاب التبيين إلى الحاكم أبي عبد الله قال سمعت الشيخ أبا الوليد حسان بن محمد فذكر حكاية ابن سريج والأبيات التي أنشدها في أنه عالم المائة الثالثة ثم كلام في سهل والأبيات التي أنشدت فيه وقد ذكرنا ذلك في ديباجة الكتاب والأبيات التي ذيلناها عليه فلا حاجة إلى الإعادة نعم نذكرها نظما في هذا المعنى الذي لم يسبق له ذكر فنقول وذكر أبو حفص عمر بن علي المطوعي في كتاب المذهب في ذكر مشايخ المذهب عن بعض أهل عصره إنا روينا عن نبي الهدى ** في السنة الواضحة السامية بأن لله أمرا قائما ** بالدين في كل تناهي مائة فعمر الحبر حليف العلى ** قام به في المائة البادئة والشافعي المرتضى بعده ** قرره في المائة الثانية وابن سريج فراج له ** في المائة الثالثة التالية والشيخ سهل عمدة للورى ** في المائة الرابعة الحالية مات الأستاذ أبو الطيب في شهر رجب سنة أربع وأربعمائة بنيسابور وقال أبو سعيد الشحام رأيته في المنام فقلت أيها الشيخ فقال دع الشيخ فقلت وتلك الأحوال التي شاهدتها فقال لم تغن عنا فقلت ما فعل الله بك قال غفر لي بمسائل كانت تسأل عنها العجز
أنبأنا المسند أبو التقى صالح بن مختار الإسنوي قراءة عليه وأنا أسمع بالقاهرة والخطيب عز الدين أبو عبد الله محمد بن العز إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر سماعا عليه بقاسيون قالا أنبأنا أبو العباس أحمد بن عبد الدائم بن نعمة المقدسي قال الأول سماعا وقال الثاني حضورا أنبأنا يحيى بن محمود الثقفي أخبرنا جدي الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن محمد التيمي أخبرنا أبو نصر محمد بن سهل السراج حدثنا أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان الصعلوكي حدثنا أبو سهل بشر بن يحيى المهرجاني حدثنا عبد الله بن ناجية حدثنا أحمد بن يحيى الجلاب حدثنا محمد بن الحسن عن سفيان عن عبد الملك بن عمير عن رجاء بن حيوة عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله ( إنما الحلم بالتحلم وإنما العلم بالتعلم ومن يتحر الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه ) ومن شعره وقد أنشده أبو عاصم في الطبقات سلوت عن الدنيا عزيزا قبلتها ** وجدت بها لما تناهت بآمالي علمت مصير الدهر كيف سبيله ** فزايلتها قبل الزوال بأحوالي
فمن حكيم كلامه من تصدر قبل أوانه فقد تصدى لهوانه وقد أورده العبادي في الطبقات في ترجمته عنه وفي ترجمة أبيه الأستاذ أبي سهل عنه وقد قيل أخذه من منصور الفقيه حيث قال الكلب أغلى قيمة البيتين اللذين قدمناهما في ترجمة منصور في الطبقة الثالثة ومنه إاذ كان رضا الخلق معسورة لا يدرك كان ميسوره لا يترك قلت أرشق منه قول الفقهاء الميسور لا يسقط بالمعسور وهو مأخوذ من قول أفصح من نطق بالضاد ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) ومنه إنما يحتاج إلى إخوان العشرة لزمان العسرة ومن رشيق فتاويه أجاب وقد سئل عمن مات ولم توجد الوديعة في تركته هل يضمنها لا إن مات عرضا نعم إن مات مرضا وعن لعب الشطرنج إذا سلم المال من الخسران والصلاة عن النسيان فذلك أنس بن الخلان كتبه سهل بن محمد بن سليمان وقال مستدلا على أن وطء الثيب لا يمنع المشتري من الرد بالعيب إلمام من غير إيلام فلا يمنع قياسا على الاستخدام
قال ابن الصلاح روينا عن الإمام سهل أنه قال في قول النبي ( فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) أراد فضل ثريد عمرو العلى الذي عظم نفعه وقدره وعم خيره وبره وبقي له ولعقبه ذكره حتى قال القائل فيه عمرو العلى هشم الثريد لقومه ** ورجال مكة مسنتون عجاف سنت إليه الرحلتان كلاهما ** سفر الشتاء ورحلة الأضياف قال ابن الصلاح أبعد سهل في تأويل الحديث والذي أراه أن معناه تفضيل ثريد كل طعام على باقي ذلك الطعام وسائر بمعنى باق وهو كذلك فإن خير اللحم حصل فيه فهو أفضل منه قلت إذا كان يريد عمرو العلى في ذلك الزمان هو المشهور فما أبعد سهل بل ما قاله هو الصواب والألف واللام في الثريد تنصرف إلى المعهود والمعهود عندهم المشهور لديهم ثريد عمرو العلى ثم أنت ترى البيت كيف أورده ابن الصلاح ورجال مكة مسنتون عجاف ومن خط شيخنا الحافظ الثبت أبى الحجاج المزي نقلته والقصيدة مكسورة الفاء فيحتاج حينئذ إلى التحمل والتأويل في كسر الفاء من عجاف وهي صفة لمسنتون الذي هو خبر رجال مكة والناس كذلك ينشدون البيت ويتشكلونه والذي رأيته في السيرة في أصول معتمدة صحيحة ما نصه عمرو العلى هشم الثريد لقومه ** قوم بمكة مسنتين عجاف سنت إليه الرحلتان كلاهما ** سفر الشتاء ورحلة الأضياف وعزاهما ابن إسحاق لشاعر من قريش لم يعينه وعلى هذا لا إشكال فيه
عن الأستاذ أبي الطيب قال القاضي أبو سعد الهروي إن الشيخ أبا الطيب يعني سهلا الصعلوكي فيما أحسب وافق أبا حنيفة على أن من قال في جواب المدعي عليه بالغصب ما غصبت من أحد قبلك ولا بعدك يكون مقرا له بالغصب والمجزوم به في الرافعي وشرح المنهاج للوالد أنه ليس بإقرار وناقل هذه المقالة عن ابن الصعلوكي فيما أحسب هو القاضي أبو عاصم العبادي فتبعه تلميذه القاضي أبو سعد وقد وافق أبو الطيب أبا حنيفة في مسائل من هذا النوع ينكرها بعض أصحابنا أو كثير منهم منها لو قال أعطني الألف التي لي عليك فقال نعم وافق أبو الطيب الصعلوكي أبا حنيفة أنه إقرار ومنها لو قال في الجواب لقد عممتني بهذا أو ما أكثر ما يتقاضاني به أو والله لأقضينك وافق أبو الطيب أبا حنيفة على أنه إقرار وفي الرافعي بعد أن نقل عن أبي حنيفة في هذه الصورة وما شابهها قوله بأنها إقرار إن أصحابنا مختلفون والميل إلى موافقته في أكثر الصور أكثر ولم يبين الأكثر الذي ميلهم إلى موافقته فيه أما لو قال علي ألف إلا أن يبدو لي فهل هو إقرار هذه المسألة ليست في الرافعي وحكى النووي فيها وجهين في زوائد الروضة عن العدة والبيان وقال لعل الأصح أنه إقرار وجزم الشيخ الإمام الوالد في شرح المنهاج بتصحيحه فقال إقرار في الأصح والمشهور في المذهب المنصوص خلاف ما صححناه ولا نعرف ما صححناه عن أحد من أصحابنا إلا عن أبي الطيب الصعلوكي وهو معروف به وإنما أشار صاحبا العدة والبيان بالوجهين إلى قوله مع مقابله قال القاضي أبو سعد في الإشراف إذا قال علي ألف إلا أن يبدو لي فهو استثناء صحيح نص عليه الشافعي وهو قول أبي حنيفة والشيخ أبو الطيب لم يصحح هذا الاستثناء فجعله بمنزلة علي عشرة إلا عشرة لأنه استثناء يدفع الجميع والشافعي قاسه على قوله إن شاء الله وهو يمنع الوجوب انتهى فهذا المنقول في المسألة غير أن قياسها على إن شاء الله لا يتضح كل الوضوح فإن بينهما فارقا من جهة أن قوله إلا أن يبدو لي مع قوله على ألف مما يتهافت فإن ثبوت الشيء على المرء لا يتوقف على أن يبدو له بخلاف مشيئة الله فلعل ما صححه النووي وشيخنا أوجه غير أن الظن أنهما لو اطلعا على أن المنصوص المشهور خلافه لوقفا عن التصحيح أو لأمعنا النظر في المسألة إمعانا زائدا فلا ينبغي أن يعتمد تصحيحها في هذه المسألة إلا بعد إحكام النظر ونظير المسألة لو قال متى تقضي حقي فقال غدا جعلها الرافعي مثل الصور التي قال أبو حنيفة إنها إقرار وأن الأصحاب مختلفون وميلهم إلى وفاقه في الأكثر أكثر والمقتصر على النظر في كلامه هذا يحسب أن الراجح عندنا في هذه الصورة أنها إقرار ومنقول المذهب أنها غير إقرار قال القاضي أبو سعد يحتمل أنه أراد غدا في نار الله تعالى أقضي حقك لأنك ظلمتني في هذه الدعوى ويحتمل أجيب غدا أو غدا يتبين خطؤك وقال القاضي يشرح الروياني يحتمل أن يريد غدا يكون غائبا أو ميتا قلت وهب أنها احتمالات بعيدة إلا أن الإقرار يبنى على اليقين ومنها لو قال أسرج دابة فلان هذه قال نعم أو أخبرني زيد أن لي عليك ألفا فقال نعم قضية كلام الرافعي أنه إقرار وصريح كلام القاضي أبي سعد أنه على الخلاف وظاهره أن جادة المذهب أنه غير إقرار وأنه لا يقول بكونه إقرارا من أصحابنا غير أبي الطيب الصعلوكي وأنه وافق فيه أبا حنيفة فلينظر الناظر هذه الألفاظ وليشبعها فكرا وكشفا فإني لم أستوعب النظر فيها ولم أمعن فيها كتب المذهب ولا ينبغي لأحد أن يقتصر فيها على الرافعي والروضة فإن كلام من ذكرناه يدل على أن جادة المذهب على خلاف ما يفهمانه بحمد الله 3. من أهل رحبة الشام سمع أبا عبد الله الحسين بن محمد بن الحسن بن سعدون الموصلي وغيره ورحل إلى بغداد في طلب العلم فسمع أبا الخطاب نصر بن أحمد بن البطر والحسين بن أحمد بن طلحة النعالي ورزق الله بن عبد الوهاب التميمي وأبا عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي وغيرهم وحدث بيسير حدث عنه نصر بن ناصر الحدادي المراغي وغيره بشيء حدث به بالمدرسة التاجية ببغداد في جمادى الآخرة سنة ست وثمانين وأربعمائة ومنه حكاية أبي إسحاق المروزي في الرجل البقلي في مسألة الاستثناء وقد قدمناها في ترجمة أبي إسحاق قلت وشبيب هذا من تلامذة أبي منصور ابن أخي الشيخ أبي نصر بن الصباغ وهو مذكور في فتاوي ابن الصباغ أنه جمع شيئا من تلك الفتاوي ورأيت لشبيب فوائد علقها من كلام ابن الصباغ غير ما في الفتاوي مما وقع لابن الصباغ في مناظرته وفوائد علقها أيضا من كتاب الكافي في شرح مختصر المزني لأبي الحسن الماوردي صاحب الحاوي وأنا أذكر هنا نبذة مما انتقيته منها قال شبيب نقلا عن الكافي للماوردي يجوز السلم في السلجم والجزر بعد قطع ورقه لأنه لا ضرر في قطعه وهو معه مجهول قال شبيب قال الماوردي في الكافي إذا ادعى الشريك تلف المال يوم الجمعة فشهد شاهدان أنهما رأيا المال بعينه بعد الجمعة فوجهان أحدهما يلزمه غرم المال وإن حلف على كذبه لظهور كذبه والثاني وهو قول ابن القاص إن شهدا قبل إحلافه حكم عليه بالغرم وإن شهدا بعده لم يبطل حكم يمينه إلا بعد سؤاله وإن ذكر وجها محتملا سلم به يمينه ولا تكذبه الشهادة حكم باليمين وبرأ به وإن لم يذكر غرم وسقط حكم اليمين قال شبيب قال الماوردي في الكافي إذا قال لزيد علي درهم مع عمرو فله احتمالان أحدهما أن يريد الإقرار لزيد بدرهم مع عمرو أي في يده والثاني أن يريد الإقرار لهما بالدرهم والأول أقوى فأيهما أراده قبل منه وإن لم يكن له إرادة لم يلزمه إلا اليقين ومثله في الطلاق أن يقول يا هند أنت طالق مع زينب فتطلق هند ولا تطلق زينب إلا أن يريدها بالطلاق وهكذا لو قال يا هند قد بنت مع زينب كأنه قال لهند دون زينب قلت مسألة الإقرار ظاهرة وأما قوله إن لم يكن له إرادة لم يلزمه إلا اليقين فقد يقال لا يقين هنا وإن كان يعني باليقين لزوم الدرهم لزيد ففيه نظر لأنه إذا احتمل نصفين بين زيد وعمرو فالمتيقن نصف لزيد ونصف آخر متردد بينه وبين عمرو فينبغي أن يرجع إلى بيانه وأما مسألة الطلاق فقد يقال إنها ليست كمسألة الإقرار لأن طلاق واحدة لا يكون مع الأخرى بل يتعين أن يقع عليها معا وقد يقال جاز كون طلاقها مع صاحبتها بمعنى أنها تؤدي خبره إليها ونحو ذلك وحينئذ فالمتيقن الوقوع على هند وأما زينب فيحتاج فيها إلى نية أخذا بالمتيقن من أهل شروان قال ابن السمعاني كان إماما فاضلا زاهدا تفقه بآمل طبرستان على القاضي أبي ليلى بندار بن محمد البصري وعاد إلى بلده وانتفع الناس به فسمع من أبي بكر الطبري بآمل وفاطمة بنت الدقاق بنيسابور وغيرهما مات سنة أربع وتسعين وأربعمائة الإمام الأصولي الفقيه المفسر ارتبطه نظام الملك بطوس قال عبد الغافر وصنف التفسير الكبير المشهور وصنف في الأصول وسافر في طلب العلم قال وسمع من أصحاب الأصم قال وكان له اتصال مصاهرة بالأستاذ أبي منصور البغدادي توفي سنة إحدى وسبعين وأربعمائة من بلدة قاين بفتح القاف والياء آخر الحروف بعد الألف وفي آخرها النون وهي قرية من طبسين بين نيسابور وأصبهان هو الشيخ أبو الحسين سمع الحديث بخراسان وغيرهما فمن شيوخه أبو الفضل منصور بن نصر بن عبد الرحيم بن مت الكاغدي وأبو سعد عبد الرحمن بن الحسن بن عليك الحافظ النيسابوري والفقيه ناصر العمري ويحيى بن علي بن الطبيب الدسكري وأبو الحسن بن رزقويه وغيرهم روى عنه نصر الله المقدسي وأبو طاهر الجنائي وأبو الحسين بن الموازيني وهبة الله بن الأكفاني وآخرون توفي سنة ثلاث وستين وأربعمائة الإمام الجليل القاضي أبو الطيب الطبري أحد حملة المذهب ورفعائه كان إماما جليلا بحرا غواصا متسع الدائرة عظيم العلم جليل القدر كبير المحل تفرد في زمانه وتوحد والزمان مشحون بأخدانه واشتهر اسمه فملأ الأقطار وشاع ذكره فكان أكثر حديث السمار وطاب ثناؤه فكان أحسن من مسك الليل وكافور النهار والقاضي فوق وصف الواصف ومدحه وقدره ربا على بسيط القائل وشرحه وعنه أخذ العراقيون العلم وحملوا المذهب ولد القاضي بآمل طبرستان سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة وسمع بجرجان من أبي أحمد الغطريفي وقد وقع لنا جزء أبي أحمد من طريقه وبنيسابور من شيخه أبي الحسن الماسرجسي وببغداد من الحافظ أبي الحسن الدارقطني وأسند عنه كثيرا في كتابه المنهاج ومن موسى بن عرفة والمعافى ابن زكريا وعلي بن عمر الحربي وغيرهم روى عنه الخطيب البغدادي وأبو إسحاق الشيرازي وهو أخص تلامذته به وأبو محمد بن الآبنوسي وأبو نصر أحمد بن الحسن الشيرازي وأحمد ابن عبد الجبار الطيوري وأبو المواهب أحمد بن محمد بن ملوك وأبو نصر محمد ابن محمد بن محمد بن أحمد العكبري وأبو العز أحمد بن عبيد الله بن كادش وأبو القاسم بن الحسين وخلق آخرهم موتا أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري ذكره تلميذه الشيخ أبو إسحاق فقال فيما أخبرناه أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه أخبرنا ابن القواس أخبرنا الكندي إجازة أخبرنا أبو الحسن بن عبد السلام أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي قال ومنهم شيخنا وأستاذنا أبو الطيب توفي عن مائة وسنتين لم يختل عقله ولا تغير فهمه يفتى مع الفقهاء ويستدرك عليهم الخطأ ويقضي ويشهد ويحضر المواكب إلى أن مات تفقه بآمل على أبي علي الزجاجي صاحب ابن القاص وقرأ على أبي سعد الإسماعيلي وعلى القاضي أبي القاسم بن كج بجرجان ثم ارتحل إلى نيسابور وأدرك أبا الحسن الماسرجسي وتبعه وصحبه أربع سنين ثم ارتحل إلى بغداد وعلق عن أبي محمد الباقي الخوارزمي صاحب الداركي وحضر مجلس الشيخ أبي حامد ولم أر فيمن رأيت أكمل اجتهادا وأسد تحقيقا وأجود نظرا منه شرح المزني وصنف في الخلاف والمذهب والأصول والجدل كتبا كثيرة ليس لأحد مثلها ولازمت مجلسه بضع عشرة سنة ودرست أصحابه في مسجده سنين بإذنه ورتبني في حلقته وسألني أن أجلس في مسجد التدريس ففعلت في سنة ثلاثين وأربعمائة أحسن الله تعالى عني جزاءه ورضي عنه وقال الخطيب كان أبو الطيب ورعا عارفا بالأصول والفروع محققا حسن الخلق صحيح المذهب اختلفت إليه وعلقت الفقه عنه سنين وذكره أبو عاصم في آخر الطبقة السادسة وهو آخر مذكور في كتابه وقال فيه فاتحة هذه الطبقة شيخ العراق أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري وقال أبو الحسن محمد بن محمد بن عبد الله القاضي ابتدأ القاضي أبو الطيب يدرس الفقه ويتعلم العلم وله أربع عشرة سنة فلم يخل به يوما واحدا إلى أن مات وعن أبي محمد الباقي أبو الطيب الطبري أفقه من أبي حامد الإسفرايني وقال القاضي أبو بكر الشامي قلت للقاضي أبي الطيب شيخنا وقد عمر لقد متعت بجوارحك فقال لم لا وما عصيت الله بواحدة منها قط وعن القاضي أبي الطيب أنه رأى النبي المنام وقال له يا فقيه وأنه كان يفرح بذلك ويقول سماني رسول الله وعن القاضي أبي الطيب خرجت إلى جرجان للقاء أبي بكر الإسماعيلي فقدمتها يوم الخميس فدخلت الحمام فلما كان من الغد لقيت أبا سعد ابن الشيخ أبي بكر فأخبرني أن والده قد شرب دواء لمرض كان به وقال لي تجيء في صبيحة غد فتسمع منه فلما كان في بكرة السبت غدوت للموعد فسمعت الناس يقولون مات أبو بكر الإسماعيلي وعن القاضي أبي الطيب رأيت النبي النوم فقلت يا رسول الله أرأيت من روى عنك أنك قلت ( نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ) الحديث أحق هو قال نعم وكان القاضي أبو الطيب حسن الخلق مليح المزاح والفكاهة حلو الشعر قيل إنه دفع خفه إلى من يصلحه فأبطأ به عليه وصار القاضي كلما أتاه يتقاضاه فيه يغمسه الصانع في الماء حين يرى القاضي ويقول الساعة أصلحه فلما طال على القاضي ذلك قال إنما دفعته إليه لتصلحه لا لتعلمه السباحة وكان القاضي أبو الطيب قد ولي القضاء بربع الكرخ بعد موت القاضي الصيمري فإذا أطلق الشيخ أبو إسحاق وشبهه من العراقيين لفظ القاضي مطلقا في فن الفقه فإياه يعنون كما أن إمام الحرمين وغيره من الخراسانيين يعنون بالقاضي القاضي الحسن والأشعرية في الأصول يعنون القاضي أبا بكر بن الطيب الباقلاني والمعتزلة يعنون عبد الجبار الأسداباذي توفي القاضي يوم السبت ودفن يوم الأحد العشرين من شهر ربيع الأول سنة خمسين وأربعمائة ومن شعره رحمه الله تعالى ألابس علم الفقه وهو مرامه ** شديد وفي إدراكه الكذ والكد فتاويه ما بين المضيء طريقه ** وبين خفي في طرائفه جهد إذا اجتهد المفتون فيه تباينوا ** فيدركه عمرو ويخطئه زيد لقد كدني مأثوره وفروعه ** وتعليله والنقض والعكس والطرد له شعب من كل علم تحوطه ** وما ليس منه فهو مستبعد رد وعادته مذ لم يزل فقر أهله ** ومن كان ذا وجد فمن غيره الوجد وأنى يكون اليسر منه وإنه ** لداع إلى الإقلال غايته الزهد وكتب إليه استفتاء صورته يأيها العالم ماذا ترى ** في عاشق ذاب من الوجد من حب ظبي أهيف أغيد ** سهل المحيا حسن القد فهل ترى تقبيله جائزا ** في النحر والعينين والخد من غير ما فحش ولا ريبة ** بل بعناق جائز الحد إن أنت لم تفت فإني إذا ** أصيح من وجدي وأستعدي فأجاب يأيها السائل إني أرى ** تقبيلك المعشوق في الخد يفضي إلى ما بعده فاجتنب ** قبلته بالجد والجهد فإن من يرتع حول الحمى ** يوشك أن يجني من الورد تغنيك عنه كاعب ناهد ** تحضر بالملك أو العقد تنال منها كل ما تشتهي ** من غير ما فحش ولا صد هذا جوابي لقتيل الهوى ** فلا تكن في ذاك تستعدي ومن شعره لا تحسبن سرورا دائما أبدا ** من سره زمن ساءته أزمان لا تغترر بشباب آنق خضل ** فكم تقدم قبل الشيب شبان ويا أخا الشيب لو ناصحت نفسك لم ** يكن لمثلك في اللذات إمعان هب الشبيبة تملى عذر صاحبها ** ما عذر شيب ليستهويه شيطان أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بقراءتي عليه أخبرنا علي بن أحمد بن عبد الواحد بن البخاري إجازة أخبرنا الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي إجازة أخبرنا الحافظ أبو الفضل بن ناصر إجازة أخبرنا المبارك بن عبد الجبار ابن أحمد الصيرفي بقراءتي عليه قال أخبرنا القاضي الإمام أبو الطيب طاهر ابن عبد الله بن طاهر الطبري كان ابن بابك الشاعر دخل الدينور وكان يتفقه عند أبي الحسين القطان مع القاضي أبي القاسم بن كج في مجلس أبي الحسين القطان فعاتبه القاضي أبو القاسم بن كج على ترك الفقه واشتغاله بالأدب وقال له والدك يحثك على الفقه ويحبه فتركت ما كان أبوك يختاره واشتغلت بغيره فعملت قصيدة سألني إنشادها في مجلسه عليه أناها أيها القاضي الجليل ** فقد كشف التأمل ما أقول رأيت الشرع مسموعا مؤدى ** تناقله البصائر والعقول تحلى الشرب من سوم المبادي ** عليه لكل مجتهد دليل تراض له القرائح وهي شوس ** وتدركه العرائد وهي ميل إذا استفتيت فيه وأنت صدر ** يقلدك الورى فيما تقول أحلت على نصوص واضحات ** أتاك بها كتاب أو رسول ونظم الشعر ممتنع الدواعي ** فليس إلى مضايقه وصول إذا التنزيل أشكل منه لفظ ** فشاهد ذلك الشعر المقول ينال به الغنى طورا وطورا ** ينال به الطوائل والدخول تسالمه الملوك وتتقيه ** وذاك لعمرك الخطب الجليل فلولا الحمد ما زكت الأيادي ** ولولا الذم ما عرف البخيل وقد ذكر امرأ القيس بن حجر ** فأسهب في مناقبه الرسول وحمله لواء الشعر حتى ** تجاذب شهادة لا تستحيل وأخبر أن في التبيان سحرا ** وتلك شهادة لا تستحيل وقد مدح النبي بهن حتى ** جرى في ماء بهجته القبول بشعر يسترق به الغواني ** وتعبث في مناسبه الشمول وما أسرى إلى الأعداء إلا ** تقدمه من الشعراء جيل ولا انتمت الرياح إلى قراها ** ولا انتسبت إلى العتق الخيول ولا وصف الكمي إذا تلوث ** عجاجته ولا ندب القتيل إذا كرم الفتى أو عز بأسا ** فبالتقريظ ينعم أو يديل وما يعصون عن ذل ولكن ** جبال الثلج تجرفها السيول ويملك أنفس العظماء قهرا ** ويملكنا الرحيق السلسبيل يصانع بالصواهل والغواني ** ويبرز عند ذي الصل الجزيل فزاد الشاعر النعم الصوافي ** وزاد العالم الصبر الجميل وإن تكن القيامة وعد قوم ** فللعشرات يومئذ مقيل فقصرك لا تطل عيب ابن ود ** رماك بطيبة البرق المحيل إذا فتشت عنه رأيت شخصا ** له في كل سارحة مثول بخير عناية أجرى إليها ** فأدركها وليس له رسيل يكد بها غني أمل قصير ** وذيل من مناصبة طويل وجدت أبي أخا مال صحيح ** يسف وراءه وهن عليل لمعمعة على تغيير سم ** كما يتعظم الفحل الصؤول ينبهني وناظره سؤوب ** ويشحذني وخاطره كليل ظفرت بمرمق عبقت شذاه ** إليه وأعين الرائين حول ولم أحرز عليه بذاك عارا ** بلى عار الغبينة لا يزول حميت مرابضي ونباح كلبي ** فما الركب عن أرضي قفول يجوز إذا أردت أسود برج ** وينفر عن شقاشقتي الفحول إذا الملك اشرأب إلى ثنائي ** فعمت فرفضت منه الشمول فدونك نفثة المصدور واسلم ** فأنت لكل مرتزق وكيل إذا ما الدهر أيسر كل راج ** فأنت بنجعة الراجي كفيل إذا ما عم أهل الأرض طرا ** نداك فقد بدأت بمن تعول جعلت البشر والإحسان دينا ** فما ينفك ينفس أو يسيل فأنت لكل ذي قرة حميم ** وأنت لكل ذي ود خليل كأن الأرض دارك حين تدني ** قرانا وأهلها ركب نزول بنيت الأمر حتى كل واد ** بمهبطه مبيت أو مقيل أعرت الأرض زينتها فجاست ** خلال رياضها الريح القبول ودان لك الملوك فكل دان ** وقاص صادر عما تقول فأنت الحاكم العدل التقي ** العالم البر الوصول قال القاضي أبو الطيب فقال القاضي أبو القاسم بن كج أجب عنه ورد عليه فأجبت عليه بهذا بإذنك أيها القاضي الجليل ** أرد على ابن بابك ما يقول ولولا مدخل المأثور فيه ** ورغبة شاعر فيما تنيل لما أطرقت سمعك منه حرفا ** رأيت به إليه أستقيل وصنتك عن مقالة مستبد ** برأي لا يساعده القبول وشعر أشعر الإنحاس منه ** وخطب ضمه قال وقيل فكم للقاك منه كل يوم ** صداع من أذاه لا يزول وكم فيه قواف صادرات ** عن الفقهاء أصدرها الذحول وعذري في روايته جميل ** وأرجو أن يكون له قبول ذممت طريقه ونصحت فيه ** فأحرج صدره النصح الجميل وشق عليه إن الحق مر ** على الإنسان مورده ثقيل يعظم بين أهل الشرع شعرا ** ويزعم أنه علم جليل ويمدحه ويغلو في هواه ** ويعلم أنه فيه محيل لأن الله ذمهم جميعا ** وأنزل فيه ما وضح الدليل ولو كان الفضيلة كان منها ** لأفضل خلقه الحظ الجزيل ولما أن نهاه الله عنه ** علمت بأنه نزر قليل فكيف تساويا والفقه أصل ** موثق من معاقده الأصول به عبد الإله وكان فيه ** صلاح الكل والدين الأصيل إذا عدل المكلف عنه يوما ** أضل طريقه ذاك العدول وإن لزم الحفاظ عليه أولي ** نعيما ما لآخره أفول كفى الفقهاء أنهم هداة ** وأعلام كما كان الرسول مدار الدين والدنيا عليهم ** وفرض الناس قولهم المقول وأما الشعر مدح أو هجاء ** وأعظم ما يراد به الفضول لذلك موضع الشعراء أقصى ** مجالسنا وموقفهم ذليل كفاه أنه يهجو أباه ** وقد رباه وهو له سليل يصول بهجوه ويقول فيه ** مقالا ما له منه مقيل وجدت أبى أخا مال صحيح ** يسف وراءه وهن عليل ينبهني وناظره متور ** ويشحذني وخاطره كليل ولو سمعت به أذنا أبيه ** نفاه وهو والده الوصول على أني رأيت الشعر سهلا ** مآخذه بلا تعب يطول يحس إذا اجتباه المرء طبعا ** تساوى الحبر فيه والجهول وعلم الفقه معتاص المعاني ** يقصر دونها البطل الصؤول ومن هذا ابن بابك فر منه ** وولى فهمه وبه فلول رأى بحرا ولم ير منتهاه ** بعيد الغور ليس له وصول ولو عاناه كان الله عونا ** وعون الله في هذا كفيل يقرب ما تباعد منه حدا ** ويسهل من بوارقه السقيل فهذا عينه فيما حباه ** ومدحك بغيتي فيما أقول نوالك للورى غيث هطول ** وجاهك منهم ظل ظليل عممت الكل بالنعما فأضحوا ** يؤمك منهم جيل فجيل وسار بعلمك الركبان حتى ** له في كل ناحية نزول لسانك في خصومك مستطيل ** ورأيك فيهم سيف صقيل إذا ناظرتهم كانوا جميعا ** ثعالب بينها أسد يصول أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه أخبرتنا ست الأهل بنت علوان بن سعيد وأبو الحسن النوسي قالا أخبرنا أبو البهاء عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد المقدسي أخبرنا الشيخ أبو محمد عبد الرزاق بن نصر بن مسلم النجار قراءة عليه غير مرة أخبرنا أبو الفضل محمد بن الحسين بن الحنيفر بن علي السلمي أخبرنا القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي إجازة أخبرنا أبو مسلم محمد بن أحمد بن علي البغدادي أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن ابن دريد حدثني الحسن بن خضر أخبرني رجل من أهل بغداد عن أبي هاشم المذكر قال أردت البصرة فجئت إلى سفينة أكتريها وفيها رجل ومعه جارية فقال الرجل ليس ها هنا موضع فسألته أن يحملني
بين شيخي الفريقين القاضي أبي الطيب وأبي الحسن الطالقاني قاضي بلخ من أئمة الحنفية سئل القاضي أبو الحسن عن تقديم الكفارة على الحنث فأجاب بأن ذلك لا يجزىء وهو مذهبهم فسئل الدليل فاستدل بأنه أدى الكفارة قبل وجوبها وقبل وجود سبب وجوبها فوجب ألا تجزئه كما لو أخرج كفارة الجماع بعد الصوم وقبل الجماع وأخرج كفارة الطيب واللباس بعد الإحرام وقبل ارتكاب أسبابها فكلمه القاضي أبو الطيب ناصرا جواز ذلك كما هو مذهب الشافعي وأورد عليه فصلين أحدهما مانعه الوصف فقال لا أسلم أنه لم يوجب سبب وجود الكفارة فإن اليمين عندي سبب فاليمينية مثبتة في الحالين على هذا الأصل والثاني أنه يبطل بما إذا أخرج كفارة القتل بعد الجرح وقبل الموت فإنه أخرجها قبل وجوبها وقبل وجود سبب وجوبها ثم يجزئه أجاب القاضي أبو الحسن بأن قال أنا أدل على الوصف ويدل عليه أن اليمين يمنع الحنث وما منع من السبب الذي تجب به الكفارة لم يجز أن يكون سببا لوجوبها كالصوم والإحرام لما منعا السبب الذي تجب عنده الكفارة من الوطء وغيره لم يجز أن يقال إنهما سببان في إيجابها كذلك هاهنا مثله فأجاب القاضي أبو الطيب عن هذا الفصل أيضا وقال لا أسلم أن اليمين يمنع الحنث فقال أنا أدل عليه والدليل عليه قوله عز وجل وأما الفصل الثاني وهو النقض فلا يلزمني لأني قلت لم يوجد سببها وهناك قد وجد سببها وذلك أن الجرح سبب في إتلاف النفس وهذا سبب الإثم والكفارة وجبت لتكفير الذنب وتغطية الإثم والجرح سبب الإثم فإذا وجد جاز إخراج الكفارة وتكلم القاضي أبو الطيب على الفصل الأول فقال أما اليمين فلا يجوز أن تكون مانعة من المحلوف عليه فلا يجوز أن تكون مغيرة لحكمه بل إذا كان الشيء مباحا فهو بعد اليمين باق على حكمه وإن كان محظورا فهو بعد اليمين باق على حظره يبين صحة هذا أنه لو حلف أنه لا يشرب الماء لم يحرم عليه شرب الماء ولم يتغير عن صفته في الإباحة وكذلك لو حلف ليقتلن مسلما لم يحل له قتله ولم يتغير القتل عن صفة التحريم وهذا لا أجد فيه خلافا بين المسلمين وعلى هذا يدل قول الله عز وجل ويدل عليه أيضا قوله ( من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه ) وهذا يدل على ما ذكرناه من أن اليمين لا تغير الشيء عن صفته في الإباحة والتحريم ويبين صحة هذا أن النبي نزل قوله تعالى وأما قوله تعالى قليل الألايا حافظ ليمينه ** وإن بدرت منه الألية برت ومعلوم أنه لم يرد حفظ اليمين من الحنث والمخالفة لأن ذلك قد ذكره في المصراع الثاني فثبت أنه أراد بذلك التقليل وأما قوله إن اليمين موضوعة للمنع فلا يجوز أن تكون سببا لما يتعلق به الكفارة فباطل لما لو قال لامرأته إن دخلت الدار أو كلمت زيدا فأنت طالق فإنه قصد المنع بهذه اليمين من الدخول ثم هي سبب فيما يتعلق بها من الطلاق ولهذا قال أبو حنيفة لو شهد شاهدان على رجل أنه قال لامرأته إن دخلت الدار أو كلمت زيدا فأنت طالق وشهد آخران أنها دخلت الدار ثم رجعوا عن الشهادة إن الضمان يجب على شهود اليمين وهذا دليل واضح على أن اليمين هو السبب لأنها لو لم تكن سببا في إيقاع الطلاق لما تعلق الضمان عليهم فلما أوجب الضمان على شهود اليمين علم أن اليمين كانت سببا في إتلاف البضع وإيقاع الطلاق فانتقض ما ذكرت من الدليل وأما قولك إن الكفارة موضوعة لتغطية المآثم ورفع الجناح فلا يصح وكيف يقال إنها تجب لهذا المعنى ونحن نوجبها على قاتل الخطأ مع علمنا أنه لا إثم عليه وكذلك تجب على اليمين ولا إثم عليه وأما النقض فلازم وذلك أن الجرح لا يجوز أن يكون سببا لإيجاب الكفارة وإنما السبب في إيجابها فوات الروح والذي يبين صحة هذا هو أنه لو جرحه ألف جراحة فاندملت لم تجب عليه الكفارة فثبت أن الكفارة تتعلق بالقتل وأن الجرح ليس بسبب ولا جزء من السبب ثم جوزنا إخراج الكفارة فدل على ما قلناه فأجاب القاضي أبو الحسن الطالقاني عن الفصل الأول بأن قال أما قول القاضي الإمام أدام الله تأييده إن اليمين لا يغير الشيء عن صفته في الإباحة بل يبقى الشيء بعد اليمين على ما كان عليه قبل اليمين فهو كما قال واليمين لا تثبت تحريما فيما لا يحرم على ما كان عليه قبل اليمين فهو كما قال واليمين لا تثبت تحريما فيما لا يحرم ولكنها لا توجب منعا والشيء تارة يكون المنع منه لتحريم عينه كما نقول في الخمر والخنزير إنه يمتنع بيعهما لتحريم أعيانهما وتارة يمتنع منه لمعنى في غيره كما يمنع من أكل مال الغير بحق ماله لأن الشيء في نفسه غير محرم فكذلك هاهنا فداخله القاضي أبو الطيب في هذا الفصل فقال فيجب أن نقول إنه يأثم بشرب الماء كما يأثم بتناول مال الغير بغير إذنه فقال هكذا أقول إنه يأثم بشربه كما يأثم بتناول الغير وأما قوله تعالى وأما الشعر فلا حجة فيه لأن الحفظ هناك أراد به الحفظ من الحنث والمخالفة وقوله إن الحفظ من المخالفة والحنث قد علم من آخر البيت لا يصح لأنه إذا حمله على تقليل اليمين حمل أيضا على ما علم من أول البيت لأنه قال قليل الألايا فقد تساوينا في الاحتجاج بالبيت واشتركنا في الاستشهاد به على ما يدعيه كل واحد منها من المراد به وأما الدليل الثاني الذي ذكرته فهو صحيح وقوله إن هذا يبطل بمسألة اليمين في الطلاق فلا يلزم وذلك أن السبب هناك هو اليمين لأن الطلاق به يقع ألا ترى أنه يفصح في اليمين بإيقاع الطلاق فيقول إن دخلت الدار فأنت طالق وإنما دخل الشرط لتأخير الإيقاع لا لتغييره ولذلك قالوا الشرط يؤخر ولا يغير فحين كان الطلاق واقعا باليمين كانت هي السبب فكان الضمان على شهودها لأن الإيقاع حصل بشهادتهم وأما في مسألتنا فاليمين ليس في لفظها ما يوجب الكفارة فلم يجز أن تكون سببا في إيجابها وأما الدليل الثالث من أن الكفارة تجب مع عدم المأثم وهو في قتل الخطأ ويجب في اليمين على الناس والمكره وعندنا لا إثم على واحد منهم فلا يصح وذلك أن في هذه المواضع ما وجبت إلا لضرب من التفريط وذلك أن الخاطىء هو الذي يرمي إلى غرض فيصيب رجلا فيقتله أو يرمي رجلا مشركا ثم يتبين أنه كان مسلما فتجب عليه الكفارة لأنه قد اجترأ عليه بظنه في هذه المواضع وترك التحرز في الرمي وإذا أصاب مسلما فقتله علمنا أنه فرط وترك الاستظهار في الرمي فكان إيجاب الكفارة لما حصل من جهته من التفريط ولهذا قال تعالى في كفارة قتل الخطأ وأما الفصل الثاني وهو النقض فلا يلزم وذلك أن الجرح هو السبب في فوات الروح وإذا وجد الجرح وسرى إلى النفس استند فوات الروح إلى ذلك الجرح فصار قاتلا به فيكون الجرح سبب إيجاب الكفارة وتكلم القاضي أبو الطيب الطبري على الفصل الأول بأن قال قد ثبت أن اليمين لا يجوز أن يغير صفة المحلوف عليه ودللت عليه بما ذكرت ولنا قولك إنما يوجب المنع من فعل المحلوف عليه فإذا فعل فكأنه أثم فكأني أدلك في هذا الإجماع وذلك أني لا أعلم خلافا للأئمة أنه إذا حلف لا يشرب الماء أو لا يأكل الخبز أنه يجوز الإقدام وأنه لا إثم عليه في ذلك وهذا القدر منه فيه كفاية والذي يبين فساد هذا وأنه لا يجوز أن يكون فيه إثم هو أن النبي من نسائه وكفر عن يمينه ولا يجوز أن ينسب للنبي فعل ما أثم عليه وأما الآية التي استدل بها فقد ثبت تأويلها وأن المراد بها ترك اليمين وقوله إن هذا يقتضي حفظ يمين موجودة فلا يصح لأنه يجوز أن يستعمل ذلك فيما ليس بموجود ألا ترى أنهم يقولون احفظ لسانك والمراد به احفظ كلامك والكلام ليس موجودا والدليل على أنهم يريدون به احفظ كلامك قول الشاعر احفظ لسانك لا تقول فتبتلى ** إن البلاء موكل بالمنطق والذي يدل على صحته ما ذكرت من الشعر وهو قوله قليل الألايا حافظ ليمينه ** وقولك في ذلك أراد به حفظ اليمين من الحنث والمخالفة فقد ثبت أن ذلك قد بينه في آخر البيت بقوله وإن بدرت منه الألية برت ** فلا يجوز حمل اللفظ على التكرار إذا أمكن حمله على غير التكرار وقولك إن مثل هذا يلزمك في تأويلك فلا يصح لأن قوله قليل الألايا حافظ ليمينه ** جملة واحدة والمراد به معنى واحد والثاني منهما يفسر الأول والذي يدل عليه أنه لم يعطف أحدهما على الآخر وليس كذلك ما ذكرت من الدليل في المصراع الثاني لأن هناك استأنف الكلام وعطف على ما قبله بالواو فدل على أن المراد به معنى غير الأول وهو الحفظ من الحنث والمخالفة فلا يتساوى في الاحتجاج بالبيت وما ذكرت من الدليل الثاني أن اليمين قد يمنع الحنث فقد نقضته باليمين بالطلاق المعلق على دخول الدار وهو نقض لازم وذلك أن وقوع الطلاق يوجب الحنث كالكفارة من جهة الحنث فإذا كان الطلاق الواقع بالحنث يستند إلى اليمين فيجب ما يتعلق به من الضمان على شهود اليمين بحيث دلك أن تكون الكفارة الواجبة بالحنث تستند إلى اليمين فيتعلق وجوبها بها فيكون اليمين والحنث بمنزلة الحول والنصاب حيث كانا سببين في إيجاب الزكاة إذا وجد أحدهما حال إخراج الزكاة قبل وجود السبب الآخر وأما انفصالك عنه بأن الطلاق مفصح به في لفظ اليمين فكان واقعا وإنما دخل الشرط لتأخير ما أوقعه باليمين فلا يصح وذلك أنه إذا كان الطلاق مفصحا به في لفظ الحالف فالكفارة في مسألتنا مضمنة في اليمين بالشرع وذلك أن الشرع علق الكفارة على ما علق الحلف بالطلاق الطلاق عليه فيما علق به الطلاق بالتزامه وعقده فوجب أن تتعلق به الكفارة في الشرع في اليمين بالله عز وجل فداخله القاضي أبو الحسن بأن قال من أصحابنا من قال إن الزكاة تجب بالنصاب والحول تأجيل والحقوق المؤجلة يجوز تعجيلها كالديون المؤجلة فقال له القاضي أبو الطيب هذا لا يصح وذلك أن الزكاة لو كانت واجبة بالنصاب وكان الحول تأجيلا لها لوجب إذا ملك أربعين شاة فعجل منها شاة قبل الحول وبقي المال ناقصا إلى آخر الحول أن يجزئه لأن النصاب كان موجودا حال الوجوب ولما قلتم إذا حال الحول والمال باق على نقصانه عن النصاب أنه لا يجزئه وجعلتم العلة فيه أنه إذا جاء وقت الوجوب وليس عنده نصاب دل على أن الوجوب عند حلول الحول لا ملك النصاب وأما دليلك الثالث على هذا الفصل فقد بينا بطلانه بما ذكرناه من أن الخاطىء والناسي وقولك إن الخاطىء أيضا ما وجب عليه إلا لضرب من التفريط حصل من جهته فلا يصح لأن ألزمك ما لا تفريط فيه وهو الرجل إذا رمى وسدد الرمي ورمى وعرضت له ريح فعدلت بالسهم إلى رجل فقتلته أو رمى إلى دار الحرب فأصاب مسلما فإن الرمي مباح مطلق والدار دار مباحة ولهذا يجوز مباغتتهم ليلا ونصب المنجنيق عليهم ولا يلزم التحفظ مع إباحة الرمي على الإطلاق ثم أوجبنا عليه الكفارة فدل على أنه ليس طريق إيجابنا الكفارة ما ذكروه من الإثم ويدلك على ذلك أن الناسي ليس من جهته تفريط ولا إثم وكذلك من استكره عليه ولهذا قال ( عفا الله لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) ثم أوجب عليهم الكفارة فدل هذا كله على ما ذكرت على أنه لا اعتبار في إيجاب الكفارة بالإثم والتفريط ويبين صحة هذا لو حلف لا يطيع الله تعالى أوجبنا عليه الحنث والمخالفة وألزمناه الكفارة ومن المحال أن تكون الكفارة واجبة للإثم وتغطية الذنب ثم نوجبها في الموضع الذي نوجب عليه أن يحنث وأما النقض فلم يجز فيه أكثر مما تقدم فأحاب القاضي أبو الحسن الطالقاني عن الفصل الأول بأن قال أما ادعاء الإجماع فلا يصح لأن أصحابنا كلهم مخالفون ولا نعرف إجماعا دونهم وأما تأويل الآية على ترك اليمين فهو مجاز لأن حفظ اليمين يقتضي وجود اليمين وقولهم احفظ لسانك إنما قالوه لأنهم أمروه بحفظ اللسان واللسان موجود وهاهنا اليمين التي تأولت الآية عليها غير موجودة وما ذكروه من الشعر فقد ذكرت أنه مشترك الاحتجاج وما ذكروه من العطف فلا يصح لأنه يجوز الجمع بالواو كما يجوز بغيرها وأما الدليل الثاني فلا يلزم عليه ما ذكرت من اليمين بالطلاق وذلك أن الإيقاع هناك باليمين ولهذا أفصح به في لفظ اليمين وأفصح به شهود اليمين وأما الدخول فهو شرط يوجب التأخير فإذا وجد الشرط وقع الطلاق باليمين ويكون كالموجود حكما في حال الوقوع وهو عند الشرط ولهذا علقنا الضمان عليه وأما في مسألتنا فإن لفظ اليمين لا يوجب الكفارة ألا ترى أنه لو قال ألف سنة والله لأفعلن كذا لم يجب عليه كفارة وإذا لم يكن في لفظه ما يوجب الكفارة وجب أن نقف إيحابها على ما تعلق المنع منه وهو الحنث والمخالفة وأما مسألة الزكاة فلا تصح لأنه يجوز أن يكون الوجوب بملك النصاب ثم يسقط هذا الوجوب بنقصان النصاب في آخر الحول ومثل هذا لا يمتنع على أصولنا ألا ترى أن من صلى الظهر في بيته صحت صلاته فإذا سعى إلى الجمعة ارتفعت وورد عليه بعد الحكم بصحتها ما نقضها كذلك في مسألة الزكاة لا يمتنع أن يكون مثله وأما الدليل الثالث فهو صحيح وما ذكروه من تسديد الرمي والرامي إلى دار الحرب فلا يلزم وذلك أن القاضي أعزه الله إن فرض الكلام في هذا الموضع فرضت الكلام في الغالب منها والعام والغالب أن القتل الذي يوجب الكفارة لا يكون إلا بضرب من التفريط فإن اتفق في النادر من يسدد الرمي وتحفظ ثم يقتل من تجب الكفارة بقتله فإن ذلك نادر والنادر من الجملة يلحق بالجملة اعتبارا بالغالب وأما الناسي ففي حقه ضرب من التفريط وهو ترك الحفظ لأنه كان من سبيله أن يتحفظ فلا ينسى فحيث لم يفعل ذلك حتى نسي فقتل أوجبنا عليه الكفارة تطهيرا له على أنه قد قيل إنه كان في شرع من قبلنا حكم الناسي والعامد والنائم سواء فرحم الله هذه الأمة ببركة النبي المأثم عن الناسي وأوجب الكفارة عليه بدلا عن الإثم فلا يجوز أن تكون الكفارة موضوعة لرفع المأثم وأما قوله إنه لو حلف أن لا يطيع الله فإنا نأمره بالحنث فلا يجوز أن نأمره ثم نوجب عليه الكفارة على وجه تكفير الذنب فلا يصح لأني قد قدمت في صدر المسألة من الكلام ما فيه جواب عن هذا وذلك أن الكفارة تجب لتكفير المأثم غير أنه قد يكون من الأيمان ما نقضها أولى من الوفاء بها وذلك أن يحلف على ما لا يجوز من الكفر وقتل الوالدين وغير ذلك من المعاصي فيكون الأفضل ارتكاب أدنى الأمرين وهو الحنث والمخالفة لأنه يرجع من هذا الإثم إلى ما يكفره ولا يرجع في الآخر إلى ما يكفره فيجعل ارتكاب الحنث أولى لما في الارتكاب من الإثم المغلظ والعذاب الشديد وعلى هذا قوله ( من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه )
استدل الشيخ أبو الحسين القدوري الحنفي في المختلعة أنه يلحقها الطلاق بأنها معتدة من طلاق فجاز أن يلحقها ما بقي من عدد الطلاق كالرجعية فكلمه القاضي أبو الطيب الطبري الشافعي وأورد عليه فصلين أحدهما أنه قال لا تأثير لقولك معتدة على طلاق لأن الزوجة ليست بمعتدة ويلحقها الطلاق فإذا كانت المعتدة والزوجة التي ليست بمعتدة في لحاق الطلاق سواء ثبت أن قولك المعتدة لا تأثير له ولا يتعلق الحكم به ويكون تعليق الحكم على كونها معتدة كتعليقه على كونه متظاهرا منها وموليا عنها ولما لم يصح تعليق طلاقها على العدة كان حال العدة وما قبلها سواء ومن زعم أن الحكم يتعلق بذلك كان محتاجا إلى دليل يدل على تعليق الحكم به وأما الفصل الثاني فإن في الأصل أنها زوجة والذي يدل عليه أنه يستبيح وطأها من غير عقد جديد فجاز أن يلحقها ما بقي من عدد الطلاق وفي مسألتنا هذه ليست بزوجة بدليل أنه لا يستبيح وطأها من غير عقد جديد فهي كالمطلقة قبل الدخول تكلم الشيخ أبو الحسين على الفصل الأول بوجهين أحدهما أنه قال لا يخلو القاضي أيده الله تعالى في هذا الفصل من أحد أمرين إما أن يكون مطالبا بتصحيح العلة والدلالة على صحتها فأنا ألتزم بذلك وأدل لصحته ولكنه محتاج ألا يخرج المطالبة بتصحيح العلة والدلالة على صحتها مخرج المعترض عليها بعدم التأثير أو يعترض عليها بالإفساد من جهة عدم التأثير فإذا كان الإلزام على هذا الوجه لم يلزم لأن أكثر ما في ذلك أن هذه العلة لم تعم جميع المواضع التي يثبت فيها الطلاق وأن الحكم يجوز أن يثبت في موضع مع عدم هذه العلة وهذا لا يجوز أن يكون قادحا في العلة مفسدا لها يبين صحة هذا أن علة الربا التي يضرب بها الأمثال في الأصول والفروع لا تعم جميع المعلولات لأنا نجعل العلة في الأعيان الأربعة الكيل مع الجنس ثم نثبت الربا في الأثمان مع عدم هذه العلة ولم يقل أحد ممن ذهب إلى أن علة الربا معنى واحد إن علتكم لا تعم جميع المعلولات ولا تتناول جميع الأعيان التي يتعلق بها تحريم التفاضل فيجب أن يكون ذلك موجبا لفسادها فإذا جاز لنا بالاتفاق منا ومنكم أن نعلل الأعيان الستة بعلتين يوجد الحكم مع وجود كل واحد منهما ومع عدمهما ولم يلتفت إلى قول من قال لنا إن هذه العلل لا تعم جميع المواضع فوجب أن يكون قاعدة وجب أن يكون في مسألتنا مثله وما أجاب به القاضي الجليل عن قول هذا القائل فهو الذي نجيب به عن السؤال الذي ذكره وأيضا فإني أدل على صحة العلة والذي يدل على صحتها أننا أجمعنا على أن الأصول كلها معللة بعلل وقد اتفقنا على أن هذا الأصل الذي هو الرجعية معلل أيضا غير أننا اختلفنا في عينها فقلتم أنتم إن العلة فيها بقاء الزوجية وقلنا العلة وجود العدة من طلاق ومعلوم أننا إذا عللناه بما ذكرتم من الزوجية لم يتعد وإذا عللناه بما ذكرته من العلة تعدت إلى المختلعة فيجب أن تكون العلة هي المتعدية دون الأخرى وأما معارضتك في الأصل فهي علة مدعاة ويحتاج أن يدل على صحتها كما طالبتني بالدلالة على صحة علتي وأما منع الفرع فلا نسلم أنها زوجة فإن الطلاق وضع لحل العقد وما وضع للحل إذا وجد ارتفع العقد كما قلنا في فسخ سائر العقود وتكلم القاضي أبو الطيب على الفصل الأول بأن قال قصدي بما أوردتك من المطالبة بتصحيح الوصف والمطالبة في الدلالة عليه من جهة الشرع وأن الحكم تابع له غير أني كشفت عن طريق الشرع له وقلت له إذا كان الحكم يثبت مع وجود هذه العلة ويثبت مع عدمها لم يكن ذلك علة في الظاهر إلا أن يدل الدليل على أن هذا الوصف مؤثر في إثبات هذا الحكم في الشرع فحينئذ يجوز أن يعلق الحكم عليه ومتى لم يدل الدليل على ذلك وكان الحكم ثابتا مع وجوده ومع علته وليس معه ما يدل على صحة اعتباره دل على أنه ليس بعلة وأما ما ذكره الشيخ الجليل من علة الربا وقوله إنها أحد العلل فليس كذلك بل هي وغيرها من معاني الأصول سواء فلا معنى لهذا الكلام وهو حجة عليك وذلك أن الناس لما اختلفوا في تلك العلل وادعت كل طائفة معنى طلبوا ما يدل على صحة ما ادعوه ولم يقتصروا فيها على مجرد الدعوى فكان يجب أن يعمل في علة الرجعية مثل ذلك لأن هذا تعليل أصل مجمع عليه فكما وجب الدلالة على صحة علة الربا ولم يقتصروا فيها على مجرد الدعوى فكان يجب أن يدل أيضا على صحة علة الرجعية وأما جريان الربا مع الأثمان مع عدم علة الأربعة فعلة أخرى تثبت بالدليل وهي علة الأثمان وأما في مسألتنا فلم يثبت كون العدة علة في فرع الطلاق فلم يصح تعليق الحكم عليها وأما الفصل الثاني فلا يصح وذلك أنك ادعيت أن الأصول كلها معللة وهي دعوى تحتاج أن يدل عليها وأنا لا أسلمه لأن الأصل المعلل عندي ما دل عليه الدليل وأما كلام الشيخ الجليل أيده الله تعالى على الفصل الثاني فإن طالبتني بتصحيح العلة فأنا أدل على صحتها والدليل على ذلك أنه إذا طلق امرأة أجنبية لم يتعلق بذلك حكم فإن عقد عليها وحصلت زوجة له فطلقها وقع عليه الطلاق فلو طلقها قبل الدخول طلقة ثم طلقها لم يلحقها لأنها خرجت على الزوجية فلو أنه عاد فتزوجها ثم طلقها لحقه طلقة فدل على العلة ففيها ما ذكرت وليس في دعوى علتك مثل هذا الدليل وأما إنكاره لمعنى الفرع فلا يصح لوجهين أحدهما أن عنده أن الطلاق لا يفيد أكثر من نقصان العدة ولا يزيل الملك فهذا لا يتعلق به تحريم الوطء ومن المحال أن يكون العقد مرتفعا ويحل له وطؤها والثاني أني أبطل هذا عليه بأنه لو كان قد ارتفع العقد لوجب أن لا يستبيح وطأها إلا بعقد جديد يوجد بشرائطه من الشهادة والرضا وغير ذلك لأن الحرة لا تستباح إلا بنكاح ولما أجمعنا على أنه يستبيح وطأها من غير عقد لأحد دل على أن العقد باق وأن الزوجية ثابتة تكلم الشيخ أبو الحسين على الفصل الأول بأن قال أما قولك إني مطالب بالدلالة على صحة العلة فلا يصح والجمع بين المطالبة بصحة العلة وعدم التأثير متناقض وذلك أن العلة إما أن تكون مقطوعا بكونها مؤثرة فلا يحتاج فيها إلى الدلالة على صحتها لأن ما يدل على صحتها يدل على كونها مؤثرة ولا يجوز أن يرد الشرع بتعليق حكم على ما لا تأثير له من المعاني وإنما ورد الشرع بتعليق الحكم على المعاني المؤثرة في الحكم وإذا كانت الصورة على هذا يجوز أن يقال هذا لا تأثير له ولكن دل على صحته إن كانت العلة مشكوكا في كونها مؤثرة في الحكم لم يجز القطع على أنها غير مؤثرة وقد قطع القاضي أيده الله بأن هذه العلة غير مؤثرة فبان بهذه الجملة أنه لا يجوز أن يعترض عليها من جهة عدم التأثير ويحكم بفسادها بسببه ثم تطالبني مع هذا بتصحيحها لأن ذلك طلب محال جدا وأما ما ذكرت من علة الربا فهو استشهاد صحيح وما ذكر من ذلك حجة علي لأن كل من ادعى علة الربا فهو استشهاد على صحتها فيجب أن يكون هاهنا مثله فلا يلزم لأني أمتنع من الدلالة على صحة العلة بل أقول إن كل علة ادعاها المسؤول في مسألة من مسائل الخلاف فطولب بالدلالة على صحتها لزمه إقامة الدليل عليها وإنما امتنع أن يجعل الطريق المسؤول لها وجود الحكم مع عدمها وأنها لا تعم جميع المواضع التي يثبت فيها ذلك الحكم وهو أبقاه الله جعل المفسد لهذه العلة وجود نفوذ الطلاق مع عدم العلة وذلك غير جائز كما قلنا في علة الربا في الأعيان الأربعة إنها تفقد ويبقى الحكم وأما إذا طالبتني بتصحيح العلة واقتصرت على ذلك فإني أدل عليها كما أدل على صحة العلة التي ادعيتها في مسألة الربا وأما الفضل الثاني وهو الدلالة على صحة العلة فإن القاضي أيده الله تعلق من كلامي بطرفه ولم يتعرض لمقصوده وذلك أني قلت إن الأصول كلها معللة وإن هذا الأصل معلل بالإجماع بيني وبينه وأما الاختلاف في غير العلة فيجب أن يكون بما ذكرناه هو العلة لأنها تتعدى فترك الكلام على هذا كله وأخذ يتكلم في أن من الأصول ما لا يعلل وأنه لا خلاف فيه وهذا لا يصح لأنه لا خلاف أن الأصول كلها معللة وإن كان في هذا خلاف فأنا أدل عليه والدليل عليه هو أن الظواهر الواردة في جواز القياس مطلقة وذلك كقوله تعالى وعلى أني قد خرجت من عهده بأن قلت إن الأصل الذي تنازعنا عليه معلل بالإجماع فلا يضرني مخالفة من خالفه في سائر الأصول وأما المعارضة فإنه لا يجوز أن يكون المعنى في الأصل ما ذكرت من ملك النكاح ووجود الزوجية يدل على ذلك أن هذا المعنى موجود في الصبي والمجنون ولا ينفذ طلاقهما فثبت أن ذلك ليس بعلة وإنما العلة ملك إيقاع الطلاق مع وجود محل موقعه وهذا المعنى موجود في المختلعة فيجب أن يلحقها وأما معنى الفرع فلا أسلمه وأما ما ذكرت من إباحة الوطء فلا يصح لأن يطؤها وهي زوجة لأنه يجوز له مراجعتها بالفعل فإذا ابتدأ المباشرة حصلت الرجعة فصادفها الوطء وهي زوجة وأما أن يبيح وطأها وهي خارجة عن الزوجية فلا وأما قوله لو كان قد ارتفع العقد لوجب أن لا يستبيحها من غير عقد كما قال أصحابنا فيمن باع عصيرا وصار في يد البائع خمرا ثم تخلل إن البيع يعود بعدما ارتفع وعلى أصلكم إذا رهن عصيرا فصار خمرا ارتفع الرهن فإذا تخلل عاد الرهن وكذلك هاهنا مثله تكلم القاضي أبو الطيب على الفصل الأول بأن قال ليس في الجمع بين المطالبة بالدليل على صحة العلة وبين عدم التأثير مناقضة وذلك أنى إذا رأيت الحكم ثبت مع وجود هذه العلة ومع عدمها على وجه واحد كان الظاهر أن هذا ليس بعلة للحكم إلا أن يظهر دليل على أنه علة فنصير إليه وهذا كما نقول في القياس إنه دليل على الأحكام إلا أن يعارضه ما هو أقوى منه فيجب تركه وكذلك خبر الواحد دليل في الظاهر يجب المصير إليه إلا أن يظهر ما هو أقوى منه من نص قرآن أو خبر متواتر فيجب المصير إليه كذلك هاهنا الظاهر بما ذكرته أنه دليل على ذلك ليس بعلة إلا أن تقيم دليلا على صحته فنصير إليه وأما علة الربا فقد عاد الكلام إلى هذا الفصل الذي ذكرت الشيخ وقد تكلمت عليه بما يغني عن إعادته وأما الفصل الثاني فقد تكلمت عليه بما سمعت من كلام الشيخ الجليل أيده الله وهو أنه قال الأصول كلها معللة وأما هذه الزيادة فالآن سمعتها وأنا أتكلم على الجميع وأما دليلك على أن الأصول كلها معللة فلا يصح لأن الظواهر التي وردت في جواز القياس كلها حجة عليك لأنها وردت بالأمر بالاجتهاد فما دل عليه الدليل فهو علة يجب الحكم بها وذلك لا يقتضي أن كل أصل معلل وأما قولك إن هذا الأصل مجمع على تعليله وقد اتفقنا على أن العلة فيه أحد المعنيين إما المعنى الذي ذكرته وإما المعنى الذي ذكرته وأحدهما يتعدى والآخر لا يتعدى فيجب أن تكون العلة فيهما ما يتعدى فلا يصح لأن اتفاقي معك على أن العلة أحد المعنيين لا يكفي في الدلالة على صحة العلة وأن الحكم معلق بهذا المعنى لأن إجماعنا ليس بحجة لأنه يجوز الخطأ علينا وإنما تقوم الحجة بما يقطع عليه اتفاق الأمة التي أخبر النبي وأما قولك إن علتي متعدية فلا يصح لأن التعدي إنما يذكر لترجيح إحدى العلتين على الأخرى وفي ذلك نظر عندي أيضا وأما أن يستدل بالتعدي على صحة العلة فلا ولهذا لم نحتج نحن وإياكم على مالك في علة الربا علتنا تتعدى إلى ما لا تتعدى علته ولا ذكر أحد في تصحيح علة الربا ذلك فلا يجوز الاستدلال به وأما فصل المعارضة فإن العلة في الأصل ما ذكرت وأما الصبي والمجنون فلا يلزمان لأن التعليل واقع لكونهما محلا لوقوع الطلاق ويجوز أن يلحقهما الطلاق وليس التعليل للوجوب فيلزم عليه المجنون والصبي وهذا كما نقول إن القتل علة إيجاب القصاص ثم نحن نعلم أن الصبي لا يستوفى منه القصاص حتى يبلغ وامتناع استيفائه من الصبي والمجنون لا يدل على أن القتل ليس بعلة لإيجاب القصاص كذلك هاهنا يجوز أن تكون العلة في الرجعية كونها زوجة فإن كان لا يلحقها الطلاق من جهة الصبي لأن هذا إن لزمني على اعتبار الزوجية لزمك على اعتبار الاعتداد لأنك جعلت العلة في وقوع الطلاق كونها معتدة وهذا المعنى موجود في حق الصبي والمجنون فلا ينفذ طلاقهما ثم لا يدل ذلك على أن ذلك ليس بعلة وكل جواب له عن الصبي والمجنون في اعتباره العدة فهو جوابنا في اعتبار الزوجية وأما علة الفرع فصحيحة أيضا وإنكارك لها لا يصح لما ثبت أن من أصلك أن الطلاق لا يفيد أكثر من نقصان العدد والذي يدل عليه جواز وطء الرجعية وما زعمت من أن الرجعة تصح منه بالمباشرة غلط لأنه يبتدىء بمباشرتها وهي أجنبية فكان يجب أن يكون ذلك محرما ويكون تحريمه تحريم الزنا كما قال ( العينان تزنيان واليدان تزنيان ويصدق ذلك الفرج ) ولما قلتم إنه يجوز أن يقدم على مباشرتها دل على أنها باقية على الزوجية وأما ما ذكرت من مسألة العصير فلا يلزم لأن العقود كلها لا تعود معقودة إلا بعقد جديد يبين صحة هذا البيع والإجارات والصلح والشركة والمضاربات وسائر العقود فإذا كانت عامة العقود على ما ذكرناه من أنها إذا ارتفعت لم تعد إلا باستئناف أمثالها لم يجز إبطال هذا بمسألة شاذة عن الأًصول وهذا كما قلت لأبي عبد الله الجرجاني وفرقت بين إزالة النجاسة والوضوء بأن إزالة النجاسة طريقها التروك والتروك موضوعة على أنها لا تفتقر إلى النية كترك الزنا والسرقة وشرب الخمر وغير ذلك فألزمني على ذلك الصوم فقلت له غالب التروك وعامتها موضوعة على ما ذكرت فإذا شذ منها واحد لم ينتقض به غالب الأصول ووجب رد المختلف فيه إلى ما شهد له عامة الأصول وغالبها لأنه أقوى في الظن وعلى أن من أصحابنا من قال إن العقد لا ينفسخ في الرهن بل هو موقوف مراعى فعلى هذا لا أسلمه ولأن أصل أبي حنيفة أن العقد لا يزول والملك لا يرتفع تكلم الشيخ أبو الحسين على الفصل الأول بأن قال قد ثبت أن الجمع بين المطالبة بتصحيح العلة وعدم التأثير غير جائز وأما ما ذكرت من أن هذا دليل ما لم يظهر ما هو أقوى منه كما نقول في القياس وخبر الواحد فلا يصح وذلك أنا لا نقول إن كل قياس دليل وحجة فإذا حصل القياس في بعض المواضع فعارضه إجماع لم نقل إن ذلك قياس صحيح بل نقول هو قياس باطل وكذلك لا نقول إن ذلك الخبر حجة ودليل فأما القاضي أيده الله فقد قطع في هذا الموضع بأن هذا لا تأثير له فلا يصح مطالبته بالدليل على صحة العلة وأما الفصل الآخر وهو الدلالة على أن الأصول معللة فقد أعاد فيه ما ذكره أولا من ورود الظواهر ولم يزد عليه شيئا يحكى وأما قولك إن إجماعي وإياك ليس بحجة فإني لم أذكره لأني جعلته حجة وإنما ذكرت اتفاقنا لقطع المنازعة وأما فصل التعدي فصحيح وذلك أني ذكرت في الأصل علة متعدية ولا خلاف أن المتعدية يجوز أن تكون علة وعارضني أيده الله بعلة غير متعدية وعندي أن الواقفة ليست بعلة وعنده أن المتعدية أولى من الواقفة فلا يجوز أن يعارضني وذلك يوجب بقاء علتي على صحتها وأما المعارضة فإن قولك إن التعليل للجواز كما قلنا في القصاص فلا يصح لأنه إذا كان علة ملك إيقاع الطلاق ملك النكاح وقد علمنا أن ملك الصبي ثابت وجب إيقاع طلاقه فإذا لم يقع دل على أن ذلك العقل ليس بعلة وأما القصاص فلا يلزم لأن هناك لما ثبت له القصاص وكان القتل هو العلة في وجوبه جاز أن يستوفى له لأن الولي يستوفي له القصاص وكان العقل هو العلة وأما قولك إن مثل هذا يلزم على علتي فليس كذلك لأني قلت معتدة من طلاق فلا يتصور أن يطلق الصبي فتكون امرأته معتدة من طلاق فألزمه القاضي المجنون إذا طلق امرأته
حكى القاضي أبو الطيب في التعليقة وجها أن القضاء سنة وليس بفرض كفاية قال ابن الرفعة لم أره لغيره نقل النووي رحمه الله في المنثورات أن القاضي أبا الطيب قال في شرح الفروع إن من صلى فريضة ثم أدركها في جماعة فصلاها ثم تذكر أنه نسي سجدة من الصلاة الأولى لزمه أن يعيدها لأن الأولى بترك السجدة قد بطلت ولم يحتسب له بما بعدها لأن الترتيب مستحق في أفعال الصلاة وأن ذلك لا يتخرج على الخلاف في أن الأولى الفرض ألو الثانية قلت وهذا هو الفقه الذي ينبغي غير أني لم أجد كلام القاضي أبي الطيب في شرح الفروع صريحا في أنه لا يتخرج على الخلاف بل قال وأما الثانية فلا يحتسب بها لأنه فعلها بنية التطوع ثم قال فإن قال قائل أليس قال الشافعي رضي الله عنه يحتسب الله بأيهما شاء فالجواب أن أبا إسحاق المروزي قال قال الشافعي في القديم لا يقال إن الله يحتسب ما شاء ولم يقل إن الثانية يفعلها بنية التطوع ورجع عن هذا في الجديد وقال الأولى فرضه والثانية سنة والحال فيما يدل على أن الثانية سنة لا فرض وهذا الكلام يدل على أن من يمنع كون الثانية سنة يمنع لزوم الإعادة وفي السؤال الأول من فتاوي الغزالي المشهورة ما يقتضي النزاع من أنه لو صلى في بيته ثم أتى الجماعة فأعادها ثم بان أن الصلاة الأولى كانت فاسدة أن الصلاة المعادة تجزئه وسكت عليه الغزالي قال القاضي أبو الطيب في تعليقته في كتاب الشهادات فرع السائل هل تقبل شهادته أو لا ينظر فإن كان يسأل الناس من حاجة لم ترد شهادته لأنه إذا لم يكن له قوة أمر بالسؤال وإن كان يسأل الناس من غير حاجة لم تقبل شهادته لأنه يكذب في قوله إنه محتاج لأنه لو يقل ذلك لم يدفع إليه شيء وأما إذا كان ممن لا يسأل ولكن الناس يحملون إليه الصدقات فإنه ينظر فإن كانوا يحملون إليه من الصدقات النفل والتطوع لم ترد شهادته لأن ذلك يجري مجرى الهبات والهبات لا تمنع من قبول الشهادة وإن كانت الصدقات من الفرائض فلا يخلو من أحد أمرين إما أن يكون غنيا أو فقيرا فإن كان فقيرا حل له ذلك وقبلت شهادته وإن كان غنيا لم يخل من أحد أمرين إما أن يكون جاهلا أو عالما فإن كان جاهلا لا يعلم أنه لا يجوز له أخذ الصدقة المفروضة مع الغنى لم ترد شهادته لأن ذلك خطأ والخطأ لا يوجب رد الشهادة وإن كان عالما فإنه لا تقبل شهادته لأنه يأكل مالا حراما وهو مستغن عنه وله مستحقون غيره انتهى بنصه ولفظه وهي مسائل متقاربة شهادة القانع وقد قدمنا الكلام عليها في ترجمة الخطابي وهو السائل إلا أن الكلام على شهادته لأهل البيت الذين بيناهم لا مطلقا وشهادة السائل مطلقا وشهادة الطفيلي ومن يختطف النثار في الأفراح والفرق بين هذه الصور وشهادة القانع أن المأخذ في منع شهادة القانع عند من منعها التهمة وجلب النفع والمأخذ في هذه المسائل قلة المروءة أو أكل ما لا يستحق وقد جمع صاحب البحر أبو المحاسن الروياني هذه المسائل واقتضى إيراده أنها منصوصات فقال فرع قال في الأم ومن ثبت عليه أنه يغشى الدعوة بغير دعاء من غير ضرورة ولا يستحيل من صاحب الطعام وتتابع ذلك منه ردت شهادته لأنه يأكل محرما إذا كانت الدعوة دعوة رجل بعينه فإن كان طعام سلطان أو رجل ينسب للسلطان فدعا الناس إليه فهذا طعام عام مباح ولا بأس به قال أصحابنا إنما اعتبر تكرر ذلك لأنه قد يكون له شبهة حيث لم يمنعه صاحب الطعام وإذا تكرر صار دناءة وسفها فرع قال ولو ذهب مال الرجل بجائحة حلت له المسألة وكذلك إذا كان في مصلحة وإذا أخذها لم أرد شهادته لأنه يأخذها بحق فإن كان يسأل الناس طول عمره أو بعضه وهو غني لا أقبل شهادته لأنه يأخذ الصدقة بغير حق ويكذب أبدا فيقول إني محتاج وليس بمحتاج فإن أعطي الصدقة من غير سؤال ينظر فإن كانت صدقة تطوع فلا بأس ولا ترد شهادته وإن كانت صدقة واجبة فإن لم يكن علم تحريمها فلا ترد وإن علم بتحريمها ردت شهادته فرع وإذا نثر على الناس في الفرح فأخذ من حضر لم يكن في هذا ما يخرج عن الشهادة لأن كثيرا يزعم أن هذا حلال مباح لأن مالكه إنما طرحه لمن يأخذه فأما أنا فأكرهه لمن أخذه من قبل أنه يأخذه من أخذه ولا يأخذه إلا بغلبة لمن حضره إما بفضل قوة وإما بفضل قلة حياء والمالك لم يقصد به قصده وإنما قصد به الجماعة فأكرهه انتهى لفظ البحر والرافعي رحمه الله اقتصر على مسألة السائل فذكر أن شهادة الطواف على الأبواب وسائر السؤال تقبل شهادتهم إلا أن يكثر الكذب في دعوى الحاجة وهو غير محتاج أو يأخذ ما لا يحل له أخذه فيفسق قال ومقتضى الوجه الذاهب إلى رد شهادة أهل الحرف رد شهادته لدلالته على خسته قال القاضي أبو الطيب رحمه الله سمعت القاضي أبا الفرج المعافى بن زكريا رحمه الله يقول كنت أحضر مجلس أبي الحسن بن أبي عمر يوم النظر فحضرت يوما أنا وجماعة بالباب ننتظره ليخرج فدخل أعرابي فجلس بالقرب منا وإذا بغراب سقط على نخلة في الدار وصاح ثم طار فقال الأعرابي إن هذا الغراب يقول إن صاحب هذه الدار يموت بعد سبعة أيام قال فصحنا عليه وزبرناه فقام وانصرف ثم دخلنا إلى أبي الحسن فإذا به متغير اللون فقال أحدثكم بأمر شغل بالي إني رأيت البارحة في المنام شخصا وهو يقول منازل آل حماد بن زيد ** على أهليك والنعم والسلام وقد ضاف صدري لذلك فدعونا له وانصرفنا فلما كان اليوم السابع توفي إلى رحمة الله تعالى والله أعلم بكسر الألف وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفي آخرها القاف إيلاق هي بلاد الشاش المتصلة بالترك وهذا هو الشيخ الإمام أبو الربيع كان إماما في الفقه متضلعا به تفقه على الحليمي وأبي طاهر الزيادي وقرأ الأصول على الأستاذ أبي إسحاق وروى الحديث عن أستاذيه وأبي نعيم عبد الملك بن الحسن الأزهري وغيرهم تفقه عليه أهل الشاش وتوفي عن ست وتسعين سنة في سنة خمس وستين وأربعمائة طاهر بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم أبو عبد الله البغدادي نزل بنيسابور قال الحاكم كان أظرف من رأينا من العراقيين وأفتاهم وأحسنهم كتابة وأكثرهم فائدة سمعت أبا عبد الله بن أبي ذهل يقول ما رأيت من البغداديين أكثر فائدة من أبي عبد الله سمع أبا حامد الحضرمي وأبا بكر أحمد بن القاسم الفرائضي وأقرانهما توفي بنيسابور يوم الخميس الثامن من ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة وروى عنه الحاكم وهذا كلامه قال ابن الصلاح وهو فيما أحسب أبو الأستاذ أبي منصور البغدادي عبد القاهر ابن طاهر قلت ما أوردناه من نسب هذا هو ما أورده الحاكم وقد أسقط ابن الصلاح اسم أبي هذا فقال طاهر بن عبد الله وذكره بعد القاضي فكتب شيخنا المزي يقدم فأما كتابته إياه بعد القاضي فصواب لأن القاضي طاهر بن عبد الله وهذا طاهر بن محمد والعين مقدمة على الميم والمزي توهمه كما أورده ابن الصلاح طاهر بن عبد الله فكتب يقدم وهو صحيح لو كان الأمر كما توهم لأن جده إبراهيم حينئذ وجد القاضي طاهر والألف قبل الطاء والذي أراه ابن الصلاح لم يقصد هذا بل أراد أن يكتب طاهر بن محمد فأسقط اسم محمد نسيانا ويدل عليه ذكره إياه بعد القاضي والله تعالى أعلم أبو الحسن الحلبي الناصري سمع عبد الرحمن بن عمر بن نصر وعبيد الله الوراق روى عنه السمان وعبد العزيز الكتاني ومحمد بن أحمد بن أبي الصقر الأنباري مات سنة تسع وعشرين وأربعمائة أبو محمد العباسي يعرف بابن الرحا مولده سنة ثلاثين وأربعمائة ومات في ذي القعدة سنة ثمان وسبعين وأربعمائة الإمام الزاهد الجليل البحر أحد أئمة الدنيا يعرف بالقفال الصغير المروزي شيخ الخراسانيين وليس هو القفال الكبير هذا أكثر ذكرا في الكتب أي كتب الفقه ولا يذكر غالبا إلا مطلقا وذاك إذا أطلق قيد بالشاشي وربما أطلق في طريقه العراقيين لقلة ذكرهم لهذا والشاشي أكثر ذكرا فيما عدا الفقه من الأصول والتفسير وغيرهما كان القفال المروزي هذا من أعظم محاسن خراسان إماما كبيرا وبحرا عميقا غواصا على المعاني الدقيقة نقي القريحة ثاقب الفهم عظيم المحل كبير الشأن دقيق النظر عديم النظير فارسا لا يشق غباره ولا تلحق آثاره بطلا لا يصطلي له بنار أسدا ما بين يديه لواقف إلا الفرار تفقه على الشيخ أبي زيد المروزي وسمع منه ومن الخليل بن أحمد القاضي وجماعة وحدث وأملى ذكره الإمام أبو بكر محمد بن الإمام أبي المظفر السمعاني في أماليه فقال كان وحيد زمانه فقها وحفظا وورعا وزهدا وله في فقه الشافعي وغيره من الآثار ما ليس لغيره من أهل عصره قال وطريقته المهدية في مذهب الشافعي التي حملها عنه فقهاء أصحابه من أهل البلاد أمتن طريقة وأوضحها تهذيبا وأكثر تحقيقا رحل إليه من البلاد للتفقه عليه فظهرت بركته على مختلفيه حتى تخرج به جماعة كثيرة صاروا أئمة في البلاد نشروا علمه ودرسوا قوله هذا كلامه والقفال رضي الله عنه أزيد مما وصف وأبلغ مما ذكر وقد صار معتمد المذهب على طريقة العراق وحامل لوائها أبو حامد الإسفرايني وطريقة خراسان والقائم بأعبائها القفال المروزي هما رحمهما الله شيخا الطريقتين إليهما المرجع وعليهما المعول وكان القفال رحمه الله قد ابتدأ التعلم على كبر السن بعدما أفنى شبيبته في صناعة الأقفال وكان ماهرا فيها روي عن الشيخ أبي محمد الجويني أنه قال كان القفال صنع قفلا مع جميع آلاته من وزن أربع حبات من حديد قال الشيخ أبو محمد أخرج القفال يده فإذا على ظهر كفه آثار المجل فقال هذا من آثار عملي في ابتداء شبابي قال السمعاني أبو بكر وسمعت جماعة من مشيختنا يذكرون أنه ابتدأ التعلم وهو ابن ثلاثين سنة فبارك الله تعالى له حتى أربي على أهل عصره وصار أفقه أهل زمانه قال الشيخ أبو محمد وسمعت القفال يقول ابتدأت التعلم وأنا لا أفرق بين اختصرت واختصرت قال ابن الصلاح أظن أنه أراد بهذا الكلمة الأولى من مختصر المزني وهو قوله اختصرت هذا من علم الشافعي وأراد أنه لم يكن من اللسان العربي ما يفرق به بين ضم تاء الضمير وفتحها وقال ناصر العمري لم يكن في زمان أبي بكر القفال أفقه منه ولا يكون بعده مثله وكنا نقول إنه ملك في صورة إنسان وكان القفال رحمه الله مصابا بإحدى عينيه قال أبو بكر السمعاني سمعت الإمام والدي يقول سئل القفال رحمه الله في مجلس وعظه هل يقضي الله على عبده بسوء القضاء فقال نعم فقد أدركني سوء القضاء وعور إحدى عيني وقال القاضي الحسين كنت عند القفال فأتاه رجل قروي وشكا إليه أن حماره أخذه بعض أصحاب السلطان فقال له القفال اذهب فاغتسل وادخل المسجد وصل ركعتين واسأل الله تعالى أن يرد عليك حمارك فأعاد عليه القروي كلامه فأعاد القفال فذهب القروي ففعل ما أمره به وكان القفال قد بعث من يرد حماره فلما فرغ من صلاته رد الحمار فلما رآه على باب المسجد خرج وقال الحمد لله الذي رد علي حماري فلما انصرف سئل القفال عن ذلك فقال أردت أن أحفظ عليه دينه كي يحمد الله تعالى وقال ناصر العمري احتسب بعض الفقهاء المختلفين إلى القفال على بعض أتباع الأمير بمرو فرفع الأمير إلى السلطان محمود وذكر أن الفقهاء أساءوا الأدب في مواجهة الديوان بما فعلوا فكتب محمود هل يأخذ القفال شيئا من ديواننا فقيل لا فقال فهل يتلبس من أمور الأوقاف بشيء فقيل لا قال فإن الاحتساب لهم سائغ فدعهم وقال القاضي الحسين كان القفال في كثير من الأوقات في الدرس يقع عليه البكاء ثم يرفع رأسه ويقول ما أغفلنا عما يراد بنا رضي الله عنه تفقه القفال على جماعة وكان تخرجه على يد الشيخ أبي زيد وسمع الحديث بمرو وببخارى وبيكند وهراة وحدث في آخر عمره وأملى ومات سنة سبع عشرة وأربعمائة وهو ابن التسعين سنة ودفن بسجستان وقبره بها معروف يزار رحمة الله ورضوانه عليه آمين
أخبرنا الحافظ أبو العباس ابن المظفر سماعا عليه أنبأنا أحمد بن هبة الله بن عساكر أخبرنا أبو روح إجازة أخبرنا أبو زاهر بن طاهر أخبرنا القاضي أبو سعد عبد الكريم بن أحمد الوزان إملاء قدم علينا من الري سنة ثمان وخمسين وأربعمائة أخبرنا الإمام أبو بكر عبد الله بن أحمد القفال المروزي بها أخبرنا أبو نعيم عبد الرحمن بن محمد الغفاري أخبرنا أبو محمد عبدان بن محمد بن عيسى حدثنا أبو الوليد هشام بن عمار الدمشقي حدثنا صدقة بن خالد عن هشام بن الغار أخبرني حبان أبو النصر قال سمعت واثلة بن الأسقع يقول سمعت رسول الله عن الله تبارك وتعالى قال ( أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء ) كتب إلي شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي أن أبا الفرج عبد الرحمن ابن أبي عمر وأبا الحسن بن البخاري أنبآه عن فضل الله النوقاني عن الحسين ابن مسعود البغوي ح وأنبأني المشار إليه في غير واحد من مشيختنا أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعد وإبراهيم بن أبي الحسن بن عمرو والفراء وغيرهما بقراءة المزي قالوا أخبرنا أبو المجد محمد بن الحسين بن أحمد القزويني سماعا عليه أخبرنا أبو منصور محمد بن أسعد ابن محمد حفدة العطاري أخبرنا محيى السنة أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي حدثنا محمد بن أبي رافع الأنماطي حدثنا أبو بكر عبد الله بن أحمد القفال أخبرنا أبو نعيم هو محمد بن عبد الرحمن أخبرنا أبو محمد عبدان بن محمد حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد هو ابن مسلم قال سمعت عبد الرحمن بن يزيد بن جابر يقول حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول سمعت النواس بن سمعان الكلابي يقول سمعت رسول الله ( ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع رب العالمين إذا شاء أن يقيمه أقامه وإذا شاء أن يزيغه أزاغه ) قال فكان رسول الله ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك والميزان بيد الرحمن يرفع قوما ويضع آخرين إلى يوم القيامة )
قال الإمام في النهاية في كتاب اللعان قبل باب أين يكون اللعان لما ذكر أن قذف الصبي وإن لم يوجب عليه حدا ولا تعزيزا للمقذوف يتعلق بطلبته ولكن يعززه القائم عليه لإساءة أدبه كما يفعل ذلك في سائر جهات التأديب إن القفال قال إذا هم بتأديب المراهق فبلغ انكف عنه وإن كان واليا لأن البلوغ أكمل الروادع والعقل الذي قضى الشرع بكماله أبين رادع قال يعني القفال ولهذا نأمر الطفل بقضاء ما فاته من الصلوات ما دام طفلا فإذا بلغ كففنا الطلب عنه انتهى والمسألتان غريبتان المستشهد عليها والمستشهد بها ذكر الشيخ أبو محمد أنه لا خلاف بين أصحابنا أنه إذا وقف الإمام على الأرض في الدار والمأموم على سطح الدار أن صلاته أي المأموم باطلة ولا تصح الصلاة على السطح بصلاة الإمام على الأرض إلا في المسجد قال حتى كان الشيخ القفال يستزل الناس عن جدار المصلى يوم العيد لأن مصلى أهل مرو بقعة مغصوبة وكل مسجد بني في بقعة مغصوبة فليس بمسجد انتهى قلت ولعل مصلى أهل مرو اتخذ مسجدا وإلا فمجرد كونه مصلى ولو لم يكن مغصوبا لا يعطى حكم المسجد كما قاله الغزالي في الفتاوي وهو واضح وقد تنبهت من هذه الحكاية عن القفال لفائدة كانت تدور في خلدي فإنني لما سمعت هذه الحكاية انتقل ذهني إلى أن القفال منع الناس عن الصلاة في المصلى لأن الصلاة في المغصوب حرام فكما منعهم عما لا يصح كذلك ينبغي أن يمنعهم عما يحرم ثم فكرت في أن هذه البقعة جاز أن يكون مستحقها قد مات وماتت ورثته وانتقلت إلى بيت المال كما هو الغالب على كثير من ا لمغصوبات التي يتمادى عليها الزمان وأقول في مثل ذلك إذا انتقلت إلى بيت المال خرجت عن حكم الغصب ولم تصر مسجدا لأنها لم تبن وقت الاستحقاق مسجدا فلما وقفت مسجدا كان الوقف باطلا لأن حكم الغصب قد كان باقيا وهذا شيء كان يدور في خلدي ثم تأيد بهذه الحكاية وكان سبب دورانه في خلدي أنه حكي لي عن الوالد رحمه الله أنه كان في أول مرة لا يدخل إلى المدرسة المنصورية لأنه قيل إن الملك المنصور قلاوون غصب ساحتها ثم لما ولي الوالد تدريسها سنة إحدى وعشرين وسبعمائة صار يدخل للدرس ففكرت مع علمي من حاله بأن الدنيا لم تكن تحمله على الوقيعة في شبهة عن جواب عما لعله يقال كيف دخلها عند ولاية التدريس وترك التورع الذي كان يفعله فوقع لي أنه لعل المغصوب منه أو ورثته كانوا موجودين في أوائل أمر الشيخ الإمام الوالد رحمه الله أو كان وجودهم محتملا ثم تحق فقدهم وانتقال الساحة إلى بيت المال فصار يدخلها لكونها أرض بيت المال واشترك المسلمون فيها وهذا يعتضد بما ذكرت عن القفال ويحتمل أيضا أن الدخول حيث لم يكن مدرسا دخول في الشبهة لا لغرض ديني وبعد التدريس دخول لغرض لعله أهم في نظر الشارع من الورع فهذان جوابان قال القاضي الحسين في تعليقته من باب صلاة التطوع كان القفال يقول وددت أن أجد قول من سلف القنوت في الوتر في جميع السنة لكني تفحصت عنه فما وجدت أحدا قال به قال القفال وقد اشتريت كتاب ابن المنذر في اختلاف العلماء لهذه المسألة خاصة ففحصت عنها فلم أجد أحدا قال به إلا مالكا فإنه قال بالقنوت في الوتر في جميع شهر رمضان دون غيره من الشهور قلت كأنه يعني بالسلف الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى زمان مالك والشافعي وإلا فقد قال بالوتر في جميع السنة من أصحابنا أربعة منهم اثنان أستبعد خفاء قولهما على القفال وهما أبو الوليد النيسابوري وأبو عبد الله الزبيري وأبو منصور بن مهران وأبو الفضل بن عبدان واختاره النووي في تحقيق المذهب ولكن توقف الوالد رحمه الله في موافقته على اختياره قال إذ ليس في الحديث تصريح به ولما رأيت فحص القفال عن أقاويل السلف في هذه المسألة فكشفت أوعب الكتب لأقاويلهم وهو مصنف ابن أبي شيبة فوجدته قال حدثنا أزهر السمان عن ابن عون عن إبراهيم عن عبد الله أنه كان يقول القنوت في السنة كلها قال وكان ابن سيرين لا يراه إلا في النصف من رمضان ثم روى عن الحسن أن الإمام يقنت في النصف والمنفرد يقنت الشهر كله ثم روى بسنده إلى إبراهيم قال كان عبد الله لا يقنت السنة كلها في الفجر ويقنت في الوتر كل ليلة قبل الركوع قال أبو بكر هذا القول عندنا قلت فهذا أبو بكر بن أبي شيبة قد نقل عن إبراهيم عن عبد الله وهو ابن مسعود أنه يقنت في الوتر في السنة كلها وقال به إبراهيم نفسه وهو النخعي وارتضاه أبو بكر وهو ابن أبي شيبة فهؤلاء ثلاثة من السلف وقد ذكر ابن أبي شيبة ذلك في فصل من قال القنوت في النصف من رمضان في فصول الوتر وقنوته ذكر القفال في فتاويه فيمن اشترى أمة فوطئها قبل أن يستبرئها أنه لا يحسب لها الاستبراء ما دامت تحته يفترشها بل لا بد من أن يتجانت عنها حتى تمر بها حيضة قال وكذلك لو كان لا يطؤها إلا أنه يلمسها ويعاشرها والمجزوم به في الرافعي وأكثر الكتب أنه لا يمنع الاستبراء إلا الوطء لا الملامسة والمعاشرة لأن الملك لم يمنع الاحتساب فكذا المعاشرة بخلاف العدة وذكر في الفتاوي أيضا أنا إذا رأينا في يد رحل ضيعة يدعي أنها وقف عليه لا تصير وقفا وله بيعها بعد ذلك قال كما لو كان بيده مال فقال هذا وديعة عندي ثم باعه فله ذلك قال بخلاف ما لو قال وقفها علي فلان فإنه لا يجوز بيعها قلت أما عدم تجويز بيع من قال وقفها علي فلان فظاهر وأما تجويز بيع من قال هذه العين وديعة عندي فمتجه أيضا لأن القول في العقود قول أربابها ولعل المودع أذن له أن يبيع فلسنا ننقب عن ذلك وأما تمكين من قال هذه وقف علي من البيع فموضع نظر يحتمل أن يقال بما قاله القفال ويحتمل أن يخالف ويحمل كلامه على أن له بيعها فيما بينه وبين الله تعالى إذا كان كاذبا لا أنا نملكه أو على أنا نعلم أنه يعني بكونها وقفا عليه أنه هو واقفها على نفسه وبمقتضى هذا له البيع لأن الوقف باطل ويدل لهذا أن القفال قال في توجيه قوله لا تصير وقفا إن الإنسان لا يقدر أن يقف على نفسه فكأن اليد لما كانت تدل على الملك فدعوى الوقفية بعد ذلك لا يكون معناها أن غيره وقفها عليه لئلا يعارض دلالة اليد فلم يبق إلا أن يكون هو الذي وقفها وذلك باطل وإن لم يحمل كلام القفال على ما ذكرناه فهو مشكل وبالجملة فهو تأييد لابن الصلاح قال القفال في فتاويه فيمن قال إذا مت فاشتروا من ثلثي حانوتا يبلغ غلته كل شهر خمسين درهما واجعلوه وقفا على أن عشرة لطالبي العلم وعشرة للفقراء وعشرة لليتامى وعشرين لأبناء السبيل قال القفال يصح ويعتبر يوم الشراء فيشترى حانوتا ويوقف خمسه على طالبي العلم وخمسه على الفقراء وخمسه على اليتامى وخمسيه على أبناء السبيل ويقفه الوصي هكذا أخماسا فإن زادت غلة الحانوت من بعد فإنه يقسم بينهم وتصرف الزيادة مصرف الأصل وإن نقص خمسة نقص على هذا القياس انتهى قلت وهذا صريح في أن من وقف مدرسة ونحوها وقدر لأرباب الوظائف مقادير بحسب ربع الوقف يوم وقفه فزاد بعد ذلك أن الزيادة تبسط عليهم على النسبة فلو كان ارتياع الوقف مائة وخمسين فقدر للمدرس خمسين ولعشرة فقهاء كل فقيه عشرة كان للمدرس الثلث وللفقهاء الثلثان بالغا ما بلغ وناقصا ما نقص على النسبة المذكورة وهذا في جانب النقصان صحيح ظاهر وأما في الواقف المقدار بالخمسين وبالعشرة بل له أن يرصد الفائض أو ينزل عليه فقهاء أو يصرف مصرف المنقطع ولعل الأصلح الزيادة في عدد الفقهاء والأقيس إرصاده وقد رأينا في حكام هذا العصر الأخير من حكم بنحو ما أفتى به القفال وما أظنه بلغته فتيا القفال وفيها تأييد له ولسنا عليها بموافقين ولا لفظ القفال أيضا بالصريح فيها كل الصراحة فليتأمل فيه والله تعالى أعلم نسبة إلى خبر بفتح الخاء المعجمة وسكون الباء المنقوطة بواحدة في آخرها الراء المهملة وهي ناحية بنواحي شيراز تفقه الشيخ أبو حكيم على أبي إسحاق الشيرازي وبرع في الفرائض والحساب وله فيهما المصنفات الفائقة وكان يعرف العربية ويكتب الخط الحسن ويضبط الضبط الصحيح وشرح الحماسة وعدة دواوين كالبحتري والمتنبي والرضي الموسوي وغير ذلك وسمع الحديث الكثير وحدث باليسير وروى عنه سبطه أبو الفضل محمد بن ناصر السلامي الحافظ وكان يكتب المصاحف ويحكى أنه كان ذات يوم قاعدا مستندا يكتب في المصحف فوضع القلم من يده واستند وقال والله إن هذا موت طيب هني ثم مات في ذي الحجة سنة ست وسبعين وأربعمائة عبد الله بن جعفر بن عبد الله أبو منصور الجيلي توفي في المحرم سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة نزل بلخ فاستوطنها فدرس بالمدرسة النظامية بها وكان إماما في الفروع والخلاف والأصول وله الجاه والمال الكثير والوجاهة الزائدة والمنزلة الرفيعة والسخاء والجود حكي أنه لما قدم الأنصاري إلى بلخ أهدى إليه ما قيمته ألف دينار وقد سمع الحديث من جده لأمه الأستاذ أبي منصور البغدادي ومن أبي حسان محمد بن أحمد المزكي وناصر العمري وغيرهم توفي ببلخ في جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين وأربعمائة تقدمت ترجمة أخيه وستأتي ترجمة ولده عبد الرحمن بن عبد الله وابن السمعاني رحمه الله ترجم كلا من الحسن وعبد الرحمن ولد أخيه عبد الله ولم يذكر لعبد الله هذا ترجمة وقد ذكر الشيخ إبراهيم المروذي في تعليقته في باب حد القذف في مسألة يا مؤاجر وقول عبد الله هذا إنها صريح في القذف من العامي كناية من المميز وهو توسط بين مقالة أخيه الحسن بالصراحة مطلقا التي قدمناها وذكرنا أن القفال والقاضي الحسين سبقاه إليها ومقالة غيرهم من الأصحاب بأنه كناية مات في رمضان سنة إحدى وستين وأربعمائة بسرخس شيخ همذان ومفتيها وعالمها قال شيرويه بن شهردار روى عن صالح بن أحمد وجبريل وعلى بن الحسن بن الربيع وجماعة وسمع ببغداد من أبي الحسين بن أخي ميمى وابن حبابة وعثمان بن القتات وأبي حفص الكتاني والمخلص حدثنا عنه محمد بن عثمان وأحمد بن عمر والحسين بن عبدوس وأبوه وعلي بن الحسين وكان ثقة فقيها ورعا جليل القدر ممن يشار إليه سمعت ابن عثمان يقول لما أغار الترك على همذان أسروا ابن عبدان ثم إنهم عرفوه فقال بعضهم لا تعذبوه ولكن حلفوه بالله ليخبرنا بما له فإنه لا يكذب فاستحلفوه فأخبرهم بمتاعه حتى قال لهم علي خرقة فيها خمسة وعشرون دينارا رميناها في هذا البئر فما قدروا على إخراجها قال فما سلم له غيرها قال ورأيت بخط ابن عبدان رأيت في المنام رب العزة تعالى وتقدست أسماؤه فقال لي كلاما يدل على أنه يخاف علي الافتخار بما أولانيه فقلت له أنا في نفسي أخس ووقع في ضميري أخس من الروث ثم قال لي أفضل ما يدعى به مات ابن عبدان في صفر سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة
وقفت له على كتاب في العبادات مختصر سماه شرح العبادات رأيت به أصلا صحيحا قديما موقوفا بخزانة وقف ابن عروة في الجامع الأموي قال فيه ويقنت عندي في الوتر في جميع السنة قلت وهو اختيار النووي ذكره في تحقيق المذهب وعليه من أصحابنا هذا الرجل والزبيري وأبو الوليد النيسابوري وأبو منصور بن مهران نقله الأصحاب عن الأربعة وتوقف الوالد رحمه الله في اختياره قال لأنه ليس في حديث القنوت تصريح بأنه في جميع السنة قلت وتقدم قريبا في ترجمة القفال فيه حكاية سنيته بالإجماع ووقفه عن اختياره وفي شرح العبادات لابن عبدان ألفاظ يجب تأويلها واعتقاد أنه لم يرد ظاهرها منها قوله في باب صلاة التطوع إن ركعتي الفجر مسنونة مؤكدة لا يجوز للمنفرد ولا الإمام ولا المأموم تركها بحال فقوله لا يجوز تركها يؤول للإجماع على أنها سنة وبقوله قبل ذلك إنها سنة وذكره إياها في التطوع ووقع له مثله في باب صلاة التراويح فقال صلاة التراويح مسنونة لا يجوز تركها في المساجد غير أن هذا قد يمكن إجراؤه على ظاهره فلقائل أن يقول يجب على الإمام أو أئمة المساجد الإتيان بها لكونها من مصالح الدين وحينئذ لا يجوز تركها لكونها شعارا فتلحق بفرائض الكفايات أو السنن التي صارت شعارا فقوتل عليها تاركها على الخلاف فيها كصلاة العيد إذا اتفق أهل بلد على تركها وذكر في أوائل هذا الكتاب في شرح الإيمان والإسلام عقيدة لا بأس بها عقيدة رجل أشعري على السنة ومنها في أواخرها ولا يسوغ لأحد أن يقول إني مؤمن حقا حتى يقول إن شاء الله تعالى لأن عواقب المؤمنين غيب عنهم انتهى وفيه فائدتان التصريح بوجوب الاستثناء غير أنه قيد المسألة بمن يقول مؤمن حقا لا بمن يطلق مؤمن فليتأمل والتصريح بأن الشك في الخاتمة وهو أحسن تأويل للقائل بالاستثناء وذكر فيه بعدما ذكر أن الشك في الكفر ولو بعد مائة سنة كفر ما نصه وكذلك لو تفكر وقال في نفسه أكفر أو لا فقد كفر انتهى وهذا التفكر إن كان شكا أو نية فقد سبقا في كلامه وإلا فأي شيء هو غير حديث النفس المتجاوز عنه أو هو صريح الإسلام والإيمان فليتأمل أكبر أولاد الأستاذ أبي القاسم كان إماما كبير جيد القريحة له النصيب الوافر والحفظ الجليل الجزيل من التصرف أصوليا نحويا سمع أبا بكر الحيري وأبا سعيد الصيرفي وهذه الطبقة وقدم بغداد مع والده فسمع من القاضي أبي الطيب وغيره مولده سنة أربع عشرة وأربعمائة وكان والده يعامله معاملة الأقران ويحترمه لما يراه عليه من الطريقة الصالحة روى عنه ابن أخته عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي وقال كان رضيع أبيه في الطريقة وفخر ذويه وأهله على الحقيقة وأكبر أولاد زين الإسلام المذكور من لا ترى العيون مثله في الدهور ذو حظ وافر من العربية كان يذكر دروسا من الأصول والتفسير بعبارة مهذبة لا يتخطرف لسانه إلى لحن ولا يعثر لضعف في معرفته ووهن وقد حصل الفقه وكانت المسائل على حفظه بأصولها ونكتها وبرع في علم الأصول بطبع سيال وخاطر إلى مواقع الإشكال ميال سباق إلى درك المعاني وقاف على المدارك والمباني وأما علوم الحقائق فهو فيها يشق الشعر ثم قال يصف مجلس وعظه وصار مجلسه روضة الحقائق والدقائق وكلماته محرقة الأكباد والقلوب ومواجيده مقطرة الدماء من الجفون مكان الدموع ومفطرة الصدور بالتخويف والتفزيع انتهى وقال ابن السمعاني كانت أوقاته ظاهرا مستغرقة في الطهارة والاحتياط ثم في الصلوات والمبالغة في وصل التكبير وباطنا في مراقة الحق ومشاهدة أحكام الغيب لا يخلو وقته عن تنفس الصعداء وتذكر البرحاء وترنم بكلام منظوم أو منثور يتذكر وقتا مضى انتهى توفي في ذي القعدة سنة سبع وسبعين وأربعمائة قبل أمة السيدة فاطمة بنت الدقاق بأربع سنين والله أعلم من أهل طوس دخل نيسابور في شبابه لطلب العلم وحضور مجالس الحديث واستوطنها إلى حين وفاته وكان عفيفا نزها كثير فعل الخير مواظبا على قراءة القرآن غير مداخل لأخيه في شيء من أمور السلطان سمع أبا حسان المزكي وأبا عثمان الصابوني وأبا حفص بن مسرور وناصرا العمري وعبد الغافر بن محمد الفارسي والأستاذ أبا القاسم القشيري وغيرهم روى عنه جماعة ولد سنة أربع عشرة وأربعمائة ومات في سنة تسع وتسعين وأربعمائة من أهل السن بكسر السين المهملة تفقه على القاضي أبي الطيب وكان يحضر درس أبي أسحاق الشيرازي إلى حين وفاته وقد ناهز الثمانين وسمع أبا علي بن شاذان وغيره وحدث بيسير وهو الذي يقول له القاضي أبو الطيب وقد استعار منه شيئا يا أيها الشيخ الجليل السني ** اردد علي ما استعرت مني توفي سنة خمس وستين وأربعمائة قال عب الغافر من عيون الفقهاء وأرباب الفتوى حافظ للمذهب من تلامذة أبي محمد الجويني ومن بيت العلم والحديث بناحية زوزن والله أعلم كان بمصر قال ابن الصلاح ووقع في بعض المواضع عبد الله بن محمد بن أسد وفي بعضها عبد الله بن محمد بن إدريس قال وذلك اختصار لما ذكرناه روى عن ابن أبي حاتم روى عنه المقري أبو عمر الطلمنكي قال المطري أخذ الفقه عن أبيه وولد في شهر رجب سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة ومات بذي أشرق سنة سبع وتسعين وأربعمائة المعروف بابن اللبان قال فيه الخطيب أحد أوعية العلم وأهل الدين والفضل سمع بأصبهان أبا بكر المقري وغيره وببغداد أبا طاهر المخلص وبمكة أبا الحسن أحمد بن إبراهيم بن فراس وتفقه على الشيخ أبي حامد ودرس على القاضي أبي بكر الأصلين وحدث وسمع منه الخطيب قال وكان من أحسن الناس تلاوة للقرآن ومن أوجز الناس عبارة في المناظرة مع تدين جميل وعبادة كثيرة وورع بين وتقشف ظاهر وحسن خلق وسمعته يقول حفظت القرآن ولي خمس سنين وله كتب كثيرة مصنفة وقد أدرك ابن اللبان شهر رمضان من سنة سبع وعشرين وأربعمائة وهو ببغداد فصلى بالناس صلاة التراويح في جميع الشهر وكان إذا فرغ من صلاته بالناس في كل ليلة لا يزال قائما في المسجد يصلي حتى يطلع الفجر فإذا صلى دارس أصحابه قال وسمعته يقول لم أضع جنبي للنوم في هذا الشهر ليلا ولا نهارا وكان ورده كل ليلة فيما يصلي لنفسه سبعا من القرآن يقرأه بترتيل وتمهل مات بأصبهان في جمادى الآخرة من سنة ست وأربعين وأربعمائة
|