الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **
وخركوش بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء وضم الكاف ثم واو ساكنة ثم شين معجمة سكة بمدينة نيسابور أبو سعد ا لنيسابوري روى عن حامد بن محمد الرفاء ويحيى بن منصور القاضي وإسماعيل بن نجيد وأبي عمرو بن مطر وغيرهم روى عن الحاكم وهو أكبر منه والحسن بن محمد الخلال وعبد العزيز الأزجي وأبو علي التنوخي وعلي بن محمد الحنائي وأبو علي الإهوازي والحافظ أبو بكر البيهقي وأبو الحسين محمد بن المهتدي بالله وأحمد بن علي بن خلف الشيرازي وآخرون وكان فقيها زاهدا من أئمة الدين وأعلام المؤمنين ترتجى الرحمة بذكره قال فيه الحاكم إنه الواعظ الزاهد ابن الزاهد وإنه تفقه في حداثة سنة وتزهد وجالس الزهاد والمجردين إلى أن جعله الله خلف الجماعة ممن تقدمه من العباد المجتهدين والزهاد القانعين قال وتفقه على أبي الحسن الماسرجسي قال وجاور بحرم الله ثم عاد إلى وطنه نيسابور وقد أنجز الله له وعده على لسان نبيه ( إن الله إذا أحب عبدا نادى جبريل بذلك في السماء فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض ) فلزم منزله ومجلسه وبذل النفس والمال والجاه للمستورين من الغرباء والمنقطعين والفقراء حتى صار الفقراء في مجالسه كما حدثونا عن إبراهيم بن الحسين قال حدثنا عمرو بن عون قال حدثنا يحيى بن اليمان قال كان الفقراء في مجلس سفيان الثوري أمراء فقد وفقه الله لعمارة المسجد والحياض والقناطر والدروب وكسوة الفقراء العراة من الغرباء والبلدية حتى بنى دارا للمرضى بعد أن خربت الدور القديمة بنيسابور ووكل جماعة من أصحابه لتمريضهم وحمل ما بهم إلى الأطباء وشراء الأدوية تفقه على أبي إسحاق الشيرازي قال ابن السمعاني فقيه صالح دين ورع برع في الفقه وكانت له معرفة بالأدب وارتقت درجته وارتفعت روى عن أبي علي الحسن بن علي بن المذهب وغيره قلت وقد حج وأنفق مالا صالحا على المجاورين الفقراء بالحرمين وحكي أن الحاج عطشوا في تلك السنة فسألوه أن يستسقي لهم فتقدم وقال اللهم إنك تعلم أن هذا بدن لم يعصك قط في لذة ثم استسقى فسقي الناس مات في سنة ست وثمانين وأربعمائة وهو والد الإمام إسماعيل البوشنجي وعليه تفقه أبو سعد إسماعيل بن أبي صالح المؤذن ذكره عبد الغافر وقال فيه الفقيه الفاضل الورع الدين من وجوه الفقهاء والمدرسين والمناظرين والعاملين بعلمهم الجارين على منهاج السلف الصالحين في لزوم الفضل والاشتغال بالعلم ولزوم الفقر والقناعة تفقه على أبي إبراهيم الفقيه الضرير ثم قال توفي كهلا في سابع عشرى المحرم سنة ثمانين وأربعمائة وسعيد في كنيته بالياء أما أبو سعد بإسكان العين فذاك أخوه عبد الله كلاهما ولد الأستاذ أبي القاسم وشبل ذلك الأسد الذي تجم دونه الضراغم وقرة عين تلك الذات الطاهرة وأحد ولدين بل أحد ستة نجوم زاهرة ولد عبد الواحد سنة ثماني عشرة وأربعمائة قبل إمام الحرمين بسنة ونشأ في العلم والعبادة وأخذ حظا وافرا من الأدب وكان مداوما على تلاوة القرآن سمع الحديث من والده وأبي الحسن علي بن محمد الطرازي وأبي سعد عبد الرحمن ابن حمدان النصروي وأبي حسان محمد بن أحمد بن حعفر المزكي وأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن باكوية الشيرازي وأبي عبد الرحمن محمد بن عبد العزيز النيلي وأبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن يحيى المزكي وأبي نصر منصور بن رامش والقاضي أبي الطيب الطبري والقاضي أبي الحسن الماوردي وأبي بكر ابن بشران وأبي يعلى بن الفراء وخلق بنيسابور والري وبغداد وهمذان روى عنه ولده هبة الرحمن وأبو طاهر السنجي وغيرهما وكان سماعه من الطرازي حضورا في الرابعة أو نحوها ذكره عبد الغافر فقال ناصر السنة أوحد عصره فضلا ونفسا وحالا وبقية مشايخ العصر في الحقيقة والشريعة نشأ صبيا في عبادة الله تعالى وفي التعلم خطب المسلمين قريبا من خمس عشرة سنة ينشىء الخطب كل جمعة خطبة جديدة جامعة للفوائد معدودة من الفرائد انتهى قلت أظنه ولي خطابة الجامع المنيعي بنيسابور بعد موت إمام الحرمين فاستمر بها إلى أن مات وقال الإمام أبو بكر بن السمعاني والد الحافظ أبي سع فيه شيخ نيسابور علما وزهدا وورعا وصيانة لا بل شيخ خراسان وهو فاضل ملء ثوبه وورع ملء قلبه لم أر في مشايخي أورع منه وأشد اجتهادا انتهى وقال الحافظ أبو سعد كان ذا عناية بتقييد أنفاس والده وفوائده وضبط حركاته وسكناته وما جرى له في أحواله معنيا بحكايتها في مجالسه ومحاوراته حافظا للقرآن العظيم تلاء له يتلوه راكبا وماشيا وقاعدا صار في آخر عمره سيد عشيرته وحج مثنيا أي مرة ثانية بعد الثمانين وأربعمائة انتهى قلت وعاد إلى وطنه نيسابور وبقي بها منفردا عن أقرانه قائما بوظائف العبادة لا يفتر إلى أن توفي سنة أربع وتسعين وأربعمائة ودفن في مدرستهم عن أبيه وإخوته وجده لأمه أبي علي الدقاق
قال عبد الغافر عقد لنفسه مجلس الإملاء عشيات الجمع في المدرسة النظامية بنيسابور فكان يخرج مجالس الحديث ويتكلم على المتون فيستخرج المشكلات ويستنبط المعاني والإشارات ويزينها بالحكايات والأبيات وكان عقد مجلسه زمان الأستاذ زين الإسلام يعني أباه مقصورا على جواب السائل وروايات الأخبار وحكايات السلف والمشايخ من غير خوض في الطريقة ودقائقها والغوص في حقائقها احتراما لأيام الإمام انتهى ومن شعره يقول خليلي كفا عن عتابي فإنني ** خلعت عذاري في الهوى وعناني تصاممت عن كل الملام لأنني ** شغلت بما قد نابني وعناني ومنه لعمري لئن حل المشيب بمفرقي ** ورثت قوى جسمي ورق عظامي فإن عرام الشوق باق بحاله ** إلى الحشر منه لا يكون فطامي ومنه يا شاكيا فرقة شهر الصيام ** تفيض عيناه كفيض الغمام ذلك من أوصاف من لم يزل ** حضوره الباب بنعت الدوام دم حاضرا بالباب مستيقظا ** وكل شهر لك شهر الصيام يقال إنه من نسل جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله سمع أحمد بن سلمان النجاد وجعفر الخلدي ومحمد بن الحسن بن زياد النقاش وغيرهم قال الخطيب كتبت عنه وكان ثقة تقلد القضاء من قبل أبي علي التنوخي على دقوقا وخانيجار وذكر أنه تقلد أيضا قضاء جازر ثم عكبرى قال وسمعته أملى علي نسبه فقال أبي محمد بن عثمان بن إبراهيم بن محمد بن خالد بن إسحاق بن الزبرقان بن خالد بن عبد الملك بن جرير بن عبد الله البجلي قال وتوفي يوم الاثنين الرابع عشر من رجب سنة عشر وأربعمائة ودفن من الغد في مقبرة باب حرب الفقيه الفرضي قال الخطيب حدثنا عن المعافى الجريري وكان عارفا بالقراءات والفرائض حافظا لظاهر فقه الشافعي مات في ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وأربعمائة من أهل شيراز ذكره ولد ولده القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب الشيرازي في كتابه تاريخ الفقهاء وقال إنه توفي في سنة أربع عشرة وأربعمائة قال وفيها ولدت تلميذ الداركي وشيخ الشيخ أبي إسحاق الشيرازي ذكره في الطبقات وقال قرأ علي الداركي وعلى أبي الحسن بن خيران وسكن البصرة ودرس بها وكان فقيها أصوليا له مصنفات حسنة في الأصول انتهى وقال ابن النجار إنه سمع من الدارقطني وحدث بالبصرة وتوفي في شهر رمضان سنة ثلاثين وأربعمائة كان إليه قضاء الأهواز وكان له منزلة عند السلاطين مات يوم الجمعة حادي عشر ذي القعدة سنة ست وثلاثين وأربعمائة ترجمه ابن باطيش قال الخطيب سألته عن مولده فقال سنة أربع وستين وثلاثمائة وتفقه ببغداد على الشيخ أبي حامد الإسفرايني وسمع بالموصل من نصر بن أحمد بن الخليل المرجي وأبي نصر الملاحمي وابن حبابة والمخلص وأبي حفص الكتاني وغيرهم روى عنه الخطيب ووثقه وعبد العزيز الكتاني وغيرهما قال الخطيب مات بالرحبة وكان قد سكنها إلى أن توفي في سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة الذي يكثر الخطيب الرواية عنه ويعرف أيضا بابن السوادي ولد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة وحدث عن أبي بكر القطيعي وابن ماسي والعسكري وابن المظفر وخلق كثير قال الخطيب وكان أحد المعنيين بالحديث والجامعين له مع صدق واستقامة ودوام درس القرآن سمعنا منه المصنفات الكبار توفي في صفر سنة خمس وثلاثين وأربعمائة وقد بلغ ثمانين سنة بل جاوزها بعشرة أيام أبو محمد الكرخي المعروف بابن الرطبي أخو أحمد الذي قدمنا ذكره كان من أعيان الفقهاء تفقه على أبي إسحاق الشيرازي وولى قضاء شهراباذ والبندنيجين توفي سنة ثمان وثمانين وأربعمائة بالباء الموحدة من أهل بغداد كان فيها مقرئا سمع أبا بكر النجاد وأبا علي الصواف وأبا بكر الشافعي وغيرهم روى عنه البيهقي والثقفي وأبو بكر الخطيب وقال سمعنا منه بانتقاء ابن أبي الفوارس وكان فقيها ثقة مات سنة خمس عشرة وأربعمائة في صفر ببغدد أحد شيوخ العراق السائر ذكرهم سمع المحاملي ويوسف بن البهلول الأزرق وحضر مجلس أبي بكر الأنباري وقرأ القرآن على أحمد بن عثمان بن بويان وهو آخر من قرأ في الدنيا عليه وحدث عنه أبو محمد الخلال وعمر بن عبد الله البقال وأحمد بن علي بن أبي عثمان الدقاق وعلي بن أحمد بن البسري وعلي بن محمد بن محمد بن الأخضر الأنباري وآخرون وقرأ عليه القرآن نصر بن عبد العزيز الفارسي نزيل مصر وأبو علي الحسن ابن القاسم غلام الهراس والحسن بن علي العطار وغيرهم قال الخطيب كان ثقة ورعا دينا قال وحدثنا منصور بن عمر الفقيه قال لم أر في الشيوخ من يعلم لله غير أبي أحمد الفرضي قال وكان قد اجتمعت فيه أدوات الرياسة من علم وقرآن وإسناد وحالة متسعة من الدنيا وكان مع ذلك أورع الخلق وكان يقرأ الحديث علينا بنفسه وكنت أطيل القعود معه وهو على حالة واحدة لا يتحرك ولا يعبث بشيء وكنت أطيل القعود معه وهو على حالة واحدة لا يتحرك ولا يعبث بشيء ولم أر في الشيوخ مثله وقال العتيقي ما رأينا في معناه مثله وقال عبيد الله الأزهري فيه إمام الأئمة وقال عيسى بن أحمد الهمذاني كان أبو أحمد إذا جاء إلى الشيخ أبي حامد الإسفرايني قام من مجلسه ومشى إلى باب مسجده حافيا مستقبلا له قلت توفي في سنة ست وأربعمائة كان من أهل جيلان سمع أبا عثمان الصابوني وأبا حاتم محمود بن الحسن القزويني وأبا طالب ابن غيلان والقاضي أبا الطيب وأبا عبد الله محمد بن علي الصوري وإبراهيم ابن عمر البرمكي وخلقا سواهم روى عنه أبو الحسن بن الخل الفقيه وشهدة بنت الإبري وأبو علي بن سكرة وقال كان زاهدا متقللا من الدنيا وكان شيخ الوعاظ ومعلمهم الوعظ بتصانيفه وتدريسه قلت كان فقيها فاضلا فصيحا أصوليا متكلما صوفيا ومن نوادره أنه كان جيلانيا أشعري العقيدة وله تصانيف كثيرة وولي قضاء بغداد نيابة عن القاضي أي قاضي القضاة أبي بكر الشامي توفي في سابع عشر صفر سنة أربع وتسعين وأربعمائة ببغداد
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ومحمد بن محمد بن الحسن بن نباتة بقراءتي عليهما قالا أخبرنا علي بن أحمد العلوي أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد القطيعي أخبرنا الإمام أبو الحسن محمد بن المبارك بن الخل أخبرنا الإمام القاضي أبو المعالي عزيزي بن عبد الملك شيذلة قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي الفقيه أخبرنا أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن أيوب بن ماسي البزاز قراءة عليه حدثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله بن مسلم البصري حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام يعني الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ( لا يتقدمن أحدكم رمضان بيوم ولا يومين إلا أن يكون صوما كان يصومه رجل فليصم ذلك اليوم ) أخرجه البخاري ومسلم أخبرتنا أم عبد الله زينب بنت الكمال أحمد بن عبد الرحيم بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي قراءة عليها وأنا أسمع قالت أنبأنا الشيوخ الأربعة ابن الخير وابن السيدي وابن العليق وابن المني إجازة قالوا أنبأتنا شهدة بنت أحمد ابن الفرج الإبري سماعا قالت سمعت القاضي الإمام عزيزي بن عبد الملك من لفظه في سنة تسعين وأربعمائة يقول اللهم يا واسع المغفرة ويا باسط اليدين بالرحمة افعل بي ما أنت أهله إلهي أذنبت في بعض الأوقات وآمنت بك في كل الأوقات فيكف يغلب بعض عمري مذنبا جميع عمري مؤمنا إلهي لو سألتني حسناتي لجعلتها لك مع شدة حاجتي إليها وأنا عبد فكيف لا أرجو أن تهب لي سيئاتي مع غناك عنها وأنت رب فيامن أعطانا خير ما في خزائنه وهو الإيمان به قبل السؤال لا تمنعنا أوسع ما في خزائنك وهو العفو مع السؤال إلهي حجتي حاجتي وعدتي فاقتي فارحمني إلهي كيف أمتنع بالذنب من الدعاء ولا أراك تمنع مع الذنب من العطاء فإن غفرت فخير راحم أنت وإن عذبت فخير ظالم أنت إلهي أسألك تذللا فأعطني تفضلا بضم النون نزيل بغداد حدث عن أحمد بن محمد بن العباس الأسفاطي وأحمد بن عبيد الله النهرديري ومحمد بن عدي بن زحر وعلي بن عمر الحربي قال الخطيب كتبت عنه وكان حافظا عارفا متكلما شاعرا وقد حدثنا عنه أبو بكر البرقاني بحديث وسمعت الأزهري يقول وضع النعيمي على ابن المظفر حديثا ثم بينه أصحاب الحديث له فخرج من بغداد لهذا السبب فغاب حتى مات ابن المظفر ومات من عرف قصته في الحديث ووضعه ثم عاد إلى بغداد سمعت أبا عبد الله الصوري يقول لم أر ببغداد أكمل من النعيمي كان قد جمع معرفة الحديث والكلام والأدب قال وكان البرقاني يقول هو كامل في كل شيء لولا بأو فيه قال النووي البأو بباء موحدة بعدها همزة هو العجب وقال أبو إسحاق الشيرازي درس بالأهواز وكان فقيها عالما بالحديث متكلما متأدبا مات في مستهل ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة قال شيخنا الذهبي وكان في عشر الثمانين وكان يحدث من حفظه قال وتلك الهفوة يعني التي حكاها الخطيب عن الأزهري كانت في شبيبته وتاب ومن شعره السائر إذا أظمأتك أكف اللئام ** كفتك القناعة شبعا وريا فكن رجلا رجله في الثرى ** وهامة همته في الثريا أبيا لنائل ذي ثروة ** تراه بما في يديه أبيا فإن إراقة ماء الحياة ** دون إراقة ماء المحيا سكن بخارى قال ابن السمعاني كان إماما فاضلا عارفا بمذهب الشافعي تفقه على الإمام أبي القاسم الفوراني وأبي سهل أحمد بن علي الأبيوردي وغيرهما روى لنا عنه أبو عمرو عثمان بن علي البيكندي ومات ببخارى في رمضان سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة قال الإمام أبو حفص عمر النسفي الحنفي كان من كبار أئمة الحديث بسمرقند قال ابن الصلاح يعني أئمة الشافعية على قاعدة عرف أهل تلك البلاد إذا أطلق أهل الحديث لا يراد غير الشافعية قال النسفي وكان الإستراباذي مجتهدا بمرو وكان يكتب عامة النهار وهو يقرأ القرآن ظاهرا وكان لا يمنعه أحد الأمرين عن الآخر وكان إذا دخل عليه أحد فأكثر قطع كلامه وجعل يقرأ القرآن وكان سأل الله تعالى في الكعبة كمال القدرة على قراءة القرآن وإتيان النسوان فاستجيب له الدعوتان قال النسفي وحدث سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة وكان له الدرس والفتوى ومجلس النظر والتوسط ومع ذلك كان يختم كل يوم ختمة وقال الإمام ناصر العمري ما رأيت مثل الحاكم أبي الحسن في فضله وزهده أبو الحسن من أولاد التجار أصله من ساوة وله أخ اسمه عبد الرحمن قد تفقه وحدث أيضا كان الأستاذ أبو الحسن واحد عصره في التفسير لازم أبا إسحاق الثعلبي المفسر وأخذ العربية عن أبي الحسن القهندزي الضرير واللغة عن أبي الفضل أحمد بن محمد بن يوسف العروضي صاحب أبي منصور الأزهري ودأب في العلوم وسمع أبا طاهر بن محمش الزيادي وأبا بكر أحمد بن الحسن الحيري وأنا إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ وعبد الرحمن بن حمدان النصروي وأحمد بن إبراهيم النجار وخلقا روى عنه أحمد بن عمر الأرغياني وعبد الجبار بن محمد الخواري وطائفة من العلماء صنف التصانيف الثلاثة في التفسير البسيط والوسيط والوجيز وصنف أيضا أسباب النزول والتحبير في شرح الأسماء الحسنى وشرح ديوان المتنبي وكتاب الدعوات وكتاب المغازي وكتاب الإعراب في علم الإعراب وكتاب تفسير النبي وكتاب نفي التحريف عن القرآن الشريف وله شعر مليح قال أبو سعد بن السمعاني في كتاب التذكرة كان الواحدي حقيقا بكل احترام وإعظام لكن كان فيه بسط اللسان في الأئمة المتقدمين حتى سمعت أبا بكر أحمد بن محمد بن بشار بنيسابور مذاكرة يقول كان علي بن أحمد الواحدي يقول صنف أبو عبد الرحمن السلمي كتاب حقائق التفسير ولو قال إن ذلك تفسير للقرآن لكفر به توفي بنيسابور في جمادى الآخرة سنة ثمان وستين وأربعمائة قال الواحدي في الوسيط في تفسير سورة القتال عند الكلام على قوله تعالى بطيزناباذ كرم ما مررت به ** إلا تعجبت ممن يشرب الماء فهتف بي هاتف أسمع صوته ولا أراه وفي الجحيم حميم لا تجرعه ** حلق فأبقى له في البطن أمعاء وقال في تفسير أرى الموت لمن أصبح ** مغموما له أروح فلما جن الليل سمعت هاتفا يهتف في الهواء ألا يا أيها المرء الذي ** الهم به برح وقد أنشد بيتا لم ** يزل في فكره يسبح إذا اشتد بك العسر ** ففكر في ألم نشرح فعسر بين يسرين ** إذا أبصرته فافرح صاحب كتاب أدب القضاء رأيت على نسخة من كتابه تكنيته بأبي إسحاق وعلى أخرى بأبي الحسن وقد انبهم علي أمر هذا الشيخ والذي على الألسنة أنه الزبيلي بفتح الزاي ثم باء موحدة مكسورة ورأيت من يشك في ذلك ويقول لعله الدبيلي بفتح الدال بعدها باء موحدة مكسورة ثم آخر الحروف ياء ساكنة ويدل لذلك أني رأيت على بعض نسخ كتابه أنه سبط المقري ولهم أبو عبد الله الدبيلي بالدال مقرىء الشام وأحمد بن محمد الرازي كلاهما في حدود الثلاثمائة ولعله سبط الأول وأرى أن هذا الشيخ في هذه المائة لأني وجدته يروي في أدب القضاء عن بعض أصحاب الأصم فروى الكثير من مسند الشافعي عن أبي الحسن عن ابن هارون بن بندار الجويني عن أبي العباس الأصم وروى أيضا عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن موسى الوتار الدبيلي وآخرين وهذا الكتاب هو الذي حكى عنه ابن الرفعة أن الموكل يقف مع وكيله في مجلس القضاء وقد رأيته فيه وعبارته وإن كان أحد الخصمين وكل وكيلا يتكلم عنه وحضر مجلس القاضي فيجب أن يكون الوكيل والموكل والخصم يجلسون بين يديه ولا يجوز أن يجلس الموكل بجنب القاضي ويقول وكيلي جالس مع خصمي ثم ساق بإسناده إلى الشعبي أن عمر بن الخطاب تحاكم وهو على خلافته هو وأبي بن كعب فذكر ما ليس صريحا فيما رامه غير أن الحكم الذي ذكره هو الوجه ولا بد أن يكون مبنيا على وجه التسوية وهو فقه حسن لا يعرف في المذهب خلافه وقد وافق عليه الوالد وترجمه بأن الموكل هو المحكوم له أو عليه وهو الذي يحلف ويستوفى منه الحق قلت وقريب من ذلك أن يكون أحد الخصمين من سفلة الناس الذين عادة مثلهم الوقوف بين يدي القاضي دون ا لجلوس وجرت عادة الحكام في هذا إذا تحاكم مع رئيس أن يجلسوه معه وهذه يحتمل بأن يقال هذا حسن لأن الشرع قد سوى بينهما فليستويا في مجلس التحاكم ولا يضر معرفة الناس بأنه لولا المحاكمة لما جالس بينهما ويحتمل أن يقال بل ينبغي أن يتعين إيقاف الرئيس معه لأن إجلاس السافل مع الرئيس اعتناء بالرئيس في الحقيقة إلا أن يقال إن أل الوقوف بدعة فيفرض في رئيس بمجلس بالبعد من الحاكم ورئيس بمجلس الرياسة ويصنع مثل هذا الصنع وأنا أجد نفسي تنفر حين إجلاس المرءوس وتجنح إلى إيقاف الرئيس أو إخلاء مجلس المرءوس فلينظر هذا فإني لم أجد فيه شفاء للغليل من منقول ولا معقول وقال الدبيلي إذا حضرت امرأة إلى القاضي ووليها غائب مسافة القصر فأذنت في تزويجها من رجل بعينه أجابها ولم يسأل عن كونه كفؤا لأن الحق لها وقد رضيت فإذا حضر وليها ولم يكن الزوج دخل بها فله الفسخ وجزم بالوجه المشهور الذاهب إلى أن القاضي إذا فسق ثم تاب رجع إلى ولايته من غير تجديد ولاية وأفاد أن ذلك مقيد بما إذا لم يول غيره لتضمن ولاية غيره عزلة وهذا حسن فلا يتجه أن يكون موضع الخلاف إلا إذا لم يول غيره وهو قضية كلامهم وإن لم يصرحوا به تصريحا قال الدبيلي وإن كان فسقه قد يعلمه الناس نفذت أقضيته وصحت مع مشقة غير أنه آثم في نفسه وحكى وجها فيمن عمل من الثريد خمرا وأكله أنه لا يجب عليه الحد والمجزوم به في الرافعي وغيره الوجوب وقال إن الخلاف في أن عمد الصبي والمجنون عمد أو خطأ إنما هو في الجنايات التي تلزم العاقلة ومن ثم إذا أتلفا شيئا كان الغرم عليهما ولا يخرج على الخلاف قلت الخلاف في أن عمدهما عمد خطأ لا يختص بالجنايات التي تلزم العاقلة لأنهم أجروه فيما لو تطيب الصبي أو المجنون في الإحرام أو لبس أو جامع وكذا لو حلق أو قلم أو قتل صيدا عامدا وقلنا يفترق حكم العمد والسهو فيها وكل ذلك مما لا مدخل لعاقلة فيه فالخلاف في أن عمدهما عمد يعم كل ما يفترق الحال فيه بين العمد والخطأ ومن ثم لا مما ذكره الدبيلي وجب في ما لهما ضمان المتلفات أسلم في رطب حالا في وقت لا يوجد فيه بطل وقيل يصح وللمسلم الفسخ إن شاء أو يصبر وكلاهما كالقولين فيما لو انقطع المسلم فيه أسلم في ثوب طوله عشرة أذرع فجاء به أحد عشر وجب قبوله بخلاف ما لو كان خشبة لإمكان قطع الثوب بلا مشقة وقبوله الزائد لا يضره أوصى له بسالم وله عبيد اسم كل واحد منهم سالم ومات قيل تبطل الوصية للجهل وقيل يعين الوارث ولو أوصى بعتق سالم والمسألة بحالها فالقرعة وحكى في تقويم المتلفات وجها أنه لا يقبل فيه شاهد وامرأتان ولا شاهد ويمين واستدل على أن الإجماع حجة بقوله تعالى أحد الأئمة وقفت له على كتابين أحدهما كتاب أدب الجدل وفيه غرائب من أصول الفقه وغيره والآخر في الرد على المعتزلة وبيان عجزهم وأحسب أنه في حدود الأربعمائة إن لم يكن قبلها بيسير فبعدها بيسير والله تعالى أعلم أبو الحسن شارح المفتاح وفيما رأيته بخط ابن الصلاح في المجموع الذي انتقيت منه مما نقله من هذا الكتاب قال ابن سريج الشريعة تقتضي أنه ليس في باطن الإنسان نجاسة قلت ومسألة الخيط وقول الأصحاب فيه إذا كان متصلا بالنجاسة إلى آخر ما ذكروه ينازع في هذا قال الدليل على قتل تارك الصلاة قوله تعالى وزير القائم بأمر الله أمير المؤمنين لقبه القائم رئيس الرؤساء شرف الوزراء جمال الورى وقد حكى عنه الشيخ أبو إسحاق حكاية ولقبه بهذا اللقب وتلك منقبة ولد في شعبان سنة سبع وتسعين وثلاثمائة سمع إسماعيل بن الحسن بن هشام الصرصري وأبا أحمد الفرضي وغيرهما وروى عنه الخطيب وكان خصيصا به وقال كتبت عنه وكان ثقة قد اجتمع فيه من الآلات ما لم يجتمع في أحد قبله مع سداد مذهب وحسن اعتقاد ووفور عقل وأصالة رأي قال وسمعته يقول رأيت في المنام وأنا حدث كأني أعطيت شبه النبقة الكبيرة وقد ملأت كفي وألقي في روعي أنها من الجنة فعضضت منها عضة ونويت بذلك حفظ القرآن وعضضت أخرى ونويت درس الفقه وعضضت أخرى ونويت درس الفرائض وعضضت أخرى ونويت درس النحو وعضضت أخرى ونويت درس العروض فما من علم من هذه العلوم إلا وقد رزقني الله منه نصيبا قال الخطيب قتل الوزير ابن المسلمة في يوم الاثنين الثامن والعشرين من ذي الحجة سنة خمسين وأربعمائة قتله أبو الحارث البساسيري التركي وصلبه ثم قتل البساسيري وطيب برأسه ببغداد في يوم الخامس عشر من ذي الحجة سنة إحدى وخمسين
كان هذا الوزير قد ارتفعت درجته وتمكن من قلب الخليفة وكان السلطان في ذلك الوقت الملك الرحيم ابن بويه ففي سنة ثمان وأربعين وأربعمائة وهي ابتداء الدولة السلجوقية سقى الله عهدها ضعف أمر الملك الرحيم لاستيلاء أبي الحارث أرسلان التركي المعروف بالبساسيري والبساسيري بفتح الباء الموحدة وألف بين سينين مهملتين أولاهما مفتوحة وأخراهما مكسورة بعدها آخر الحروف ساكنة وفي آخرها الراء نسبة إلى قرية بفارس يقال لها بسا وبالعربية فسا والنسبة إليهما بالعربية فسوي ولكن أهل فارس يقولون البساسيري وكان هذا البساسيري يتحكم على القاسم بأمر الله واستفحل أمره ولم يبق للملك الرحيم معه إلا مجرد الاسم ثم عن له الخروج على الخليفة بأسباب أكدها مكاتبات المستنصر العبيدي له من مصر فبلغ ذلك القائم فكاتب السلطان طغرلبك بن ميكائيل بن سلجوق يستنجد به على البساسيري ويعده بالسلطنة ويحضه على القدوم وكان طغرلبك بالري وقد استولى على الممالك الخراسانية وغيرها وكان البساسيري يومئذ بواسط ومعه أصحابه ففارقه طائفة منهم ورجعوا إلى بغداد فوثبوا على دار البساسيري فنهبوها وأحرقوها وذلك برأي رئيس الرؤساء وسعيه وكان رئيس الرؤساء هو القائم عند القائم في إبعاد البساسيري وهو الذي أعلمه بأنه يكاتب المصريين ويكاتبونه فقدم السلطان طغرلبك في رمضان بجيوشه فذهب البساسيري من العراق وقصد الشام ووصل إلى الرحبة وكاتب المستنصر العبيدي الشيعي الرافضي صاحب مصر واستولى على الرحبة وخطب للمستنصر بها فأمده المستنصر بالأموال وأما بغداد فخطب بها للسلطان طغرلبك بعد القائم ثم ذكر بعده الملك الرحيم وذلك بشفاعة القائم فيه إلى طغرلبك ثم إن السلطان قبض على الملك الرحيم بعد أيام وقطعت خطبته في سلخ رمضان وانقرضت دولة بني بويه وكانت مدتها مائة وسبعا وعشرين سنة وقامت دولة بني سلجوق فسبحان مبدي الأمم ومبيدها ودخل طغرلبك بغداد في جمع عظيم وتجمل هائل ودخل معه ثمانية عشر فيلا ونزل بدار المملكة وكان قدومه في الظاهر أنه أتى من غزو الروم إلى همذان فأظهر أنه يريد الحج وإصلاح طريق مكة والمضي إلى الشام من الحج ليأخذها ويأخذ مصر ويزيل دولة الشيعة بها فراج هذا على عامة الناس وكان رئيس الرؤساء يؤثر تملكه وزوال دولة بني بويه فقدم الملك الرحيم من واسط وراسلوا طغرلبك بالطاعة واستمر أمر طغرلبك في ازدياد إلى سنة خمسين وأربعمائة توجه إلى رحبة الموصل ونصيبين وغيرهما واشتغل بحصار طائفة عصت عليه وسلم مدينة الموصل إلى أخيه إبراهيم ينال وتوجه ليفتح الجزيرة فراسل البساسيري إبراهيم ينال أخا السلطان يعده ويمنيه ويطمعه في الملك فأصغى إليه وخالف أخاه وسار في طائفة من العسكر إلى الري فانزعج السلطان وسار وراءه وترك بعض العسكر بديار بكر مع زوجته ووزيره عميد الملك الكندري وربيبه أنوشروان فتفرقت العساكر وعادت زوجته الخاتون إلى بغداد فأما السلطان فالتقى هو وأخوه فظهر عليه أخوه فدخل السلطان همذان فنازله أخوه وحاصره فعزمت الخاتون على إنجاد زوجها واختبطت بغداد واستفحل البلاء وقامت الفتنة على ساق وتم للبساسيري ما دبر من المكر وأرجف الناس بمجيء البساسيري إلى بغداد ونفر الوزير الكندري وأنو شروان إلى الجانب الغربي وقطعا الجسر ونهبت الغر دار الخاتون وأكل القوي الضعيف ثم دخل البساسيري بغداد في ثامن ذي القعدة بالرايات المستنصرية عليها ألقاب المستنصر فمال إليه أهل باب الكرخ لرفضهم وفرحوا به وتشفوا بأهل السنة وشمخت أنوف الرافضة وأعلنوا بالأذان بحي على خير العمل واجتمع الفريقين في السفن أربعة أيام إلى القائم بأمر الله وقاتلوا معه ونشبت الحرب بين الفريقين في السفن أربعة أيام وخطب يوم الجمعة ثالث عشر ذي القعدة ببغداد للمستنصر العبيدي بجامع المنصور وأذنوا عن القائم بحي على خير العلم وعقد الجسر بدران أمير العرب وكان مع البساسيري فأجاره ومن معه وأخرجه إلى مخيمه وقبض البساسيري على وزير القائم رئيس الرؤساء أبي القاسم بن المسلمة وقيده وشهره على جمل عليه طرطور وعباءة وجعل في رقبته قلائد كالمسخرة وطيف به في الشوارع وخلفه من يصفعه ثم سلخ له ثور وألبس جلده وخيط عليه وجعلت قرون الثور بجلدها في رأسه ثم علق على خشبة وعمل في فيه كلابان ولم يزل يضطرب حتى مات ونصب للقائم خيمة صغيرة بالجانب الشرقي في المعسكر ونهبت العامة دار الخلافة وأخذوا منها أموالا جزيلة فلما كان يوم الجمعة رابع ذي الحجة لم تصل الجمعة بجامع الخليفة وخطب بسائر الجوامع للمستنصر وقطعت الخطبة العباسية بالعراق ثم حمل القائم بأمر الله إلى حديثة عانة فاعتقل بها وسلم إلى صاحبها مهارش وذلك لأن البساسيري وقريش من بدران اختلفا في أمره ثم وقع اتفاقهما على أن يكون عند مهارش إلى أن يتفقا على ما يفعلان به ثم جمع البساسيري القضاة والأشراف وأخذ عليهم البيعة للمستنصر صاحب مصر فبايعوا قهرا ولا قوة إلا بالله وكان ذلك بسوء تدبير حاشية الخليفة القائم واستعجالهم على الحرب ولو طاولوا حتى ينجدهم طغرلبك لما تم ذلك على ما قيل وذكر أن رئيس الرؤساء كان لا يدري الحرب وكان الأمر بيده فلم يحسن التدبير ثم لما انهزموا لم يشتغل بنفسه بل بالخليفة فإنه صالح يا علم الدين يعني قريشا أمير المؤمنين يستدنيك فدنا منه فقال قد أنالك الله منزلة لم ينلها أمثالك أمير المؤمنين يستذم منك على نفسه وأصحابه بذمام الله وذمام رسوله وذمام العرب فقال قد أذم الله تعالى له قال ولي ولمن معه قال نعم وخلع قلنسوته فأعطاها للخليفة وأعطى رئيس الرؤساء مخصرة ذماما فنزل إليه الخليفة ورئيس الرؤساء فسارا معه فأرسل إليه البساسيري أتخالف ما استقر بيننا واختلفا ثم اتفقا على أن يسلم إليه رئيس الرؤساء ويترك الخليفة عنده وسار حاشية الخليفة على حامية إلى السلطان طغرلبك بالخير مستفزين له ثم أرسل البساسيري رسله بالبشارة إلى صاحب مصر وإعلامه الخبر وكان وزير مصر أبا الفرج ابن أخي أبي القاسم المغربي وكان سنيا وهو ممن هرب من البساسيري فذم فعله وخوف من سوء عاقبته فتركت أجوبته مدة ثم عادت بغير الذي أمله وصار البساسيري إلى واسط والبصرة فملكها وخطب للمصريين وأما طغرلبك فكان مشغولا بأخيه إلى أن انتصر عليه وقتله وكر راجعا إلى العراق وقد بلغه الأخبار فجاء ليس لههم إلا إعادة الخليفة إلى رتبته فلما وصل إلى العراق وكان وصوله إليها في سنة إحدى وخمسين وأربعمائة هرب جماعة البساسيري وانهزم أهل الكرخ وكانت مدة أيام البساسيري سنة كاملة ثم بعث السلطان الإمام أبا بكر أحمد بن محمد بن أيوب بن فورك إلى قريش ليبعث معه أمير المؤمنين ويشكره على ما فعل فكان رأيه أن يأخذ الخليفة ويدخل به البرية فلم يوافقه مهارش بل سار بالخليفة فلما سمع السلطان طغرلبك بوصور الخليفة إلى بلاد بدر بن مهلهل أرسل وزيره عميد الملك الكندري والأمراء والحجاب بالسرادقات العظيمة والأهبة التامة فوصلوا وخدموا الخليفة فوصل النهروان في رابع عشرى ذي القعدة وبرز السلطان إلى خدمته وقبل الأرض وهنأه بالسلامة واعتذر عن تأخره بعصيان أخيه وأن قتله عقوبة لما جرى منه من الوهن على الدولة العباسية وقال أنا أمضي خلف هذا الكلب يعني البساسيري إلى الشام وأفعل في حق صاحب مصر ما أجازى به فقلده الخليفة سيفا كان في يده وقال لم يبق مع أمير المؤمنين من داره سواه فنزل به أمير المؤمنين وكشف غشاء الخركاه حتى رآه الأمراء فخدموه ودخل بغداد وكان يوما مشهودا ثم جهز السلطان عسكرا خلف البساسيري فثبت لهم البساسيري وقاتل إلى أن جاءه سهم ضربه به قريش فوقع فنزل إليه دوادار عميد الملك فحز رأسه وحمل عل رمح إلى بغداد وطيف به ثم علق في السوق العبد الصالح موصلي الأصل مصري الدار ولد بمصر في أول سنة خمس وأربعمائة وسمع أبا محمد عبد الرحمن بن عمر النحاس وأبا العباس أحمد بن محمد بن الحاج الإشبيلي وأبا الحسن الحصيب بن عبد الله بن محمد القاضي وأبا سعد أحمد بن محمد الماليني وأبا عبد الله بن نظيف الفراء وجماعة روى عنه الحميدي ومات قبله بمدة وأبو علي بن سكرة وأبو الفضل بن طاهر المقدسي وأبو الفتح سلطان بن إبراهيم الفقيه وخلق سواهم آخرهم عبد الله بن رفاعة السعدي خادمه وكان أعني الخلعي مسند ديار مصر في وقته قال فيه ابن سكرة فقيه له تصانيف ولي القضاء وحكم يوما واحد واستعفى وانزوى بالقرافة وكان مسند مصر بعد الحبال قلت وقفت له قديما على كتاب في الفقه وسمه بالمغنى بين البسط والاختصار وقال أبو بكر بن العربي شيخ معتزل بالقرافة له علو في الرواية وعنده فوائد وقيل كان يبيع الخلع لأولاد الملوك بمصر وكان رجلا صالحا مكينا قيل كان يحكم بين الجن وأنهم أبطأوا عليه قدر جمعة ثم أتوه وقالوا كان في بيتك شيء من هذا الأترج ونحن لا ندخل مكانا يكون فيه وعن أبي الفضل الجوهري الواعظ كنت أتردد إلى الخلعي فقمت في ليلة مقمرة ظننت أن الفجر قد طلع فلما جئت باب مسجده وجدت فرسا حسنة على بابه فصعدت فوجدت بين يديه شابا لم أر أحسن منه يقرأ القرآن فجلست أسمع إلى أن قرأ جزءا ثم قال للشيخ آجرك الله فقال له نفعك الله ثم نزل فنزلت خلفه من علو المسجد فلما استوى على الفرس طارت به فغشي علي من الرعب والقاضي يصيح بي اصعد يا أبا الفضل فصعدت فقال هذا من مؤمني الجن الذين آمنوا بنصيبين وإنه يأتي في الأسبوع مرة يقرأ جزءا ويمضي وقال ابن الأنماطي قبر الخلعي بالقرافة يعرف بقبر قاضي الجن والإنس ويعرف بإجابة الدعاء عنده وقال أبو الحسن علي بن أحمد العابد سمعت الشيخ بن نحيساه قال كنا ندخل على القاضي أبي الحسن الخلعي في مجلسه فنجده في الشتاء والصيف وعليه قميص واحد ووجهه في غاية الحسن لا يتغير من البرد ولا من الحر فسألته عن ذلك وقلت يا سيدنا إنا لنكثر من الثياب في هذه اليام وما يغني ذلك عنا من شدة البرد ونراك على حالة واحدة في الشتاء والصيف لا تزيد على قميص واحد فبالله يا سيدي أخبرني فتغير وجهه ودمعت عيناه ثم قال أتكتم علي قلت نعم قال غشيتني حمى يوما فنمت في تلك الليلة فهتف بي هاتف ناداني باسمي فقلت لبيك داعي الله فقال لا بل قل لبيك ربي الله ما تجد من الألم فقلت إلهي وسيدي ومولاي قد أخذت مني الحمى ما قد علمت فقال قد أمرتها أن تقلع عنك فقلت إلهي والبرد أيضا فقال قد أمرت البرد أيضا أن يقلع عنك فلا تجد ألم البرد لا الحر قال فوالله ما أحس ما أنتم فيه من الحر ولا من البرد قال ابن الأكفاني توفي في سادس عشرى ذي الحجة سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة كان مشهورا بالفضل والنبل حسن المعرفة بالفقه والأدب تفقه ببغداد على القاضي أبي الطيب وسمع من أبي الحسن علي بن عمر القزويني والحسن بن محمد الخلال وغيرهما وهذا هو والد الميانجي الذي سافر مع الشيخ أبي إسحاق إلى بلاد العجم وقد وقع الوهم وظن أن المسافر في خدمة الشيخ إنما هو هذا نفسه وليس كذلك وقد وقع التنبيه على هذا من قبل في ترجمة ولده وإلى هذا كتب الشيخ أبو إسحاق كتاب صفته كتابي أطال الله بقاء سيدنا قاضي القضاة الأجل العالم الأوحد وأدام علوه وتمكينه ورفعته وبسطته وكبت أعداءه وحساده من بغداد ونعم الله تعالى متوالية وله الحمد ومنذ مدة لم أقف على كتاب وأنا متوقع لما يرد من جهته لأسر به وأسكن إليه وكتب عنوانه شاكره والمفتخر به والداعي له إبراهيم بن علي الفيروزاباذي قال ابن السمعاني قتل القاضي الميانجي في مسجده في صلاة الصبح في شوال سنة إحدى وسبعين وأربعمائة مصنف دمية القصر وباخرز ناحية من نواحي نيسابور تفقه على الشيخ ذيل علي يتيمة الثعالبي تفقه على الشيخ أبي محمد الجويني ثم أخذ في الأدب وتنقلت به الأحوال إلى أن قتل بباخرز في ذي القعدة سنة سبع وستين وأربعمائة ومن شعره يا فالق الصبح من لألاء غرته ** وجاعل الليل من أصداغه سكنا بصورة الوثن استعبدتني وبها ** فتنتني وقديما هجت لي شجنا لا غرو أن أحرقت نار الهوى كبدي ** فالنار حق على من يعبد الوثنا وقال أيضا عجبت من دمعتي وعيني ** من قبل بين وبعد بين قد كان عيني بغير دمع ** فصار دمعي بغير عين وقال أيضا أصبحت عبدا لشمس ** ولست من عبد شمس إني لأعشق ستي ** وحق من شق خمسي له مختصر الكفاية في خلافيات العلماء وقد وقفت عليها بخطة من بنى عبد الدار ومن أهل ميورقة من بلاد الأندلس كان رجلا عالما مفتيا عارفا باختلاف العلماء أخذ عن أبي محمد بن حزم الظاهري وأخذ عنه ابن حزم أيضا ثم جاء إلى المشرق وحج ودخل بغداد وترك مذهب ابن حزم وتفقه للشافعي على أبي إسحاق الشيرازي وبعده على أبي بكر الشاشي وسمع الحديث من القاضي أبي الطيب الطبري والقاضي أبي الحسن الماوردي وأبي محمد الحسن بن علي الجوهري وغيرهم وحدث باليسير روى عنه أبو القاسم بن السمرقندي وأبو الفضل محمد بن محمد بن عطاف وسعد الخير بن محمد الأنصاري وغيرهم توفي ببغداد يوم السبت سادس عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة حدث عن إسماعيل الصفار توفي يوم الأحد لثلاث بقين من ذي القعدة سنة أربع وأربعمائة من أهل نيسابور قال السمعاني كان إماما فاضلا زاهدا حسن السيرة مرضي الطريقة جميل الأثر عارفا بالتفسير قال وجمع كتاب في التفسير وجمع شيئا سماه زاد الحاضر والبادي وكتاب مكارم الأخلاق سمع أبا عثمان الصابوني وأبا عثمان البحيري وأبا القاسم القشيري وأبا صالح المؤذن وعبد الغافر الفارسي وخلقا توفي في ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وأربعمائة أخو إبراهيم وأحمد وكان علي أصغرهم سمع أبا الفتح القواس وأبا الحسين بن سمعون وأبا القاسم بن حبابة والمعافى بن زكريا ومحمد بن عبد الله بن أخي ميمي قال الخطيب كتبت عنه وكان ثقة وسألته عن مولده فقال في سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة ودرس على أبي حامد الإسفرايني مذهب الشافعي وتوفي في يوم الثلاثاء ثامن ذي الحجة سنة خمسين وأربعمائة أحد أولياء الله المكاشفين بالأسرار المتكلمين على الخواطر تفقه على الداركي قال الخطيب كتبنا عنه وكان أحد الزهاد المذكورين ومن عباد الله الصالحين يقرأ القرآن ويروي الحديث ولا يخرج من بيته إلا للصلاة وكان وافر العقل صحيح الرأي رحمة الله عليه قال لي ولدت سنة ستين وثلاثمائة قلت سمع أبا حفص بن الزيات والقاضي أبا الحسن الجراحي وأبا عمر ابن حيويه وأبا بكر بن شاذان وطبقتهم روى عنه أبو علي أحمد بن محمد البرداني وأبو سعد أحمد بن محمد بن شاكر الطرسوسي وجعفر بن أحمد السراج والحسن بن محمد بن إسحاق الباقرحي وأبو منصور أحمد بن محمد الصيرفي وعلي بن عبد الواحد الدينوري وهبة الله بن أحمد الرحبي وغيرهم وله مجالس مشهورة يرويها النجيب الحراني وقد أطال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح ترجمة هذا الشيخ في كتابه ليس في كتابه ترجمة أطول منها لأنه انتخب فيها نبذا من كتاب جمعه أبو نصر هبة الله ابن علي بن المجلي في أخبار ابن القزويني وفضائله فمنه أن جميع الناس في عصره أجمعوا مع اختلاف آرائهم وتشعب أنحائهم على حسن معتقد هذا الشيخ وزهده وورعه وعن أحمد بن محمد الأمين وكان ممن استملى على ابن القزويني ما كان أبو الحسن يخرج المجلس لنفسه عن شيوخه ولا يدع أحدا يخرجه إنما كان يدخل إلى منزله وأي جزء وقع بيده خرج به وأملى منه عن شيخ واحد جميع المجلس ويقول حديث رسول الله ينتقى وكان أكثر أصوله بخطه وقال القاضي أبو الحسن البيضاوي حدثني أبي أبو عبد الله البيضاوي قال كان ثقة يتفقه معنا على الداركي وهو حديث السن وكان حسن الطريقة ملازما للصمت قل أن يتكلم فيما لا يعنيه ومضى على ذلك سنون ولم أجتمع به فلما كان يوم شيعت جنازة إلى باب حرب ثم رجعت من الجنازة فدخلت مسجدا في الحربية صليت فيه جماعة فافتقدت الإمام فإذا به أبو الحسن بن القزويني فسلمت عليه وقلت من تلك السنين ما رأيناك فقال تفقهنا جميعا وكل بعد ذلك سلك طريقا أو كما قال وعن ابن القزويني أنه سمع الشاة تذكر الله تعالى سمعها تقول لا إله إلا الله وكان جالسا في منزله يتوضأ لصلاة العصر فقال لأهل داره لا تخرج هذه الشاة غدا إلى الرعي فأصبحت ميتة وعن بعضهم مضيت لزيارة قبر ابن القزويني فخطر لي ما يذكر الناس عنده من الكرامات فقلت ترى أيش منزلته عند الله تعالى وعلى قبره مصاحف فحدثتني نفسي بأخذ واحد منها وفتحه فأي شيء كان في أول ورقة من القرآن فهو فيه ففتحته فكان في أول ورقة منه وقال أبو محمد الدهان اللغوي كنت ممن يقرأ على ابن القزويني فقلت يوما في نفسي أريد أن أسأله من أي شيء يأكل وأسأله أن يطعمني منه فلما جلست بين يديه قرأت ثم هممت أن أسأله فلحقني له هيبة عظيمة فنهضت فأمرني بالجلوس فجلست إلى أن فرغ من الإقراء ثم قال بسم الله فقمت معه فأدخلني داره وأخرج إلي رغيفين سميذا وبينهما عدس ورغيفين وبينهما تمر أو تين وقال كل فمن هذا نأكل وعن القاضي الماوردي صليت يوما خلف ابن القزويني فرأيت عليه قميصا أنقى ما يكون من الثياب وهو مطرز فقلت في نفسي أين الطرز من الزهد فلما قضى صلاته قال سبحان الله الطرز لا ينقص أحكام الزهد الطرز لا ينقص أحكام الزهد مرتين أو ثلاثا وعن أبي بكر محمد بن الحسين القزاز قال كان ينزل بنهر طابق رجل صالح زاهد على طريقة حسنة يلبس الصوف ويأكل الشعير بالملح الجريش وكان يبلغه أن ابن القزويني يأكل طيب الطعام ويلبس رقيق الثياب فقال يا سبحان الله رجل زاهد مجمع على زهده لا يختلف فيه اثنان يأكل هذا المأكول ويلبس هذا الملبوس أشتهي أن أراه فجاء إلى الحربية فدخل مسجد القزويني وهو في منزله ثم إنه خرج فأذن ودخل المسجد وفيه ذلك الرجل وجماعة غيره فقال القزويني سبحان الله رجل يومأ إليه بالزهد والورع يعارض الله في أفعاله أو فيما يجري فيه عبيدة مرتين أو ثلاثا وما هاهنا محرم ولا منكر بحمد الله فطفق ذلك الرجل يتشاهق ويبكي بكاء شديدا والجماعة ينظرون إليه لا يدرون ما الخبر وصلى القزويني الظهر فلما فرغ من صلاته خرج الرجل من المسجد يهرول حافيا إلى أن خرج من الحربية فلما قضى القزويني ركوعه التفت إلى أبي طالب فقال له بين الحربية والمشهد حائط وضع ليكون سورا وما تم تمضي إليه وتحمل هذا المداس معك وتقول لذلك الشخص الجالس عليه لا يكون لك عودة أو كما قال قال أبو طالب ووالله ما أعلم أن ثم حائطا غير متموم كذا قال والصواب متمم ولا رأيته قط فإذا الرجل بعينه جالس على الحائط يبكي ويتشاهق فوضعت المداس بين يديه وانصرفت وقال أبو نصر بن الصباغ رحمه الله حضرت القزويني يوما ودخل عليه أبو بكر بن الرحبي فقال له أيها الشيخ أبي شيء أمرتني نفسي أخالفها فقال له إن كنت مريدا فنعم وإن كنت عارفا فلا فلما انكفأت من عنده فكرت في قوله وكأنني لم أصوبه فرأيت تلك الليلة في منامي شيئا أزعجني وكأن قائلا يقول لي هذا بسبب القزويني يعني لما أخذت في نفسك عليه أو كما قال قال ابن الصلاح ذلك لأن العارف ملك نفسه فأمن عليها من أن تدعوه إلى محذور بخلاف المريد فإن نفسه بحالها أمارة بالسوء فليخالفها كذلك وعن محمد بن هبة الله خادم ابن القزويني صليت ليلة مع ابن القزويني صلاة عشاء الآخرة فأمسى في ركوعه ولم يبق في المسجد غيري وغيره فلما قضى صلاته أخذت القنديل بين يديه ومشينا فرأيته قد عبر منزله فمشيت بين يديه فخرج من الحربية وأنا معه وقد صلى في مسجدها الآخر ركعتين فلم أعقل بشيء إذا أنا بموضع أطوف به مع جماعة خلفه حتى مضى هوي من الليل ثم أخذ بيدي وقال لي بسم الله ومشيت معه فلم أعقل بشيء إلا وأنا على باب الحربية فدخلناها قبل الفجر فسألته وأقسمت عليه أين كنا فقال لي قال النووي أمسى في ركوعه يعني صلاته والصلاة تسمى ركوعا قال ولفظ الطواف يدل على أنه البيت الحرام فإن الطواف لا يشرع لغيره قلت عبارته أطوف به فيحتمل أن يريد الطواف الشرعي ويحتمل أن يريد أن يدور في جوانبه فلا يتعين أن يكون هو الطواف الشرعي حتى يتعين أن يكون هو البيت الحرام ثم ساق جامع فضائل القزويني حكايات كثيرة تدل على أن الله تعالى أكرمه بهذه المنقبة وهي طيء الأرض له وعن أبي نصر عبد الملك بن الحسين الدلال قال كنت أقرأ على أبي طاهر ابن فضلان المقرىء وكنت إذ ذاك أقرأ على أبي الحسن بن القزويني فقال لي ابن فضلان يوما وقد جرى ذكر كرامات القزويني لا تعتقد أن أحدا يعلم ما في قلبك فخرجت من عنده إلى ابن القزويني فقال سبحان الله مقاومة معارضة روي عن النبي قال ( إن تحت العرش ريحا هفافة تهب إلى قلوب العارفين ) وروي عن النبي قال ( قد كان فيمن خلا قبلكم ناس محدثون فإن يكن في أمتي فعمر بن الخطاب ) وعن بعضهم أصبحت يوما لا أملك شيئا فقلت في نفسي أشتهي أن أجد الساعة في وسط الحربية دينارا أعود به إلى عيالي ومشيت فوافيت القزويني يخرج من منزله فصاح بي فجئت إليه فقال لي أما علمت أن اللقطة إذا لم تعرف فهي حرام وأخرج لي دينارا فوضعه في كفي وقال خذه حلالا وعن آخر دخلت مسجده وقد حمل إليه تفاح ومشمش كثير جدا وهو يفرق على ضعفاء الحربية فكأنني استكثرته وقلت في نفسي قد بقي في الناس لله بعد شيء فرفع القزويني رأسه إلي في الحال وقال سبحان الله يستكثر لله شيء لو رأيتم ما ينفق في معاصي الله وعن بعضهم أصابني ريح المفاصل حتى رميت لأجلها فأمر القزويني يده من وراء كمه عليها فقمت من ساعتي معافى وذكر ابن الصلاح كرامات أخر كثيرة حذفتها اختصارا لدلالة ما ذكرناه عليها لكونها من نوعه مات ابن القزويني في ليلة الأحد لخمس خلون من شعبان سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة
عن الشيخ أبي نصر بن الصباغ الفقيه رحمه الله حضرت القزويني للسلام عليه فقلت في نفسي قد حكي له أنني أشعري فربما رأيت منه في ذلك شيئا فلما جلست بين يديه قال لي لا نقول إلا خيرا لا نقول إلا خيرا مرتين أو ثلاثا ثم التفت إلي وقال لي من صلى على جنازة فله قيراط ومن تبعها حتى تدفن فله فيراطان مع القيراط أو غير القيراط قال قلت مع القيراط قال جيد بالغ ونهض فدخل مسجده وطالبني أهل المسجد بالدليل فقلت لهم في القرآن مثله قال الله تعالى قلت ونظير هذا قوله ( من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله ) وقد اختلف فيمن صلاها جماعة هل يكون كمن قال ليلة ونصف ليلة والأرجح لا يكون قال أبو طاهر بن جحشويه أردت سفرا وحنت خائفا منه فدخلت إلى القزويني أسأله الدعاء فقال ابتداء من أراد سفرا ففزع من عدو أو وحش فليقرأ تفقه على أبي إسحاق الشيرازي وسمع من الخطيب وغيره وأعاد عند فخر الإسلام الشاشي توفي في ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة تفقه على أبي محمد الجويني وولي القضاء بطوس وسمع أبا حفص بن مسرور وأبا عثمان الصابوني وغيرهما توفي بطوس في مستهل شهر رمضان سنة ثمان وتسعين وأربعمائة عن أربع وثمانين سنة صاحب الحاوي والإقناع في الفقه وأدب الدين والدنيا والتفسير ودلائل النبوة والأحكام السلطانية وقانون الوزارة وسياسة الملك وغير ذلك روى عن الحسن بن علي الجبلي صاحب أبي خليفة ومحمد بن عدي المنقري ومحمد ابن المعلي الأزدي وجعفر بن محمد بن الفضل الغدادي روى عنه أبو بكر الخطيب وجماعة آخرهم أبو العز بن كادش وتفقه بالبصرة على الصيمري ثم رحل إلى الشيخ أبي حامد الإسفرايني ببغداد وكان إماما جليلا رفيع الشأن له اليد الباسطة في المذهب والتفنن التام في سائر العلوم قال الشيخ أبو إسحاق درس بالبصرة وبغداد سنين كثيرة وله مصنفات كثيرة في الفقه والتفسير وأصول الفقه والآداب وكان حافظا للمذهب انتهى وقال الخطيب كان من وجوه الفقهاء الشافعيين وله تصانيف عدة في أصول الفقه وفروعه وغير ذلك قال وجعل إليه ولاية القضاء ببلدان كثيرة وقال ابن خيرون كان رجلا عظيم القدر مقدما عند السلطان أحد الأئمة له التصانيف الحسان في كل فن من العلم بينه وبين القاضي أبي الطيب في الوفاة أحد عشر يوما وقيل إنه لم يظهر شيئا من تصانيفه في حياته وجمعها في موضع فلما دنت وفاته قال لمن يثق به الكتب التي في المكان الفلاني كلها تصنيفي وإنما لم أظهرها لأني لم أجد نية خالصة فإذا عاينت الموت ووقعت في النزع فاجعل يدك في يدي فإن قبضت عليها وعصرتها فاعلم أنه لم يقبل مني شيء منها فاعمد إلى الكتب وألقها في دجلة وإن بسطت يدي ولم أقبض على يدك فاعلم أنها قد قبلت وأني قد ظفرت بما كنت أرجوه من النية قال ذل الشخص فلما قاربت الموت وضعت يدي في يده فبسطها ولم يقبض على يدي فعلمت أنها علامة القبول فأظهرت كتبه بعده قلت لعل هذا بالنسبة إلى الحاوي وإلا فقد رأيت من مصنفاته غيره كثيرا وعليه خطه ومنه ما أكملت قراءته عليه في حياته ومن كلام الماوردي الدال على دينه ومجاهدته لنفسه ما ذكره في كتاب أدب الدين والدنيا فقال ومما أنذرك به من حالي أني صنفت في البيوع كتابا جمعته ما استطعت من كتب الناس وأجهدت فيه نفسي وكددت فيه خاطري حتى إذا تهذب واستكمل وكدت أعجب به وتصورت أني أشد الناس اطلاعا بعلمه حضرني وأنا في مجلسي أعرابيان فسألاني عن بيع عقداه في البادية على شروط تضمنت أربع مسائل ولم أعرف لشيء منها جوابا فأطرقت مفكرا وبحالي وحالهما معتبرا فقالا أما عندك فيما سألناك جواب وأنت زعيم هذه الجماعة فقلت لا فقالا إيها لك وانصرفا ثم أتيا من قد يتقدمه في العلم كثير من أصحابي فسألاه فأجابهما مسرعا بما أقنعهما فانصرفا عنه راضيين بجوابه حامدين لعلمه إلى أن قال فكان ذلك زاجر نصيحة ونذير عظة تذلل لهما قياد النفس وانخفض لهما جناح العجب قال الخطيب كان ثقة مات في يوم الثلاثاء سلخ شهر ربيع الأول سنة خمسين وأربعمائة ودفن من الغد في مقبرة باب حرب قال وكان قد بلغ ستا وثمانين سنة
قال ابن الصلاح هذا الماوردي عفا الله عنه يتهم بالاعتزال وقد كنت لا أتحقق ذلك عليه وأتأول له وأعتذر عنه في كونه يورد في تفسيره في الآيات التي يختلف فيها أهل التفسير تفسير أهل السنة وتفسير المعتزلة غير متعرض لبيان ما هو الحق منها وأقول لعل قصده إيراد كل ما قيل من حق أو باطل ولهذا يورد من أقوال المشبهة أشياء مثل هذا الإيراد حتى وجدته يختار في بعض المواضع قول المعتزلة وما بنوه على أصولهم الفاسدة ومن ذلك مصيره في الأعراف إلى أن الله لا يشاء عبادة الأوثان وقال في قوله تعالى وتفسيره عظيم الضرر لكونه مشحونا بتأويلات أهل الباطل تلبيسا وتدسيسا على وجه لا يفطن له غير أهل العلم والتحقيق مع أنه تأليف رجل لا يتظاهر بالانتساب إلى المعتزلة بل يجتهد في كتمان موافقتهم فيما هو لهم فيه موافق ثم هو ليس معتزليا مطلقا فإنه لا يوافقهم في جميع أصولهم مثل خلق القرآن كما دل عليه تفسيره في قوله عز وجل انتهى
وهي من محاسن الماوردي وقد ساقها الشيخ محمد بن الشيخ أبي الفضل عبد الملك ابن إبراهيم الهمذاني في ذيله الذي ذيله على تاريخ أبي شجاع محمد بن الحسين الوزير العالم وأبو شجاع أيضا مذيل على تاريخ متقدم وحاصلها أنه في سنة تسع وعشرين وأربعمائة في شهر رمضان أمر الخليفة أن يزاد في ألقاب جلال الدولة ابن بويه شاهنشاه الأعظم ملك الملوك وخطب له بذلك فأفتى بعض الفقهاء بالمنع وأنه لا يقال ملك الملوك إلا لله وتبعهم العوام ورموا الخطباء بالآجر وكتب إلى الفقهاء في ذلك فكتب الصيمري الحنفي أن هذه الأسماء يعتبر فيها القصد والنية وكتب القاضي أبو الطيب الطبري بأن إطلاق ملك الملوك جائز ومعناه ملك ملوك الأرض قال وإذا جاز أن يقال قاضي القضاة جاز أن يقال ملك الملوك ووافقه التميمي من الحنابلة وأفتى الماوردي بالمنع وشدد في ذلك وكان الماوردي من خواص جلال الدولة فلما أفتى بالمنع انقطع عنه فطلبه جلال الدولة فمضى إليه على وجل شديد فلما دخل قال له أنا أتحقق أنك لو حابيت أحدا لحابيتني لما بيني وبينك وما حملك إلا الدين فزاد بذلك محلك عندي قلت وما ذكره القاضي أبو الطيب هو قياس الفقه إلا أن كلام الماوردي يدل على حديث ابن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي ( أخنع اسم عند الله تعالى يوم القيامة رجل يسمى ملك الأملاك ) رواه الإمام أحمد وقال سألت أبا عمرو الشيباني عن أخنع فقال أوضع والحديث في صحيح البخاري وفي حديث عوف عن خلاس عن أبي هريرة أن النبي ( اشتد غضب الله على من قتل نفسه واشتد غضب الله على رجل تسمى بملك الملوك لا ملك إلا لله تعالى ) قلت ولم تمكث دولة بني بويه بعد هذا اللقب إلا قليلا ثم زالت كأن لم تكن ولم يعش جلال الدولة بعد هذا اللقب إلا أشهرا يسيرة ثم ولي الملك الرحيم منهم وبه انقرضت دولتهم
أخبرنا الشيخ الإمام الوالد رحمه الله تعالى قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا إسحاق بن أبي بكر الأسدي سماعا أنبأنا أبو البقاء يعيش بن علي النحوي حدثنا الخطيب أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر الطوسي أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن بدران الحلواني أخبرنا أقضى القضاة أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي قراءة عليه أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن محمد الجبلي حدثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة حدثنا أبو إسحاق قال سمعت البراء رضي الله عنه يقول كان رسول الله معنا التراب يوم الأحزاب وقد وارى التراب بياض بطنه وهو يقول اللهم لولا أنت ما اهتدينا ** ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا ** وثبت الأقدام إن لاقينا إن الألى قد بغوا علينا ** إذا أرادوا فتنة أبينا أخبرنا الحافظ أبو العباس بن المظفر بقراءتي عليه أخبرنا أحمد بن هبة الله بن عساكر بقراءتي عليه أخبرنا إسماعيل بن عثمان القارىء إجازة أخبرنا هبة الرحمن بن عبد الواحد القشيري إملاء حدثنا الإمام ركن الإسلام والدي إملاء أخبرنا أقضى القضاة أبو الحسن علي بن محمد الماوردي ببغداد حدثنا أبو القاسم جعفر بن محمد البغدادي بالبصرة حدثنا أبو الفوارس العطار بمصر أخبرنا المزني حدثنا الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رجالا من أصحاب النبي ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال إني أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان منكم متحريا فليتحرها في السبع الأواخر
قال الماوردي في كتاب الشهادات من الحاوي في الكلام على قول الشافعي رضي الله تعالى عنه وإن كان يديم الغناء كتب إلى أخي من البصرة وقد اشتد شوقه إلى لقائي ببغداد طيب الهواء ببغداد يشوقني ** قدما إليها وإن عاقت مقادير فكيف صبري عنها الآن إذ جمعت ** طيب الهواءين ممدود ومقصور قال النووي قوله طيب الهواءين لحن عند النحويين لأنهم لا يجيزون تثنية المختلفين في الصيغة إلا في ألفاظ سمعت من العرب كالأبوين والعمرين وشبهه من المسموع قلت في المسألة مذاهب للنحاة فمن قائل يمتنع مطلقا ويؤول ما ورد من ذلك وهو اختيار شيخنا أبي حيان ومن قائل يجوز مطلقا وهو اختيار ابن مالك وقال ابن عصفور إن اتفقا في المعنى الموجب للتسمية كالأحمرين للذهب والزعفران والأطيبين للشباب والنكاح وإلا فلا ولي على هذه المسألة كلام مفرد في جواب سؤال سألنيه صاحبنا الإمام الأديب صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي على قول الحريري صاحب المقامات جاد بالعين حين أعمى هواه ** عينه فانثنى بلا عينين وهو البيت الذي لحنه المانعون فيه ولعلنا نتكلم على ذلك في ترجمة الحريري إن شاء الله تعالى
قال في الأحكام السلطانية يجوز أن يكون وزير التنفيذ ذميا بخلاف وزير التفويض وفرق بأن وزير التفويض يولي ويعزل ويباشر الحكم ويسير الجيش ويتصرف في بيت المال بخلاف وزير التنفيذ وقال إذا استسقى كافر تخير الأمير بين سقيه ومنعه كما يتخير بين قتله وتركه وقال إذا غاب إمام المسجد ولم يستنب استؤذن الإمام فإن تعذر استئذانه تراضى أهل البلد يؤمهم فإذا حضرت صلاة أخرى والإمام على غيبته فقد قيل المرتضى في الصلاة الأولى أولى في الثانية وما بعد إلى أن يحضر الإمام وقيل بل يختار للثانية ثان يرتضى غير الأول لئلا يصير هذا الاختيار تقليدا سلطانيا قال الماوردي ورأيي أن يراعي حال الجماعة في الثانية فإن حضرها من حضر في الأولى كان المرتضى في الأولى أحق وإن حضرها غيرهم كان الأول كأحدهم واستأنفوا اختيار إمام قلد السلطان إمامين في مسجد ولم يخص أحدهما بزمن ولا صلوات فأيهما سبق كان أحق بالإمامة وليس للآخر أن يؤم الصلاة بقوم آخرين لأنه لا يجوز أن تقام في المساجد السلطانية جماعتان في صلاة واحدة واختلف في السبق الذي يستحق به التقدم على وجهين أحدهما سبقه بالحضور إلى المسجد والثاني بالإمامة فيه فإن حضرا معا ولم يتفقا على تقديم أحدهما فوجهان أحدهما يقرع والثاني يختار أهل الناحية قال الماوردي في الحاوي فيما إذا قال قارضتك على أن لك سدس عشر تسع الربح والأصح فيه الصحة لأنه معلوم من الصيغة يمكن الاطلاع عليه غير أنا نستحب لهما أن يعدلا عن هذه العبارة الغامضة إلى ما يعرف على البديهة من أول وهلة لأن هذه عبارة قد توضح للإخفاء والإغماض قال الشاعر لك الثلثان من قلبي ** وثلثا ثلثه الباقي وثلثا ثلث ما يبقى ** وثلث الثلث للساقي وتبقى أسهم ست ** تقسم بين عشاقي فانظر إلى هذا الشاعر وبلاغته وتحسين عبارته كيف أغمض كلامه وقسم قلبه وجعله مجزأ على أحد وثمانين جزءا هي مضروب ثلاثة في ثلاثة ليصح منها مخرج ثلث ثلث الثلث فجعل لمن خاطبه أربعة وسبعين جزءا من قلبه وجعل للساقي جزءا وبقي الستة الأجزاء ففرقها فيمن يحب وليس للإغماض في عقود المعاوضات وجه مرضي ولا حال يستحب غير أن العقد لا يخرج به عن حكم الصحة إلى الفساد ولا عن حال الجواز إلى المنع لأنه قد يؤول بهما إلى العلم ولا يجهل عند الحكم انتهى كلام الماوردي وقد أورثه حب الأدب إدخال هذه الأبيات الغزلية في الفقه وقوله جزأ قلبه على أحد وثمانين جزءا وجهه ظاهر وقد أعطاه في الأول أربعة وخمسين وهي ثلثا القدر المذكور ثم ثلثى الثلث الثالث وهي ثمانية عشر وبقيت تسعة فأعطاه ثلثى ثلثها وهو اثنان ويبقى سبعة واحد وهو ثلث الثلث الباقي للساقي وستة مقسومة وقوله ليس للإغماض في المعاوضات حال مرضي فممنوع فقد يقصد المتعاقدان إخفاء ما يتعاقدان عليه عن سامعه لغرض ما ومثله مذكور في بعتك مثل ما باع به فلان فرسه قال الماوردي في الحاوي يجب في سلخ جلد ابن آدم حكومة لا تبلغ دية النفس ذكره قبل باب اصطدام الفارسين بأوراق وهو خلاف ما جزم به الرافعي أنه تجب الدية فيه وفي الحاوي في باب كيفية اللعان لو قال لابنه أنت ولد زنا كان قاذفا لأمه انتهى وهي مسألة حسنة تعم بها البلوى ذكرها ابن الصلاح في فتاويه بحثا من قبل نفسه وكأنه لم يطلع فيها على نقل وزاد ابن الصلاح أنه يعزز للمشتوم وقال عند كلامه على إمامة العبد إمامة الحر الضرير أولى من إمامة العبد البصير لأن الرق نقص انتهى وهو غريب منه فإنه قطع بأن البصير أولى من الأعمى كما يقول صاحب التنبيه فهذه صورة تقع مستثناة من ذلك وقيد في باب اختلاف نية الإمام والمأموم الصبي الذي يصح أن يؤم البالغين بالمراهق ولم أر لفظة المراهق لغيره إنما عبارة الأصحاب المميز فإن أراد بالمراهق المميز وهو الظاهر فقد وضع المقيد موضع المطلق لأن التمييز أعم من سن المراهق وإلا فلا أعرف له قدوة فإن كل من أجاز إمامة الصبي قنع بالتمييز قال في الحاوي قبيل باب قتل المحرم صيدا فيمن مات وعليه حجة الإسلام وحجة منذورة لو استؤجر رجلان ليحجا عنه في عام واحد أحدهما يحرم بحجة الإسلام والآخر بحجة النذر فيه وجهان أحدهما أنه لا يجوز لأن حج الأجير يقوم مقام حجه وهو لا يقدر على حجتين في عام واحد فكذا لا يصح أن يحج عنه رجلان أن يحج عنه رجلان في عام واحد والوجه الثاني أن ذلك جائز لأنه إنما لم يصح منه حجتان في عام لاستحالة وقوعهما منه والأجيران قد يصح منهما حجتان في عام فاختلفا فعلى هذا أي الأجيرين سبق بالإحرام كان إحرامه متعينا لحجة الإسلام وإحرام الذي بعده متعينا لحجة النذر فإن أحرما معا في حالة واحدة من غير أن يسبق أحدهما الآخر احتمل وجهين أحدهما أنه يعتبر أسبقهما إجازة وإذنا فينعقد إحرامه بحجة الإسلام والذي بعده بحجة النذر والثاني أن الله تعالى يحتسب له بإحداهما عن حجة الإسلام لا بعينها والأخرى عن حجة النذر انتهى وقد تضمن استحالة حجتين في عام واحد من رجل واحد وأنه مفروغ منه وهو حق وعليه نص الشافعي رضي الله تعالى عنه ومتوهم خلافه مخطىء كما قرره الوالد الشيخ الإمام رحمه الله ومن العجب أن صاحب البحر أهمل فيه مع كثرة تتبعه للحاوي أول هذا الفصل واقتصر على قوله ما نصه فرع لو كانت عليه حجة الإسلام وحجة النذر فاستأجر رجلين في عام واحد وأحرما عنه في حالة واحدة من غير أن يسبق أحدهما الآخر يحتمل وجهين أحدهما أنه يعتبر أسبقهما إجارة وإذنا فينعقد إحرامه بحجة الإسلام وما بعده بحجة النذر والثاني يحتسب له بإحداهما عن حجة الإسلام لا بعينها والأخرى عن حجة النذر انتهى ذكر الماوردي في الحاوي وتبعه الروياني في البحر أنه لو أسلم إليه في جارية بصفة فأتاه بها على تلك الصفة وهي زوجته لم يلزمه قبولها لأنه لو قبلها بطل نكاحه فيدخل عليه بقبولها نقض قال وكذلك المرأة إذا أسلمت فأحضر إليها زوجها لم يلزمها القبول لما فيه من فسخ النكاح واعترضه ابن الرفعة بأن الزواج عيب في الزوج والأمة فعدم إيجاب القبول لوجود العيب لا لخوف الضرر بفسخ النكاح قلت وهو اعتراض صحيح إن لم تكن صورة المسألة أنه أسلم في أمة ذات زوج والذي يظهر وعليه جرى الوالد في شرح المنهاج أن المسألة مصورة بمن أسلم في أمة ذات زوج ثم قال ابن الرفعة وإذا كان كذلك أمكن أن يقال إذا قبض المحضر ولم يعرف المسلم الصورة فإن لم يرد انفسخ النكاح ولو رد لم يرض به يكون في انفساخه خلاف مبني على أن الدين الناقص هل يملك بالقبض ويرتد بالرد أو لا يملك إلا بالرضا بعده فعلى الأول ينفسخ النكاح وعلى الثاني لا ينفسخ وقد يجاب بأن النكاح لما كان يرتفع بالتسليم وإن كان عيبا قدر عدمه في الحال نظرا لما جعل المحقق الوقوع كالواقع والمشرف على الزوال كالزائد ويشهد لذلك أمران أحدهما أنه إذا اشترى جارية وزوجها وقال لها الزوج إن ردك المشتري بعيب فأنت طالق فإن للمشتري ردها بما اطلع عليه من عيبها لأن الزوجية تزول بالرد وقدرت كالمعدومة والثاني أنه لو قتل أمة مزوجة يلزمه قيمتها خلية عن الزوج قلت والفرعان المستشهد بهما ممنوعان أما قول الزوج إن ردك المشتري بعيب فأنت طالق فهو شيء قاله والد الروياني وسكت عليه الرافعي وقد قال الوالد في شرح المنهاج الأقرب خلافه وأما من قتل أمة مزوجة فالظاهر أنه إنما يلزمه قيمتها ذات زوج وحكى الماوردي ثم الروياني وجهين فيما لو أسلم إليه في عبد فأتاه بأخيه أو عمه وجهين في أنه هل له الامتناع من قبوله لأن من الحكام من يحكم بعتقه عليه فيكون قبوله ضررا أما لو أتاه بأبيه أو جده فلا يلزمه القبول قطعا فإن قبضه وهو لا يعلم ثم علم ففي صحة القبول وجهان قاله الماوردي وذكر في اليمين الغموس أنها أوجبت الكفارة وهي محلولة غير منعقدة وبه جزم ابن الصلاح في شرح مشكل الوسيط وقال إنما وجبت الكفارة بمجرد العقد وهو كونه حلف والحنث وهو كونه كذب والذي صرح به صاحب البحر أنها منعقدة وهو قضية تصريح صاحب التنبيه والرافعي وغيرهما وهو الأشبه واللائق لمن يوجب الكفارة وكلام ابن الصلاح يؤول إلى أنه لا يلزم من عقد انعقاد وفيه نظر وذكر الماوردي أيضا في كلامه على اليمين الغموس في أثناء الحجاج أن الحلف بالمخلوق حرام والذي في الرافعي عن الإمام أن الأصح القطع بأنه غير محرم وإنما هو مكروه وعبارة الشافعي رضي الله عنه أخشى بأنه يكون الحلف بغير الله معصية وقد اقتصر الماوردي عند كلامه في هذا النص على الكراهة كما فعله المعظم نقل الرافعي أن الماوردي قال في الأحكام السلطانية إن للقاضي أن يحكم على عدوه بخلاف الشهادة عليه لأن أسباب الحكم ظاهرة وأسباب العداوة خافية وهو كما نقله في الأحكام السلطانية لكنه أطلق في المسألة في الحاوي عند الكلام في التحكيم ثلاثة أوجه ثالثها الفرق بين الحكم والتحكيم فيجوز على العدو لاختياره والحكم بولاية القضاء فلا يجوز ولم يرجح فيها شيئا وقيد المسألة قبل ذلك وهذه عبارته قال قبل باب كتاب قاض إلى قاض ويجوز أن يحكم لعدوه على عدوه وجها واحدا وإن لم يشهد عليه بخلاف الوالدين والمولودين لوقوع الفرق بينهما من وجهين أحدهما أن أسباب العداوة طارئة تزول بعد وجودها الحادث بعد عدمها وأسباب الأنساب لازمه لا تزول ولا تحور فغلظت هذه وخففت تلك الثاني أن الأنساب محصورة متعينة والعداوة منتشرة مبهمة فيفضي ترك الحكم معها إلى امتناع كل مطلوب بما يدعيه من العداوة انتهى غير أن هذين الفرقين يقتضيان جواز الحكم على العدو مطلقا كما نقله الرافعي وإذا تأملت الفرقين عرفت اندفاع قول الشافعي مشككا عليه وهذا يشكل بالتسوية بينهما في حق الأبعاض وغيره وعرفت أيضا أنه إن لم يكن الأمر كما نقله من جواز الحكم على العدو مطلقا وإلا فالعلة عامة والدعوى خاصة فإنه قد يقال يقضي لعدوه على عدوه كما يقضي للأصول على الفروع وبالعكس على الخلاف فيه وإن لم يقض عليه مطلقا واقتصر الرافعي في القضاء للأصول والفروع على وجهين وفي الحاوي وجه ثالث أنه يقتضى لهم بالإقرار لبعد التهمة فيه ولا يقضي بالبينة قال الماوردي في الحاوي في باب كتاب قاض إلى قاض في أواخره ولو لم يذكر القاضي في كتابه سبب حكمه وقال ثبت عندي بما يثبت بمثله الحقوق وسأله المحكوم عليه عن السبب الذي حكم به عليه نظر فإن كان قد حكم عليه بنكوله ويمين الطالب يلزمه أن يذكره لأنه يقدر على دفعه بالبينة وإن كان قد حكم عليه بالبينة فإن كان الحكم بحق في الذمة لم يلزمه ذكره لأنه لا يقدر على دفعها بمثلها وإن كان الحكم بعين قائمة لزمه أن يذكرها لأنه يقدر على مقابلتها بمثلها وتترجح بينة اليد فيكون وجوب التبيين معتبرا بهذه الأقسام انتهى وقد أخذ صاحب البحر قوله فيكون وجوب التبيين معتبرا بهذه الأقسام مقتصرا عليه فقال وإن لم يذكر القاضي ما حكم به منها في كتابه وقال ثبت عندي بما يثبت بمثله الحقوق فهل يجوز وجهان قلت وهذا الوجه الذي أشار إليه بعد الجواز هو الذي أشار إليه الرافعي عند قوله في الركن الثالث في كيفية إنهاء الحكم إلى قاض آخر وفي فحوى كلام الأصحاب مانع من إبهام الحجة لما فيه من سد باب الطعن والقدح على الخصم وبهذا الوجه يتسلق إلى منازعته في جزمه قبل ذلك قال القاضي لو قال على سبيل الحكم نساء هذه القرية طوالق من أزواجهن يقبل ولا حاجة إلى حجة ذكره في آخر الثالثة من الفصل الثاني في العزل ثم قال مسألة عند الكلام في القضاء بالعلم فإنه قال وأجابوا عن معنى التهمة قال القاضي لو قال ثبت عندي وصح لدي كذا لزم قبوله ولم يبحث عما صح وثبت واعلم أن الأصل في تسمية القاضي الشهود الذي حكم بشهادتهم فيه للناس خلاف قديم بين الشافعية والحنفية حكاه الماوردي وصاحب البحر وغيرهما كان الشافعية يقولون الأولى التسمية وذاك أحوط للمحكوم عليه وكان الحنفية يقولون الأولى تركه وهو أحوط للمشهود عليه والماوردي ذكر المسألة في باب كتاب قاض إلى قاض وحكى في باب ما على القاضي في الخصوم والشهود أن أبا العباس بن سريج كان يختار مذهب الحنفية في ذلك قال الروياني في البحر فإن لم يسمهما قال شهد عندي رجلان حران عرفهما بما يجوز به قبول شهادتهما وإن سماهما قال شهد عندي فلان وفلان وقد ثبت عندي عدالتهما قلت فيجتمع من الكلامين في التسمية ثلاثة أوجه أحدهما أن تركه أولى وهو رأي ابن سريج والثاني أن ذكره أولى ولكن لا يجب والثالث أنه واجب وعلى الوجوب لا يخفى إيجابه إبداء المستند إذا طولب به وعلى عدم الوجوب هل يجب إبداؤه إذا سئل فيه ما تقدم من تفصيل الماوردي غير أن قوله في اليمين المردودة يبنى على أنها كالإقرار أو كالبينة فهي لا تخرج عنهما وإن كان الإقرار فيها ضمنا وقد سبق في ترجمة ابن سريج ما إذا ضم إليه هذا صار كلاما في المسألة
المرتد يعود إلى الإسلام هل تقبل شهادته بمجرد عوده أو يحتاج إلى الاستبراء كالفاسق يتوب وهي مسألة مهمة وللنظر فيها وقفة فإنه قد يستصعب عدم استبرائه مع كون معصيته أغلظ المعاصي ويستصعب استبراؤه والإسلام يبجب ما قبله والذي يقتضيه كلام فقهائنا قاطبة الجزم بعدم استبرائه وأنه يعود بالشهادتين إلى حاله قبل ردته وادعى ابن الرفعة نفي الخلاف في ذلك وحكى عن الأصحاب أنهم فرقوا بأنه إذا أسلم فقد أتى بضد الكفر فلم يبق بعده احتمال وليس كذلك إذا أظهر التوبة بعد الزنا والشرب لأن التوبة ليس مقيدة بالمعصية بحيث ينفيها من غير احتمال فلهذا اعتبرنا في سائر المعاصي صلاح العمل وحكى هذا الفرق عن القاضي أبي الطيب وغيره قلت والحاصل أن المرتد بإسلامه تحققنا أنه جاء بضد الردة ولا كذلك التائب من الزنا ونحوه وقد أشار إلى هذا الفرق الشيخ أبو حامد فقال في تعليقته في الكلام على توبة القاذف ما نصه فإن قيل ما الفرق بين القاذف والمرتد حتى قلتم القاذف يطالب بأن يقول القذف باطل والمرتد لا يطالب بأن يقول الكفر باطل أجاب بأنه لا فرق في المعنى وذكر نحو ذلك وقد قدمنا عبارته عن هذا في ترجمة الإصطخري في الطبقة الثالثة وما نقله ابن الرفعة عن القاضي أبي الطيب رأيته في تعليقته كما نقله ولفظه فإن قيل فكيف اعتبرتم صلاح العمل في التوبة التي هي فعل ولم تعتبروه هاهنا فالجواب أنه إذا أسلم فقد أتى بضد الكفر ولم يبق بعد ذلك احتمال وليس كذلك إذا كان قد زنى أو سرق ثم تاب لأن توبته ليست مضادة لمعصيته بحيث يتركها من غير احتمال فلهذا اعتبرنا فيه صلاح العمل انتهى ذكره في الكلام على توبة القاذف في باب شهادة القاذف وهو صحيح لكنا نفيدك هنا أن الماوردي لم يسلم أن المرتد لا يستبرأ مطلقا بل فصل فيه فقال في الحاوي في باب شهادة القاذف ما نصه فإذا أتى المرتد بما يكون به تائبا عاد إلى حاله قبل ردته فإن كان ممن لا تقبل شهادته قبل ردته لم تقبل بعد توبته حتى يظهر منه شروط العدالة وإن كان ممن تقبل شهادته قبل الردة نظر في التوبة فإن كانت عند اتقائه للقتل لم تقبل شهادته بعد التوبة إلا أن يظهر منه شروط العدالة باستبراء حاله وصلاح عمله وإن تاب من الردة عفوا غير متق بها القتل عاد بعد التوبة إلى عدالته انتهى وذكره الروياني في البحر أيضا بقريب من هذا أبو بلفظه سواء وقولهما عند اتقائه للقتل هو بالتاء المثناة من فوق أي عند إسلامه تقية وإنما نبهت على ذلك لأني وجدت من صحفه فجعل موضع التاء لاما وقرأه عند إلقائه للقتل ثم فسره بالتقديم إلى القتل وليس كذلك بل عند الإسلام تقية من القتل سواء كان عند التقديم للقتل أو قبل وفي أدب القضاء لشريح الروياني ما نصه وإذا أسلم الكافر هل تقبل شهادته في الحال من غير استبراء قد قيل فيه وجهان وقيل إذا أسلم المرتد لا تقبل شهادته إلا بعد استبراء حاله وغيره إذا أسلم تقبل شهادته في الحال والفرق أن كفره مغلظ انتهى فتخرج من كلامه مع ما تقدم في المرتد يسلم ثلاثة أوجه في وجوب الاستبراء ثالثها الفرق بين الإسلام تقية وغيره وأما الكافر الأصلي فالوجهان فيه غريبان ويوافق ما ذكره فيه قول الدارمي في استذكاره بعد الكلام على توبة القاذف وكذلك تختبر الكفار إذا أسلموا فقد أطلق اختبار الكفار
قال في الحاوي قبل باب الوصية لو قال اعطوا ثلثي مالي لأصلح الناس ولأعلمهم كان مصروفا في الفقهاء لاضطلاعهم بعلوم الشريعة التي هي بأكثر العلولم متعلقة ولو أوصى بثلثه لسيد الناس كان للخليفة رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المنام فجلست معه ثم قمت أماشيه فضاق الطريق بنا فوقف فقلت له تقدم يا أمير المؤمنين فإنك سيد الناس فقال لا تقل هكذا فقلت بلى يا أمير المؤمنين ألا ترى أن رجلا لو أوصى بثلثه لسيد الناس كان للخليفة أنا أفتيكم بهذا فخط خطي به ولم أكن سمعت هذه المسألة قبل المنام وليس الجواب إلا كذلك لأن سيد الناس هو المتقدم عليهم والمطاع فيهم وهذه صفة الخليفة المتقدم على جميع الأمة انتهى
وأفاد الماوردي أن الجهر بقنوت الصبح دون جهر القراءة وهي مسألة نافعة مليحة في الاستدلال على مشروعية القنوت وهذا لفظ الحاوي في القنوت وإن كان إماما فعلى وجهين أحدهما يسر به لأنه دعاء إلى أن قال ما نصه والوجه الثاني يجهر به كما يجهر بقوله سمع الله لمن حمده لكن دون جهر القراءة انتهى والرافعي اقتصر تبعا لغير واحد على حكاية الوجهين في الجهر من غير تبيين لكيفيته المتكلم الصوفي صاحب المصنفات شيرازي الأصل وقيل نيسابوري وقيل واسطي كان إماما في النحو واللغة والتصوف فقيها مؤرخا صنف البصائر والإشارات وغيرهما وتفقه على القاضي أبي حامد المروروذي وسمع الحديث من أبي بكر الشافعي وأبي سعيد السيرافي وجعفر الخلدي ولعله أخذ عنه التصوف وغيرهم روى عنه علي بن يوسف الفامي ومحمد بن منصور بن جيكان وعبد الكريم بن محمد الداودي ونصر بن عبد العزيز المصري الفارسي ومحمد ابن إبراهيم ابن فارس الشيرازيون وسمع منه أبو سعد عبد الرحمن بن ممجة الأصبهاني بشيراز في سنة أربعمائة قال ابن النجار له المصنفات الحسنة كالبصائر وغيرها قال وكان فقيرا صابرا متدينا قال وكان صحيح العقيدة وقال شيخنا الذهبي بل كان عدو الله خبيثا وقال الذهبي أيضا كان سيء الاعتقاد ثم نقل قول ابن فارس في كتاب الفريدة والخريدة كان أبو حيان كذابا قليل الدين والورع عن القذف والمجاهرة بالبهتان تعرف لأمور جسام من القدح في الشريعة والقول بالتعطيل ولقد وقف سيدنا الصاحب كافي الكفاة على بعض ما كان يدغله ويخفيه من سوء الاعتقاد فطلبه ليقتله فهرب والتجأ إلى أعدائه ونفق عليهم بزخرفه وإفكه ثم عثروا منه على قبيح دخلته وسوء عقيدته وما يبطنه من الإلحاد ويرومه في الإسلام من الفساد وما يلصقه بأعلام الصحابة من القبائح ويضيفه إلى السلف الصالح من الفضائح فطلبه الوزير المهلبي فاستتر منه ومات في الاستتار وأراح الله منه ولم يؤثر عنه إلا مثلبة أو مخزية وقال أبو الفرج بن الجوزي في تاريخه زنادقة الإسلام ثلاثة ابن الراوندي وأبو حيان التوحيدي وأبو العلاء قال وأشدهم على الإسلام أبو حيان لأنه مجمع ولم يصرح قلت الحامل للذهبي على الوقيعة في التوحيدي مع ما يبطنه من بغض الصوفية هذان الكلامان ولم يثبت عندي إلى الآن من حال أبي حيان ما يوجب الوقيعة فيه ووقفت على كثير من كلامه فلم أجد فيه إلا ما يدل على أنه كان قوي النفس مزدريا بأهل عصره لا يوجب هذا القدر أن ينال منه هذا النيل وسئل الشيخ الإمام الوالد رحمه الله عنه فأجاب بقريب مما أقول
قال في كتابه الإمتاع والمؤانسة إن الداء الذي يعتري كثيرا من الكلاب ويقال له الكلب يعرض للجمال أيضا قال فإذا كلب الجمل نحر ولم يؤكل لحمه انتهى وأبو حيان قد نقل عنه الرافعي في مسألة الربا في الزعفران وهو عنده فوائد ومسائل كثيرة عن القاضي أبي حامد المروروذي ومنها مسألة الزعفران ولكني لا أعرف له من قبل نفسه كلاما في الفقه وما ذكره من عدم الأكل ظاهر إن قالت الأطباء إنه مؤذ وأما النحر لغير مأكله ففيه وقفة والذي ينبغي عموم القتل كقتل سائر المضرات لا خصوص النحر فقيه فرضي من أصحاب القاضي أبي الطيب الطبري ولد في رجب سنة أربعمائة بمصر وسمع بها وبدمشق وبغداد من جماعة وروى عنه الحافظ أبو بكر الخطيب وهو أكبر منه وجماعة وتوفي في جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين وأربعمائة سمع من الخطيب وغيره روى عنه أبو البركات بن السقطي وقال مات في طاعون سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة من آمل طبرستان قال ابن السمعاني كان إماما فاضلا وحدث وسمع ببلده عبد الله بن جعفر الجناري الحافظ وببغداد أبا الغنائم بن المأمون وأبا جعفر بن المسلمة وابن النقور روى عنه ابن أخيه أبو جعفر محمد بن الحسين بن أميركا القاضي بطبرستان وقد اشترك أبو الحسن هذا وألكيا الإمام في الاسم والكنية واسم الأب والجد والطبرستية وهو أسن من إلكيا فإنه سمع إملاء الحافظ الجنازي سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة ومولد إلكيا سنة خمسين مات شابا في شهر رمضان سنة خمسين وأربعمائة قبل والده قال عبد الغافر ظريف فاضل من أركان أصحاب الشافعي توفي في نيف وستين وأربعمائة نزيل نيسابور فقيه أديب شاعر قال الحاكم ثم قيل اسم جده حسين بن يوسف بن عبد العزيز وقيل الحسن هو أديب زمانه أبو الفتح البستي قال الحاكم هو واحد عصره حدثني أنه سمع الكثير من أبي حاتم بن حبان روى عنه الحاكم وأبو عثمان الصابوني والحسين بن علي البردعي قال الحاكم ورد نيسابور غير مرة فأفاد حتى أقر له الجماعة بالفضل قلت هو من بست بضم الباء الموحدة وإسكان السين وآخرها التاء المثناة من فوق كان أديبا مطلقا نظما ونثرا وله في الشافعي رضي الله تعالى عنه وفي مختصر المزني مدائح كثيرة قال ابن الصلاح وهو على ذلك من الشعراء الذين هم في كل واد يهيمون ولكل برق يشيمون فلذلك جاء عنه في تحليل النبيذ أبيات ولتزكية الكرامية أبيات ولكن عندما علت بخراسان كلمتهم وشاكت أهل السنة شوكتهم مات في سنة إحدى وأربعمائة ببخارى ومن نثره من أصلح فاسده أرغم حاسده عادات السادات سادات العادات لم يكن لنا طمع في درك درك فأعفينا من شرك شرك يا جهل من كان على السلطان مدلا وللإخوان مذلا إذا صح ما قاتك فلا تيأس على ما فاتك المعاشرة ترك المعاشرة من سعادة جدك وقوفك عند حدك ومن شعره أخبرنا أبو العباس أحمد بن علي بن الحسن بن داود الكردي قراءة عليه وأنا أسمع عن محمد بن عبد الهادي عن الحافظ أبي طاهر بن سلفة أخبرنا الإمام أبو المحاسن الروياني أخبرنا الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني بنيسابور أنشدنا أبو الفتح البستي لنفسه قال كل الذنور فإن الله يغفرها ** إن شيع المرء إخلاص وإيمان وكل كسر فإن الله يجبره ** وما لكسر قناة الدين جبران قلت وهذان البيتان من كلمة طيبة لأبي الفتح تسمى عنوان الحكم مطلعها زيادة المرء في دنياه نقصان ** وربحه غير محض الخير خسران وكل وجدان حظ لا ثبات له ** فإن معناه في التحقيق فقدان يا عامرا لخراب الدار مجتهدا ** بالله هل لخراب العمر عمران ويا حريصا على الأموال يجمعها ** أقصر فإن سرور المال أحزان دع الفؤاد عن الدنيا وزخرفها ** فصفوها كدر والوصل هجران وأرع سمعك أمثالا أفصلها ** كما يفصل ياقوت ومرجان أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ** فطالما استعبد الإنسان إحسان وإن أساء مسيء فليكن لك في ** عروض زلته صفح وغفران واشدد يديك بحبل الله معتثما ** فإن الركن إن خانتك أركان من استعان بغير الله في طلب ** فإن ناصره عجز وخذلان من جاد بالمال مال الناس قاطبة ** إليه والمال للإنسان فتان من سالم الناس يسلم من غوائلهم ** وعاش وهو قرير العين جذلان والناس أعوان من واتته دولته ** وهم عليه إذا خانته أعوان يا ظالما فرحا بالسعد ساعده ** إن كنت في سنة فالدهر يقظان لا تحسبن سرورا دائما أبدا ** من سره في سنة فالدهر يقظان لا تغترر بشباب رائق خضل ** فكم تقدم قبل الشيب شبان ويا أخا الشيب لو ناصحت نفسك لم ** يكن لمثلك في اللذات إمعان هب الشبية تبدي عذر صاحبها ** ما عذر أشيب يستهويه شيطان وله أيضا إذا برى قلما يوما ليعمله ** تقول هز غداة الروع عامله وإن أقر على رق أنامله ** أقر بالرق كتاب الأنام له 8. وله أيضا إذا قنعت بميسور من القوت ** بقيت في الناس حرا غير ممقوت يا قوت يومي إذا ما در خلفك لي ** فلست آسى على در وياقوت
|